x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
العمل في ظل العالم الصناعي
المؤلف: الشيخ محمد تقي فلسفي
المصدر: الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة: ج2 ص331ــ335
2023-10-03
1163
ينبغي على الشاب الذي يرغب في التكيف مع العالم الصناعي ويتمتع بمزاياه الحياتية أن يطوي مراحل عديدة للحصول على العمل وبلوغ الاستقلال الاقتصادي، وأن يواجه كل العقبات التي تعترضه في هذا المجال، كما يتوجب عليه أن يرفع من مستواه العلمي وينمي قوة إدراكه عن طريق تلقي الدروس العلمية والتمارين العملية، وأن يختار حقلا مناسباً يتلائم واستعداده الطبيعي ليتخصص فيه ويصبح عضواً فاعلا ومفيداً في مجتمعه ، ويحيا حياة شريفة كريمة. وليعلم أن القيام بأعمال علمية كبيرة إلى جانب استعداده الطبيعي يحتاج إلى الكثير من الوقت والسعي والمثابرة.
مشاكل العمل في الإقتصاد الصناعي:
«يقول «ويل ديورانت» : كان لانتقال الإنسان من الزراعة إلى الصناعة أثره على الحياة العامة للإنسان، وجاء الإستقلال الاقتصادي للفرد متأخراً تماماً كبلوغه وتفتح ذهنه. ففي طبقة عمال الصناعات اليدوية لم يستطع غير الشبان الذين تبلغ أعمارهم الواحد والعشرين عاماً تأمين لقمة العيش والزواج – أما سن العمل والاكتفاء الذاتي في الطبقات الراقية فيرتفع بارتفاع شأن هذه الطبقات ورفاهيتها. وبات تأخر النمو الاقتصادي في المشاغل والأعمال الأكثر أهمية في ازدياد مضطرد. وأصبحت الآلاف من العوامل الجديدة تشكل عقبة في تسلط الفرد على الصناعة والاقتصاد»(1).
يحتاج الإنسان للقيام ببعض الأعمال إلى دراسات عليا ومعلومات جمة ، وثمة أعمال يستطيع الإنسان القيام بها وهو في المستوى الدراسي المتوسط ، بينما هناك أعمال وحرف يدوية لا يحتاج الإنسان إلى أي دراسة علمية للقيام بها ، وجميع هذه الأعمال لا تتساوى طبعاً من حث القيمة العلمية والوزن الاجتماعي والمردود المادي، ولكنها جميعها لها دور مؤثر في إدارة المجتمع ، ولا بد من احترامها حسب موقعها .
وإذا نظر الشاب القليل الاستعداد إلى واقعه وتعلم مهنة متوسطة أو حرفة يدوية تلائم استعداده وبدأ خدمته للمجتمع من خلال حسن أداء مهنته أو حرفته ، فإنه يحتل مكانة تليق به في مجتمعه وينجح في بلوغ استقلاله الاقتصادي.
«حاول أن تختار عملاً دون تردد يكون بحجم مقدرتك واستعدادك، فلو وجدت مهنة رديئة في العالم ، فهي تلك التي لا يقدر عليها صاحبها ، وإلا فإن أي عمل يتم بإبداع ومهارة من شأنه أن يبعث على الفخر والاعتزاز»(2).
ولشديد الأسف ، هناك الكثير من الشباب الذين يتمتعون باستعدادات ضعيفة ، ليسوا مستعدين للاعتراف بعجزهم الطبيعي ، وهم يأملون في الحصول على مراكز علمية كبيرة وأعمال اجتماعية مهمة لا يستطيعون أبداً القيام بها، فيهدرون بذلك أعمارهم.
وللبعض من هؤلاء الشباب آباء أجلاء كبار ، فيحاولون التفاخر بمقام آبائهم دون أن يلتفتوا إلى ضعف استعداداتهم ، فيتوقعون الحصول على أعمال تضاهي أعمال آبائهم أو في مستواها على أقل تقدير، ويرفضون كل عمل يتلائم واستعداداتهم .
والبعض منهم يصر على منافسة شباب العائلة والجيران والمدرسة، ويتسائلون عما إذا كان ينقصهم عن هؤلاء شيء ؟ ، متغافلين عن ان هؤلاء لديهم استعداد طبيعي وذكاء فطري يدفعهم إلى الأمام عاماً بعد عام، بينما هم يفتقرون إلى كل ذلك، وهذا ما يجعلهم يراوحون مكانهم دون أي تقدم يذكر، ومهما حاولوا لن يحصلوا على شيء ، لأن عليهم أن يبحثوا عن عمل يتناسب وطاقاتهم واستعداداتهم .
التصور الخاطئ:
لقد انبهر بعض الشباب بالتقدم العلمي والصناعي الحاصل في عالمنا اليوم ، وباتوا يتمنون لو أنهم يشاركون في عجلة هذا التقدم دون أدنى استعداد يمكنهم من القيام بذلك ، وهم يتصورون أن قبول أي من الأعمال الضرورية الأخرى المفيدة للمجتمع يؤدي بهم إلى الحطة والحقارة .
وقد بلغ بهم الانهزام النفسي أمام التطور الصناعي العالمي والظواهر العلمية العظيمة حداً جعلهم يعتبرون أي فرد من أفراد أسرهم يعمل في مجال الزراعة وتربية المواشي والدواجن متخلفاً ووضيعاً ، ويشعرون في قرارة أنفسهم بالحقارة لصلتهم بهم ، وينكرون هذه الصلة أمام أصدقائهم وزملائهم ، ويقدمون آباءهم او أعمامهم إلى زملائهم أحياناً على أنهم، طهاة أو فلاحون يعملون في منازلهم.
وهذه الفئة البائسة من الشباب لا يمكنها بلوغ مستويات علمية متقدمة وتحقيق أمانيها لأنها تفتقر للإستعداد المطلوب ، فهي غير مستعدة لقبول الأعمال التي تتطابق واستعدادها ، فتهدر عمرها وتتعس نفسها ولا يبقى لها طريق للخلاص إلا إذا عادت إلى صوابها وحاولت تدارك الأخطاء التي ارتكبتها بأسرع ما يمكن.
«إن دليل النضج والتمييز يكمن في أن يعرف الإنسان نفسه حق المعرفة ، ويقيس استعداده وذوقه وقدرته بمقياس العقل ، ولا يجعل من إيحاءات الآخرين حاكماً مطلقاً على نفسه دون تدقيق ، بمعنى أن يكون هادي نفسه ومرشدها» .
«لكن الكثير منهم لا يمتلك إرادة العودة عن إيحاءات الآخرين ، فيعيش بخطئه عمراً من المصاعب والويلات ، ومثلما هو صعب على الطفل أن يفقد شيئاً ما ، كذلك الأمر بالنسبة للشخص البالغ ، إذ يصعب عليه أن يفقد عقيدة نفذت إلى ضميره وأعماقه حتى وإن كانت تلك العقيدة قد تسببت له في الكثير من المشاكل والصعاب» .
«فأولئك الذين يتصورون خطأً أنهم جديرون لعمل معين لا يتناسب وطاقاتهم ، يعتبرون أن الحياة بمن فيها وراء فشلهم ، فيبدأون صراعاً علنياً وخفياً ضد الجميع، ويشعرون على الدوام بعذاب وألم في أعماقهم ، ما لم يشع نور يضيء لهم الحقيقة نتيجة تعقلهم أو سماع كلام مؤثر أو معالجة نفسية»(3).
لقد بلغت الأنانية والغرور لدى بعض الشباب في مجتمعاتنا حداً جعلتهم غير مستعدين لتحمل مسؤولية شراء بعض ما تحتاجه منازلهم من حاجيات ومواد استهلاكية ولو بشكل مؤقت ، أو أن يشتروا خبزاً من مال حصل عليه آباؤهم بمشقة وعناء ليحملوه معهم إلى بيوتهم ، فكيف بمثل هؤلاء أن يتقبلوا اعمالاً متوسطة المستوى أو يدوية لتكون مهنتهم بشكل دائم يؤمنون منها لقمة العيش؟.
وإذا ما أردنا أن نرغب الشباب بالأعمال المتوسطة المستوى التي تتطابق واستعداداتهم دون أن يشعروا لدى تقبلهم إياها بأدنى حطة وحقارة ، ينبغي على عامة الناس بما فيهم أصحاب القدرة والمسؤولية أن يحترموا تلك المشاغل والأعمال ويقدروا قولاً وعملاً كل إنسان يتحمل مسؤولية أي عمل مفيد للمجتمع ، فمهما يكن مستوى ذلك العمل يبق أفضل من البطالة وأشرف من أن يكون الشاب عالة على مجتمعه أو أن يلجأ إلى الخيانة والطرق اللامشروعة.
وقد أعطى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) درساً عظيماً للمسلمين في هذا المضمار، فقد كانوا يحرثون الأرض ويزرعونها شأنهم شأن سائر المزارعين، وكانوا أحياناً ينزلون الأسواق ويتبضعون ما يحتاجون رغم وجود الخدم والحشم والصحابة المخلصين من حولهم، وكان هدفهم من كل ذلك إفهام المسلمين بأن لا خجل ولا خوف من القيام بالأعمال المفيدة مهما كانت كبيرة أو صغيرة ، وعدم الانفعال من مواقف الناس تجاههم.
كان سيد المرسلين يشتري الشيء فيحمله إلى بيته بنفسه ، فيقول له صاحبه :أعطني أحمله، فيقول (صلى الله عليه وآله) : صاحب المتاع أحق بحمله(4).
___________________________
(1) المصدر السابق ص89.
(2) المصدر السابق ص178.
(3) سلامة الروح، ص 28 .
(4) المحجة البيضاء 4 ، ص33.
(5) مجموعة الورّام 1 ، ص 23.