الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
العلم وطلب الرئاسة
المؤلف: محمد تقي فلسفي
المصدر: الأفكار والرغبات بين الشيوخ والشباب
الجزء والصفحة: ص 209 ــ 214
2024-09-04
423
أن أولياء الإسلام شجعوا على طلب العلم في أحاديث كثيرة وكرموا الأشخاص العلماء واحترموهم، إلّا أنهم انتقدوا الأشخاص الذين يريدون العلم بهدف (الرئاسة) وتحطيم شخصيات الآخرين.
عن أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام) أنه قال: (من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إلى نفسه ويقول أنا رئيسكم فليتبواً مقعده من النار) (1).
حب الذات لدى أصحاب التفوق:
إن أصحاب التفوق وعشاق الرئاسة، من الناحية النفسية لهم أخلاق خاصة. فهم مغرورون جداً ويعبدون ذواتهم، ولا يهتمون إلّا بأنفسهم، ولا يقيمون وزناً للآخرين، إلّا الأشخاص الذين يساعدونهم لتحقيق آمالهم ويلعبون دوراً في تقوية مقامهم وسلطتهم. وفي الحقيقة يجب القول إنهم في هذه الحالة غير الصادقة، يحبون أنفسهم أيضاً.
(إن الشخص الذي يحب التوفق يكون عنيفاً، جسوراً، يسخر من كل نوع من أنواع المشاعر، ويعتبرها دليلاً على الضعف في الشخصية. ومن مميزاته أنه لا يعير اهتماماً للآخرين ويقول في نفسه: ما شأني كي أفكر بالآخرين، ولذا فهو يفكر في نفسه فقط، وحالة تفكيره تشبه تفكير شخص يسافر في سفينة محطمة في البحر مع شخص آخر، ويفكر كل منهما في قتل صاحبه لكي يتغذى بلحمه للبقاء على قيد الحياة، من وجهة نظر طالب التفوق، إن الذي يبقى على قيد الحياة من هذين الشخصين يكون أقل حمقاً ويسرع في قتل الآخر) (2).
تعديل غريزة التفوق:
للحيلولة دون المفاسد والاختلالات الناشئة عن (حب الذات) و(التفوق)، من الضروري أن يقوم النساء والرجال، الكبار والشباب، بل جميع الأشخاص، في أي مقام كانوا، بإخضاع غريزة حب السيطرة إلى معيار العقل والشرع وتعديلها، والابتعاد عن حب الذات والأوهام، والقبول بحدود القانون والأخلاق، وحصر مشاعر التفوق لديهم في حدود المصلحة الفردية والإجتماعية، وبهذه الصورة تحفظ المجتمعات من أخطار طلب التفوق والحرب والصراعات ويستطيع أعضاء العائلة والمجتمع أن يعيشوا جنباً إلى جنب، وينعموا بالأمن والتفاهم.
الحكومة والعدالة
إذا لم يقم البعض بواجبهم العقلي والديني، وسلكوا طريق العدوان والظلم لنيل التفوق، واعتدوا على حقوق الاخرين وخاصة الضعفاء خلافاً للحق والعدالة لكي يحصلوا عن هذا الطريق على السلطة ويثبتوا تفوقهم، في هذه الحالة (الحكومة) هي مرجع وملجأ المعتدى عليهم ويجب على المظلومين تقديم الشكوى إليها، والاستعانة بسلطة المجتمع الكبرى للتخلص من شر الظالم وعدوانه. والحكومة يجب عليها أن تنصف المظلوم بسرعة وتساعده، وتضع حداً لطالب التفوق، وتحطم قدرته الظالمة، لكي ينعم المظلوم بالأمن والراحة.
وبهذه الطريقة يزول الإختلاف وعدم التفاهم، وتنتهي المفاسد الناتجة عن طلب التفوق وحب الذات، ويمكن لأعضاء العائلة والمجتمع أن يتعايشوا مع بعض، ويبتعدوا عن الصراعات وينعموا بالأمن والتفاهم.
إغاثة اللهفان:
في خبر أنه رجع علي (عليه السلام) إلى داره في وقت القيظ فإذا امرأة قائمة تقول: إن زوجي ظلمني وأخافني وتعدى علي وحلف ليضربني فقال: يا أمة الله اصبري حتى يبرد النهار ثم أذهب معك إن شاء الله، فقال: سيشتد غضبه وحرده علي فطأطأ رأسه ثم رفعه وهو يقول: لا والله أو يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع، أين منزلك؟ فمضى إلى بابه فوقف فقال: السلام عليكم، فخرج شاب فقال علي (عليه السلام): يا عبد الله إتق الله فإنك قد أخفتها وأخرجتها فقال الفتى: وما أنت وذاك؟ والله لأحرقنها لكلامك، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر تستقبلني بالمنكر وتنكر المعروف؟ قال: فأقبل الناس من الطرق يقولون: سلام عليكم يا أمير المؤمنين، فسقط الرجل في يديه فقال: يا أمير المؤمنين أقلني من عثرتي فوالله لأكونن لها أرضاً تطؤني، فأغمد علي سيفه فقال: يا أمة الله ادخلي منزلك ولا تلجئي زوجك إلى مثل هذا وشبهه) (3).
يستفاد من هذه الرواية أن الرجل عندما يريد أن يظهر تفوقه وسيطرته على العائلة فإنه يبدأ بإهانة زوجته، ويتصرف معها بعنف، ويحطم عزة النفس والشخصية لديها، ويهددها بالحرق والضرب، ويجعل من حياتها جحيماً لا يطاق.
والمرأة من جانبها، عندما ترى أعمال زوجها، طالب التفوق، تقلق وتضطرب، وللدفاع عن شرفها وشخصيتها ولحل مشكلتها فإنها تلجأ إلى القانون، وتطلب من رئيس المحكمة المساعدة لإنقاذها لتجد منفذاً تتخلص من خلاله من أسرها وخوفها.
ولحسن الحظ كان حاكم البلاد رجلا عادلاً، وفي أول فرصة ودون إهدار للوقت قام باستحصال حق المرأة، ووقف شخصياً أمام الزوج طالب التفوق، وفي النهاية دعاه إلى إطاعة القانون والعطف على الزوجة وهكذا انتهت تلك الحادثة الخطرة والموحشة بالنسبة للمرأة، ونعم المنزل بنعمة الأمن والراحة.
كيفية تعويض الانكسار:
وهذه المرأة إن لم تتمكن من الوصول إلى الحكومة، أو أن الحكومة لم تقم بإنصافها أو كانت الحكومة ضعيفة لا تملك قدرة العدالة، أو أن الزوج كان هو أحد أعضاء (الهيئة الحاكمة) ويمنع تنفيذ القانون، وفي النتيجة لم تتمكن المرأة من الإستفادة من الحكومة والقانون مقابل الضغوط التي لا تحتمل والتي يفرضها الزوج الطالب للتفوق، فماذا كان سيحصل؟ وكيف يمكنها أن تعوض عما ينزل بها من ظلم؟
إن هذا السؤال يمكن طرحه بالنسبة لهذه المرأة ولكل الناس الضعفاء الذين يتعرضون لعدوان طلاب التفوق والسيطرة ولا يملكون لأنفسهم دفاعاً.
ولكن لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بصراحة وحزم، أولاً لأنه في مثل هذه المواقف لا تكون الأوضاع والأحوال والظروف الزمانية والمكانية واحدة. ثانياً أن نفسية واسلوب تفكير الأشخاص يختلفان عند بعضهم البعض. ولذا يجب القول عند الإجابة: إن الناس في الظروف المختلفة، مع امتلاكهم لأفكار مختلفة، تبدر منهم ردود فعل مختلفة ومتنوعة.
من الممكن أن بعض الأشخاص يتلاءمون مع ذلك الوضع الذليل أو يبدون انسجاماً مع الظروف المذلة والمحقرة، ويخضعون لعدوان طالب التفوق ويمضون العمر في تعاسة وبؤس دون أن تبدر منهم ردود فعل. ولكن أكثر الناس يضيقون ذرعاً بأفعال طالب التفوق ويغضبون، ومن ثم يحقدون عليه، وينظرون إليه نظرات بغيضة، منتظرين الفرصة المناسبة للإنتقام وحل العقدة في نفوسهم وإنقاذ أنفسهم من الظلم الذي أنزله بهم.
دور غريزة التخريب والهجوم
في مثل هذه المواقف تلعب غريزة التخريب والهجوم دوراً مؤثراً جداً. وهذه الغريزة القوية تستيقظ في وجدان طلّاب التفوق المعتدين وكذلك في وجود الضعفاء الذين يتعرضون للعدوان والتحقير، وكل واحد من المجموعتين تقوم الغريزة بتحريكه ضد اعضاء المجموعة الأخرى ومن المحتمل أن تقع خسائر لا يمكن تعويضها. ولتوضيح هذا الموضوع لا بد من تفصيل أكثر حوله.
إن غريزة التخريب والتهاجم هي إحدى الغرائز البشرية، تبدأ مع الإنسان منذ طفولته وتنتهي بنهاية حياته. فالأطفال الذين لا يكونون مقيدين في السنين الأولى من العمر بقيود التربية والأخلاق، فإنهم يقدمون على تصرفات مخربة في سلوكهم وعن هذا الطريق يشبعون هذه الغريزة في نفوسهم.
الاطفال وغريزة التخريب:
(إذا وضعنا أطفالاً في عمر السنة أو السنتين في غرفة واحدة فإننا نلاحظ أن أحدهم يسحب شعر رأس الآخر للعب، ويخطف لعبه دون الإهتمام بردود فعل وتألم سائر الأطفال. هؤلاء الأطفال يمرون بمرحلة تكون فيها غريزة التخريب والهجوم لديهم قوية، وعندما ننظر إلى الأطفال الصغار بصورة دقيقة نراهم يحطمون ألعابهم، ويقتلعون أيديها وأرجلها ويثقبون كراتهم المطاطية، ويحطمون كل ما هو قابل للتحطيم، وكلما اكتسبوا حرية واستقلالاً، وقوة أكثر ازدادت ضرورة مراقبتهم للحيلولة دون إحداث أضرار كبيرة وإصابة أحدهم الآخر أو ضرب الضعفاء منهم.. إننا نقول دائماً، إن هناك نزاعاً وصراعاً في غرفة الأطفال قصدنا من ذلك أن في هذه المرحلة من الحياة تكون غريزة التخريب والهجوم قوية جداً لدى الأطفال، نشاهد مثلها لدى الكبار وقت اشتعال الحرب الحقيقية) (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ مستدرك الوسائل، ج 2، ص 322.
2ـ تناقضاتنا الداخلية، ص 55.
3ـ بحار الأنوار، ج 9، ص 521، (ج 41، ص 57، من الطبعة الجديدة).
4ـ اعجاز التحليل النفسي، ص 12