علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
إبطال قول مَن زعم أنّ كتابة الحديث مستحدثة.
المؤلف: الشيخ الجليل محمد بن الحسن المعروف بـ(الحر العامليّ).
المصدر: الفوائد الطوسيّة.
الجزء والصفحة: ص 241 ـ 253.
2024-09-29
290
فائدة رقم (57):
قال الشيخ بهاء الدين في شرح الأربعين في الحديث الأول قوله (عليه السلام): مَن حفظ على أمتي أربعين حديثا ممّا يحتاجون إليه في أمر دينهم بعثه الله (عزّ وجلّ) يوم القيامة فقيهًا عالمًا.
ما هذا لفظه: (مَن حفظ) الظاهر انّ المراد الحفظ عن ظهر القلب فإنّه هو المتعارف المعهود في الصدر السالف، فإن مدارهم كان على النقش في الخواطر لا على الرسم في الدفاتر حتى منع بعضهم بعضهم من الاحتجاج بما لم يحفظه الراوي عن ظهر القلب وقد قيل انّ تدوين الحديث من المستحدثات في المائة الثانية من الهجرة ولا يبعد ان يراد بالحفظ الحراسة على الاندراس بما يعم الحفظ من ظهر القلب والكتابة والفعل بين الناس ولو من كتاب وأمثال ذلك. انتهى (1).
وقال الشهيد الثاني في شرح الدراية: اختلفوا في ما تجوز به رواية الحديث فأفرط قوم وفرط آخرون الى ان قال: وامّا من فرّط وشدّد فمنهم من قال: لا حجة فيما رواه الراوي من حفظه وتذكره وهذا المذهب يروى عن مالك وابي حنيفة وبعض الشافعية ومنهم من أجاز الاعتماد على الكتاب بشرط بقائه في يده ولو بإعارة ثقة والا لم يجز الرواية منه لغيبته عنه المجوّزة لتغييره وهو دليل من منع الاعتماد على الكتاب والحق المذهب الوسط وهو جواز الرواية بهما ولكن أعلاها ما اتفق من حفظه ويجوز من كتابه وان خرج من يده مع أمن المتغيّر على الأصح «انتهى».
أقول: للعبارة الأولى فيها غفلة عجيبة جدا وأصلها من علماء العامّة قطعا كما يشعر به العبارة الثانية وصرّح به في غيرها وهو من جملة تمويهاتهم الواهية ومغالطاتهم الواضحة كما ستطلع عليه ان شاء الله ومعلوم انّ أحاديثهم لم تدوّن ولم تكتب الا بعد مائة سنة من الهجرة بل بعض علمائهم ذكر انّ كتابة حديثهم انّما وقعت في آخر المائة الثانية أو بعدها، صرح بذلك ابن ابي العزافر من علماء العامّة فيكف يجوز لعلماء الخاصّة نقل هذه العبارة وقبولها وعدم تقييدها بأحاديث العامّة ولو قيّدت بذلك لخلت عن الفائدة وبالتتبّع يظهر انّ سلفهم لم يكن لهم مزيد اعتناء واهتمام برواية الأحاديث كما كان لسلف الإماميّة وأحاديث العامّة أيضا قليلة جدا بالنسبة إلى أحاديث الخاصة خصوصا في الأحكام الشرعيّة.
وقد صرّح بهذا المعنى الشيخ بهاء الدين في رسالته في دراية الحديث (2) وقبله الشهيد في الذكرى وغيرهما والتتبّع شاهد صدق به وكانت قد كثرت عندهم الأحاديث جدا وما كانوا يرجعون فيها الى نقل الأئمة المعصومين (عليهم السلام) فصارت أخبار آحاد خالية من القرائن ثم جاء المتأخّرون منهم فدوّنوها بعد مدة طويلة واعتذروا للسلف بما ذكره الشيخ بهاء الدين.
وهو عذر غير صحيح منهم وانّما نشأ لحسن ظنّهم بسلفهم مع انّهم كانوا منافقين أو أكثرهم ولو كان الحفظ أوثق من الكتابة لما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بكتابة الوحي وهو معصوم من الخطأ والنسيان وفي الأمّة حينئذ مثل أمير المؤمنين وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) والجميع أيضا معصومون من النسيان، والقرآن قليل جدا بالنسبة إلى الأحاديث التي لا تكاد تحصى كيف وفي كل أسبوع كان يتجدّد منها أضعاف القرآن غالبًا.
وقال ابن شهرآشوب في معالم العلماء (3): الصحيح انّ أول من صنّف في الإسلام أمير المؤمنين (عليه السلام) جمع كتاب الله ثم سلمان الفارسي ثم أبو ذر الغفاري ثم الأصبغ بن نباتة ثم عبد الله بن أبي رافع ثم الصحيفة الكاملة عن زين العابدين (عليه السلام) «انتهى».
وقد تواتر النص بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) بكتابة جميع التنزيل والتأويل بل بكتابة جميع السنّة وما ألقاه إليه من الأحاديث والأحكام الشرعيّة بل بكتابة ما كان وما يكون الى يوم القيامة وأمره أن يكتب ذلك لشركائه فقال: من شركائي؟ قال: الأئمّة من ولدك مع عصمتهم وكتاب علي (عليه السلام) ومصحف فاطمة (عليها السلام) والخبر والجامعة وصحيفة الفرائض وغير ذلك ممّا كتبه علي (عليه السلام) بيده وأملاه عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكثر من أن يحصى وأشهر من أن يخفى قد تجاوز النص به حد التواتر.
وحديث اللوح الذي نزل من السماء مكتوبًا فاخده جابر من يد فاطمة وكتبه وهو مشتمل على أسماء الأئمة (عليهم السلام) وأحوالهم والنص عليهم وكتابة الأئمة (عليهم السلام) له ومقابلة الباقر (عليه السلام) له مع جابر لا يمكن إنكاره ولا الشك فيه وكتاب سلمان مشهور في الأخبار مذكور في الآثار ومصحف ابن مسعود ورواياته المدوّنة مشهورة أيضا لا تنكر، وكتب ابن عباس التي ألّفها وكتبها ودوّنها في التفسير وغيره كثيرة مشهورة بين العلماء إلى الآن مرويّة بالطرق الكثيرة.
وهذا كتاب سليم بن قيس الهلالي الذي صنّفه في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) وكتبه وعرضه على الأئمة (عليهم السلام) مشهور معروف مذكور في كتب الرجال موجود إلى الآن وعندنا منه نسختان ونسخته كثيرة متعدّدة في أصفهان وقم وقزوين وكاشان وجبل عامل وغير ذلك.
وهذا كتاب ابن أبي رافع مذكور في كتب الرجال وهو كتاب كبير من أوّل الفقه الى آخره ومصنّفه من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وهذه عهود النبي (صلى الله عليه وآله) قد كتبت في زمانه بأمره لعمّاله ليعملوا بها هم وأهل ذلك الزمان ومن بعدهم وهي مرويّة في كتب الأخبار والآثار.
وهذه كتب النبي (صلى الله عليه وآله) التي كتبت في زمانه بأمره مشهورة مرويّة وهذه عهود أمير المؤمنين والحسنين وسائر الأئمة (عليهم السلام) التي كتبوها بخطوطهم وبأمرهم وكذلك كتبهم ووصاياهم، ورسائلهم وجوابات مسائلهم المدوّنة مرويّة في الكتب المعتمدة كما تضمّنه نهج البلاغة في باب مفرد طويل جدا.
وكتاب الاحتجاج وكتاب الرسائل للكليني وغير ذلك وهذه الكتب المؤلفة في زمان الأئمة (عليهم السلام) بأمرهم المعروضة عليهم صحّحوها وأثنوا على مصنّفيها وأمروا بالعمل بها كثيرة مذكورة في كتب الرجال يطول الكلام بذكرها وتفصيلها.
وهذه الأصول الأربعمائة التي كتبت وصنّفت في زمان الأئمة (عليهم السلام) أشهر من أن يخفى.
وقال النجاشي في أول كتاب الرجال ذكر الطبقة الأولى: أبو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) اسمه أسلم كان للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي (صلى الله عليه وآله) فلمّا بشّره بإسلام العباس أعتقه الى ان قال: وكان من خيار الشيعة وابناه عبيد الله وعلي كاتبا أمير المؤمنين (عليه السلام) «انتهى» (4).
ومعلوم انّ كل ما كتباه بأمره (عليه السلام) كان من الحديث وهذا من الصحابة.
ثم قال النجاشي: ولأبي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا وذكر سنده إلى رواية الكتاب عن أبي رافع (عن علي بن أبي رافع) عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) انّه كان إذا صلّى قال في أول الصلاة... ثم ذكر الكتاب بابًا بابًا الصلاة والصيام والحج والقضايا « انتهى ».
ثم قال النجاشي ولابن أبي رافع كتاب آخر وهو علي بن ابى رافع تابعي من خيار الشيعة كانت له صحبة من أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان كاتبا له وحفظ كثيرا وجمع كتابا في فنون من الفقه، الوضوء والصلاة وسائر الأبواب ثم ذكر سنده إلى رواية الكتاب. ثم قال: ربيعة بن سميع روى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) له كتاب في زكوات النعم ثم ذكر سنده إلى رواية ذلك الكتاب. ثم قال: سليم بن قيس الهلالي له كتاب ثم ذكر سنده إلى رواية ذلك الكتاب. ثم قال: الأصبغ بن نباتة كان من خاصّة أمير المؤمنين (عليه السلام) روى عهد الأشتر ووصيّته الى ابنه ثم ذكر سنده الى روايتهما. ثم قال: عبد الله بن الحر الجعفي الفارس الفاتك الشاعر له نسخة يرويها عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
ثم ذكر ابان بن تغلب وانّه روى عن علي بن الحسين وله كتب منها تفسير غريب القرآن وكتاب الفضائل وغير ذلك، ثم ذكر انّه روى ثلاثين الف حديث.
وقال الشيخ الأجل محمد بن شهرآشوب في كتاب معالم العلماء (5) نقلا عن المفيد انّه قال: صنّف الإماميّة في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى عهد أبي محمد الحسن العسكري أربعمائة كتاب يسمّى الأصول فهذا معنى قولهم: له أصل.
وقال المحقّق في المعتبر: روى عن الصادق (عليه السلام) من الرجال ما يقارب أربعة آلاف رجل الى أن قال حتّى كتبت من أجوبة مسائله أربعمائة مصنّف لأربعمائة مصنّف سمّوها أصولا «انتهى» (6).
ولا منافاة بين العبارتين «إذ» لا مانع من الجميع بل ينبغي الجزم به بل بأكثر منه فإنّ كثيرًا من الرواة صنّف ثلاثين كتابًا وبعضهم مائة كتاب وبعضهم ألّف كتاب وهو يونس بن عبد الرحمن فإنّه صنّف ألف كتاب في الرد على العامّة وثلاثين كتابًا في غير ذلك.
وقد روى حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي عن مشايخه ألف كتاب من كتب الحديث كما ذكروه.
وتضمّن كتاب الرجال لميرزا محمد بن على الأسترآبادي ستة آلاف وستمائة كتاب وزيادة من مؤلّفات علماء الإماميّة وروايتهم ولعلّ أكثرها قد صنّف في المائة الأولى ولا ريب انّ هذه الثمانمائة كتاب المذكورة في العبارتين أكثرها قد كتب وصنّف في المائة الأولى والأحاديث الدالة على الأمر بكتابة الحديث والقرآن أكثر من أن تحصى قد تجاوزت حد التواتر فلو كان مرجوحًا وغيره أوثق منه لتعيّن الأمر بالراجح والنهي عن المرجوح ولا يوجد ذلك أصلاً.
وهذه أدعية الصحيفة الكاملة وكتابة الباقر (عليه السلام) لها بإملاء أبيه (عليه السلام) إيّاها وكتابة زيد بن علي لها بإملاء أبيه مشهورة متواترة ومقابلتها مذكورة مرويّة وهذا حديث بلال رواه الصدوق رئيس المحدّثين في كتاب من لا يحضره الفقيه (7) وفي كتاب الأمالي وغيرهما في فضل الأذان ووصف الجنّة وغير ذلك وهو طويل كتبه عبد الله بن على بإملاء بلال وهو من الصحابة والحديث مشتمل على أحاديث كثيرة.
والكتب التي كانت عند أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفعها عند موته الى الحسن (عليه السلام) ثم دفعها الى الحسين (عليه السلام) ثم أودعها الحسين عند أم سلمة لمّا توجّه الى كربلاء وخاف ان يقتل وتقع الكتب في يد الأعداء أو تيقّن ذلك فلمّا رجع علي بن الحسين (عليهما السلام) دفعتها اليه ثم دفعها إمام الى إمام. وردت لها الأخبار والآثار التي لا تدفع وكانت كلّها من الأحاديث المكتوبة في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) وما قاربه (8).
وقال الصدوق في أول كتاب إكمال الدين: انّ الأئمّة (عليه السلام) قد أخبروا بالغيبة ووصفوها لشيعتهم واستحفظ في الصحف ودوّن في الكتب المؤلّفة من قبل ان تقع الغيبة بمئتي سنة أو أقل أو أكثر فليس أحد من أتباع الأئمّة الا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنّفاته وهي الكتب التي تعرف بالأصول المدوّنة مستحفظة عند شيعة آل محمد (عليهم السلام) قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين «انتهى» (9).
ومعلوم انّ الغيبة كانت سنة مأتين وستين فظهر انّ الكتب المشار إليها كلّها أو أكثرها قد كتب في المئة الأولى وكلّها كانت من الأحاديث.
وروى الطبرسي في الاحتجاج عن أمير المؤمنين انّه لمّا افتتح البصرة اجتمع الناس عليه ومنهم الحسن البصري ومعه الألواح فكان كلّما لفظ أمير المؤمنين (عليه السلام) بكلمة كتبها.. الحديث (10).
وانظر الى باب ما عند الأئمة (عليهم السلام) من الكتب في الأصول في أصول الكافي والى باب فضل الكتابة والتمسّك بالكتب وغيرهما من أبواب الكتاب الكافي فإنّه كافٍ في ذلك فكيف إذا انضم الى غيره من كتب الحديث والرجال.
ولو أطلقنا عنان القلم في هذا المجال لأكثر وأطال وأورث الملال وأعقب الكلام بما كتب وقال ولم يقدر على استيفاء المقام والمقال فلا تفتر بأمثال هذا الكلام الذي أصله من العامّة ونقله بعض المتأخّرين من الخاصّة على وجه الغفلة فلا تظن انّ كتابة الحديث ومقابلته لم يقعا في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) وما قاربه ولا تظن انّ الحفظ عن ظهر القلب أوثق من الكتابة بل الأمر بالعكس والوجدان شاهد به فإنّ النسيان كالطبيعة الثانية للإنسان والنص المتواتر دال على انّ الكتابة أوثق من الحفظ، وانّه ينبغي كتابة الحديث وانّه يعتمد على الكتابة بعد التصحيح والمقابلة ولنتبرّك بإيراد شيء يسير من الأحاديث المشار إليها.
روى الشيخ الجليل ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني في الكافي بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: القلب يتّكل على الكتابة (11).
وعن ابي عبد الله (عليه السلام): اكتبوا فإنّكم لا تحفظون حتّى تكتبوا (12).
وعنه (عليه السلام) قال: احتفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها (13).
وعنه (عليه السلام) قال: اكتب وبثّ علمك في إخوانك فإذا متّ فأورث كتبك بنيك فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون إلا بكتبهم (14).
وعنه (عليه السلام) قال: أعربوا حديثنا فإنّا قوم فصحاء (15).
وعنه (عليه السلام) انّه ذكر حديثا في فضل زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم قال: اكتب هذا الحديث بماء الذهب (16).
وعنه (عليه السلام) في حديث فضل الأئمة (عليهم السلام) الى أن قال: يجب أن يكتب هذا الحديث بماء الذهب (17).
وعن الرضا (عليه السلام) في حديث الكنز الى أن قال: فقلت: جعلت فداك أريد أن أكتبه فضرب يده والله الى الدواة ليضعها بين يدي فتناولت يده فقبّلتها وأخذت الدواة فكتبته(18).
وعن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) انّه قيل له: انّ مشايخنا رووا عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما السلام) وكانت التقيّة شديدة فكتموا كتبهم ولم يرووا عنهم فلمّا ماتوا صارت تلك الكتب إلينا فقال: حدّثوا بها فإنّها حق (19).
وعن حمزة بن الطيّار انّه عرض على أبي عبد الله (عليه السلام) بعض خطب أبيه.. الحديث.
وعن ابن فضال ويونس قالا: عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين (عليه السلام) على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال: هو صحيح (20).
وروى الشيخ الجليل رئيس المحدّثين أبو جعفر بن بابويه في كتاب الأمالي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: المؤمن إذا مات فترك ورقة واحدة عليها علم تكون تلك الورقة يوم القيامة سترًا بينه وبين النار وأعطاه الله تعالى بكلّ حرف مكتوب عليها مدينة أوسع من الدنيا سبع مرات.. الحديث (21).
أقول: والأحاديث في ذلك كثيرة جدًّا اقتصرنا على اثني عشر منها للتبرك.
وينبغي ان نذكر نبذة من الأحاديث الشريفة في التحذير من طريقة العامّة والاغترار بكلامهم وتتبّع كتبهم ونقتصر من ذلك أيضا على اثني عشر حديثًا.
فنقول روى الكليني بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن تسبقكم اليه المرجئة (22).
وعنه (عليه السلام): لا خير فيمن لا يتفقّه من أصحابنا، يا بشير انّ الرجل منهم إذا لم يستغنِ بفقهه احتاج إليهم فإذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم وهو لا يعلم(23).
وعنه (عليه السلام) قال: فليذهب الحكم يمينًا وشمالاً فإنّه فو الله لا يؤخذ العلم الا عند أهل بيت نزل عليهم جبرئيل (24).
وعنه (عليه السلام) قال: أما إنّه شر عليكم أنّ تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا (25).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ليس عند أحد من الناس حق ولا صواب ولا أحد من الناس يقضى بقضاء حق الا ما خرج من عندنا أهل البيت وإذا تشعّبت لهم الأمور كان الخطأ منهم والصواب من علي (عليه السلام) (26).
وروى ابن بابويه في العلل وعيون الأخبار والشيخ في التهذيب عن علي بن أسباط قال: قلت للرضا (عليه السلام): يحدث الأمر لا أجد بدًّا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك قال: ائتِ فقيه البلد فاستفته في أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإنّ الحق فيه (27).
وفي العلل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامّة؟ فقلت: لا أدري. فقال: إنّ عليًّا (عليه السلام) لم يكن يدين الله [بدين] الا خالف عليه الأمّة إلى غيره ارادة لإبطال أمره وكانوا يسألون أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الشيء لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدًّا من عندهم ليلبسوا على الناس(28).
وفي رسالة القطب الراوندي عن ابن بابويه بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما أنتم والله على شيء ممّا هم فيه ولا هم على شيء ممّا أنتم فيه فخالفوهم فما هم من الحنيفيّة على شيء (29).
وعنه (عليه السلام): قال والله ما جعل الله لأحد خيرة في اتباع غيرنا وانّ من وافقنا خالف عدونا ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منّا ولا نحن منهم (30).
وفي عيون الأخبار عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال: من أصغى الى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وإن كان ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان. ثم قال الرضا (عليه السلام): إذا أخذ الناس يمينا وشمالا فالزم طريقتنا وانّه من لزمنا لزمناه ومن فارقنا فارقناه (31).
وفي آخر السرائر عنه (عليه السلام) انّه قيل له: انّا نأتي هؤلاء المخالفين فنستمع منهم الحديث فيكون حجّة لنا عليهم فقال: لا تأتهم ولا تسمع منهم لعنهم الله ولعن مللهم المشركة (32).
وروى الكشي بسنده عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: لا تأخذ دينك عن غير شيعتنا فإنّك إن تعدّيتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم إنّهم ائتمنوا على كتاب الله فحرّفوه وبدّلوه فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكته ولعنة آبائي البررة الكرام ولعنتي ولعنة شيعتي إلى يوم القيامة.
فإن قلت: قد ورد الأمر بترجيح ما خالف مذاهب العامّة من الأحاديث المختلفة فلا بد من الاطلاع على مذاهبهم لأجل ذلك وأيضا فإنّا ننظر في كتبهم ونقبل منها ما يوافق مذهب الإماميّة لا ما يخالفه.
قلت: اللازم بعد التسليم هو النظر في كتبهم لتحقيق مسألة خاصة قد وردت فيها أحاديث مختلفة مع عدم حسن الظن بهم لا مطالعة جميع الكتاب وانّما ننظر مذهبهم بقصد مخالفته لا لأجل الاستفادة من ذلك الكتاب ومع ذلك فإنّ مطالعة كتبهم مفاسدها كثيرة مشاهدة أقلّها حسن الظن بهم فيما لا يعلم انّه موافق للإماميّة أو مخالف لهم كما تقدّمت الإشارة إليه في قولهم (عليهم السلام) فاذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم وهو لا يعلم.
وعنهم (عليهم السلام) انّهم قالوا: احذروا فكم من بدعة زخرفت بآية من كتاب الله ينظر الناظر إليها فيحسبها حقا وهي باطل.
وعنهم (عليهم السلام) انّهم نهوا عن الكلام الذي ليس بمنقول عنهم (عليهم السلام) فقيل لهم: انّا نحتاج الى الكلام لنستدل به على الخصم فقالوا: خاصموهم بما بلغكم من علومنا فإنّ خصموكم فقد خصمونا.
ولا يخفى انّ من صرف برهة من عمره الشريف في مطالعة كتاب لا تنفك عن حسن الظن به وبمصنّفه، فإنّ كل حزب بما لديهم فرحون وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): انّ قلب الحدث كالأرض الخالية ما القى فيها من شيء قبلته (33) وقال الشاعر: أنا في هواها قبل أن أعرف الهوى *** فصادف قلبًا خاليا فتمكّنا
ولنا أيضا مندوحة عن النظر في كتبهم الفقهيّة لأجل المطلب المفروض إذ يمكن أخذ ذلك من كتب الخاصّة، كما تضمّنه التهذيب والاستبصار وكتب العلّامة في الاستدلال ونحوها.
سلّمنا لكن هذا لو تمّ مخصوص بكتب الفروع فالعذر في مطالعة كتب العامّة أعداء الدين في الأصولين والتفسير والحديث وغيرها فقد شاعت مطالعتها وتدريسها واستحسانها وقبول ما فيها وعدم مخالفتها بل بعضهم الآن ربّما ادّعى وجوب تتبعها كفاية حتّى انّ كثيرا منهم الآن يرجّحون كلام العامّة على كلام الخاصّة وربّما رجّحوه على أحاديث الأئمة (عليهم السلام) لشدّة حسن الظن بهم والاغترار بتمويهاتهم وتدقيقاتهم الواهية نسأل الله العفو والعافية.
والاعتذار بأنّا نقبل ما وافق الحق ولا نقبل ممّا خالفه، فيه:
أولاً: انّ ما وافق الحق لا يجوز قبوله من غير أهله فقد ورد عندنا أحاديث متواترة بأنّه لا يجوز أخذ شيء من الأحكام الشرعيّة عن غير أهل العصمة (عليهم السلام) وإذا كنتم تردّون ما خالف الحق فما الداعي إلى مطالعته وصرف الأوقات الشريفة فيه.
وثانيا: انّ دعوى جواز ذلك تحتاج إلى إثبات ودليل معقول. فإنّ المناهي هنا فيها عموم وإطلاق ولا يظهر لها مخصّص ومقيّد يمكن الاعتماد على مثله.
وثالثا: بعد التسليم نقول: تبقّى القسم الثالث الذي لا يعلم موافقته ولا مخالفته وهذا القسم عند التأمّل أكثر من القسمين الأوّلين كما لا يخفى على المنصف هذا والعذر ينبغي ان ينظر صاحبه ويتحقّق انّه يقبل منه يوم القيامة أم لا.
وقد قال بعض العلماء: إيّاك ومعالجة من قوى فساده فإنّه يحيلك الى الفساد قبل أن تحيله الى الصلاح.
وما يدّعى من حديث: خذ الحكمة ولو من أهل الضلال.فيه:
أولا: انّه من روايات العامّة فالاستدلال بها هنا دوريّ.
وثانيا: بعد تسليم سنده نقول انّ له معارضا أقوى منه وما أشرنا إليه سابقا فكيف يرجّح الأضعف على الأقوى.
وثالثا: انّه يمكن كونه مخصوصا بما فيه منافع دنيويّة لا أحكام دينيّة فإنّ الحكيم لا يأمر بأخذ الدين عن أعداء الدين مع ثبوت النهى عن مثله بل مع عدم ثبوته أيضا على انّه لا بد من ثبوت كون المأخوذ حكمه فإذا ثبت بنص الامام والأخذ عنه لا عن العامّة فصار الكلام خاليا عن الفائدة وتخصيصه بالموعظة التي لا تتضمّن شيئا من الأحكام النظريّة ممكن ومن تتبّع كلام أهل العصمة (عليهم السلام) يجد فيه من العلوم والفوائد العقليّة والنقليّة ما يغني عن غيره ولا يجد في غيره ما يغني عنه ولا ريب انّه أحوط وأسلم وأقرب الى النجاة وعلوّ الدرجات والله الهادي.
__________________
(1) الأربعين ص 7.
(2) راجع ص 15 من الوجيزة في الدراية في الخاتمة
(3) ص 1 بعد المقدمة.
(4) النجاشي ص 1 ـ 5
(5) ص 1 بعد المقدمة.
(6) المعتبر ص 4 ط الحجرية القديمة.
(7) ج 1 ص 292.
(8) راجع كتاب الحجة من الكافي.
(9) إكمال الدين ص 19.
(10) الاحتجاج ج 1 ص 251.
(11) ج 1 ص 52 ح 8.
(12) ج 1 ص 52 ح 9.
(13) ج 1 ص 52 ح 10.
(14) الكافي ج 1 ص 52.
(15) ص 52.
(16) الوافي ج 2 ص 208 أبواب الزيارات.
(17) أورده المحدث القمي في سفينة البحار ج 2 ص 469 والمؤلف في الوسائل عن الصفار.
(18) الكافي ج 2 ص 59.
(19) الكافي ج 1 ص 53.
(20) الوسائل ج 3 ص 378.
(21) الأمالي المجلس العاشر ص 38 ح 3.
(22) الكافي ج 6 ص 47.
(23) الكافي ج 1 ص 33.
(24) الكافي ج 1 ص 400.
(25) الوسائل ج 3 ص 376.
(26) الكافي ج 1 ص 399.
(27) عيون الاخبار ج 1 ص 275 علل الشرائع ص 531.
(28) علل الشرائع ج 2 ص 531.
(29) الوسائل ج 3 ص 382 كتاب القضاء ح 35.
(30) الوسائل ج 3 ص 382 كتاب القضاء ح 36.
(31) عيون الاخبار ج 1 ص 304.
(32) السرائر ص 475 بحار الأنوار ج 2 ص 216 أورده في الوسائل أيضا عن الكشي ج 3 ص 387.
(33) نهج البلاغة خطبة 31 وفيه: وانّما قلب الحدث كالأرض الخالية.