علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
القدر في البخاري والكافي.
المؤلف: السيّد هاشم معروف.
المصدر: دراسات في الحديث والمحدّثين.
الجزء والصفحة: ص 222 ـ 226.
2023-09-02
989
روى [البخاري] عن زيد بن وهب عن عبد الله انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: انّ احدكم يجمع في بطن امه اربعين يوما، ثم علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع برزقه وأجله أشقي أو سعيد، فوالله ان الرجل يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنّة فيدخلها، وانّ الرجل ليعمل بعمل أهل الجنّة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.
وروى عن انس بن مالك ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: وكّل الله بالرحم ملكا فيقول: اي ربي نطفة، اي ربي علقة، اي ربي مضغة، فإذا أراد الله ان يقضي خلقا، قال: أي ربي ذكر أم انثى، أشقي أم سعيد، فما الرزق، فما الأجل فيكتب كذلك في بطن أمه.
وروى عن عمران بن حصين انّ رجلا قال يا رسول الله: أيعرف أهل الجنة من أهل النار قال نعم، قال: فلم يعمل العاملون؟ قال: كل يعمل لما خلق له.
وروى عن ابي هريرة ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: احتجّ آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم انت ابونا خيّبتنا واخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخطّ لك بيده أتلومني على أمر قدّره الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) فحجّ آدم موسى وكرّرها ثلاثا.
إلى غير ذلك من المرويّات التي أوردها البخاري في صحيحه حول القدر المتفقة في مضامينها (1).
وجاء في الكافي حول هذا الموضوع عن منصور بن حازم انّ أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: انّ الله خلق السعادة والشقاء قبل أن يخلق خلقه، فمن خلقه الله سعيدا لم يبغضه أبدا، وان عمل شرا أبغض عمله ولم يبغضه، وان كان شقيا لم يحبه ابدا، وان عمل صالحا أحب عمله، وأبغضه لما يصير إليه، فإذا أحب الله شيئا لم يبغضه ابدا، وإذا أبغض شيئا لم يحبّه ابداً (2).
وروى عن احمد بن محمد بن خالد بسنده إلى علي بن حنظلة انّ ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: يسلك بالسعيد طريق الاشقياء حتى يقول الناس: ما اشبهه بهم، بل انّه منهم، ثم تتداركه السعادة، وقد يسلك بالشقي طريق السعادة حتى يقول الناس: ما اشبهه بهم بل انّه منهم، ثم تتداركه السعادة، وقد يسلك بالشقي طريق السعادة حتى يقول الناس، ما اشبهه بهم بل هو منهم، ثم يتداركه الشقاء، انّ من كتبه الله سعيدا وان لم يبقَ من الدنيا فواق ناقة ختم له بالسعادة (3).
وروى عن ابي بصير انّه قال: كنتُ بين يديّ ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) جالسا وقد سأله سائل فقال: جعلت فداك يا بن رسول الله من اين لحق الشقاء أهل المعصية حتى حكم الله عليهم في علمه بالعذاب على عملهم، فقال: ايّها السائل حكم الله (عزّ وجلّ) لا يقوم له احد من خلقه بحقه، فلمّا حكم بذلك وهب لأهل محبّته القوة على معرفته، ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم أهله، ووهب لأهل المعصية القوة على معصيتهم لسبق علمه فيهم، ومنعهم إطاقة القبول فوافقوا ما سبق لهم في علمه، ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم من عذابه؛ لأنّ علمه أولى بحقيقة التصديق (4).
وروى في الكافي في باب الجبر والقدر ما يرفع الالتباس ويفسّر المراد من القدر، عن سهل بن زياد واسحاق بن محمد، قالا: كان أمير المؤمنين جالسا في الكوفة بعد منصرفه من صفّين، إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه، وقال له: يا امير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟ فقال (عليه السلام): أجل يا شيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن وادٍ الا بقضاء من الله وقدر، فقال له الشيخ: عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين، فقال له: مه يا شيخ، والله لقد عظم الله لكم الاجر في مسيركم وأنتم سائرون، وفي مقامكم وأنتم مقيمون، وفي منصرفكم وأنتم متصرفون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين، ولا إليه مضطرين. فقال له الشيخ، كيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟ فقال له أتظن انه كان قضاء حتما وقدرا لازما، انه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والامر والنهي والزجر من الله، وسقط معنى الوعد والوعيد، ولم تكن لائمة لمذنب ولا محمدة لمحسن، ولكان المذنب اولى بالإحسان من المحسن، والمحسن أولى بالعقوبة من المذنب، تلك مقالة عبدة الاوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقدرية هذه الامة ومجوسها. انّ الله كلّف تخييرا، ونهى تحذيرا، واعطى على القليل كثيرا ولم يُعصَ مغلوبا، ولم يُطَع مُكرَها ولم يملك مفوضا، ولم يخلق السماوات وما بينهما باطلا، ولم يبعث النبيّين مبشّرين ومنذرين عبثا، ذلك ظنّ الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار (5).
وقد اورد في الكافي مجموعة من المرويات عن الائمة (عليه السلام) تفسّر المراد من القدر والقضاء الذي يجب الإيمان بهما وتنصّ على انّ القدر والقضاء لا يسلبان ارادة العبد وقدرته على افعاله، مع العلم بأنّه هو الذي أمدّ الانسان شقيا كان في علم الله، ام سعيدا بالقدرة والقوة على مزاولة أعماله والإتيان بها.
فقد جاء في رواية يونس بن عبد الرحمن عن حفص بن قرط عن ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من زعم انّ الله يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله، ومن زعم انّ الخير والشر بغير مشيئة الله فقد اخرج الله عن سلطانه، ومن زعم انّ المعاصي بغير قوة الانسان فقد كذب على الله، ومن كذب على الله أدخله الله النار (6).
وروى عن علي بن الحكم عن صالح النيلي انّه قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) هل للعباد من الاستطاعة شئ فقال: إذا فعلوا الفعل كانوا مستطيعين بالاستطاعة التي جعلها الله فيهم، قلت وما هي؟ قال الآلة، مثل الزاني إذا زنى كان مستطيعا للزنى حين زنى ولو انّه ترك الزنى ولم يزنِ كان مستطيعا لتركه إذا ترك، ثم قال: ليس له من الاستطاعة قبل الفعل قليل ولا كثير، ولكن مع الفعل والترك كان مستطيعا، قلت فعلى ماذا يعذبه؟! قال بالحجة البالغة: والآلة التي ركّبها فيهم، انّ الله لم يجبر أحداً على معصيته، ولا أراد ارادة حتم الكفر من أحد، ولكن حين كفر كان في ارادة الله ان يكفر، وهم في ارادته وفي علمه ان لا يصيروا إلى شيء من الخير، قلت: أراد منهم ان يكفروا قال ليس هذا اقول ولكنّي أقول: علم انّهم سيكفرون فأراد الكفر لعلمه فيهم وليست هي ارادة حتم وانّما هي ارادة اختيار (7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر ص 143 وما بعدها من المجلد الرابع.
(2) والمراد من قوله: انّ الله خلق السعادة والشقاء قبل ان يخلق خلقه انّه تعالى علم ما سيكون من امر الانسان من حيث اختياره لسلوك طريق لسعادة أو الشقاء فقدّر عليه ما يختاره وكتبه مع السعداء أو الاشقياء فأحبّ السعيد وأبغض الشقي، ومع ذلك فلو صدر من الشقي عمل مالح أحب منه ذلك العمل. ولو صدر من السعيد عمل قبيح ابغضه وان كان هو في ذاته محبوبا له سبحانه. فهذه الرواية وما ورد بهذا المضمون لا تدل على انّ الانسان مسير في اعماله لما قدر عليه ولا يختار من امره شيئا كما يدّعي القائلون بهذه المقالة ولعلّ المرويات التي اوردها البخاري وغيره من محدثي السنة من جملة الدوافع على انتشار هذه المقالة بين محدّثي السنة وفقهائهم وجميع اصنافهم مع انّها لو صحّت عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا بدّ من تأويلها بما ذكرنا.
(3) هذا الحديث يتفق مع الحديث الذي رواه البخاري عن النبي اتفاقا كليّا.
(4) فحكم الله عليهم نشأ من علمه باختيارهم طرق الشقاء والسعادة وحيث علم منهم ذلك وعلمه لا يمكن ان يخلف حكم عليهم وامدّهم بالقوة والقدرة فهم قادرون على الشر والخير وجودا وعدما. إذ لا تصدق القدرة الا إذا تساوت بالنسبة للوجود والعدم وبذلك يصح الثواب والعقاب والمدح والذم.
(5) انّ النزاع في القضاء والقدر ونسبتهما الى الافعال يرجع تاريخه إلى القرن الاول الذي انتشرت فيه الدعوة الاسلامية خارج البلاد العربية واتصل المسلمون العرب بغيرهم من الامم ذات الديانات المختلفة، وقد تشعبت فيهما الآراء، فقال فريق: بأنّ تعلق الارادة بالأشياء يوجب سلب الاختيار، ولازم ذلك ان يكون الانسان مجبورا في افعاله، وقال فريق آخر: وهم المفوّضة بأنّ الانسان مختار في افعاله، والارادة الالهية لم تتعلق بشيء من افعال الانسان وقد نفى الامام (عليه السلام) في جوابه للسائل كلا الامرين فقال: لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب اي لو كان قضاء حتما وقدرا لازما بنحو لا يكون للعبد ارادة واختيار في افعاله يكون العقاب من الله على القبيح ظلما؛ لانّه هو الفاعل ولا يستحق الانسان على الخير شيئا؛ لأنّه مدفوع إلى فعله قهراً وبدون إرادة واختيار وقد دفع شبهة التفويض بقوله (عليه السلام): "ولم يعص مغلوبا" اي انّ الانسان لو كان خالقا لفعله من غير ان يكون لله رأي في ذلك كانت مخالفته لما كلفه الله به من الافعال غلبة منه على الله سبحانه، كما وانّ قوله (عليه السلام): "ولم يطع مكرها" تعريض بالمجبرة الذين ذهبوا إلى انّ الانسان مسير للقضاء الحتمي والقدر اللازم ولا يملك الاختيار في شئ من حالاته.
(6) فقد أبطل بهذه الرواية مزاعم الفريقين المجبرة والمفوضة؛ لأنّ من زعم انّ الله يأمر بالسوء والفحشاء يدّعي بأنّ إرادة الله هي التي تسيّر الإنسان بنحو لا يملك من أمره شيئاً ومن زعم بأنّ الخير والشر بغير مشيئته تعالى فقد عزل الله من سلطانه فلا بدّ من الواسطة بين القولين وذلك بأن نقول: مع انّ الله قضى وقدّر فقد اعطى الانسان القدرة على افعاله والقوة عليها فهو يفعل بالقدرة التي وهبها له على الفعل والترك، فإذا فعل أو ترك يصح نسبة الفعل أو الترك إليه من حيث تساوي قدرته بالنسبة اليهما.
(7) والفقرة الاخيرة من هذه الرواية تؤيد ما علقناه على الرواية السابقة كما يبدو ذلك من قوله: علم انّهم سيكفرون فأراد الكفر لعلمه فيهم، اي انّه لمّا علم بأنّهم سيختارون الكفر بالقدرة التي خلقها الله فيهم بنحو يكون الوجود والعدم في مقدورهم لما علم فيهم ذلك اراده فيهم ارادة اختيار اي ارادة تتعلق به من حيث اختيارهم له وقدرتهم على ايجاده وليست الارادة في المقام الا علمه باختيارهم الكفر والعصيان.