علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
طرق تحمّل الرواية / الوجادة.
المؤلف: محمد علي صالح المعلّم.
المصدر: أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق.
الجزء والصفحة: ص 247 ـ 259.
2023-12-19
1130
وهي أن يجد الانسان كتابا أو حديثا معلوم النسبة إلى صاحبه أو رواية من دون سماع، أو إجازة، كما هو الحال في العصور المتأخرة.
وقد وقع الخلاف في جواز رواية ذلك، والعمل به، بدون إجازة مع الاتفاق على عدم صحة قول الواجد حدثني فلان، أو قال فلان، مع عدم الاجازة؛ للزوم التدليس.
والأقوال في المقام ثلاثة، فذهب بعض: إلى لزوم الاجازة للرواية والعمل بها (1)، وذهب آخر: الى عدم الحاجة إليها إلا من باب التيمّن والتبرّك (2)، وذهب ثالث: الى الاحتياط كما هو رأي المحدّث النوري (3)، وهناك قول رابع سيأتي.
ولمّا كانت المسألة موردا للابتلاء فهي بحاجة إلى شيء من التفصيل ولذلك نقول:
إنّ الخبر الواصل إلينا إما متواتر أو آحاد، والآحاد إما أن يكون مقترنا بالإجازة الضمنية أو لا.
أما المتواتر والمقترن بالإجازة الضمنية، فلا إشكال في اعتبار الرواية في مقامي التحدث والعمل، لكفاية الاجازة الضمنية في المقامين، وعدم الحاجة الى الاجازة فيما تواتر من الروايات.
وأما غير المقترن بالإجازة فهو مورد الخلاف ومحل الكلام، وفيه أقوال:
الأوّل: ما نسب إلى عدة منهم العلامة الميرزا خليل الطهراني قدس سره من عدم الجواز الا مع الاجازة (4)، وربما يستفاد هذا من كلام الشيخ إبراهيم القطيفي في إجازته لشاه محمود الخليفة، وكذلك لشمس الدين محمد بن التركي، وأيضا يظهر من اجازة المحقق الثاني للمولى عبد العلي الاسترابادي بقوله: وقد استخرت الله تعالى فأجزت له ان يروي جميع ما للرواية فيه مدخل مما يجوز لي وعنّي روايته (5) ـ، وأيضا يظهر من إجازة الشيخ محمد بن مؤذن الجزيني: ... وقد التمس من العبد إجازة متضمنة ما اجيز لي من مشايخي قراءة واجازة لعلمه بان الركن الأعظم في الدراية هو الرواية .. (6)».
الثاني: ما ذهب إليه بعض القدماء من العامة كالشافعي، وأصحابه، وهو المشهور بين الخاصة (7)، من عدم الاحتياج إلى الاجازة إذا وجد الكتاب وعرف صاحبه، فيصح العمل على طبق ما فيه.
الثالث: ما يظهر من كلمات المحدث النوري قدس سره من القول بالاحتياط (8).
الرابع: القول: بأنّ الاجازة أمر مستحب شرعي مؤكد.
وقد استدل لكل من هذه الاقوال بأدلة.
أما دليل القول بالمنع فقد استدل له بالكتاب والسنة والسيرة، فمن الكتاب بالآيات الدالة على المنع عن العمل بالظن (9)، إلا ما خرج بالدليل، كآية النبأ (10) الدالة على حجية خبر العادل، والآيات الناهية شاملة لما نحن فيه؛ لأنّه لا دليل على جواز العمل بما خرج عن الأصل، إلا ما كان متعارفا بين الرواة، وهو المقترن بالإجازة، وأما غير المقترن بها فهو داخل تحت عموم المنع، مضافا إلى أن الرواية إذا لم تكن عن سماع أو قراءة أو إجازة فهي مقطوعة لا يمكن الاستناد إليها في العمل بها، والحكم على طبقها، وتكون حينئذ محكومة بالإرسال، ويؤيد ذلك بما ذكره الشيخ رحمه الله في أول مشيخة التهذيب: ونحن نذكر الطريق الذي يتصل بها الى رواية هذه الاصول والمصنّفات، ونذكرها على غاية الاختصار ليخرج بذلك عن حد المراسيل، ويلحق بباب المسندات الى أن قال: وممّا ذكرته في هذا الكتاب عن محمد بن يعقوب الكليني فقد اخبرنا ـ مع انّ كتاب الكليني كان معلوما عندهم.
ومن السنّة الروايات التي دلت على الارجاع الى الرواة في مقامي القضاء والافتاء، مثل ما ورد في التوقيع المبارك من قوله: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا» (11)، وما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة، من قوله عليه السلام: ينظران إلى من كان منكم ممّن روى حديثنا (12)، وما ورد من قوله صلى الله عليه وآله: اللهم ارحم خلفائي (ثلاثا) الذين يأتون بعدي يروون حديثي (13) »، وغيرها من الروايات الدالة على وجوب الرجوع الى الرواة في القضاء والافتاء (14).
وبناء على ذلك إذا لم يكن الواجد معدودا من الرواة، فلا يمكن الرجوع إليه، ولا يصحّ أن يكون قاضيا أو مفتيا.
وأما السيرة العملية فقد كان ديدن الأصحاب من القديم إلى زماننا على ذلك، فإنهم كانوا يتحملون المشاق ويسافرون الى البلدان النائية لسماع الحديث عن طريق الإجازة، وهكذا كان دأبهم، حتى أنه عدّ من مشايخ الشهيد الأول أربعون شيخا من العامة (15)، وليس ذلك خاصا بعلم الحديث وحده بل يشمل غيره من سائر العلوم، بل ان أمر الاجازة كان متعارفا عليه بين أصحاب الأئمة عليهم السلام، فقد كانوا يستجيزون بعضهم بعضا ويسمعون ويقرؤون، ويشهد على ذلك: الرواية المتقدمة (16) عن احمد بن عمر الحلال، ففي السؤال الوارد في الرواية إشعار بأن الاجازة مما لا بد منها، ولهذا لم يرفض الامام عليهالسلام ذلك بل أجابه بشرط العلم، وأبلغ من ذلك رواية أحمد بن محمد بن عيسى فإنه سافر إلى الكوفة، قال: خرجت إلى الكوفة فلقيت الحسن بن علي الوشاء، فسألته أن يخرج كتاب العلاء بن رزين، وأبان بن عثمان، فأخرجهما إلي فقلت له أحب أن تجيزهما لي.
فقال لي: يرحمك الله، وما عجلتك؟ اذهب فاكتبهما واسمع من بعد (17) فيفهم منها ان الاجازة كانت متعارفة بين أصحاب الأئمة عليهم السلام، فتثبت السيرة بذلك بلا رادع عنها، وذلك كاف في الحجية.
وممّا يؤكد الأمر ما ورد في ترجمة محمد بن سنان، في رواية أيوب بن نوح، ورواية الفضل بن شاذان.
ففي الأولى: عن الكشي، عن حمدويه، أن أيوب بن نوح دفع إليه دفترا فيه روايات محمد بن سنان، وقال: إن شئتم أن تكتبوا فافعلوا فإني كتبت عن محمد بن سنان، ولكن لا أروي لكم عنه شيئا، فإنه قال قبل موته: كلّما حدثتكم به لم يكن لي سماعا ولا رواية وإنما وجدته (18).
وفي الثانية: قال ابن شاذان: لا أحل لكم ان ترووا أحاديث محمد بن سنان عنّي ما دمت حيا، وأذن في الرواية بعد موته (19).
وذلك كله كاشف عن ثبوت السيرة العملية بين الرواة والمحدثين.
ولا بأس بإيراد كلمات بعض الاعلام في المقام:
قال صاحب المعالم: قد كان للسلف الصالح رضوان الله عليهم مزيد اعتناء بشأنه (الحديث) وشدة اهتمام بروايته، وعرفانه، فقام بوظيفته منهم في كل عصر من تلك الأعصار أقوام، بذلوا في رعايته جهدهم، وأكثروا في ملاحظته كدهم ووكدهم، فلله درّهم إذ عرفوا من قدره ما عرفوا، وصرفوا من وجوه الهمم ما صرفوا، ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا حقه، وجهلوا قدره، فاقتصروا من روايته على أدنى مراتبها، وألقوا حبل درايته على غاربها (20).
وقال المحدّث النوري: وهذا الاهتمام والاعتناء وتحمل المشاق، والعتاب على من قنع بالإجازة، دون ما فوقها من المراتب، لمجرد التبرك والتيمن! كالتبرك بغسل الأكفان بماء الفرات، ومسها بالضرائح المقدسة وغيرها، مما لم يرد به نصّ، واتّخذه بعضهم شعارا من دون أن يتفق عليه عوام الناس، فضلا عن العلماء والأعلام، خلاف الانصاف، وهذا الاتفاق العملي والتصريح من البعض إن لم يوجب القطع بالاحتياج وعدم كونه للتيمن، فلا أقل من الظن في مقام إثبات الحجّة المخالفة للأصل، الكافي فيه الشك فيها، فضلا عن الظن بالعدم.
اللهم الا أن يقطع بعدم الحاجة، ولا يخلو مدعيه من الاعوجاج واللجاجة (21).
هذا غاية ما يمكن أن يستدلّ به على لزوم الاجازة كتابا وسنة وسيرة.
ويقابل هذا، القول بعدم لزومها، بل يكفي وقوع الكتاب أو الرواية في أيدينا مع العلم بنسبته الى صاحبه، وتوفر شرائط الرواية من دون الحاجة الى الاجازة لعدم الدليل عليها، بل الدليل على العدم (22) فهنا دعويان:
الأولى: انه لا دليل على لزوم الاجازة.
الثانية: الدليل على عدم اللزوم.
أما الدعوى الاولى: فما أورد من الأدلة في المقام محل نظر، وتفصيل ذلك:
أما آية النبأ فهي مطلقة، والأصل الاولي وإن كان عدم الجواز، إلا أنه خرج عن هذا الأصل خبر العادل، كما هو مسلّم ودليل حجية خبر العادل وهو آية النبأ مطلق غير مقيد بالإجازة، فإذا كان الخبر عن مخبر عادل ترتب عليه الأثر وأخذ به من غير توقف على الاجازة.
وعند الشك في التقييد بالإجازة، يتمسّك بإطلاق الدليل.
وأمّا السنّة وهي روايات القضاء، والافتاء، والارجاع إلى رواة الأحاديث، ففيها:
أولا: أنّ حجيّة الفتوى ليست أمرا تعبديا، وإنّما هي أمر عقلائي من باب الرجوع إلى أهل الخبرة، فتكون هذه الروايات واردة في مقام الارشاد.
ثانيا: على فرض التسليم وأنها تعبديّة الّا ان التحدّث أو النقل ـ كما هو محلّ الكلام ـ غير مأخوذ في الروايات المذكورة.
أمّا رواية من كان من الفقها (23) الخ فواضح إذ لم يؤخذ فيها عنوان التحدث، وأما روايات القضاء، فهي ناظرة إلى القاضي المفروض كونه راويا عن المعصوم عليهالسلام، وليست ناظرة إلى واجد الكتاب أو الرواية فالتقييد موردي، مضافا إلى مشهورة ابي خديجة، وفيها «ولكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا» (24) ولم يؤخذ فيها عنوان الراوي.
وأمّا السيرة العمليّة، فالاهتمام بجمع الروايات وتحمّل المشاق في سبيلها غير قابل للانكار، إلا أن هذه السيرة العملية دليل لبّي لا يمكن التمسك بإطلاقه، فإن الاهتمام قد يكون للإجازة في الرواية، وقد يكون لشيء آخر ككونه من القربات، او غير ذلك، فلا يمكن الجزم بأن اهتمامهم إنما كان لأجل لزوم الاجازة فقط، كما لا يمكن الأخذ بإطلاق السيرة.
وأمّا الدعوى الثانية: فيمكن القول بعدم اعتبار الاجازة لأمور:
الأول: السيرة العقلائيّة الجارية على الأخذ بما في الكتب المعلومة النسبة لأصحابها من دون توقف على الاجازة، وهذه السيرة أقوى من السابقة.
فمن المعلوم أنّه إذا وقع الكتاب في أيديهم، وعلموا بنسبته لصاحبه، عملوا به من دون توقف على إجازة من صاحبه، وإلا لانسد باب العمل بالكتب، وهذه السيرة العقلائية ليست حادثة، بل هي جارية قبل الاسلام، وبعده وإلى زماننا، ومما يؤيد هذه السيرة كلام الشيخ في العدة المتقدم ذكره (25)، وحاصله أنه إذا وقع خلاف بين الأصحاب وأحال أحدهم على أصل أو كتاب فإنهم يسكتون ويقبلون، ولو كانت الاجازة شرطا فكيف يسكت الاصحاب عن ذلك؟
والمستفاد من هذا أنّ الاهتمام بالإجازة، إنّما هو لأمر آخر لا لتوقّف العمل بما في الكتب عليها، مضافا الى انّه يمكن استظهار ذلك من بعض الروايات، فتكون دليلا على المدعى، فمن ذلك: ما رواه أحمد بن محمد بن الحسن بن أبي خالد شنبوله قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليهالسلام: جعلت فداك، إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم يرو عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا. فقال: حدّثوا بها فإنّها حق (26).
ومن ذلك الرواية التي ذكرناها سابقا عن أحمد بن عمر الحلال قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب، ولا يقول اروه عنّي، يجوز لي أن أرويه عنه؟ فقال: إذا علمت انّ الكتاب له فاروه عنه (27).
ومنه أيضا ما ذكره الشيخ في الغيبة من رواية السؤال عن كتب ابن أبي العزاقر، وعن كتب بني فضال، وكان جواب الامام عليهالسلام: «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا» (28)، فهذه الكتب معلومة انها لهؤلاء الأشخاص، وحسب الفرض أن بني فضال ثقاة.
ومن ذلك أيضا رواية السؤال عن كتاب يونس بن عبد الرحمن، فعن عبد الله بن جعفر الحميري قال: قال لنا أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري رحمه الله: عرضت على أبي محمد صاحب العسكر عليه السلام، كتاب يوم وليلة ليونس فقال لي: تصنيف من هذا؟
فقلت: تصنيف يونس مولى آل يقطين. فقال: اعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة (29) والروايات في هذا المعنى كثيرة (30).
وكذلك يمكن الاستدلال بروايات أخر، كالروايات الآمرة بالكتابة كما في رواية المفضل بن عمر، قال: قال لي ابو عبد الله عليه السلام: اكتب وبثّ في إخوانك (31) وغيرها من الروايات.
والحاصل انّ المعيار هو العلم بنسبة الكتاب الى صاحبه، وصحة الرواية فلا يعتبر في حجية العمل بها اشتراط الاجازة.
وأما قول المحدث النوري الذي يرى أن الاجازة مقتضى الاحتياط، فلم يظهر له وجه معتبر، وقد نقل المحدث النوري عن بعض العلماء قال: كنت حاضرا في محفل شيخنا الاعظم الانصاري قدس سره، فسأله الفقيه الشيخ مهدي النجفي سبط كاشف الغطاء قال ما معناه: إنّه بلغني أنّ جنابك تحتاط بثلاث تسبيحات كبرى في الركوع والسجود فما وجهه؟ فقال: أنت أدركت أباك الشيخ علي؟ قال: نعم، قال: كيف يصلي؟ قال: بثلاث تسبيحات كبرى، قال: أدركت عمك الشيخ موسى؟ قال: نعم، قال: كيف كان يصلي؟ قال: بالثلاث، قال: أدركت عمك الشيخ حسن؟ قال: نعم، قال: كيف يصلي؟ فإجابه بمثل ذلك. فقال: يكفي في مقام الاحتياط مواظبة ثلاثة من الفقهاء في العمل.
وممّا يستغرب من جملة من الأعلام في هذه الاعصار أنّهم يحتاطون في كثير من الفروع الجزئيّة، لشبهة ضعيفة كمخالفة قليل، مع عدم ظهور دليل، بل قيام الدليل المعتبر على خلافه، ولا يحتاطون في أخذ الاجازة والدخول في عنوان الراوي، كما دخله كل من تقدم علينا حتى من صرح بكونه للتبرك، لما مرّ ويأتي من الشبهات، مع أنه في تركه مع احتمال الاحتياج إليه يهدم اساس فقهه من الطهارة إلى الديات» (32).
والحق في المقام هو القول الرابع، فإن الاجازة من المستحبات الأكيدة التي لها شأن عظيم، إلا أنها ليست على نحو المستحبات المتعارفة، بل هي فوق ذلك لأمور:
الأول: أنّ في الاجازة تعظيما وتجليلا لشعائر الله تعالى، إذ الاهتمام بشأن أحاديث المعصومين عليهم السلام، من أعظم الشعائر.
الثاني: انّ الاجازة موجبة لاتصال السند بالأئمة المعصومين عليهم السلام، ومنهم إلى النبي الاعظم صلى الله عليه وآله، ومنه إلى الله جل جلاله، وشأن هذا المعنى لا ينكر، وأهميته لا تخفى.
ويعلم هذا من الروايات الكثيرة الواردة بعنوان «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي إلى قوله وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله قول الله عزوجل» (33) وبعنوان كل ما اقول من الأحاديث فهو عن هذا الطريق (34).
فدخول الشخص في سند هكذا سلسلته أمر مطلوب ومحبوب بلا إشكال.
الثالث: ان الاجازة تقتضي الحفاظ على الروايات من التصحيف، والضياع، والنسيان، فقد يكون الكتاب معلوما في زمن، ثم يفقد لسبب أو لآخر كما في بعض الكتب التي ادعي انّها كانت مشهورة معروفة في زمن سابق، ثم أصبحت وليس لها ذكر، فتحمل الرواية عن طريق الاجازة حفظ لهذه الروايات عن الاندراس.
ومما يؤيد ما ذكرنا ما يستفاد من الروايات الكثيرة الدالة على هذا المعنى مثل «اعرفوا ـ ارفعوا ـ منازل شيعتنا بمقدار روايتهم عنا» (35).
فمن مجموع هذه الامور يقوى القول بأنّ الاجازة أمر مرغوب في نفسه، ومستحب مؤكد، وليست الاجازة لمجرد التيمن والتبرك، كما أنها ليست على نحو اللزوم.
والحاصل أن للإجازة فوائد تترتّب عليها، كاتصال الطريق إلى الروايات والكتب وأصحابها، كما أنها تكون خلاصة للسماع والقراءة، وان كانت أدنى رتبة منهما لإجمالها وتفصيلهما، إلا أنّ فائدتها لا تقصر عنهما، وبواسطتها يمكن الاستناد إلى شخص الراوي وصاحب الكتاب لا بدونها.
كما أنّ الاجازة بمنزلة التصحيح فيما إذا كان متعلقها معلوما لكونها ليست إذنا مطلقا، بل فيما إذا كان المجيز ملتفتا إلى الرواية من حيث خلوها عن التصحيف، والخطأ، والتحريف، ونحو ذلك، وبناء عليه تترتب بعض الاحكام المتعلقة بالإجازة وهي:
1 ـ إنّ الكتاب إذا كان مشهورا أو الرواية إذا كانت متواترة فلا حاجة إلى ذكر التصحيف، والتصحيح في الاجازة.
2 ـ في حالة عدم شهرة الكتاب أو تواتر الرواية، فمع تعدد النسخ لا بدّ من تعيين النسخة المجازة، والا فلا فائدة فيها إذ الاجازة حينئذ بمنزلة الاذن المطلق، ولا أثر يترتب عليه.
3 ـ تظهر فائدة الاجازة في الروايات والكتب الروائية، أما غيرها من كتب التاريخ واللغة والحكمة وغيرها وإن اجراها بعضهم (36) فيها إلا أنّه إلحاق لها بالرواية والأصل عدمه، وتظهر الثمرة في حالتي التصحيح والتصحيف، إذ المجيز يتكفل بخلو الرواية أو الكتاب عن التصحيف والخطأ، فإن قلنا بشمولها لغير الكتب الروائية فكذلك، وإلا فلا والذي يهمنا في المقام هي الكتب الروائية المتعلقة بمدارك الأحكام الشرعية إذ هي محلّ البحث والكلام.
ونظرا لأهمية الاجازة، وما اخترناه في المقام من استحبابها المؤكد استجزنا عدة من الأساتذة الأعلام، نخص بالذكر: السيد الاستاذ قدس سره فإنه شرّفنا بإجازة رواية الكتب الأربعة، وغيرها من الكتب الروائية، بطرقه المذكورة في المعجم عن مشايخه المتصلة بالأئمة عليهم السلام. وبهذا ينتهي الكلام عن الاجازة وأهميتها وأثرها وهو تمام البحث عن طرق تحمل الرواية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مستدرك الوسائل ج 2 الطبعة القديمة ص 374.
(2) ن. ص 373.
(3) ن. ص 377.
(4) مستدرك الوسائل ج 3 الطبعة القديمة ص 374.
(5) البحار ج 108 ص 65 المطبعة الاسلامية.
(6) ن. ص 35.
(7) مقياس الهداية في علم الدراية ج 3 الطبعة الاولى المحققة ص 168.
(8) مستدرك الوسائل ج 3 الطبعة القديمة ص 337.
(9) يونس آية 36، والحجرات آية 12، النجم آية 28.
(10) الحجرات آية 6.
(11) وسائل الشيعة ج 18 باب 11 من ابواب صفات القاضي ص 101 ح 9.
(12) الكافي ج 1 باب فضل العلم ص 67 ح 10.
(13) وسائل الشيعة ج 18 باب 11 من ابواب صفات القاضي ص 101 ح 7.
(14) جامع أحاديث الشيعة ج 1 المطبعة العلمية 1399 ص 224 وما بعدها.
(15) مستدرك الوسائل ج 3 الطبعة القديمة ص 437.
(16) تقدم ذكرها في ص 172 من هذا الكتاب.
(17) رجال النجاشي ج 1 الطبعة الاولى المحققة ص 138.
(18) رجال الكشي مؤسسة آل البيت ج 2 ص 795.
(19) ن. ص 796.
(20) البحار ج 109 ص 4.
(21) مستدرك الوسائل ج 3 الطبعة القديمة ص 376.
(22) مقباس الهداية في علم الدراية ج 3 الطبعة الاولى المحققة ص 168.
(23) البحار ج 2 ـ دار الكتب الاسلامية ص 88.
(24) وسائل الشيعة ح 18 باب 1 من ابواب صفات القاضي ص 4 ح 5.
(25) ص 51 من هذا الكتاب وتكرر نقلها فى أكثر من موضع.
(26) وسائل الشيعة ح 18 باب 8 من ابواب صفات القاضي ص 58.
(27) ن. ص 55.
(28) ن. ص 72.
(29) ن. ص 72.
(30) وسائل الشيعة ج 18 باب وجوب العمل بأحاديث النبي والائمة عليهم السلام ص 52.
(31) وسائل الشيعة ج 18 باب وجوب العمل بأحاديث النبي والائمة عليهم السلام ص 56.
(32) مستدرك الوسائل ج 3 الطبعة القديمة ص 376.
(33) وسائل الشيعة ج 18 باب 8 من أبواب صفات القاضي ص 58.
(34) ن. ص 99.
(35) وسائل الشيعة ج 18 باب 8 من أبواب صفات القاضي ص 108.
(36) مستدرك الوسائل ج 3 الطبعة القديمة ص 377.