فيديو

صور

مفتاح

اضاءات

منشور

القرآن الكريم
العقائد الإسلامية
الفقه واصوله
سيرة النبي وآله
علم الرجال
الأخلاق
الأسرة والمجتمع
اللغة العربية
الأدب العربي
التاريخ
الجغرافية
الإدارة و الإقتصاد
القانون
الزراعة
الكيمياء
الرياضيات
الفيزياء
الاحياء
الاعلام
اللغة الانكليزية

الحلقةُ الأولى : ما يجبُ أنْ يتحلّى بهِ البائعُ والتاجرُ من الفضائلِ والصفاتِ الطيّبةِ

في حَلَقاتِنا المتسلسلةِ عن "مفاهيمَ أخلاقيةٍ وقيمٍ مرجعيةٍ " والتي نحاولُ من خلالِها التعريفَ بأهمِّ القيمِ السلوكيةِ  لمن هُم في دائرةِ المسؤوليةِ، و ضرورةَ إحياءِ البعدِ الأخلاقيِّ في وظائفِهم وأعمالِهم ...،  ومنهم الباعةُ، فالبائعُ في موقعِ المسؤوليةِ التي تحتِّمُ عليهِ أنْ يراعِ القيمَ والضوابطَ الأخلاقيةَ.

فالدوافعُ تجذبُها المصالحُ في البيعِ، وقلّما إنسانٌ يقفُ بقوّةٍ أمامَ المغرياتِ التي يُزيِّنُها الشيطانُ ، فالربحُ مطلبٌ لكلِّ بائعٍ، وخشيةُ الخسارةِ أمرٌ يدفعُ بالبعضِ الى تخلّيهِ عن المبادئِ والقيمِ الأخلاقيةِ، بل يلجأُ بعضُهم الى تسويقِ مبيعاتِهِ بأيِّ طريقةٍ تناسبُهُ، حتى وإنْ تضرّرَ المشتري ماديّاً أو معنوياً، عملاً بمنطقِ يجبُ أن أكونَ رابحاً وإنْ خسِرَ الطرفُ الآخرُ !

ومما يُؤسَفُ لَهُ : انتشارُ التعاملِ الأنانيّ لبعضِ البائعينَ والتجّارِ مما جعلَ السوقَ  جواً غيرَ آمنٍ في البيعِ والشراءِ وصارَ المتبضعُ يشعرُ بالقلقِ حيالَ ما يودُّ شراءهُ من حيثيةِ الأسعارِ والماركاتِ وسلامةِ المنتجِ من التلاعبِ والغشِّ،

و نحنُ نُقدّمُ ما يجبُ أنْ يتحلّى بِه البائعُ والتاجرُ من القيمِ السلوكيةِ والأخلاقيةِ التي حثَّ عليها الدينُ، وأكّدتها الفطرةُ والإنسانيةُ، مُذكّرينَ بأهمِّ الواجباتِ، ومنبّهينَ على ضرورةِ مراعاتِها:

1- الصدقُ والأمانةُ : صفتانِ تشكلانِ حقيقةَ إنسانيةِ التاجرِ والبائعِ، والالتزامُ بهما يُظهِرُ صدقَ الإيمانِ باللهِ تعالى وباليومِ الآخِر، كما وأنَّ سمعةَ التاجرِ تكونُ كالمسكِ في الوسطِ التجاريّ، و يُعدُّ موضعَ ثقةِ الزبائنِ ، وردَ عن النبيِّ الأكرمِ -صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ-:  "التاجرُ الصدوقُ تحتَ ظلِّ العرشِ يومَ القيامةِ" ورُويَ أيضاً أنَّ "التاجرَ الأمينَ الصدوقَ المسلمَ معَ الشهداءِ يومَ القيامةِ" .

2-القناعةُ بالربحِ القليلِ: ما اتّصفَ أحدٌ بالقناعةِ إلا وشعرَ بالغنى والراحةِ، حتى قيلَ أنَّ القناعةَ  كنزٌ لا ينفد ، وأنَّ الزهدَ بالربحِ الزائدِ  دليلٌ على سموِّ النفسِ وترفُّعِها عن حبِّ المادةِ؛ فإنَّ قليلَ الرزقِ معَ البركةِ  خيرٌ من كثيرهِ بدونِها ، رُويَ عن الإمامِ عليٍّ (عليهِ السلامُ) أنّهُ كانَ يدورُ في سوقِ الكوفةِ ومن جملةِ ما ينصحُ بهِ التجارَ والباعةَ : "لا تردُّوا قليلَ الربحِ فتُحرَموا كثيرَهُ !"

3-إقالةُ المشتري: ومعنى الإقالةِ فقهياً (هيَ فسخُ العقدِ من أحدِ المتعاملينَ بعدَ طلبِهِ من الآخَرِ ) فمَن ندِمَ على شراءِ حاجةٍ ما أو بيعِها له أنْ يطلبَ مِن الطرفِ الثاني للعقدِ الإقالةَ و فسخَ العقدِ ، كما وإنَّ الإقالةَ في المعاملةِ تعني المسامحةَ و التجاوزَ ...

ولهذا  ينبغي للبائعِ والتاجرِ أنْ يكونَ  مرِناً وسَمِحاً وليِّناً في أسلوبهِ معَ المشتري  عن رسولِ اللهِ (صلّى اللُه عليهِ وآلهِ): "غفرَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- لرجلٍ كانَ من قبلِكُم، كانَ سهلاً إذا باعَ، سهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا قضى، سهلاً إذا اقتَضى"

فقد يندمُ المشتري على صفقتِهِ ويحاولُ أنْ يُرجِعَ السلعةَ، فلا تترددْ بإقالتهِ؛ فقد وردَ في الأخبارِ عن النبيِّ : "من أقالَ نادِمًا أقالَهُ اللهُ من نارِ جهنَّم" .

  ومن المفيدِ جداً لو كانَ متسامِحاً في استبدالِها بغيِر مادةٍ أو بماركةٍ أخرى، فهوَ من أروعِ مواقفِ البِرِّ وصنائعِ المعروفِ، حتى يرضى المشتري ويشعُرَ أنَّ أموالَهُ لم تذهبْ هدراً.

4- صحِّحْ فَهمَكَ عن الربحِ الحقيقيّ :  الربحُ الحقيقيُّ هوَ الالتزامُ بأحكامِ الشريعةِ الإسلاميةِ، فمَن لم يتعلمِ الأحكامَ الفقهيةَ الخاصّةَ بالبيعِ والشراِء سيقعُ في مشاكلِ الربا المحرّمِ والمعاملاتِ الباطلةِ شرعاً، وحينئذٍ لا قيمةَ للربحِ مَهما كَثُرَ؛ لما يترتبُ عليهِ من أثرٍ أخرويٍّ وبلاءٍ دنيويٍّ يدفعُ ضريبتَهُ الإنسانُ في عاجلِ حياتِهِ قبلَ آجلِها ، و أفضلُ ربحٍ هوَ إدخالُ السرورِ على الناسِ بالبضائعِ ذاتِ الجودةِ العاليةِ والأسعارِ المناسبةِ، التي تحقّقُ لكَ ربحاً معقولاً، وتناسبُ أكثرَ الزبائنِ وتنالُ بركةَ اللهِ تعالى  ، عنِ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السلامُ) - لرجلٍ يوصيهِ ومعهُ سلعةٌ يبيعُها: سمعتُ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) يقولُ : "السماحُ وجهٌ من الرِباحِ".

5- كُنْ ذا مرؤةٍ  : الالتزامُ بالقيمِ الأخلاقيةِ والتأدّبِ بآدابِ الصالحينَ أثناءَ عمليةِ البيعِ يثيرُ شعوراً جميلاً في النفسِ، فالعملُ قيمتُهُ الاجتماعيةُ أعظمُ من كسبِ المالِ ، فاتّساعُ دائرةِ العَلاقاتِ، وكسبُ مودّةِ الأصدقاءِ والإخوانِ هوَ ربحٌ لا يقدّرُ بثمنٍ؛ فمراعاةُ ظروفِ الأصدقاءِ  في البيعِ والشراءِ يعدُّ من النُبلِ والمرؤةِ ، قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ): "ليسَ من المروءةِ الربحُ على الإخوانِ" .