النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
عقيدة الدجال عند المسلمين واليهود والمتهوكين
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص 23-84
2025-05-25
213
1 - عقيدة الدجال في أحاديث أهل البيت عليهم السلام
1 . أولها أن الدجال عندنا يهودي يقوم بحركة عالمية ضد الإمام المهدي عليه السلام بعد ظهوره وإقامته دولته العالمية ونزول عيسى عليه السلام . وأتباع الدجال يهود ونواصب ، ويظهر أنه يستفيد من تطور العلوم يومها ، ويستعمل الدجل والشعبذة .
وفي كمال الدين / 528 ، عن ابن عمر : « أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب » .
2 . لا وجود في أحاديثنا لمخاريق الدجال ، التي امتلأت بها مصادر غيرنا .
3 . جعل كعب الأحبار خروج الدجال بعد فتح القسطنطينية مباشرة ، وجعل قيام الساعة بعده ! ورفضت ذلك مصادرنا ، لأن دولة العدل الإلهي تستمر طويلاً .
4 . الدجال في مصادرنا آخر الطواغيت وآخر أئمة الضلال ، ففي الكافي : 8 / 296 ، عن الإمام الباقر عليه السلام ، من حديث : « وإنه ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج الدجال ، إلا سيجد من يبايعه . ومن رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت » .
وعن علي عليه السلام قال : « سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله لا تسألوني عن فئة تهدي مائة ، إلا أخبرتكم بسائقها وناعقها ، حتى يخرج الدجال » . « البصائر / 317 » .
فتعبير : إلى أن يخرج الدجال ، أو حتى يخرج ، يدل على أنه آخر الطواغيت .
5 . عامة أعداء أهل البيت عليهم السلام أتباع الدجال ، ففي أمالي الطوسي : 1 / 59 ، عن رافع مولى أبي ذر قال : « رأيت أبا ذر رحمه الله آخذاً بحلقة باب الكعبة ، مستقبل الناس بوجهه وهو يقول : من عرفني فأنا جندب الغفاري ، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من قاتلني في الأولى ، وقاتل أهل بيتي في الثانية ، حشره الله تعالى في الثالثة مع الدجال . إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، ومثل باب حطة من دخله نجا ، ومن لم يدخله هلك » . ونحوه أمالي الطوسي : 2 / 74 ، والكشي 1 / 115 .
وروت نحوه مصادر السنيين بدون ذكر الدجال ، كمسند الشهاب : 2 / 273 ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي ذر . والطبراني الصغير : 1 / 139 ، وفيه : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح ، من ركبها نجا ، ومثل باب حطة في بني إسرائيل . والحاكم : 3 / 150 ، وفيه : عن حنش الكناني قال : سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقول وهو آخذ بباب الكعبة : من عرفني فأنا من عرفني ، ومن أنكرني فأنا أبو ذر . . . ورواه ابن المغازلي / 68 و / 134 ، والشجري : 1 / 151 ، وميزان الإعتدال : 1 / 482 ، ومقتل الخوارزمي : 1 / 104 ، وكشف الهيثمي : 3 / 222 ، كلها كمسند الشهاب . والزوائد : 9 / 168 .
وفي المحاسن 1 / 90 ، عن الإمام الصادق عليه السلام : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً . قيل : يا رسول الله وإن شهد الشهادتين ! قال : نعم إنما احتجب بهاتين الكلمتين عن سفك دمه ، أو يؤدي الجزية وهو صاغر . ثم قال : من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً ! قيل : وكيف يا رسول الله ؟ قال : إن أدرك الدجال آمن به » .
وفي رجال الكشي : 2 / 697 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ثم أسكنها الهواء ، فما تعارف منها ائتلف هاهنا ، وما تناكر منها ثَمَّ اختلف هاهنا ، ومن كذب علينا أهل البيت حشره الله يوم القيامة أعمى يهودياً ، وإن أدرك الدجال آمن به ، وإن لم يدركه آمن به في قبره » .
وفي مشارق أنوار اليقين / 52 : « عن أبي سعيد ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أيها الناس من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً لا ينفعه إسلامه ، وإن أدرك الدجال آمن به ، وإن مات بعثه الله من قبره حتى يؤمن به » .
ورواه البسوي في المعرفة والتاريخ / 833 ، عن حذيفة ، وفي نسخته تصحيف . ومعنى ذلك أن النواصب سيكونون حلفاء اليهود وأتباعهم في زمن المهدي عليه السلام !
6 . وروينا تحريم المدينة على الدجال ، ورووا شبيهاً به ، ففي من لا يحضره الفقيه : 2 / 564 : « وروي أن الصادق عليه السلام ذكر الدجال فقال : لا يبقى منها سهل إلا وطأه إلا مكة والمدينة ، فإن على كل نقب من أنقابها ملكاً يحفظهما من الطاعون والدجال » .
لكنا لم نرو استثناءاتهم ، التي نقضوا بها ذلك وجعلوا الدجال يدخل المدينة !
7 . توجد رواية مرسلة قد يفهم منها أن الدجال يفتك بأهل البصرة ، ففي شرح النهج لابن ميثم البحراني : 1 / 289 ، أن علياً عليه السلام : « لما فرغ من حرب أهل الجمل أمر منادياً ينادي في أهل البصرة أن الصلاة جامعة لثلاثة أيام من غد إن شاء الله ، ولا عذر لمن تخلف إلا من حجة أو علة ، فلا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً ، فلما كان في اليوم الذي اجتمعوا فيه خرج فصلى في الناس الغداة في المسجد الجامع ، فلما قضى صلاته ، قام فأسند ظهره إلى حائط القبلة عن يمين المصلي ، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، ثم قال : يا أهل المؤتفكة ، ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله تمام الرابعة ، يا جند المرأة وأعوان البهيمة ، رغا فأجبتم وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق وماؤكم زعاق ، بلادكم أنتن بلاد الله تربة ، وأبعدها من السماء ، بها تسعة أعشار الشر ، المحتبس فيها بذنبه ، والخارج منها بعفو الله ، كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد ، كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر !
فقام إليه الأحنف بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك ؟
قال : يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزمان ، وإن بينك وبينه لقروناً ، ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم ، لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دوراً وآجامها قصوراً ، فالهرب الهرب ، فإنه لا بُصَيْرَةَ لكم يومئذ ! ثم التفت عن يمينه فقال : كم بينكم وبين الأبلة ؟ فقال له المنذر بن الجارود : فداك أبي وأمي ، أربعة فراسخ . قال له : صدقت فوالذي بعث محمداً وأكرمه بالنبوة وخصه بالرسالة وعجل بروحه إلى الجنة ، لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال : يا علي هل علمت أن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ ، وقد يكون في التي تسمى الأبُلَّة موضع أصحاب العشور ، يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألفاً ، شهيدهم يومئذ بمنزلة شهداء بدر !
فقال له المنذر : يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وأمي ؟ قال : يقتلهم إخوان الجن ، وهم جيل كأنهم الشياطين ، سود ألوانهم ، منتنة أرواحهم ، شديد كَلَبُهم ، قليل سلبهم ، طوبى لمن قتلهم ، وطوبى لمن قتلوه ، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان ، مجهولون في الأرض معروفون في السماء ، تبكي السماء عليهم وسكانها والأرض وسكانها ، ثم هملت عيناه بالبكاء ، ثم قال : ويحك يا بصرة من جيش لارهَجَ له ولا حس ! قال له المنذر : يا أمير المؤمنين وما الذي يصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت ، وما الويح ، وما الويل ؟ فقال : هما بابان ، فالويح باب الرحمة والويل باب العذاب .
يا ابن الجارود ، نعم ، ثارات عظيمة منها عصبة يقتل بعضها بعضاً ، ومنها فتنة تكون بها خراب منازل ، وخراب ديار ، وانتهاك أموال ، وقتل رجال ، وسبي نساء يذبحن ذبحاً ، يا ويل أمرهن حديث عجب ، منها أن يستحل بها الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى والأخرى كأنها ممزوجة بالدم لكأنها في الحمرة علقة ، ناتئ الحدقة كهيئة حبة العنب الطافية على الماء ، فيتبعه من أهلها عدة من قتل بالأبلة من الشهداء ، أناجيلهم في صدورهم ، يقتل من يقتل ويهرب من يهرب . ثم رجف ثم قذف ، ثم خسف ، ثم مسخ ، ثم الجوع الأغبر ، ثم الموت الأحمر وهو الغرق .
يا منذر ، إن للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في الزبر الأول ، لا يعلمها إلا العلماء منها الخريبة ، ومنها تدمر ، ومنها المؤتفكة . يا منذر ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لو أشاء لأخبرتكم بخراب العرصات ، عرصة عرصة ، ومتى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة ، وإن عندي من ذلك علماً جماً ، وإن تسألوني تجدوني به عالماً ، لا أخطئ منه علماً .
قال : فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة ومن أهل الفرقة ، ومن أهل السنة ، ومن أهل البدعة ؟ فقال : ويحك إذا سألتني فافهم عني ولا عليك أن لا تسأل أحداً بعدي : أما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلوا ، وذلك الحق عن أمر الله وأمر رسوله ، وأما أهل الفرقة فالمخالفون لي ولمن اتبعني وإن كثروا ! وأما أهل السنة فالمتمسكون بما سنه الله ورسوله صلى الله عليه وآله لا العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا » .
لكنها خطبة مرسلة ، لا يمكن الأخذ بها ، ما عدا القسم الأول إلى قوله عليه السلام : « كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر » لأن المؤرخين رووه ، ورواه ابن أبي الحديد ، وابن منظور .
ثم إن الفقرة التي ذكرت الدجال فيها مبهمة وهي : « يستحل بها الدجال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى . . » فلعل المقصود دجال حركة الزنج التي وصفها الإمام عليه السلام في مطلع الخطبة ، وقد تحققت وانطبقت عليه أوصافه : « سودٌ ألوانهم منتنة أرواحهم ، أي رائحتهم ، شديد كَلَبُهم ، قليل سلبهم ، طوبى لمن قتلهم » .
8 . وصح عندنا أن بداية حركة الدجال من بلخ ، في أفغانستان ، ففي البصائر / 141 ، أن رجلاً من أهل بلخ دخل على الإمام الباقر عليه السلام فقال له : « ياخراساني تعرف وادي كذا وكذا ؟ قال : نعم قال له : تعرف صدعاً في الوادي من صفته كذا وكذا ؟ قال : نعم ، قال : من ذلك يخرج الدجال ! في حديث طويل جاء فيه : « وخروج رجل من ولد الحسين بن علي ، وظهور الدجال يخرج بالمشرق من سجستان ، وظهور السفياني » .
ومعناه أن حركته تبدأ من قرى ذلك الوادي .
9 . وروينا أن الذي يقتل الدجال هو الإمام المهدي عليه السلام ، ويساعده نبي الله عيسى عليه السلام ففي كمال الدين : 2 / 335 ، عن المفضل : قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام : « إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام ، فهي أرواحنا ، فقيل له : يا ابن رسول الله ، ومن الأربعة عشر ؟ فقال : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين ، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال ، ويطهر الأرض من كل جور وظلم » .
وفي منتخب الأثر للشيخ الصافي / 172 ، عن الكامل في السقيفة لعماد الدين الطبري ، عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : « إن الله تعالى أعطانا الحلم والعلم والشجاعة والسخاوة والمحبة في قلوب المؤمنين ، ومنا رسول الله ووصيه ، وسيد الشهداء ، وجعفر الطيار في الجنة ، وسبطا هذه الأمة ، والمهدي الذي يقتل الدجال » .
10 . وروينا أن المسيح يساعد المهدي عليه السلام على الدجال ، ففي أمالي الصدوق / 224 ، عن حماد ، عن عبد الله بن سليمان ، وكان قارئاً للكتب ، قال : « قرأت في الإنجيل : يا عيسى جِدَّ في أمري ولا تهزل ، واسمع وأطع ، يا ابن الطاهرة الطهر البكر البتول ، أتيتَ من غير فَحْل ، أنا خلقتك آية للعالمين ، فإياي فاعبد وعليَّ فتوكل . خذ الكتاب بقوة . فَسِّرْ لأهل سوريا بالسريانية . بَلِّغْ من بين يديك أني أنا الله الدائم الذي لا أزول . صدقوا النبي الأمي صاحب الجمل والمدرعة والتاج والنعلين والهراوة ، الأنجل العينين ، الصلت الجبين ، الواضح الخدين ، الأقنى الأنف ، المفلج الثنايا . . ذو النسل القليل ، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب ، يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك ، لها فرخان مستشهدان . كلامه القرآن ، ودينه الإسلام ، وأنا السلام . طوبى لمن أدرك زمانه ، وشهد أيامه وسمع كلامه . قال عيسى : يا رب وما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنة أنا غرستها ، تُظِلُّ الجنان ، أصلها من رضوان ، ماؤها من تسنيم ، برده برد الكافور ، وطعمه الزنجبيل ، من يشرب من تلك العين شربةً لا يظمأ بعدها أبداً . فقال عيسى : اللهم اسقني منها . قال : حرام يا عيسى على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي ، وحرام على الأمم أن يشربوا منها حتى تشرب أمة ذلك النبي . أرفعك إليَّ ثم أهبطك في آخر الزمان ، لترى من أمة ذلك النبي العجائب ، ولتعينهم على اللعين الدجال ، أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم . إنهم أمة مرحومة » .
11 . وروينا أن الحياة تستمر بعد الدجال ، رداً على الذين زعموا أن يأجوج ومأجوج يأتون بعده ، ثم تنتهي الحياة وتقوم القيامة ! ففي الكافي : 5 / 260 ، عن سيابة أن رجلاً سأل الصادق عليه السلام فقال : « جعلت فداك أسمع قوماً يقولون إن الزراعة مكروهة ! فقال له : إزرعوا واغرسوا ، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحل ولا أطيب منه ، والله ليزرعن الزرع وليُغْرَسَنَّ النخلُ بعد خروج الدجال » .
12 . وجاء في بعض رواياتنا ، ما يوافق رواياتهم الكثيرة من أن الدجال من علامات القيامة ، لكن بعض أسانيدها يلتقي بأسانيدهم التي لا تصح عندنا ، فلا نقول بصحتها ، ولا بترتيب علامات القيامة التي ذكرت فيها .
من ذلك ما في غيبة الطوسي / 267 ، عن علي عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « عشر قبل الساعة لا بد منها : السفياني ، والدجال ، والدخان ، والدابة ، وخروج القائم ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن ، تسوق الناس إلى المحشر » .
والظاهر أن مقصوده صلى الله عليه وآله أنه لا قيامة قبل هذه الأمور ، لا أنها علاماتها بالترتيب .
13 . ووصفت رواياتنا المنافق في تشيعه بأنه أضر على الشيعة من الدجال ، ففي صفات الشيعة للصدوق / 14 ، عن الإمام الرضا عليه السلام قال : « إن ممن يتخذ مودتنا أهل البيت لَمَنْ هو أشد فتنة على شيعتنا من الدجال ! فقلت : يا ابن رسول الله بماذا ؟ قال : بموالاة أعدائنا ومعاداة أوليائنا ! إنه إذا كان كذلك ، اختلط الحق بالباطل واشتبه الأمر ، فلم يعرف مؤمن من منافق » .
كما وصفت الكذابين بأنهم مهيؤون ليتبعوا الدجال ! ففي كتاب سليم / 405 ، عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « إحذروا على دينكم ثلاثة رجال : رجل قرأ القرآن حتى إذا رأى عليه بهجته ، كاد الإيمان ، واخترط سيفه على أخيه المسلم ورماه بالشرك . قلت : يا رسول الله ، أيهما أولى بالشرك ؟ قال : الرامي به منهما .
ورجل استخفته الأحاديث ، كلما انقطعت أحدوثة كذب مثلها أطول منها ، إن يدرك الدجال يتبعه . ورجل آتاه الله عز وجل سلطانا فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ، وكذب ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، لا طاعة لمن عصى الله ، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ، لأن الله إنما أمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية الله ، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية الله » . وروى ابن حماد : 2 / 520 بعضه ، وفيه : « كلما وضع أحدوثة كذب وانقطعت ، مدها بأطول منها ، إن يدرك الدجال يتبعه » .
14 . وروينا أن أشر الناس أئمة الضلال وهم اثنا عشر ، ستة من الأولين ، وستة من الآخرين أحدهم الدجال ، ففي الخصال / 457 عن النبي صلى الله عليه وآله : « اثنا عشر ، ستة من الأولين وستة من الآخرين ، ثم سمى الستة من الأولين : ابن آدم الذي قتل أخاه ، وفرعون ، وهامان ، وقارون والسامري ، والدجال ، اسمه في الأولين ، ويخرج في الآخرين » .
وفي كتاب سليم رحمه الله / 161 عن علي عليه السلام : « فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله عنهم وأنتم شهود ، فقال : أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه ، وفرعون الفراعنة ، والذي حاج إبراهيم في ربه ، ورجلان من بني إسرائيل بدَّلا كتابهم وغيَّرا سنتهم ، أما أحدهما فهوَّدَ اليهود ، والآخر نَصَّرَ النصارى . وإبليس سادسهم . وفي الآخرين الدجال » .
2 - عقيدة اليهود في الدجال !
1 . الدجال هو المهدي الموعود عند اليهود : قال المناوي في فيض القدير : 3 / 718 : « قال البسطامي : الدجال مهدي اليهود ، ينتظرونه كما ينتظر المؤمنون المهدي ! ونقل عن كعب الأحبار أنه رجل طويل عريض الصدر ، مطموسٌ ، يدعي الربوبية ، معه جبل من خبز ، وجبل من أجناس الفواكه ، وأرباب الملاهي جميعاً يضربون بين يديه بالطبول والعيدان والمعازف والنايات ، فلا يسمعه أحد إلا تبعه ، إلا من عصمه الله ! قال : ومن أمارات خروجه تهب ريح كريح قوم عاد ويسمعون صيحة عظيمة ، وذلك عند ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكثرة الزنا ، وسفك الدماء ، وركون العلماء إلى الظلمة ، والتردد إلى أبواب الملوك .
ويخرج من ناحية المشرق من قرية تسمى دسر أبادين ، ومدينة الهوازن ، ومدينة أصبهان ، ويخرج على حمار ، وهو يتناول السحاب بيده ويخوض البحر إلى كعبيه ، ويستظل في أذن حماره خلق كثير ، ويمكث في الأرض أربعين يوماً ، ثم تطلع الشمس يوماً حمراء ، ويوماً صفراء ، ويوماً سوداء ، ثم يصل المهدي وعسكره إلى الدجال ، فيلقاه فيقتل من أصحابه ثلاثين ألفاً ، فينهزم الدجال ، ثم يهبط عيسى إلى الأرض ، وهو متعمم بعمامة خضراء ، متقلد بسيف ، راكب على فرسه ، وبيده حربة ، فيأتي إليه فيطعنه بها فيقتله » . انتهى .
2 . وسَمَّوْه : ملك آخر الزمان ! « أخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله تعالى : لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ، قالوا : يكون منا ملك في آخر الزمان : البحر إلى ركبتيه والسحاب دون رأسه ، يأخذ الطير بين السماء والأرض ، معه جبل خبز ونهر ، فنزلت : لخلق السماوات والأرض أكبر . . . » . « الدر المنثور : 5 / 353 » .
وفي الإقبال للسيد ابن طاووس : 2 / 319 ، في حديث مناظرة النبي صلى الله عليه وآله لوفد علماء نجران أن أحدهم واسمه حارثة أسلم ، وقال لهم : « وأحذركم يا قوم أن يكون مَن قَبْلكم من اليهود أسْوَةً لكم ، إنهم أُنذروا بمسيحين : مسيح رحمة وهدى ، ومسيح ضلالة ، وجعل لهم على كل واحد منهما آية وأمارة ، فجحدوا مسيح الهدى وكذبوا به ، وآمنوا بمسيح الضلالة الدجال ، وأقبلوا على انتظاره ، وأضربوا في الفتنة وركبوا نَتَجَهَا . ومن قبل نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وقتلوا أنبياءه والقوامين بالقسط من عباده ، فحجب الله عز وجل عنهم البصيرة بعد التبصرة ، بما كسبت أيديهم ، ونزع ملكهم منهم ببغيهم ، وألزمهم الذلة والصغار » .
وفي الرواية أن كبيرهم واسمه العاقب لم يردَّ كلام صاحبه ، بل ناقشه في تطبيق مسيح الهدى على النبي صلى الله عليه وآله ، ومعناه أنه أقر بوجود بشارة نبوية عندهم بنبي ودجال . وستعرف أنهم سموا المسيح عليه السلام المشيح ، وسموه المجدف ، يقصدون أنه مسيح الضلالة أو الدجال ، معاذ الله . فاسم المسيح الدجال تسمية يهودية !
وقال الطبري في تاريخه : 1 / 12 : « وزعموا أن اليهود إنما نقصوا ما نقصوا من عدد سني ما بين تاريخهم وتاريخ النصارى ، دفعاً منهم لنبوة عيسى بن مريم عليه السلام ، إذ كانت صفته
ووقت مبعثه مثبتة في التوراة ، وقالوا لم يأت الوقت الذي وقت لنا في التوراة ، أن الذي صفته صفة عيسى يكون فيه ! وهم ينتظرون بزعمهم خروجه ووقته . فأحسب أن الذي ينتظرونه ويدعون أن صفته في التوراة مثبتة هو الدجال الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله لأمته ، وذكر لهم أن عامة أتباعه اليهود ، فإن كان ذلك هو عبد الله بن صياد ، فهو من نسل اليهود » .
3 . والدجال الذي أنذر به الأنبياء عليهم السلام شخص مذموم ، لكن اليهود تعصبوا له لأنه « ملك يهودي » يبعثه الله ليأكل أعداءهم كالوحش ! ونشروا الرعب منه في المسلمين بواسطة الصحابة المتهوكين !
وجاء الحاخام كعب الأحبار فجعلته الخلافة مرجعاً دينياً للمسلمين ، فنشر الإسرائيليات وعقيدة الدجال اليهودية ، وحاول تطويرها لئلا ينكشف أمره للمسلمين ، فوقع في التناقض والتهافت !
4 . وزعم كعب الأحبار أن الدجال شيطان مقيَّد في جزيرة ، وسوف يُطلق ! فقد روى ابن حماد : 2 / 541 ، عن الكلاعي صاحب كعب : « ليس الدجال إنساناً ، إنما هو شيطان في بعض جزائر البحر ، موثق بسبعين حلقة ، لا يُعلم من أوثقه أسليمان أم غيره ؟ فإذا كان أول ظهوره فكَّ الله عنه في كل عام حلقة ، فإذا برز أتته أتان عرض ما بين أذنيها أربعون ذراعاً بذراع الجبار ! وذلك فرسخ للراكب المحثّ ، فيضع على ظهرها منبراً من نحاس ويقعد عليه فتبايعه قبائل الجن ويخرجون له كنوز الأرض ، ويقتلون له الناس » . وفتح الباري : 13 / 277 .
5 . ونشر اليهود التخويف من الدجال من زمن النبي صلى الله عليه وآله ! « جاء أعرابي فقال : يا رسول الله بلغنا أن المسيح يعني الدجال ، يأتي الناس بالثريد وقد هلكوا جميعاً جوعاً ! أفتَرى بأبي أنت وأمي أن أكُفَّ عن ثريده تعففاً وتزهداً ؟ ! فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : يغنيك الله بما يغني به المؤمنين » . « المناقب : 1 / 129 » .
وروى ابن حماد : 2 / 581 ، ووثقه في الزوائد : 7 / 338 ، عن الشيباني قال : « كنت مع حذيفة بن اليمان في المسجد ، إذ جاء أعرابي يهرول حتى وقف بين يديه فقال : أخَرَجَ الدجال ؟ ! فقال حذيفة : أنا لما دون الدجال أخوفُ مني للدجال . وما الدجال ! إنما فتنته أربعون يوماً . . » . ونحوه عبد الرزاق : 11 / 392 ، وابن أبي شيبة : 8 / 653 ، وأحمد : 6 / 454 . ولفظ الطبري في الأحاديث الطوال / 125 ، أصح .
أقول : لاحظ أن دعاية اليهود عن الدجال وصلت إلى الأعراب ، وقد سماه الأعرابي المسيح فقط كما سمعه من اليهود ، أو من الصحابة المتهوكين . ومعناه أن اليهود أوصلوا ثقافة الرعب من الدجال حتى إلى الأعراب ، وأن المتهوكين من الصحابة كتموا تطمينات النبي صلى الله عليه وآله ونشروا تخويفات اليهود !
ثم اقرأ وتعجب في مصنف ابن شيبة : 8 / 649 ، وأحمد : 6 / 75 : « عن عائشة قالت : دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وآله وأنا أبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت يا رسول الله ذكرت الدجال ، قال : فلا تبكي فإن يخرج وأنا حي أكفيكموه ، وإن أمت فإن ربكم ليس بأعور ، وإنه يخرج معه يهود أصبهان فيسير حتى ينزل بضاحية المدينة ، ولها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان ، فيخرج إليه شرار أهلها ، فينطلق حتى يأتي لُدّ فينزل عيسى بن مريم فيقتله ، ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة أو قريباً من أربعين سنة ، إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً » .
فبكاء عائشة يدل على تأثرها بأحاديث اليهود وتصديقها لها ، فطمأنها النبي صلى الله عليه وآله ! لكنها بقيت تُخوِّف الناس بالدجال !
فقد روى الضحاك في الآحاد والمثاني : 6 / 208 ، أن عائشة وحفصة رأتا سَوْدة وقد تزينت ، فقالتا لها : خرج الدجال ، خرج الدجال ! فخافت سودة : « وكانت امرأة طويلة ، فدخلت خباء كان لوقودهم ! قالت : واستضحكنا ، فدخل رسول الله فإذا سودة تنتفض فقال : مالك ؟ فقالت : يا رسول الله خرج الدجال ؟ فقال : لا ، وهو خارج ؟ فأخذ بيدها وأخرجها وجعل ينفض بكم قميصه عن وجهها ، وعن خمارها أثر الدخان ونسج العنكبوت » ! ورواه ابن كثير في سيرته : 4 / 644 ، عن عائشة ، وفيها : « فاختبأت في بيت كانوا يوقدون فيه . . . فخرجت وجعلت تنفض عنها بيض العنكبوت » .
6 . وزاد تخويفهم للمسلمين من الدجال في حجة الوداع ! فقد روى البخاري في صحيحه : 5 / 125 ، عن ابن عمر قال : « كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي بين أظهرنا ولا ندري ما حجة الوداع ! فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره ، وقال : ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته ، أنذره نوح والنبيون من بعده ، وإنه يخرج فيكم ، فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أن ربكم « ثلاثاً » ليس بأعور ، وإنه أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية ! ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا . ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد ثلاثاً ، ويلكم أو ويحكم : أنظروا لا ترجعوا بعدي كفاراً ، يضرب بعضكم رقاب بعض » . ونحوه أحمد : 2 / 135 ، وصححه في الزوائد : 7 / 338 ، والطبراني الكبير : 12 / 275 ، وأبو يعلى : 9 / 435 ، وتاريخ دمشق : 45 / 324 .
ومعناه أن أحاديث الدجال كانت منتشرة قرب وفاة النبي صلى الله عليه وآله ، ولعل مجئ الأعرابي كان في تلك الفترة أيضاً ، وكذا تخويف عائشة وحفصة لسودة ، وكذا مقولات بعض الصحابة ، كمقولة : « عبد الله بن الحرث بن جزء ، قال : ما كنا نسمع فزعة ولا رجة في المدينة إلا ظننا أنه الدجال ، لِما كان رسول الله يحدثنا عنه ويقربه لنا » ! « الزوائد : 7 / 336 » .
فلا يبعد أن تكون إشاعة قرب خروج الدجال ، من الأدوات التي استعملها اليهود والطلقاء في الشهرين الأخيرين من حياة النبي صلى الله عليه وآله ، للسيطرة على دولته !
7 . سمى اليهود المسيح عليه السلام بالدجال ! وتبعهم رواة السلطة فسموا الدجال المسيح ، وعللوا ذلك بأن « إحدى عينه مطموسة ، والأخرى ممزوجة بالدم كأنها الزهرة » . « ابن حماد : 2 / 518 » . ونسبوه إلى النبي صلى الله عليه وآله ! أما أهل البيت عليهم السلام فسمَّوه الدجال فقط ، ولم يسموه المسيح أبداً ! وهذا دليلٌ على أن سنة النبي صلى الله عليه وآله الصافية عند أهل بيته عليهم السلام .
8 . ذكرت مصادر اليهود والنصارى الدجال المنتظر ، بما يؤيد قول أسقف نجران الذي أسلم إن اليهود بشرهم أنبياؤهم بمسيحيْن ، مسيح هدى ومسيح ضلالة . وورد التعبير عنهما بالمشيح الموعود والمجدف ، وعبروا عن الدجال بالنبي الكذاب الذي يمهد للنبي الوحش ! ففي الكتاب المقدس ، لمجمع الكنائس الشرقية / 126 : « كتب في سفر النبي أشعيا : ها أنذا أرسل رسولي قدامك ليعد طريقك . [ النبي الكذاب يخدم الوحش ] ورأيت وحشاً آخر خارجاً من الأرض ، وكان له قرنان أشبه بقرني الحمل ولكنه يتكلم مثل تنين . وكل سلطان الوحش الأول يتولاه بمحضر منه . فجعل الأرض وأهلها يسجدون للوحش الأول ، الذي شفي من جرحه المميت ، ويأتي بخوارق عظيمة ، حتى أنه ينزل ناراً من السماء على الأرض ، بمحضر من الناس . ويضل أهل الأرض بالخوارق التي أوتي أن يجريها بمحضر من الوحش » .
وفي هامشه : « سيسمى هذا الوحش الثاني الذي في خدمة الوحش الأول ، نبياً كذاباً « راجع رؤ : 16 / 13 و 19 / 20 و 20 / 10 »
وهذا النبي الكذاب يذكر بالأنبياء الكذابين والمسحاء الدجالين الذين ينبئ بمجيئهم في متى 24 / 11 و 24 ، ليكون علامة تبشر بعودة المشيح الحقيقي .
وفي إنجيل متى / 53 : « قال لهم بيلاطس : فماذا أفعل بيسوع الذي يقال له المسيح ؟ قالوا جميعاً : ليصلب ! قال لهم : فأي شر فعل ؟ فبالغوا في الصياح : ليصلب ! فلما رأى بيلاطس أنه لم يستفد شيئاً بل ازداد الاضطراب ، أخذ ماء وغسل يديه بمرأى من الجمع ، وقال : أنا برئ من هذا الدم ، أنتم وشأنكم فيه . فأجاب الشعب بأجمعه : دمه علينا وعلى أولادنا ! فأطلق لهم باراباس ، أما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب » .
وفي هامشه : لهتاف اليهود هذا جذور في العهد القديم أيضاً « 2 صم 1 / 13 - 16 و 3 / 29 وار 51 / 55 وراجع أيضاً لو 23 / 28 » .
واليهود أمام خيار ديني يتجاوز اتخاذ موقف سياسي : فعليهم ، إما أن يعترفوا بأن يسوع هو المشيح الموعود به ، وإما أن يطلبوا موته لأنه مجدف » .
وقد فسر الشراح الغربيون عقيدة المسيح الدجال ، بأنها نشأت من اضطهاد اليهود ، ففي مقدمة الكتاب المقدس طبعة مجمع الكنائس الشرقية / 19 : « فقد ترسخ يوماً بعد يوم في يقين اليهود ، أن الله لن يلبث أن يرد على تحدي وجود الوثنية في الأرض المقدسة ، فيعود إلى إقامة عدله ويعيد إلى مختاريه امتيازاتهم ، إذ يبسط ملكوته على الأرض بسطاً يبهر العيون ، وهذا التدخل يجعل حداً للشدائد الحاضرة ، ويفتح عهداً جديداً خالياً من الشر والإثم ، ويؤذن بقدوم ذلك العهد آخر الأمر تضاعف الكوارث والنكبات يرافقها ابتلاع جميع أعداء الله من غير رجعة . . .
إن جملة هذه المعتقدات تؤلف آراء اليهودية المتأخرة في أمور الأزمنة الأخيرة . . .
ففي ذلك المشهد لرؤيا الأزمنة الأخيرة ليس للمشيح نصيب كبير جداً في جميع الآراء ، فإن مؤلفي الرؤى عندما يتكلمون عليه كفُّوا على ما يبدو عن أن يروه شأنهم في الماضي مشيحاً دنيوياً مسحه يهوه ، وبعبارة أخرى ملكاً من ذرية داود ، يقوم بأعمال سياسية وعسكرية في جوهرها ليحقق بعون الله تحرير الشعب وازدهاره » .
أقول : هذا تحليل مثقفين غربيين ، أما الصحيح فهو ما تقدم من أن أنبياء اليهود بشروهم باثنين سموهم مسيحين : مسيح هدى ، ومسيح ضلال ، فكان مسيح الهدى المسيح عليه السلام لأنه يشفي بمسحة يده . ومسيح الضلالة الدجال الموعود ، وهو آخر أئمة الضلال ، ويخرج في مواجهة المهدي الموعود عليه السلام .
3 - عقيدة الدجال عند الخلافة بؤرة الإسرائيليات !
1 . أحاديثهم في الدجال كثيرة ومتناقضة ، وكلها عندهم صحيحة ! وأكثرها عن كعب الأحبار ، وعمر بن الخطاب ، وتميم الداري . وقد قبلوها بما فيها من خرافة وتناقض ، فصارت الهرطقة ديناً نسبوه إلى الإسلام ورسوله صلى الله عليه وآله !
قال لهم كعب إن الدجال محبوس في إحدى جزائر اليمن . وقال تميم الداري إنه محبوس في جزيرة في البحر المتوسط . وقال عمر إنه ولد في المدينة ورآه . وصدقوهم جميعاً !
2 . خالفوا النبي صلى الله عليه وآله وجعلوا الدجال أخطر من الأئمة المضلين ! مع أنهم رووا بأسانيد صحيحة أنهم أخطر من الدجال ، وتقدم توثيقهم لقول حذيفة للأعرابي الذي سأل عن الدجال : « وما الدجال ! إنما فتنته أربعون يوماً » .
لكنهم أصروا على أن الدجال أخطر الفتن ! فانظر إلى ما روى ابن حماد : 2 / 518 ، عن هشام بن عامر قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أكبر من الدجال » !
وفي طبقات ابن سعد : 7 / 26 ، عن هشام بن عامر قال : « إنكم تجاوزوني إلى رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما كانوا بألزم لرسول الله مني ، ولا أحفظ مني ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ما بين خلق آدم والقيامة فتنة أعظم من الدجال » !
وابن أبي شيبة : 8 / 648 ، وأحمد : 4 / 19 ، ومسلم : 8 / 207 ، كابن حماد ، عن عمران بن حصين . وأبو يعلى : 3 / 126 ، بروايتين عنه وعن هشام بن عامر . والطبراني الكبير : 22 / 174 ، عن هشام بن عامر ، والمعجم الأوسط : 5 / 27 ، نحوه ، ولفظه : ما أهبط الله إلى الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أعظم من فتنة الدجال ! والحاكم : 4 / 528 ، كابن أبي شيبة وصححه على شرط بخاري ، والفردوس : 4 / 340 ، كابن حماد ، والجامع الصغير : 2 / 489 ، عن أحمد ومسلم وصححه . الخ .
لاحظ أن راوي الحديث هشام بن عامر يغضب من الرواة لأنهم يتركونه ولا يروون عنه ، ويدعي أنه أحفظ من الذين يقصدونهم ويفضلونهم عليه ! وهو صحابي صغير ، يروج لبني أمية ، وهذا كاف لترك الرواة العقلاء له .
وروى ابن حماد : 2 / 517 ، عن أبي أمامة الباهلي ! قال : « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله فكان أكثر خطبته ما يحدثنا عن الدجال يحذرناه ، وكان من قوله : يا أيها الناس إنها لم تكن فتنة في الأرض أعظم من فتنة الدجال ، وإن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا حذره أمته ، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة ، فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيج كل مسلم ، وإن يخرج بعدي فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم ، فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه وليقرأ بفواتيح سورة الكهف » .
3 . وقد تبارى علماء السلطة في نشر الرعب الديني في المسلمين ! وأولهم البخاري ، ثم مسلم الذي قال في صحيحه : 4 / 2250 ، عن نواس بن سمعان قال : « ذكر رسول الله الدجال ذات غداة ، فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل ، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال : ماشأنكم ؟ قلنا : يا رسول الله ذكرت الدجال غداةً ، فخفضت فيه ورفعت ، حتى ظنناه في طائفة النخل ! فقال : غير الدجال أخوفني عليكم ، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم ، إنه شاب قطط عينه طافئة ، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن ، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتيح سورة الكهف . إنه خارج من خلة بين الشام والعراق ، فعاث يميناً وعاث شمالاً . يا عباد الله فاثبتوا . قلنا : يا رسول الله وما لبثه في الأرض ؟ قال : أربعون يوماً ، يومٌ كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم . قلنا : يا رسول الله ، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا ، أقدروا له قدره . قلنا : يا رسول الله وما إسراعه في الأرض ؟ قال : كالغيث استدبرته الريح ، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له ، فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت دَرّاً ، وأسيغه ضروعاً ، وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله ، فينصرف عنهم فيصبحون مملحين ليس بأيديهم شئ من أموالهم ، ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك ! فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين ، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قَطَرَ ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ، فلا يجد ريح نَفَسه أحد إلا مات ، ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه حتى يدركه بباب لُد فيقتله .
ثم يأتي عيسى بن مريم قومٌ قد عصمهم الله منه ، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى : إني قد أخرجت عباداً لي لا يَدَانِ لأحد بقتالهم فحرِّز عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، فيمرأوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف « الدود » في رقابهم فيصبحون فَرْسَى « صرعى » كموت نفس واحدة ! ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيراً كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيت شاء الله ، ثم يرسل الله مطراً لا يكنُّ منه بيت مدر ولا وبر ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ، ثم يقال للأرض : أنبتي ثمرتك وردي بركتك ، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ، ويبارك في الرَّسل « قطعة الإبل » حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفي النفر من الناس ، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحُمَر ، فعليهم تقوم الساعة » .
ثم رواه مسلم في : 8 / 199 ، وابن ماجة : 2 / 1356 ، وأبو داود : 4 / 117 ، والترمذي : 4 / 510 ، والبدء والتاريخ : 2 / 193 ، والطبراني الكبير : 8 / 171 ، والحاكم : 4 / 492 ، وصححه على شرط الشيخين . وفي / 536 ، وصححه على شرط مسلم .
وذُرَى الحيوان : سنامه وأعلاه . والخواصر والذروع : جمع خاصرة . وذرعه أي ضرعه الذي فيه الحليب ، وصف لجودته وكثرة حليبه . ويعسوب النحل : ملكتها . والغرض : الهدف . والنَّغَف : في الأصل الحزام الجلدي ، شُبِّهت به الحشرات التي تبعث على جيف يأجوج ومأجوج بزعمهم . والزَّهم بفتح الزاي : الوغف والنتن .
ومعنى : فلا يجد ريح نَفَسه أحد إلا مات ، ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه :
أن كل من يصل اليه نفس المسيح عليه السلام يموت . ونفسه يصل إلى حيث ينتهي طرفه !
والباحث المطلع يعرف أن هذه الأحاديث إسرائيليات ، وقد خلطها الرواة البدو بخيالهم ، وبعضهم لا يعرف اللغة ، لأن اليعاسيب يتبعها النحل ولا تَتَبع . ومن الغريب أن هذه الأحاديث عندهم في أعلى درجات الصحة !
وتلاحظ في رواية مسلم قول النبي صلى الله عليه وآله : « غير الدجال أخوفني عليكم » لكنها عبارة ضائعة في حشد الكذب والتضخيم للدجال !
4 . وجعلوا للدجال معجزات ومخاريق ، وتبنى ذلك الأمويون ! ففي مجموع فتاوى ابن تيمية : 35 / 118 : « وقد قال صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى يكون فيكم ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه رسول الله . وأعظم الدجاجلة فتنةً الدجال الكبير الذي يقتله عيسى بن مريم فإنه ما خلق الله من لدن آدم إلى قيام الساعة أعظم من فتنته ! وأمَرَ المسلمين أن يستعيذوا من فتنته في صلاتهم ! وقد ثبت أنه يقول للسماء أمطري فتمطر وللأرض أنبتي فتنبت ! وأنه يقتل رجلاً مؤمناً ثم يقول له قم فيقوم فيقول أنا ربك ، فيقول له كذبت بل أنت الأعور الكذاب الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله ، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة ، فيقتله مرتين فيريد أن يقتله في الثالثة ، فلايسلطه الله عليه » .
فقد جعل ابن تيمية فتنة الدجال أعظم من فتنة الأئمة المضلين ، وأبطل الأحاديث الصحيحة التي نصت على أن فتنتهم أكبر وأخطر ! كما جزم بأن الله سبحانه يعطي الدجال المعجزة والولاية التكوينية ، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت ، والميت فيحيا ! وهي قدرات لا يقبلون بها للنبي وآله عليهم السلام ، فهل الدجال عندهم أفضل ؟ !
وروى ابن حماد : 2 / 536 ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « الدجال أعور العين اليسرى ، جِفَالُ الشعر ، معه جنة ونار ، فناره جنة وجنته نار . . . وعن ابن عمر يرفعه : الدجال إحدى عينيه مطموسة والأخرى ممزوجة بالدم كأنها الزهرة ، ويسير معه جبلان : جبل من أنهار وثمار وجبل دخان ونار ، يشقُّ الشمس كما يشق الشعرة ، ويتناول الطير في الهواء » .
ورواه أحمد : 5 / 324 ، و / 397 ، ومسلم : 8 / 195 ، وأبو داود : 4 / 116 ، وابن ماجة : 2 / 1353 ، وحلية الأولياء : 5 / 157 ، و : 9 / 235 ، والبغوي : 3 / 498 ، من صحاحه . . إلى آخر القائمة الطويلة !
ونلاحظ العمل اليهودي في هذا الحديث المزعوم ! فقد كان من معجزات نبينا صلى الله عليه وآله أنه دعا الله تعالى فشق له القمر آيةً للمشركين ، فادعى اليهود للدجال بأنه يشق الشمس كما يشق الشعرة ، أي نصفين متساوين بالشعرة !
وروى ابن أبي شيبة : 8 / 657 ، عن النبي صلى الله عليه وآله : « الدجال يخوض البحار إلى ركبتيه ، ويتناول السحاب ، ويسبق الشمس إلى مغربها ، وفي جبهته قرن يخرص منه الحيات ، وقد صور في جسده السلاح كله ، حتى ذكر السيف والرمح والدرق . قال قلت : وما الدرق ؟ قال : الترس » .
وفي / 648 : « لأنا أعلم بما مع الدجال من الدجال ، معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض ، والآخر رأي العين نار تأجج ، فإما أدرك أحد ذلك فليأت النهر الذي يراه ناراً ، فليغمص ثم ليطأطئ رأسه وليشرب ، فإنه ماء بارد . وإن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة ، مكتوب بين عينيه كافر ، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب » .
ورواه أحمد : 5 / 386 ، والحاكم : 4 / 491 ، وصححه ، والطبراني في طواله / 125 ، والكبير : 8 / 146 .
ومعنى يَخْرُصُ الحيات من قرنه : يقطفها منه قطفاً مرة بعد مرة ويحارب بها أعداءه ! ورواه عبد الرزاق : 11 / 391 ، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية « وهي زميلة فاطمة بنت قيس في رواية الدجال » قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيتي فذكر الدجال فقال : « إن بين يديه ثلاث سنين سنة تمسك السماء ثلث قطرها ، والأرض ثلث نباتها ، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها ، والأرض ثلثي نباتها ، والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله ، فلا تبقى ذات ظلف ولاذات ضرس من البهائم إلا هلكت . وإن من أشد الناس فتنة أنه يأتي الأعرابي فيقول : أرأيت إن أحييت لك إبلك ألست تعلم أنني ربك ؟ قال فيقول : بلى ، فيتمثل له الشيطان نحو إبله ، كأحسن ما تكون ضروعاً وأعظمه أسنمة . قال : ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول : أرأيت إن أحييت لك أباك وأحييت لك أخاك أليس تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى ، فيتمثل له الشيطان نحو أبيه ونحو أخيه .
قالت : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله لحاجة له ثم رجع ، قالت : والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم به ، قالت فأخذ بلحمتي الباب وقال : مهيم أسماء « ماذا يا أسماء » ؟ قالت : قلت يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال ، قال : إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه ، وإلا فإن ربي خليفتي من بعدي على كل مؤمن . قالت أسماء : فقلت يا رسول الله والله إنا لنعجن عجينتنا فما نخبزها حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ ؟ قال : يجزئهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس » وابن حماد : 2 / 527 ، وغيره عن ابن عمر ، وأحمد : 6 / 455 ، عن عائشة ، وقالت : فأين العرب يومئذ ؟ قال صلى الله عليه وآله : العرب يومئذ قليل . . يعني أقل منهم في عهد النبي صلى الله عليه وآله إلى آخر هرطقتها ومن شاكلها !
5 . وقد أكثر البخاري من حديث الدجال ، فروى « 4 / 105 » أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « يجئ معه بمثال الجنة والنار ، فالتي يقول إنها الجنة هي النار » . وفي « 4 / 143 » : « إن مع الدجال إذا خرج ماء وناراً ، فأما الذي يرى الناس أنها النار فماء بارد ، وأما الذي يرى الناس أنه ماء بارد فنار تحرق ! فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يرى أنها نار فإنه عذب بارد » .
وفي « 8 / 101 » : « فناره ماء بارد ، وماؤه نار » .
وروى في : 1 / 202 ، و : 7 / 159 / و 161 ، و : 8 / 103 ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يستعيذ في صلاته من الدجال ! فيقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات .
ونحوه في : 2 / 103 عن أبي هريرة ، وفي : 5 / 223 ، عن أنس ، وفي : 7 / 158 ، أن سعداً كان يستعيذ « من فتنة الدنيا ، أي فتنة الدجال » .
6 . وناقض البخاري نفسه في أحاديث الدجال « 8 / 103 » بل من جهله اتهم النبي صلى الله عليه وآله بالتناقض ! فقد روى عن أنس أنه صلى الله عليه وآله قال : « المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة يحرسونها ، فلا يقربها الدجال ولا الطاعون » .
وروى « 2 / 223 ، و 8 / 101 » : « لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال ، لها يومئذ سبعة أبواب ، على كل باب ملكان » .
ثم نقض ذلك فروى « 8 / 101 » أنه صلى الله عليه وآله قال : « يجئ الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة ، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات ، فيخرج إليه كل كافر ومنافق » .
وروى في « 8 / 103 » : « ينزل بعض السباخ التي بالمدينة ، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس ، فيقول أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وآله حديثه فيقول الدجال : أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته ، هل تشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا ، فيقتله ثم يحييه » .
فصار تحريم المدينة عليه أنه ينزل في ضاحيتها فيهرب أهلها ، ويأتيه منافقوها ويسلط على مؤمنيها ، ويقتل منهم رجلاً صالحاً ! فماذا بقي من حفظها منه ! بل روى الطيالسي / 183 ، عن النبي صلى الله عليه وآله أن كل أهلها يفرون ! قال : « ويل أمها من قرية يوم يدعها أهلها أعمرَ ما كانت ! يجئ الدجال فيجد على كل باب منها ملكاً مصلتاً فلا يدخلها » !
وروى البخاري : 8 / 101 ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله صَدَّق قول عمر وابنه في أن الدجال قد وُلد وأنه صلى الله عليه وآله رآه عند الكعبة وقال : « بينا أنا قائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف أو يهراق رأسه ماء قلت : من هذا ؟ قالوا : ابن مريم ، ثم ذهبت التفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين ، كأن عينه عنبة طافية ، قالوا : هذا الدجال ! أقرب الناس به شبهاً ابن قطن رجل من خزاعة » .
7 . وكل أحاديثهم مردودة عندنا ، بل عليهم هم أن يردوها ، لأنهم صححوا أن فتنة الأئمة المضلين أشد الفتن ! ولأن العقل يحكم باستحالة أن يعطي الله تعالى المعجزة لعدوه الدجال وإحياء الموتى كالأنبياء عليهم السلام !
8 . ورووا حديثاً صحيحاً يطابق قول أهل البيت عليهم السلام لكنهم خالفوه ! ففي البخاري « 8 / 101 » عن المغيرة بن شعبة أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله عن الدجال فقال له : « ما يضرك منه ؟ ! قلت : لأنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء ! فقال صلى الله عليه وآله : هو أهون على الله من ذلك » . فهذا يُكذب تضخيمات البخاري وغيره للدجال ، ويدلك على أن الصحابة المتهوكين أشاعوا أساطيره في المسلمين ورفضوا سنة النبي صلى الله عليه وآله ! ولهذا سماهم النبي صلى الله عليه وآله « المُتَهَوِّكِين » أي المتهودين إلا قليلاً !
9 . ثم أعجب من أن مشايخهم ما زالوا إلى عصرنا ينشرون « الرعب الديني » اليهودي بين المسلمين قربة إلى الله تعالى ! وينشرون مخاريق الدجال فيصدقها عوام المسلمين ، وأنه ينفخ جلده فيملأ الطريق ، وحماره سبعون ذراعاً بذراع الله ، ومعه جنة ونار وجبل ثريد . . الخ . ويُخفون عن المسلمين تطمينات النبي صلى الله عليه وآله التي تكذب ذلك !
10 . وقد تواصل خوف المسلمين من الدجال حتى طبقه بعضهم على المغول ! فرووا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : « ليهبطن الدجال خوز وكرمان في ثمانين ألفاً ، كأن وجوههم المجان المطرقة ، يلبسون الطيالسة وينتعلون الشعر » .
« ابن حماد : 2 / 579 . ورواه ابن أبي شيبة : 8 / 654 ، عن أبي هريرة بتفاوت يسير . وأحمد : 2 / 337 وأبو يعلى : 10 / 380 ، وفتن ابن كثير : 1 / 143 و 144 ، والزوائد : 7 / 345 ، كرواية أحمد » . والمجان المطرَّقة : التروس المضروبة عند الحداد أو المخططة ، وهو وصف ورد في صفات المغول فقط ، وكذا انتعال الشعر .
11 . قبلوا طول عمر الدجال واعترضوا على عمر المهدي ! روى الصدوق رحمه الله في كمال الدين / 528 ، حديث ابن عمر عن الدجال ، وقد زعم فيه أن النبي صلى الله عليه وآله صلى ذات يوم بأصحابه الفجر ، ثم قام مع أصحابه حتى أتى باب دار بالمدينة ، فطرق الباب فخرجت إليه امرأة فقالت : ما تريد يا أبا القاسم ؟ فقال رسول الله : يا أم عبد الله إستأذني لي على عبد الله ، فقالت : يا أبا القاسم ، وما تصنع بعبد الله ، فوالله إنه لمجهود في عقله يُحدث في ثوبه ، وإنه ليراودني على الأمر العظيم ! فقال : إستأذني عليه فقالت : أعلى ذمتك ؟ قال : نعم ، فقالت : أدخل ، فدخل فإذا هو في قطيفة له يهينم فيها « أي في عباءة وهو يغني » فقالت أمه : أسكت واجلس هذا محمد قد أتاك ، فسكت وجلس . فقال النبي صلى الله عليه وآله : ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهوَ هو ، ثم قال له النبي صلى الله عليه وآله : ما ترى ؟ قال : أرى حقاً وباطلاً ، وأرى عرشاً على الماء ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فقال : بل تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فما جعلك الله بذلك أحق مني . فلما كان اليوم الثاني صلى صلى الله عليه وآله بأصحابه الفجر ثم نهض فنهضوا معه ، حتى طرق الباب . . . فقالت له أمه : أسكت وانزل هذا محمد قد أتاك ، فسكت فقال النبي صلى الله عليه وآله : ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهو هو . فلما كان في اليوم الثالث صلى النبي صلى الله عليه وآله بأصحابه الفجر ثم نهض ونهض القوم معه . . . فقال النبي صلى الله عليه وآله إني قد خبأت لك خبيئاً فما هو ؟ فقال : الدُّخّ الدخ ! « أي سورة الدخان » فقال النبي صلى الله عليه وآله : إخسأ فإنك لن تعدو أجلك ، ولن تبلغ أملك ، ولن تنال إلا ما قدر لك . ثم قال لأصحابه : أيها الناس ما بعث الله عز وجل نبياً إلا وقد أنذر قومه الدجال ، وإن الله عز وجل قد أخره إلى يومكم هذا ، فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربكم ليس بأعور ، إنه يخرج على حمار عرض ما بين أذنيه ميل ، يخرج ومعه جنة ونار ، وجبل من خبز ونهر من ماء ، أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب . يدخل آفاق الأرض كلها إلا مكة ولابَّتيها ، والمدينة ولابتيها » . أي طرفيها .
قال الصدوق رحمه الله : « إن أهل العناد والجحود يصدقون بمثل هذا الخبر ويروونه في الدجال وغيبته ، وطول بقائه المدة الطويلة ، وخروجه في آخر الزمان ، ولا يصدقون بأمر القائم عليه السلام ، وأنه يغيب مدة طويلة ، ثم يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، مع نص النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام بعده عليه ، باسمه وغيبته ونسبه وإخبارهم بطول غيبته !
إرادةً لإطفاء نور الله عز وجل ، وإبطالاً لأمر ولي الله ، وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
وأكثر مايحتجون به في دفعهم لأمر الحجة عليه السلام أنهم يقولون : لم نرو هذه الأخبار التي تروونها في شأنه ولا نعرفها ، وهكذا يقول من يجحد نبوة نبينا صلى الله عليه وآله من الملحدين والبراهمة واليهود والنصارى والمجوس إنه ما صح عندنا شئ مما تروونه من معجزاته ودلائله ولا نعرفها ، فنعتقد ببطلان أمره لهذه الجهة ، ومتى لزمنا ما يقولون لزمهم ما تقوله هذه الطوائف ، وهم أكثر عدداً منهم !
ويقولون أيضاً : ليس في موجب عقولنا أن يُعَمِّرَ أحد في زماننا هذا عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان ، فقد تجاوز عمر صاحبكم على زعمكم عمر أهل الزمان . فنقول لهم : أتصدقون على أن الدجال في الغيبة يجوز أن يعمر عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان وكذلك إبليس اللعين ، ولا تصدقون بمثل ذلك لقائم آل محمد عليهم السلام ، مع النصوص الواردة فيه بالغيبة وطول العمر والظهور بعد ذلك ، للقيام بأمر الله عز وجل ، وما روي في ذلك من الأخبار التي قد ذكرتها في هذا الكتاب ، ومع ما صح عن النبي صلى الله عليه وآله إذ قال : كل ما كان في الأمم السالفة يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقُذَّة بالقذة . وقد كان فيمن مضى من أنبياء الله عز وجل وحججه معمرون ، أما نوح عليه السلام فإنه عاش ألفي سنة وخمس مائة سنة ، ونطق القرآن بأنه لبث قومه أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَاماً . وقد روي في الخبر الذي قد أسندته في هذا الكتاب أن في القائم عليه السلام سُنَّةٌ من نوح وهي طول العمر ، فكيف يدفع أمره ولا يدفع ما يشبهه من الأمور التي ليس شئ منها في موجب العقول ، بل لزم الإقرار بها لأنها رويت عن النبي صلى الله عليه وآله ، وهكذا يلزم الإقرار بالقائم عليه السلام من طريق السمع .
وفي موجب أي عقل من العقول ، أنه يجوز أن يلبث أصحاب الكهف في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً ، هل وقع التصديق بذلك إلا من طريق السمع ؟ فلمَ لا يقع التصديق بأمر القائم عليه السلام أيضاً من طريق السمع ؟ ! وكيف يصدقون ما يرد من الأخبار عن وهب بن منبه ، وعن كعب الأحبار ، في المحالات التي لا يصح شئ منها في قول الرسول صلى الله عليه وآله ولا في موجب العقول ، ولايصدقون بما يرد عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام في القائم وغيبته وظهوره ، بعد شك أكثر الناس في أمره وارتدادهم عن القول به ، كما تنطق به الآثار الصحيحة عنهم عليهم السلام ؟ ! هل هذا إلا مكابرة في دفع الحق وجحوده .
كيف لا يقولون : إنه لما كان في الزمان غير محتمل للتعمير ، وجب أن تجري سنة الأولين بالتعمير في أشهر الأجناس تصديقاً لقول صاحب الشريعة صلى الله عليه وآله ، ولا جنس أشهر من جنس القائم عليه السلام لأنه مذكور في الشرق والغرب على ألسنة المقرين به ، وألسنة المنكرين له . ومتى بطل وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمة عليهم السلام مع الروايات الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه أخبر بوقوعها به بطلت نبوته ، لأنه يكون قد أخبر بوقوع الغيبة بمن لم يقع به ، ومتى صح كذبه في شئ لم يكن نبياً ! وكيف يُصَدَّقُ صلى الله عليه وآله فيما أخبر به في أمر عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه تقتله الفئة الباغية ، وفي أمير المؤمنين عليه السلام أنه تخضب لحيته من دم رأسه ، وفي الحسن بن علي عليه السلام أنه مقتول بالسم ، وفي الحسين بن علي عليه السلام أنه مقتول بالسيف ؟ ولا يصدق فيما أخبر به من أمر القائم عليه السلام ووقوع الغيبة به ، والتعيين عليه باسمه ونسبه ؟ ! بلى ، هو صادق في جميع أقواله صلى الله عليه وآله ، مصيب في جميع أحواله ، ولا يصح إيمان عبد حتى لا يجد في نفسه حرجاً مما قضى ، ويسلم له في جميع الأمور تسليماً ، ولا يخالطه شك ولا ارتياب ، وهذا هو الإسلام ، والإسلام هو الاستسلام والانقياد . وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ .
ومن أعجب العجائب أن مخالفينا يروون أن عيسى بن مريم عليه السلام مرَّ بأرض كربلا فرأى عدة من الظباء هناك مجتمعة ، فأقبلت إليه وهي تبكي ، وأنه جلس وجلس الحواريون ، فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى ، فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك ؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ؟ قالوا : لا ، قال : هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد ، وفرخ الحرة الطاهرة البتول شبيهة أمي ، ويُلْحَد فيها ، هي أطيب من المسك لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء ، وهذه الظباء تكلمني وتقول : إنها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرخ المستشهد المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض ، ثم ضرب بيده إلى بعر تلك الظباء فشمها فقال : اللهم أبقها أبداً حتى يشمها أبوه ، فتكون له عزاء وسلوة ، وإنها بقيت إلى أيام أمير المؤمنين عليه السلام حتى شمها وبكى ، وأخبر بقصتها لما مر بكربلاء .
فيصدقون بأن بعر تلك الظباء تبقى زيادة على خمس مائة سنة لم تغيرها الأمطار والرياح ومرور الأيام والليالي والسنين عليه ، ولا يصدقون بأن القائم من آل محمد عليهم السلام يبقى حتى يخرج بالسيف فيبير أعداء الله عز وجل ، ويظهر دين الله . . . هل هذا إلا عناد وجحود للحق ؟ ! » .
وفي غيبة الطوسي / 113 : « وروى أصحاب الحديث أن الدجال موجود ، وأنه كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله وأنه باق إلى الوقت الذي يخرج فيه وهو عدو الله ، فإذا جاز في عدو الله لضرب من المصلحة ، فكيف لا يجوز مثله في ولي الله ! إن هذا من العناد » .
أقول : يعتقد أتباع المذاهب بالدجال ، وبعضهم يعتقد بدجال عمر وأنه ابن صياد ، لأن أحاديثه الصحيحة أقسم عليها عمر وأولاده ! وبعضهم بدجال تميم الداري الذي أرشدته اليه جساسته في الجزيرة ، لأن أحاديثه صحيحة أيضاً . وبعضهم بدجال كعب الأحبار . فكلهم يعتقدون بأن الدجال حيٌّ غائب عن الأنظار ، وأن الله تعالى مدَّ في عمره مئات السنين حسب عقيدة عمر ، أو ألوف السنين حسب عقيدة تميم وكعب ، فلا يصح أن يُشَنِّعوا علينا لاعتقادنا بأن الإمام المهدي عليه السلام حيٌّ يرزق حتى يأذن الله تعالى بظهوره ، ويظهر به الإسلام على العالم .
فكيف يكون تمديد الحياة لأعداء الله ممكناً ، ولأوليائه مستحيلاً ؟ ! وهل أن روايات تميم وكعب وأمثالهم ، أوثق من روايات أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ؟ !
4 - نشروا أحاديث الدجال وغيبوا أحاديث الاثني عشر !
1 . أجمع المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وآله تحدث عن ثلاثة موضوعات ، فبشر باثني عشر إماماً من بعده ، وحذر من أئمة مضلين اثني عشر ، وحذر من الدجال . وصرت تجد في مصادر السلطة بضعة أحاديث عن الأئمة الاثني عشر عليهم السلام ، والمضلين الاثني عشر ! وقد اعتذروا بأن الناس لغطوا أثناء خطبة النبي صلى الله عليه وآله فضاع على الراوي اسم هؤلاء الأئمة الربانيين ، والمضلين ! ونفس الأمر حدث لما حدَّث النبي صلى الله عليه وآله عنهم في المدينة ، فلم يسمعوا تحديد هويتهم ، وقد سأل الراوي عمر فقال له : كلهم من قريش ، من قريش !
لقد ضاعت أسماء أئمة الهدى الاثني عشر ، وأئمة الضلال الاثني عشر ! أما أحاديث الدجال فلم يضع منها شئ ، وهي محفوظة في دارالخلافة وصدور رواتها ! ولهذا نشرتها الخلافة القرشية !
2 . زعمت بعض أحاديثهم أن الله يبعث مع الدجال نبيين في خدمته وأن أحدهما يصدقه ! فقد روى الطيالسي / 150 ، حديثاً صحيحاً ، عن سفينة قال : « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إنه لم يكن نبي إلا وقد أنذر الدجال أمته ، إلى أن قال : فيقول الدجال للناس : ألست بربكم أحيى وأميت ؟ ومعه نبيان من الأنبياء إني لأعرف إسمهما واسم آبائهما ، لوشئت أن أسميهما سميتهما ، أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فيقول : ألست بربكم أحيى وأميت ؟ فيقول أحدهما : كذبت ، فلا يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه ، ويقول الآخر : صدقت ويسمعه الناس وذلك فتنة » !
فانظر إلى هرطقة رواة الخلافة وتقليدهم اليهود في افترائهم على أنبياء الله تعالى !
3 . وزعموا أن الدجال يشبه الله تعالى ، فيشتبه أمره على المسلمين ! فأعطاهم النبي صلى الله عليه وآله علامة للدجال بأنه أعور ليميزوه عن الله تعالى ، والله تعالى ليس أعور بل عيناه سالمتان !
فقد روى عبد الرزاق : 11 / 390 ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « ما من نبي إلا قد أنذره قومه ، لقد أنذره نوح قومه ! ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه ، تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور » !
ورواه ابن حماد : 2 / 518 ، والطيالسي / 73 ، وابن أبي شيبة : 8 / 646 و 8 / 647 ، وفيه : إنه أعور العين اليمنى . . . وإنه يتبعه من كل قوم يدعونه بلسانهم : إلهاً ! رووا ذلك بعشرات الروايات ، وأكثرها عن ابن عمر ، ومنهم البخاري في : 4 / 163 ، ومسلم : 8 / 193 ، وأبو داود : 4 / 116 ، والترمذي : 4 / 508 ، و / 514 ، وأبو يعلى : 2 / 78 و : 5 / 368 . وأبو نعيم : 4 / 334 ، والخطيب : 3 / 118 ، والبغوي : 3 / 497 ، إلى آخر القائمة الدجالية !
4 . وزعموا أن الدجال عنده معجزات ، وأنه يحيي الموتى ! روى عبد الرزاق : 11 / 393 ، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « وهو محرم عليه أن يدخل أنقاب المدينة ، فيخرج إليه رجل يومئذ هو خير الناس أو من خيرهم فيقول : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله حديثه . فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا ، فيقتله ثم يحييه ، فيقول حين يحيى : والله ما كنت قط أشد بصيرة فيك مني الآن . قال : فيريد قتله الثانية فلا يسلط عليه . قال معمر : وبلغني أنه يجعل على حلقه صفيحة من نحاس . وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحييه » .
ورواه ابن حماد : 2 / 546 ، وأحمد : 3 / 36 وبخاري : 9 / 76 ، ومسلم : 8 / 199 ، كعبد الرزاق بتفاوت يسير ، وفيه : « فيأمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ! قال : ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له : قم فيستوي قائماً ! قال ثم يقول له : أتؤمن بي ؟ فيقول : ما ازددت فيك إلا بصيرة . قال : ثم يقول : يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس قال : فيأخذه الدجال ليذبحه ، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً فلا يستطيع إليه سبيلاً ، قال : فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين » .
فاعجب للذين يشنعون علينا لاعتقادنا بالمعجزة لعترة النبي المعصومين عليهم السلام ثم يزعمون أن الله أعطاها لأعدائه كالدجال والجن والسحرة ! فينقضون بذلك النبوات لأن دليل النبوة المعجزة .
5 . ورووا عشرات الروايات عن الدجال ، منها أنه من يهود المشرق ، أو يهود أصفهان ، ففي الطبراني الكبير : 18 / 155 ، عن عمران بن حصين قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « يخرج الدجال من قبل أصبهان » .
وفي الطبراني الصغير : 1 / 260 ، عن أبي بردة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « يجئ من ها هنا لا بل من ها هنا ، وأومى نحو المشرق » . ورواه الحاكم : 4 / 528 ، وصححه ! قال : « يخرج الدجال من ها هنا أو ها هنا أو من ها هنا ، بل يخرج ها هنا يعني المشرق » .
وروى ابن حماد : 2 / 532 ، وابن أبي شيبة : 8 / 654 : « إن أبا بكر سأل : هل بالعراق أرض يقال لها خراسان ؟ قالوا نعم ، قال : فإن الدجال يخرج منها » . وأحمد : 1 / 4 ، ورفعه ابن ماجة : 2 / 1353 ، والترمذي : 4 / 509 والحاكم : 4 / 527 ، والبغوي : 3 / 508 ، كرواية أحمد الأولى وقال في الدر المنثور : 5 / 354 : وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي ، وصححه ، وابن ماجة .
وفي تهذيب تاريخ دمشق : 1 / 195 : « روى ابن مندة عن عبد الله بن معتمر مرفوعاً قال : إن الدجال ليس به خفاء ، يجئ من قبل المشرق ، فيدعو لنفسه فيتبع ويقاتل ناساً فيظهر عليهم ، لا يزال على ذلك حتى يقدم الكوفة فيظهر عليهم » .
ورواه عبد الرزاق : 11 / 396 ، عن كعب : أنه يخرج الدجال من العراق ! وفي / 395 ، وابن أبي شيبة : 8 / 656 ، عن ابن عمرو أنه يخرج من العراق ، وفي ابن حماد : 2 / 530 عن النبي صلى الله عليه وآله : يخرج الدجال من خلة بين الشام والعراق ! والنهاية : 2 / 73 ، عن الهروي .
والخلة : منخفض بين جبلين . وتقدم حديث أنه يخرج من بلخ بأفغانستان .
6 . ورووا وروينا أن أتباعه اليهود ، وقد تقدمت رواية مسلم « 8 / 207 » « يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة » . وسيأتي أن كعب الأحبار جعل أتباعه من صلب العرب !
وفي أحمد : 3 / 224 : « يخرج الدجال من يهودية أصبهان ، معه سبعون ألفاً من اليهود عليهم التيجان » .
إلى عشرات الروايات ومئاتها التي غصت بها مصادرهم ، بما فيها من تهافت وتناقض !
لكن في كمال الدين من مصادرنا / 528 ، عن ابن عمر : « أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب » .
الأبطال الثلاثة في تحريف عقيدة الدجال
أبرز الشخصيات الذين تبنوا أحاديث الدجال ونشروها في المسلمين ، ثلاثة : عمر بن الخطاب ، وتميم الداري ، وكعب الأحبار ، فقد اتفقوا على أسطورة الدجال ومخاريقه ، واختلفوا في تحديده فجعله عمر شخصاً وُلد في عهده وقال إنه عبد الله بن صياد ، وهو يهودي أمه من الخزرج من جماعة سعد بن عبادة . وجعله تميم الداري شخصاً طويلاً عريضاً ، مقيداً بالسلاسل في جزيرة من البحر المتوسط . وجعله كعب الأحبار شيطاناً مقيداً بالسلاسل في جزيرة باليمن .
وكان التأثير الأكبر لعمر ، الذي نشر عقيدته بالدجال ، وسمح لتميم وكعب أن ينشروا عقيدتهم أيضاً ! فتحير الناس بين دجال عمر ودجال تميم ودجال كعب ، لأن أحاديثهم كلها صحيحة ، فصدقوهم جميعاً وجعلوا دجاجيلهم واحداً !
ثم تحيروا في أحاديث كعب وجماعته التي تربط خروج الدجال بفتح القسطنطينية ، وبالمهدي ، وبالقيامة ، وفيها حشدٌ من التفاصيل والتناقضات !
والعجب من علماء الخلافة لم ينتقدوا روايات الدجال لأنها عندهم صحيحة بل حاولوا توحيد الدجالي ، كابن حجر وهو من كبار أئمتهم ، فقد قَبِلَ دجال كعب المحبوس في إحدى جزائر اليمن وقبل رواية تميم في الجساسة وتحير في الجمع بينهما وبين دجال عمر ! وتخبط في ذلك « فتح الباري « 13 / 277 » . ومما قاله : « ذكر نعيم بن حماد شيخ البخاري في كتاب الفتن أحاديث تتعلق بالدجال وخروجه ، إذا ضمت إلى ما سبق ذكره في أواخر كتاب الفتن ، انتظمت منها له ترجمة تامة . منها : ما أخرجه من طريق جبير بن نفير وشريح بن عبيد وعمرو بن الأسود وكثير بن مرة ، قالوا جميعاً : الدجال ليس هو إنسان وإنما هو شيطان موثق بسبعين حلقة في بعض جزائر اليمن ، لا يعلم من أوثقه سليمان النبي أو غيره ، فإذا آن ظهوره فك الله عنه كل عام حلقة ، فإذا برز أتته أتان عرض ما بين أذنيها أربعون ذراعاً ، فيضع على ظهرها منبراً من نحاس ويقعد عليه ، ويتبعه قبائل الجن ، يخرجون له خزائن الأرض ! قلت : وهذا لا يمكن معه كون ابن صياد هو الدجال » .
وابن صياد الذي استبعده ابن حجر هو دجال عمر ، وأحاديثه عندهم في أعلى درجات الصحة ! ثم قال ابن حجر : « ولعل هؤلاء مع كونهم ثقات تلقوا ذلك من بعض كتب أهل الكتاب !
وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر ، قال : وبين مولده ومخرجه ثلاثون سنة . قال : ولم ينزل خبره في التوراة والإنجيل وإنما هو في بعض كتب الأنبياء . . وذكر ابن وصيف المؤرخ أن الدجال من ولد شق الكاهن المشهور ، قال : بل هو شق نفسه أنظره الله ، وكانت أمه جنية عشقت أباه فأولدها ، وكان الشيطان يعمل له العجائب ، فأخذه سليمان فحبسه في جزيرة من جزائر البحر . . . » .
وقال ابن حجر : « ولشدة التباس الأمر في ذلك ، سلك البخاري مسلك الترجيح ، فاقتصر على حديث جابرعن عمر في ابن صياد ، ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم ، وقد توهم بعضهم أنه غريب فرده ، وليس كذلك » .
ثم رد ابن حجرأن الدجال مصري ، فقال في : 13 / 277 : « وأخلق بهذا الخبر أن يكون باطلاً ، فإن الحديث الصحيح أن كل نبي قبل نبينا أنذر قومه الدجال . وكونه يولد قبل مخرجه بالمدة المذكورة مخالف لكونه ابن صياد ، ولكونه موثوقاً في جزيرة من جزائر البحر » .
وقد أطال ابن حجر ومال إلى دجال تميم أكثر من دجال عمر ! وحاول أن يجمع بينهما بقوله : « وأقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم ، وكون ابن صياد هو الدجال أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثوقاً ، وأن ابن صياد شيطان تبدَّى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه ، إلى أن تجئ المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها » ! انتهى . ولا يصح هذا الجمع ، لأن ابن صياد مات في المدينة ، بينما دجال تميم ودجال كعب مكتفان ، لايطلقان إلا عند خروجهما !
لقد غرق ابن حجر في أحاديثهم في الدجال رغم علمه ، فكيف ببقية علمائهم ! فمشكلة كبارعلمائهم ليست ضعف ذهن الواحد منهم بل في المادة المفروضة عليه بحجة صحتها ، التي تجبره على قبول التناقض والحشوية والهرطقة !
5 - عقيدة الدجال التي نشرها عمر بن الخطاب
روى أصح كتاب عندهم أن عمر كان يحلف أن الدجال هو عبد الله بن صياد ! وهو يهودي من المدينة . ففي البخاري : 8 / 158 ، و 9 / 133 ، أن جابراً قال : « سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي فلم ينكره النبي صلى الله عليه وآله » . يعني أن النبي صلى الله عليه وآله أقر دجال عمر ! والعجيب أن عمر لم يسأل النبي صلى الله عليه وآله عنه ، بل كان يحلف أمامه على رأيه ، فيسكت النبي صلى الله عليه وآله مقراً له ! ثم كذبوا على جابر وأبيّ أنهما كانا يحلفان مثل عمر ، أما أبو ذر فكان يحلف عشر مرات ! ثم افتروا على النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يظنه أن الدجال ابن صياد ، وكان حريصاً على معرفة كلامه ونواياه ، حتى ذهب مرات متخفياً يتلصص عليه ويتجسس ! قال بخاري في صحيحه : 7 / 113 : « أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر أخبره أن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وآله في رهط من أصحابه قِبَل ابن صياد ، حتى وجده يلعب مع الغلمان في أطم بني مَغَالة ، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم ، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله ظهره بيده ، ثم قال : أتشهد أني رسول الله ؟ فنظر إليه فقال : أشهد أنك رسول الأميين . ثم قال ابن صياد : أتشهد أني رسول الله ؟ فرضَّه النبي ، ثم قال : آمنت بالله ورسله . ثم قال لابن صياد : ماذا ترى ؟ قال : يأتيني صادق وكاذب . قال رسول الله : خلط عليك الأمر . قال : رسول الله : إني خبأت لك خبيئاً ، قال : هو الدخّ . قال : إخسأ فلن تعدو قدرك ! قال عمر : يا رسول الله أتأذن لي فيه أضرب عنقه ؟ قال رسول الله : إن يكن هو لا تُسلط عليه ، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله » .
قال سالم : فسمعت عبد الله بن عمر يقول : « انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بن كعب الأنصاري يؤمان النخل التي فيه ابن صياد ، حتى إذا دخل رسول الله طفق رسول الله صلى الله عليه وآله يتقي بجذوع النخل وهو يَخْتِل أن يسمع من ابن صياد شيئاً قبل أن يراه ، وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة ، فرأت أم ابن صياد النبي وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد : أي صاف وهو اسمه ، هذا محمد ، فتناهى ابن صياد . قال رسول الله : لو تركَتْهُ بَيَّن ! قال سالم : قال عبد الله : قام رسول الله في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال : إني أنذركموه ، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه ، لقد أنذره نوح قومه ، ولكني سأقول فيه قولاً لم يقله نبي لقومه : تعملون أنه أعور وإن الله ليس بأعور » .
ورواه عبد الرزاق : 11 / 389 ، بثلاث روايات ، وفي الثالثة : 11 / 389 عن الحسين بن علي عليه السلام ! قال : « إن النبي صلى الله عليه وآله خبأ لابن صياد دخاناً فسأله عما خبأ له فقال : دخّ ، فقال : إخسأ فلن تعدو قدرك ، فلما ولى قال النبي ما قال ، فقال بعضهم : دُخّ ، وقال بعضهم : بل قال ريح ! فقال النبي : قد اختلفتم وأنا بين أظهركم وأنتم بعدي أشد اختلافاً » .
وفي رواية أحمد : 3 / 368 ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله مشفقاً أنه الدجال .
ومعنى حديث بخاري أن الله تعالى له عينان سالمتان ، وبذلك يتميزعن الدجال !
وأدلى أبو بكرة أخ زياد بن أبيه بدلوه في الدجال لتأييد قسم عمر ، فروى عنه الطيالسي / 116 : قال رسول الله : يمكث أبَوَا الدجال ثلاثين عاماً لا يولد لهما ، ثم يولد لهما غلام أعور أضر شئ وأقله نفعاً ، تنام عيناه ولا ينام قلبه . قال : ونعت رسول الله صلى الله عليه وآله أباه فقال : أبوه رجل طوال مضطرب اللحم كأن أنفه منقار ! وأما أمه فامرأة طويلة فرضاخية عظيمة الثديين . قال أبو بكرة : فسمعنا بمولود ولد بالمدينة في اليهود ، فذهبت أنا والزبير بن العوام فدخلنا على أبويه فإذا نعت رسول الله فيهما فقلت : هل ولد لكما من ولد ؟ فقالا : مكثنا ثلاثين عاماً لا يولد لنا ، ثم ولد هذا لنا أضر شئ وأقله نفعاً ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ، فخرجنا من عندهما فإذا هو منحول في قطيفة في الشمس له همهمة فكشف عن رأسه فقال : ما قلتما ؟ قلنا : أو سمعت ؟ قال : إني أنام ولا ينام قلبي » ! ورواه ابن أبي شيبة : 8 / 651 ، وأحمد : 5 / 49 ، كما في الطيالسي بتفاوت يسير ، ونحوه في / 51 ، والترمذي : 4 / 518 ، ومصابيح البغوي : 3 / 514 ، من حسانه . . إلى آخر القائمة الدجالية .
والفرضاخ والفرضاخة والفرضاخية : بكسر الفاء للرجل والمرأة العظيم البدن .
ثم زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله كان شاكاً واحتاج إلى علم اليهود ، وبما أن عمر كان يحضر دروسهم وتعلم منهم علم الدجال ، فعلمه للنبي صلى الله عليه وآله وأكد ذلك بيمين ، فتيقن النبي صلى الله عليه وآله من يمين عمر ، واستغنى بعلم اليهود ويمين عمر عن نزول الوحي !
قال في عمدة القاري : 25 / 69 : « فهذا يدل على شكه فيه وترك القطع عليه أنه الدجال . قلت : يمكن أن يكون هذا الشك منه كان متقدماً على يمين عمر بأنه الدجال » ! لكن ابن حجر قال إن النبي صلى الله عليه وآله لم يؤيد دجال عمر وسكت ، وبقي شاكاً حتى جاءه تميم الداري فأخبره أنه رأى الدجال ، فشكره ودعا المسلمين وخطب بهم ، وعلمهم عقيدة الدجال ، فكان الفضل فيه لتميم وليس لعمر ! إلى آخر هرطقتهم !
6 - كان أولاد عمر يؤكدون عقيدة أبيهم !
روى أبو داود : 4 / 120 ، أن عبد الله بن عمر كان يقول : « والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد » . وروى أحمد : 6 / 283 ، أن ابن عمر « رأى ابن صائد في سكة من سكك المدينة فسبه ابن عمر ووقع فيه ، فانتفخ حتى سد الطريق ! فضربه ابن عمر بعصاً كانت معه حتى كسرها عليه ! فقالت له حفصة : ما شأنك وشأنه ، ما يولعك به ؟ أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنما يخرج الدجال من غضبةٍ يغضبها » !
وروى مسلم : 8 / 194 ، عن نافع قال : « لقي ابن عمر ابن صائد في بعض طرق المدينة فقال له قولاً أغضبه فانتفخ حتى ملأ السكة ، فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها فقالت له : رحمك الله ما أردت من ابن صائد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إنما يخرج من غضبة يغضبها » !
وروى عبد الرزاق : 11 / 396 ، عن ابن عمر ، قال : « لقيت ابن صياد يوماً ومعه رجل من اليهود فإذا عينه قد طفيت ، وكانت عينه خارجة مثل عين الجمل ، فلما رأيتها قلت : يا ابن صياد أنشدك الله متى طفيت عينك أو نحو هذا ؟ قال : لا أدري والرحمن ، فقلت : كذبت لا تدري وهي في رأسك ؟ قال : فمسحها ، قال : فنخر ثلاثاً ! فزعم اليهودي أني ضربت بيدي على صدره ، قال : ولا أعلم أني فعلت ذلك ! قلت : إخس ، فلن تعدو قدرك ، قال : أجل لعمري لا أعدو قدري .
قال : فذكرت ذلك لحفصة فقالت : إجتنب هذا الرجل ، فإنا نتحدث أن الدجال يخرج عند غضبة يغضبها » !
أقول : هذا يدلنا على أن بدعة عمر أو خيالاته قد نجحت ، وآمن بها أولاده وبعض المسلمين !
7 - محنة المسكين عبد الله بن صياد وابنه عمارة !
وقد تناقض علماء الخلافة فيما كتبوه في ترجمة ابن صياد وابنه عمارة ، فقد تحيروا في قبول يمين عمر إنه الدجال فقال بعضهم : كلام عمر صحيح ، وابن صياد هو الدجال ، ونسبوا إلى جابر الأنصاري رحمه الله وغيره تصديق عمر رغم أن ابن صياد أسلم وشارك في فتح أصفهان ، فأجابوا بأنه غاب عند يهود أصفهان ، لأن النبي أخبر أنه يخرج من هناك : « وأن اليهود تلقوه وقالوا : هذا ملكنا الذي نستفتح به على العرب ، وأدخلوه البلد ليلاً ومعه الطبول والشموع ، ثم لم يعرف له خبر بعد ذلك » . « تهذيب ابن حجر : 7 / 367 » .
لكنهم كذبوا أنفسهم فرووا أنه كان في المدينة يوم الحرة ! وقال بعضهم : كيف يكون ابن صياد الدجال وقد أسلم وشارك في الفتوحات ومات في المدينة ، وابنه عمارة إمام وَثَّقَهُ ابن معين وابن حبان ، وغيرهما !
وقد تجرأ البيهقي وابن حجر والذهبي وابن تيمية والشوكاني فقالوا إن ابن صياد ليس الدجال ، وإنَّ عمر أخطأ في يمينه وإن النبي صلى الله عليه وآله لم يقره لأنه كان « شاكاً » فيه ، فنزل عليه الوحي بأن الدجال هو دجال تميم الداري المسجون في جزيرة ، فخطب في الناس وأخبرهم ! قال في الإصابة : 5 / 148 : « في الصحيحين عن جابر أنه كان يحلف أن ابن صياد الدجال ، وذكر أن عمر كان يحلف بذلك عند النبي صلى الله عليه وآله . . لكنه إن كان مات على الإسلام يكون كما قال ابن فتحون « صحابياً عادلاً » على شرط كتاب الإستيعاب » .
وقال الذهبي في الكاشف : 2 / 54 : « عمارة بن عبد الله بن صياد : هو ولد الذي ظُنَّ أنه الدجال ، عن جابر ، وعن ابن المسيب ، وعنه مالك ، وجماعة . وثقه ابن معين » .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار : 8 / 19 : « قال الخطابي : اختلف السلف في أمر ابن صياد بعد كبره ، فروي أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة ، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا وجهه حتى يراه الناس ، وقيل لهم : اشهدوا !
وقال النووي : قال العلماء قصة ابن صياد مشكلة وأمره مشتبه ، ولكن لا شك أنه دجال من الدجاجلة ! والظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله لم يوح إليه في أمره بشئ ، وإنما أوحيَ إليه بصفات الدجال وكان في ابن صياد قرائن محتملة ، فلذلك كان صلى الله عليه وآله لا يقطع في أمره بشئ » .
وقال البيهقي في نيل الأوطار : 8 / 19 : « يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله كان متوقفاً في أمره ، ثم جاءه التثبت من الله تعالى بأنه غيره ، على ما تقتضيه قصة تميم الداري ، وبه تمسك من جزم بأن الدجال غير ابن صياد وطريقه أصح » .
وقال في نيل الأوطار : 8 / 20 : « وهذا الحديث ينافي ما استدل به على أن ابن صياد هو الدجال ولا يمكن الجمع أصلاً ، إذ لا يلتئم أن يكون من كان في الحياة النبوية شبه المحتلم ويجتمع به النبي ويسأله ، أن يكون شيخاً في آخرها مسجوناً في جزيرة من جزائر البحر موثوقاً بالحديد يستفهم عن خبر النبي صلى الله عليه وآله : هل خرج أم لا ، فينبغي أن يحمل حلف عمر وجابر ، على أنه وقع قبل علمهما بقصة تميم » .
لكنهم رووا عن جابر رحمه الله نقيض ذلك وأنه قال : « ما زلت في شك من عبد الله بن صائد حتى قبر » ! « رسالة الصاهل لأبي العلاء المعري / 100 » .
وقال ابن تيمية في فتاويه : 11 / 283 : « ظن بعض الصحابة أنه الدجال وتوقف النبي في أمره حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال ، لكنه كان من جنس الكهان » .
وقال ابن قتيبة في المعارف / 272 : « وأبوه عبد الله بن صياد هو الذي قيل فيه إنه الدجال لأمور كان يفعلها ، وأسلم عبد الله ، وحج ، وغزا مع المسلمين ، وأقام بالمدينة ! ومات ابنه عمارة في خلافة مروان بن محمد » .
وفي الجرح والتعديل : 6 / 367 : « عن يحيى بن معين أنه قال : عمارة بن عبد الله بن صياد ثقة ، نا عبد الرحمن قال : سألت أبي عن عمارة بن صياد فقال : هو صالح الحديث » .
وفي تهذيب الكمال : 21 / 249 : « وقال محمد بن سعد : كان ثقة قليل الحديث ، وكان مالك بن أنس لا يقدم عليه في الفضل أحداً . . . ومات عمارة في خلافة مروان بن محمد . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات » .
وفي أسد الغابة : 3 / 187 : « عبد الله بن صياد . . كان أبوه من اليهود لا يدرى ممن هو ، وهو الذي يقول بعض الناس إنه الدجال . ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أعور مختوناً . من ولده عمارة بن عبد الله بن صياد من خيار المسلمين ، من أصحاب سعيد بن المسيب ، روى عنه مالك وغيره »
ثم ذكر يمين عمر وقال : « الذي صح عندنا أنه ليس الدجال ، لما ذكره في هذا الحديث ، ولأنه توفي بالمدينة مسلماً ، ولحديث تميم الداري » .
« كان مالك بن أنس لا يقدِّم عليه أحداً في الفضل ، وروى عنه وروى عمارة عن سعيد بن المسيب . وكانوا يقولون نحن بنو أشيهب . ثم قال ابن سعد عن أبيه عبد الله : وهو الذي قيل إنه الدجال لأمور كان يفعلها » . « الطبقات ، القسم المتمم / 302 » .
أقول : يبدو أن أم ابن صائد خزرجية ، وقد يكون أبوه يهودياً ، ولم أجد بني أشيهب الذين نسبوه إليهم ، وربما كانوا أخواله من الخزرج . فهو محسوب على الخزرج ورئيسهم سعد بن عبادة ، الذي هو العدو اللدود لعمر ، لأنه وقف ضد بيعة أبي بكر فنفاه عمر إلى الشام ، ثم بعث له خالداً فقتله !
قال في الطبقات : 3 / 503 : « إن النبي صلى الله عليه وآله رأى ابن صياد وهو صبي مراهق يلعب في حي بني مَغَالة ، وهم بطن من بني عبد النجار » . لكن عمر جعله يهودياً ، ولَبَّسَهُ تهمة الدجال ! وكان مسلماً مجاهداً ، وكان قائد الخيل في معركة نهاوند « الطبري : 3 / 187 » وكان يصرخ من تهمة عمر له ، وتهمة ابنه عبد الله بن عمر وابنته حفصة !
وروى أحمد : 3 / 79 : أن أبا سعيد الخدري كان ذاهباً في جيش الفتح : « قال : أقبلنا في جيش من المدينة قبل هذا المشرق ، قال : فكان في الجيش عبد الله بن صياد ، وكان لايسايره أحد ، ولا يرافقه ولا يؤاكله ولا يشاربه ، ويسمونه الدجال ! فبينا أنا ذات يوم نازل في منزل لي إذ رآني عبد الله بن صياد جالساً ، فجاء حتى جلس إليَّ فقال : يا أبا سعيد ألا ترى إلى ما يصنع الناس ؟ ! لايسايرني أحد ولا يرافقني أحد ولا يشاربني أحد ولا يؤاكلني أحد ، ويدعوني الدجال ! وقد علمت أنت يا أبا سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن الدجال لا يدخل المدينة ، وإني ولدت بالمدينة . وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن الدجال لا يولد له وقد وُلد لي ! فوالله لقد هممتُ مما يصنع بي هؤلاء الناس أن آخذ حبلاً فأخلو فأجعله في عنقي ، فأختنق فأستريح من هؤلاء الناس ! والله ما أنا بالدجال » !
لكن الرواة أرادوا إثبات صدق عمر ، وقالوا : عنزة ولو طارت ! فأضافوا في الحديث : « ثم قال لي في آخر قوله : أما والله إني لأعلم مولده ومكانه وأين هو ! قال فلبَّسني » . « مسلم : 8 / 190 » . يقصد أنه غشه في أول حديثه ، ثم أقر في آخره !
8 - عقيدة الدجال التي نشرها تميم الداري
تميم الداري مسيحي من بلاد الشام ، وقد جاء هو وجماعته إلى النبي صلى الله عليه وآله في السنة العاشرة للهجرة ، أي بعد انتصار النبي صلى الله عليه وآله وشمول الإسلام الجزيرة . وكان تميم وجماعته تجار خمر فأهدى إلى النبي صلى الله عليه وآله أدناناً من الخمر فرفضها ، لأن الله حرمها ، فقال له تميم : خذها وانتفع بثمنها ، فأجابه إذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه .
وسكن تميم المدينة ، وكان مقرباً من الخليفة عمر الأنه يقص قصص أهل الكتاب التي تعجب عمر ! وقد طلب منه تميم أن يقصها في المسجد ، فقال له عمر : إن النبي نهى عن ثقافة القصاصين : « إني أخاف أن يجعلك الله تحت أقدامهم »
يعني أخاف عليك غضب المسلمين ، إذا قَصَصْتَ في مسجدهم ! لكن تميماً استغل ليونة عمر فواصل طلبه ، كما في تاريخ المدينة : 1 / 9 ، فأصدر له مرسوماً بالقص في مسجد النبي صلى الله عليه وآله ! وحضر عمر تحت منبره ، وقال إنه أراد أن يسأله عن توضيح كلمة ، لكنه احترمه وكره أن يقطع كلامه !
وقد اختار له عمر يوم الجمعة ، ثم أضاف اليه يوم السبت ، فصارت النتيجة مزيجاً طريفاً : قسيسٌ وتاجر خمر ، مسيحي سابقاً ومسلم حالياً حسب قوله ، يقصُّ على المسلمين قصص اليهود والنصارى ، في مسجد نبيهم صلى الله عليه وآله في يوم السبت ! في حين أن عمر منع من أي تحديث عن النبي صلى الله عليه وآله تحت طائلة العقوبة !
وروى أحمد : 3 / 449 : « لم يكن يقصُّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أبي بكر ، وكان أول من قص تميماً الداري ، استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائماً ، فأذن له عمر » .
وقال عمر بن شبَّة في تاريخ المدينة : 1 / 11 : « ثم استخلف عثمان فاستزاده ، فزاده مقاماً آخر ، فكان يقوم ثلاث مرات في الجمعة » . انتهى . وبهذا صار تميم الواعظ الرسمي للمسلمين ، وكان عمر يحترمه كثيراً ويسميه « خير المؤمنين » واخترعوا له كرامات ومعجزات ، فقالوا : ذات يوم ثار بركان في المدينة فطلب عمر من تميم أن يرد البركان ويطفئه ، فذهب معه وحاش فوهة البركان بيديه وطرد النار إلى شعب من شعاب الجبال ، وركض وراءها ، حتى اختفت !
قال البيهقي في دلائل النبوة : 6 / 80 : « باب ما جاء في الكرامة التي ظهرت على تميم الداري رضي الله عنه . . . عن معاوية بن حرمل قال : قدمت المدينة فلبثت في المسجد ثلاثاً لا أطعم ، قال : فأتيت عمر فقلت : يا أمير المؤمنين تائب من قبل أن تقدر عليه ، قال : من أنت ؟ قلت : أنا معاوية بن حرمل « صهر مسيلمة الكذاب وكان معه في حركة نبوته ، الإصابة : 10 / 35 » قال : إذهبْ إلى خير المؤمنين فانزل عليه . قال : وكان تميم الداري إذا صلى ضرب بيده عن يمينه وعن شماله ، فأخذ رجلين فذهب بهما ، فصليت إلى جنبه فضرب يده فأخذ بيدي ، فذهب بي فأتينا بطعام فأكلت أكلاً شديداً وما شبعت من شدة الجوع ! قال : فبينا نحن ذات يوم إذ خرجت نار بالحرة ، فجاءه عمر إلى تميم فقال : قم إلى هذه النار ، فقال : يا أمير المؤمنين ومن أنا وما أنا ! قال : فلم يزل به حتى قام معه ، قال : وتبعتهما فانطلقا إلى النار فجعل تميم يحوشها بيديه حتى دخلت الشعب ودخل تميم خلفها ! قال : فجعل عمر يقول : ليس من رأى كمن لم يرَ ، قالها ثلاثاً » . انتهى .
هذا هو تميم الداري الذي زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ منه عقيدة الدجال ! وقد طوَّرها تميم عن أسطورة الدجال اليهودي وادعى أنه رآه مقيداً في جزيرة في البحر ! وقد بلغت بهم الجرأة أن زعموا أنه أخبر النبي صلى الله عليه وآله فسارع إلى المنبر وخطب في المسلمين وقص عليهم قصة تميم ، وجعلها جزء من الإسلام وعقائده ! ثم روجوها في أهم مصادرهم ، وعرفت باسم : « حديث الجساسة » .
وأقدم من رواها قبل ابن أبي شيبة : 8 / 658 ، وأشهر رواتها فاطمة بنت قيس الفهرية ، أخت الضحاك المتقرب إلى معاوية ، قالت : « صلى النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم الظهر ثم صعد المنبر فاستنكر الناس ذلك ، فبيْنَ قائم وجالس ، ولم يكن يصعده قبل ذلك إلا يوم الجمعة ، فأشار إليهم بيده أن اجلسوا ، ثم قال : والله ما قمت مقامي هذا لأمر ينفعكم ، لا لرغبة ولا لرهبة ، ولكن تميماً الداري أتاني فأخبرني خبراً منعني القيلولة من الفرح وقرة العين ، ألا إن بني عمٍّ لتميم الداري أخذتهم عاصف في البحر ، فألجأتهم الريح إلى جزيرة لا يعرفونها ، فقعدوا في قوارب السفينة فصعدوا فإذا هم بشئ أسود أهدب كثير الشعر ، قالوا لها : ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة قالوا : فأخبرينا ، قالت : ما أنا بمخبرتكم ولا سائلتكم عنه ، ولكن هذا الدير قد رمقتموه فأتوه فإن فيه رجلاً بالأشواق إلى أن يخبركم وتخبروه ، فأتوه فدخلوا عليه فإذا هم بشيخ موثق في الحديد شديد الوثاق كثير الشعر ، فقال لهم : من أين ؟ قالوا : من الشام قال : ما فعلت العرب ؟ قالوا : نحن قوم من العرب ، قال : ما فعل هذا الرجل الذي خرج فيكم ؟ قالوا : خير ، ناواه قوم فأظهره الله عليهم ، فأمرهم اليوم جميع وإلههم واحد ودينهم واحد ، قال : ذلك خير لهم ، قال : ما فعلت عين زَغَر ؟ قالوا : يسقون منها زروعهم ويشربون منها لسقيهم . قال : ما فعل نخل بين عمان وبيسان ؟ قالوا : يطعم من جناه كل عام ، قال : ما فعلت بحيرة طبرية ؟ قالوا : تدفق جانباها من كثرة الماء . فزفر ثلاث زفرات ثم قال : إني لو قد انفلتُّ من وثاقي هذا لم أترك أرضاً إلا وطأتها بقدمي هاتين ، إلا طيبة ليس لي عليها سلطان . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إلى هذا انتهى فرحي ! هذه طيبة ، والذي نفس محمد بيده ما منها طريق ضيق ولا واسع إلا عليه ملك شاهر بالسيف إلى يوم القيامة » .
ونحوه أحمد : 6 / 416 ، وابن ماجة : 2 / 1354 ، وأبو داود : 4 / 118 ، مختصراً ، بخمس روايات . والترمذي : 4 / 521 ، بتفاوت ، وأبو يعلى : 4 / 119 ، بثلاث روايات . . . إلى آخر القائمة .
لكن مسلماً صاحب الصحيح ، أفاض « 8 / 203 » في جساسة تميم ودجاله بتفصيل فرواها بعدة روايات عن بطلة الرواية فاطمة بنت قيس ، قالت : « فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله ينادى : الصلاة جامعة ، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، فكنت في صف النساء التي تلي ظهورالقوم فلما قضى رسول الله صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال : ليلزم كل إنسان مصلاه ، ثم قال : أتدرون لم جمعتكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ، ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع وأسلم ، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال ! حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام ، فلعب بهم الموج شهراً في البحر ، ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحرحتى مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة ، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قُبله من دُبره من كثرة الشعر ، فقالوا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة ! قالوا : وما الجساسة ؟ ! قالت : أيها القوم ، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق . قال : لما سمَّت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة ، قال فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشده وثاقاً ، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد ! قلنا : ويلك ما أنت ؟ قال : قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم ؟ قالوا : نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية ، فصادفنا البحر حين اغتلم ، فلعب بنا الموج شهراً ، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها ، فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر ، فقلنا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة . قلنا : وما الجساسة ؟ قالت : إعمدوا إلى هذا الرجل في الدير ، فإنه إلى خبركم بالأشواق ، فأقبلنا إليك سراعاً وفزعنا منها ، ولم نأمن أن تكون شيطانة !
فقال : أخبروني عن نخل بيسان ؟ قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : أسألكم عن نخلها هل يثمر ؟ قلنا له : نعم . قال : أما إنه يوشك أن لا تثمر . قال : أخبروني عن بحيرة الطبرية ؟ قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل فيها ماء ؟ قالوا : هي كثيرة الماء . قال : أما إن ماءها يوشك أن يذهب . قال : أخبروني عن عين زغر ؟ قالوا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين ؟ قلنا له : نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها . قال : أخبروني عن نبي الأميين ما فعل ؟ قالوا : قد خرج من مكة ونزل يثرب . قال : أقاتله العرب ؟ قلنا : نعم . قال : كيف صنع بهم ؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه . قال لهم : قد كان ذلك ؟ ! قلنا : نعم . قال : أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه ، وإني مخبركم عني : إني أنا المسيح « ! » وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غيرمكة وطيبة ، فهما محرمتان عليَّ كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحداً منهما استقبلني ملك بيده السيف مصلتاً يصدني عنها ، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها .
قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وطعن بمخصرته في المنبر : هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة يعنى المدينة ، ألا هل كنت حدثتكم ذلك ؟ فقال الناس : نعم . قال صلى الله عليه وآله : فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ! ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن ، لا بل من قبل المشرق ، ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو . وأومأ بيده إلى المشرق . قالت : فحفظت هذا من رسول الله » .
أقول : هذه القصة واضحة الكذب والتناقض ، ويظهر أنها واضعتها بنت قيس وهي كذابة ولا حافظة لكذوب ، ففي بعضها أن تميماً كان في السفينة وفي بعضها لم يكن ! وفي بعضها أخذهم موج البحر شهراً ، وفي بعضها كانوا يسيرون فظهرت لهم جزيرة ، فذهبوا ليشتروا خبزاً ! وفي بعضها أن الجزيرة في ساحل فلسطين ، وفي بعضها في المغرب ! وفي بعضها أن النبي صلى الله عليه وآله تحير فيها أين هي ! كما أن الجساسة عند بنت قيس مرة دابة ومرة امرأة ! أما الدجال فإنسان ضخم ، أو شيطان ، مقيدٌ في دير في جزيرة . ثم تتعجب لماذا سألهم الدجال عن مناطق ، ولم يرسل أحداً ليتعرف خبرها . . الخ . !
9 - عقيدة الدجال التي نشرها كعب الأحبار
عمل اليهود للتأثير الثقافي على المسلمين فترجموا توراتهم إلى العربية وكلفوا عمر بن الخطاب أن يقنع النبي بأن يعتمدها كتاباً للمسلمين ! فغضب النبي صلى الله عليه وآله وقال : « والذي نفس محمد بيده ، لو أصبح موسى فيكم ثم اتبعتموه وتركتموني ، لضللتم » ! وفي عبد الرزاق : 6 / 113 : « فتغير وجه رسول الله ! قال عبد الله : فقلت : مسخ الله عقلك ! ألا ترى ما بوجه رسول الله ؟ ! » . وفتح الباري : 13 / 438 .
وكان لليهود في المدينة مدرستان : المدراس لتدريس التوراة ، والمشنا لتدريس التلمود ، وكان عمر ومعه جماعة يحضرون عندهم كل سبت ، وطلب من النبي صلى الله عليه وآله أن يأذن لهم بكتابة أحاديثهم فنهاه وقال : كيف يهدونكم وقد أضلوا أنفسهم ! لكنهم تابعوا حضورهم ! فاستنفر النبي صلى الله عليه وآله المسلمين وخطب وحذرهم من المتأثرين باليهود وأطلق عليهم اسم « المُتَهَوِّكين » ! « الدر المنثور : 4 / 3 » .
ومعنى ذلك أن نشر الإسرائيليات كان من زمن النبي صلى الله عليه وآله وعندما جاء كعب في عهد عمر ، وجد الإسرائيليات في الدجال قائمة ، فطورها ونفى أن يكون الدجال يهودياً وجعله عربياً عراقياً ، وزاد من تخويف المسلمين منه ، كما خوفهم من فتح القسطنطنية لأنه يوجب خروج الدجال وقيام الساعة ! وجعل فتح القسطنطينية بيد اليهود من بني إسحاق كما روى مسلم ! لا بيد المسلمين . . الخ . وتجد من العجائب أن كعباً يروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله مع أنه لم يره ! لكن تلاميذه أبا هريرة وعبد الله بن عمر وابن عمرو العاص ، جعلوا كلامه أحاديث نبوية !
10 - جعل كعب حركة الدجال حركة عربية !
رووا عن أنس أن الدجال يهودي ، ففي مسند أحمد : 3 / 224 ، عن أنس : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « يخرج الدجال من يهودية أصبهان ، معه سبعون ألف من اليهود عليهم التيجان » . ويهودية أصفهان : محلة فيها يسكنها اليهود .
وفي مسلم : 8 / 207 : « يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً ، عليهم الطيالسة » .
لكن كعباً جعل أتباعه من العرب الأقحاح ! ففي مصنف ابن أبي شيبة : 8 / 671 : « كأني بمقدمة الأعور الدجال ست مائة ألف من العرب يلبسون السيجان » . وفي كنى البخاري / 65 : « يتبع الدجال أربعون ألفاً من صلب العرب » .
ثم جعل الدجال عراقياً ، لأن كعباً كان يكره العراق لأن القبائل اليمانية فيه يعرفون زيفه ، ففي مصنف عبد الرزاق : 11 / 396 ، عن كعب قال : « يخرج الدجال من العراق » . وفي / 251 : أراد عمر أن يسكن العراق فقال له كعب : « لا تفعل ، فإن فيها الدجال ، وبها مردة الجن ، وبها تسعة أعشار السحر ، وبها كل داء عضال يعني الأهواء » .
وتكرم كعب على بني تميم فقال لابن فاتك التميمي : « إن أشد أحياء العرب على الدجال قومك يعني بني تميم » . « الآحاد والمثاني : 2 / 372 » . ولعله خاف من ابن فاتك ! وبذلك خالف كعب عمر لأنه قال إن الدجال مولود ويعيش حتى يخرج .
كما رد حديث النبي صلى الله عليه وآله المعروف عندهم أن الدجال من يهود أصفهان ! فزعم كعب أنه ، ليجعله يهودياً شبيهاً بموسى عليه السلام لأنه المهدي المنتظر عندهم !
قال في فتح الباري : 13 / 277 : « وأخرج أبو نعيم أيضاً من طريق كعب الأحبار ، أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر ، قال : وبين مولده ومخرجه ثلاثون » .
11 - من لم يؤمن بدجال كعب فقد كفر !
في فرائد السمطين : 2 / 334 : « عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد ، ومن أنكر نزول عيسى فقد كفر ، ومن أنكر خروج الدجال فقد كفر » .
والمقصود بهذا الدجال دجال كعب ، وقد قال ذلك لأن هرطقته واجهت رفضاً من عقلاء المسلمين ، فأعلن بعضهم كفره بهذا الدجال أو موافقتهم لأهل البيت عليهم السلام ، فوضع لهم كعب وتلاميذه هذا الحديث وربط دجاله بالمهدي عليه السلام !
ولو سلَّمنا جدلاً صحة هذا الحديث ، فلا بد أن يكون الكفر فيه بمعناه اللغوي ، أي تغطية الحق ، وليس الكفر المصطلح المُخرج عن الدين .
12 - حرف كعب أحاديث المهدي والدجال ليطعن بالإسلام !
أخذ كعب البشارة النبوية بالمهدي ونزول عيسى صلى الله عليه وآله وخلطها بهرطقة اليهود ، وأضاف إليها أكاذيب لمصلحة الروم تمنع المسلمين من فتح القسطنطينية ، فزعم أن الدجال يخرج بعد فتحها مباشرة ، وأن المهدي عليه السلام سيقتل ، والكعبة ستهدم ، ومكة تخرب ، ولا تسكن أبداً !
والعجيب أن عمر قبل هرطقاته وتبعه رواة الخلافة وجعلوها أحاديث نبوية ، ودونوها في أصح مصادرهم ، فصارت ديناً ، بل فضيحةً موصوفة !
روى ابن حماد : 2 / 457 ، عن كعب قال : « المنصور مهدي يصلي عليه أهل السماء والأرض وطير السماء ، يبتدي بقتال الروم والملاحم عشرين سنة ، ثم يقتل شهيداً في الملحمة العظمى هو وألفان معه كلهم أمير وصاحب راية . ولم يصب المسلمون بمصيبة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أعظم منها » .
وفي : 1 / 393 ، قال كعب : « بلغني أن المهدي يمكث أربعة عشر سنة ببيت المقدس ، ثم يموت ، ثم يكون من بعده شريف الذكر ، من قوم تُبَّع يقال له منصور ببيت المقدس ، إحدى وعشرين سنة ، خمسة عشر منها عدل وثلاث سنين جور ، وثلاث سنين منها حرمان الأموال ، لا يعطي أحداً درهماً » .
وفي معارج الوصول للزرندي الشافعي / 198 : « وعن كعب قال : يموت المهدي موتاً ثم يلي الناس بعده رجل من أهل بيته ، فيه خير وشر ، وشره أكثر من خيره ، يُغضب الناس يدعوهم إلى الفرقة بعد الجماعة ، بقاؤه قليل ، يثور به رجل من أهل بيته يقتله ويقتل الناس بعده قتلاً شديداً . وبقاء الذي قتله بعده قليل ، ثم يموت موتاً ويليهم رجل من مضر من الشرق ، يُكفر الناس ويخرجهم من دينهم » ! انتهى .
فانظر كيف وجَّه كعب طعنته إلى قلب عقيدة الإسلام بدولة العدل الإلهي وإنهاء الظلم ! فجعلها لعبةً ، ونسب إلى الله تعالى أن المهدي عليه السلام يقتل ويعود الظلم ! ثم لاحظ كيف قبل ابن عمر وابن عمرو وابن منبه والزهري ، أفكار كعب ونشروها ، ولم يسألوا من أين جاء علم الغيب إلى كعب ، إلا من أمنيات اليهود ؟ !
13 - زعم كعب أن اليهود سيفتحون القسطنطينية !
من عجائب ما رواه مسلم النيسابوري : 8 / 187 عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال : « سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق ، فإذا جاؤها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم ، قالوا : لا إله إلا الله والله أكبر ، فيسقط أحد جانبيها . قال ثور : لا أعلمه إلا قال : الذي في البحر ، ثم يقولوا الثانية : لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر ثم يقولوا الثالثة : لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا فبينما هم يقتسمون المغانم ، إذ جاءهم الصريخ فقال : إن الدجال قد خرج فيتركون كل شئ ويرجعون » .
ورواه الحاكم : 4 / 476 ، والبغوي : 3 / 482 ، من صحاحه ، وجامع الأصول : 11 / 75 ، وتذكرة القرطبي / 707 .
وقال النووي في شرح مسلم : 18 / 43 : « قال القاضي : كذا هو في جميع أصول صحيح مسلم « من بني إسحاق » قال بعضهم : المعروف المحفوظ من بنى إسماعيل وهو الذي يدل عليه الحديث وسياقه ، لأنه إنما أراد العرب وهذه المدينة هي القسطنطينية » . انتهى .
أقول : سمع كعب أن المهدي عليه السلام يفتح مدينة غربية بالتكبير ، وقال بعض الرواة : إنها القسطنطينية ، وكان المسلمون يتحفزون لفتحها ، فنسب كعب فتحها إلى قومه . وعلَّمَ كعب ذلك لأبي هريرة فجعله حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله ، كما سترى !
14 - كعب يخوِّف المسلمين بالدجال إن فتحوا القسطنطينية !
أوردنا في المجلد الثالث من جواهر التاريخ رد الإمام زين العابدين والإمام الباقر عليه السلام على افتراء كعب بأن قبلة اليهود صخرة بيت المقدس أفضل من الكعبة ، وأوردنا في المجلد الثاني في فصل الذين قتلهم معاوية ، سخرية رشيد الهجري ومحمد بن أبي حذيفة رحمهما الله من كعب وتنبؤاته ! راجع تدوين القرآن / 429 .
وقد وجد كعب أن الدجال حقلٌ حيويٌّ لأكاذيبه ، فبث سمومه في نفوس المسلمين ، وأقنعهم بأن هذه الأمة ستنتهي قريباً ! وأقنع عمر بذلك ، وأن الكعبة ستهدم ومكة تخرب ، فلا تَعمر بعدها أبداً ! وتحوَّل هذيانه بأيدي تلاميذه إلى أحاديث نبوية ! قال ابن حماد : 2 / 529 : « عن كعب قال : يفتتحون القسطنطينية ، فيأتيهم خبر الدجال فيخرجون إلى الشام فيجدونه لم يخرج ، ثم قلَّ ما يلبثُ حتى يخرج » . وفي : 2 / 522 : عن كعب قال : « يأتيهم الخبر وهم يقسمون غنائمهم إن الدجال قد خرج ، وإنما هو كذب ، فخذوا ما استطعتم ، فإنكم تمكثون ست سنين ، ثم يخرج في السابعة » . وفي / 147 ، عن كعب قال : « لا يخرج الدجال حتى تفتح القسطنطينية » .
وروى الحاكم : 4 / 462 ، عن كعب : « الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب أرمينية ، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة ، والكوفة آمنة من الخراب حتى تخرب مصر ، ولا تكون الملحمة حتى تخرب الكوفة ، ولا تفتح مدينة الكفر حتى تكون الملحمة ، ولا يخرج الدجال حتى تفتح مدينة الكفر » .
وروى ابن حماد : 2 / 548 ، عن ابن عمر قال : « ملاحم الناس خمس : فثنتان قد مضتا وثلاث في هذه الأمة : ملحمة الترك وملحمة الروم وملحمة الدجال . ليس بعد ملحمة الدجال ملحمة » .
وفي : 2 / 161 ، عن كعب : « بينما هم يقتسمون غنائم القسطنطينية ، إذ يأتيهم خبر الدجال فيرفضون ما في أيديهم ثم يقبلون فيلحقون ببيت المقدس ، فيصلي خلف من يلي أمر المسلمين ، ثم يوحي الله تعالى إلى عيسى بن مريم أن يسير إلى يأجوج ومأجوج ، ثم يرجع إلى بيت المقدس . ثم إن الأرض تخرج زكاتها على ما كانت في أول الدنيا ، ثم يلبث سبعاً ، ثم يبعث الله ريحاً فتقبض أرواح المؤمنين » .
وروى ابن حماد : 2 / 499 ، عن كعب قال : « الملحمة العظمى وخراب القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر ، أو ما شاء الله من ذلك » .
ثم صار كلام كعب هذا قولاً لصحابي ! قال ابن حماد : 2 / 469 ، عن بشير بن عبد الله بن يسار قال : « أخذ عبد الله بن بسر المازني صاحب رسول الله بأذني فقال : يا ابن أخي لعلك تدرك فتح قسطنطينية ، فإياك إن أدركت فتحها أن تترك غنيمتك منها ، فإن بين فتحها وبين خروج الدجال سبع سنين » .
ثم ترقى كلام كعب فصار حديثاً نبوياً « ص 147 و 148 » ! فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر » ! ورواهما أحمد « 4 / 189 » عن عبد الله بن بسر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ، ويخرج مسيح الدجال في السابعة » .
ورواه أحمد : 5 / 234 ، عن معاذ بن جبل ! ومثله تاريخ بخاري : 8 / 431 ، عن بسر . وفي ابن ماجة : 2 / 1370 ، عن معاذ بن جبل ، وابن بسر . وفي سنن أبي داود : 4 / 110 ، كرواية ابن حماد الثالثة ، عن معاذ ، وبرواية أخرى ، وقال : هذا أصح من حديث عيسى . وفي الترمذي : 4 / 509 ، كرواية ابن حماد الثالثة عن معاذ .
وفي البدء والتاريخ : 2 / 185 : « قالوا : وبين فتح القسطنطينية وخروج الدجال سبع سنين ، فبينا هم كذلك إذ جاء الصريخ أن الدجال في داركم ، فيرفضون ما في أيديهم وينفرون إليه » .
وفي الحاكم : 4 / 426 ، كرواية ابن حماد الثالثة ، عن معاذ بن جبل . وفي مصابيح البغوي : 3 / 483 كرواية ابن حماد الثالثة ، من حسانه . وفي الدر المنثور : 6 / 59 ، كرواية ابن حماد الثانية ، وقال : وأخرج أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجة ، وأبو يعلى ، ونعيم بن حماد ، والطبراني ، والبيهقي في البعث ، والضياء المقدسي عن عبد الله بن بسر . وفيه : بين الملحمة وفتح القسطنطينية ست سنين . ثم رواه كرواية ابن حماد الثالثة ، وقال : وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، وابن ماجة .
ومن هذه الخرافات ما رواه مسلم : 8 / 175 عن أبي هريرة : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق ، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافوا قالت الروم : خلوا بيننا وبين الذين سبقوا منا نقاتلهم ، فيقول المسلمون : لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا ، فيقاتلونهم فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً ، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ، ويفتح الثلث لا يفتنون أبداً فيفتحون قسطنطينية ، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون ، إذ صاح فيهم الشيطان أن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل ، فإذا جاءوا الشام خرج حينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فأمهم ، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده ، فيريهم دمه في حربته » .
ومثله ابن حبان : 8 / 286 ، والحاكم : 4 / 482 ، وصححه . وكذا البغوي : 3 / 480 . وقال الحاكم : 4 / 476 ، بعد حديث فتح بني إسحاق : يقال إن هذه المدينة هي القسطنطينية ، وقد صحت الرواية أن فتحها مع قيام الساعة » .
وبذلك صار كذب كعب أحاديث نبوية صحيحة ، روتها المصادر المعتمدة ! فهل رأيت كيف استحمر اليهود رواة الخلافة الأغرار لخدمة مؤامرتهم ؟ ! وكيف قبلت الحكومات هرطقة اليهود إلى يومنا هذا ، ثم لا تجد أحداً منهم يسأل نفسه : لقد فتحت القسطنطينية ومضت سبع سنوات ، وسبعون ، وست مائة سنة ، فأين دجال كعب ، ومهديه ، وقيامته ؟ !
15 - كان كعب بن ماتع يتفنن في تأييد مكذوباته
في فائق الزمخشري : 2 / 185 : قال كعب لأبي عثمان النهدي : « إلى جانبكم جبل مشرف على البصرة يقال له سنام ؟ فقال : نعم ، قال : فهل إلى جانبه ماء كثير السافي ؟ قال : نعم . قال : فإنه أول ماء يرده الدجال من مياه العرب » !
ورواه عنه أبو نعيم في الحلية : 6 / 13 . وروى ابن حماد : 2 / 325 : « أول ما يَرِدُهُ الدجال سنام ، جبل مشرف على البصرة وماء إلى جنبه ، كثير الساف يعني الرمل ، هو أول ما يرده الدجال » !
ثم صار كلامه حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله ! « ابن حماد / 149 »
16 - كعب يرد على رسول الله صلى الله عليه وآله وأتباع الخلافة يطيعونه !
تقدم أن المغيرة بن شعبة سأل النبي صلى الله عليه وآله : « إن الناس يزعمون أن معه الطعام والشراب ، قال : هو أهون على الله تعالى من ذلك » ! لكن كعباً أكد أساطير اليهود وصدقه المسلمون في جبل الثريد ! « ومنه حديث كعب : والدجال يُسَخَّرُ معه جبل ماتعٌ خلاطه ثريد ، أي طويل شاهق » ! « لسان العرب : 8 / 328 ، وغريب ابن قتيبة : 1 / 271 ، ونهاية ابن الأثير : 4 / 293 » . فجعله جبلاً ماتعاً شاهقاً ، ليكفي قبائل العرب ! فالجبل على اسم أبيه ، لأنه كعب بن ماتع !
17 - رد أهل البيت عليه السلام مكذوبات كعب !
قالت مصادرنا إن ظهور المهدي عليه السلام مرحلة جديدة في حياة الناس على الأرض ، تستمر إلى يوم القيامة فلا ظلم بعدها أبداً . وروينا أن الإمام المهدي عليه السلام يملك طويلاً بعدد سنيِّ أهل الكهف ، ثم يرجع النبي صلى الله عليه وآله وبعض الأئمة عليهم السلام ويحكمون . . الخ . فتسلسل الأحداث : ظهور المهدي ثم نزول المسيح عليه السلام ، ثم خروج الدجال في عصرهما والقضاء عليه ، ثم وفاة عيسى ثم المهدي عليه السلام ، وتستمر ودولة العدل إلى يوم القيامة .
فخروج الدجال يكون بعد ظهور المهدي ونزول المسيح عليه السلام . بينما تبنت مصادر السنيين مقولات اليهود التي زعمت أن المسلمين إذا فتحوا القسطنطينية وغلبوا الروم قُتِلَ المهدي عليه السلام ، وخرج الدجال ، ثم نزل المسيح عليه السلام ، ثم ظهرت يأجوج ومأجوج ، ثم قامت القيامة ! فقد جعلوا هذه الأحداث العظيمة المتباعدة متتابعة ، وجمعوها في سبعة أشهر أو سنين ، ثم جعلوها أحاديث نبوية !
ويواجهك في أمر القسطنطينية سؤال عن موقف كعب المريب لمصلحة الروم ؟ ! فبعد هزيمتهم في سورية واتجاه المسلمين إلى فتح القسطنطينية ، جعل كعب فتحها يستوجب خروج الدجال ، وقتل مهدي المسلمين ، وقيام القيامة ، ونهاية العالم ؟ ! إقرأ ما رواه ابن أبي شيبة : 8 / 650 ، عن معاذ بن جبل قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عُمْرَانُ بيت المقدس خرابُ يثرب ، وخرابُ يثرب خروج الملحمة ، وخروجُ الملحمة فتح القسطنطينية ، وفتحُ القسطنطينية خروج الدجال ! ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدَّثه أو منكبيه ، ثم قال : إن هذا هو الحق كما أنك ها هنا ، أو كما أنت قاعد ، يعني معاذاً » !
ومثله أحمد : 5 / 232 و 245 ، وأبو داود : 4 / 110 ، كرواية أحمد الثانية بتفاوت يسير ، والحاكم : 4 / 420 ، وصححه وفيه : ثم ضرب معاذ على منكب عمر بن الخطاب فقال : والله إن ذلك لحق كما أنك جالس ! والبغوي : 3 / 482 ، والدر المنثور : 6 / 60 .
أقول : إن صحت روايتهم عن معاذ ، فهي تدل على أنه من مجموعة المتهوكين تلاميذ الحاخامات ، وممن أخذوا عنهم أحاديث التخويف بالدجال !
واقرأ ما رواه ابن ماجة : 2 / 1370 ، عن عمرو بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لا تقوم الساعة حتى تكون أدنى مسالح المسلمين ببولاء ، ثم قال : يا علي ، يا علي ، يا علي ، قال : بأبي وأمي ، قال : إنكم ستقاتلون بني الأصفر ويقاتلهم الذين من بعدكم ، حتى تخرج إليهم رُوقة الإسلام أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم ، فيفتتحون القسطنطينية بالتسبيح والتكبير ، فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها حتى يقتسموا بالأترسة ، ويأتي آت فيقول : إن المسيح قد خرج في بلادكم ، ألا وهي كذبة ، فالآخذ نادم والتارك نادم » .
وفي فتن ابن حماد : 1 / 55 ، عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « تكون أربع فتن ؛ الأولى يستحل فيها الدم ، والثانية يستحل الدم والمال ، والثالثة يستحل فيها الدم والمال والفرج ، والرابعة الدجال » .
وفي فتن ابن حماد : 2 / 555 : « يخرج الدجال في الفتنة الرابعة ، بقاؤه أربعون سنة » .
وفي فتن ابن حماد : 2 / 517 : « عن كعب قال : كان يقال كلب الساعة الدجال » . أي خروجه ملازم للقيامة كما يلازم الكلب صاحبه ! ولا بد أن يكون كعب ترجم ذلك من تلمودهم ، لأن أحاديث الدجال لم ترد في التوراة ، كما قال ابن حجر .
وقد حذف كعب الأحبار تطبيق قومه اليهود للدجال على نبي الله المسيح عليه السلام ! كما أضاف اليه ظهور المهدي ونزول المسيح عليه السلام وقتالهما للدجال وذلك مداراة للمسلمين ! لكنه في نفس الوقت أدخل مفاهيم يهوديته في عقيدة المهدي والدجال ، مثل أن الدجال عربي ، وأن المهدي لا يحقق هدفه ، بل يُقتل ، وأن الكعبة تُهدم ، ومكة تخرب !
ختاماً ، اتضح لك خطورة أحاديث كعب ، وأنها تحولت إلى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله مع أنه لم يره ! وقد ذكرنا تقديس عمر لكعب ، ثم عثمان بعده ، ثم معاوية ، وكان يتنقل بين المدينة والشام ومصر والقسطنطينية !
وقد بلغ تقديس كعب عند رواة الخلافة أنه يقول ما شاء فيحوله أبو هريرة ، وعبد الله بن عمرو العاص ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن سلام ، ووهب بن منبه ، وغيرهم ، إلى حديث يسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله ، تصديقاً لكعب !
18 - الكذابون قبل الدجال !
روى السنيون أنه يكون قبل الدجال ثلاثون كذاباً ، أو سبعون . ورواية الثلاثين عندهم صحيحة . وورد عندنا أنه يكون في هذه الأمة اثنا عشر إمام هدى ، واثنا عشر إمام ضلال ، وثلاثون كذاباً . والمقصود الدجالون البارزون قبل الدجال الأصلي ، وإلا فهم مئات ! ومنهم بعض رواة أحاديث الدجال !
روى عبد الرزاق : 11 / 392 ، عن أبي بكرة قال : « أكثرَ الناسُ في مسيلمة قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وآله فيه شيئاً ، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله خطيباً فقال : أما بعد ، ففي شأن هذا الدجال الذي قد أكثرتم فيه فإنه كذاب من ثلاثين كذاباً يخرجون بين يدي المسيح ، وإنه ليس من بلد إلا يبلغه رعب المسيح إلا المدينة ، على كل نقب من أنقابها ملكان يذبان عنها رعب المسيح » . انتهى . فهم يعبرون عن الدجال عن لسان النبي صلى الله عليه وآله بالمسيح وهو تعبير كعب واليهود ! ومعنى أنقابها : مداخلها من بين الجبال . وابن حماد : 2 / 551 ، وأحمد : 5 / 41 ، وبخاري : 9 / 75 ، وابن حبان : 8 / 225 ، والحاكم : 4 / 541 ، والزوائد : 7 / 332 .
وروى ابن أبي شيبة : 8 / 665 ، عن عبيد بن عمير الليثي قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً ، كلهم يزعم أنه نبي قبل يوم القيامة » .
ونحوه أحمد : 2 / 95 و 103 ، و 117 و 236 و 312 و 429 و 530 ، وصحيح بخاري : 4 / 243 ، كرواية أحمد الرابعة بتفاوت يسير ، عن عبد الرزاق ، وفي : 9 / 74 ، كرواية أحمد الخامسة ، ورواه في عدة مواضع . ومسلم : 8 / 189 ، كرواية أحمد الرابعة ، وفي ابن أبي شيبه : 8 / 655 ، عن أنس : إن بين يدي الدجال لستاً وسبعين دجالاً . وفي مجمع الزوائد : 7 / 333 ، عن أبي يعلى : نيف وسبعون دجالاً . . .
هذا ، وتزيد أحاديثهم في الدجال على مجلد ! وهي من نوع ما قدمناه ، وأسوأ .
ختام في دابة الأرض ويأجوج ومأجوج
خلط رواة الخلافة أحاديث المهدي عليه السلام بأحاديث الدجال وأحاديث علامات القيامة ، فجعلوها قطعة واحدة !
وكذلك فعلوا بآية دابة الأرض ، ويأجوج ، المذكورتين في القرآن ، فجعلوا وقتهما عند ظهورالمهدي ونزول عيسى عليه السلام . بل زعموا أن عيسى عليه السلام يقاتل الدجال ثم يأجوج ومأجوج ! مع أن وقت دابة الأرض في الرجعة أي بعد ظهور المهدي عليه السلام ، ويأجوج قرب القيامة ! وقد جاءتهم هذه التصورات للمستقبل ، من الإسرائيليات وخيالات كعب !
آية دابة الأرض التي تُكلم الناس !
قال الله تعالى : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ . وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ . إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ . فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ . إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ . وَمَا أَنْتَ بِهَادِى الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ . وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ . وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِى وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ » . سورة النمل : 76 - 85
فالآيات خطاب لليهود ومعهم المعاندون الذين تعمدوا أن لا يسمعوا ولا يَرَوْا حقائق الكون ! فسماهم الله موتى وأمر رسوله صلى الله عليه وآله أن يصرف النظر عنهم ، لأنهم سيبقون هكذا حتى يقع القول عليهم ، ويخرج الله لهم دابة من الأرض تكلمهم !
ولم تحدد الآية وقت هذه الحدث ، فقد يكون قرب القيامة ، وقد يكون قبلها بألوف السنين ، كما أن تعبير : وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ، لم يستعمل في القرآن إلا في دابة الأرض ، واستعمل : حَقَّ القَوْل للقيامة : وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لامْلأنَّ جَهَنَّمَ . « السجدة : 13 » لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ . « يس : 7 » . قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ . « القصص : 62 » .
كما أن كلمة « وقع » استعملت في القرآن لوقوع الرجز « الأعراف 134 » والرجس « الأعراف 71 » ووقوع العذاب الدنيوي « يونس 51 » .
وهذا يقرِّب ما في أحاديثنا من أن دابة الأرض تكون في الرجعة ، وهي مرحلة من الحياة تبدأ بظهورالمهدي عليه السلام ويرجع فيها النبي صلى الله عليه وآله وعدد من الأنبياء والأئمة عليهم السلام إلى الدنيا ، بعضهم زائراً لمدة قصيرة ، وبعضهم يحكم في الأرض مدة . ويدل على ذلك الآية التي تليها فقد نصت على حشرٍ خاص لفئات قبل الحشر العام : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ .
وفي تفسير القمي : 1 / 198 : « عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً . . وسيريكم في آخر الزمان آيات ، منها دابة في الأرض ، والدجال ، ونزول عيسى بن مريم ، وطلوع الشمس من مغربها » .
وقد استعمل تعبير آخر الزمان لفترة كبيرة من عمر الحياة تبدأ من بعثة النبي صلى الله عليه وآله إلى آخر الدنيا . كما أن التسلسل في الرواية جاء من الراوي ، لأن الأئمة عليهم السلام نصوا على أن ظهور المهدي عليه السلام قبل الدجال ودابة الأرض .
وفي الكافي : 1 / 197 ، والبصائر / 199 ، وطبعة / 219 ، عن أبي جعفر عليه السلام أن علياً عليه السلام قال في حديث طويل : « ولقد أعطيتُ الستَّ : علم المنايا والبلايا والوصايا والأنساب وفصل الخطاب . وإني لصاحب الكرَّات ودولة الدول ، وإني لصاحب العصا والميسم ، والدابة التي تكلم الناس » .
وهو نصٌّ على أن علياً عليه السلام يكرُّ أي يرجع إلى الدنيا مع النبي صلى الله عليه وآله ويكون صاحب الدابة أي تأتمر بأمره فتكلم الناس ، والعصا هنا لعلها عصى موسى عليه السلام وقد ورد أنها عصا آدم عليه السلام ، فتكون آية في الرجعة . ويكون المَيْسَم أي الآلة التي تضع علامة على جبهة بعض الكفار ، ومعناه تصنيف الناس الذين لايؤمل صلاحهم في دولة الإمام المهدي عليه السلام ليعرفهم الناس ويحذروا منهم ، لأن الميسم يرافق دابة الأرض والدابة آية للمعاندين من اليهود وأمثالهم ، فلعل الوسم لهم أيضاً .
وقد نصت أحاديث أهل البيت عليهم السلام على أن دابة الأرض من آيات الرجعة ، وليست من آيات القيامة ، قال الله تعالى : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً .
ففي مختصر البصائر / 210 عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن العذاب الأدنى الدابة والدجال .
وفي المحاسن / 236 ، عن عبد الله بن سليمان العامري ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « ما زالت الأرض ولله فيها حجة يعرف الحلال والحرام ويدعو إلى سبيل الله ، ولا تنقطع الحجة من الأرض إلا أربعين يوماً قبل يوم القيامة ، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة ولم يَنْفَع نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل أن ترفع الحجة . وأولئك شرار من خلق الله ، وهم الذين تقوم عليهم القيامة » .
دابة الأرض في مصادر السنيين
تكثر في مصادرهم الإسرائيليات ، وتتشابه عناصر الأسطورة في أحاديثهم في الدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج ! وأول ما تلاحظه أنهم ربطوا دابة الأرض بآية : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً . فقد روى ابن أبي شيبة : 8 / 669 ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل : طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، والدابة » . ومثله أحمد : 2 / 445 ومسلم : 1 / 95 ، وأبو عوانة : 1 / 107 ، والترمذي : 5 / 264 ، وصححه ، وتفسير الطبري : 8 / 76 ، وكثير من مصادرهم .
وفي الطبراني الكبير : 9 / 214 ، عن ابن عمر قال : « التوبة معروضة على ابن آدم إن قبلها ، ما لم يخرج إحدى ثلاث : ما لم تطلع الشمس من مغربها ، أو تخرج الدابة ، أو تخرج يأجوج ومأجوج » .
مع أنهم رووا ما يوافق مذهب أهل البيت عليهم السلام وأن التوبة تبقى مفتوحة ، وصححوه ، لكنهم أعرضوا عنه حباً بأحاديث كعب وتلاميذه ! فقد روى الحاكم : 4 / 485 ، في وصف دابة الأرض : « ثم يخرج الدجال فيأخذ المؤمن منه كهيئة الزكمة ، وتدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالشئ الحنيذ ، وإن التوبة لمفتوحة ، ثم تطلع الشمس من مغربها . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » .
من مبالغاتهم وإسرائيلياتهم في دابة الأرض
1 . في كيفية خروج الدابة : في الطبراني الأوسط : 1 / 98 ، عن عبد الله بن عمرو العاص قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : « إذا طلعت الشمس من مغربها يخر إبليس ساجداً ينادي إلهي مرني أن أسجد لمن شئت فتجتمع إليه زبانيته فيقولون : ياسيدهم ما هذا التضرع ؟ فيقول : إنما سألت ربي أن ينظرني إلى الوقت المعلوم وهذا الوقت المعلوم ، ثم تخرج دابة الأرض من صدع في الصفا فأول خطوة تضعها بأنطاكية ، ثم تأتي إبليس فتلطمه » .
وعلق عليه ابن كثير في تفسيره : 2 / 202 : « حديث غريب جداً وسنده ضعيف ، ولعله من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله يوم اليرموك ! فأما رفعه فمنكر ، والله أعلم » .
وهذا الكلام من ابن كثير يوجب الشك في كل ما رواه عبد الله بن العاص ، لأنه كان عنده حمل بعير أو حملان من كتب حصل من الشام وكان يحدث منها ! وأخطر ما في الأمر أن ابن كثير يقول إن ابن العاص قد يكذب على النبي صلى الله عليه وآله في نسبته اليه ما يرويه من الزاملتين ! ويسري هذا الشك إلى عبد الله بن عمر ، فهو مثله ، بل قد يختلط مع ا بن العاص عندما يقال في السند « عن عبد الله » بدون اسم أبيه !
2 . زعموا أن دابة الأرض تطارد الناس ! روى الطيالسي / 144 ، عن طلحة ، قال : « ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله الدابة فقال : لها ثلاث خرجات من الدهر ، فتخرج في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية يعني مكة ، ثم تكمن زماناً طويلاً ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك ، فيعلو ذكرها أهل البادية ويدخل ذكرها القرية يعني مكة . قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وخيرها وأكرمها المسجد الحرام ، لم يَرُعْهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام ، تنفض عن رأسها التراب فأرفض الناس معها شتى ومعاً ، وثبت عصابة من المؤمنين وعرفوا أنهم لن يعجزوا الله ، فبدأت بهم فجلت وجوههم حتى تجعلها كأنها الكوكب الدري ، وولت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب ، حتى أن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول : يا فلان يا فلان الآن تصلي ! فيقبل عليها فتسِمُه في وجهه ثم تنطلق ، ويشترك الناس في الأموال ويصطحبون في الأمصار يعرف المؤمن من الكافر حتى أن المؤمن يقول : يا كافر إقضني حقي ، وحتى أن الكافر يقول : يا مؤمن إقضني حقي » .
ورواه ابن حماد في : 2 / 666 وبعدها ، بصيغ أخرى وإضافات ، وفيها : فيهريق الأمراء فيها الدماء . وفي تفسير الطبري : « تخرج الدابة من الصفا أول ما يبدو رأسها ملمعة ذات وبر وريش ، لم يدركها طالب ولن يفوتها هارب » والطبراني الكبير : 3 / 193 ، والحاكم : 4 / 484 ، وصححه ، وبسند آخر وصححه على شرط الشيخين ! ونحوه الدر المنثور : 5 / 116 ، وفيه : « ولها عنق مشرف يراها من بالمشرق كما يراها من بالمغرب ، ولها وجه كوجه إنسان ومنقار كمنقار الطير ، ذات وبر وزغب ، معها عصا موسى وخاتم سليمان بن داود ، تنادي بأعلى صوتها : إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ، ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقيل : يا رسول الله وما بعد ؟ قال : هنات وهنات ثم خصب وريف حتى الساعة » .
وفي زهر الفردوس 4 / 64 : قال صلى الله عليه وآله : « مثل أمتي ومثل الدابة التي تخرج كمثل حِيزٍ بُنيَ ورفعت حيطانه وسُدت أبوابه وطُرح فيه من الوحوش كلها ، ثم جئ بالأسد فطرح وسطها فانذعرت وأقبلت إلى النفق تلمسه من كل جانب ، كذلك أمتي عند خروج الدابة لا يفر منها أحد إلا مثلت بين عينيه ، ولها سلطان من ربنا عظيم » .
3 . واخترعوا لها صفات أسطورية : قال ابن حماد : 2 / 665 ، عن الشعبي قال : « دابة الأرض ذات وبر ، تنال رأسها السماء » .
وفي الدر المنثور : 5 / 116 ، عن الشعبي : « إن دابة الأرض ذات وبر تناغي السماء . وعن ابن عباس : الدابة مؤلفة ذات زغب وريش ، فيها من ألوان الدواب كلها » !
وفي التبيان 8 / 119 ، عن ابن عمر : « تخرج حتى يبلغ رأسها الغيم فيراها جميع الخلق » .
وفي تفسير ابن كثير : 3 / 388 ، عن أبي الزبير : « رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن إبل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً ، تخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان ، فلا يبقى مؤمن إلا نكتت في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة حتى يبيض لها وجهه ، ولا يبقى كافر إلا نكتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان ، فتفشو تلك النكتة حتى يسود بها وجهه . وعن أبي هريرة : ما بين قرنيها فرسخ للراكب » .
وفي سنن الداني / 104 ، حديث في عدة صفحات عن حذيفة قال : « قلت : يا رسول الله وما الدابة ؟ قال : ذات وبَر وريش ، عظمها ستون ميلاً ، ليس يدركها طالب ، ولا يفوتها هارب ، تَسِمُ الناس مؤمناً وكافراً ، فأما المؤمن فتترك في وجهه كالكوكب الدري ، وتنكت بين عينيه مؤمن ، وأما الكافر فتكتب بين عينيه نكتة سوداء ، وتكتب بين عينيه كافر » .
وفي تاريخ بخاري : 3 / 316 : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله : « تخرج الدابة فتصرخ ثلاث صرخات » ! وفي الزوائد : 8 / 6 ، عن أحمد : « فَتَسِمُ الناس على خراطيمهم ، ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل البعير فيقول : ممن اشتريته ؟ فيقول : اشتريته من أحد المخطَّمين » . ويفهم منه أن خَطْمَها على الجباه خاص بفئة من الناس ، وهذا يردُّ ما نصوا عليه من أن خطمها شامل . فانظر إلى خيال هؤلاء البدو الكذبة ، كيف اختلط مع الإسرائيليات !
4 . وكذَبوا على النبي صلى الله عليه وآله فقالوا إنه حدد مكان خروجها ، للصحابي بريدة الأسلمي ، فروى عنه أحمد : 5 / 357 ، أنه قال : « ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وآله إلى موضع بالبادية قريباً من مكة فإذا أرض يابسة حولها رمل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : تخرج الدابة من هذا الموضع ، فإذا فِتْرٌ في شبر » !
وفي الدر المنثور : 5 / 117 : أخرج البخاري في تاريخه ، وابن ماجة ، وابن مردويه عن بريدة . . لكن ابن عمرو العاص صاحب الزاملتين جعل مكان خروجها الصفا ، فقال كما في تفسير الطبري : 20 / 10 : « لو شئت لانتعلت بنعليَّ هاتين فلم أمس الأرض قاعداً حتى أقف على الأحجار التي تخرج الدابة من بينها ، ولكأني بها قد خرجت في عقب ركب من الحاج . قال : فما حججت قط إلا خفت أن تخرج بعقبنا » !
وفي ابن حماد : 2 / 662 ، وبعدها ، عن عطاء ، قال : « رأيت عبد الله بن عمرو وكان منزله قريباً من الصفا ، رفع قدمه وهو قائم وقال : لو شئت لم أضعها حتى أضعها على المكان الذي تخرج منه الدابة » !
ثم أبعدها ابن العاص قليلاً عن الصفا وزعم أنها تخرج من مكة من « شعب بالأجياد » ! كما في ابن حماد ، وابن أبي شيبة : 15 / 67 ، ووافقه أبو هريرة : 7 / 2569 .
أما زميله ابن عمر فوافقه على أنها تخرج من الصفا ، وقال إنها لاتكلم الناس ! بل تختمهم في الحج وتنتهي مهمتها ، فترفع قدمها من مكة وتضع أول خطوة لها في أنطاكية وتذهب ! وروى عنه ابن حماد : 2 / 667 ، قال : « ألا أريكم المكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن دابة الأرض تخرج منه ؟ فضرب بعصاه الشق الذي في الصفا » .
وأنت ترى الكذب والهرطقة في هذه الروايات في دابة الأرض والدجال ويأجوج ، حتى لو صححوها على شرط الشيخين وشرط كل الشيوخ ! والعجيب أنهم أكثروا منها وقللوا الرواية في القضايا المصيرية التي سفكت فيها دماء المسلمين ، كالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله !
رواية أن علياً عليه السلام دابة الأرض ورواية نفي ذلك
في الدر المنثور : 5 / 117 : وأخرج ابن أبي حاتم ، عن النزال بن سبرة قال : « قيل لعلي بن أبي طالب : إن ناساً يزعمون أنك دابة الأرض ، فقال : والله إن لدابة الأرض ريشاً وزغباً وما لي ريش ولا زغب ، وإن لها لحافراً وما لي من حافر ، وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثاً ، وما خرج ثلثاها » .
وابن سبرة عثماني الهوى ، ويقصد أن بعض الشيعة في زمن أمير المؤمنين عليه السلام كانوا يقولون إن علياً هو دابة الأرض الموعودة ! وإنه سأل علياً عليه السلام فنفى ذلك ووصف دابة الأرض كما يصفها رواة الخلافة ، وأن طولها أكثر من ميدان تقطعه الفرس السريعة حتى تتعب ، وهو نحو خمسة كيلو مترات !
وقد روت مصادرنا أن معاوية سأل الأصبغ بن نباتة نفس سؤال ابن سبرة ، قال الأصبغ : « قال لي معاوية : يا معشر الشيعة تزعمون أن علياً دابة الأرض ؟ فقلت : نحن نقول ! اليهود تقوله ! قال : فأرسل إلى رأس الجالوت فقال : ويحك تجدون دابة الأرض عندكم ؟ فقال : نعم . فقال : وما هي ؟ فقال : رجل . فقال : أتدري ما اسمه ؟ قال : نعم ، اسمه إيليا ، قال : فالتفت إليَّ فقال : ويحك يا أصبغ ، ما أقرب إيليا من علي » ! « مختصر البصائر / 208 ، تأويل الآيات 1 / 404 » .
ويبدو أن الأمويين كانوا يشيعون ذلك لتشويه صورة علي عليه السلام بسبب أنه صاحب دابة الأرض فجعلوه نفس دابة الأرض ! وقد يكون ذلك تسرب منهم إلى مصادرنا ! ففي رواية تفسير القمي : 2 / 130 : « عن علي عليه السلام وأبي ذر وعمار ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه فحركه برجله ثم قال له : قم يا [ صاحب ] دابة الله ! فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله أيسمي بعضنا بعضاً بهذا الاسم ؟ فقال : لا والله ما هو إلا له خاصة وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه : وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لايُوقِنُونَ ، ثم قال : يا علي إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ، ومعك مَيْسَمٌ تَسِمُ به أعداءك . فقال رجل لأبي عبد الله عليه السلام : إن الناس يقولون هذه الدابة إنما تَكلِمُهم . فقال أبو عبد الله عليه السلام : كلمهم الله في نار جهنم ، إنما هو يُكَلِّمُهم من الكلام ! والدليل على أن هذا في الرجعة قوله : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ؟ !
قال : الآيات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام . فقال الرجل لأبي عبد الله عليه السلام : إن العامة تزعم أن قوله : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ، عنى يوم القيامة ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : أفيحشر الله من كل أمة فوجاً ويدع الباقين ؟ لا ، ولكنه في الرجعة ، وأما آية القيامة فهي : وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً » .
أقول : يحتمل أن يكون أصل الرواية « صاحب دابة الله » ! فسقطت كلمة « صاحب » التي جاءت في رواية الكافي وبصائر الدرجات . وفي مقابلها روى مصدران هما تفسير القمي ومختصر البصائر ، أن دابة الأرض هي علي عليه السلام ! ففي مختصر البصائر / 206 ، عن أبي عبد الله الجدلي قال : « دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : ألا أحدثك ثلاثاً قبل أن يدخل علي وعليك داخل ؟ أنا عبد الله أنا دابة الأرض صدقُها وعدلُها وأخو نبيها ، ألا أخبرك بأنف المهدي وعينه ؟ قال : قلت : نعم ، فضرب بيده إلى صدره فقال : أنا » .
وعن الجدلي أيضاً في / 207 ، قال : « دخلت على علي عليه السلام فقال : أحدثك بسبعة أحاديث إلا أن يدخل علينا داخل ، قال : قلت : إفعل جعلت فداك ، قال : أتعرف أنف المهدي وعينه ؟ قال : قلت : أنت يا أمير المؤمنين . فقال : الدابة وما الدابة ، عدلها وصدقها وموقع بعثها والله مهلك من ظلمها ، وذكر الحديث » .
وفي / 208 ، عن الأصبغ بن نباتة قال : « دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل خبزاً وخلاً وزيتاً فقلت : يا أمير المؤمنين قال الله عز وجل : وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهم دَابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لايُوقِنُونَ ، فما هذه الدابة ؟ قال : هي دابة تأكل خبزاً وخلاً وزيتاً » !
أما رواية تفسير القمي : 2 / 131 ، فهي عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال رجل لعمار بن ياسر : « يا أبا اليقظان آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي وشككتني ، قال عمار : وأي آية هي ؟ قال : قول الله وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهم دَابَّةً مِنَ الأرض الآية ، فأي دابة هي ؟ قال عمار : والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها ، فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل تمراً وزبداً ، فقال له : يا أبا اليقظان هلمَّ ! فجلس عمار وأقبل يأكل معه ، فتعجب الرجل منه ، فلما قام عمار قال له الرجل : سبحان الله يا أبا اليقظان حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتى ترينيها ؟ ! قال عمار : قد أريتكها إن كنت تعقل » .
أقول : القدر المتيقن من الروايات أن علياً عليه السلام صاحب دابة الأرض ، وأنها تخرج في رجعته مع النبي صلى الله عليه وآله ، ولعل أصل القول بأن علياً عليه السلام دابة الأرض جاء من قوله عليه السلام : « وإني لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلم الناس » أي في الرجعة . ولعل الشبهة من قراءة الدابة بالضم مع أنها بالكسر ، عطفٌ على الميسم والعصا .
آيات يأجوج ومأجوج
قال الله تعالى في قصة ذي القرنين : « ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا . حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا . كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا . ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا . حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لايَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً . قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يأجوج وَمأجوج مُفْسِدُونَ فِي الأرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً . قَالَ مَا مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرٌ فَأَعِينُونِى بِقُوَةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً . آتُونِى زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً . فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً . قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّى فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقّاً . وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً . وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً . « الكهف : 89 - 100 » .
والمعنى : أن ذا القرنين رحمه الله الذي بعثه الله في مهمة عالمية ، توجه بوسائله نحو مشرق الشمس فبلغ منطقة فيها قومٌ تحت أشعة الشمس الحارقة ، وقد يكونون يأجوج ومأجوج ، فلم يصنع لهم شيئاً . ثم سار بوسائله حتى وصل إلى منطقة بين السدين ، فوجد قوماً شكوا له هجوم يأجوج ومأجوج عليهم ، فصنع السد لحمايتهم منهم وعرف باسمه « سد ذي القرنين » فعجزت يأجوج عن نقبه أو تسلقه ، وأخبرهم ذو القرنين أن السد رحمة لهم ، وأن الله سيدكه قرب يوم القيامة .
قال تعالى في سياق كلامه عن بعثة الأنبياء عليهم السلام : إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ . وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ . فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ . وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ . حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يأجوج وَمأجوج وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ . وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ . « الأنبياء : 92 - 97 » .
والمعنى : أن الله تعالى أرسل الأنبياء عليهم السلام وأمر الناس أن يهتدوا بهم ويكونوا أمة واحدة ، لكنهم اختلفوا وسلكوا طرق التفرق ، وأنهم سيرجعون إلى الله فيجازيهم . ثم تحدث عز وجل عن القرى التي أهلكها بظلمها ، أي الحضارات الجائرة ، وقال إنه حرَّم عليهم الرجوع !
وتحير المفسرون في هذا الرجوع المحرم ، فقال بعضهم : « ممتنع عليهم أن يرجعوا فيتداركوا ما فاتهم من السعي المشكور والعمل المكتوب المقبول » . « الميزان : 14 / 325 » . وفالصحيح ما قاله أهل البيت عليهم السلام أنه تحريم رجوع المهلكين في الرجعة لا في القيامة . ففي تفسير القمي : 2 / 75 ، بسند صحيح عن الصادق والباقر صلى الله عليه وآله : « كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة » . ثم قال القمي : « فهذه الآية من أعظم الدلالة في الرجعة لأن أحداً من أهل الإسلام لا ينكر أن الناس كلهم يرجعون إلى القيامة ، من هلك ومن لم يهلك » . انتهى .
وتحدثت الآية التالية عن انفتاح يأجوج ومأجوج وانسيابهم في الأرض قرب القيامة ، التي هي الوعد الحق ! ولم تذكر أن يأجوجاً يأتون من جهة السد أو غيره ، ولا أنهم يخوضون قتالاً مع أحد ! ونسجل حولهم ملاحظات :
1 - الظاهر أن يأجوج ومأجوج في مكان آخر غير أرضنا ، ويشير اليه قوله تعالى : « ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ . . » ، فقد يكون هذا السبب وسيلة فضائية ويكون مطلع الشمس الذي وصل اليه في غير الأرض . . الخ .
2 - ورد أن يأجوجاً ليسوا من أبناء آدم عليه السلام ، ففي الكافي : 8 / 220 عن علي عليه السلام قال : « وأجناس بني آدم سبعون جنساً ، والناس ولد آدم ما خلا يأجوج ومأجوج » . وهنا أدخل كعب أنفه فقال : « هم نادرة من ولد آدم ، وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب ، فخلق الله من ذلك الماء والتراب يأجوج ومأجوج ، فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم » . « شرح مسلم : 3 / 98 ، وفتح الباري : 13 / 94 » .
3 - لم تذكر روايات أهل البيت عليهم السلام أي حرب مع يأجوج ومأجوج ، بينما طفحت مصادر السنيين بمعارك خيالية معهم ، بقيادة عيسى بن مريم عليه السلام .
4 - وصف أمير المؤمنين عليه السلام المغول وغزوهم للأمة ، ولم يربطهم بيأجوج أو بالقيامة ، بينما طبقت مصادرأتباع الخلافة يأجوج على المغول ! وقد انتهى المغول ولم تقم القيامة فثبت كذبهم ! ففي مسند أحمد : 5 / 271 : « خطب رسولالله صلى الله عليه وآله وهوعاصب إصبعه من لدغة عقرب فقال : إنكم تقولون لا عدو وإنكم لا تزالون تقاتلون عدواً حتى يأتي يأجوج ومأجوج ، عراض الوجوه صغار العيون شهب الشعاف ، من كل حدب ينسلون ، كأن وجوههم المجان المطرقة » .
الشِّعَاف : جمع شَعْفَة : أعلى الشئ والمعنى صفر الشعور . والمجان المطرَّقة : أي وجوههم مبقعة كترس الحديد المبقع من الطرق . ومثله الفائق : 2 / 204 ، وعنه فتن ابن كثير : 2 / 183 ، وتفسيره : 3 / 205 ، ومجمع الزوائد : 8 / 6 ، وعن الطبراني ، والدر المنثور : 4 / 336 . . الخ .
5 - روى أتباع الخلافة أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر بقرب هلاك العرب وخروج يأجوج ، في أقل من قرن ! ولا شئ من ذلك في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ! ففي صحيح بخاري : 8 / 88 : « استيقظ النبي صلى الله عليه وآله من النوم محمراً وجهه يقول : لا إله إلا الله ، ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب ! فُتِحَ اليوم من رَدْمِ يأجوج ومأجوج مثل هذه ! وعقد سفيان « بأصابعه » تسعين أو مائة . قيل : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث » . ورواه أيضاً في : 4 / 176 وفي : 4 / 109 ، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وكأنها تطبقه على قتل عثمان ، لكن رواه عن أبي هريرة أيضاً وطبقه على غَلَمَة قريش الذين تهلك الأمة بأيديهم !
ومعنى عقد تسعين أو مئة ، أنه رسم دائرة بضم الخنصر والإبهام .
نموذج من مبالغاتهم في يأجوج ومأجوج
أكثرت رواياتهم عن يأجوج ومأجوج غثٌّ ينادي بأنه موضوع ، لكنه صحيح على شرط الشيخ والشيخين والشيوخ ! بينما لا تجد في قضايا الأمة المصيرية كقضية الخلافة ومستقبل الأمة عشر معشارها !
وتقدم من صحيح بخاري : 4 / 167 ، أن رجلاً أخبر النبي أنه رأى السد ووصفه له كأنه البُرْد المحبر ، أي العباءة المخططة فصدقه النبي صلى الله عليه وآله ! ثم عقد بخاري باباً بعنوان : باب قصة يأجوج ومأجوج : 4 / 108 ، وباباً آخربعنوان : باب يأجوج ومأجوج : 8 / 104 ، وروى عنهم في : 5 / 241 ، و : 6 / 175 ، و : 7 / 196 .
وروى أحمد : 2 / 510 ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم ، حتى إذا كان شعاع الشمس قال الذي عليهم : إرجعوا فستحفرون غداً ، فيعودون إليه كأشد ما كان . حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله عز وجل أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : إرجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله ، ويستثني فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه ، ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع وعليها كهيئة الدم فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء ، فيبعث الله عليهم نغفاً في أقفائهم فيقتلهم بها . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن شَكَراً من لحومهم ودمائهم » . والنغف بفتح الغين : دودٌ يظهر في أنوف الجمال . وشَكِرَت الدابة شَكَراً بفتحها : سمنت وكثر لبنها . ونحوه ابن ماجة : 2 / 1364 ، والترمذي : 5 / 313 .
وروى الطبري في تفسيره : 17 / 71 ، عن كعب حديثاً طويلاً جاء فيه : « حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم فإذا كان الليل قالوا نجئ غداً فنخرج فيعيدها الله كما كانت ، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان ، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم أن يقول نجئ غداً فنخرج إن شاء الله ، فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه فيحفرون ثم يخرجون ، فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها ، ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها ، ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون قد كان ههنا مرة ماء ، وتفر الناس منهم فلا يقوم لهم شئ . فيدعو عليهم عيسى بن مريم فيقول : اللهم لا طاقة ولا يَدَينِ لنا بهم فاكفناهم بما شئت ، فيسلط الله عليهم دوداً يقال له النغف فتفرس رقابهم ، ويبعث الله عليهم طيراً فتأخذهم بمناقرها فتلقيهم في البحر ، ويبعث الله عيناً يقال لها الحياة تطهر الأرض منهم وتنبتها ، حتى أن الرمانة ليشبع منها السكن ! قيل : وما السكن يا كعب ؟ قال : أهل البيت ! قال : فبينا الناس كذلك إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده ، فيبعث عيسى طليعة سبع مائة أو بين السبع مائة والثمان مائة حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ريحاً يمانية طيبة فيقبض الله فيها روح كل مؤمن ، ثم يبقى عجاج من الناس يتسافدون كما يتسافد البهائم ، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها حتى تضع ، فمن تكلف بعد قولي هذا شيئاً أو على هذا شيئاً فهو المتكلف » .
ونحوه الحاكم : 4 / 488 ، وصححه على شرط الشيخين ، والدر المنثور : 4 / 250 ، وقال : « وأخرج أحمد ، والترمذي ، وحسنه ، وابن ماجة ، وابن حبان ، والحاكم ، وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي عن أبي هريرة » . وقال في / 252 : « وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن كعب » .
وروى في سنن الداني / 104 ، عن حذيفة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث طويل : « يأجوج أمة ، ومأجوج أمة ، كل أمة أربعمائة ألف أمة ، لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف عين تطرف بين يديه من صلبه . قال : قلت : يا رسول الله صف لنا يأجوج ومأجوج ، قال : هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز الطوال ، وصنف آخر منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومائة ذراع في مائة وعشرين ذراعاً ، وهم الذين لا يقوم لهم الحديد ، وصنف يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى » .
والفردوس : 5 / 441 ، وتهذيب ابن عساكر : 1 / 196 ، ومجمع الزوائد : 8 / 6 ، عن الطبراني في الأوسط . والدر المنثور : 4 / 155 ، عن ابن مردويه ، وفي / 250 ، عن ابن حماد ، وابن مردويه وقال : وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه وابن عدي وابن عساكر وابن النجار ، عن حذيفة قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن يأجوج ومأجوج فقال . . . الخ .
وعلى هذا فقس عشرات من أمثالها .
والنتيجة : أن يأجوج ومأجوج بنص القرآن من علامات الساعة ، ولا علاقة لهما بعلامات الإمام المهدي ولا بنزول المسيح عليه السلام ، وقد تكون الفاصلة بينهما مئات السنين أو ألوفها ! ولا صحة لأساطير بني إسرائيل وبني الخلافة القرشية عنهم . أما دابة الأرض فهي آية لليهود وأمثالهم من المكذبين ، تكون في فترة رجعة النبي صلى الله عليه وآله وأميرالمؤمنين عليه السلام إلى الدنيا ، ويكون هو صاحبها .