علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
وَصيّة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) لأبي ذَرّ الغفاري (رض).
المؤلف: الشيخ محمّد جواد آل الفقيه.
المصدر: أبو ذر الغفاريّ رمز اليقظة في الضمير الإنسانيّ.
الجزء والصفحة: ص 183 ـ 204.
2023-09-23
2979
وَصيّة النبيّ الأعظم (صَلّی الله عَليه وَآله وَسَلّم) لأبي ذَرّ الغفاري (رَضَي الله عَنه) ذكرناها بطولها، وتمامها لما تشتمل عليه من غرر الحكم النبويّة، وهي بذاتهـا تصلح لأن تدرس بشكل مستقل، لكن السرعة في انجاز هذا الكتاب حالت دون ذلك.
وقد نقلتها عن كتاب (تنبيه الخواطر) للأمير الزاهد، أبي الحسين ورام ابن أبي فراس المالكي. راجع ص 300 الى ص 314 الجزء الثاني، أسأل الله سبحانه أن ينفعنا بها: أبو حرب ابن أبي الأسود الدؤلي، عن أبيه قال: قدمت الربذة، فدخلت على أبي ذر جندب بن جنادة، فحدثني أبو ذر فقال:
دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجده، فلم أرَ في المسجد أحداً من الناس إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليّ (عليه السلام) الى جانبه جالس، فاغتنمت خُلوة المسجد، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أوصني بوصية ينفعني الله بها.
فقال (صلى الله عليه وآله): نعم وأكرم بك يا أبا ذر، إنك منَّا أهل البيت، وإني موصيك بوصية، فاحفظها، فانها جامعة لطرق الخير، وسُبُله، فأنك إن تحفظها، كان لك بها كِفل (1).
يا أبا ذر: اعبد الله كأنّك تراه. فان كنت لا تراه، فإنّه عزَّ وجل يراك، واعلم أنّ أول عبادة الله المعرفة به. إنّه الأول قَبل كل شيء، فلا شيء قبله، والفرد، فلا ثاني معه، والباقي لا إلى غاية، فاطر السماوات والأرض وما فيهما، وما بينهما من شيء، وهو اللطيف الخبير. وهو على كل شيء قدير. ثم الإيمان بي، والإقرار بأنَّ الله عزّ وجل أرسلني الى كافّة الناس، بشيراً ونذيراً، وداعياً الى الله بإذنه وسراجاً منيراً، ثم أحِبَّ أهل بيتي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.
واعلم يا أبا ذر: أنّ الله جعل أهل بيتي كسفينة النجاة في قوم نوح، من ركبها نجى، ومن رَغِبَ عنها غَرِق، ومثل باب حِطَّة في بني اسرائيل، من دخله كان آمنا.
يا أبا ذر: احفظ ما أوصيك به، تكن سعيداً في الدنيا والآخرة.
يا أبا ذر: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ.
يا أبا ذر: اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هَرَمِك، وصِحتك قبل سَقَمِك وغِنَاكَ قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.
يا أبا ذر: إيَّاك والتسويف بأمَلِك، فإنّك بيومك، ولستَ بما بعده، فإن يكن غد لك، فكن في الغد كما كنت في اليوم، فإن لم يكن غد لك، لم تندم على ما فرَّطت في اليوم.
يا أبا ذر: كم من مستقبل يوماً لا يستكمله، ومنتظر غداً لا يبلغه.
يا أبا ذر: لو نظرت الى الأجل ومسيره، لأبغضت الأمل وغروره.
يا أبا ذر: كن في الدنيا كأنّك غريب، أو كعابر سبيل، وعُدَّ نفسك في أهل القبور.
يا أبا ذر: إذا أصبحت، فلا تحدِّث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدّث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قَبلَ سَقَمِك، ومن حياتك قبل موتك، فإنّك لا تدري ما اسمك غداً.
يا أبا ذر: إيَّاك أن تدركك الصرعة عند الغِرّة، فلا تُمَكَّن من الرجعة، ولا يَحمَدُك من خلَّفت بما تركتَ، ولا يَعذرك من تُقدِمُ عليه بما به اشتغلتَ.
يا أبا ذر: ما رأيتُ كالنار نام هاربُها، ولا كالجنّة نام طالبُها.
يا أبا ذر: كن على عمرك أشحَّ منك على درهمك ودينارك.
يا أبا ذر: هل ينتظر أحدكم إلا غِنى مغطيا، أو فقرا منسيا، أو مرضا مزمناً أو هرماً منفيا، أو موتا مجهزاً، أو الدجَّال فإنّه شر غائب ينتظر، أو الساعة، والساعة أدهى وأمر.
يا أبا ذر: انّ شرَّ الناس عند الله عزّ وجلّ يوم القيامة، عالم لا ينتفع بعلمه، ومن طلب علماً ليصرِف به وجوه الناس اليه لم يجد ريح الجنّة.
يا أبا ذر: من ابتغى العلم ليخدع به الناس، لم يجد ريح الجنّة.
يا أبا ذر: إذا سُئلت عن علم لا تعلمه، فقل: لا أعلمه، تنجُ من تبعته، ولا تفتِ الناس بما لا علم لك به، تنج من عذاب يوم القيامة.
يا أبا ذر: تطلَّع قوم من أهل الجنة الى قوم من النار، فيقولون: ما أدخلكم النار؟ وإنّما دخلنا الجنّة بفضل تأديبكم وتعليمكم! فيقولون: إنّا كنا نأمر بالمعروف ولا نفعله.
يا أبا ذر: إنّ حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد، وانّ نعم الله عز وجل أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أمسوا تائبين وأصبحوا تائبين.
يا أبا ذر: إنّكم في ممرِّ الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن يزرع خيراً يوشك أن يحصُد زرعه ومن يزرع شراً، يوشك أن يحصدَ ندامة، ولكلّ زارع ما زرع.
يا أبا ذر: لا يسبقُ بطيء بحظّه، ولا يُدرك حريص ما لم يقدر له، ومن أعطى خطراً، فالله عزّ وجلّ أعطاه، ومن وقى شراً فالله عزّ وجلّ وقاه.
يا أبا ذر: المتَّقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة.
يا أبا ذر: إنّ المؤمن ليرى ذنبه كأنّه تحت صخرة، يخاف أن تقع عليه، والكافر يرى ذنبه كأنّه ذباب مرَّ على أنفه.
يا أبا ذر: إنّ الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيراً جعل الذنوب بين عينيه مُمَثَّلة، والإثم عليه ثقيلا وبيلا، وإذا أراد الله بعبده شراً أنساه ذنوبه.
يا أبا ذر: لا تنظر الى صِغَر الخطيئة، ولكن انظر الى من عصيت.
يا أبا ذر: إنَّ نفس المؤمن أشدّ تقلُّباً من الخطيئة، من العصفور حين يقذف به في شَرَكِه.
يا أبا ذر: مَن وافق قوله فعله، فذلك الذي أصاب حظّه، ومن خالف قوله فعله فإنّما يوبِّخ نفسه.
يا أبا ذر: إنّ الرجل ليُحرَم الرزق بالذنب يصيبه.
يا أبا ذر: إنّك إذا طلبت شيئاً من الدنيا، وابتغيته، وعسِر عليك، فإنّ لك على كل حال حسنة.
يا أبا ذر: لا تنطُق فيما لا يعنيك، فإنّك لست منه في شيء، واخزِن لِسانك كما تخزِن رزقك.
يا أبا ذر: إنّ الله جل ثناؤه ليدخلُ قوماً الجنّة فيعطيهم حتى تنتهي أمانيهم، وفوقهم قوم في الدرجات العلى فاذا نظروا إليهم عرفوهم فيقولون: ربّنا اخواننا كنّا معهم في الدنيا، فَبِمَ فضَّلتهم علينا؟ فيقال: هيهات، انّهم كانوا يجوعون حين تشبعون، ويظمئون حين تروون، ويقومون حين تنامون، ويُشخصون (2) حين تَخفِضُون.
يا أبا ذر: انّ الله تعالى جعل قُرَّة عيني في الصلاة، وحبَّبَها اليّ كما حبَّب الى الجائع الطعام والى الظمآن الماء. وإنّ الجائع إذا أكل الطعام شبع، وإذا شرب رُوي، وأنا لا أشبع من الصلاة.
يا أبا ذر: انّ الله تعالى بعث عيسى ابن مريم (عليه السلام) بالرهبانيّة، وبُعثتُ بالحنيفيّة السمحة، وحبَّبَ إليّ النساء والطيب وجعل في الصلاة قرّة عيني.
يا أبا ذر: أيّما رجل تطوّع في كلّ يوم اثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة، كان له حقاً واجباً بيت في الجنة.
يا أبا ذر: صلاة في مسجدي هذا تَعدِل ألف صلاة في غيره من المساجد، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره، وأفضل من هذا كلّه صلاة يصلّيها الرجل في بيته حيث لا يراه إلا الله عزّ وجلّ يطلب بها وجه الله عزّ وجلّ.
يا أبا ذر: ما دمت في الصلاة، فإنّك تقرع بابَ الملك، ومن يُكثر قرع باب الملك فإنّه يُفتح له.
يا أبا ذر: ما من مؤمن يقوم للصلاة إلا تناثر عليه البِرّ ما بينه وبين العرش، ووُكِّل به ملك ينادي، يا ابن آدم: لو تعلم ما لك في صلاتك ومن تناجي، ما سئمت ولا التفت.
يا أبا ذر: طوبى لأصحاب الألوية يوم القيامة، يحملونها فيسبقون الناس الى الجنة، ألا وهم السابقون الى المساجد بالأسحار وغيرها.
يا أبا ذر: لا تجعل بيتك قبراً، واجعل فيه من صلاتك ما تضيء لك قبرك.
يا أبا ذر: الصلاة عِماد الدين، واللسان أكبر، والصدقة تمحو الخطيئة، واللسان أكبر(3).
يا أبا ذر: الدرجة في الجنة فوق الدرجة، كما بين السماء والأرض. وانّ العبد ليرفَعُ بصره فيلمع له نور يكاد يخطِف بصَرَه، فيفزع لذلك فيقول: ما هذا؟ فيقال: هذا نور أخيك المؤمن! فيقول: أخي فلان كنَّا نعمل جميعاً في الدنيا، وقد فُضِّل عليّ هكذا؟ فيقال: إنّه كان أفضل منك عملا، ثم يُجعل في قلبه الرضا حتى يرضى.
يا أبا ذر: الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، وما أصبح فيها مؤمن إلا وهو حزين! فكيف لا يحزن، وقد أوعد الله أنّه وارد جهنم، ولم يعده أنّه صادر منها، وليلقينّ أمراضاً ومصيبات وأموراً تغيضه، وليُظلمنَّ فلا ينتصر، يبتغي ثواباً من الله، فما يزال فيها حزيناً حتى يفارقها، فإذا فارقها أفضى الى الراحة والكرامة.
يا أبا ذر: ما عُبِدَ الله على مثل طول الحزن.
يا أبا ذر: من أوتي من العلم ما لا يعمل به، لحقيق أن يكون أوتي علماً لا ينفعه الله به؛ لأنّ الله عزّ وجلّ نعت العلماء فقال: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا}.
يا أبا ذر: من استطاع أن يبكي فليَبكِ، ومن لم يستطع فليُشعِر قلبه الحزنَ وليتباكَ، إنّ القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا يشعرون.
يا أبا ذر: ما مِن خطيب يخطب إلا عرضت عليه خطبته يوم القيامة وما أراد بها.
يا أبا ذر: إنَّ فضل الصلاة النافلة في السِّر على العلانية، كفضل الفريضة على النافلة.
يا أبا ذر: ما يتقرّب العبدُ الى الله بشيء أفضل من السجود الخفيِّ.
يا أبا ذر: اذكر الله ذكراً خاملا! قلتُ: يا رسول الله وما الخامل؟ قال: الذكر الخفي.
يا أبا ذر: يقول الله تعالى: لا أجمعُ على عبدي خوفين، ولا أجمع له أمنين فاذا أمنني في الدنيا، أخفتُه في الآخرة، وإذا خافَني في الدنيا، أمَّنته يوم القيامة.
يا أبا ذر: لو أنّ رجلاً كان له عمل سبعين نبياً لاحتقره وخشي ألا ينجو من شر يوم القيامة.
يا أبا ذر: إنّ الرجل لتُعرَض عليه ذنوبه يوم القيامة، فيقول: أمَا إنّي كنت منك مشفقاً، فيُغفر له.
يا أبا ذر: إنّ الرجل ليعملُ الحسنة، فيتكّل عليها، ويعمل المحقّرات (4) فيأتي الله وهو من الأشقياء، وانّ الرجل ليعمل السيئة فيفرق (5) منها، فيأتي الله آمناً يوم القيامة.
يا أبا ذر: إنّ العبد ليُذنب فيدخل بذنبه ذلك الجنّة! قلت: وكيف ذلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟! قال: يكون ذلك الذنب نصبَ عينيه تائباً منه، فارّاً الى الله عزّ وجلّ حتى يدخل الجنّة.
يا أبا ذر: انّ الكيِّس من الناس من دان نفسه، وعمل لما بعدَ الموت، والعاجزَ من أتبَع نفسه هواها، وتمنّى على الله عزّ وجلّ الأماني.
يا أبا ذر: إنّ الله عزّ وجلّ أول شيء يرفع من هذه الأمة، الأمانة والخشوع، حتى لا تكاد ترى خاشعاً.
يا أبا ذر: والذي نفس محمد بيده، لو أنّ الدنيا كانت تعدِلُ عند الله جَناح بعوضه، ما سقى الفاجر منها شربة ماء.
يا أبا ذر: إنّ الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما ابتغي به وجه الله.
يا أبا ذر: ما من شيء أبغض الى الله من الدنيا، خلقها ثم أعرض عنها، ولم ينظر اليها ولا ينظر اليها حتى تقوم الساعة، وما من شيء أحب الى الله عزّ وجلّ من إيمان به، وترك ما أمر أن يترك.
يا أبا ذر: إنّ الله جلّ ثناؤه أوحى الى أخي عيسى (عليه السلام): يا عيسى لا تحب الدنيا، فإنّي لست أحبُّها، وأحبَّ الآخرة فإنّها هي دار المعاد.
يا أبا ذر: إنّ جبرئيل (عليه السلام) أتاني بخزائن الدنيا على بغلة شهباء، فقال لي: يا محمد هذه خزائن الدنيا، ولا ينقصك من حظّك عند ربِّك! قال: فقلت: حبيبي جبرئيل، لا حاجة لي فيها، إذا جعتُ سألت ربي، وإذا شبعت شكرته.
يا أبا ذر: إذا أراد الله بعبد خيراً فقَّهه في الدين، وزهَّده في الدنيا، وبصَّره بعيوب نفسه.
يا أبا ذر: ما زَهِد عبد في الدنيا إلا أثبت الله الحكمة في قلبه، وأنطَق بها لسانه وبصَّره عيوب الدنيا، ودائها ودوائها، وأخرجه منها سالماً الى دار السلام.
يا أبا ذر: إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا، فاستمع منه، فإنّه يلقي اليك الحكمة، فقلت: يا رسول الله، من أزهدُ الناس؟ قال: من لم ينسَ المقابر والبلى، وترك ما يفنى لما يبقى، ومن لم يعدّ غداً من أيّامه، وعدَّ نفسه في الموتى.
يا أبا ذر: انّ الله لم يوحِ اليّ أن اجمع المال، ولكن أوحى اليّ: أن سبِّح بحمد ربّك، وكن من الساجدين، واعبد ربَّك حتى يأتيك اليقين.
يا أبا ذر: إنّي ألبس الغليظ، وأجلس على الأرض، وألعق أصابعي، وأركبُ الحمار بغير سرج، وأردُف خلفي، فمن رغب عن سنّتي، فليس منّي.
يا أبا ذر: حُبّ المال والشرف، أذهبُ لدينِ الرجل من ذئبين ضاريين في زريبة الغنم، فأغارا فيها حتى أصبحا: فماذا أبقيا منها؟ قال: قلت: يا رسول الله الخائفون الخاضعون المتواضعون الذاكرون الله كثيراً، يَسبقون الناس الى الجنّة؟ فقال: لا، ولكن فقراء المؤمنين، فانّهم يأتون فيتخطّونَ رقاب الناس الى الجنّة، فيقول لهم خزنة الجنّة: كما أنتم، حتى تحاسبوا؟ فيقولون: بمَ نُحاسَب؟ فوالله، ما ملكنا فنجود أو نعدل! ولا أُفيض علينا، فنقبِضَ أو نبسُط، وكنّا نعبدُ ربِّنا حتّى أتانا اليقين.
يا أبا ذر: الدنيا مشغلة للقلب والبدن، وانَّ الله عزّ وجلّ يسأل أهل الدنيا عمّا نعّموا في حلالها، فكيف بما تنعَّموا في حرامها.
يا أبا ذر: إنّي قد سألت الله عزّ وجلّ أن يجعل رزق من أحبَّني الكَفاف، ويعطي من يبغضني كثرة المال والولد.
يا أبا ذر: طوبى للزاهدين في الدنيا، والراغبين في الآخرة، الذين اتخذوا أرض الله بساطاً، وترابها فراشاً، ومائها طيباً، واتخذوا الكتاب شعاراً، والدعاء لله عزّ وجلّ دثاراً، وقرضوا الدنيا قرضاً.
يا أبا ذر: حَرْثُ (6) الآخرة العملُ الصالح، وحَرْثُ الدنيا المال والبنون.
يا أبا ذر: إنّ ربي تبارك وتعالى أخبرني، فقال: وعزتي وجلالي ما أدركَ العابدون درك البكاء عندي شيئا، وانّي لأبنينَّ لهم في الرفيق الأعلى قصراً لا يشركهم فيه! قال، قلتُ: يا رسول الله، أيّ المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم له استعدادا.
يا أبا ذر: إذا دخل النور القلب، انفسح القلب، واستوسع، قلت: فما علاقة ذلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: الإنابة الى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله.
يا أبا ذر: اتّقِ الله، ولا تُرِ الناس أنّك تخشى الله، فيكرموك وقلبُك فاجر.
يا أبا ذر: ليكن لك في كلِّ شيء نيَّة، حتى في الأكل والنوم.
يا أبا ذر: ليعظم جلال الله في صدرك، فلا تذكره كما يذكره الجاهل عند الكلب: اللهمّ اخزِه، وعند الخنزير: اللهمّ اخزِه.
يا أبا ذر: انّ للهِ ملائكة قياماً في خيفته لا يرفعون رؤوسهم حتى يُنفخَ في الصُور النفخة الأخيرة، فيقولون جميعاً: سبحانك وبحمدك ما عبدناك كما ينبغي لك أن تُعبد، فلو كان لرجل عمل سبعين صدِّيقاً، لاستقلّ عمله من شدة ما يَرى يومئذٍ، ولو أنّ دلواً صُبّ من غِسلين في مطلع الشمس، لغلَت منه جماجم من في مغربها، ولو زَفرت جهنّم زفرة لم يبقَ ملك مقرّب، ولا نبي مرسل إلا خرّ جاثياً لركبتيه يقول: يا ربِّ نفسي نفسي حتى ينسى إبراهيم إسحاق، يقول: يا ربّ أنا خليلك، فلا تنسني.
يا أبا ذر: لو أنّ امرأة من نساء أهل الجنّة اطّلعت من سماء الدنيا في ليلة ظلماء، لأضاءت لها الأرض كما تضيء ليلة البدر، ولوَجد ريحُ نشرِها جميع أهل الأرض، ولو أنّ ثوباً من ثياب أهل الجنّة نُشِر اليوم في الدنيا، لصعِق من ينظر اليه، وما حملته أبصارهم.
يا أبا ذر: اخفض صوتك عند الجنائز وعند القتال وعند القرآن.
يا أبا ذر: إذا اتّبعت جنازة فليكن عملك فيها التفكّر والخشوع، واعلم أنّك لاحق به.
يا أبا ذر: اعلم أنّ كلّ شيء إذا فسد فالملح دواؤه، وإذا فسد الملح فليس له دواء (7) واعلم انّ فيكم خُلقين: الضحك من غير عجب، والكسل من غير سهر.
يا أبا ذر: ركعتان مقتصدتان في تفكّر، خير من قيام ليلة والقلب ساهي.
يا أبا ذر: الحقّ ثقيل مرّ، والباطلُ خفيف حلو، ورُبَّ شهوة ساعة تورث حزناً طويلا.
يا أبا ذر: لا يفقه الرجل كل الفقه، حتى يرى أنّ الناس في جنب الله أمثال الأباعر، ثم يرجع الى نفسه، فيكون هو أحقر حاقر لها.
يا أبا ذر: لا يصيب الرجلُ حقيقة الإيمان حتى يرى الناس كلهم حمقى في دينهم، عقلاء في دنياهم.
يا أبا ذر: حاسِب نفسك قبل أن تُحاسب، فإنّه أهونُ لحسابك غداً، وزِنْ نفسك قبل أن توزن، وتجهَّز للعرض الأكبر يوم تُعرَض، لا يخفى على الله منك خافية.
يا أبا ذر: استحِ من الله، فإنّي والذي نفسي بيده، لأظلّ حين أذهبُ الى الغائط متقنّعاً بثوبي، استحياء من الملائكة الذين معي.
يا أبا ذر: أتحب أن تدخلَ الجنّة؟ قلت: نعم فداك أبي وأمي. قال: أقصر من الأمل، واجعل الموت نَصبَ عينيك، واستحِ من الله حق الحياء، قال، قلت: يا رسول الله، كلنا نستحي من الله. قال: ليس كذلك الحياء، ولكن الحياء ألّا تنسى المقابرَ والبلى، والجوفَ وما وعى والرأس وما حوى، فمَن أراد كرامة الآخرة، فليدع زينة الدنيا، فإذا كنت كذلك أصبت ولاية الله عز وجل.
يا أبا ذر: يكفي من الدعاء مع البر، ما يكفي الطعام من الملح.
يا أبا ذر: مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتَر.
يا أبا ذر: إنّ الله تعالى يُصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده، ويحفظه الله في دويرته والدور حوله ما دام فيهم.
يا أبا ذر: إنّ ربك عزّ وجلّ يباهي الملائكة بثلاثة نَفر: رجل يصبح في أرض قفر فيؤذِّن ثم يقيم ثم يصلّي، فيقول ربك عزّ وجلّ للملائكة: انظروا إلى عبدي يصلّي ولا يراه أحد غيري، فينزل سبعون ألف ملك يُصلُّون وراءه ويستغفرون له الى الغد من ذلك اليوم. ورجل قام من الليل فصلّى وحده، فسجد ونام وهو ساجد، فيقول الله: انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده ساجد، ورجل في زَحف، فيفرّ أصحابه ويثبت هو يقاتل حتى يقتل.
يا أبا ذر: ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له بها، وما من منزل ينزله قوم، إلا أصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم.
يا أبا ذر: ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الارض تنادي بعضها بعضاً: يا جارة، هل مرّ بك اليوم ذاكر لله تعالى، أو عبد وضع جبهته عليك ساجداً لله تعالى، فمن قائلة: لا، ومن قائلة: نعم، فاذا قالت نعم: اهتزّت وابتهجت وترى أن لها فضلاً على جارتها.
يا أبا ذر: انّ الله لمّا خلق الأرض، وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة، فلم تزل الأرض والشجر كذلك حتى تكلّم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة قولهم: اتخذ الله ولداً سبحانه، فلمّا قالوا اقشعرت الارض، وذهبت منفعة الأشجار.
يا أبا ذر: إنّ الأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحاً.
يا أبا ذر: إذا كان العبد في أرض قي ـ يعني قفرْ ـ فتوضّأ، أو تيمّم، ثم أذَّن وأقام وصلّى، أمر الله عزّ وجلّ الملائكة فصفّوا خلفه صفّاً لا يرى طرفاه، يركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، ويؤمِّنون على دعائه.
يا أبا ذر: من أقام ولم يؤذِّن، لم يصلِّ معه إلا ملكاه اللذان معه.
يا أبا ذر: ما عَمِلَ من لم يحفظ لسانه.
يا أبا ذر: ما مِن شابّ يدَع لذة الدنيا ولهوها، وأهرَمَ شبابه في طاعة الله، إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صِدِّيقاً.
يا أبا ذر: الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارّين.
يا أبا ذر: الجليس الصالح، خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء، وإملاء الخير، خير من السكوت، والسكوت خير من إملاء الشر.
يا أبا ذر: لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي، ولا تأكل طعام الفاسقين.
يا أبا ذر: أطعم طعامك من تحبّه في الله، وكُل طعام من يحبّك في الله.
يا أبا ذر: انّ الله عند لسان كلّ قائل، فليتق اللهَ امرؤ وليعلم ما يقول.
يا أبا ذر: اترك فضول الكلام، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك.
يا أبا ذر: كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكلّ ما يسمع.
يا أبا ذر: ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان.
يا أبا ذر: إنّ من اجلال الله، اكرام ذي الشَيبَة المسلم، واكرامُ حملة القرآن العاملين به، واكرام السلطان المقسط.
يا أبا ذر: لا تكن عيَّاباً ولا مدّاحاً ولا طعَّاناً، ولا محاربا.
يا أبا ذر: لا يزال العبد يزداد من الله بُعداً ما سِيءَ [ساء] خُلُقُهُ.
يا أبا ذر: الكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها الى الصلاة صدقة.
يا أبا ذر: من أجاب داعيَ الله تعالى، وأحسَنَ عِمارة مساجد الله، كان ثوابه من الله الجنة. فقلت: بأبي انت وامي يا رسول الله كيف نعمّر مساجد الله؟ قال: لا تُرفَع فيها الأصوات ولا يُخاض فيها بالباطل، ولا يشترى فيها ولا يباع، واتركِ اللغو ما دمتَ فيها، فإن لم تفعل فلا تلومَنَّ يوم القيامة إلا نفسك.
يا أبا ذر: إنّ الله يعطيك ـ ما دمتَ جالساً في المسجد ـ بكل نَفَس تتنفّس فيه درجة في الجنّة، وتصلّي عليك الملائكة. ويُكتَب لك بكل نفس تتنفّس فيه عشر حسنات، وتُمحى عنك عشر سيئات.
يا أبا ذر: أتعلم في أيّ شيء أُنزلت هذه الآية: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}؟ قلت: لا، فداك أبي وأمي. قال: في انتظار الصلاة خلف الصلاة.
يا أبا ذر: إسباغ الوضوء في المَكَارِه من الكفّارات، وكثرةُ الاختلاف الى المساجد، فذلكم الرباط.
يا أبا ذر: يقول الله تبارك وتعالى: انّ أحبَّ العباد اليّ، المتحابّون بحلال، المتعّلقة قلوبهم بالمساجد، والمستغفرون بالأسحار، أولئك إذا أردتُ بأهل الأرض عقوبة، ذكرتُهم! فصرفتُ العقوبة عنهم.
يا أبا ذر: كُلّ جلوس في المسجد لَغو إلا ثلاثة، قراءة مُصلّ، أو ذكر الله، أو سائل عن علم.
يا أبا ذر: كن بالعمل بالتقوى، أشدَّ منك اهتماما بالعمل لغيره، فانّه لا يقلّ عمل بالتقوى، وكيف يقلّ ما يُتقبّل، لقول الله عزّ وجل: {انّما يتقبل اللهُ مِنَ المتَّقين}.
يا أبا ذر: لا يكون الرجل من المتّقين، حتى يحاسِبَ نفسهُ أشد مِن محاسبة الشَّريك شريكَهُ فيعلمُ من أين مطعمهُ، ومن أين مشربُه، ومن أين ملبسُه، أمِنْ حلّ أم من حرام؟
يا أبا ذر: من لم يبالِ من أين اكتسب المال، لم يبالِ الله من أين أدخله النار.
يا أبا ذر: أحبُّكم الى الله عزّ وجلّ، أكثركم ذكراً له، وأكرمكم عند اللهِ أتقاكم، وأنجاكم من عذاب الله، أشدّكم خوفاً له.
يا أبا ذر: انّ المتّقين الذين يتّقون اللهَ مِن الشيء الذي لا يُتَّقى منه خوفاً من الدخول في الشبهة.
يا أبا ذر: من أطاع الله عزّ وجلّ فقد ذكر اللهَ، وان قلَّت صلاته وصِيامه، وتلاوة القرآن.
يا أبا ذر: أصلُ الدين الورعُ، ورأسُه الطَّاعة.
يا أبا ذر: كن ورِعاً تكن أعبدَ الناس، وخيرُ دينكم الورَعُ.
يا أبا ذر: فضلُ العِلم خير من فضلِ العِبادةِ، واعلم انّكم لو صلّيتم حتى تكونوا كالحنايا، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار، ما نفعكم ذلك إلا بِوَرَع.
يا أبا ذر: انّ أهلَ الورَعِ والزُهدِ في الدنيا، هُم أولياءُ الله حقاً.
يا أبا ذر: من لم يأتِ يوم القيامة بثلاث، فقد خَسِر. قلت: وما الثلاث ـ فداك أبي وأمي يا رسول الله ـ؟ قال: ورع يحجزه عمَّا حرّم الله عليه، وحِلم يَردّ به جَهلَ السفيه، وخلق يداري به الناس.
يا أبا ذر: إن سرَّك أن تكون أقوى الناسِ، فتوكّل على الله، وان سرّك أن تكون أكرم الناس فاتقِ اللهَ، وإن سرّك أن تكون أغنى الناس، فكن بما في يد الله عزّ وجلّ أوثقَ منك بما في يدك.
يا أبا ذر: لو أنّ الناس كلَّهم أخذوا بهذه الآية لكفتهم: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.
يا أبا ذر: يقول الله تعالى: لا يُؤثرُ عبدي هوايَ على هواهُ إلّا جَعلتُ غِناه في نفسه وهمومَه في آخرته، وضمِنَت السماواتُ والأرض رزقه، وكففت عليه ضيعته، وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر.
يا أبا ذر: لو أنّ ابن آدم فرَّ من رزقه كما يفرّ من الموت لأدركه رزقُه كما يدركه الموت.
يا أبا ذر: ألا أعلِّمك كلمات ينفعك الله عزّ وجلّ بهنّ؟ قُلت: بلى يا رسول الله قال: احفظ اللهَ تجده أمامك، تعرَّف الى الله تعالى في الرخاء، يَعرِفك في الشِّدّة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استغنيت فاستغنِ بالله، فقد جرى القلم بما هو كائِن الى يوم القيامة، ولو أنّ الخَلق كلّهم جهدوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه اللهُ لك، ما قدِروا عليه، فإن استطعت أن تعمل للهِ تعالى بالرضا واليقين، فافعل، فإن لم تستطع فاصبِر، فإنَّ في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وانّ النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وانّ مع العسر يسراً.
يا أبا ذر: استغنِ بغنى الله قلت: وما هو يا رسول الله؟ قال: غداءُ يوم، وعشاءُ ليلة، فمن قَنَع بما رزقه الله ـ يا أبا ذر ـ فهو أغنى الناس.
يا أبا ذر: إنّ الله جلّ ثناؤه يقول: إنّي لستُ كلامَ الحكيم أتقبَّلُ، ولكن همَّه وهواه، فان كان همُّه وهواهُ فيما أحبّ وأرضى، جعلت صمته حمداً لي، ووقارا، وإن لم يتكلم.
يا أبا ذر: انّ الله تبارك وتعالى، لا ينظر الى صوركُم، ولا الى أموالِكم، ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم.
يا أبا ذر: التقوى ههنا، التقوى ههنا، وأشار بيده الى صدره.
يا أبا ذر: أربع لا يصيبهنّ إلا مؤمن: الصمتُ، وهو أول العبادة، والتواضع لله سبحانه، وذِكرُ اللَّه تعالى على كل حال، وقلّة الشيء ـ يعني قلة المال.
يا أبا ذر: هِمَّ بالحسنة وإن لم تعملها لكيلا تكتب من الغافلين.
يا أبا ذر: مَن ملَكَ ما بينَ فخذيه، وما بين لحييه، دخل الجنّة. قلت: يا رسول الله فإنّا لنؤاخذ بما ننطق من ألسنتنا؟ قال: يا أبا ذر وهل يَكبّ الناس على مناخرهم في النار إلا حصاد ألسنتهم، إنّك لا تزال سالماً ما سكتَّ، فاذا تكلمت يُكتب لك أو عليك.
يا أبا ذر: إنّ الرجل ليتكلّمُ بالكلمة مِن رضوانِ الله تعالى، فيُكتَب له بها رضوانه الى يوم القيامة، وإنّ الرجل ليتكلّمُ بالكلمة في المجلس ليُضحِكهُم بها، فيهوي في جهنّم ما بين السماء والأرض.
يا أبا ذر: ويلٌ للذي يتحدّثُ فيكذب ليُضحِكَ به القوم، ويل له ويل له ويل له.
يا أبا ذر: مَن صَمتَ نجا، فعليك بالصدق، ولا تخرجنّ من فمك كذبة أبداً، فقلت: يا رسول الله فما توبة الرجل الذي يكذب متعمداً، قال: الاستغفار، وصلواتُ الخمس يغسلُ ذلك.
يا أبا ذر: إيّاك والغِيبَة، فإنّ الغِيبة أشدّ من الزِنا. قلت: يا رسول الله ولِمَ ذاك، بأبي أنت وأمي؟ قال: لأنّ الرجل يزني ويتوب الى الله، فيتوبُ الله عزّ وجلّ عليه، والغِيبة لا تغفر حتى يغفَرها صاحبُها.
يا أبا ذر: سُباب المسلم فُسُوق، وقِتاله كفر، وأكل لحمه من معاصي الله، وحرمة ماله كحرمة دمه. قلت: يا رسول الله وما الغيبة؟ قال: ذِكرُكَ أخاك بما يكره. قلت: يا رسول الله فمن كان فيه ذلك الذي ذكرته؟ قال: اعلم أنّك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته! وان ذكرته بما ليس فيه فقد بهتَّه.
يا أبا ذر: من ذَبَّ عن أخيه المسلم المؤمنِ الغيبةَ، كان حقَّاً على اللهِ جل ثناؤه أن يعتقه من النار.
يا أبا ذر: مَن اغتيب عنده أخوه المسلم، وهو يستطيع نصرَهُ فَنَصرهُ، نصره الله عزّ وجلّ في الدنيا والآخرة، وإن خذله وهو يستطيع نصره، خذله الله في الدنيا والآخرة.
يا أبا ذر: صاحبُ النميمة لا يستريح من عذاب الله عزّ وجلّ في الآخرة.
يا أبا ذر: من كان ذا وجهين ولسانيين في الدنيا، فهو ذو لسانيين في النار.
يا أبا ذر: المجلس بالأمانة، وإفشاؤك سرَّ أخيكَ خيانة، فاجتنبْ ذلك، واجتنب مجلس العشيرة.
يا أبا ذر: تعرضُ أعمال أهل الدنيا على الله عزَّ وجلّ من الجمعة الى الجمعة، وفي كلّ يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكلّ عبد مؤمن، إلا عبداً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا أعمال هذين حتى يصطلحا.
يا أبا ذر: إيّاك وهجرانَ أخيك، فإنّ العمل لا يُتَقبَّل مع الهجران، فإن كنت لا بد فاعلا فلا هجرة أكثر من ثلاثة أيام كمَلا، فمن مات فيها مهاجراً لأخيه، كانت النار أولى به.
يا أبا ذر: من أحبَّ أن يَمثُلَ له الرجال قياماً، فليتبوأ مقعدهُ من النار.
يا أبا ذر: من مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر، لم يجد رائحة الجنّة إلا أن يتوب قبل ذلك. فقال رجل: يا رسول الله، ليعجبني الجمال حتى وددت أنّ علَّاقة سوطي وقبال نعلي حسن فهل يرهب ذلك علي؟ قال: كيف تجد قلبك؟ قال: أجده عارفاً للحق مطمئنا اليه، قال: ليس ذلك بالكبر. ولكنَّ الكبرَ أن تترك الحق وتتجاوز الى غيره، وتنظر الى الناس، ولا ترى أن أحداً عرضه كعرضك ولا دمه كدمك.
يا أبا ذر: أكثر من يدخل النار المتكبِّرون. فقال رجل: وهل ينجو من الكبر أحد يا رسول الله؟ فقال: نعم، من لبس الصوف، وركب الحمار، وحلب العنز، وجالس المساكين.
يا أبا ذر: من حمل سِلعته، فقد برء من الكبر ـ يعني ما يشتري من السوق.
يا أبا ذر: من جرّ ثوبه خُيلاء، لم ينظر الله اليه يوم القيامة.
يا أبا ذر: أزرّة المؤمن الى أنصاف ساقيه، ولا جناح فيما بينه وبين كعبيه.
يا أبا ذر: من رقَّع ذيله، وخصف نعله، وعفَّر وجهه، فقد برء من الكبر.
يا أبا ذر: من كان له قميصان، فليلبس أحدهما، وليكسِ أخاه الآخر.
يا أبا ذر: سيكون ناس من أمتي يولدون في النعيم، ويُغذونَ به، همّتهم ألوان الطعام والشراب، ويمدحون بالقول، أولئك شرار أمتي.
يا أبا ذر: من ترك لِبس الجَمال ـ وهو يقدر عليه ـ تواضعاً لله فقد كساه الله حُلَّة الكرامة.
يا أبا ذر: طوبى لِمن تواضع لله في غير منقصة، وأذلّ نفسه في غير مسكنة، وأنفق مالاً جمعه في غير معصية، ورحم أهل الذلة والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة، طوبى لمن صَلُحت سريرته، وحسُنَت علانيته، وعزَلَ عن الناس شرَّه، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسَك الفضل من قوله.
يا أبا ذر: البس الخشن من اللباس، والعتيق من الثياب، لئلا يَجِدَ الفخر فيك مسلكا.
يا أبا ذر: يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم، يرون الفضل لهم بذلك على غيرهم أولئك تلعنهم ملائكة السماوات والأرض.
يا أبا ذر: ألا أخبرك بأهل الجنّة؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: كلّ أشعث أغبر ذي طِمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبَرَّه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكفل: الحظ والنصيب، أو ما يحفظ به الانسان.
(2) يمكن ان يكون المقصود بالأشخاص: جشوبة العيش، في قبال الخفض، وهو سهولة العيش. ويحتمل أن يراد بالأشخاص هنا عدم الاستقرار، في قبال الخفض وهو الاقامة في المكان.
(3) ربّما يكون المقصود باللسان هنا: الكلام الذي ينفع الناس، كالوعظ والارشاد والتعليم.
(4) صغائر الذنوب.
(5) يخاف.
(6) الحرث: ما يكسبه الانسان.
(7) يشير فيها (صلى الله عليه وآله) الى كون العلماء هم المصلحون في المجتمع، ومتى ما فسد العلماء فانّه لا يصلحهم أحد (هكذا روي).