1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

علم الحديث

تعريف علم الحديث وتاريخه

أقسام الحديث

الجرح والتعديل

الأصول الأربعمائة

الجوامع الحديثيّة المتقدّمة

الجوامع الحديثيّة المتأخّرة

مقالات متفرقة في علم الحديث

أحاديث وروايات مختارة

علم الرجال

تعريف علم الرجال واصوله

الحاجة إلى علم الرجال

التوثيقات الخاصة

التوثيقات العامة

مقالات متفرقة في علم الرجال

أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)

اصحاب الائمة من التابعين

اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني

اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث

علماء القرن الرابع الهجري

علماء القرن الخامس الهجري

علماء القرن السادس الهجري

علماء القرن السابع الهجري

علماء القرن الثامن الهجري

علماء القرن التاسع الهجري

علماء القرن العاشر الهجري

علماء القرن الحادي عشر الهجري

علماء القرن الثاني عشر الهجري

علماء القرن الثالث عشر الهجري

علماء القرن الرابع عشر الهجري

علماء القرن الخامس عشر الهجري

الحديث والرجال والتراجم : أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) :

معارضة أبي ذر (رض).

المؤلف:  الشيخ محمّد جواد آل الفقيه.

المصدر:  أبو ذر الغفاريّ رمز اليقظة في الضمير الإنسانيّ.

الجزء والصفحة:  ص 115 ـ 120.

2023-09-11

1102

إنّ هذا الانحراف الواضح في سياسة عثمان، هو الذي فتح عليه أبواب المعارضة في عدة جبهات: في المدينة، والشام، ومصر، والعراق! ومن اجلّاء الصحابة وعظمائهم فقد ألزمتهم هذه السياسة بالتحرك المعاكس لها، أملا في ارجاع الحق الى نصابه. وتداركا لما قد تسببه من نتائج خطيرة على المجتمع الاسلامي كافة.

وهم ـ مع هذا كله ـ كانوا لا يتوانون في إسداء النصيحة للخليفة، واضعين في حسابهم وحدة المصير، لكنّه كان لا يلتفت إليهم، ولا الى نصائحهم، بل يقابلهم بأسلوب خشن، في حين كان يصغي لمروان بن الحكم، وعمرو بن العاص، ومعاوية، واضرابهم من المنحرفين وممّن أمرهم في الاسلام واضح.

لقد كان أبو ذر (رض) من جملة أولئك المخلصين، فلم يتلكأ في ابداء النصيحة لعثمان بل كان يجهد في ذلك، فيصارحه، ويصارح غيره من ولاته بما أحدثوه وبدَّلوه في مسرى الخلافة الاسلامية، وحرفهم إيّاها عن الطريق المميز لها.

يظهر هذا من قول ابي ذر له: «نصحتك فاستغششتني، ونصحت صاحبك ـ يعني معاوية ـ فاستغشني» (1).

لكن الطرف الثاني، كان يعير لهذه النصائح أذنا صمَّاء، ويتمادى في سياسته تلك غير آبه ولا مكترث بما يجري من حوله، وإذا أراد أن يجيب في بعض الاحيان، فانه يرمي من ينصحه، بالكذب والافتراء تارة، وبتدبير المكائد وشق عصا الامة، تارة أخرى! الى غير ذلك ممّا يبعث في نفس الناصح نوعا من الشعور باليأس، والاشمئزاز، والفشل في مهمته الاصلاحية، فيجعله مضطرا للمجاهرة بقول الحق، في كل مناسبة وكل مكان، بوحي من ضرورة وجوب: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو من ركائز الاسلام ومقوماته، وهذا ما حصل فعلا لأبي ذر مع عثمان حين أمعن بالاستمرار في سياسته.

لقد جاهر أبو ذر (رض) بمعارضته للولاة والمقرّبين، وكشف أوراقهم، غير خائف ولا مكترث، وفي هذه المرحلة، نرى أبا ذر (رض) قد اتصف بصفة مميّزة عن باقي الصحابة حول هذا الامر. يصح لنا تسميتها بصفة: الاقحام، فهو في دوره هذا ينسى نفسه بعض الاحيان، فيتحرّر من الذات وعلائقها، ومن كلّ تقاليد محيطه، ويُقحم نفسه ليحرّر كلمته، فكانت المناسبات منبرا له، منبرا حرا غير مقيد بزمان ولا بمكان، وكانت كلمته، الكلمة الجريئة التي لا تعرف الوجل، ولا الرياء، ولا المداهنة.

كان يقولها في الطرقات وفي الشوارع وبين الناس، وعلى أبواب القصر الخضراء، يقولها، حفاظا لعهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحيطة على الاسلام.

قال ابن ابي الحديد: «إنّ عثمان لمّا أعطى مروان وغيره بيوت الاموال، واختص زيد بن ثابت بشيء منها، جعل أبو ذر يقول بين الناس، وفي الطرقات، والشوارع: بشّر الكانزين بعذاب أليم! ويرفع بذلك صوته، ويتلو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (2).

وهذه الآية إنّما تندّد وتتوعّد فئة معيّنة من أصحاب الثروة، وهم الذين يجمعونها من طرق غير مشروعة، كالذين كانوا يأخذون ما أفاء الله على المسلمين، ويستأثرون به دون غيرهم، في عهد عثمان، بأرقام خياليّة، كما عرفنا أو الذين يأخذونها عن طرق مشروعة ـ كالكسب ـ ولكن لا يؤدّون زكاتها المفروضة.

فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) لمّا نزلت هذه الآية. قال: «كلّ ما يؤدي زكاته فليس بكنز، وان كان تحت سبع أرضين، وكل مال لا يؤدى زكاته، فهو كنز، وان كان فوق الأرض (3).

وقد ذكر البخاري هذه الآية في كتاب الزكاة (4).

وأبو ذر (رضي الله عنه)، أكرم مقاما وأعلى شأنا من أن يتخذ مذهبا معينا في المال، في قبال ما هو ضروري في الاسلام ـ كما يدّعي بعض المؤرّخين ـ كيف وهو نفسه كان يمتلك الشياه والمواشي، ويأخذ عطاءه كل سنة والبالغ أربعمائة دينار ذهباً؟

إذن كان تكريره لهذه الآية على سبيل إلفات المسؤولين ـ آنذاك ـ الى أنّ ما جمعوه أو أعطوه على حساب بقية المسلمين، انّما هو جريمة في حقهم وأنّهم سيلقون جزاءهم العادل يوم القيامة.

وقد كان أبو ذر في سعة من ابداء هذا النقد الصريح القاسي الذي يسبّب له عيشا ضنكا في ظل سُخط الخليفة والمقرّبين من حوله، وظلَّ تهديداتهم إيّاه بالفقر أو القتل، على حد تعبيره: إنّ بني أمية تهدّدني بالفقر والقتل (5).

فقد كان بوسعه أن يحظى بكل ما يتمنّاه من التكريم والعطاء والقرب لدى عثمان، لكنّه مع هذا، كان يجد في هذه السعة ضيقا، وحرجا عليه يلزمانه بقول الحق، وان كان مُرَّاً، ففضَّل الضيق في الحق، على السعة في الباطل، وفضَّل أن يرضي الله بسخط عثمان وغضبه، ولا يغضب الله تعالى برضا عثمان.

وكانت أقوال أبي ذر تبلغ عثمان، فيسكت، ويغضي حيث لا مناص عن السكوت والإغضاء وما عساه أن يفعل مع صحابي من ذوي السابقة في الدين مشهود له بالفضل على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيمنعه عن قراءة القرآن، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ كيف، وفي منعه له عن ذلك تعدّ واضح على أحكام الاسلام سوف يفتح عليه أبوابا جديدة من المعارضة.

قال ابن ابي الحديد: ثم انّه أرسل اليه مولى من مواليه: أن انته عمّا بلغني عنك!

فقال أبو ذر: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله، وعيب من ترك أمر الله فوالله لئن أرضي الله بسخط عثمان، أحب اليّ وخير لي من أن أسخط الله برضا عثمان» (6).

ويلاحظ المتتبّع أنّ أبا ذر كان مؤدباً غاية الأدب مع عثمان نفسه، فكان يتحاشى أن يسمعه كلاما يسيء اليه، أو يرد عليه بأجوبة غليظة بينما في الوقت ذاته نجده لا يتحرّج من توجيه الكلام الشديد الى بطانته وبعض ولاته. ومرد ذلك لأمرين:

أحدهما: أنّ أبا ذر الصحابي الجليل قمة في الاخلاق والفضيلة، والخصال الحميدة التي ينبغي للمؤمن أن يتخلَّق بها، فلا يسب ولا يشتم، ولا يتهم الطرف المقابل بما هو بعيد عنه.

ثانيهما: أنّ حواره مع الخليفة كان يبتني على الاحتفاظ بالصفة التي أعطيت له، فهو ينظر الى عثمان في محاوراته معه، من زاوية سلطته الزمنية، لا من زاوية ذاته.

أمّا نظرته الى حاشيته، وبعض ولاته، فانّها تختلف اختلافا كليا عن ذلك، فهو يعرفهم على حقيقتهم، كما يعرف نواياهم، فلا يترك لأحد منهم فرصة للتقوّل على الله بغير الحق، بل يجبههم بالأجوبة المقذعة حينا، والمسكتة حينا آخر، ويكيل لهم الصاع صاعين في ذلك.

قال عثمان يوما ـ والناس حوله ـ: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال، فاذا أيسر قضى؟

فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك! فقال أبو ذر: يا ابن اليهوديين! أتعلّمنا ديننا؟! فقال عثمان: ما أكثر أذاك لي، وأولعك بأصحابي؟ الحق بمكتبك، وكان مكتبه بالشام إلا أنّه كان يقدم حاجا، ويسأل عثمان الإذن له في مجاورة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيأذن له في ذلك.

لم يعد الخليفة يطيق وجود أبي ذر وأمثاله في المدينة، فأمره بالحوق بالشام، وفي هذا الامر تعجيل على أبي ذر بالرحيل اليها، وتقييد لحريته في الإقامة بالمدينة متى أحب. لقد غضب عثمان على أبي ذر، فظنّ أنّ غضبه هذا سيضع حدَّاً لنشاط أبي ذر، لكن الذي حصل هو العكس، خصوصاً بعد أن انقطعت الشعرة التي كانت بينهما.

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح النهج 8 / 259.

(2) المصدر السابق / 256.

(3) الميزان 9 / 256.

(4) البخاري / باب إثم مانع الزكاة 2 / 110.

(5) اعيان الشيعة 16 / 353 عن حلية الاولياء.

(6) شرح النهج 8 / 256.

 

 

 

 

 

 

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي