علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
حُلمُ الأمَويّين.
المؤلف: الشيخ محمّد جواد آل الفقيه.
المصدر: أبو ذر الغفاريّ رمز اليقظة في الضمير الإنسانيّ.
الجزء والصفحة: ص 87 ـ 92.
2023-09-07
1360
حَلُم الأمويون طويلا، بالحكم والرياسة والمجد، قبل البعثة النبوية المباركة؛ لأنّ المسألة ـ بنظرهم ـ لا تعدو المفاخرة بالإيلام، والإطعام، ونحر الجُزر، على مرأى من الحَكَمِ الذي يختارونه للبتِّ فيما بينهم، والحكم إمَّا لهم، وإمَّا عليهم.
لكن هذا الحلم الطويل، بترته البعثة النبويّة المباركة، فعاد سراباً بِقيعة.
يظهر ذلك، من خلال ما قاله بعض قادتهم وزعمائهم: "تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، حتّى إذا تحاذينا على الركب، وكنّا كفرسي رهان، قالوا: منّا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذا؟ واللات لا نؤمن به ولا نصدّقه" (1).
لقد كانت نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) مفاجأة رهيبة بالنسبة للفكر العربي المتخلف ـ آنذاك ـ كما كانت ضربة قاصمة في صميم العصبيّة الجاهليّة، لذلك، رأينا قريشا، وقد تألبت وأجمعت على حرب النبي (صلى الله عليه وآله) ومكافحة رسالته، وانّ الأمويّين ـ أبناء العم ـ هم الذين اضطلعوا بذلك، فكانوا على رأس الحملات المضادة للنبي (صلى الله عليه وآله) ولرسالته السمحاء سيَّما وأنهم يعتبرون أنفسهم غرماء مجد للهاشميّين. وأظهر الله نبيه (صلى الله عليه وآله) على قريش وكافة من ناهضه من المشركين، فانتصر المسلمون انتصارات متتالية، انتصر فيها الحق على الباطل، والخير على الشر، وأخذ الاسلام يشق طريقه نحو القمة، ويأخذ مكانه في النفوس، بمروحيته السمحة، ومبادئه العالية..
ولا غرو في ذلك، ولا عجب فقد اصطفى الله الانسان من دون سائر مخلوقاته، واصطفى للإنسان دين الاسلام، فقال تعالى:{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
لقد أرسى النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) قواعد الرسالة الكريمة، وأحكم دعائمها ووطّد أركانها وأعاد للإنسانيّة شرفها وكيانها، بعد أن كانت ضحية أهواء الجبابرة وأرباب السلطان، من شذّاذ الآفاق الذين لا همَّ لهم إلا إشباع رغباتهم ونزواتهم على حساب الضعفاء من عامة الناس. والتحق (صلى الله عليه وآله) بربّه راضيا مرضيا، وظل حُلمُ الأمويّين محالا في قاموس الاسلام، ولكن ما ان مضت فترة من الزمن وجيزة، حتى عاد هذا الحلم يراود أهله من جديد، فقد بدأ يتمطّى عن رقدة طويلة، عادت بعدها آمالهم خضراء مورقة. فها هي إمارات «ملك بني أمية» تلوح من قريب، بعد ان كانت بعيدة عن دنيا الاسلام.
إنّه «الملك» في مفهوم بني أمية و«الخلافة» في مفهوم الاسلام وما أبعد ما بينهما. إنّه كالبعد بين الحق والباطل، خطّان متوازيان، ذاك يدعو الى الجنّة، وهذا يجرّ الى النار، وذاك ينصر المظلوم ـ في الله ـ وهذا يقرّ الظالم، وذاك يطارد المفسدين والقتلة، وهذا يقتل أولاد الأنبياء، ويمثِّل بالأبرار، ويطارد المؤمنين.
ويأتي السؤال هنا: كيف تسنّى لهذه الفئة التي جهدت في حرب الرسول والرسالة، أن تخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مقعده، وأن تتسلّط على مقدّرات الامة الاسلامية، زهاء ثمانين سنة؟! كيف تسنّى لهم استغلال نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) للاستيلاء على العالم الاسلامي، وبسط نفوذهم فيه، وتحويل الخلافة بالتالي الى ملك عضوض يتوارثه الأبناء؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ وسواء تجاهلنا الامر، أو تجاهله غيرنا، فانّ ذلك لا يترك لنا مندوحة للتهرّب من إدراكنا للظروف الصعبة التي عاشها المسلمون السابقون في فترات مختلفة، أو التهرّب من الواقع المرير الذي يعيشه المسلمون اليوم بشكل عام، والذي حدث نتيجة للانحراف القديم.
إنّ هذا السؤال يفرض نفسه، ويتطلب منا جوابا واضحا لا التواء فيه، ولا مواربة.
ويجدر بنا ـ ونحن نتلمس الإجابة عن هذا السؤال ـ أنّ نتناول بعض النصوص التأريخية وننظر فيها نظرة تمحيص وتحليل، نسلط خلالها الأضواء الكاشفة على خفاياها ـ إن كانت غامضة ـ ونتأملها طويلا، فهي تحكي وتجلو لنا حقبة تأريخية معينة، عاشها المسلمون وتفاعلوا معها، وأوصلتهم بالتالي الى ما وصلوا اليه من تفكك وانهيار، أفقدهم شخصيتهم المميزة عبر التأريخ.
نتأمل تلك النصوص ـ بموضوعية وعمق ـ كي نصل الى نقطة الارتكاز الرابطة بين ما عاناه المسلمون في السابق، وما يعانونه اليوم، وبين الاسباب الحقيقية لذلك، محاولين قدر الإمكان أن نبتعد بضمائرنا وتفكيرنا، عن كل الحساسيات، والتشنجات النفسية، لنوفر للعقل وحده فرصة الانتصار.
والذي يبدو جليا واضحا، أنّ المسلمين الأوائل يتحملون شطرا من المسؤولية حول هذا الامر. لكن من المتيقّن انّ القيادة بدورها تتحمّل الشطر الاكبر من تلك المسؤولية، اذ إنّها كانت محط الثقة الكاملة لدى المسلمين، ومعقد آمالهم، فكانوا يرون في الخلافة مصدرا يمدّهم بالقوة والثقة اذا ضعفوا أو وهنوا، ومصدرا تنبعث منه كل الطاقات التي تمكّنهم من الثبات والاستمرار، ويضمن لهم السلامة والرقي، لذلك، فانّهم كانوا يتركون للخليفة كلمة الفصل في أحرج الظروف، ويشاركهم هو في ذلك، ومن ثَمَّ يضحُّون بكل شيء في سبيل انجاح مقرّراته طائعين غير مكرهين، حفاظا على الاسلام .وهذه الرؤية ـ بالذات ـ نجدها قد تبدّدت في عهد عثمان، لما لمسه المسلمون من انحراف واضح في مسلكه، سواء في ذلك مسلكه السياسي مع كبار الصحابة كأبي ذر الغفاري، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، والأشتر النخعي وأصحابه أو مسلكه المالي، في إغدافه على المقرّبين من ذوي رحمه، وحرمانه الآخرين من أعطياتهم المفروضة فنفى أبا ذر الى « الربذة » حتى مات فيها غريب ، وسيَّر عبد الرحمن بن حنبل صاحب رسول الله، الى القموس من خيبر، وهمَّ بتسيير عمار بن ياسر، فحال علي (عليه السلام) وبنو مخزوم دون ذلك، وأمر بعبد الله بن مسعود، فجُرّ برجله، حتى كسر له ضلعان، ووطئ جوفه، حتى صار لا يعقل صلاة الظهر، ولا العصر، ومنعه عطائه ـ على حد تعبير ابن مسعود حتى مات (2).
وسيَّر جماعة من صلحاء الكوفة، من بينهم مالك ابن الأشتر النخعي وصعصعة بن صوحان وأخوه زيد، وعدي بن حاتم، لكلام جرى بينهم وبين عامله على الكوفة سعيد بن العاص، فسيَّرهم أولا الى الشام، ثم بعد ذلك أعادهم، ثم سيَّرهم الى حمص وكان العامل فيها عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وكان هذا الاخير يغلظ لهم، فكان من جملة ما يقول لهم: لا أهلا بكم ولا سهلا.. جزى الله عبد الرحمن إن لم يؤذكم.. (3).
لقد كانت هذه الفترة من أشد الفترات حساسية في الاسلام. فمنها كانت بداية الشر، فقد كان المسلمون قبلها يلجأون في مخاصماتهم الى الخليفة نفسه للنظر فيها والاستماع الى رأيه العادل في ذلك، أو ـ على الاقل ـ كان يستمع منهم ويأخذ بآرائهم أما وقد اختلت القاعدة وانعكست الموازين، حيث أصبح الخليفة طرفا في الخصومة، أو منحازا الى فئة معينة، فإنّه لم يعد بالإمكان ضبط الامور، ولم تعد مخاصماتهم لتقتصر على الملاسنة والحجاج، بل تعدّتها الى استعمال القوة، واللجوء الى القتل والفتك.
هذه الفترة الصعبة، بدأت مواسمها تمرع في السنة السادسة من خلافة عثمان، فكان مقتله بداية الحصاد، ثم استمر وطال أعواما وقرونا، خلَّف فيما بعد الجسم الاسلامي، جسما هزيلا مفكّكا، بعد ان كان صلبا قويا لا تعادله قوة.
ومن هذه الفترة، تولّدت الفترات المظلمة في تأريخ الاسلام، والتي وصف بعضها عمر بن عبد العزيز بقوله: "الوليد في الشام، والحجّاج في العراق، ومحمد بن يوسف في اليمن، وعثمان بن حيّان في الحجاز، وقرة بن شريك في مصر، ويزيد بن مسلم في المغرب، امتلأت الارض والله جورا!".
وعلينا الآن ـ لكي نقف على حقائق تلك الفترة ـ أن نستعرض النصوص الكافية التي تعطينا صورة واضحة عن مواقف عثمان وسياسته. وقبل أن نتحدث عن ذلك، يجدر بنا أن نمر مرورا سريعا بالظروف التي مهّدت لعثمان، والتي كانت سبباً في تسلط الأمويّين، والتي بدأت بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حياة الإمام الحسن 1 / 21.
(2) اليعقوبي 2 / 170 و173.
(3) الغدير: 9 / من 30 الى 46.