بقلم: الشيخ صالح الكرباسيّ.
ـ إنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إنّما أدلى بهذا الحديث [أي: حديث الغدير] بأمر من الله تعالى وذلك بعد نزول آية التبليغ وهي: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67] في يوم الغدير تحثّه على تنصيب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) خليفةً له وإمامًا للناس.
ـ التدبّر في الآية السابقة ولهجتها الصارمة بصورة عامّة، مضافًا إلى التدبّر في دلالة ﴿وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ يكشف لنا عن حساسية القضيّة وخطورة المسألة المطروحة.
ـ إنَّ انتخاب "غدير خم" الصحراء القاحلة التي يلفحها الهجير وتلتهب رمالها بوهج الظهيرة كمكان لإلقاء حديث الغدير، وانتخاب المقطع الأخير من حياة الرسول (صلَّى الله عليه وآله) كزمان لإلقاء الحديث، وانتخاب الاجتماع التاريخيّ الحاشد الذي يشكله الحجّاج العائدون من بيت الله الحرام كمستمعين لهذا الخطاب التاريخيّ الهام، إلى غيرها من الأمور إن عبّرت عن شيء فإنّما تعبّر عن أهميّة ما أمر الله النبي (صلَّى الله عليه وآله) بإبلاغه، وهو تعيين المسار القيادي للأمّة الإسلاميّة دينيًّا وسياسيًّا.
ـ إنّ المخطّط الإلهيّ للحياة البشريّة مخطّط حكيم وكامل ولا يمكن أن يهمل مسألة قيادة الأمة الإسلاميّة بعد الرسول (صلَّى الله عليه وآله) بدون تخطيط أو يترك الأمّة من غير راعٍ وولي، وهذا ممّا يدفع بالأمّة إلى الانزلاق نحو هاوية الفتن والصراعات والتناقضات، ويكون سببًا لإهدار أتعاب الرسالة، وهو ما لا يقبله العقل السليم ولا يصدقه الشرع طبعًا.
ـ إنَّ نزول آية الإكمال وهي: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] في يوم الغدير بعد إبلاغ النبي (صلَّى الله عليه وآله) الناسَ بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) لدليل واضح على أنَّ اكتمال أهداف الرسالة وضمان عدم وقوع انحرافٍ أو فراغٍ تشريعيّ أو قياديّ أو سياسيّ بعد الرسول (صلَّى الله عليه وآله)، إنّما يتحقق في حالة استمراريّة القيادة المنصوبة والمنصوص عليها من قِبَلِ الله (عزّ وجلّ).