1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : التفسير الجامع : حرف القاف : سورة القصص :

تفسير الآية (7-13) من سورة القصص

المؤلف:  إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية

المصدر:  تفاسير الشيعة

الجزء والصفحة:  .....

3-10-2020

7548

قال تعالى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَو نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص : 7 - 13] .

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

بيّن سبحانه كيف دبر في إهلاك فرعون وقومه منبها بذلك على كمال قدرته وحكمته فقال {وأوحينا إلى أم موسى} أي ألهمناها وقذفنا في قلبها وليس بوحي نبوة عن قتادة وغيره وقيل أتاها جبرائيل (عليه السلام) بذلك عن مقاتل وقيل كان هذا الوحي رؤيا منام عبر عنها من يثق به من علماء بني إسرائيل عن الجبائي {أن أرضعيه} ما لم تخافي عليه الطلب {فإذا خفت عليه} في القتل الذي أمر به فرعون في أبناء بني إسرائيل {فألقيه في اليم} أي في البحر وهو النيل {ولا تخافي} عليه الضيعة {ولا تحزني} من فراقه {إنا رادوه إليك} سالما عن قريب {وجاعلوه من المرسلين} والأنبياء وفي هذه الآية أمران ونهيان وخبران وبشارتان وحكي أن بعضهم سمع بدوية تنشد أبياتا فقال لها ما أفصحك فقالت الفصاحة لله تعالى وذكرت هذه الآية وما فيها .

قال وهب بن منبه لما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها عن جميع الناس فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله وذلك شيء ستره الله تعالى لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل فلما كانت السنة التي يولد فيها موسى بعث فرعون القوابل وتقدم إليهن أن يفتشن النساء تفتيشا لم يفتشنه قبل ذلك رحلت أم موسى بموسى فلم ينت(2) بطنها ولم يتغير لونها ولم يظهر لبنها فكانت القوابل لا يعرضن لها .

فلما كانت الليلة التي ولد فيها موسى ولدته أمه ولا رقيب عليها ولا قابلة ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم فأوحى الله تعالى إليها {أن أرضعيه} الآية قال فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك فلما خافت عليه عملت له تابوتا مطبقا ومهدت له فيه ثم ألقته في البحر ليلا كما أمرها الله تعالى .

قال ابن عباس : لما قربت ولادة أم موسى وكانت قابلة من النساء اللاتي وكلهن فرعون بحبالي بني إسرائيل مصافية لأم موسى فلما ضربها الطلق أرسلت إليها فجاءت فعالجتها فلما ولد موسى رأت نورا بين عينيه فارتعش كل مفصل منها ودخل حب موسى في قلبها ثم قالت يا هذه ما جئت إليك إلا ومن ورائي قتل مولودك ولكن وجدت لابنك هذا حبا ما وجدت حب شيء مثل حبه فاحفظي ابنك فإني أراه هو عدونا .

فلما خرجت من عندها القابلة بصرتها العيون فجاؤوا ليدخلوا على أم موسى فقالت أخته يا أماه هذا الحرس بالباب فلفت موسى في خرقة فوضعته في تنور مسجور فدخلوا فإذا التنور مسجور ورأوا أم موسى لم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن فخرجوا من عندها وانطلقت إلى الصبي وقد جعل الله النار عليه بردا وسلاما قال ثم لما رأت إلحاح فرعون في الطلب خافت على ابنها فانطلقت إلى نجار من قوم فرعون فاشترت منه تابوتا فقال النجار ما تصنعين بهذا التابوت؟ قالت إن لي ابنا أخبئه في التابوت وكرهت الكذب فلما اشترت التابوت وحملته انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى فلم يطق الكلام فرجع وأخذ في النجر فانطلق لسانه فرجع ثانيا فلما انتهى إليهم اعتقل لسانه هكذا ثلاث مرات فعلم أن ذلك أمر إلهي .

{فالتقطه آل فرعون} أي أصابوه وأخذوه من غير طلب {ليكون لهم عدوا وحزنا} أي ليكون لهم في عاقبة أمره كذلك لا أنهم أخذوه لهذا كما يقال لمن كسب مالا فأداه ذلك إلى الحتف والهلاك إنما كسب فلان لحتفه وهو لم يطلب المال للحتف {إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين} أي عاصين ربهم في أفعالهم .

وكانت القصة في ذلك أن النيل جاء بالتابوت إلى موضع فيه فرعون وامرأته على شط النيل فأمر فرعون فأتي به وفتحت آسية بنت مزاحم بابه فلما نظرت إليه ألقى الله في قلبها محبة موسى وكانت آسية بنت مزاحم امرأة من بني إسرائيل استنكحها فرعون وهي من خيار النساء ومن بنات الأنبياء وكانت أما للمؤمنين ترحمهم وتتصدق عليهم ويدخلون عليها فلما نظر فرعون إلى موسى غاظه ذلك وقال كيف أخطأ هذا الغلام الذبح قالت آسية وهي قاعدة إلى جنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة وإنك أمرت أن يذبح الولدان لهذه السنة فدعه يكن قرة عين لي ولك وذلك قوله تعالى {وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا} وإنما قالت ذلك لأنه لم يكن له ولد فأطمعته في ولد .

قال ابن عباس إن أصحاب فرعون لما علموا بموسى جاءوا ليقتلوه فمنعتهم وقالت لفرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه قال فرعون قرة عين لك وأما لي فلا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) والذي يحلف به لو أقر فرعون بأن يكون له قرة عين كما أقرت امرأته لهداه الله به كما هداها ولكنه أبى للشقاء الذي كتبه الله عليه .

{وهم لا يشعرون} أي لا يشعرون أن هلاكهم على يديه وقيل لا يشعرون أن هذا هو المطلوب الذي يطلبونه {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا} أي خاليا من كل شيء إلا من ذكر موسى أي صار فارغا له عن ابن عباس وقتادة والضحاك وقيل فارغا من الحزن لعلمها أن ابنها ناج سكونا إلى ما وعدها الله تعالى به وقيل فارغا من الوحي الذي أوحي إليها بنسيانها فإنها نسيت ما وعدها الله تعالى به عن الحسن وابن زيد {إن كادت لتبدي به} معناه أنها كادت تبدي بذكر موسى فتقول يا ابناه من شدة الغم والوجد عن ابن عباس وقتادة والسدي وقيل معناه كادت تصيح على ابنها شفقة عليه من الغرق عن مقاتل وقيل معناه همت بأن تقول أنها أمه لما رأته عند دعاء فرعون إياها للإرضاع لشدة سرورها به عن جعفر بن حرب وقيل معناه أنها كادت تبدي بالوحي {لولا أن ربطنا على قلبها} بالصبر واليقين والربط على القلب إلهام والصبر وتقويته عن الزجاج وقيل معناه لولا أن قوينا قلبها بالعصمة والوحي وجواب لولا محذوف والتقدير لولا أن ربطنا على قلبها لأظهرته {لتكون من المؤمنين} أي فعلنا ذلك لتكون من جملة المصدقين بوعدنا الواثقين بوحينا وقولنا {إنا رادوه إليك} .

ثم ذكر سبحانه لطف صنعه في تسخيره لفرعون حتى تولى تربية موسى فقال {وقالت} يعني أم موسى {لأخته} يعني أخت موسى واسمها كلثمة عن الضحاك {قصيه} أي اتبعي أثره وتعرفي خبره {فبصرت به عن جنب} في الكلام حذف واقتصار تقديره فذهبت أخت موسى فوجدت آل فرعون قد أخرجوا التابوت وأخرجوا موسى فبصرت به وهذا من الإيجاز الدال على الإعجاز باللفظ القليل المعنى على المعنى الكثير أي فرأت أخاها موسى عن جنب أي عن بعد عن مجاهد وقيل عن جانب تنظر إليه كأنها لا تريده عن قتادة وتقديره عن مكان جنب .

{وهم لا يشعرون} أي وآل فرعون لا يشعرون أنها أخته عن قتادة وقيل معناه وهم لا يشعرون أنها جاءت متعرفة عن خبره ويمكن أن يكون سبحانه كرر هذا القول تنبيها على أن فرعون لوكان إلها لكان يشعر بهذه الأمور {وحرمنا عليه المراضع} المعنى أنه لا يؤتى بمرضع فيقبلها وتأويله منعناهن منه وبغضناهن إليه عن ابن عباس وقيل هو جمع مرضع بمعنى الرضاع أي منعناه من الرضاع فهذا تحريم منع لا أن هناك نهيا عن الفعل ومثله قول امرىء القيس :

جالت لتصرعني فقلت لها اقصري *** إني امرؤ صرعي عليك حرام (3)

أي صرعي ممتنع عليك فإني فارس أمنعك من ذلك ويقال فلان حرم على نفسه كذا أي امتنع منه كما يمتنع بالنهي {من قبل} أي من قبل مجيء أخته وقيل من قبل رده على أمه {فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم} وهذا يدل على أن الله تعالى ألقى محبته في قلب فرعون فلشدة محبته وغاية شفقته عليه طلب له المراضع وكان موسى لا يقبل ثدي واحدة منهن بعد أن أتته مرضع بعد مرضع فلما رأت أخته وجدهم به وحبهم له ورقتهم عليه قالت لهم هل أدلكم على أهل بيت يقبلون هذا الولد ويبذلون النصح في أمره ويحسنون تربيته ويضمنون لكم القيام بأمره {وهم له ناصحون} يشفقون عليه وينصحونه وقيل أنه لما قالت أخته ذلك قال هامان إن هذه المرأة تعرف أن هذا الولد من أي أهل بيت هو فقالت هي إنما عنيت أنهم ناصحون للملك فأمسكوا عنها .

{فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن} يعني عين أمه وانطلقت أخت موسى إلى أمها فجاءت بها إليهم فلما وجد موسى ريح أمه قبل ثديها وسكن بكاؤه وقيل إن فرعون قال لأمه كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك فقالت لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتي بصبي إلا ارتضع مني فسر فرعون بذلك {ولتعلم أن وعد الله حق} أراد به ما وعدها الله به في الآية المتقدمة لقوله إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين {ولكن أكثرهم لا يعلمون} تحقيق ذلك الوعد كما علمت .

_______________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص416-421 .

2- نتا ينتو الشيء ، ارتفع . ورد في بعض النسخ : ((فلم ينتأ)) بالهمزة ، ومعناهما واحد .

3- الضمائر ترجع الى الناقة المذكورة في الابيات السابقة على هذا البيت .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{وأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ} . المراد بالوحي هنا الإلهام مثل قوله تعالى : {وأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل - 68] . ونقلنا في ج 3 ص 373 عن كتاب (قصص القرآن) ان اسم أم موسى يوكابد ، ثم قرأنا في التوراة ان هذا هو اسمها ، وانه قد تزوجها ابن أخيها عمرام أبوموسى ، وفي قاموس الكتاب المقدس ان معنى يوكابد في العبرانية (يهوه مجد) وان موسى كان أصغر أولاد أبيه ، وثالث ثلاثة : مريم البكر ، وهارون الثاني . {فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} . إذا خافت عليه من الذبح تلقيه بيدها في لجة البحر ! . . كيف ؟

وأي عاقل يستجير من الرمضاء بالنار ؟ {ولا تَخافِي ولا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} . ولا تخافي عليه : ان اللَّه هو الحافظ له والوكيل ، فالذي جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم يجعل البحر أمانا لموسى ، أخبرها سبحانه بسلامة وليدها ، وانها ستربيه وتحضنه ، وبشرها بأنه قد اختاره لرسالته ، وخصه برحمته . وتقدم نظيره في الآية 39 من سورة طه .

{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وحَزَناً} . التقطوه وربوه لينفعهم أو يتخذوه ولدا ، فكان عاقبة أمره ان صار عدوا لعقيدتهم وعاداتهم ، يدخل الهم والحزن على قلوبهم ، وفي النهاية كان مصرعهم وذهاب ملكهم على يده {إِنَّ فِرْعَوْنَ وهامانَ وجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ} ضالين في جميع أعمالهم وتصرفاتهم ، وبخاصة قتلهم ألوف الصبيان ليتخلصوا من موسى ، فكانت النتيجة ان خلصوه هومن الموت ليقضي عليهم . وفي قاموس الكتاب المقدس (2) ان حياة موسى في بيت فرعون مجهولة التفاصيل ، وان العلماء المؤرخين اختلفوا في زمانه ، فقال بعضهم : انه كان في أيام أمون ( 1436 - 1411 ق . م . ) . وقال آخرون : انه كان في أيام رعمسيس الثاني ( 1290 - 1223 ق . م . ) وقال ثالث : كان في أيام منفتاح ( 1223 - 1211 ق . م . ) .

{وقالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي ولَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَو نَتَّخِذَهُ وَلَداً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ} . امرأة فرعون هي آسية بنت مزاحم ، وقد أثنى اللَّه عليها في الآية 11 من سورة التحريم : {وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ ونَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وعَمَلِهِ ونَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . وفي الحديث : (خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد) . .

ولما نظر فرعون إلى موسى ثار وقال : كيف سلم هذا الصبي العبري من الذبح ؟

هل خفي أمره على العيون والجواسيس ، أو أخفوه عني ؟ . . فتلطفت به امرأته ، وحبّبته بالصبي ليكون قرة عين لهم ، فكان قذى في عيونهم ، وشجى لقلوبهم .

{وأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَولا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . ألقت وليدها في البحر ، وهي تأمل أن يلتقطه من يحفظه من فرعون ، وإذا بالقدر يخرجه من البحر إلى بيت فرعون . . ولما أتاها الخبر انه وقع في يد الجلاد توقعت هلاكه ، فجزعت جزعا شديدا ، ونسيت نفسها ، وما كان قد وعدها اللَّه به من رده إليها ، وكادت تظهر جزعها ، وتهتف باسم عزيزها ، ولكن اللَّه شملها بلطفه وعنايته ، فثبتها لتكون من المؤمنين بوعده ، وهو قوله سبحانه : {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} فصبرت وتمالكت {وقالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} اذهبي وتلمسي خبره ، فذهبت فرأت أخاها عند آل فرعون {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وهُمْ لا يَشْعُرُونَ} . نظرته نظرة جانبية كأنها لا تريده بالذات ، وآل فرعون لا يعلمون قصدها وانها أخت هذا الصبي الذي التقطوه من اليمّ .

{وحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ} . استمع فرعون لامرأته وأبقى الصبي بعد أن ألقى اللَّه محبته في قلبه ، وأمر بالبحث عن مرضعة تكفله وترعاه ، وسيقت إليه المراضع من هنا وهناك ، وكل واحدة تود لو يقبل ثديها لتنال المنزلة عند فرعون ، ولكنه عاف الجميع ونفر منهن قبل مجيء أمه {فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وهُمْ لَهُ ناصِحُونَ} . لما رأت أخت موسى حيرة آل فرعون في أمر الصبي عرضت عليهم أن ترشدهم إلى من يقبل ثديها من دون النساء ، وتهتم بشأنه ، ولا تقصر في رعايته . وتقدم مثله في الآية 40 من سورة طه {فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها ولا تَحْزَنَ} أيضا تقدم في الآية 40 من سورة طه {ولِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} . ضمير تعلم يعود إلى أم موسى ، والمراد بوعده تعالى قوله لها : {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} وليس لما وعد اللَّه مترك ولكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ لطائف تدبيره تعالى ، وغوامض حكمه .

______________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص ٥١-53 .

2- يطلق المسيحيون اسم الكتاب المقدس على التوراة والأناجيل الأربعة ، والقاموس المذكور يبين معاني الكلمات التي جاءت في الكتاب المقدس ، ويشير إلى تاريخ الوقائع والأشخاص ، وغير ذلك مما يتصل بالتوراة والأناجيل .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم} إلى آخر الآية ، الإيحاء هو التكليم الخفي ويستعمل في القرآن في تكليمه تعالى بعض خلقه بنحو الإلهام والإلقاء في القلب كما في قوله : {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا } [الزلزلة : 5] ، وقوله : {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل : 68] ، وقوله في أم موسى : {وأوحينا إلى أم موسى} الآية أو بنحو آخر كما في الأنبياء والرسل ، وفي غيره تعالى كما في قوله : {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام : 121] ، والإلقاء الطرح ، واليم البحر والنهر الكبير .

وقوله : {وأوحينا إلى أم موسى} في الكلام إيجاز بالحذف والتقدير وحبلت أم موسى به - والحال هذه الحال من الشدة والحدة - ووضعته وأوحينا إليها إلخ .

والمعنى : وقلنا بنوع من الإلهام لأم موسى لما وضعته : أرضعيه ما دمت لا تخافين عليه من قبل فرعون فإذا خفت عليه - أن يطلع عليه آل فرعون فيأخذوه ويقتلوه - فألقيه في البحر وهو النيل على ما وردت به الرواية ولا تخافي عليه القتل ولا تحزني لفقده ومفارقته إياك إنا رادوه إليك بعد ذلك وجاعلوه من المرسلين فيكون رسولا إلى آل فرعون وبني إسرائيل .

فقوله : {إنا رادوه إليك} تعليل للنهي في قوله : {ولا تحزني} كما يشهد به أيضا قوله بعد : {فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن} والفرق بين الخوف والحزن بحسب المورد أن الخوف إنما يكون في مكروه محتمل الوقوع والحزن في مكروه قطعي الوقوف .

قوله تعالى : {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين} الالتقاط أصابه الشيء وأخذه من غير طلب ، ومنه اللقطة واللام في قوله : {ليكون لهم عدوا وحزنا} للعاقبة - على ما قيل - والحزن بفتحتين والحزن بالضم فالسكون بمعنى واحد كالسقم والسقم ، والمراد بالحزن سبب الحزن فإطلاق الحزن عليه مبالغة في سببيته لحزنهم .

والخاطئين اسم فاعل من خطىء يخطأ خطأ كعلم يعلم علما كما أن المخطئ اسم فاعل من أخطأ يخطىء إخطاء ، والفرق بين الخاطىء والمخطىء على ما ذكره الراغب أن الخاطىء يطلق على من أراد فعلا لا يحسنه ففعله قال تعالى : {إن قتلهم كان خطأ كبيرا} ، وقال : {وإن كنا لخاطئين} ، والمخطىء يستعمل فيمن أراد فعلا يحسنه فوقع منه غيره واسم مصدره الخطأ بفتحتين ، قال تعالى : {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً } [النساء : 92] ، والمعنى الجامع هو العدول عن الجهة .

انتهى ملخصا .

فقوله : {إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين} أي فيما كانوا يفعلونه في أبناء بني إسرائيل وموسى تحذرا من انهدام ملكهم وذهاب سلطانهم بيدهم إرادة لتغيير المقادير عن مجاريها فقتلوا الجم الغفير من الأبناء ولا شأن لهم في ذلك وتركوا موسى حيث التقطوه وربوه في حجورهم وكان هو الذي بيده انقراض دولتهم وزوال ملكهم .

والمعنى : فأصابه آل فرعون وأخذوه من اليم وكان غاية ذلك أن يكون لهم عدوا وسبب حزن إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين في قتل الأبناء وترك موسى : أرادوا أن يقضوا على من سيقضي عليهم فعادوا يجتهدون في حفظه ويجدون في تربيته .

وبذلك يظهر أن تفسير بعضهم كونهم خاطئين بأنهم كانوا مذنبين فعاقبهم الله أن ربى عدوهم على أيديهم ليس بسديد .

قوله تعالى : {وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون} شفاعة من امرأة فرعون وقد كانت عنده حينما جاءوا إليه بموسى – وهو طفل ملتقط من اليم - تخاطب فرعون بقوله : {قرة عين لي ولك} أي هو قرة عين لنا {لا تقتلوه} وإنما خاطب بالجمع لأن شركاء القتل كانوا كثيرين من سبب ومباشر وآمر ومأمور .

وإنما قالت ما قالت لأن الله سبحانه ألقى محبة منه في قلبها فعادت لا تملك نفسها دون أن تدفع عنه القتل وتضمه إليها ، قال تعالى فيما يمن به على موسى (عليه السلام) : {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } [طه : 39] .

وقوله : {عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا} قالته لما رأت في وجهه من آثار الجلال وسيماء الجذبة الإلهية ، وفي قولها : {أو نتخذه ولدا} دلالة على أنهما كانا فاقدين للابن .

وقوله : {وهم لا يشعرون} جملة حالية أي قالت ما قالت وشفعت له وصرفت عنه القتل والقوم لا يشعرون ما ذا يفعلون وما هي حقيقة الحال وما عاقبته؟ قوله تعالى : {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين} الإبداء بالشيء إظهاره ، والربط على الشيء شدة وهو كناية عن التثبيت .

والمراد بفراغ فؤاد أم موسى فراغه وخلوه من الخوف والحزن وكان لازم ذلك أن لا يتوارد عليه خواطر مشوشة وأوهام متضاربة يضطرب بها القلب فيأخذها الجزع فتبدي ما كان عليها أن تخفيه من أمر ولدها .

وذلك أن ظاهر السياق أن سبب عدم إبدائها له فراغ قلبها وسبب فراغ قلبها الربط على قلبها وسبب الربط هو قوله تعالى لها فيما أوحى إليها : {لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك} إلخ .

وقوله : {إن كادت لتبدي به لولا} إلخ ، {إن} مخففة من الثقيلة أي إنها قربت من أن تظهر الأمر وتفشي السر لولا أن ثبتنا قلبها بالربط عليه ، وقوله : {لتكون من المؤمنين} أي الواثقين بالله في حفظه فتصبر ولا تجزع عليه فلا يبدو أمره .

والمجموع أعني قوله : {إن كادت لتبدي به} إلى آخر الآية في مقام البيان لقوله : {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا} ومحصل معنى الآية وصار قلب أم موسى بسبب وحينا خاليا من الخوف والحزن المؤديين إلى إظهار الأمر ، لولا أن ثبتنا قلبها بسبب الوحي لتكون واثقة بحفظ الله له لقربت من أن تظهر أمره لهم بالجزع عليه .

وبما تقدم يظهر ضعف بعض ما قيل في تفسير جمل الآية كقول بعضهم في {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا} أي صفرا من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوع الطفل في يد فرعون ، وقول آخرين : أي فارغا من الوحي الذي أوحي إليها بالنسيان ، وما قيل : أي فارغا من كل شيء إلا ذكر موسى أي صار فارغا له .

فإنها جميعا وجوه لا يحتمل شيئا منها السياق .

ونظير ذلك في الضعف قولهم : إن جواب لولا محذوف والتقدير لولا أن ربطنا على قلبها لأبدته وأظهرته ، والوجه في تقديرهم ذلك ما قيل : إن لولا شبيهه بأدوات الشرط فلها الصدر ولا يتقدم جوابها عليها .

وقد تقدمت المناقشة فيه في الكلام على قوله تعالى : {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف : 24] .

قوله تعالى : {وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون} قال في المجمع : ، القص اتباع الأثر ومنه القصص في الحديث لأنه يتبع فيه الثاني الأول .

وقال : ومعنى بصرت به عن جنب أبصرته عن جنابة أي عن بعد .

انتهى .

والمعنى : وقالت أم موسى لأخته اتبعي أثر موسى حتى ترين إلام يئول أمره فرأته عن بعد وقد أخذه خدم فرعون وهم لا يشعرون بأنها تقصه وتراقبه .

قوله تعالى : {وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون} التحريم في الآية تكويني لا تشريعي ومعناه جعله بحيث لا يقبل ثدي مرضع ويمتنع من ارتضاعها .

وقوله : {من قبل} أي من قبل حضورها هناك ومجيئها إليهم والمراضع جمع مرضعة كما قيل .

وقوله : {فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه وهم له ناصحون} تفريع على ما تقدمه غير أن السياق يدل على أن هناك حذفا كأنه قيل : وحرمنا عليه المراضع غير أمه من قبل أن تجيء أخته فكلما أتوا له بمرضع لترضعه لم يقبل ثديها فلما جاءت أخته ورأت الحال قالت عند ذلك لآل فرعون : هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لنفعكم وهم له ناصحون؟ .

قوله تعالى : {فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون} تفريع على ما تقدمه مع تقدير ما يدل عليه السياق ، والمحصل أنها قالت : هل أدلكم على أهل بيت كذا فأنعموا لها بالقبول فدلتهم على أمه فسلموه إليها فرددناه إلى أمه بنظم هذه الأسباب .

وقوله : {كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم} إلخ ، تعليل للرد والمراد بالعلم هو اليقين بالمشاهدة فإنها كانت تعلم من قبل أن وعد الله حق وكانت مؤمنة وإنما أريد بالرد أن توقن بالمشاهدة أن وعد الله حق .

والمراد بوعد الله مطلق الوعد الإلهي بدليل قوله : {ولكن أكثرهم لا يعلمون} أي لا يوقنون بذلك ويرتابون في مواعده تعالى ولا تطمئن إليها نفوسهم ، ومحصله أن توقع بمشاهدة حقية هذا الذي وعدها الله به أن مطلق وعده تعالى حق .

وربما يقال : إن المراد بوعد الله خصوص الوعد المذكور في الآية السابقة : {إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} ولا يلائمه قوله بعد : {ولكن} إلخ على ما تقدم .

_______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص8-12 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

في قصر فرعون !

من أجل رسم مثل حيّ لانتصار المستضعفين على المستكبرين ، يدخل القرآن المجيد في سرد قصّة موسى وفرعون ، ويتحدث بالخصوص عن مراحل يكون فيها موسى في أشدّ حالات الضعف ، أمّا فرعون فهو في أقوى الحالات وأكثرها هيمنة . . ليتجسّد انتصار مشيئة الله على إرادة الجبابرة في أعلى الصور وأحسن الوجوه . .

يقول القرآن : {وأوحينا إلى أُمّ موسى أن أرضعيه فإذا خفِت عليه فالقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين} .

وهذه الآية على ايجازها تشتمل على أمرين ونهيين وبشارتين ، وهي خلاصة قصّة كبيرة وذات أحداث ومجريات ننقلها بصورة مضغوطة :

كانت سُلطة فرعون وحكومته الجائرة قد خططت تخطيطاً واسعاً لذبح «الأطفال» من بني إسرائيل حتى أن القوابل

[ من آل فرعون] كن يراقبن النساء الحوامل [من بني إسرائيل] .

ومن بين هؤلاء القوابل كانت قابلة لها علاقة مودّة مع أمّ موسى (عليه السلام) «وكان الحمل خفيّاً لم يظهر أثره على أم موسى» وحين أحست أم موسى بأنّها مقرّب وعلى أبواب الولادة أرسلت خلف هذه القابلة وأخبرتها بالواقع ، وأنّها تحمل جنيناً في بطنها وتوشك أن تضعه ، فهي بحاجة ـ هذا اليوم ـ إليها .

وحين ولد موسى(عليه السلام) سطع نور بهيّ من عينيه فاهتزّت القابلة لهذا النور وطُبع حُبُّه في قلبها ، وأنار جميع زوايا قلبها .

فالتفتت القابلة إلى أم موسى وقالت لها : كنت أروم أن أخبر الجهاز الفرعوني بهذا الوليد ليأتي الجلاوزة فيقتلوه «وأنال بذلك جائزتي» ولكن ما عسى أن أفعل وقد وقع حبّه الشديد في قلبي ، وأنا غير مستعدة لأن تنقص ولو شعرة واحدة من رأسه ، فاهتمي بالمحافظة عليه ، وأظنّ أن عدوّنا المتوقع سيكون هذا الطفل أخيراً .

ثمّ خرجت القابلة من بيت أمّ موسى فرآها بعض الجواسيس من جلاوزة فرعون وصمموا على أن يدخلوا البيت ، فعرفت أخت موسى ما أقدموا عليه فأسرعت إلى أمّها وأخبرتها بأن تتهيأ للأمر ، فارتبكت ولم تدر ماذا تصنع؟! وفي هذه الحالة من الإرتباك وهي ذاهلة لفت وليدها «موسى» بخرقة وألقته في التنور فاذا بالمأمورين والجواسيس يقتحمون الدار ، فلم يجدوا شيئاً إلاّ التنور المشتعل ناراً . . فسألوا أم موسى عن سبب دخول القابلة عليها فقالت : إنّها صديقتي وقد جاءت زائرة فحسب ، فخرجوا ايسين .

ثمّ عادت أمّ موسى إلى رشدها وصوابها وسألت «أخت موسى» عن أخيها فأظهرت عدم معرفتها بمكانه ، وإذا البكاء يعلو من داخل التنور ، فركضت إلى التنور فرأت موسى مسالماً وقد جعل الله النّار عليه برداً وسلاماً «الله الذي نجّى إبراهيم الخليل من نار النمرود» فأخرجت وليدها سالماً من التنور .

لكن الأمّ لم تهدأ إذ أن الجواسيس يمضون هنا وهناك ويفتشون البيوت يمنة ويسرة ، وكان الخطر سيقع لو سمعوا صوت هذا الطفل الرضيع .

وفي هذه الحال اهتدت أم موسى بإلهام جديد ، إلهام ظاهره أنّه مدعاة للخطر ، ولكن مع ذلك أحسّت بالإطمئنان أيضاً .

كان ذلك من الله ولابدّ أن يتحقق ، فلبست ثياب عملها وصممت على أن تلقي وليدها في النيل .

فجاءت إلى نجّار مصري «وكان النجار من الأقباط والفراعنة أيضاً» فطلبت منه أن يصنع صندوقاً صغيراً .

فسألها النجار قائلا : ما تصنعين بهذا الصندوق مع هذه الأوصاف؟ ولكن الاُمّ لما كانت غير متعودة على الكذب لم تستطع دون أن تقول الحق والواقع ، وأنّها من بني إسرائيل ولديها طفل تريد إخفاءه في الصندوق .

فلمّا سمع النجّار القبطي هذا الخبر صمم على أن يخبر الجلاوزة والجلاّدين ، فمضى نحوهم لكن الرعب سيطر على قلبه فارتج على لسانه وكلّما حاول أن يفهمهم ولو كلمة واحدة لم يستطع ، فأخذ يشير إليهم إشارات مبهمة ، فظن أُولئك أنّه يستهزىء بهم فضربوه وطردوه ، ولما عاد إلى محله عاد عليه وضعه الطبيعي ، فرجع ثانية إليهم ليخبرهم فعادت عليه الحالة الأُولى من الإرتجاج والعيّ ، وأخيراً فقد فهم أن هذا أمر إلهي وسرّ خفي ، فصنع الصندوق وأعطاه لأم موسى .

ولعلّ الوقت كان فجراً والناس ـ بعد ـ نيام ، وفي هذه الحال خرجت أم موسى وفي يديها الصندوق الذي أخفت فيه ولدها موسى ، فاتجهت نحو النيل وأرضعت موسى حتى ارتوى ، ثمّ ألقت الصندوق في النيل فتلقفته الأمواج وأخذت تسير به مبتعدة عن الساحل ، وكانت أم موسى تشاهد هذا المنظر وهي على الساحل . . وفي لحظة أحست أن قلبها انفصل عنها ومضى مع الأمواج ، فلولا لطف الله الذي شملها وربط على قلبها لصرخت ولإنكشف الأمر واتضح كل شيء .

ولا أحد يستطيع أن يصور ـ في تلك اللحظات الحساسة ـ قلب الأُم بدقّة .

لا يستطيع أيّ أحد أن يصور حال أُم موسى وما أصابها من الهلع والفزع ساعة ألقت طفلها في النيل ولكنّ هذه الأبيات المترجمة عن الشاعرة «پروين اعتصامي» ـ بتصرف ـ تحكي صورة «تقريبية» عن ذلك الموقف :

أمّ موسى حين ألقت طفلها للذي رب السما أوحى لها

نظرت للنيل يمضي مسرعاً آه لو تعرف حقاً حالها

ودوي الموج فيه صاخب وفتاها شاغل بلبالها

* * *

وتناغيه بصمت : ولدي كيف يمضي بك هذا الزورق

دون ربان ، وإن ينسك من هو ذو لطف فمن ذا يشفق

فأتاها الوحي : مهلا ، ودعي باطل الفكر ووهما يزهق

* * *

إن موسى قد مضى للمنزل فاتق الله ولا تستعجلي

قد تلقينا الذي ألقيته بيد ترعى الفتى لا تجهلي

وخرير الماء أضحى مهده في اهتزاز مؤنس إن تسألي

* * *

وله الموج رؤوماً حدبا فاق من يحدب أمّا وأبا

كل نهر ليس يطغى عبثاً إن أمر الله كان السببا

* * *

يأمر البحر فيغدو هائجا وله الطوفان طوعاً مائجا

عالم الإيجاد من آثاره كل شيء لعلاه عارجا

* * *

أين تمضين دعيه فله خير ربّ يرتضيه لا هجا

كل هذا من جهة ! . .

ولكن تعالوا لنرى ما يجري في قصر فرعون ؟!

ورد في الأخبار أنّ فرعون كانت له بنت مريضة ، ولم يكن له من الأبناء سواها ، وكانت هذه البنت تعاني من آلام شديدة لم ينفعها علاج الأطباء ، فلجأ إلى الكهنة فقالوا له : نتكهّنُ ونتوقع أن إنساناً يخرج من البحر يكون شفاؤها من لعاب فمه حين يدهن به جسدها ، وكان فرعون وزوجه «آسية» في انتظار هذا «الحادث» وفي يوم من الأيّام . . فجأة لاح لعيونهما صندوق تتلاطمه أمواج النيل فلفت الأنظار ، فأمر فرعون عمّاله أن يأتوا به ليعرفوا ما به ؟!

ومثل الصندوق «المجهول» الخفيّ أمام فرعون ، ولم يتمكن أحد أن يفتحه .

بلى كان على فرعون أن يفتحه لينجو موسى على يد فرعون نفسه ، وفتح الصندوق على يده فعلا ! .

فلمّا وقعت عين آسية عليه سطع منه نور فأضاء قلبها ، ودخل حبّه في قلوب الجميع ، ولا سيما قلب امرأة فرعون «آسية» . . وحين شفيت بنت فرعون من لعاب فمه زادت محبّته أكثر فأكثر (2) .

ولنعد الآن إلى القرآن الكريم لنسمع خلاصة القصّة من لسانه! يقول القرآن في هذا الصدد : {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحزناً} .

كلمة «التقط» مأخوذة من مادة «التقاط» ومعناها في الأصل الوصول إلى الشيء دون جهد وسعي ، وإنّما سميت الأشياء التي يعثر عليها «لقطة» للسبب نفسه أيضاً . .

وبديهي أنّ الفراعنة لم يجلبوا الصندوق الذي فيه الطفل الرضيع من الماء ليربوه في أحظانهم فيكون لهم عدواً لدوداً ، بل أرادوه ـ كما قالت امرأة فرعون ـ قرة عين لهم .

ولكن النتيجة والعاقبة . . كان ما كان وحدث ما حدث . . وكما يقول علماء الأدب : إنّ اللام في الآية هنا {فالتقطه آل فرعون ليكون . . } هي «لا العاقبة» ليست «لام العلة» ولطافة التعبير كامنة في أنّ الله سبحانه يريد أن يبيّن قدرته ، وكيف أن هذه الجماعة «الفراعنة» عبّأت جميع قواها لقتل بني إسرائيل ، وإذا الذي أرادوا قتله ـ وكانت كل هذه المقدمات من أجله ـ يتربى في أحضانهم كأعزّ ابنائهم .

والتعبير ـ ضمناً ـ بآل فرعون يدل على أنّ الملتقط لم يكن واحداً ، بل اشترك في التقاط الصندوق جماعة من آل فرعون ، وهذا بنفسه شاهد على أنّهم كانوا ينتظرون مثل هذا الحدث ! .

ثمّ تختتم الآية بالقول : {إنّ فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين} .

كانوا خاطئين في كل شيء ، وأي خطأ أعظم من أن يحيدوا عن طريق العدل والحقّ ، وأن يبنوا قواعد حكمهم على الظلم والجور والشرك ! .

وأي خطأ أعظم أن يذبحوا آلاف الأطفال ليقتلوا موسى(عليه السلام) ، ولكن الله سبحانه أودعه في أيديهم وقال لهم : خذوا عدوّكم هذا وربّوه ليكبر عندكم ؟! (3)

ويستفاد من الآية التالية أن شجاراً حدث ما بين فرعون وامرأته ، ويحتمل أن بعض أتباعه كانوا قد وقفوا عند رأس الطفل ليقتلوه ، لأنّ القرآن الكريم يقول في هذا الصدد : {وقالت امرأة فرعون قرّة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً . . } .

ويلوح للنظر أنّ فرعون وجد في مخايل الطفل والعلائم الأُخرى ومن جملتها إيداعه في التابوت «الصندوق» وإلقاءه بين أمواج النيل ، وما إلى ذلك ـ أن هذا الطفل من بني إسرائيل ، وأن زوال ملكه على يده ، فجثم كابوسٌ ثقيل على صدره من الهم وألقى على روحه ظلّة ، فأراد أن يجري قانون إجرامه عليه .

فأيده أطرافه وأتباعه المتملّقون على هذه الخطة ، وقالوا : ينبغي أن يذبح هذا الطفل ، ولا دليل على أن لا يجري هذا القانون عليه .

ولكن آسية امرأة فرعون التي لم ترزق ولداً ذكراً ، ولم يكن قلبها منسوجاً من قماش عمال قصر فرعون ، وقفت بوجه فرعون وأعوانه ومنعتهم من قتله .

وإذا أضفنا قصّة شفاء بنت فرعون بلعاب فم موسى ـ على ما قدمناه ـ فسيكون دليلا آخر يوضح كيفية انتصار آسية في هذه الازمة .

ولكن القرآن ـ بجملة مقتضية وذات مغزى كبير ـ ختم الآية قائلا : (وهم لا يشعرون ! ) .

أجل ، إنّهم لم يشعروا أنّ أمر الله النافذ ومشيئته التي لا تقهر ، اقتضت أن يتربى هذا الطفل في أهم المراكز خطراً . . . ولا أحد يستطيع أن يردّ هذه المشيئة ، ولا يمكن مخالفتها أبداً . .

 

وقوله تعالى : {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص : 10 - 13] .

 

عودة موسى إلى حضن أُمّه :

في هذه الآيات تتجسدُ مشاهد جديدة . . فأمُّ موسى التي قلنا عنها : إنّها ألقت ولدها في أمواج النيل ، بحسب ما فصّلنا آنفاً . . اقتحم قلبها طوفان شديدٌ من الهمّ على فراق ولدها ، فقد اصبح مكان ولدها الذي كان يملأ قلبها خالياً وفارغاً منه .

فأوشكت أن تصرخ من أعماقها وتذيع جميع أسرارها ، لكن لطف الله تداركها ، وكما يعبّر القرآن الكريم {وأصبح فؤاد أمّ موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين} .

«الفارغ» معناه الخالي ، والمقصود به هنا أن قلب أم موسى أصبح خالياً من كل شيء إلاّ من ذكر موسى . . وإن كان بعض المفسّرين يرون أن المقصود به هو خلو القلب من الهمّ والغمّ ، أو أنّه خال من الإلهام والبشائر التي بشرت بها أُم موسى من قبل ، ولكن مع الإلتفات لهذه الجمل والتدقيق فيها يبدوا هذا التّفسير غير صحيح .

وطبيعيّ تماماً أنّ أُمّاً تفارق ولدها بهذه الصورة يمكن أن تنسى كل شيء إلاّ ولدها الرضيع ، ويبلغ بها الذهول درجةً لا تلتفت معها إلى ما سيصيبها وولدها من الخطر لو صرخت من أعماقها وأذاعت أسرارها .

ولكن الله الذي حمّل أُم موسى هذا العبء الثقيل ربط على قلبها لتؤمن بوعد الله ، ولتعلم أنّه بعين الله ، وأنّه سيعود إليها وسيكون نبيّاً .

كلمة «ربطنا» من مادة «ربط» ومعناها في الأصل شدّ وثاق الحيوان أو ما أشبهه بمكان ما ليكون محفوظاً في مكانه ، ولذلك يدعى هذا المحلّ الذي تربط فيه الحيوانات بـ «الرباط» ثمّ توسعوا في اللغة فصار معنى الربط : الحفظ والتقوية والإستحكام ، والمقصود من «ربط القلب» هنا تقويته . . أي تثبيت قلب أم موسى ، لتؤمن بوعد الله وتتحمل هذا الحادث الكبير .

وعلى أثر لطف الله أحست أم موسى بالإطمئنان ، ولكنّها أحبت أن تعرف مصير ولدها ، ولذلك أمرت أخته أن تتبع أثره وتعرف خبره (وقالت لأخته قصّيه) .

كلمة «قصّيه» مأخوذة من مادة «قصّ» على زنة «نصَّ» ومعناها البحث عن آثار الشيء ، وإنّما سميّت القصّة قصّةً لأنّها تحمل في طياتها أخباراً مختلفة يتبع بعضها بعضاً .

فاستجابت «أُخت موسى» لأمر أمّها ، وأخذت تبحث عنه بشكل لا يثير الشبهة ، حتى بصرت به من مكان بعيد ، ورأت صندوقه الذي كان في الماء يتلقفه آل فرعون . . ويقول القرآن في هذا الصدد : {فبصرت به عن جنب} .

ولكن أُولئك لم يلتفتوا إلى أن أخته تتعقبه {وهم لا يشعرون} .

قال البعض : إن خدم فرعون كانوا قد خرجوا بالطفل من القصر بحثاً عن مرضعة له ، فرأتهم أخت موسى .

ويبدوا أنّ التّفسير الأوّل أقرب للنظر ، فعلى هذا بعد رجوع أم موسى إلى بيتها أرسلت أخته للبحث عنه ، فرأت - من فاصلة بعيدة ـ كيف استخرجه آل فرعون من النيل لينجو من الخطر المحدق .

هناك تفاسير أُخرى لجملة {وهم لا يشعرون} أيضاً .

فالعلامة «الطبرسي» لا يستعبد أن يكون تكرار هذه الجملة في الآية السابقة والآيات اللاحقة إشارة إلى هذه الحقيقة ، وهي أن فرعون جاهل بالاُمور الى هذه الدرجة فكيف يدعي الرّبوبية ؟ وكيف يريد أن يحارب مشيئة الله التي لا تُقهر !؟ .

وعلى كل حال ، فقد اقتضت مشيئة الله أن يعود هذا الطفل إلى أُمّه عاجلا ليطمئن قلبها ، لذلك يقول القرآن الكريم : {وحرمنا عليه المراضع من قبل} (4) .

وطبيعيٌ أن الطفل الرضيع حين تمر عليه عده ساعات فإنه يجوع ويبكي ولا يطيق تحمل الجوع ، فيجب البحث عن مرضع له ، ولا سيما أن ملكة مصر «امرأة فرعون» تعلق قلبها به بشدّة ، وأحبّته كروحها العزيزة .

كان عمال القصر يركضون من بيت لآخر بحثاً عن مرضع له ، والعجيب في الأمر أنّه كان يأبى أثداء المرضعات .

لعل ذلك آت من استيحاشه من وجوه المرضعات ، أو أنّه لم يكن يتذوق ألبانهن ، إذ يبدو لبن كلٍّ منهن مرّاً في فمه ، فكأنّه يريد أن يقفز من أحضان المراضع ، وهذا هو التحريم التكويني من قبل الله تعالى إذ حرّم عليه المراضع جميعاً .

ولم يزل الطفل لحظة بعد أُخرى يجوع أكثر فأكثر وهو يبكي وعمال فرعون يدورون به بحثاً عن مرضع بعد أن ملأ قصر فرعون بكاءً وضجيجاً ، ومازال العمال في مثل هذه الحال حتى صادفوا بنتاً أظهرت نفسها بأنّها لا تعرف الطفل ، فقالت : {هل أدلّكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون} .

إنّني أعرف امرأة من بني إسرائيل لها ثديان مملوءان لبناً ، وقلب طافح بالمحبّة ، وقد فقدت وليدها ، وهي مستعدةً أن تتعهد الطفل الذي عندكم برعايتها .

فسرّ بها هؤلاء وجاءوا بأمّ موسى إلى قصر فرعون ، فلمّا شمّ الطفل رائحة أُمّه التقم ثديها بشغف كبير ، وأشرقت عيناه سروراً ، كما أن عمّال القصر سرّوا كذلك لأنّ البحث عن مربية له أعياهم ، وامرأة فرعون هي الأُخرى لم تكتم سرورها للحصول على هذه المرضع أيضاً .

ولعلهم قالوا للمرضع : أين كنت حتى الآن ، إذ نحن نبحث عن مثلك منذ مدّةً . . فليتك جئت قبل الآن ، فمرحباً بك وبلبنك الذي حلّ هذه المشكلة .

تقول بعض الرّوايات : حين استقبل موسى ثدي أُمّه ، قال هامان وزير فرعون لأم موسى : لعلك أُمّه الحقيقية ، إذ كيف أبى جميع هذه المراضع ورضي بك ، فقالت : أيّها الملك ، لأنّي امرأة ذات عطر طيب ولبني عذب ، لم يأتي طفل رضيع إلاّ قبل بي ، فصدّقها الحاضرون وقدموا لها هدايا ثمينة (5) .

ونقرأ في هذا الصدد حديثاً قال الراوي : فقلت للإمام الباقر (عليه السلام) ; فكم مكث موسى غائباً من أُمّه حتى ردّه الله؟ قال «ثلاثة أيّام» (6) .

وقال بعضهم : هذا التحريم التكويني لأنّ الله لم يرد لموسى أن يرتضع من الألبان الملوثة بالحرام . . الملوّثة بأموال السرقة ، أو الملوّثة بالإجرام والرشوة وغصب حقوق الآخرين ، وإنّما أراد لموسى أن يرتضع من لبن طاهر كلبن أُمّه ليستطيع أن ينهض بوجه الأرجاس ويحارب الآثمين .

وتم كل شيء بأمر الله {فرددناه إلى أُمّه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون (7)} .

هنا ينقدح سؤال مهم وهو : هل أودع آل فرعون الطفل «موسى» عند أُمّه لترضعه وتأتي به كل حين ـ أوكل يوم ـ إلى قصر فرعون لتراه امرأة فرعون ؟!

أم أنّهم أودعوا موسى في القصر وطلبوا من المرضع «أم موسى» أن تأتي بين فترات متناسبة إلى القصر لترضعه ؟!

لا يوجد دليلٌ قوي لأيٍّ من الإحتمالين ، إلاّ أن الإحتمال الأوّل أقرب للنظر كما يبدو !

وهناك سؤال آخر أيضاً ، وهو : هل انتقل موسى إلى قصر فرعون بعد إكماله فترة الرضاعة ، أم أنّه حافظ على علاقته بأُمّه وعائلته وكان يتردد ما بين القصر وبيته ؟!

قال بعضهم : أودع موسى بعد فترة الرضاعة عند فرعون وامرأته ، وتربى موسى عندهما ، تنقل في هذا الصدد قصص عريضة حول موسى وفرعون ، ولكن هذه العبارة التي قالها فرعون لموسى(عليه السلام) بعد بعثته {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} [الشعراء : 18] ، تدل بوضوح على أن موسى عاش في قصر فرعون مدة ، بل مكث هناك سنين طويلة .

ويستفاد من تفسير علي بن إبراهيم أن موسى(عليه السلام) بقي مع كمال الإحترام في قصر فرعون حتى مرحلة البلوغ ، إلاّ أنّ كلامه عن توحيد الله أزعج فرعون بشدة إلى درجة أنّه صمّم على قتله ، فترك موسى القصر ودخل المدينة فوجد فيها رجلين يقتتلان ، أحدهما من الأقباط والآخر من الأسباط ، فواجه النزاع بنفسه «وسيأتي تفصيل ذلك في شرح الآيات المقبلة إن شاء الله» (8) .

___________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص534-545 .

2 ـ ورد هذا القسم من الرّواية عن ابن عباس في تفسير الفخر الرازي كما هناك روايات آخرها في تفسير «أبو الفتوح» و«مجمع البيان» .

3 ـ يقول الراغب في مفرداته : إن الفرق بين «الخاطىء» «والمخطىء» هو أنّ الخاطىء هومن يقدم على عمل لا يخرج من عهدته ويطوي طريق الخطأ بنفسه . .

أمّا المخطي فيقال في من يقدم على عمل ويخرج من عهدته ، إلاّ أنّه يخطيء في الاثناء صدفة ، فيتلف العمل .

4 ـ «المراضع» جمع «مُرضِع» على زنة «مُخبر» ومعناها المرأة التي تسقي الطفل لبنها من ثديها ، وقال البعض : (المراضع) جمع (مَرضَع) على زنة (مكتب) أي مكان الإرضاع ، أي ، «الأثداء» وقال البعض : يحتمل أن تكون الكلمة جمعاً للمصدر الميمي «مرضع» بمعنى الرضاع ، ولكن المعنى الأوّل أنسب كما يبدو . .

5 ـ تفسير الفخر الرازي ، ج 24 ، ص 231 .

6 ـ تفسير نور الثقلين ، ج 4 ، ص 116 .

7 ـ تحدثنا عن الجذر اللغوي لمادة «تقرّ عينها» في ذيل الآية «74» من سورة الفرقان ـ فيراجع هناك .

8 ـ لاحظ تفسير علي بن إبراهيم طبقاً لما ورد في نور الثقلين ، ج 4 ، ص 117 .

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي