اساسيات الاعلام
الاعلام
اللغة الاعلامية
اخلاقيات الاعلام
اقتصاديات الاعلام
التربية الاعلامية
الادارة والتخطيط الاعلامي
الاعلام المتخصص
الاعلام الدولي
رأي عام
الدعاية والحرب النفسية
التصوير
المعلوماتية
الإخراج
الإخراج الاذاعي والتلفزيوني
الإخراج الصحفي
مناهج البحث الاعلامي
وسائل الاتصال الجماهيري
علم النفس الاعلامي
مصطلحات أعلامية
الإعلان
السمعية والمرئية
التلفزيون
الاذاعة
اعداد وتقديم البرامج
الاستديو
الدراما
صوت والقاء
تحرير اذاعي
تقنيات اذاعية وتلفزيونية
صحافة اذاعية
فن المقابلة
فن المراسلة
سيناريو
اعلام جديد
الخبر الاذاعي
الصحافة
الصحف
المجلات
وكالات الاخبار
التحرير الصحفي
فن الخبر
التقرير الصحفي
التحرير
تاريخ الصحافة
الصحافة الالكترونية
المقال الصحفي
التحقيقات الصحفية
صحافة عربية
العلاقات العامة
العلاقات العامة
استراتيجيات العلاقات العامة وبرامجها
التطبيقات الميدانية للعلاقات العامة
العلاقات العامة التسويقية
العلاقات العامة الدولية
العلاقات العامة النوعية
العلاقات العامة الرقمية
الكتابة للعلاقات العامة
حملات العلاقات العامة
ادارة العلاقات العامة
المقال الكاريكاتوري
المؤلف: د. عبد اللطيف حمزة
المصدر: المدخل في فن التحرير الصحفي
الجزء والصفحة: ص 211--216
2023-06-04
969
المقال الكاريكاتوري
ربما كان "الجاحظ" أول كاتب إسلامي عالج فن "الكاريكاتور" في تاريخ النثر العربي، ولقد ترك لنا الجاحظ أعظم رسالة أدبية كتبت في هذا الفن، ولعلها أعظم رسالة إلى اليوم، فنحن لا نعلم لها نظيراً فيما كتبه أهل هذا الفن سواء في الادب أو في الصحافة حتى اليوم.
وموضوع رسالة الجاحظ هو السخرية من كاتب من كتاب الديوان اسمه "احمد بن عبد الوهاب" كتب فيه الجاحظ رسالة أربت على خمسين صفحة من القطع الكبير، وتفنن فيها الكاتب ألواناً كثيرة جداً من التفنن في السخرية والنقد.
ولا يتسع المقام لذكر شيء عن هذه الرسالة التي كتبها الجاحظ (1) وإن كنا نعتقد أن هذا الكاتب العباسي الكبير يعتبر بحق واضعاً لأساس الكاريكاتور في الادب العربي.
ومنذ ظهرت الصحافة الشعبية في مصر، في النصف الثاني من القرن الماضي وكانت الصحافة في ذلك الوقت مماثلة للأدب في جمال الاسلوب نبغ من رجال الادب والصحافة كثيرون، من أشهرهم في فن الكاريكاتور إبراهيم المويلحي صاحب "مصباح الشرق" .
وفي ذلك يقول الاستاذ عبد العزيز البشري (2):
".. ولقد كان هذا من مصباح الشرق الاصل الثابت لهذا اللون من النقد أعني النقد الكاريكاتوري في مصر، كما كانت صحيفة المويلحيين: يريد المويلحي الكبير والمويلحي الصغير، واسمها "أبو زيد" أول ما عرف فيما أعرف أنا من التصوير الكاريكاتوري في هذه البلاد...".
وفي القرن العشرين، وفي المرحلة الرابعة من مراحل الصحافة على سبيل التحديد وهي المرحلة التي تقع بين عامي 1922 و 1942 ظهر المقال الكاريكاتوري على صفحات الصحف المصرية، ونبغ فيه أدباء وصحفيون أهمهم ثلاثة رجال هم: الشيخ عبد العزيز البشري، والاستاذ فكري أباظة، والاستاذ أحمد حافظ عوض، الاول نشر في مجلة السياسة الاسبوعية، والثاني نشر في مجلة الهلال، والثالث نشر في مجلة تدعى "خيال الظل" كان يسخر فيها من أعداء حزب الوفد.
ونريد أن نكتفي هنا بنموذج واحد فقط للبشري بعنوان:
زيور باشا(3).
أما شكله الخارجي وأوصافه الهندسية ورسم قطاعاته ومساقطه الافقية، فذلك كله محتاج في وصفه وضبط مساحاته إلى فن دقيق وهندسة بارعة.
الواقع أن زيور باشا رجل إن صح هذا التعبير يمتاز عن سائر الناس في كل شيء، ولست أعني بامتيازه في شكله المهول طوله، ولا عرضه، ولا بعد مداه، فإن في الناس من هم أبدن منه، وأبعد طولا، وأوفر لحماً، إلا أن لكل منهم هيكلاً واحداً؛ أما صاحبنا، فإذا اطلعت عليه أدركت لأول وهلة أنه مؤلف من عدة مخلوقات، لا تدري كيف اتصلت، ولا كيف تعلق بعضها ببعض ومنها ما يدور حول نفسه، ومنها ما يدور حول غيره، ومنها المتيبس المتحجر، ومنها المسترخي المترهل، وعلى كل حال فقد خرجت هضبة عالية مالت من شغافها إلى الامام شعبة طويلة أطل من فوقها على الوادي رأس فيه عينان زائغتان طلة من يرتقب السقوط إلى قرارة ذلك المهوى السحيق.
وزيور عند الناس مجموعة متباينة متناقضة متشاكسة، فهو عندهم كريم وبخيل، وهو شجاع ورعديد، وهو ذكي وغبي، وهو طيب وخبيث، وهو داهية وغر، وهو عالم وجاهل، وهو عف وشهوان، وهو وطني حريص على مصالح البلاد، وهو مستهتر بحقوق وطنه يجود منها بالطارف والتلاد.
كل أولئك زيور، وكل هذا قد يضيفه الناس إلى زيور، فلا تكاد تسعهم مجالسهم بما يأخذهم فيه من الدهشة والاستغراب، وإذا كان مما لا يمكن في الطبيعة أن يستقيم لرجل واحد، فقد غلط الناس إذ حسبوا زيورا رجلا واحداً، والواقع أنه عدة رجال، وعلى الصحيح هو عدة مخلوقات، لا تدري كما حدثتك كيف اتصلت، ولا كيف تعلق بعضها ببعض!
فإذا أدهشك التباين في أخلاقه، وراعك هذا التناقض في طباعه، فذلك لان هذا الجرم العظيم الذي تحسبه شيئاً واحداً مؤلف في الحقيقة من عدة مناطق، لكل منها شكله وطبعه، وتصوره، وحظه من التربية والتهذيب، فمنها العاقل، ومنها الجاهل، ومنها الحكيم، ومنها الغر، ومنها الكريم، ومنها البخيل، ومنها المصري، ومنها الجركسي، ومنها الفرنسي، ومنها الإنجليزي، ومنها المالطي، كل منها يجري في مذهبه، ويتصرف في الدائرة الخاصة به؛ فلا عجب إذا صدر عن تلك المجموعة الزيورية كل ما ترى من ضروب هذه المتناقضات!
والظاهر أن زيور باشا برغم حرصه على كل هذه الممتلكات الواسعة عاجز تمام العجز عن إدارتها، وتوليها بالمراقبة والإشراف، ومادامت الإدارة المركزية فيه قد فشلت كل هذا الفشل، فأحرى به أن يبادر فيعلن إعطاء كل منها الحكم الذاتي؛ على أن تعمل مستقلة بنفسها على التدرج في سبيل الرقي والكمال! وحسب عقله في هذا النظام الجديد أن يتوافر على إدارة رجليه وحدهما، ولعله يستطيع أن يسيرهما في طريق الامن والسلام.!!
وأني أورد عليك طائفة يسيرة تدلك على ما في هذه المجموعة الغريبة من ضروب المتناقضات التي تجزم منها بأن ذلك الخلق ليس شيئاً واحداً، وإنما هو في الحقيقة عدة أشياء!
وأن ظلماً أن يؤخذ البريء بجريمة الآثم، وأن عسفاً أن يعاقب البريء بما أجرم الظالم، فقد يكون الذي اقترف كل هذه الآثام هو كوع زيور باشا الايسر؛ أو القسم الاسفل من "لغده"، أو المنطقة الوسطى من فخذه اليمنى، أو غيرهما من تلك الكائنات التي تجمعت في هيكله العظيم!
فما شأن تلك المخلوقات كلها تجر إلى مواطن الاتهام، وتعاقب بما ارتكب بعضها من الجرائر والآثام؟
إن الحق والعدل ليقضيان بأن يؤلف مجلس النواب إن شاء الله لجنة تقوم بعمل التحقيق في جسم صاحب الدولة، فتسأل أعضاءه عضواً عضواً، وتحقق مع أشلائه شلواً شلواً، حتى يفرق منها بين المحسن والمسيء، ولا يخلط في العقوبة بين المجرم والبريء.
ولعل العضو الوحيد المقطوع ببراءته من كل ما ارتكب من الآثام هو مخ زيور باشا، فما أحسبه شارك ولا دخل في شيء من كل ما حصل.
"انتهى المقال"!
وأنت ترى أن هذا النوع من النقد إنما يقوم في جملته على التماس العيوب الرئيسة في شخص ما، وترك القلم يعرضها عرضاً كاريكاتورياً يزيد في تشويهها ما يرد على ذهن الكاتب في أثناء كتابته من ضروب التشبيه، وما يحضره من فنون التمثيل، ولا يزال الكاتب يتوسع في الموضوع عن طريق التوليد للمعاني من جهة، وإيراد النكت البارعة من جهة ثانية حتى تستكمل عنده الصورة القلمية الكاريكاتورية كل عناصر الإضحاك والسخرية للشخص الذي هو موضوع هذه الصورة بالذات.
والصورة الكاريكاتورية القلمية منذ القدم تتألف من العناصر الآتية، وهي:
أولاً- عنصر التجسيم للعيوب، أو المسخ لصورة الشخص الذي هو موضوع الكاريكاتور.
وكما قلنا تقوم طريقة الكاريكاتور على المبالغة في تصوير العيوب: فال رجل ذو الانف الكبير يبدو بريشة الرسام وقلم الكاتب كأن وجهه كله عبارة عن أنف، والرجل القصير يبدو كذلك كأنه أقصر من طفل، والرجل البدين يظهر في شكل من البدانة والضخامة قل أن يكون له نظير في الحياة الواقعة نفسها، وهكذا.
ثانياً- عنصر التوليد وهو ما يتاح للكاتب ولا يتاح للمصور، وبه يعمد الكاتب إلى توليد المعاني، واستطراد الافكار، وكل معنى منها يذكر بآخر، وكل فكرة منها توحي بأخرى، وهكذا حتى يستنفد الكاتب كل هذه المعاني والافكار ما استطاع.
ثالثاً- عنصر التندر أو ذكر النكات التي ترد على ذهن الكاتب في أثناء الكتابة، وهنا تظهر براعته في طريقة الإيراد، بحيث تبدو كل واحدة من هذه النكات وكأنها لم تذكر إلا في هذا الموضع الذي يشير إليه الكاتب بالذات، أو كأنها لم تذكر إلا من أجل هذا الشخص الذي هو موضع السخرية والتندر.
رابعاً- عنصر التشبيه أو التمثيل، وهو العنصر الذي يستوحي فيه الكاتب خياله، ويستعين به على عملية "المسخ" التي أشرنا إليها، وكثيراً ما يتسلق الكاتب في هذه الحالة على كلام القدماء، وأهاجي الشعراء، وحكايات العامة أو نحو ذلك.
وأكثر من هذا وذاك أنك ترى صاحب القلم الكاريكاتور يعتمد في توفير هذا العنصر الاخير من عناصر الصورة على كلام القدماء، وعلى تحويل هذا الكلام من معناه الاصلي الذي وضع له إلى المعنى الجديد الذي أراده صاحب القلم الكاريكاتوري.
ومن الامثلة على ذلك أن الشيخ عبد العزيز البشري في سخريته "بزيور باشا" على النحو السابق استشهد ببيت من أبيات أبى نواس وهو:
وليس على الله بمستنكر ان يجمع العالم في واحد
والمعروف أن أبا نواس ذكر هذا البيت من الشعر في معرض المدح لخليفة من خلفاء بني العباس، ولكن "البشري" ذكر هذا البيت نفسه في معرض التعريض، وإضحاك الناس من شخصية "زيرو باشا".
ولا يكاد هذا الفن وهو فن القلم الكاريكاتوري ينقسم إلى أكثر من هذه العناصر الاربعة، وهي متى توافرت في مقال ما بلغ هذا المقال كل ما قصده الكاتب من ورائه، وفي هذه العناصر السابقة، وفي كل عنصر منها على حدة مجال واسع يتنافس فيه الكتاب وأصحاب الاقلام، ويظهر نبوغهم وتتجلى عبقريتهم إما في نقد الاشخاص، وإما في نقد الافكار والموضوعات.
وغني عن البيان أن المقال الكاريكاتوري لا يزدهر إلا في أوقات الامن واستمتاع الناس بكل أنواع الحريات، فليس من السهل على كاتب هذا النوع من المقال أن يعرض حياته للخطر الذي يصيبه من الشخصية المرموقة التي هي موضوع المقال.
أما في أوقات الظلم والطغيان، وأوقات الرقابة المفروضة على الصحف فإن الصحافة لا تلجأ إلى القلم الكاريكاتوري بحال من الاحوال، وإنما تستعيض عنه بالرسم الكاريكاتوري الذي يراه القراء في الصحف، ويفهمون مضمونه ومقصودة ويكون الرسام والصحيفة مع ذلك بمأمن من بطش الحاكم أو السلطان الذي رسمت من أجله الصورة الساخرة.
ويسير علينا أن نلاحظ كذلك أن القلم الكاريكاتوري لا يجود إلا في فترات نهضة الادب، وكثيراً ما يكون دليلاً من دلائل هذه النهضة الادبية في ذاتها، ذلك أن هذا الفن الادبي الرائع في ذاته يحتاج إلى قدرة أدبية من نوع خاص، كما يحتاج إلى قدر من الذكاء من نوع خاص أيضاً، ثم لا غنى له مع هذا وذاك عن قدر من الثقافة يعين الكاتب على توفير العناصر الاربعة المتقدمة للقلم الكاريكاتوري.
وأخيراً لا يستغنى صاحب هذا الفن الادبي الرائع عن أن تكون له صفات ذاتية يخف بها كلامه على الناس، ومن هذه الصفات على سبيل المثال أن يكون ظريفاً غاية الظرف، وأن يكون خفيف الظل في كتاباته كأحسن ما تكون خفة الظل، وأن يكون في طبعه مرح، وفي أفقه سعة، وفي ذهنه ذخيرة هائلة من التجارب الإنسانية التي خبر بها الناس خبرة جيدة.
وهذه وتلك مواهب تخص بها الطبيعة فريقاً من الناس دون الفريق الآخر، وفي الصحافة المجال الواسع للانتفاع الكامل بهذه الميزات أو المواهب في الإنسان.
________________
(1) راجع كتاب "حكم قراقوش" للمؤلف طه الحلبي من ص 98-102.
(2) راجع كتاب "المختار" الجزء الاول للمؤلف ص 221 ، و"أدب المقالة الصحفية في مصر" للمؤلف ج 3 ص 68 و 95.
(3) كتاب "المرأة" للبشري ص 7، طبع دار الكتب المصرية سنة 1927 ، وزيور باشا هو أحد رؤساء الوزارات المصرية في عام 1927.