تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية (20-28) من سورة القصص
المؤلف: إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: .....
3-10-2020
30781
قال تعالى : {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص : 20 ، 28] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
{وجاء رجل من أقصى المدينة} أي : آخرها فاختصر طريقا قريبا حتى سبقهم إلى موسى {يسعى} أي يسرع في المشي فأخبره بذلك وأنذره وكان الرجل حزقيل مؤمن آل فرعون وقيل رجل اسمه شمعون وقيل سمعان {قال يا موسى إن الملأ} أي الأشراف من آل فرعون {يأتمرون بك} أي يتشاورون فيك عن أبي عبيدة وقيل يأمر بعضهم {ليقتلوك فاخرج} من أرض مصر {إني لك من الناصحين} في هذا يقال نصحته ونصحت له .
وثم بين سبحانه خروج موسى من مصر إلى مدين فقال {فخرج منها} أي من مدينة فرعون {خائفا} من أن يطلب فيقتل {يترقب} الطلب {قال رب نجني من القوم الظالمين} قال ابن عباس خرج موسى متوجها نحو مدين وليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه قال رب نجني من فرعون وقومه وقيل أنه خرج بغير زاد ولا ماء ولا حذاء ولا ظهر وكان لا يأكل إلا من حشيش الصحراء حتى بلغ ماء مدين {ولما توجه تلقاء مدين} التوجه صرف الوجه إلى جهة من الجهات وقوله هذا المعنى يتوجه إلى كذا أي هو كالطالب له يصرف وجهه إليه قال الزجاج معناه ولما سلك في الطريق الذي يلقى مدين فيها وهي على مسيرة ثمانية أيام من مصر نحو ما بين البصرة إلى الكوفة ولم يكن له علم بالطريق .
ولذلك {قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} أي يرشدني قصد السبيل إلى مدين وقيل سواء السبيل وسطه المؤدي إلى النجاة لأن الأخذ يمينا وشمالا لا يباعد عن طريق الصواب وقيل أنه لم يقصد موضعا بعينه ولكنه أخذ في طريق مدين وقال عكرمة عرضت لموسى أربعة طرق فلم يدر أيتها يسلك ولذلك قال عند استواء الطرق له {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} فلما دعا ربه استجاب له ودله على الطريق المستقيم إلى مدين وقيل جاء ملك على فرس بيده عنزة فانطلق به إلى مدين وقيل أنه خرج حافيا ولم يصر إلى مدين حتى وقع خف قدميه عن سعيد بن جبير .
{ولما ورد ماء مدين} وهو بئر كانت لهم {وجد عليه أمة من الناس يسقون} أي جماعة من الرعاة يسقون مواشيهم الماء من البئر {ووجد من دونهم امرأتين تذودان} أي تحبسان وتمنعان غنمهما من الورود إلى الماء عن السدي وقيل تذودان الناس عن مواشيهما عن قتادة وقيل تكفان الغنم عن أن تختلط بأغنام الناس عن الحسن فترك ذكر الغنم اختصارا {قال} موسى لهما {ما خطبكما} أي ما شأنكما وما لكما لا تسقيان مع الناس عن ابن إسحاق {قالتا لا نسقي} عند المزاحمة مع الناس {حتى يصدر الرعاء} مر معناه أي حتى ينصرف الناس فإنا لا نطيق السقي فننتظر فضول الماء فإذا انصرف الناس سقينا مواشينا من فضول الحوض عن ابن عباس وقتادة .
{وأبونا شيخ كبير} لا يقدر على أن يتولى السقي بنفسه من الكبر ولذلك احتجنا ونحن نساء أن نسقي الغنم وإنما قالتا ذلك تعريضا للطلب من موسى أن يعينهما على السقي وقيل إنما قالتا ذلك اعتذارا إلى موسى في الخروج بغير محرم {فسقى لهما} معناه فسقى موسى غنمها الماء لأجلهما وهو أنه زحم القوم عن الماء حتى أخرجهم عنه ثم سقى لهما عن ابن إسحاق وقيل رفع لأجلهما حجرا عن بئر كان لا يقدر على رفع ذلك الحجر عنها إلا عشرة رجال وسألهم أن يعطوه دلوا فناولوه دلوا وقالوا له انزح إن أمكنك وكان لا ينزحها إلا عشرة فنزحها وحدة وسقى أغنامهما ولم يستق إلا ذنوبا(2) واحدا حتى رويت الغنم .
{ثم تولى إلى الظل} أي ثم انصرف إلى ظل سمرة فجلس تحتها من شدة الحر وهوجائع {فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} قال ابن عباس سأل نبي الله فلق خبز يقيم به صلبه وقال أمير المؤمنين عليه أفضل الصلوات والله ما سأله إلا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض لقد كانت خضرة البقلة ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه قال الأخفش يقال فقير إليه وفقير له قال ابن إسحاق فرجعتا إلى أبيهما في ساعة كانتا لا ترجعان فيها فأنكر شأنهما وسألهما فأخبرتاه الخبر فقال لإحداهما علي به فرجعت الكبرى إلى موسى لتدعوه .
فذلك قوله {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء} أي مستحيية معرضة عن عادة النساء الخفرات وقيل أراد باستحيائها أنها غطت وجهها بكم درعها عن عمر بن الخطاب وقيل هو بعدها من النداء عن الحسن قال فو الله ما كانت ولاجة ولا خراجة ولكنها كانت من الخفرات اللاتي لا يحسن المشي بين أيدي الرجال والكلام معهم وقيل أراد أنها كانت تمشي عادلة عن الطريق {قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} أي ليكافئك على سقيك لغنمنا وأكثر المفسرين على أن أباها شعيب (عليه السلام) وقال وهب وسعيد بن جبير هو يثرون ابن أخي شعيب وكان شعيب مات قبل ذلك بعد ما كف بصره ودفن بين المقام وزمزم وقيل يثروب وقيل هو اسم شعيب لأن شعيبا اسم عربي .
قال أبو حازم لما قالت {ليجزيك أجر ما سقيت لنا} كره ذلك موسى وأراد أن لا يتبعها ولم يجد بدا من أن يتبعها لأنه كان في أرض مسبعة وخوف فخرج معها وكانت الريح تضرب ثوبها فتصف لموسى عجزها فجعل موسى يعرض عنها مرة ويغض مرة فناداها يا أمة الله كوني خلفي وأرني السمت بقولك .
فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيئا فقال له شعيب اجلس يا شاب فتعش فقال له موسى أعوذ بالله قال شعيب ولم ذاك أ لست بجائع قال بلى ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من عمل الآخرة بملك الأرض ذهبا فقال له شعيب لا والله يا شاب ولكنها عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام قال فجعل موسى يأكل وذلك قوله {فلما جاءه وقص عليه القصص} أي فلما جاء موسى شعيبا وقص عليه أمره أجمع من قتل القبطي وأنهم يطلبونه ليقتلوه {قال} له شعيب {لا تخف نجوت من القوم الظالمين} يعني فرعون وقومه فلا سلطان له بأرضنا ولسنا في مملكته .
ثم ذكر سبحانه أمر موسى في مدين وانصرافه عنه فقال {قالت إحداهما} أي إحدى ابنتيه واسمها صفورة وهي التي تزوج بها واسم الأخرى ليا وقيل إن اسم الكبرى صفراء واسم الصغرى صفيراء {يا أبت استأجره} أي اتخذه أجيرا {إن خير من استأجرت القوي الأمين} أي خير من استعملت من قوي على العمل وأداء الأمانة قال عمر بن الخطاب لما قالت المرأة هذا قال شعيب وما علمك بأمانته وقوته قالت أما قوته فلأنه رفع الحجر الذي لا يرفعه كذا وكذا وأما أمانته فإنه قال لي امشي خلفي فأنا أكره أن تصيب الريح ثيابك فتصف لي عجزك وقيل القوي في نزعه الحجر من البئر وكان لا يستطيعه إلا النفر . الأمين في غض طرفه عنهما حين سقى لهما فصدرتا وقد عرفتا قوته وأمانته فلما ذكرت المرأة من حاله ما ذكرت زاده ذلك رغبة فيه .
{قال إني أريد أن أنكحك} أي أزوجك {إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} أي على أن تكون أجيرا لي ثماني سنين {فإن أتممت عشرا فمن عندك} أي ذلك تفضل منك وليس بواجب عليك وقيل معناه على أن تجعل جزائي وثوابي إياك على أن أنكحك إحدى ابنتي أن تعمل لي ثماني سنين فزوجه ابنته بمهر واستأجره للرعي ولم يجعل ذلك مهرا وإنما شرط ذلك عليه وهذا على وفق مذهب أبي حنيفة والأول أصح وأوفق لظاهر الآية {وما أريد أن أشق عليك} في هذه الثمانية حجج وإن أكلفك خدمة سوى رعي الغنم وقيل وما أشق عليك بأن آخذك بإتمام عشر سنين .
{ستجدني إن شاء الله من الصالحين} في حسن الصحبة والوفاء بالعهد وإنما علق الصلاح بمشيئة الله لأن مراده إن شاء الله تبقيتي فمن الجائز أن يخترمه الله ولا يفعل الصلاح الديني الذي يريده وحكى يحيى بن سلام أنه جعل لموسى كل سخلة توضع على خلاف شية أمها فأوحى الله إلى موسى في المنام أن ألق عصاك في الماء ففعل فولدن كلهن على خلاف شيتهن وقيل أنه وعده أن يعطيه تلك السنة من نتاج غنمه كل أدرع (3) ، وأنها نتجت كلها درعا وروى الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل أيتها التي قالت إن أبي يدعوك قال التي تزوج بها قيل فأي الأجلين قضى؟ قال أوفاهما وأبعدهما عشر سنين قيل فدخل بها قبل أن يمضي الشرط أو بعد انقضائه قال قبل أن ينقضي قيل له فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين أ يجوز ذلك قال إن موسى علم أنه سيتم له شرطه قيل كيف قال علم أنه سيبقى حتى يفي .
{قال} موسى {ذلك بيني وبينك} أي ذلك الذي وصفت وشرطت علي فلك وما شرطت لي من تزويج إحداهما فلي وتم الكلام ثم قال {أيما الأجلين} من الثماني والعشر {قضيت} أي أتممت وفرغت منه {فلا عدوان علي} أي لا ظلم علي بأن أكلف أكثر منها وأطالب بالزيادة عليهما {والله على ما نقول وكيل} أي شهيد فيما بيني وبينك عن ابن عباس . .
_________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص425-432 .
2- الذنوب : الدلو التي لها ذنب .
3- الادرع من الخيل والشاة : ما اسود رأسه ، وابيض سائر جسده .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
قال تعالى : {وجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} . علم فرعون وحاشيته بما كان من موسى مع القبطي الأول الذي قتله خطأ ، والثاني الذي قال له : {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي} فتشاوروا في أمر موسى ، وصمموا على قتله ، ولما علم أحد المؤمنين بذلك أسرع إلى موسى ، وأخبره بما دبروا له ، وأشار عليه بالفرار من القوم الظالمين ، وقال كثير من المفسرين : ان هذا المؤمن هو الذي أشارت إليه الآية 28 من سورة غافر :
{وقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ} ؟ .
{فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . قبل موسى النصح من المؤمن ، وخرج من مصر بلا زاد وماء وظهر ورفيق ، وهو خائف يترقب أن تلحق به جلاوزة فرعون ، وفوق هذا لا يدري أين يتجه ؟ فالتجأ إلى ربه ، وسلم إليه أمره ، وسأله الهداية والنجاة من فرعون وقومه {ولَمَّا تَوَجَّهً تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ} . سار موسى دون أن يقصد بلدا معينا ، وهو على يقين من ربه ، وانه سيرشده إلى الطريق القويم الذي يؤدي به إلى النجاح والفلاح ، وأخذ سبحانه بيده ، واتجه به إلى مدين بلد شعيب ، وبين مصر وبينها صحراء واسعة الأطراف ، ممتدة الأبعاد ، يقطعها المسافر مشيا في ثمانية أيام ، فاجتازها موسى برعاية اللَّه وتوفيقه ، وكان يأكل من نبات الأرض . . وبالأمس القريب كان في قصر فرعون يتمتع بما لذ وطاب ، ولكن حشائش الأرض والخوف خير الف مرة عند المخلصين الأحرار من النعمى مع الظلمة الطغاة كما قال الإمام الحسين (عليه السلام) : واللَّه لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما .
{ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ووَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقى لَهُما} موسى . . فقد انتهى به السير إلى بئر ، فوجد عنده جماعة من الرعاء يستقون منها لماشيتهم ، ورأى امرأتين في ناحية عن جماعة الرعاء ، ومعهما غنيمات تحاول أن ترد الماء ، والمرأتان تصرفانها عنه . . أثار هذا المنظر انتباه موسى ، وقال لهما : لما ذا تمنعان غنمكما عن الماء ، وهي عطاشى ؟ فقالتا : نحن نسوة ضعاف ، لا نقدر على مزاحمة الرجال ، وأبونا شيخ كبير يعجز عن الرعي والسقي ، فننتظر حتى يفرغ الرعاء فنستقي ، فتحركت في نفس موسى نخوة الدين والإنسانية وسقى لهما .
ولا عجب إذا أنجد موسى نسوة ضعافا ، فقد ينجد المرأة الضعيفة الكافر والشقي ، وأيضا لا عجب أن يعيش شعيب وبناته من كد اليمين وعرق الجبين ، فهذه هي سيرة الأنبياء وخلفائهم الأتقياء من قبل ومن بعد ، وإنما العجب أن لا يكون لهذه الروح القرآنية أي أثر في نفوسنا نحن الذين ندعي العلم باللَّه وكتابه وسيرة أنبيائه . . وأعجب العجب أن نتسابق ونتنافس في طلب الدنيا ومظاهرها .
{ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} . سقى موسى غنم الفتاتين ، وذهب إلى شجرة يتفيأ ظلالها ، وكان قد أنهكه وأعياه التعب والجوع ، فسأل اللَّه من فضله وكرمه ، ولم يبالغ ويلح في المسألة لأن المطلوب سد الخلة وكفى ، ولو طلب الآخرة لبالغ وألح ، وفي نهج البلاغة :
واللَّه ما سأله إلا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض ، وقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه . الصفاق الجلد الأسفل ، والتشذب انهضام اللحم .
{فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا} . رجعت الفتاتان إلى أبيهما ، وأخبرتاه بما كان ، فقال لواحدة منهما : اذهبي وادعيه لنجزيه على إحسانه ، فجاءته الفتاة يكسوها الحياء والخجل ، والطهر والعفاف ، وقالت له ما قال أبوها {فَلَمَّا جاءَهُ وقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . استجاب موسى للدعوة ، ورحب به الشيخ وشكره على صنيعه ، ولما طابت نفس موسى واطمأنت إلى الشيخ حدثه بما جرى له مع فرعون وقومه فقال له الشيخ : لا تخف . . انك عندنا في مكان حصين أمين ، لا سلطان عليك فيه لفرعون ولا لغيره من الظالمين .
واختلف المفسرون في هذا الشيخ من هو؟ فأكثرهم على أنه شعيب ، وقال فريق منهم : انه غيره . . ولا مستند لهؤلاء وأولئك إلا مرجحات لا تغني عن الحق شيئا . . ولسنا نهتم بمثل هذه الاختلافات ، ما دامت لا تمت إلى العقيدة والحياة بسبب . . وقد اخترنا اسم شعيب لهذه الشخصية لمجرد التعبير عنها ، ولأن هذا الاسم هو الشائع بين الأكثرية كما شاع بين طلاب النجف وعلمائها : ليس النزاع في التسمية من دأب المحصلين .
{قالت إحداهما} وهي التي استدعته إلى أبيها كما يشعر وصفها له بالقوي الأمين {يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} . وما شهدت إلا بما رأت من قوته وهو يسقي لها ولأختها ، ومن عفته حين توجهت إليه بالدعوة إلى أبيها {قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} . موسى الشريد الطريد والفقير الذي لا يملك شيئا ، والذي عاش أياما على نبات الأرض حتى سأل اللَّه لقمة يقيم بها الأود ، هذا الجائع اللاجئ يعرض عليه شيخ جليل إحدى ابنتيه ، ويدع له الخيار في أيتهما يريد . . إذن ، لا بد أن يكون هناك سر . . أجل ، هناك سر ، وهو يكمن في شخصية موسى وعظمته التي لمسها الشيخ في صنعه مع ابنتيه ، وفي حديثه وسيرته مع فرعون وقومه التي قصها عليه ، فأدرك الشيخ بفطرته النقية الصافية ان هذه الشخصية سيكون لها ابعد الآثار لأن الأعمال التي تصدر عن الإنسان تكون في الغالب من نوع واحد . .
فالشيخ - إذن – هو الفائز الرابح بهذه المصاهرة ، وأي ربح أعظم من مصاهرة الأنبياء والأتقياء ؟ .
الشريعة الاسلامية نسخت جميع الشرائع :
وتكلم الفقهاء كثيرا حول هذه الآية ، واستدلوا بها على أن لولي المرأة أن يعرض زواجها على الرجل . . والحق ان العرض من الرجل والمرأة نفسها فضلا عن وليها جائز بحسب الأصل ، ولا يحتاج إلى النص عليه ، وقال الإمامية والشافعية : ان الزواج لا ينعقد إلا بلفظ التزويج والانكاح ، هذا بعد أن عطفوا على هذه الآية قوله تعالى : {فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها} [الأحزاب - 37] . وقال المالكية والحنابلة : ينعقد الزواج أيضا بلفظ الهبة لقوله تعالى : {وامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب - 50] . وقال الحنفية : ينعقد بكل لفظ يدل على إرادة الزواج .
وقال كثير من الفقهاء : ان الرعي مدة الثماني الحجج أو العشر ليس مهرا للزواج ، ولا هو جزء منه ، بل المهر مستقل تماما عن الرعي ، وان قول الشيخ : {على أن تأجرني الخ} معناه ان رعيت عندي بأجر زوّجتك إحدى ابنتي بمهر ، تماما كما تقول : ان فعلت كذا فعلت أنا كذا ، وهذا هو المعنى الصحيح للآية .
وعلى أية حال فإنه لا حجة في هذه الآية على شيء مما قاله الفقهاء ، لأنها حكاية عن شريعة سابقة ، ونحن على يقين ان الشريعة الاسلامية نسخت جميع الشرائع السابقة ، ولا يجوز العمل بحكم من أحكامها إلا بدليل خاص أو عام من الكتاب أو السنة ، وعليه يكون العمل بهما لا بها ، أما الذين قالوا باستصحاب أحكام الشرائع المتقدمة فنرد عليهم بقوله تعالى : {ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام - 38] وقوله : {ونَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل - 89] أي لكل شيء من أصول الإسلام وشريعته ، وقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) : ما من شيء يقربكم إلى الجنة إلا أمرتكم به وما من شيء يبعدكم عن النار إلا نهيتكم عنه .
{قالَ ذلِكَ بَيْنِي وبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ واللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ} . هذا من كلام موسى ، والأجل الأول الثماني الحجج ، والثاني العشر ، والمعنى ان موسى قال للشيخ : قبلت ورضيت بالزواج والرعي ، والخيار لي في قضاء الثماني أو العشر ، فأيهما اخترت فلا حجة لك عليّ ، واللَّه شهيد على ما أوجبته أنت على نفسك ، وما أوجبته أنا على نفسي . وفي الحديث : ان موسى قضى أبرّ الأجلين أي العشر ، وفي كثير من التفاسير انه اختار الصغرى ، وهي التي قالت له : ان أبي يدعوك ، وقالت لأبيها : انه القوي الأمين .
________________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص ٥8-62 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} إلخ ، الائتمار المشاورة ، والنصيحة خلاف الخيانة .
والظاهر كون قوله : {من أقصى المدينة} قيدا لقوله : {جاء} فسياق القصة يعطي أن الائتمار كان عند فرعون وبأمر منه ، وأن هذا الرجل جاء من هناك وقد كان قصر فرعون في أقصى المدينة وخارجها فأخبر موسى بما قصدوه من قتله وأشار عليه بالخروج من المدينة .
وهذا الاستئناس من الكلام يؤيد ما تقدم أن قصر فرعون الذي كان يسكنه كان خارج المدينة ، ومعنى الآية ظاهر .
قوله تعالى : {فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين} فيه تأييد أنه ما كان يرى قتله القبطي خطأ جرما لنفسه .
وقوله تعالى : {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص : 22 - 28] .
فصل ثالث من قصته (عليه السلام) يذكر فيه خروجه من مصر إلى مدين عقيب قتله القبطي خوفا من فرعون وتزوجه هناك بابنة شيخ كبير لم يسم في القرآن لكن تذكر روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وبعض روايات أهل السنة أنه هو شعيب النبي المبعوث إلى مدين .
قوله تعالى : {ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} قال في المجمع : ، تلقاء الشيء حذاؤه ، ويقال : فعل ذلك من تلقاء نفسه أي من حذاء داعي نفسه .
وقال : سواء السبيل وسط الطريق انتهى .
ومدين - على ما في مراصد الاطلاع - ، مدينة قوم شعيب وهي تجاه تبوك على بحر القلزم بينهما ست مراحل وهي أكبر من تبوك وبها البئر التي استقى منها موسى لغنم شعيب (عليه السلام) انتهى ، ويقال : إنه كان بينهما وبين مصر مسيرة ثمان وكانت خارجة من سلطان فرعون ولذا توجه إليها .
والمعنى : ولما صرف وجهه بعد الخروج من مصر حذاء مدين قال : أرجو من ربي أن يهديني وسط الطريق فلا أضل بالعدول عنه والخروج منه إلى غيره .
والسياق - كما ترى - يعطي أنه (عليه السلام) كان قاصدا لمدين وهولا يعرف الطريق الموصلة إليها فترجى أن يهديه ربه .
قوله تعالى : {ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون} إلخ الذود الحبس والمنع ، والمراد بقوله : {تذودان} أنهما يحبسان أغنامهما من أن ترد الماء أو تختلط بأغنام القوم كما أن المراد بقوله : {يسقون} سقيهم أغنامهم ومواشيهم ، والرعاء جمع الراعي وهو الذي يرعى الغنم .
والمعنى : ولما ورد موسى ماء مدين وجد على الماء جماعة من الناس يسقون أغنامهم ووجد بالقرب منهم مما يليه امرأتين تحبسان أغنامهما وتمنعانها أن ترد المورد قال موسى مستفسرا عنهما - حيث وجدهما تذودان الغنم وليس على غنمهما رجل - : ما شأنكما؟ قالتا لا نسقي غنمنا أي عادتنا ذلك حتى يصدر الراعون ويخرجوا أغنامهم وأبونا شيخ كبير - لا يقدر أن يتصدى بنفسه أمر السقي ولذا تصدينا الأمر .
قوله تعالى : {فسقى لهما ثم تولى إلى الظل وقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير فهم} (عليهم السلام) من كلامهما أن تأخرهما في السقي نوع تعفف وتحجب منهما وتعد من الناس عليهما فبادر إلى ذلك وسقى لهما .
وقوله : {ثم تولى إلى الظل وقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} أي انصرف إلى الظل ليستريح فيه والحر شديد وقال ما قال ، وقد حمل الأكثرون قوله : {رب إني لما أنزلت} إلخ على سؤال طعام يسد به الجوع ، وعليه فالأولى أن يكون المراد بقوله {ما أنزلت إلي} القوة البدنية التي كان يعمل بها الأعمال الصالحة التي فيها رضى الله كالدفاع عن الإسرائيلي والهرب من فرعون بقصد مدين وسقي غنم شعيب واللام في {لما أنزلت} بمعنى إلى وإظهار الفقر إلى هذه القوة التي أنزلها الله إليه من عنده بالإفاضة كناية عن إظهار الفقر إلى شيء من الطعام تستبقى به هذه القوة النازلة الموهوبة .
ويظهر منه أنه (عليه السلام) كان ذا مراقبة شديدة في أعماله فلا يأتي بعمل ولا يريده وإن كان مما يقتضيه طبعه البشري إلا ابتغاء مرضاة ربه وجهادا فيه ، وهذا ظاهر بالتدبر في القصة فهو القائل لما وكز القبطي : رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ثم القائل لما خرج من مصر خائفا يترقب : {رب نجني من القوم الظالمين} ثم القائل لما أخذ في السلوك : {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} ثم القائل لما سقى وتولى إلى الظل : {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} ثم القائل لما آجر نفسه شعيبا وعقد على بنته : {والله على ما نقول وكيل} .
وما نقل عن بعضهم أن اللام في {لما أنزلت} للتعليل وكذا قول بعضهم إن المراد بالخير خير الدين وهو النجاة من الظالمين بعيد مما يعطيه السياق .
قوله تعالى : {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء} إلى آخر الآية .
ضمير إحداهما للمرأتين ، وتنكير الاستحياء للتفخيم والمراد بكون مشيها على استحياء ظهور التعفف من مشيتها ، وقوله : {ليجزيك أجر ما سقيت لنا} ما مصدرية أي ليعطيك جزاء سقيك لنا ، وقوله : {فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف} إلخ يلوح إلى أن شعيبا استفسره حاله فقص عليه قصته فطيب نفسه بأنه نجا منهم إذ لا سلطان لهم على مدين .
وعند ذلك تمت استجابته تعالى لموسى (عليه السلام) أدعيته الثلاثة فقد كان سأل الله تعالى عند خروجه من مصر أن ينجيه من القوم الظالمين فأخبره شعيب (عليه السلام) بالنجاة وترجى أن يهديه سواء السبيل وهو في معنى الدعاء فورد مدين ، وسأله الرزق فدعاه شعيب ليجزيه أجر ما سقى وزاد تعالى فكفاه رزق عشر سنين ووهب له زوجا يسكن إليها .
قوله تعالى : {قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} إطلاق الاستيجار يفيد أن المراد استخدامه لمطلق حوائجه التي تستدعي من يقوم مقامه وإن كانت العهدة باقتضاء المقام رعي الغنم .
وقوله : {إن خير من استأجرت} إلخ ، في مقام التعليل لقوله : {استأجره} وهومن وضع السبب موضع المسبب والتقدير استأجره لأنه قوي أمين وخير من استأجرت هو القوي الأمين .
وفي حكمها بأنه قوي أمين دلالة على أنها شاهدت من نحو عمله في سقي الأغنام ما استدلت به على قوته وكذا من ظهور عفته في تكليمهما وسقي أغنامهما ثم في صحبته لها عند ما انطلق إلى شعيب حتى أتاه ما استدلت به على أمانته .
ومن هنا يظهر أن هذه القائلة : {يا أبت استأجره} إلخ ، هي التي جاءته وأخبرته بدعوة أبيها له كما وردت به روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وذهب إليه جمع من المفسرين .
قوله تعالى : {قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} إلخ ، عرض من شعيب لموسى (عليهما السلام) أن يأجره نفسه ثماني سنين أو عشرا قبال تزويجه إحدى ابنتيه وليس بعقد قاطع ومن الدليل عدم تعين المعقودة في كلامه (عليه السلام) .
فقوله : {إحدى ابنتي هاتين} دليل على حضورهما إذ ذاك ، وقوله : {على أن تأجرني ثماني حجج} أي على أن تأجرني نفسك أي تكون أجيرا لي ثماني حجج ، والحجج جمع حجة والمراد بها السنة بعناية أن كل سنة فيها حجة للبيت الحرام ، وبه يظهر أن حج البيت - وهومن شريعة إبراهيم (عليه السلام) - كان معمولا به عندهم .
وقوله : {فإن أتممت عشرا فمن عندك} أي فإن أتممته عشر سنين فهومن عندك وباختيار منك من غير أن تكون ملزما من عندي .
وقوله : {وما أريد أن أشق عليك} إخبار عن نحو ما يريده منه من الخدمة وأنه عمل غير موصوف بالمشقة وأنه مخدوم صالح .
وقوله : {ستجدني إن شاء الله من الصالحين} أي إني من الصالحين وستجدني منهم إن شاء الله فالاستثناء متعلق بوجدان موسى إياه منهم لا بكونه في نفسه منهم .
قوله تعالى : {قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل} الضمير لموسى (عليه السلام) .
وقوله : {ذلك بيني وبينك} أي ذلك الذي ذكرته وقررته من المشارطة والمعاهدة وعرضته علي ثابت بيننا ليس لي ولا لك أن نخالف ما شارطناه ، وقوله : {أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي} بيان للأجل المردد المضروب في كلام شعيب (عليه السلام) وهو قوله : {ثماني حجج وإن أتممت عشرا فمن عندك} أي لي أن أختار أي الأجلين شئت فإن اخترت الثماني سنين فليس لك أن تعدو علي وتلزمني بالزيادة وإن اخترت الزيادة وخدمتك عشرا فليس لك أن تعدو علي بالمنع من الزيادة .
وقوله : {والله على ما نقول وكيل} توكيل له تعالى فيما يشارطان يتضمن إشهاده تعالى على ما يقولان وإرجاع الحكم والقضاء بينهما إليه لو اختلفا ، ولذا اختار التوكيل على الإشهاد لأن الشهادة والقضاء كليهما إليه تعالى ، وهذا كقول يعقوب (عليه السلام) حين أخذ الموثق من بنيه أن يردوا إليه ابنه فيما يحكيه الله : {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } [يوسف : 66] .
________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص18-22 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
يقول القرآن الكريم : {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنّي لك من الناصحين} .
ويبدو أنّ هذا الرجل هو «مؤمن آل فرعون» الذي كان يكتم إيمانه ويدعى «حزقيل» وكان من أسرة فرعون ، وكانت علاقته بفرعون وثيقة بحيث يشترك معه في مثل هذه الجلسات .
وكان هذا الرجل متألماً من جرائم فرعون ، وينتظر أن تقوم ثورة «إلهية» ضده فيشترك معها .
ويبدو أنّه كان له أمل كبير بموسى (عليه السلام) إذ كان يتوسم في وجهه رجلا ربّانياً صالحاً ثوريّاً ، ولذلك فحين أحسّ بأن الخطر محدق بموسى أوصل نفسه بسرعة إليه وانقذه من مخالب الخطر ، وسنرى بعدئذ أن هذا الرجل لم يكن فيُ هذا الموقف فحسب سنداً وظهيراً لموسى ، بل كان يعدّ عيناً لبني إسرائيل في قصر فرعون في كثير من المواقف والأحداث .
أمّا موسى (عليه السلام) فقد تلقى الخبر من هذا الرجل بجدّية وقبل نصحه ووصيته في مغادرة المدينة (فخرج منها خائفاً يترقب} .
وتضرع إلى الله بإخلاص وصفاء قلب ليدفع عنه شرّ القوم و {قال ربّ نجني من القوم الظالمين} .
فأنا أعلم ياربّ أنّهم ظلمة ولا يرحمون ، وقد نهضت ـ دفاعاً عن المحرومين ـ بوجه الظالمين ، ولم آل جهداً ووسعاً في ردع الأشرار عن الاضرار بالطيبين ، فأسألك ـ يا ربّي العظيم ـ أن تدفع عنّي أذاهم وشرّهم .
ثمّ قرر موسى (عليه السلام) أن يتوجه إلى مدينة «مدين» التي كانت تقع جنوب الشام وشمال الحجاز ، وكانت بعيدة عن سيطرة مصر والفراعنة . . ولكنه شاب تربّى في نعمة ورفاه ويتجه إلى سفر لم يسبق له في عمره أن يسافر إليه ، فلا زاد ولا متاع ولا صديق ولا راحلة ولا دليل ، وكان قلقاً خائفاً على نفسه ، فلعل أصحاب فرعون سيدركونه قبل أن يصل إلى هدفه «مدين» ويأسرونه ثمّ يقتلونه . . فلا عجب أن يظل مضطرب البال !
أجل ، إن على موسى (عليه السلام) أن يجتاز مرحلة صعبة جدّاً ، وأن يتخلص من الفخ الذي ضربه فرعون وجماعته حوله ليصطادوه ، ليستقرّ أخيراً إلى جانب المستضعفين ويشاطرهم آلامهم بأحاسيسه وعواطفه ، وأن يتهيأ لنهضة إلهية لصالحهم وضد المستكبرين .
إلاّ أنّه كان لديه في هذا الطريق وعواطفه رأس مال كبير وكثير لا ينفد أبداً ، وهو الإيمان بالله والتوكل عليه ، لذا لم يكترث بأي شيء وواصل السير . . (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربّي أن يهديني سواء السبيل} (2) .
وقوله تعالى : {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص : 23 - 25] .
عملٌ صالح يفتح لموسى أبواب الخير :
نواجه هنا المقطع الخامس من هذه القصّة ، وهي قضيّة ورود موسى (عليه السلام) إلى مدينة مدين .
هذا الشاب الطاهر الذي لا يغش أحداً أمضى عدّة أيّام في الطريق ، الطريق التي لم يتعود المسير فيها من قبل أبداً ، ولم يكن له بها معرفة ، وكما يقول بعضهم : اضطر موسى إلى أن يمشي في هذا الطريق حافياً ، وقيل : إنّه قطع الطريق في ثمانية أيّام ، حتى لقي ما لقي من النصب والتعب ، وورمت قدماه من كثرة المشي .
وكان يقتات من نبات الأرض وأوراق الشجر دفعاً لجوعه ، وليس له أمام مشاكل الطريق وأتعابه إلاّ قلبه المطمئن بلطف الله الذي خلّصه من مخالب الفراعنة .
وبدأت معالم «مدين» تلوح له من بعيد شيئاً فشيئاً ، وأخذ قلبه يهدأ ويأنس لاقترابه من المدينة ، ولما اقترب ثمّ عرف بسرعة أنّهم أصحاب أغنام وأنعام يجتمعون حول الآبار ليسقوا أنعامهم وأغنامهم .
يقول القرآن في هذا الصدد : {فلما ورد ماء مدين وجد عليه أمّة من الناس يسقون ووجد من دونهما امرأتين تذودان} (3) .
فحركه هذا المشهد . . . حفنة من الشبان الغلاظ يملأون الماء ويسقون الأغنام ، ولا يفسحون المجال لأحد حتى يفرغوا من أمرهم . . بينما هناك امرأتان تجلسان في زاوية بعيدة عنهم ، وعليهم آثار العفّة والشرف ، جاء إليهما موسى (عليه السلام) ليسألهما عن سبب جلوسهما هناك و{قال ما خطبكما} (4) .
وَلِمَ لا تتقدمان وتسقيان الأغنام ؟!
لم يرق لموسى (عليه السلام) أن يرى هذا الظلم ، وعدم العدالة وعدم رعاية المظلومين ، وهو يريد أن يدخل مدينة مدين ، فلم يتحمل ذلك كله ، فهو المدافع عن المحرومين ومن أجلهم ضرب قصر فرعون ونعمته عرض الحائط وخرج من وطنه ، فهولا يستطيع أن يترك طريقته وسيرته وأن يسكت أمام الجائرين الذين لا ينصفون المظلوم ! . .
فقالت البنتان : إنّهما تنتظران تفرق الناس وأن يسقي هؤلاء الرعاة اغنامهم : {قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء} (5) .
ومن أجل أن لا يسأل موسى : أليس لكما أب؟ ولماذا رضي بارسال بناته للسقي مكانه ، أضافتا مكملتين كلامهما {وأبونا شيخ كبير} فلا هو يستطيع أن يسقي الأغنام ، وليس عندنا أخ يعينه على الأمر فلا حيلة لنا إلاّ أن نؤدي نحن هذا الدور .
فتأثر موسى (عليه السلام) من سماعه حديثهما بشدة . فأي أناس هؤلاء لا ينصفون المظلوم ، ولا هم لهم غير أنفسهم .
فتقدم وأخذ الدلو وألقاها في البئر . . يقال : إن هذه الدلوكان يجتمع عليها عدّة نفر ليخرجوها بعد امتلائها من الماء ، إلاّ أن موسى (عليه السلام) استخرجها بقوته وشكيمته وهمّته بنفسه دون أن يعينه أحد {فسقى لهما} أغنامهما .
ويقال : إنّ موسى (عليه السلام) حين اقترب من البئر لام الرعاء ، قال : أي أناس أنتم لا همّ لكم إلاّ أنفسكم! وهاتان البنتان جالستان؟! ففسحوا له المجال وقالوا له : هلمّ واملأ الدلو ، وكانوا يعلمون أن هذه الدلوحين تمتليء لا يستخرجها إلاّ عشرة أنفار من البئر .
ولكن موسى (عليه السلام) بالرغم من تعب السير في الطريق والجوع ملأ الدلو وسحبها بنفسه وسقى أغنام المرأتان جميعها . . {ثمّ تولّى إلى الظل وقال ربّ إنّي لما أنزلت إلىّ من خير فقير} .
أجل . . إنّه متعب وجائع ، ولا أحد يعرفه في هذه المدينة ، فهو غريب ، وفي الوقت ذاته كان مؤدباً وإذا دعا الله فلا يقول : ربّ إنّي أريد كذا وكذا ، بل يقول : {ربّ إنّي لما أنزلت إلي من خير فقير} أي إنّه يكشف عن حاجته فحسب ، ويترك الباقي إلى لطف الله سبحانه .
لكن هلمّ إلى العمل الصالح ، فكم له من أثر محمود! وكم له من بركات عجيبة! خطوة نحو الله ملءُ دلو من أجل إنصاف المظلومين ، فتح لموسى فصلا جديداً ، وهيأ له من عالم عجيب من البركات المادية والمعنوية . . ووجد ضالته التي ينبغي أن يبحث عنها سنين طوالا .
وبداية هذا الفصل عندما جاءته احدى البنتين تخطو بخطوات ملؤها الحياء والعفة ويظهر منها أنّها تستحي من الكلام مع شاب غريب : رجوعهما إليه بهذه السرعة على غير ما اعتادتا عليه ، فقصتا عليه الخبر ، فأرسل خلفه {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء} فلم تزد على أن {قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} .
فلمع في قلبه إشراقٌ من الأمل ، وكأنّه أحس بأنّ واقعة مهمّة تنتظره وسيواجه رجلا كبيراً ! . . رجلا عارفاً بالحق وغير مستعد أن يترك أي عمل حتى لوكان ملء الدلو أن يجزيه عليه ، هذا الرجل ينبغي أن يكون انساناً نموذجياً ورجلا سماوياً وإلهيّاً . . ربّاه . . ما أروعها من فرصة .
أجل ، لم يكن ذلك الشخص الكبير سوى «شعيب» النّبي الذي كان يدعو الناس لسنين طوال نحو الله ، كان مثلا لمن يعرف الحق ويطلب الحق ، واليوم إذ تعود بنتاه بسرعة يبحث عن السبب ، وحين يعرف الأمر يقرر أن يؤدي ما عليه من الحق لهذا الشاب كائناً من كان .
تحرك موسى (عليه السلام) ووصل منزل شعيب ، وطبقاً لبعض الروايات ، فإنّ البنت كانت تسير أمام موسى لتدله على الطريق ، إلاّ أن الهواء كان يحرّك ثيابها وربّما انكشف ثوبها عنها ، ولكن موسى لما عنده من عفة وحياء طلب منها أن تمشي خلفه وأن يسير أمامها ، فإذا ما وصلا إلى مفترق طرق تدله وتخبره من أي طريق يمضي إلى دار أبيها شعيب : (6)
دخل موسى (عليه السلام) منزل شعيب (عليه السلام) ، المنزل الذي يسطع منه نور النبوّة . . وتشع
فيه الروحانية من كل مكان . . وإذا شيخ وقور يجلس ناحيةً من المنزل يرحب بقدوم موسى (عليه السلام) ، ويسأله :
من أين جئت ؟! وما عملك ؟! وما تصنع في هذه المدينة . وما مرادك وهدفك هنا ؟!
ولِمَ أراك وحيداً ؟!
وأسئلة من هذا القبيل . .
يقول القرآن في هذا الصدد : {فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين} فأرضنا بعيدة عن سيطرتهم وسطوتهم ولا تصل أيديهم إلينا ، فلا تقلق ولا تشعر نفسك الوحشة ، فأنت في مكان آمن ولا تفكر بالغربة ، فكل شيء بلطف الله سيتيسر لك ! . .
فالتفت موسى إلى أنّه وجد استاذاً عظيماً . . تنبع من جوانبه عيون العلم والمعرفة والتقوى ، وتغمر وجوده الروحانيّة . . ويمكن أن يروي ظمأه منه .
كما أحسّ شعيب أنّه عثر على تلميذ جدير ولائق ، وفيه استعداد لأن يتلقى علومه وينقل إليه تجارب العمر !
أجل . . كما أن موسى شعر باللذة حين وجد أستاذاً عظيماً . . كذلك أحس شعيب بالفرح والسرور حين عثر على تلميذ مثل موسى .
قال تعالى : {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } [القصص : 26 - 28] .
موسى في دار شعيب :
هذا هو المقطع السادس من قصّة حياة موسى (عليه السلام) المثيرة ، جاء موسى إلى منزل شعيب ، منزل قرويّ بسيط ، منزل نظيف ومليء بالروحيّة العالية ، وبعد أن قصّ عليه قصّته ، بادرت إحدى بنتي شعيب بالقول ـ وبعبارة موجزة ـ : إنّني أقترح أن تستأجره لحفظ الأغنام ورعايتها : و {قالت يا أبت استأجره إنّ خير من استأجرت القويُّ الأمين} .
هذه البنت التي تربّت في حجر النّبي الكبير ، ينبغي أن تتحدث بمثل هذا الحديث الوجيز الكريم ، وأن تؤدي الكلام حقّه بأقلّ العبارات .
تُرى من أين عرفت هذه البنت أنّ هذا الشاب قويُّ وأمين أيضاً؟ مع أنّها لم تره الاّ لأوّل مرّة على البئر ، ولم تتّضح لها سوابق حياته !
والجواب على هذا السؤال واضح وجليّ . . إذ لاحظت قوته وهو يُنحيّ الرعاء عن البئر ويملأ القربة الثقيلة لوحده ويطالب بحق المظلوم ، وأمّا أمانته وصدقه فقد اتّضحا لها منذ أن سارت أمامه إلى بيت أبيها ، فطلب منها أن تتأخر ويتقدمها ، لئلا تضرب الريح ثيابها ! .
أضف إلى ذلك . . من خلال نقله قصته لشعيب فقد اتّضحت قوته في دفعه القبطي عن الإسرائيلي وقتله إيّاه بضربة واحدة . . وأمانته وصدقه . . في عدم مساومته الجبابرة .
فرضي شعيب (عليه السلام) باقتراح ابنته ، وتوجه إلى موسى و {قال إنّي أريد أن أُنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} ثمّ أضاف قائلا : {فإن أتممت عشراً فمن عندك} (7) .
وعلى كل حال ، فلا أريد إيذاءك {وما أريد أن أشقّ عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين} .
فأنّا ألتزم بالعهد والميثاق وأفي بما نتعاقد عليه ، ولا أشدّد عليك في الأمور ، وأتعامل معك معاملة حسنة وصالحة . . إن شاء الله .
ومن خلال هذا الإقتراح هناك أسئلة كثيرة حول الزواج من ابنة شعيب والمهر وسائر الخصوصيات ، وسنبحث عنها في البحوث القادمة إن شاء الله .
واستجابة لهذا القرار والعقد الذي أنشأه شعيب مع موسى . . وافق موسى و {قال ذلك بيني وبينك} . .
ثمّ أردف مضيفاً بالقول : {أيّما الأجلين قضيت فلا عدوان عليَّ} أي سواءً قضيت عشر سنين أو ثماني سنين «حجج» فلا عدوان علي . .
ومن أجل استحكام العقد بينهما جعل موسى(عليه السلام) اللّه كفيلا وقال : {والله على ما نقول وكيل !} .
وبهذه البساطة اصبح موسى صهراً لشعيب على ابنته .
________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص554-564 .
2 ـ «تلقاء» مصدر أواسم مكان ، ومعناه هنا : الجهة والصوب الذي قصده .
3 ـ «تذودان» مشتقة من «ذود» على زنة «زرد» ومعناها المنع ، فهما إذاً كانتا تذودان أغنامهما لئلا تختلط بالأغنام الأُخرى .
4 ـ ما خطبكما : أي ما شأنكما وما شغلكما هنا ؟!
5 ـ «يصدر» مأخوذ من مادة «صدر» ومعناه الخروج من الماء ، «والرعاء» جمع راع ، وهو سائس الغنم .
6 ـ انظر : أبو الفتوح الرازي ـ ذيل الآيات .
7 ـ هذا المضمون نفسه ورد في رواية منقولة في تفسير علي بن إبراهيم ، فقال لها شعيب : أمّا قوته فقد عرفتينه إنّه يستقى الدلو وحده ، فبم عرفت أمانته؟ فقالت : «إنّه لمّا قال لي تأخري عنّي ودليني على الطريق فإنّا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء عرفت أنّه ليس من الذين ينظرون أعجاز النساء فهذه أمانته» .