تعدُّ مرحلةُ المراهقةِ فترةٌ تتّسم ُبالكثيرِ من التغيراتِ بالنسبةِ للأبناءِ والآباءِ؛ فمن جهةٍ يشعرُ الأبوانِ بوجودِ تغيّرٍ ملحوظٍ في سلوكِ ابنِهما، ومن جهةٍ أخرى يجدُ الابنُ – ذكراً كانَ أو أنثى – أحاسيسَهُ ومشاعرَهُ تأخذهُ الى التعاملِ معَ الذاتِ والمحيطِ تعاملاً مختلفاً؛ فهوَ ينظرُ لشخصيتِهِ بإهتمامٍ وغرورٍ أحياناً، ويأنفُ أنْ يُنظَرَ لهُ على أنّهُ طفلٌ صغيرٌ ، قد يندفعُ بحماسٍ نحوَ مسؤولياتِ الكبارِ ويتهرّبُ أحياناً من واجباتِهِ المناطةِ بهِ، مزاجٌ متقلّبٌ، وقلبٌ أبيضٌ، وروحٌ مُحبةٌ للمرحِ، ومرنةٌ أمامَ الحُبِّ، وعصيّةٌ أمامَ الأوامرِ والتوجيهاتِ..، فحريٌ بالآباءِ والأمهاتِ أنْ يهتمَّا لهذهِ المرحلةِ التي يمرُّ بها أبناؤهم اهتماماً بالغاً ، ويستنفدوا طاقتَهم في معرفةِ طبيعةِ التعاملِ معَهم، ومساعدتِهم على بناءِ ذواتِهم وتطويرِها؛ لأنَّ مرحلةَ المراهقةِ مرحلةُ الجِدِّ في البناءِ والتطويرِ للقابلياتِ والمواهبِ، فإليكم سبعَ طرائقَ تساعدُكم في التعاملِ معَهم:
أولاً : تفهّمْ طبيعةَ المراهقِ : حينما تشعرُ بأنَّ ابنَكَ -او ابنتَكَ- ذا العاشرةِ أو الثالثةَ عشرَ فصاعداً بدأَ يتحسَّسُ من توجيهاتِكَ، ويغضبُ لو عاملتَهُ على أساسِ أنّهُ صغيرٌ ولا يتقبّلُ النقدَ، ويحاولُ أنْ يبرِّزَ شخصيتَهُ من خلالِ آرائهِ ، ويقلِّدُ الكبارَ في سلوكهم ...، هُنا عليكَ أنْ تعيدَ النظرَ في طريقةِ تعاملكَ معهُ؛ لأنهُ دخلَ مرحلةَ المراهقةِ، أي دخلَ مرحلةَ نضجِ أجهزتِهِ الفيسيولوجية، وبدأتِ التغيُّراتُ في وعيهِ وإدراكهِ تتزايدُ اتجاهَ ذاتِهِ وما يحيطُ بهِ، فينبغي عليكَ أنْ تقرأَ كتباً عن طبيعةِ المراهقِ ،وتتابعَ البرامجَ، وتسألَ الأطباءَ والمختصينَ في التربيةِ وعلمِ النفسِ عن ذلكَ وعن كيفيةِ التعاملِ معَ الأبناءِ المراهقينَ.
ثانياً : كنْ حكيماً في سياستِكَ : فبعضُ الآباءِ والأمهاتِ يقعونَ بينَ حالتي الشدِّ والإرخاءِ ، فإمّا أنْ يُرخوا الحبلَ لابنهم المراهقِ ليفعلَ ما يحلو لهُ دونما أيِّ توجيهٍ أو حسابٍ أو عقابٍ، أو يشدِّدوا عليهِ الى درجةِ أنْ يلاحقوهُ في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، ويتهموهُ على أيِّ سلوكٍ يصدرُ منهُ، ويشككونَ في نواياهُ، ويوبّخونهُ أمامَ الآخرينَ بحجةِ أنَّ المراهقَ يجبُ ضبطُهُ لئلّا ينحرفَ ، هذا الإفراطُ والتفريطُ مرفوضٌ، ويجبُ أنْ يُعامَلَ طِبقاً لسياسةٍ معتدلةٍ بينَ الإرخاءِ والشدِّ، فنُشبِعُهُ بالتوجيهاتِ والإرشاداتِ بصورةٍ تعليمةٍ تربويةٍ، ونتقبلُ وجهاتِ نظرِهِ، وفي نفسِ الوقتِ يجبُ أنْ نكونَ حازمينَ في محاسبتهِ إذا ما قصَّرَ، ومعاقبتِهِ إذا ما أصرَّ.
ثالثاً: تعاملْ معَ عنادهِ بأساليبِ الإقناعِ: المراهقُ يمتازُ بالعنادِ والاستبدادِ في أحيانَ كثيرةٍ؛ لأنّهُ يكرهُ النقدَ والتوجيهَ وخصوصاً من أبويهِ؛ لأنَّهما ومعَ الأسفِ يستعملونَ ذاتَ الأسلوبِ في توجيهِهِ حينما كانَ صغيراً وهذا يثيرُ غضبَهُ وعنادَهُ ، كما أنّهُ يندفعُ بطيشٍ أحياناً لغفلتِهِ عن النظرِ الى عواقبِ الأمورِ، فلابُدَّ من إقناعهِ من خلالِ أساليبَ منطقيةٍ، وتقريبِ المواضيعِ لذهنِهِ بتمثيلٍ وتشبيهٍ مأنوسٍ لمستواهُ، وأنْ نبيِّنَ لهُ عواقبَ الأمورِ بصورةٍ ملموسةٍ وواقعيةٍ، بعيداً عنِ التفلسفِ الزائدِ والمثاليةِ أو المبالغةِ في التوصيفِ بُغيةَ ردعهِ عن رغبتهِ.
رابعاً: كُنْ صديقاً لهُ: يتمتعُ المراهقُ بمزاجٍ متقلّبٍ، غيرَ أنَّنا نستطيعُ أنْ نجعلَهُ منسجماً مَعَنا إذا استطعنا الاقترابَ من مشاعرهِ وأحاسيسهِ وكسبنا قلبَهُ، ولهذا أوصى رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) بالشبابِ خيراً، وذكرَ أنَّهم أرقُّ أفئدةً وأليَنُ قلوباً، فنستطيعُ أنْ ننجحَ في تربيتِهم متى ما جعلناهُم يقتربونَ منّا أكثرَ، ولا يتمُّ هذا إلا عِبرَ جعلِ العَلاقةِ معَهم علاقةَ الصديقِ معَ صديقِهِ.
خامساً: إحذرْ من هدمِ الثقةِ بينكَ وبينَهُ: من الأخطاِء الشائعةِ في معاملةِ المراهقِ هوَ التشكيكُ بقدراتِهِ ونواياهُ، وإشعارُهُ بأنّهُ غيرُ جديرٍ بالمسؤوليةِ وهذا يهدِمُ الثقةَ ، إمنحهُ الثقةَ بصورةٍ تامّةٍ داعماً هذهِ الثقةَ بتوكيداتٍ لفظيةٍ وإيحاءاتٍ عِبرَ لغةِ الجسدِ، أو الكلامِ بأنّهُ شابٌ قويٌّ وأمينٌّ، ويُمكنُ الاعتمادُ عليهِ وأنّهُ بإمكانِهِ أنْ يتجاوزَ الأزماتِ والمشاكلَ ..
سادساً : إفسحْ لهُ المجالَ أنْ يخوضَ التجاربَ : وإنْ كانتْ فيها خطورةٌ مالم تُهدّدْ حياتَهُ، ودعْهُ يتصرفُ إزاءَ المواقفِ المحرجةِ بما يُعبّرُ عَن وجهةِ نظرهِ الشخصيةِ، ولا تلمْهُ على وقوعِهِ في الأخطاءِ، وإنّما ساعدْهُ على المعالجةِ؛ ليتعلّمَ من أخطائهِ ويكتسبَ خبرةً من تجاربِهِ ، حتى لا يبقى في دائرةِ اللومِ والشعورِ بالإحباطِ.
سابعاً: لا تجعلْهُ يُحجِمُ عن الكلامِ وإبداءِ آرائهِ: حددْ لهُ مساحةً أثناءَ جلسةِ المحادثةِ الأسريةِ، لكي يُعبرُ عن مشاعرهِ ورؤاهُ، وصحِّحْ لآرائهِ بصورةٍ يُدرِكُ من خلالِها المعاييَر القيميةَ والأخلاقيةَ التي تشكّلُ الرأيَ الصائبَ ليتعلّمَ منكَ ومن الآخرينَ كيفَ يَصِلُ لرأيٍ صائبٍ يستندُ على المعرفةِ والقِيَمِ الرفيعةِ .