علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
موقف أبي ذر (رض) مع معاوية.
المؤلف: الشيخ محمّد جواد آل الفقيه.
المصدر: أبو ذر الغفاريّ رمز اليقظة في الضمير الإنسانيّ.
الجزء والصفحة: ص 121 ـ 123.
2023-09-11
1211
في الشام كان المجال لأبي ذر أوسع من أي بلد آخر كما كانت نظرته الى معاوية، تختلف عن نظرته الى عثمان، فهو يعرف معاوية على حقيقته، ويعرف إسلام معاوية واسلام أبيه من قبله، لذلك كان صريحا في أقواله، وخطبه، ومواعظه، وواضحا في دعوته ومنهجه. كان صريحا في موقفه الذي ربّما تكتّم منه بعض الشيء في المدينة، فكان يركّز على الانحراف السائد آنذاك، واستئثار الولاة بالفيء، وعضولهم عن جادة الحق، واطفائهم للسنّة، واحيائهم للبدعة الى غير ذلك ممّا يدعو الى اثارة الناس.
وبذلك فتح على عثمان جبهة جديدة ـ ربّما لم تخطر على باله ـ استهدفته ومعاوية معاً "كان يقوم في كل يوم، فيعظ الناس، ويأمرهم بالتمسّك بطاعة الله، ويحذّرهم من ارتكاب معاصيه، ويروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما سمعه منه في فضائل أهل بيته عليه وعليهم السلام ويحضضهم على التمسك بعترته" (1).
وكان يقول: "أمّا بعد، فانّا كنا في جاهليتنا، قبل أن ينزل علينا الكتاب، ويبعث فينا الرسول، ونحن نوفي بالعهد، ونصدق الحديث، ونحسن الجوار، ونقري الضيف، ونواسي الفقير. فلمّا بعث الله تعالى فينا رسول الله، وأنزل علينا كتابه، كانت تلك الاخلاق يرضاها الله ورسوله، وكان أحقّ بها أهل الاسلام، وأولى ان يحفظوها، فلبثوا بذلك ما شاء الله أن يلبثوا ثم انّ الولاة، قد أحدثوا أعمالا قِباحا لا نعرفها من سنَّة تُطفى! وبدعة تحيى! وقائل بحق مكذَّب، وأثرة لغير تقى، وأمين ـ مُستأثر عليه ـ من الصالحين.." وكان يعيد هذا الكلام ويبديه! (2).
وكان أبو ذر، ينكر على معاوية، أشياء يفعلها، فبعث اليه معاوية يوما ثلاثمائة دينار! فقال أبو ذر لرسوله: إن كانت من عطائي الذي حرمتموني عامي هذا، أقبلها، وان كانت صلة، فلا حاجة لي فيها وردّها عليه (3).
وكان أبو ذر يقول بالشام: والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله، ولا في سنة نبيه (صلى الله عليه وآله) والله إنّي لأرى حقا يطفأ، وباطلا يحيا.. الخ.
ولم يكن أبو ذر، غريبا عن الشام ـ أرض الجهاد ـ على حد تعبيره، وعن معسكر المسلمين هناك، فقد اشترك في غزوة الصائفة (الروم) كما شارك في فتح قبرص، وكان أحد الصحابة البارزين في تلك المعارك.
فكان يحدّث بأحاديثه تلك أمام العامة والخاصة، كما كان يحدّث بها أمام الجند، ممّا دفع حبيب بن مسلمة الفهري ـ أحد القادة ـ الى تحذير معاوية من مغبَّة ذلك، وهذا ما يؤكده قول ابن بطَّال ـ المتقدّم ـ من أنّه كان كثير المنازعة لمعاوية والاعتراض عليه، وكان في جيشه مَيل له.
ولا يغرب عن بالنا أنّ معاوية ـ بالإضافة الى تكريس نفسه أميرا على الشام ـ كان يمنّي نفسه بالخلافة مع أول فرصة تلوح، وكان يمهّد لذلك أيام إمارته، لذا فإنّه يرى أنّ وجود أبي ذر وأمثاله من المبرزين، ضمن دائرة سلطانه، قد يحول دون استقامة هذا الامر له، فكان أحرص على إبعاده عنه، من ابعاد عثمان إياه عن المدينة فكتب الى عثمان فيه: "انّك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر" (4).
والواقع: أنّه أفسدها على معاوية وعلى عثمان معاً؛ لأنّه كان يندّد بأعمال الولاة، وانجرافهم، واستئثارهم بالفيء، بحجة انّه «مال الله»، وكأنّ الله سبحانه قد أوكل بهذا المال ـ المال الذي أفاءه الله على المسلمين بفضل جهادهم ـ الى عثمان، كي يبيح لمعاوية صرفه في سبيل غاياته الشخصية وكي يعطيه لمروان بن الحكم، وللحكم ابن ابي العاص (طريد رسول الله)، ولأبي سفيان!! ولعبد الله بن سعد! ومن هم على شاكلتهم ممن جرّوا الويلات على هذه الامة بتحكمهم في رقاب الناس، وفي مقدراتهم. ويظهر انّ عثمان ـ بعد ورود كتاب معاوية عليه ـ وجد مبرّراً للانتقام من أبي ذر، وتأديبه كما يشتهي، فكتب الى معاوية: “أمّا بعد، فاحمل جندبا اليّ على أغلظ مركب وأوعره.." (5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاعيان 16 / 355 ـ 356.
(2) المصدر السابق.
(3) شرح النهج 8 / 356.
(4) اليعقوبي 2 / 172.
(5) الغدير 8 / 293.