إصلاح الأنظمة الإدارية
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص304-329
2025-11-13
36
يشهد العالم الان تطورا كبيرا في جميع مجالاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقد تضاعفت جهود الحكومات لمواكبة هذا التطور والتغيير الذي اصبح من سمات المجتمعات الإنسانية المعاصرة، الا أن هذا التطور يتعثر في الدول النامية التي تعاني من سيطرة الجهاز الاداري (البيروقراطي) على معظم المؤسسات حتى أصبح قوة من الصعب السيطرة عليها، وأدى ذلك الى عدم المرونة وتضارب الهياكل القانونية والتركيز على المركزية ونتج عنه عدم قدرة المرؤوسين على تحمل المسؤولية وتركيز المهام والقرارات في ايدي المديرين مما ادى الى وجود موجات مرتفعة من عدم الرضا بين متلقي الخدمة من المواطنين، واصبح بعض الموظفين الذين عليهم خدمة المواطنين يعملون من اجل مصالحهم الشخصية وساعدهم على ذلك العدد المتزايد من القوانين والانظمة والاجهزة البيروقراطية(1). ولذلك كان لابد من اعادة النظر في هذه العوائق ومحاولة ايجاد وسيلة لكسر الجمود الناتج عن سيطرة البيروقراطية وحث الموظفين على التحرك والامانة والاخلاص في العمل من اجل اعادة الثقة في الجهاز الاداري وذلك عن طريق تحقيق طموحات ورغبات الجماهير(2).
يشمل الإصلاح الإداري عملية التنظيم من حيث الأسس والمبادئ ومعالجة المشاكل والصعوبات التي تواجه التنظيم والكشف عن عوامل نجاحة كأحد العناصر الهامة في العملية الإدارية، أما النظم فيقصد بها القوانين والأنظمة الوظيفية التي تحكم المؤسسات العامة فلابد من تغيير وتطوير القوانين والأنظمة القديمة التي تحكم الأجهزة الإدارية لكي تلائم الحاضر (3).
ومما لا شك فيه أن الحياة في أي مجتمع لا يمكن أن تستقيم إلا بوجود قدر كاف من الضوابط التي تهيمن على علاقات وسلوك الأفراد المكونين لها، وأن هذه الضوابط توضع في شكل قواعد عامة تعرف (بالأنظمة) وفي شكل قواعد فرعية تفصيلية تابعة لها تعرف ( بالتعليمات) ولما كان المجتمع الإداري جزءاً من المجتمع الكبير فأن حياته لا يمكن أن تستقيم إلا بضبط علاقات وسلوك أفراده وفقا لأحكام الأنظمة والتعليمات الإدارية، فالجهاز الإداري في هذه الحالة يمارس نشاطه في إطار نظامي مرسوم يجب أن لا يحيد عنه وإلا عد تصرفه مشوباً بالانحراف وعدم المشروعية (4). هذا من جانب، ومن جانب آخر أن النشاط الإداري أما أن يكون قانونيا كالقرارات والعقود الإدارية، وأما أن يكون ماديا كالأعمال التنظيمية والمكتبية، وفي كل الحالات فان هذه الأنشطة يجب أن تمارس في حدود الاختصاصات والصلاحيات المقررة بموجب الأنظمة والتعليمات التي تعتبر من الدعائم الأساسية لضبط علاقات وسلوك الموظفين لرفع مستوى أدائهم بكفاءة وبفاعليه. وعليه فان المنظمة التي تتسم بحسن الإدارة والتنظيم هي التي فيها تحترم وتطاع الأنظمة والتعليمات، ولكي تطاع هذه الأنظمة والتعليمات يجب أن تكون قابلة للتنفيذ ومقنعة لمن يلزم بها وتتوخى مصلحة الجماعة ولا تتعارض مع مصالح الأفراد وأن تكون متفقة مع الدستور والمثل العليا في المجتمع كما يجب أن تكون هذه الأنظمة مرنة ومتمشية مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية وبخاصة في الدول النامية التي أخذت بنظام التخطيط الاجتماعي والاقتصادي الشامل وبنظام الحكم المحلي، أما إذا كانت الأنظمة والتعليمات جامدة فلا مناص من تطويرها وبخاصة تلك التي تنظم القواعد التالية: الاختصاصات والصلاحيات والنصوص الإجرائية والمسؤولية الإدارية (5).
وعلى هذا فأن الإصلاح الإداري يجب أن يشمل جميع الأنظمة والتعليمات ذات العلاقة بالتنظيم الإداري، سواء ما يخص علاقة الإدارة بموظفيها أو بالمواطنين والتي من خلالها يتسلل الفساد وتشير البحوث الحديثة الى ثلاثة مبادئ أساسية للإصلاح الاداري ومكافحة الفساد الإداري وهي (الشفافية، المساءلة، الحكم الجيد) ونتناول ذلك في الفروع الآتية:
الفرع الأول: الشفافية
الفرع الثاني: المساءلة
الفرع الثالث: الحكم الجيد
الفرع الأول: الشفافية Transparency
برز الاهتمام بقضية الشفافية على المستوى الدولي في الآونة الأخيرة، فعقدت مؤتمرات عديدة حولها في إطار الأمم المتحدة ومنظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي، وخصص البنك الدولي لهذه المسألة دراسات متعددة (6) ، وتأسست منظمة خاصة بها في المانيا هي منظمة الشفافية العالمية International Transparency) عام 1993 (7) من قبل (بيتر آيغن ) لمحاربة الفساد في العالم، وقد أصبح رئيساً لها وكان يعمل قبل ذلك في البنك الدولي(8).
والشفافية ظاهرة تشير الى تقاسم المعلومات والتصرف بطريقة مكشوفة ، فهي تتيح لمن لهم مصلحة في شأن ما أن يجمعوا معلومات حول هذا الشأن قد يكون لها دور حاسم في الكشف عن المساوئ وفي حماية مصالحهم، وتقوم الشفافية على التدفق الحر للمعلومات فهي تتيح للمعنيين بمصالح ما ان يطلعوا مباشرة على المعلومات المرتبطة بهذه المصالح وتوفر لهم معلومات كافية تساعدهم على فهمها ومراقبتها وتزيد من سهولة الوصول الى المعلومات بصورة واضحة وكافية وشفافة (9). وتعتبر الشفافية من المفاهيم الحديثة والمتطورة التي يتوجب على الجميع الأخذ بها لما لها من أهمية في احداث التنمية الناجحة، اضافة الى مساهمتها في تنمية التنظيمات الادارية والوصول الى بناء سليم قادر على مواجهة التحديات الجديدة والتغيرات المحيطة، وقد دعا الكثير من رواد الفكر الاداري الى ضرورة بذل الجهود لمعالجة المشاكل والتعرف على المعوقات التي تواجه التنمية، كالفساد والروتين والغموض في أساليب العمل واجراءاته، فكانت محاولات تطبيق الشفافية في العمليات الاقتصادية والادارية من الامور المهمة الواجب مراعاتها، إن توفر الشفافية الادارية يعتبر من أهم متطلبات مكافحة الفساد الاداري وهي احدى اهم الاستراتيجيات التي تتبعها الدول لمكافحة الفساد بأشكاله المختلفة، فزيادة درجة الشفافية تساهم الى حد بعيد في زيادة درجة الثقة التي يمنحها المواطنون للأفراد العاملين في القطاع الحكومي، كما ان زيادة مستوى الشفافية في العمليات الإدارية يعني وضوح اجراءات العمل والابتعاد عن الروتين وتعقيد الاجراءات، فضلا عن أنها تسهل حصول المواطنين على الخدمات التي يريدونها، مما يترتب عليه اشباع الحاجات وتحقق الرضا وزيادة الإنتاجية، ومما زاد من اهمية هذا المفهوم هو نجاح بعض الحكومات في العالم في تطبيق هذا المفهوم الجديد والحصول على نتائج ايجابيه ادت الى تدني مستوى الفساد والترهل الاداري، وزيادة الكفاءة والفعالية (10)
فللشفافية الادارية دور بارز في محاربة الفساد وتسهيل عملية تحقيق التنمية الإدارية الناجحة، ولكي تساهم الشفافية الادارية في انجاز هذه الاهداف فلا بد من توافر المتطلبات الضرورية واللازمة كشرط اساسي لكي تنجح في تحقيق اهدافها، فتوافر مستوياتها الملائمة وإحداث التطور التنظيمي وإدارة الجودة والهندرة الادارية من المفاهيم الضرورية الواجب توافرها في اجهزة الادارة العامة لكي تنجح عملية الشفافية الإدارية وتستطيع الوصول الى اهدافها بيسر وسهوله ونتيجة لأهمية الشفافية الادارية فقد تناولها العديد من الباحثين رغبة في الوصول الى تحديد مفهوم واضح ومحدد لها، فيعرفها نزيه برقاوي بأنها: (الوضوح والعقلانية والالتزام بالمتطلبات أو الشروط المرجعية للعمل وتكافؤ الفرص للجميع وسهولة الاجراءات والحد من الفساد، فشفافية القوانين تعني وضوحها وبساطة صياغتها وسهولة فهمها بالإضافة الى سهولة الاجراءات التنفيذية وبساطتها وعدم تعقيدها والسماح بالالتفاف عليها واطالتها غير المبررة وكذلك النزاهة في تنفيذها ومرونتها وتطورها وفقا للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والادارية وبما يتناسب مع روح العصر، اضافة الى تبسيط الاجراءات ونشر المعلومات والافصاح عنها وسهولة الوصول اليها بحيث تكون متاحه للجميع)، ويعرفها علي الشيخ بأنها الوضوح التام في اتخاذ القرارات ورسم الخطط والسياسات وعرضها على الجهات المعنية بمراقبة اداء الحكومة نيابة عن الشعب وخضوع الممارسات الادارية والسياسية للمحاسبة والمراقبة المستمرة (11) .
يستنتج من هذه التعريفات إن الشفافية تتضمن وضوح التشريعات ودقة الاعمال المنجزة داخل التنظيمات واتباع ممارسات ادارية واضحة وسهلة للوصول الى اتخاذ قرارات على درجة كبيرة من الموضوعية والدقة والوضوح وبناءً على ذلك فأن مفهوم الشفافية الإدارية يتضمن:
1- سهولة وفهم الاجراءات ووضوحها ومرونتها مما يسهل على الافراد طالبي الخدمة من الإدارة انجاز اعمالهم بيسر وسهوله .
2- تعزيز الرقابة الادارية وزيادة كفاءتها وفعاليتها من خلال دقتها ووضوحها للإجراءات والممارسات الادارية المعمول بها.
3- تعزيز مفهوم الثقة والولاء بين موظفي الادارة والمواطنين.
4- تعزيز قدرات الادارة على مواكبة المتغيرات والمستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 5- تساهم بشكل كبير في مكافحة الفساد الاداري بأشكاله المختلفة والممارسات الإدارية الخاطئة والعمل على دعم التنمية الإدارية الناجحة (12) .
من هذا يتضح أهمية الدور الذي تلعبه الشفافية كمفهوم اداري حديث تساعد على تحقيق التنمية، الامر الذي يعني ان توافر الشفافية اصبح شرطا اساسيا في العمليات الإدارية والتنظيمية للارتقاء بمستوى الأداء والوصول الى مستوى حضاري يساهم في تحسين المستويات المعيشية للأفراد، ويساعد على تحقيق حياة كريمة لهم (13).
فالشفافية تساهم في تحقيق التنمية الشاملة بما في ذلك تطوير وتحديث اجهزة الادارة العامة خاصة ما يتعلق بنواحي الخدمة المدنية، ويمكن تلمس آثارها الإيجابية على القطاعين العام والخاص، فهي لا تتطلب الافصاح عن اسرار المنظمات الحكومية او الخاصة، ولكن تظهر اهميتها من خلال مساهمتها في(14):
1. تحقيق المصلحة العامة لأن غياب الشفافية في بعض القوانين والانظمة وعدم وضوح نصوصها يعتبر سببا رئيسا للاجتهادات الشخصية وظهور بعض أشكال الفساد الاداري مما لا يخدم المصلحة العامة.
2. المساعدة في اتخاذ قرارات ادارية صحيحة، ذلك أن عدم المراجعة الدورية للقوانين والأنظمة بشكل واضح ومواكب للمستجدات في بيئة العمل يترتب عليه اتخاذ قرارات إدارية سريعة وغير سليمة ولا تستند إلى المرجعية العلمية، الأمر الذي يعرقل عمليات التنمية الإدارية الشاملة، لذلك لا بد من وجود الشفافية داخل التنظيمات الإدارية.
3. تسهيل جذب الاستثمارات وتشجيعها ذلك ان انعدام الشفافية في القوانين والأنظمة والممارسات الإدارية له آثار سلبية على الاستثمارات من حيث إعاقة وعرقلة المشاريع الاستثمارية، فتعقيد الإجراءات وعدم وضوح الأنظمة والتشريعات يترتب عليه تراجع الاستثمارات بدلاً من تشجيعها، لأنها أداة رئيسة في تحقيق التنمية الشاملة، لذلك لا بد من الشفافية لتسهيل جذب الاستثمارات وتشجيعها.
4. إنعاش السوق المالي ان مفهوم الشفافية في القوانين والأنظمة المتعلقة بالسوق المالي والجوانب المالية والسياسات الاستثمارية يؤدي إلى المصداقية من حيث توافر البيانات والمعلومات المتعلقة بالشؤون المالية بوضوح وبمصداقية الأمر الذي يترتب عليه تشجيع الاستثمار وتحسين المناخ الاستثماري وزيادة حركة رأس المال ومن ثم تقديم خدمة جيدة للمواطنين.
5. إزالة العوائق البيروقراطية والروتينية حيث تساعد الشفافية على إزالة العوائق البيروقراطية والروتينية في القوانين والأنظمة وتعمل على تبسيط الإجراءات وزيادة كفاءتها والتوسع في اللامركزية والعمل على توضيح خطوط السلطة من خلال وضوح الاتصالات الإدارية وإحداث إدارات واضحة وسهلة وهياكل تنظيمية تتمتع بدرجة كبيرة من المرونة.
وعليه فأن إجراءات الشفافية تتطلب الوضوح والعلانية في التصرفات الإدارية أمام الجميع دون إستثناء أو تفرقة بين شخص وآخر أو حالة وأخرى فالأستثناء أو التفرقة يفسح المجال أمام ظاهرة المحسوبية والرشوة والواسطة والمحاباة... الخ. ففي مجال شراء البضائع والخدمات من جانب الحكومات وقطاعها العام، الذي يعتبر مصدرا رئيسيا للفساد في كثير من الدول، فقد عملت بعضها على جعل استدراج و تقييم العروض المقدمة علنيا وبطريقة أكثر شفافية (15). لذلك يقتضي الإصلاح الإداري أن تلتزم الهيئات الإدارية بالشفافية والوضوح في عملها، وأن تتيح حرية وصول المعلومات عما تقوم به من اعمال للمواطنين والدارسين وليس فقط استجابة لطلباتهم بل بمبادرة منها، ذلك أنها لا تقوم بأعمال سرية بل تقدم خدمات تمس حياة المواطنين وإن من شأن ذلك دعم أواصر الثقة بين الإدارة والمواطنين (16).
الفرع الثاني: المساءلة Accountability
قد يكون هناك خلط بين مفهومي المساءلة والمسؤولية، الا أن ذلك يجاوز الحقيقة فالمسؤولية ترتبط بالسلطة التي توكل الى شخص ما، بينما المساءلة تقع على ذلك الشخص نتيجة لتحمله المسؤولية، ويمكن توضيح العلاقة بين المساءلة والمسؤولية في الاسلام انطلاقا من فكرة الراعي والرعية، فالراعي ليس مسؤولاً فقط، بل هو مسائل بعد قيامه بتبعات المسؤولية. فقد قال النبي الأكرم محمد (ص) (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، هذا في المسؤولية، كما قال (ص): (إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيعه؟) وهذا في المساءلة، فكلمة "سائل" هي مفردة مساءلة، و"استرعاه" هي مفردة المسؤولية، وعلى ذلك فالمسؤولية تعني التزام صاحب السلطة بمباشرة الأعباء أو الاختصاصات الموكلة له في الأطار الشرعي لها)، وهكذا تعبر السلطة عن الإطار الشرعي الذي يتيح للموظف مزاولة مهامه الوظيفية في المجالات التي تمتد اليها الوظيفة، وتحددها القوانين والانظمة والتعليمات تحقيقا للمصلحة العامة المناطة بتلك الوظيفة، وتبعا لذلك تعبر المسؤولية التي هي الوجه الآخر للسلطة عن تحمل نتائج الأفعال والتصرفات المتحققة (17). فالمساءلة بصورة عامة تعني ان الافراد والموظفين المكلفين بأداء افعال او نشاطات معينة تتم مساءلتهم وتحملهم مسؤولية انجاز هذه الافعال، ويتم الحكم على هذه المسؤولية او قياسها من خلال معايير واضحة ومعلنة، فيتحمل الافراد والمنظمات مسؤولية اداءهم وللاستدلال على وجود علاقة مباشرة بين الفساد وغياب المساءلة استخدمت المعادلة الآتية: الفساد = الاحتكار + حرية التصرف – المساءلة. اما في الادارة العامة فالمساءلة تعني التزام أجهزة الادارة العامة بتقديم حساب عن طبيعة ممارساتها للواجبات المنوطة بها بهدف رفع كفاءتها وفعاليتها، وفي قول آخر تعني الوسائل والآليات والممارسات التي تستخدمها الحكومات للتأكد من أن اداء الجهاز الحكومي يلائم الاهداف والمقاييس الموضوعة له، والقضية المثارة الآن هي مدى ملائمة آليات المساءلة التقليدية المعتمدة بصفة اساسية على مفهوم الالتزام بالقواعد والقوانين وتطبيق الاجراءات للتغير الحادث في نظم واتجاهات وتطبيقات الادارة العامة فمع الاصلاح الاداري الجاري في العديد من الدول وتبنى الكثيرين لبعض مفاهيم الادارة العامة الجديدة New Public Management اظهرت الحاجة الى مراجعة اساليب المساءلة التقليدية المستخدمة والانتقال من مساءلة تعتمد على الالتزام الى مساءلة تركز على الاداء (18).
وتجدر الاشارة الى أن هناك من يرى مفهوم المسؤولية اكثر اتساعا من مفهوم المساءلة، فالمسؤولية عندهم تتضمن بعدين رئيسين أولهما المسؤولية الشخصية والتي لا يتصور مساءلة الانسان عنها، وثانيهما المسؤولية امام الغير عن اداء مهام واختصاصات معينة وهذا البعد هو الذي تظهر بصدده المساءلة، والقول بذلك ليس دقيقاً، على اعتبار أن المساءلة توجد حيثما كانت هناك مسؤولية شخصية كانت أم امام الغير، فهناك مساءلة الفرد لذاته خوفا من المساءلة الإلهية. كما يرى البعض اتساع مفهوم المساءلة عن المسؤولية، حيث يحاسب المرء عن افعال رغم أنه نظريا غير مسؤول عنها، مثل محاسبة رئيس عن تصرفات مرؤوسيه، رغم أنه في الواقع غير مسؤول عن استخدام المرؤوسين للسلطة المفوضة لهم، وينتقد هذا الراي ايضا، ذلك أن كون الشخص رئيسا فأنه يعتبر مسؤولا، وتكون من ضمن مسؤولياته متابعة المرؤوسين لكيفية استخدام السلطة المفوضة لهم، ومن ثم فالمساءلة الواقعة عليه تأتي من تحمله مسؤولية متابعة مرؤوسيه، والتطبيق الاسلامي يؤيد ذلك، فرغم أخذ النظام الإسلامي بالمسؤولية الشخصية انطلاقا من قوله تعالى (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر اخرى) (19) ، بيد أن ذلك لا ينفي مسؤولية الرئيس الأداري في ذلك النظام عن اعمال من معه من الموظفين انطلاقا من ان ذلك يعد جزءاً من مسؤولياته، ويعد هذا أحد المبادئ الرئيسة لفكرة تفويض السلطة في الإسلام فموض السلطة عليه أن يراقب ويتابع حسن التنفيذ ممن فوض اليه السلطة، فالمسؤول في أي مستوى إن فوض بعض سلطاته فأنه لا يملك أن يفوض مسؤوليته أمام الله وامام الآخرين. وتكون المساءلة من هذه الوجهة عملية مراجعة تقع على عاتق الشخص صاحب السلطة (المسؤول) للوقوف على مدى التزامه بتبعات وظيفته، ولا تقع المساءلة على الفرد المسؤول الا بعد أن يتمتع بسلطات لمباشرة اختصاصاته وهو ما يعني ضرورة ارتباط المسؤولية بالسلطة تلازماً وتوازناً. وهكذا فأن السلطة والمسؤولية يجب أولاً - كأحد مبادئ التنظيم الإداري - أن يتلازما فالموظف يجب أن تكون له سلطة حتى يكون مسؤولاً، فالسلطة هي التي تمكن المسؤول من القيام بواجباته والتزاماته، ويكون من غير المنطقي أن يحمل الموظف بالتزامات ومسؤوليات دون أن يمنح السلطة التي تمكنه من ذلك، كم أنه من غير المنطقي أن تكون للموظف سلطة دون ان يترتب عليها التزامات وواجبات، ويجب ثانياً : أن يحدث التوازن بين السلطة والمسؤولية، بمعنى أن يكون مدى المسؤولية مناسباً لما زود به الموظف من سلطات، فلا يجوز تحميله بمسؤوليات تفوق أو تقل عما خول من سلطات فبقدر السلطة تكون المسؤولية التي تتدرج وتعظم كلما ازدادت الواجبات حتى تصل الى قمة السلطة حيث نجد قمة المسؤولية، وتأتي بعد ذلك عملية المساءلة، والتي يجب أن تتم على شخص مسؤول وله سلطات متلازمة ومتوازنة مع مسؤولياته، وعليه فأن تحديد السلطة والمسؤولية في التنظيم الاداري مبدأ اساس لكي يعرف كل موظف واجباته فيؤديها، وسلطاته فيمارسها، وبذلك تسهل معاقبته إن أخطأ وإثابته إن أصاب (20).
وترتكز المساءلة على المعرفة والمعلومات، وكذلك على دوافع تشجع الذين يتصرفون باسم الشعب المسؤولين الحكوميين - على القيام بذلك بأمانة وفعالية ونزاهة، وقد أدى كون تأمين المساءلة في ادارة الحكم امرأ بالغ التعقيد الى تطوير مقاربات متعددة لجعل الحكومات والمسؤولين الحكوميين أكثر عرضة للمساءلة، وتكون المساءلة الخارجية عندما يسأل الشعب الحكومة، لكنها تتضمن ايضا حالات يقوم فيها متلقوا الخدمة العامة بجعل مقدم الخدمة مسؤولاً بشكل مباشر، وتكون المساءلة الداخلية حين تقيم الدولة لحماية المصلحة العامة أنظمة متنوعة وحوافز لإدارة سلوك وكالات مختلفة مثل فصل السلطات وإنشاء أجهزة رقابة مستقلة(21).
اهمية موضوع المساءلة:
زاد الاهتمام في السنوات الاخيرة بموضوع المساءلة سواء على الصعيد العالمي او المحلي لعدة اسباب:
1. اهميتها في مقاومة الفساد الذي اصبح ظاهرة دولية ذات عواقب سيئة وخاصة على الدول النامية، ومن هذه العواقب ان الفساد قد يؤدي الى فقد الشرعية السياسية للمؤسسات الحكومية والى خسارة في الكفاءة الاقتصادية والى سوء توزيع الموارد والى اهتزاز القيم بصفة عامة في المجتمع.
2. زيادة الوعي السياسي للشعوب والمطالبة بحق التمتع بالديمقراطية وبكل المزايا التي يدعولها مفهوم الحكم الصالح والادارة الافضل لشؤون المجتمع والدولة، والذي تمثل المساءلة ركنا اساسيا فيه حيث أن العلاقة وثيقة بين المساءلة والديمقراطية، ونمو الاتجاه العالمي نحو مزيد من الديمقراطية والاخذ بمفاهيم الحكم الصالح والمجتمعات المفتوحة، ولقد اثبتت الدراسات ان هناك علاقة طردية بين الديمقراطية ومكافحة الفساد، بحيث كلما ازدادت ديمقراطية النظام السياسي كلما ازداد الاهتمام بمكافحة الفساد والعكس صحيح فكلما ازدادت درجة ديكتاتورية الحكم كلما ازداد الفساد وقل الاهتمام بالتصدي له.
3. ضغوط المجتمع الدولي وتأثير العولمة فالعالم قد أصبح اليوم قرية صغيرة، فما يثار من قضايا وما يثير الاهتمام في دولة ما من السهولة انتقاله عبر الحدود، ولقد زاد الاهتمام في السنوات القليلة الماضية بموضوع المساءلة في العديد من الدول المتقدمة ومن تلك الدول اعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) فنجد ان العديد من الدول قامت باتخاذ اجراءات من شأنها اصلاح بعض الانظمة او الترتيبات التقليدية الخاصة بالمساءلة، وفي بعض الدول التي لم تتعرض بصورة مباشرة لموضوع المساءلة وآلياتها فقد اثارت الموضوع من خلال الاصلاح الاداري في الحكومة، بأعطاء المديرين - مثلا – مزيدا من السلطات استدعى ذلك إحداث تغييرات في الآليات التقليدية للمساءلة (22).
4. ثورة المعلومات والاتصالات المعلومات هي العدو الطبيعي للفساد الذي ينمو ويستشري نتيجة الجهل وعدم المعرفة والسرية، وعلى عكس ذلك الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد يمكن تحقيقهما بصورة اكبر عند اتاحة المعلومات والشفافية، وعصر المعلومات يحتم على الحكومات أن تنهض سريعا وتتخذ كافة التدابير الممكنة لمكافحة الفساد، فكما ان التطور في مجال المعلومات يمكن ان يكون اداة طيبة لمواجهة الفساد كذلك يمكن استغلال هذا التطور من سرعة فائقة في تداول المعلومات وامكانية تحويل الاموال والحسابات البنكية ....... الخ كوسيلة للفساد ذاته ومن ثم زادت الحاجة الى المساءلة. 5. الاهتمام المتزايد بالإصلاح الاداري ومحاربة الفساد واعادة اختراع الحكومات ففي مؤتمر دولي يناقش موضوع اعادة اختراع الحكومة استخلص الحاضرون ان الخطوات اللازمة للحد من الفساد هي نفسها الخطوات اللازمة لزيادة الكفاءة ومساعدة النظام الاداري للعمل بصورة افضل وبتكلفة اقل ومما لا شك فيه ان انعدام المساءلة سيؤدي الى انتشار وتفشي الفساد وان زيادة المساءلة بالتركيز على النتائج التي يمكن قياسها يساعد على الحد من الفساد، فضلا عن أن الإجراءات المعقدة تهيء مناخا ملائما لانتشار الفساد بينما تبسيطها ووضوحها يحد من الفساد وذلك مبدأ اخر من مبادئ الاصلاح الاداري، ومن هنا يتضح ان عملية الاصلاح الاداري لا يمكن ان تتم بمعزل عن عمليات مكافحة الفساد، فالإصلاح الاداري يجب ان يبدأ بمواجهة الفساد والا اصبح النظام الاداري اكثر كفاءة في الفساد (23). وبما أن العراق كغيره من الدول يعاني من الفساد وهناك حاجة ماسة الى مكافحته والحد منه، اذن يتطلب الامر تفعيل مبدأ المساءلة من خلال خضوع الجميع لحكم القانون، ومساءلتهم عن أفعالهم وقياس مستوى أدائهم لبيان أوجه الانحراف أو الفساد في هذه الأفعال والتصرفات، ونتيجة لذلك يجب إعمال مبدأ الثواب والعقاب، من خلال مكافأة الأسوياء والنزيهين ومحاسبة المنحرفين والفاسدين، لكي تكون هناك صورة واضحة أمام الجميع بأن من ينحرف يسأل عن ذلك ومن يستقيم يكافئ على ذلك.
تصنيف المساءلة : مثلما تعددت تعريفات المساءلة تعددت ايضا تصنيفاتها، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض هذه التصنيفات.
أولاً: تصنيف المساءلة الى ذاتية والى مساءلة من الغير وتعني المساءلة الذاتية: مساءلة الفرد لذاته انطلاقا من عبوديته الله ويقينه بالمساءلة الالهية، ولها جانب وقائي يمنع ترك المعروف واتيان المنكر، وجانب علاجي فاذا ما ترك المرء معروفاً أو اتى منكراً يتمثل هذا الجانب في التذكر الدائم لعبودية المرء الله التي تترك أثرها في ندمه على ما ارتكبه أو تركه، واقلاعه الفوري عن ذلك وعزمه على عدم العود مستقبلا، واذا ما كان الامر متعلقاً بالآخرين فيجب أن يبرأ المرء من حقوقهم، وهذه هي التوبة التي تكون نتيجة المساءلة الذاتية والتذكر الدائم لعبودية الله سبحانه وتعالى، ولقد كانت المساءلة الذاتية هي الاساس والاصل في الإسلام وانشئت نظم المساءلة الأخرى عندما اتسعت الدولة الاسلامية وقطن فيها غير المسلمين وضعف ارتباط المسلمين بدينهم، وكان أول من طبق هذه المساءلة الرسول الكريم (ص) فقد قال حينما اراد اسامة بن زيد أن يشفع لامرأة مخزومية سرقت بعض الأموال لأعفائها من حد السرقة (إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)(24).
ونرى من جانبنا أن المساءلة الذاتية مهمة جدا في مكافحة الفساد الإداري، ذلك أنها تضع الفرد رقيبا على نفسه ومحاسبا لها واذا كانت المساءلة الذاتية ذات اصل ديني فأن جرائم الفساد الإداري كلها من المحرمات كالرشوة والاختلاس.... الخ ومن ثم يمكن مساءلة الموظف ذاته عن هذه الافعال، ويمكن تنمية هذه المساءلة في نفوس الأفراد والموظفين من خلال الوعي الديني وتهذيب النفوس وزرع الثقة فيها لجعلها قادرة على الاعتراف بالخطأ، فقد قيل أن الاعتراف بالخطأ فضيلة.
أما مساءلة الغير، فهي اما أن تكون رسمية أو غير رسمية (شعبية) والمساءلة الرسمية أما أن تكون داخلية: وهي التي تقوم بها الادارة ذاتها، ويباشرها الرؤساء على مرؤوسيهم وتتضمن مساءلة رئاسية سابقة، وذلك اما عن طريق التدقيق في اختيارهم لتولي الوظائف العامة أو بإسداء النصح والإرشاد والتوجيه، أو مساءلة لاحقة وهي التي تتم بعد قيام الموظف بمباشرة اعماله، وذلك للتحقق من مدى مطابقتها للقوانين والانظمة. أو تكون خارجية وهي التي تتم عن جهات خارج الادارة، فقد تكون الجهات تشريعية من خلال (السؤال الاستجواب، التحقيق، حجب الثقة ) أو تنفيذية وتتم من خلال السلطة التنفيذية الأعلى، ومن ضمن آليات السلطة التنفيذية لتطبيق المساءلة الرسمية الاعتماد على اجهزة رقابية متخصصة ومستقلة ومن اهم الاجهزة الرقابية في العراق ديوان الرقابة المالية، مكتب المفتش العام هيئة النزاهة)، و في مصر (الجهاز المركزي للتنظيم والادارة والجهاز المركزي للمحاسبات، والجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، وهيئة الرقابة الادارية) (25) .
والمساءلة القضائية هي أن تباشر الهيئات القضائية سلطتها في مساءلة الادارة العامة عن أعمالها، أما المساءلة غير الرسمية (الشعبية): ويقصد بها المساءلة التي يباشرها المواطنون على الادارة، اما مباشرة عن طريق تعامله معها، أو عن طريق مباشرته لحقوقه السياسية في اختيار اعضائها أو في تقييم اعمالها، أو من خلال وسائل الاعلام، او التنظيمات غير الحكومية، وتظهر هذه المساءلة في كل المراحل، كما أنها تأخذ في بعض الأحيان شكل النصيحة، وفي أحيان أخرى شكل المحاسبة أو المعارضة، بل تصل الى حد الثورة (26).
ثانياً: تصنيف المساءلة الى ديمقراطية قانونية / مهنية
1. مساءلة ديمقراطية في الدول الديمقراطية تكون الحكومة الادارة العامة مسؤولة امام القيادة السياسية للدولة عن افعالها وادائها، فالوزراء مسؤولون امام البرلمان والموظفون بدورهم مسؤولون امام وزرائهم، فالمساءلة هنا تتم على المستوى الكلي اذ انه من الصعب على الوزير مثلا ان يشرف ويراقب اداء الافراد بداخل الوزارات المختلفة، ومن ضمن ادوات المساءلة الديمقراطية الأسئلة والاستجوابات الموجهة الى الوزراء في البرلمان والمراجعات القانونية الدورية على المصروفات العامة وهنا القادة السياسيون واعضاء البرلمان ينوبون عن الشعب في القيام بعملية المساءلة.
2 . مساءلة قانونية بخلاف المساءلة الديمقراطية هذا النوع من المساءلة موجه الى وحدات وافراد الخدمة المدنية المسؤولين عن انتاج وتقديم الخدمات العامة، وتتمثل المساءلة القانونية في حق العامة في الحصول على المعلومات من الحكومة ومقاضاة الموظفين الحكوميين والهيئات العامة وكذلك سلطة القضاء في جعل الهيئات الحكومية مسؤولة مادياً عن أية تعديات على الصالح العام وتطبيق هذا النظام يستلزم توفر جمهور متعلم ونظام سياسي ديمقراطي.
3 . مساءلة مهنية: بدأ ظهور هذا النوع من المساءلة بعد التوسع في مجالات الخدمات العامة، الأمر الذي تطلب خدمة فنية ليس فقط في انتاج وتقديم الخدمة ولكن ايضا في مساءلة القطاع العام الذي يقدم تلك الخدمات، وتحدد معايير المساءلة في هذه الحالة بمعرفة المهنيين مقدمي الخدمات سواء أطباء أو غيرهم من المتخصصين والذين تحكمهم المعايير الفنية المهنية والمساءلة المهنية لا تحل محل المساءلة الديمقراطية ولكن تستعمل على نطاق (المايكرو) لخدمات عامة بعينها.
ثالثاً: تصنيف المساءلة الى مساءلة سياسية ادارية مالية
1 . مساءلة سياسية هي مساءلة الحكومة بمعرفة الشعب عن المسؤوليات التي كلفت بها بمعرفة المواطنين ككل وهنا تمثل عملية الانتخابات الحرة العادلة التي تتيح امكانية تغيير الحكومات احدى الوسائل لتطبيق مفهوم المساءلة السياسية.
2.مساءلة ادارية وتعني العلاقات الرأسية داخل الجهاز الاداري او النظام البيروقراطي الكلاسيكي وما يشتمل عليه من تحديد للأدوار والمسؤوليات والنظم والقوانين التي تتيح قياس الاداء الاداري.
3 . مساءلة مالية وتعني القدرة على بيان كيف تم تخصيص واستخدام الاموال العامة طبقا للقواعد والنظم والمبادئ المحاسبية المعمول بها وذلك خلال فترة زمنية محددة (27) .
أوجه الاختلاف بين مفهوم المساءلة الإدارية وغيره من المفاهيم :-
... وجه الاختلاف بين المساءلة والمسؤولية، ونتناول الآن أوجه الاختلاف بين المساءلة الإدارية والرقابة، وبين المساءلة الإدارية والمحاسبة :-
1. المساءلة والرقابة: يفرق بعض الباحثين بين المساءلة والرقابة على اعتبار أن الرقابة تتضمن التأكد والتحقق من أن تنفيذ الأهداف المطلوب تحقيقها تسير سيراً صحيحاً حسب الخطة الموضوعة لها، في حين أن المساءلة تتسع عن ذلك، لذلك ترتبط وظيفة الرقابة بوظيفة التخطيط، إذ لا رقابة من غير خطة، باعتبار الخطة هي معيار القياس، وعن طريق الرقابة يتم الكشف عن أوجه القصور في الخطط والسياسات - صنعاً وتنفيذاً. وبذلك فأن الرقابة مفهوم تقني يجري تطبيقه أثناء سير العمل أو بعد انتهاء العمل بغية الوقوف على نتائج العمل وقياسها بالمعايير الموضوعة وبصفة عامه فإن محل التفرقة بين المساءلة والرقابة من وجهة نظر هؤلاء الباحثين تتمثل في جانبين أساسيين: أولهما: أن مفهوم المساءلة يعد مفهوماً أكثر ديناميكية، فهو يشمل المحتوى السابق للرقابة، ولكنه يتعدى ذلك لآفاق أكثر رحابة تشمل التغيير وتعزيز مشاركة الأفراد والتمكين، والمحافظة على ديناميكية الجسد السياسي للمجتمع بأسره وليس الجهاز الإداري فحسب. فمفهوم المساءلة – إذن – ذو بعد مجتمعي ينطوي على عدة مستويات تشمل التأكد من مشروعية التصرف والسلوك الإداري، وتشمل كذلك مشاركة المواطن المستفيد في الإدارة، وتحمل الإدارة العامة للمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية، وتتجاوز جميع هذه المجالات استاتيكية مفهوم الرقابة، وبذلك فإن الرقابة هي أحد أبعاد المساءلة، ولا يصح أن يستغرق الجزء الكل، ويصير مرادفاً له أو بديلاً عنه.
وثانيهما: أن المعنى الذي تتركه الرقابة في الأذهان معنى سلبي، حيث يتضمن استخدام السلطة والقوة والنفوذ لإجبار الأفراد على تنفيذ الأوامر ومحاسبتهم، بينما المساءلة لا تقتصر على هذا الجانب السلبي. وواقع الحال أن وجه الخلاف الثاني مردود عليه، ذلك أن اعتبار الرقابة عملية تفتيش وتخويف بقوة السلطة الجزاءات الرسمية يمثل الاتجاه السلبي، أو الكلاسيكي للرقابة. ويقابل هذا الاتجاه اتجاه آخر لا يقصر الرقابة على اكتشاف الانحرافات أو الاختلالات بين الأداء والمعايير الموضوعة، بل يجعلها رقابة إيجابية تحمل معنى الفهم والتعاون البناء، والرقابة وفقاً لهذا الاتجاه تبرز النواحي الإيجابية في الأداء، وتمكن الإدارة من إيجاد الوسائل المناسبة لدعمها وتشجيعها. وهكذا يظل الفارق الأساسي بين الرقابة والمساءلة في المفهوم المعاصر في اشتمال المساءلة على مفردات لا تتضمنها الرقابة ولعل هذا الفارق هو الذي دفع البعض للقول بضرورة امتلاك أولئك الذين يخضعون للمساءلة لمقومات رقابة ما سوف يتساءلون عنه، وهو ما يعني بوضوح أن الرقابة درجة أقل من المساءلة ويختلف الأمر بالنسبة للمفهوم الإسلامي، فواقع الحال أن الرقابة والمساءلة – ومفاهيم أخرى استخدمت في النموذج الإسلامي بذات المعنى. فالرقابة لغة تعني متابعة الشيء ورصده بغرض رعايته وحفظه، وإن آيات القرآن الكريم تفيد هذا المعنى (28).
فمن جهة القائم بالفعل تعني الرقابة المتابعة والرصد والترقب، قال وتعالى (فارتقبهم واصطبر)(29)، وقوله تعالى (وارتقبوا إني معكم رقيب) (30) ، كما أن " الرقيب " اسم من أسماء الله الحسنى، يدل على ان الله (سبحانه وتعالى) حفيظ محص للأعمال، ومن جهة محل أو موضع الرقابة فإن الرقابة في المفهوم الإسلامي تعني تفقد وإحصاء الأعمال والأشياء على الافراد ثم تعريفها لهم بغرض الحفظ والرعاية ولضمان التزامهم بالقواعد والمعايير المحددة شرعاً.
2- المساءلة والمحاسبة :-
المحاسبة لغة تعني العد والتقدير وحسن التدبير، ويعرف من يقوم بهذه الأعمال بالحسيب أو المحاسب، واصطلاحاً ينصرف مفهوم المحاسبة إلى معنيين: يشير أولهما:-
إلى المحاسبة المادية وتعني المحاسبة على العمليات ذات الصفة العينية والمالية، وهي وظيفة ومهنة تختص بكتابة وقياس الأشياء بغرض الاستفادة منها في مجالات مختلفة، وللمحاسبة أهمية كبيرة فيما يختص حركة الأموال الواردة والمصروفة وتسجيلها بواسطة المحاسبين، فبدونها لا يمكن معرفة نتيجة النشاط من كسب أو خسارة، وبدونها كذلك يفتقد النظام المناسب للمعاملات أو لإظهار الحقوق أو لمنع الظلم وبهذا فأن المعنى الأول هو معنى فني تخصصي يعبر عن وظيفة أو مهنة المحاسبة. أما المعنى الثاني للمحاسبة فيظهر في العديد من الآيات، كقوله تعالى (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكراً)(31). كما جاء في السنة النبوية قوله (ص) (حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير إلا أنه كان رجلاً موسراً وكان يخالط الناس)، والحسيب اسم من أسماء الله الحسنى، ويعني - في أحد جوانبه _ أن الله (سبحانه وتعالى) هو الذي يحفظ أعمال عباده من خير وشر ويحاسبهم عليها. فالمحاسبة من هذه الزاوية تعني الرقابة وتقييم الأداء ، وهي كما يظهر إما ذاتية أو خارجية، وبذلك فهي تلتقي مع المساءلة والرقابة (32).
العلاقة بين المساءلة والشفافية (33) والحكم الجيد :-
المساءلة والشفافية يدعمان شرعية الحكومة او المسؤولين الحكوميين وسياساتهم العامة وقراراتهم في اعين الشعب ويدعمان احساس افراد الشعب بأنهم كمواطنين لديهم اليد العليا على حكوماتهم ففي كثير من الدول النامية ما زالت الحكومة والقطاع العام يتوليان الكثير من الامور الاقتصادية والاجتماعية ومن ذلك انتاج وتوزيع السلع والخدمات وبالتالي تعتبر السلطة السياسية والوظيفة العامة في الدول النامية قناة مهمة للوصول الى السيطرة على الموارد ونتيجة لذلك تبرز اهمية توزيع الموارد والاختيار بين البدائل الاقتصادية والاجتماعية بطريقة مرئية وعلنية وخاضعة للمساءلة من اجل تخفيف حدة التنافس على السلطة بين الافراد والجماعات ومن اجل الحفاظ على الاستقرار، فعلى سبيل المثال شفافية العملية الانتخابية كانتخابات مجلس الشعب والمجالس المحلية في مصر تزيد من احتمال تقبل النتائج من قبل جميع الاطراف المتنافسة وتقلل من احتمالات التشكيك والطعن في الشرعية وتؤدي الى حكومة اكثر استقرارا فالحكم الصالح يستلزم توافر الشرعية والنزاهة ومن ثم الشفافية والمساءلة كضمان لتحقيق ذلك. والادارة العامة التي تتسم بقدر كبير من الكفاءة والفاعلية تعتبر احدى ركائز الادارة الجيدة لشؤون الدولة والمجتمع ككل، ولا يمكن ان تكون هناك كفاءة في الادارة اذا كانت تعاني من الفساد ولكي تستطيع الحد من الفساد والوقاية يجب تفعيل آليات المساءلة (34).
واذا كان البعض يجعل هذه المبادئ الثلاثة مرادفاً لمكافحة الفساد بكافة صوره وخصوصاً الفساد السياسي والإداري، الا أن موضوع هذه المبادئ أوسع بكثير من الفساد، صحيح أن توافر الشفافية والمساءلة والحكم الرشيد يؤدي الى التقليل من الفساد، لكن المقصود ايضاً أن يتم عمل الدولة بالحكمة في استخدام الموارد وبالصواب في اختيار السياسات، فقد لا يكون هناك فساد بأي صورة من الصور، ومع ذلك تؤدي سياسات الدولة الخطئة أو التي لا تستند الى معلومات صحيحة أو التي لا تنتج عن مقارنة بين بدائل مختلفة، الى تضييع الفرص على المجتمع او الى زيادة تكلفة تنفيذ سياسات معينة أو الى توجيه موارد المجتمع على نحو لا يحقق له أقصى فائدة (35).
الفرع الثالث : الحكم الجيد
Good Governance أسباب ظهور المفهوم وتطوره
أصبح استخدام مفهوم ال (Governance) أو إدارة شؤون الدولة والمجتمع شائعاً في أدبيات الإدارة العامة والسياسات العامة والحكومات المقارنة، فعلى سبيل المثال تبين من خلال حصر الأدبيات على شبكة الإنترنت أن عدد الرسائل العلمية في الولايات المتحدة التي يحتوي عنوانها على المفهوم وصل إلى 136 رسالة، كما أن هناك على الأقل 326 كتاباً يتناول كل منها جانباً من جوانب المفهوم أو تطبيقاً عملياً له في بلد من البلاد، وعلى الرغم من شيوع استخدام المفهوم إلا أنه ليس هناك إجماع على المعنى المقصود به، ويمكن القول أن المفهوم يأخذ بعدين متوازيين يعكس أولهما فكر البنك الدولي الذي يتبنى الجوانب الإدارية والاقتصادية للمفهوم، أما البعد الثاني: فيؤكد على الجانب السياسي للمفهوم حيث يشمل ــ بجانب الاهتمام بالإصلاح والكفاءة الإدارية التركيز على منظومة القيم الديمقراطية المعروفة في المجتمعات الغربية (36). وقد ظهر المفهوم عام 1989 في كتابات البنك الدولي عن كيفية تحقيق التنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد في الدول الأفريقية جنوب الصحراء Sub-Saharan Africa حيث تم الربط بين الكفاءة الإدارية الحكومية والنمو الاقتصادي، فوفقاً لهذه الأدبيات فإن الأدوات الحكومية للسياسات الاقتصادية ليس من المفروض فقط أن تكون اقتصادية وفعالة ولكن أيضاً لا بد أن تكفل العدالة والمساواة ولقد نما المفهوم بعد ذلك ليعكس قدرة الدولة على قيادة المجتمع في إطار من سيادة القانون، وفي عام 2004 أصدر البنك الدولي تقريراً عن إدارة حكم أفضل في الشرق الأوسط وشمال افريقيا (37).
وفي بداية التسعينيات أصبح التركيز على الأبعاد الديمقراطية للمفهوم من حيث تدعيم المشاركة وتفعيل المجتمع المدني وكل ما يجعل من الدولة ممثلاً شرعياً لمواطنيها، ففي اجتماع اللجنة الوزارية لمنظمة التنمية الاقتصادية (OECD) الذي عقد في باريس في آذار 1996، ربط رئيس اللجنة Alice Rivitim)) بين جودة وفعالية وأسلوب إدارة شؤون الدولة والمجتمع ودرجة رخاء المجتمع، وأكد على أن المفهوم يذهب إلى أبعد من الإدارة الحكومية إلى كيفية تطبيق الديمقراطية لمساعدة الدول في حل المشاكل التي تواجهها. ومن هذا المنطلق تم تعريف مفهوم إدارة شؤون الدولة والمجتمع" على أنه يتعرض لما هو أبعد من الإدارة العامة والأدوات والعلاقات والأساليب المتعلقة بالحكم ليشمل مجموعة العلاقات بين الحكومة والمواطنين سواء كأفراد أو كجزء من مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية، وركز على أن محور اهتمام المفهوم لا ينصب فقط على فعالية المؤسسات المتعلقة بإدارة شؤون الدولة والمجتمع، ولكن يركز على القيم التي تحتويها تلك المؤسسات مثل المساءلة والرقابة والنزاهة (38).
ثم تطور المفهوم ليصبح مؤشراً لحقل دراسي محدد يشمل كل الأنشطة المرتبطة بالحكم والحكومة، وإن كان المفهوم في حد ذاته أشمل من مفهوم الحكم، وهو الأمر الذي يثير التساؤل حول ما إذا كان ظهور المفهوم حتمية فرضتها ظروف واقعية وعملية مثل تغير دور الدولة، أم أن ذلك ما هو إلا انعكاس لتغيرات على المستوى النظري تمثل غلبة لمدرسة فكرية معينة، وهنا يمكن القول أن ظهور المفهوم ما هو إلا انعكاس للتغير الحادث في طبيعة ودور الحكومة من جانب والتطور المنهجي الأكاديمي من جانب آخر فعلى الجانب العملي يلاحظ:
1- ظهور العديد من التغيرات التي جعلت من النظرة التقليدية للدولة كفاعل رئيسي في صنع السياسات العامة موضع شك، فالمتتبع للاتجاهات في صنع وتنفيذ السياسات العامة يلاحظ ازدياد أهمية البيئة الدولية أو العامل الخارجي في عملية صنع السياسات، فقد أصبح للمؤسسات والمنظمات الدولية ومؤتمرات الأمم المتحدة دوراً كبيراً ليس فقط في المبادأة بطرح قضايا السياسات العامة، ولكن أيضاً في وضعها على قائمة أولويات الحكومات، وقد بدأ واضحاً في ظل العولمة وثورة الاتصالات ضعف قدرة الدولة على مقاومة التأثر بالضغوط الدولية وانخفاض قدرتها على ممارسة وظائفها التقليدية على النحو المعهود.
2- التغير الذي طرأ على دور الدولة، من فاعل رئيسي في صنع السياسات العامة وممثل للمجتمع في تقرير هذه السياسات ووضع الخطط ومتابعة التنفيذ ووسيط بين الفئات والطبقات في حل المنازعات بل ومالكة للمشروعات ومسؤولة عن حسن إدارتها وعن إعادة توزيع الدخل وتقديم الخدمات وعدالة توزيعها مكانياً وبين الفئات الاجتماعية، لتصبح مجرد الشريك الأول بين شركاء متعددين في إدارة شؤون الدولة والمجتمع ولا شك أن هذا التحول قد بدأ مع ظهور وانتشار التضخم الذي كان من أسبابه الرئيسية زيادة تكلفة دولة الرفاهة.
وعلى الجانب الأكاديمي أو النظري يلاحظ أن علم الإدارة العامة مر منذ نهاية الثمانينيات بمرحلة انتقالية أو ما يمكن أن يطلق عليه تحول في النموذج ( Paradigm shift) حيث تم إحلال منظومة قيم جديدة محل المنظومة التقليدية لتسمح بالانتقال من مفهوم الإدارة العامة إلى مصطلح الإدارة الحكومية التي تعكس الانتقال من حكومة تدار بواسطة البيروقراطية إلى حكومة تدار بواسطة المنظمين Entrepreneurs)) وتشير الأدبيات إلى انهيار الإجماع العلمي على مجموعة القيم التي تشكل نمط أو أسلوب الإدارة العامة مثل احترام الأقدمية والتدرج الوظيفي وظهور مجموعة أخرى من القيم تحل محلها مثل التمكين والتركيز على النتائج وإعطاء فرصة أكبر للمسئولية الفردية من خلال هيكل إداري متكامل، وساعد على هذا التحول انتشار المشكلات الاقتصادية والإسراف المالي الذي ساد تصرفات العديد من الحكومات، الأمر الذي دفع العديد من الدارسين لمحاولة ايجاد حلول لهذه المشكلة (39).
يتمثل الحكم الصالح أو الرشيد أو الجيد في سيادة القانون والمشاركة والمساءلة والشفافية، وتلعب المؤسسات القضائية دوراً مهماً، فالقضاء هو الاساس الوطيد الذي يستند عليه مجتمع يسير بحكم القانون وفي مقدوره أن يخضع جميع مؤسسات الدولة و القادة للمساءلة عن افعالهم، وتتضمن معظم دساتير الدول نصا عن استقلال القضاء ، لكن الاستقلال الحقيقي يعتمد الى حد كبير على السلطة الادارية التي تتحكم بالقضاء (40).
ويعتبر الحكم الصالح مفهوماً محايداً يعبر عن ممارسة السلطة السياسية وادارتها لشؤون المجتمع وموارده وتطوره الاقتصادي والاجتماعي، والحكم مفهوم أوسع من الحكومة لأنه يتضمن بالإضافة الى عمل الأجهزة الرسمية من سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، عمل كل من المؤسسات غير الرسمية أو منظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص (41).
كما يتميز الحكم الجيد بغياب الفساد وغياب استغلال السلطة العامة، ويعني ذلك الفساد والاستغلال أن الناس لا ينالون بمعاملة متساوية من قبل حكوماتهم، إن الفساد ليس سوى عارض من اعراض الحكم السيء والضعف في المساءلة، وبالتالي فأن السيطرة على الفساد هي أحدى نتائج تصويب عمليات الحكم، وكذلك فان الحكم الجيد هو احترام للمبادئ الديمقراطية التي تمنح السيادة للشعب، ولكن قد لا تستطيع الديمقراطية في تعبيرها الشائع عبر السياسات الانتخابية من تحقيق حكم جيد في كل مكان وهذا ما تظهره التجارب في العالم (42)
ويمكن مقاربة الموضوع من خلال التعرف على الحكم السيء (Poor Govenance) أو غير الصالح من أجل المعرفة العملية لعملية الانتقال الى مرحلة الحكم الصالح، وتبدو محاولة تعميم الحكم السيء أقل تعسفا، حيث يمكن التعرف على هذه الخصائص ومحاربتها وتشمل الحكم الذي يفشل في الفصل بين المصلحة العامة والخاصة، وبين المال العام والخاص، والذي ينقصه الإطار القانوني ولا يطبق حكم القانون، ولديه الكثير من المعوقات القانونية والإجرائية، ويتميز بوجود قاعدة ضيقة أو مغلقة وغير شفافة للمعلومات، ويتميز بوجود الفساد وانتشاره، وأخيراً يتميز باهتزاز شرعية الحكم وضعف ثقة المواطنين به(43). ومن اجل ايجاد نوع من الحكم الجيد لا بد من القيام ببعض الإصلاحات الضرورية من أهمها: اولا إصلاح قوانين وأنظمة الخدمة المدنية يتسبب النظام الوظيفي القائم على المحسوبية والولاءات السياسية في تقويض اسس التوزيع الكفء للخدمات ويؤدي الى وجود ادارة غير عادلة، وعندما تعشعش المصالح الشخصية والفساد داخل اي حكومة تحاول تسير في نهج ديمقراطي فأن ذلك يعني اعاقة الاصلاح السياسي والاقتصادي وافقاده شرعيته، والهدف ليس عزل الادارة تماما عن السياسة ولكن العثور على طرق تشكل حلاً وسطاً لهذه العلاقة، فتقليدياً يعتبر الموظف محايداً في السياسة مستقراً في مهنته يتلقى راتباً محترماً وتتم ترقيته بناءً على جدارته واستحقاقه ولا يحق له تكوين ملكية او مصلحة تتعارض مع ادائه لوظيفته ولكن بعض الاصلاحيين الحاليين يطرحون اسئلة حول هذا النموذج التقليدي للموظف، بل أنهم ينادون بمبدأ تجنيد الموظفين او طردهم لأسباب سياسية وتواجه الدول التي خرجت للتو من نظام الحزب الواحد او الحكم الفردي المتسلط تحديات تأسيس نظام خدمة مدني محترف وقد يحتاج الامر الى وجود جانب تنفيذي قابل للمساءلة سياسياً الا أن عليه واجب تنفيذ المهام اليومية بأقل قدر ممكن من الفساد والمحاباة، إن إصلاح نظام الخدمة المدنية يعتبر أمراً ملحاً في العديد من الدول، فعلى سبيل المثال يتوجب على الديمقراطيات الحديثة تطوير نظام خدمة مدنية مستقبلي من أجل عصرنة الدولة وتطويرها، كما يتوجب عليها تقسيم الأعباء بين اجهزة الخدمة المدنية والانواع الاخرى من المؤسسات والجماعات الاخرى خارج البنية الحكومية الرسمية(44).
لذلك نرى أن العراق في الوقت الحاضر بحاجة ماسة الى إصلاح نظام الخدمة المدنية، وبما أن جميع العاملين في دوائر الدولة والقطاع العام موظفين استناداً الى قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم 150 لسنة 1987، فأن البحث يقتصر على قوانين وأنظمة الخدمة المدنية ولا يشمل قوانين العمل لأنها تنطبق على العاملين في القطاع الخاص والتعاوني والمختلط (45).
إن إصلاح قوانين وانظمة الخدمة المدنية له الأثر المباشر في مكافحة الفساد الإداري، ذلك ـ وكما ذكرنا فيما تقدم بأن التخلف الإداري، والبيروقراطية، والروتين، والترهل الإداري، وانخفاض الرواتب والاجور ..... الخ من اسباب الفساد الإداري، لذلك يتطلب الأمر إصلاح هذه الأنظمة الخدمة المدنية لمكافحة الفساد الاداري والوقاية منه، ونتناول ذلك في الفقرات الآتية:
1. إصلاح نظام الرواتب والأجور
....أن انخفاض الرواتب والأجور من الأسباب الاقتصادية المؤدية للفساد الإداري، فقد يجد الموظف نفسه مضطراً لممارسة الفساد لحاجته الماسة الى تسديد تكاليف الحياة اليومية، ويزداد الخطر إذا كان هناك تفاوتاً واضحاً في الرواتب والأجور بين الدرجات الوظيفية مبنياً على اسس غير موضوعية، أو كان الموظف يعمل في مؤسسات تجني أرباحاً كبيرة مثل المؤسسات التجارية والمالية أو مؤسسات القطاع النفطي ويتقاضى راتباً قليلاً، الأمر الذي قد يدفعه للحصول على الأموال من خلال ممارسة الفساد الإداري، وصحيح أن أساس الفساد أخلاقي - كما ذكرنا - ولكن قد يضطر الموظف لممارسة الفساد تحت ضغط الحاجة أو الإغراء، وهذا الدافع هو المصلحة الشخصية والتي تشمل الاهتمام بتأمين العيش الرغيد لعائلة الموظف وجماعته ويطلق بعض النقاد على هذه المصلحة اسم (الجشع) بينما يسميها الاقتصاديون (الاستفادة القصوى من المنفعة) (46).
ولكي يمكن محاصرة الفساد عند أدنى المستويات لا بد من تحسين اوضاع صغار وكبار الموظفين من حيث مستويات الرواتب، حتى تصبح تلك الرواتب أداة للعيش الكريم مما يساعد في حصانة الموظفين ازاء الفساد والمفسدين، ويساعد بالقضاء على الفساد بأشكاله وصوره المختلفة (47).
لذلك يجب تحصين الموظف من الانحراف قبل الوقوع فيه، وعلى هذا الأساس اتخذت الدولة قرارات سابقة لزيادة رواتب بعض الوظائف لأهميتها أو لعلاقتها المباشرة بحياة المواطن مثل (القضاة، أساتذة الجامعة). ولكن قد تزاد الرواتب لوظائف معينة بشكل كبير مما يسبب تفاوتاً واضحاً في الدخل الأمر الذي لا يحقق العدالة وبالتالي يتهيأ مناخ مناسب لانتشار الفساد، فقد ذكر أحد الباحثين بشأن وضع العراق الحالي: بأن الرواتب الضخمة المحددة للبعض تشكل تجاوزاً واضحاً للتشريعات عاكسة مبالغة واضحه في التمييز غير المبرر، الأمر الذي يضعها في دوائر ارتجاليه لا تمت بصلة الى قوانين الخدمة والتقاعد النافذة، فيما ادى اجتهاداً ذاتياً الى تجزئة القوانين والعمل على تشريع قوانين اخرى ذات أهداف فردية، في حين أن القانون يشمل جميع العناوين والمستويات بما في ذلك الوزراء والنواب والمستشارين وغيرهم، وذلك ما نلمسه بوضوح على مدى 47 سنة من التشريعات المتراكمة، أما اليوم فنجد ان الكثير من هذه العناوين ينفرد بحصته من الاجتهاد ذاهباً مذهبه اللاقانوني فيما يقبضه من راتب، مسبباً تمييزاً طبقياً فيما يشكله من تراكمات على المديين البعيد والقريب، فضلا عن أن القانون يحدد الاستحقاقات على أساس الشهادة وطبيعة العمل والمخصصات الاستثنائية لبعض الوظائف. ويضيف الباحث ان جميع قوانين الخدمة والتقاعد تشتمل على العديد من التفاصيل مما يغني عن وضع قوانين منفرده للوزراء والمستشارين، وهذه القوانين مثل قانوني الخدمة المدنية والملاك رقم 24 و25 لسنة 1960 نافذتي المفعول، غير انهما لم يعمل بهما، ووضع محلها سلم للرواتب لم يأخذ بنظر الاعتبار الحقوق ضمن القوانين النافذة (48).
ويشير الباحث الى ان قرار الهيئة التمييزية في 2004/10/10 أكد اعتماد قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل الخاصة بالتقاعد كونها لم تلغ او تعدل وهي نافذة استناداً الى المادة 130 من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، وكذلك الحال مع قانون التقاعد رقم 33 لسنة 1966(49) وقانون الخدمة المدنية رقم/24 لسنة 1960، ونجد ان الحقوق المعطلة اعتمدت على حجة تشريع قانون جديد على الرغم من ان الدستور يوجب العمل بالقانون القديم (50).
وما يثير الانتباه ان الباحث يؤكد بان التعليمات الموضوعة كبديل للقوانين النافذة لم يشأ واضعوها ان يسندوها الى قانون يمكن ان يفضي عليها قدراً من الشرعية فضلاً عن ان القائمين عليها اوجدوا لهم سياقاً مخالفاً للاستحقاق المؤدي الى المنفعة والعدالة.
ثم ان نظام الرواتب الحالي لا يأخذ بنظر الاعتبار منح مخصصات ضرورية لتحسين رواتب الموظفين مثل: مخصصات الشهادة والمخصصات العائلية .... الخ وهذا مخالف لما تنص عليه قوانين الخدمة، اما الاستقطاع الضريبي فقد كان مفاجئاً ففي حين يعفى بعض اصحاب المهن الحرة من الضرائب تفرض ضريبة الدخل على راتب الموظف الذي لا يستطيع التهرب الضريبي، ونرى ان المادة / 19 من دستور 2005 تشمل الكثير من الموظفين الذين يعتبرون من اصحاب الدخل المحدود، ويؤكد البعض ضرورة أن يتضمن نظام الرواتب والأجور ما يلي (51):
1. أن يراعى في رسم سياسات الرواتب والاجور وتحديد معدلاتها المزايا الاضافية للوظائف وفرص الترقية فيها ومعدلات الاجور والمرتبات للوظائف النظرية في القطاعات الاخرى وتناسبها مع الامكانيات المالية للدولة وتكاليف المعيشة مع وضع حد أدنى يفي بالاحتياجات الاساسية للمعيشة.
2. اتخاذ سياسة الأجور والمرتبات بما تتضمنه من علاوات عائلة واجتماعية كأداة للتوجيه الاجتماعي سواء بتشجيع زيادة السكان أو الحد منها حسب ظروف كل دولة ومدى الوفرة أو القصور في الموارد البشرية والمادية.
3 . اتسام سياسة الرواتب بالمرونة الكافية لمواجهة الندرة أو الوفرة في الطاقات البشرية اللازمة لشغل مختلف أنواع ومستويات الوظائف.
إن توفير الحوافز ومعدلات الاجور المناسبة في الوظيفة العامة يساعد على جذب الكفاءات والمهارات الوطنية المحدودة ولا سيما في الدول النفطية، حتى لا يستقطبها قطاع الاعمال الخاص لما فيه من مستوى معيشي ومعدلات اجور مرتفعة أكثر من القطاع العام (52).
وقد احسن المشرع مؤخرا بإصداره قانون رواتب موظفي الدولة رقم / 22 لسنة 2008 الذي منح الموظفين مخصصات شهادة ومنصب و مخصصات عائلية ومخصصات خطورة، مما زاد من دخل الموظفين، الا اننا نلاحظ أن التطبيق العملي لهذا القانون قد أغفل سنوات الخدمة رغم النص عليها في القانون باعتبارها أحد المعايير التي يجب اعتمادها الى جانب الشهادة والعنوان الوظيفي، الأمر الذي ادى الى انخفاض الراتب الاسمي للكثير من الموظفين، لذلك نرى ضرورة الاخذ بسنوات الخدمة الوظيفية في تحديد راتب الموظف تحقيقا للعدالة وتطبيقا لنصوص القانون.
2. نشر الوعي الوظيفي
يشمل مصطلح الوعي الوظيفي تفهم معنى الوظيفة من قبل الموظف نفسه ومن قبل المواطن على أنها خدمة عامة وليست مزية، وهذا يحقق أمرين الأول يتعلق بالموظف نفسه فإذا فهمها على أنها خدمة عامة فأنه سيتصرف باتجاه تحقيق المصلحة العامة واحترام المواطنين وتنفيذ طلباتهم المشروعة. والأمر الثاني: يتعلق بالمواطن فأنه بالمقابل سيحترم الوظيفة العامة على أنها خدمة عامة، والموظف على أنه يحقق له خدماته المشروعة وأنه يمثل الدولة وبالتالي يسود الاحترام والثقة بين الطرفين، وهذا يعود بنا الى ما ذكرناه سابقاً بأن الفساد الإداري يصل بمفهوم الوظيفة على أنها (غنيمة) القصد منها الحصول على مزايا معنوية أو مادية غير مشروعة أو بدون مقابل . واذا ما أنتشر الوعي الوظيفي فأن العدل سيسود في المعاملة وهي القاعدة التي تضمن عدم التمييز بين الناس والابتعاد عن المحاباة والمحسوبية، وهذه القاعدة تتطلب تحقيقاً دقيقا لحقوق مختلف الاطراف ذات المصلحة ومحاولة تحقيق التوازن بينها حتى لا تحقق مصلحة طرف معين على حساب طرف او اطراف اخرى، لأنه اذا غابت العدالة فلن يقدم الموظفون الا وقتهم اما جهدهم واهتمامهم فسينصب على كيفية مغادرة المؤسسة الى الافضل...... وكذلك الوصول بالموظف الى مستوى معاملة الاخرين بالطريقة التي يحبها الانسان لنفسه وهي القاعدة التي يمكن اعتبارها القاعدة الذهبية لمعايير السلوك الاخلاقي على مر العصور وفي مختلف المذاهب والاديان فمن بين تعاليم (كونفوشيوس) في الصين القديمة في القرن السادس عشر قبل الميلاد القول ؛ what you don't want) done to yourself do not do to others) (بمعنى ما لا تحبه لنفسك لا تحبه لغيرك) كما ان نفس المعنى موجود ايضا في الديانة الاسلامية والعقائد الاخرى كالمسيحية والهندوسية وغيرها (53). ويعزو الكثير من خبراء الادارة الانحرافات الإدارية (الفساد) الى ضعف الوازع الأخلاقي لدى العاملين على شتى المستويات الإدارية، ويساعد الاهتمام خلال العقد الأخير من القرن الماضي بالفساد الإداري، وأهمية أن تعالج هذه المشكلة، من خلال برنامج متكامل متعدد العناصر، وتنبثق أهمية هذا البرنامج وتضمينه في برنامج الإصلاح الإداري من خطورة الفساد الإداري (54).
إن ذلك يتحقق من خلال برامج التوعية والتثقيف التي يجب أن تتبناها الإدارة بمختلف مستوياتها على شكل دورات تطويرية أو محاضرات أو منشورات، أو من خلال وسائل الإعلام ، لذلك يجب أن توضح استراتيجية الإصلاح الإداري بشكل لا مجال معه للالتباس ولجميع العاملين في الجهاز الإداري وعلى مختلف المستويات، بان الوظيفة العامة خدمة يقوم بها الجهاز الإداري والعاملون فيه بشكل يتفق مع توقعات ومطالب المواطنين الذين يمولون نفقات هذه الأجهزة، اذ يجب تغيير النظرة للوظيفة العامة بانها امتياز أو سلطة لشاغلي الوظائف تعطيهم الحق في التحكم بالمواطنين حسب اعتبارات شخصية وغير موضوعية، وهذه حقيقة تغيب عن اذهان كثير من العاملين الذين يرون انفسهم حكاماً لا خدماً للمواطنين، مما يوجب على المعنيين بالإصلاح الإداري البدء منها بحيث لا يعود مجالاً لغياب هذا المفهوم وضرورة التأكد من حضوره دائماً في اذهان الموظفين وانعكاسه على سلوكهم (55).
3- اعتماد سياسة التدوير الوظيفي Job Rotation كلما كان ذلك ممكناً وبخاصة في الجهات التي تعاني من ارتفاع معدلات الفساد نتيجة إبقاء الشخص فيها لمدة طويلة مثل: الضرائب والجمارك والعطاءات، حيث ينبغي تشجيع عملية التدوير الوظيفي مع عدم الإخلال بكفاءة الأداء (56).
ثانياً: اصلاحات اقتصادية: يزداد الاقتناع بأنه لا يمكن أن يتم الإصلاح الاقتصادي (57) بنجاح ما لم يتم كبح الفساد وتكافؤ الفرص وتوفير الشفافية، وبدون ذلك سيتم هدر المال العام الذي يحتاجه المجتمع، فالإصلاح الاقتصادي من الإجراءات الواجبة لكبح الفساد، وقد اعتمدت بعض الدول على وصفة البنك وصندوق النقد الدوليين في منهج الإصلاح الاقتصادي، وأصبح الإصلاح الاقتصادي وكأنه هدف بحد ذاته، واكتسب التثبيت الاقتصادي وتحرير التجارة والخصخصة والدعوة الى تحجيم دور الدولة أولوية في برامج الإصلاح الاقتصادي، لكن التجارب بينت هذا خطأ هذا التوجه لأن الاصلاح الاقتصادي يجب أن يكون وسيلة لإدارة الطلب من جهة وتحفيز الإنتاج من جهة ثانية، على أن يكون ذلك مرتبطاً بخطة التنمية الاقتصادية طويلة الأجل وخطة التنمية الاجتماعية، فالتحرير الاقتصادي غير المرتبط بخطة لتوسيع الإنتاج يشكل خطراً على الاقتصاد الوطني، والإصلاح غير المرتبط ببرنامج لمعالجة الفقر والبطالة بشكل مباشر يشكل خطراً على السلم الاجتماعي (58). تتمثل الاصلاحات الاقتصادية بالقيام بإجراءات اقتصادية الغرض منها القضاء على الاسباب الاقتصادية للفساد الاداري مثل البطالة والفقر، والتفاوت الطبقي. ويتم ذلك من خلال خلق فرص عمل للقضاء على البطالة والفقر، فقد ذكرت آخر احصائية صادرة من دائرة العمل والتدريب المهني في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بأن عدد العاطلين المسجلين لديها في بغداد والمحافظات بلغ مليوناً و227 الف و 27 عاطل) توزعوا بواقع (مليون و 105 الف و 325 ) عاطل من الذكور ، و 121 (الف و 702) من الإناث (59). ومن أجل إنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي يجب أن تتوفر فيه الأهداف التالية:
1. ادارة الطلب الكلي وتحقيق التوازنات في الاقتصاد الكلي وأهمها احتواء التضخم.
2. تعبئة كافة الموارد البشرية والمادية لخدمة عملية التنمية والحفاظ على الشباب والمتعلمين من خلال توفير المناخ اللازم لهم للاستثمار والعلم والإبداع والابتكار.
3. زيادة الكفاءة في الأداء الاقتصادي وفي توزيع الموارد، ومنع الاحتكار وتعميق المنافسة في السوق.
4. خلق المناخ المحفز للاستثمار طويل الأجل وتوفير الفرص المتكافئة للجميع، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر مع توجيهه نحو اولويات التنمية، ورفع عائدتيه من خلال ازالة العقبات، ومن خلال خلق البيئة التنظيمية والتشريعية السليمة لعمل كلا القطاعين العام والخاص (60 ).
أما منطلقات الإصلاح الاقتصادي فأهمها:
1. البرنامج الزمني والشمولية: يتطلب الإصلاح الاقتصادي برنامجاً زمنياً، يجب أن يكون شاملاً عريض القاعدة، بسبب ترابط إجراءات وخطوات الإصلاح نفسها وتأثيرها وتأثرها ببعضها البعض، فأصلاح القطاع المصرفي لا يكون مجدياً دون إصلاح القطاع العام، وإصلاح القطاع العام أو الإصلاح المالي لن يكون فعالاً دون إصلاح القطاع المصرفي، كذلك فان خطوات تحرير التجارة دون خطوات متلازمة لتحفيز الإنتاج والإنتاجية تعرض السوق الداخلي لمزاحمة شديدة وتعرض الميزان التجاري لانكشاف خطير، كذلك فأن إعادة هيكلة المؤسسات الإنتاجية أو تعديل قانون الاستثمار دون صلاح البيئة التشريعية والتنظيمية للعمل الإنتاجي يصبح من باب العبثية.
2. تتابع الإصلاحات وتقرير السرعة في الإصلاح يشكل اختيار تتابع الإصلاحات أهمية كبرى في نجاح البرنامج، وذلك باختيار القطاعات التي يشملها الإصلاح أولاً، ثم تأتي من بعدها القطاعات الأخرى فمثلاً يجب وضع التساؤلات الآتية: هل يبدأ الإصلاح بالقطاع الخاص أم العام، أو هل يتم البدء بالنظام المالي أم المصرفي.... وهكذا يتم اختيار أحد القطاعات ثم يليه القطاع الآخر ، أما بالنسبة للسرعة في الإصلاح فلا شك أن الإصلاح المتدرج هو الأفضل ويجب إيجاد التوازن السليم للوصول الى عملية إصلاحية نشطة وفعالة (61) .
3 - القرار الاقتصادي المستقل إن الإصلاح الاقتصادي لا يعني التنازل عن القرار الاقتصادي الوطني المستقل، بل يجب أن يكون من صنع وطني وأن يكون دور المؤسسات الدولية دور المقدم للدعم والتمويل وليس اعداد البرنامج (62).
ثالثاً: اصلاحات اجتماعية :-
وتعني الاصلاحات الاجتماعية الارتقاء بالمجتمع الى مستوى حضاري يبعده عن ظاهرة التخلف والجهل والفوارق الاجتماعية، ويقضي على العادات والتقاليد السيئة، وخلق بيئة اجتماعية متماسكة ونظيفة ويتم ذلك من خلال بعض الوسائل مثل نشر الوعي والثقافة بين افراد المجتمع، والسماح لهم بالمشاركة في الرأي والنشاطات الحكومية، ونشر القيم الدينية الاصيلة لدى المواطنين بدون تطرف أو تشدد، واحترام معاملاتهم وطلباتهم من خلال عدة إجراءات من ذلك تبسيط الإجراءات للقضاء على الروتين الذي هو أحد اسباب الفساد الإداري (63) ومن بين بعض الوسائل نذكر الآتي:
1. إن المظاهر المتعددة للفساد الإداري يمكن أن تكون مؤشرات لمحاولة الأفراد تحقيق احتياجاتهم المتزايدة، وعليه فأن بداية العلاج لهذه الظاهرة يجب أن يرتكز على تحديد مسببات الفساد ومن ثم العمل على تلبية الاحتياجات بشكل عادل الى حد ما، وهذا سيعمل على تغيير اتجاه الأفراد نفسياً وذلك عن طريق التركيز على الدافعية الفردية أو الحافز الفردي باعتباره الدعامة الأساسية للتنمية (64).
1. تنمية الروح الوطنية يعتبر هذا العامل من اهم العوامل التي تساعد على نبذ الأسباب التي تؤدي الى الفساد داخل الإدارة، وعلى ذلك فعلى الدولة يقع عبء التدخل بتعديل النظم بحيث تصبح صالحة لاستيعاب جميع القوى السياسية التي تعبر عن الحقائق الاجتماعية، حتى يكون هذا الإطار رداءً صالحاً للجسد الوطني، وبذلك تستطيع تدمير الولاءات الضيقة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو دينية، وتستبدلها بنماذج جديدة من الولاء الوطني، ومن خلاله تكون الدولة قد أكدت على اهمية احدى القيم التي تؤثر في سلوك الافراد ازاء السلطة والمجتمع، فالولاء الوطني يوفر حافزاً من حوافز الإبداع والتجديد والشعور بالمسؤولية(65).
إن مهمة بث الانتماء وزرعه في الأفراد يجب أن تتم من خلال المجتمع الذي يمارسها عن طريق مؤسساته المتمثلة في الأسرة والمدرسة والجامعة وبقية المؤسسات الاجتماعية الأخرى كالنقابات والجمعيات ومؤسسات الشباب، كذلك من خلال مؤسسات الحكم الديمقراطية، فقد ثبت أن غياب الديمقراطية وسيادة الأنظمة الاستبدادية من أهم أسباب فقدان الشعور بالمواطنة)(66) .
وتتم ايضا تنمية الشعور الوطني من خلال الممارسات العامة والنشاطات الاجتماعية على مستوى الوطن مثل النشاطات الثقافية والفنية والرياضية، التي تشير الى ضرورة حب الوطن وحمايته والمحافظة على المال العام. لقد مارست الدولة الإسلامية الأولى جميع وظائف الدولة السياسية والتنفيذية والقضائية كما نراها الآن حيث بدأ الإسلام دين ودولة في آن واحد، وكان لزاماً وجود حكومة ترعى المصالح وتحقق العدل وتحمي الناس، فوجود الحكومة اذن واجب على المسلمين في ظل القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، واصبح الاساس الديني هو أساس جميع الوظائف في الدولة التي تقوم على المبادئ الأخلاقية السامية، قال تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، ولذلك يصح القول أن الموظفين في الدولة الإسلامية هم عمال الله، يعملون في وظائفهم لتحقيق مصلحة المسلمين في دينهم ودنياهم، فمع نشر الدعوة الإسلامية تخلق اعضاء المجتمع بأخلاق الدين الجديد ومعاييره السلوكية فتعهدوا انفسهم بتقوى الله والعمل الصالح ومن هنا كانت المصلحة العامة هدفا من اهداف الإدارة السليمة(67).
2. التركيز على الجانب الأخلاقي:
.... أن العامل الأخلاقي من أهم أسباب الفساد الإداري، لذلك يجب التركيز عليه من خلال نشر القيم والمبادئ الحميدة، والتنبيه دائما على أن الفساد رذيلة وأن صاحبه منبوذ وإنسان غير سوي. ودائماً ما يتصل السلوك الأخلاقي بثقافة ما اذ يعكس اجماعاً على مقاييس سلوكية مقبولة والتزامات اجتماعية وواجبات، ويتصل السلوك الأخلاقي ايضا بحقبة ما، وفي الحقيقة يستطيع المرء أن يقول أنه مرتبط بموقف معين، فالقرارات الأخلاقية تتخذ ضمن حدود موقف معين أو مجموعة مواقف مماثلة، وما يتقرر القيام به محكوم الى حد كبير بما تم تعلمه وتجربته إن أسلوب الحياة ينتقل من جيل الى آخر بواسطة التعلم والخبرة، وتؤثر كل المفاهيم الثقافية كالدين والتنظيم الاقتصادي والاجتماعية على حياة الإنسان(68).
إن السبب الرئيسي وراء الفساد الذي يعثو في بلاد المسلمين - كما يشير البعض - يرجع في اصله الى الإعراض عن الله عز وجل، قال تعالى (ومن أعرض عن ذكري فأن له معيشة ضنكا)(69)، وعليه فأن اتباع القيم والأخلاق الاسلامية الثابتة والتي لا تتغير حسب الأهواء يساعد على محاربة ظواهر ومقدمات الفساد سواء على المستوى الفردي أو الجماعية وهو ما تفتقر اليه الانظمة الوضعية (70).
إن أهم مدخل لعلاج الفساد بصفة عامة والفساد الإداري بصفة خاصة، هو غرس القيم الدينية لدى الفرد، فالأديان السماوية بشكل عام تؤكد على تقديس العمل واحترام الواجب والمحافظة على وقت وادوات العمل وتجنب التبذير، والارتقاء بمستوى الأداء، والدعوة الى نبذ الأمور الشخصية والتحلل من المعاني الذاتية في سبيل الصالح العام، والدعوة الى تطهير النفوس من الأفعال الفاسدة، واذا نظرنا الى الدين الإسلامي بجانب الروحانية السامية التي نادى بها نجد المادية التي تعنى بتنظيم شؤون المجتمع، فقد على الإسلام بمظاهر التنظيم السياسي والإداري والاقتصادي والاجتماعي كافة، كما أنه أوجب على المسلم أن يتصف عمله بالإخلاص والجد وعدم الإهمال، فالمسلم الحق يهتم بعمله في وظيفته كما لو كان يعمل لنفسه(71).
___________
1- أنظر في واجبات الموظف العام Jeremy Pope.op.cit.p105
2- أنظر حياة محمد خطاب دور المنظمات غير الحكومية في الإصلاح الإداري، دراسة مقارنة بين جمعية تنمية خدمات حي مصر الجديدة في جمهورية مصر العربية والاتحاد النسائي في دولة الإمارات العربية المتحدة مع التركيز على متغير القيادة، رسالة دكتوراه ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1998 ، ص 2
3- أنظر: عبد الرحمن إبراهيم حسن, دور التدريب في الإصلاح الإداري مع التطبيق على دولة قطر، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1993، ص 67.
4- أنظر: Robert Kligaard, Controlling Corruption, OP,CIT,P158 2
5- أنظر: رحيم عويد نغميش الإصلاح الإداري والتنمية الإدارية في العراق 1970.1980, رسالة دكتوراه جامعة القاهرة, كلية الاقتصاد والعلوم السياسية 1984 ، ص 91 وما بعدها.
6- انظر د مصطفى كامل السيد الشروط الاساسية للتنمية الشفافية والمساءلة ورشادة الحكم، الفساد والتنمية, محرر د. مصطفى كامل السيد ود. صلاح سالم زرنوقة، الفساد والتنمية القاهرة، 1999، ص 9.
7- للمزيد عن هذه المنظمة ونشاطاتها، أنظر موقع منظمة الشفافية العالمية: www.transparency.org .
8- للمزيد عن كيفية تأسيس هذه المنظمة ، أنظر بيتر أيغن شبكات الفساد العالمية ترجمة محمد جديد ط1 ، قدمس للنشر والتوزيع دمشق 2005 ، ص 19.
9- أنظر الموقع .www.pogar.org/transparency
10- د. موسى اللوزي، التنمية الإدارية، ط 2 عمان دار وائل للنشر 2002, ص 141.
11- أنظر: د. موسى اللوزي، التنمية الإدارية، ط 2 عمان دار وائل للنشر 2002 ، ص 142 وما بعدها.
12- أنظر: د. موسى اللوزي, مصدر سابق، ص 144.
13- أنظر Robert Kligaard, Controlling Corruption, OP,CIT,P190
14- أنظر: د. موسى اللوزي مصدر سابق، ص 145 وما بعدها.
15- أنظر الموقع /www.pogar.org/arabic/governance
16- أنظر د. محمد قاسم القريوتي، الإصلاح الإداري بين النظرية والتطبيق، الطبعة الأولى دار وائل للنشر، عمان، 2001 ، ص 63.
17- أنظر . ممدوح مصطفى محمد اسماعيل، مساءلة الادارة العامة بين النظرية والتطبيق رؤية اسلامية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية قسم الإدارة العامة، 2004. , ص 22 وما بعدها.
18- أنظر:. د. ليلى مصطفى البرادعي، المساءلة في إطار مفهوم إدارة شؤون الدولة والمجتمع، منشورات مركز دراسا واستشارات الإدارة العامة, كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة, ط2، 2001، ص 411 .
19- سورة الأنعام / آية 164.
20- أنظر : ممدوح مصطفى محمد اسماعيل المصدر السابق، ص 23 وما بعدها.
21- البنك الدولي، إدارة حكم أفضل لأجل التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مصدر سابق، ص 60.
22- أنظر: د. ليلى مصطفى البرادعي، المساءلة في إطار مفهوم إدارة شؤون الدولة والمجتمع، منشورات مركز دراسا واستشارات الإدارة العامة, كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة, ط2، 2001 ، ص 413.
23- أنظر د. ليلى مصطفى البرادعي، المساءلة في إطار مفهوم إدارة شؤون الدولة والمجتمع، منشورات مركز دراسا واستشارات الإدارة العامة, كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة, ط2، 2001 ، ص 414.
24- انظر: ممدوح مصطفى محمد اسماعیل، مصدر سابق، ص 42 وما بعدها.
25- أنظر: د. ليلى مصطفى البرادعي، المصدر السابق، ص 416.
26- أنظر: ممدوح مصطفی محمد إسماعيل، مصدر سابق، ص 45 وما بعدها.
27- أنظر: د. ليلى مصطفى البرادعي، المصدر السابق، ص 415.
28- أنظر : ممدوح مصطفى محمد اسماعیل، مصدر سابق، ص26 وما بعدها.
29- سورة القمر / الآية 27.
30- سورة هود/ الآية – 93.
31- سورة الطلاق، الآية / 8.
32- أنظر : ممدوح مصطفى محمد إسماعيل، مصدر سابق، ص 36 وما بعدها.
33- للمزيد أنظر في. جي. باجان الشفافية والمساءلة في سنغافورة، الفساد والتنمية، مصدر سابق، ص 77 وما بعدها.
34- أنظر: د. ليلى مصطفى البرادعي، المساءلة في إطار مفهوم إدارة شؤون الدولة والمجتمع، منشورات مركز دراسا واستشارات الإدارة العامة, كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة, ط2، 2001 ، ص 415.
35- أنظر د. مصطفى كامل السيد ود. صلاح سالم زرنوقة، الفساد والتنمية القاهرة، 1999 ، ص8
36- د. سلوى شعراوي جمعة، مفهوم إدارة شؤون الدولة والمجتمع ، اشكاليات نظرية، إدارة شؤون الدولة والمجتمع، مركز دراسات واستشارات الادارة العامة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، ط2، 2001، ص 3.
37- أنظر البنك الدولي، إدارة حكم أفضل لأجل التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تقرير البنك الدولي، الطبعة العربية، بيروت، دار الساقي , 2004 ، ص 3 وما بعدها.
38- أنظر: د. سلوى شعراوي جمعة، مفهوم إدارة شؤون الدولة والمجتمع ، اشكاليات نظرية، إدارة شؤون الدولة والمجتمع، مركز دراسات واستشارات الادارة العامة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، ط2، 2001، ، ص 4.
39- أنظر. د. سلوى شعراوي جمعة، مفهوم إدارة شؤون الدولة والمجتمع ، اشكاليات نظرية، إدارة شؤون الدولة والمجتمع، مركز دراسات واستشارات الادارة العامة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، ط2، 2001، ، ص 4 وما بعدها.
40- أنظر الموقع www.pogar.org/arabic/governance judiciary
41- حسن كريم، مفهوم الحكم الصالح، مجلة المستقبل العرب من العدد 309 نوفمبر 2004، ص 40.
42- البنك الدولي، إدارة حكم أفضل لأجل التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مصدر سابق، ص 66.
43- أنظر حسن كريم، مفهوم الحكم الصالح ، مصدر سابق، ص 45
44- أنظر سوزان و روز أكرمان الفساد والحكم، ترجمة فؤاد سروجي، ط1، الأهلية للنشر، عمان، 2003، ص 131
45- أنظر م1 من قانون العمل رقم 71 لسنة 1987.
46- أنظر سوزان و روز أكرمان الفساد والحكم، ترجمة فؤاد سروجي، ط1، الأهلية للنشر، عمان، 2003،ص 19.
47- أنظر : محمود عبد الفضيل، مفهوم الفساد ومعاييره، ندوة الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالاشتراك مع المعهد السويدي في الإسكندرية للفترة من 20 – 23- أيلول 2004 بيروت ، ص 39.
48- لقد صدر سلم الرواتب استناداً الى أمر سلطة الإئتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم / 30 لسنة 2004.
49- نود الإشارة الى صدور قانون التقاعد الموحد رقم 27 لسنة 2006.
50- أنظر : سامي الصافي، المرتبات الشهرية تجاوزات قانونيه و دستوريه، بحث منشور في جريدة الصباح العدد 1279 في 13 / كانون اول 2007 ص 15
51- أنظر: د. حمدي أمين عبد الهادي، ادارة شؤون موظفي الدولة، أصولها وأساليبها واصلاحها الطبعة الثالثة دار الفكر العربي, القاهرة, 1990. ص 277.
52- أنظر: د. حمدي أمين عبد الهادي، المصدر السابق، ص 276 ونود الأشارة هنا الى ظاهرة استقطاب مهندسي النفط من قبل شركات النفط الاجنبية العاملة في العراق مثل شركة (وذر فورد) التي تعمل في مجال حفر الآبار النفطية جنوب العراق، حيث تمنح رواتب تعادل ستة اضعاف ما يتقاضاه المهندس في القطاع العام.
53- أنظر: هشام ياسين محمد عبد الهادي التوانسي، خلقيات الخدمة المدنية دراسة مقارنة مع التطبيق على الحالة المصرية رسالة ماجستير كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة 1998 ، ص 23
54- أنظر : عماد الدين إسماعيل مصطفى نجم، ظاهرة الفساد الإداري في الأجهزة الحكومية بالتركيز على الرشوة، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2003، ، ص 2
55- د. محمد قاسم القريوتي، الإصلاح الإداري بين النظرية والتطبيق، الطبعة الأولى دار وائل للنشر، عمان، 2001 ص 61.
56- د. عطية حسين أفندي الممارسات غير الأخلاقية في الإدارة العامة، محرر الفساد والتنمية، مركز دراسات وبحوث الدول النامية كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة 1999، ص 62.
57- ويشير البعض الى أن الإصلاح الإقتصادي ضروري ولكن ليس كافيا لمكافحة الفساد أنظر:-
Rick Stapenhurst &Sahr J.Kpundeh,OP,CIT,P89
58- أنظر أحمد مارديني، الفساد اغتصاب السلطة العامة من أجل المصلحة الخاصة، دمشق، مطبعة الداودي، 2004، ص 65 وما بعدها.
59- أنظر: جريدة الصباح، العدد 1430 في 2/ تموز / 2008، ص3.
60- انظر: أحمد مارديني، الفساد اغتصاب السلطة العامة من أجل المصلحة الخاصة، دمشق، مطبعة الداودي، 2004 ، ص 66 وما بعدها.
61- أنظر : Rick Stapenhurst &Sahr J. Kpundeh, OP,CIT,P151 2
62- أنظر أحمد مارديني، الفساد اغتصاب السلطة العامة من أجل المصلحة الخاصة، دمشق، مطبعة الداودي، 2004 ، ص 66 و 67.
63- أنظر كتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء رقم 1556 في 24 / 1/ 2008 / الى الوزارات كافة والجهات غير المرتبطة بوزارة، بناءً على توصيات الملتقى الأول لمكافحة الفساد الإداري التي أقرها مجلس الوزراء في جلسته الاعتيادية الثانية بتاريخ 10م2008/1، حيث جاء فيه: تنسب قيامكم باتخاذ الاجراءات المناسبة لتبسيط معاملات المواطنين بما يحقق الاختزال في الحلقات والوضوح في الإجراءات ووضع دليل لها والإعلان عنها في اماكن مراجعة المواطنين.
64- د. صلاح الدين فهمي محمود الفساد الإداري كمعوق لعمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، دار النشر بالمركز العربي للدراسات الامنية والتدريب بالرياض، 1994 ' ص 164.
65- انظر: د. أحمد محمد عبد الهادي، الانحراف الإداري في الدول النامية، الإسكندرية، مركز الإسكندرية للكتاب، 1997، ص 153
66- للمزيد أنظر المقال " بأي الأعناق تعلق أجراس غياب المواطنة, منشور على الموقع www.asharqalawsat.com. Leader
67- انظر: سهير عبد المنعم اسماعيل الحماية الجنائية لنزاهة الوظيفة العامة، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1995 ، ص 30.
68- أنظر شيلدون. اس. ستاينبيرغ وديفيد تي. اوستيرن، الحكومة والأخلاق والمديرون ، ترجمة حزامة حبايب وعبد الحليم حزين دار الكرمل للنشر التوزيع عمان 1996 ص 149.
69- سورة طه الآية 124
70- د. صلاح الدين فهمي محمود الفساد الإداري كمعوق لعمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، دار النشر بالمركز العربي للدراسات الامنية والتدريب بالرياض، 1994 ، ص 152.
71- أنظر د. أحمد محمد عبد الهادي، الانحراف الإداري في الدول النامية، الإسكندرية، مركز الإسكندرية للكتاب، 1997 ، ص 161.
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة