هُوَ السَّيِّدُ أبو جَعفرٍ مُحمّدُ بنُ الإمامِ عليٍّ الهادي بنُ مُحمَّدٍ الجَّوادِ بنُ عَليٍّ الرِّضا (عَليهِمُ السَّلامُ)، سَليلُ الإمامَةِ ورَبيبُ بَيتِ الوَحيِّ ومَعدنِ الرِّسالَةِ.
وُلِدَ في قَريَةٍ يُقَالُ لها (صريا) في المَدينَةِ المُنَوَّرَةِ عامَ مئتينِ واثنَي عَشرَ للهجرةِ، وهذهِ القَريَةُ أَسَّسَها الإمامُ مُوسَى بنُ جَعفَرٍ الكاظِمُ (عَليهِ السَّلامُ)، على بُعدِ ثَلاثَةِ أميالٍ مِنَ المدينةِ المُنَوَّرةِ، وقَد وُلِدَ فِيها ثَلاثَةٌ مِنَ الأئمَّةِ المَعصُومِينَ.
تَرَعرَعَ السيِّدُ مُحمَّدٌ في كنفِ والدِهِ الإمامِ عليٍّ الهادِي النُّورِ العاشِرِ مِنْ سِلسِلَةِ الأنوارِ الإلهيَّةِ، فنَشأَ على التَّقوى والوَرَعِ والعِلمِ والعِبادَةِ، أمَّا أُمُّهُ فَهِيَ السيِّدَةُ الطاهِرَةُ (سليل)، التي عَبَّرَ عَنها الإمامُ الهادِي بِقَولِهِ:(سليل مَسلُولَةٌ مِنَ الآفاتِ والأنجاسِ) لعُلُوِّ مَنزِلَتِها وَسُمُوِّ مَقامِها.
فَهُوَ قَمَرٌ مِنْ أقمارِ آلِ مُحَمَّدٍ الساطِعَةِ، وَغُصنٌ مِنْ أغصانِ الشَّجَرَةِ النَبَويَّةِ الشَّريفَةِ الباسِقَةِ، وَعَلَمٌ شاخِصٌ مِنْ أعلامِ أهلِ البَيتِ (عَليهِمُ السَّلامُ)، بَلَغَ مِنْ جَلالَةِ القَدرِ وسُمُوِّ النَّفسِ وعُلُوِّ الشأنِ مكانَةً عَظيمَةً إلى الحَدِّ الذي اعتقَدَ الناسُ أنَّهُ الإمامُ بعدَ أبيهِ الإمامِ عليٍّ الهادي (عَليهِ السَّلامُ)، كما بلغَ درجةً مِنَ العِبادةِ قَلَّ نَظيرُها فأعطاهُ اللهُ مِنَ الكراماتِ ما سارتْ على الألسُنِ والأفواهِ، فصارَ مَقصدَ أصحابِ الحاجاتِ لمنزِلَتِهِ عندَ اللهِ لقَضاءِ حاجاتِهِم.
لُقِّبَ بـ (سَبعِ الدُّجيل)؛ لأنَّهُ كانَ يحمي زُوّارَهُ مِنَ اللّصوصِ وقُطَّاعِ الطُّرُقِ، فلا يَنالُونَ أحدًا مِنْ زائريهِ، وهذا اللَّقبُ مِنْ أشهَرِ ألقابِهِ، ورُوِيَ أنَّ سَببَ إطلاقِ هذا اللَّقبِ عَليهِ: أنَّ قبرَهُ الشَّريفَ كانَ مَكانًا خاليًا مِنَ النَّاسِ، ومِنَ المَعلُومِ أنَّ مِثلَ هذهِ المَناطقِ الخالِيَةِ تكونُ مَرتَعًا للّصوصِ وقُطَّاعِ الطُّرُقِ، فكانَ الزائرونَ لمَرقَدِهِ الشَّريفِ يُشاهِدونَ سَبُعًا ـ أسدًا - ضاريًا يَجُوبُ الأرضَ حولَ القَبرِ فلا يَدَعُ أحدًا مِنَ اللّصوصِ يَصِلُ الى زوّارِهِ بسُوءٍ حتّى قالَ الشَّاعِرُ في ذَلكَ:
يَـنامُ قَريرًا عِـندَكَ الوَفدُ إنَّهُ ... يُهابُ فلا يَدنُو إلـى ضَيفِكَ اللِّصُّ
لَعَمرُكَ قَد خَافُوكَ حَيًّا وَمَيِّتًا ... وَهَلْ قَبلَ هذا خِيفَ في رَمسِهِ شَخصُ
عاشَ في رِعايَةِ أبيهِ أربعةً وَعشرينَ عامًا، وكانَتْ تِلكَ السَّنواتُ كافِيَةً لأنْ تَجعلَ مِنهُ الصُّورةَ الواضِحَةَ لشَخصِيَّةِ أبيهِ وأخيهِ (عَليهِما السَّلامُ)، وأنْ يكتَسِبَ مِنهُما مَكارِمَ الأخلاقِ والصِّفاتِ الحَمِيدَةِ، كما عاصَرَ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ خَمسَةً مِنَ الخُلفاءِ العَبّاسِيينَ، هُمُ الواثِقُ، والمُتَوَكِّلُ، والمُنتَصِرُ، والمُستَعِينُ، والمُعتَزُّ، وقَد تُوِفِّيَ السيِّدُ مُحمَّدٌ في خِلافَةِ الأخيرِ.
كما عاصَرَ سَيِّدُنا الكثيرَ مِنَ الأحداثِ الأليمَةِ التي جَرَتْ على الأئمَّةِ (عَليهِمُ السَّلامُ) وما جَرَى على أهلِ بَيتِهِ مِنْ فَجائعَ وآلامٍ ومآسٍ نَتيجَةً لجَورِ السُّلطَةِ العَبَّاسِيَّةِ وطُغيانِها وقَمعِها واستبدادِها، فكانَ السيِّدُ مُحمّدٌ يَرى ما يَجري على أبناءِ عُمومَتِهِ مِنَ العَلَويينَ مِنْ قَتلٍ وصَلبٍ وتَشريدٍ وسَجنٍ وتَعذيبٍ، فَيَتَلقَّى تلكَ الصَّدَمَاتِ بِقَلبِ المُؤمِنِ الصَّابرِ المُفَوِّضِ أمرَهُ إلى اللهِ.
وفاتُهُ أوِ استِشهادُهُ
تُوِفِّيَ سَيِّدُنا الجَّليلُ مُحمَّدٌ بنُ عليٍّ الهادي سَنَةَ مئتينِ وأربعةٍ وخمسينَ للهِجرَةِ، يَقَعُ مَرقَدُهُ في مَنطَقَةِ الدُّجيل، ويُعَدُّ مَقصَدًا للزُّوارِ مِنْ جَميعِ أنحاءِ العَالَمِ. يَرتَادُهُ المَرضَى وأصحابُ الحاجاتِ للتَّوَسُّلِ بِبَرَكاتِهِ، حيثُ عُرِفَ بكراماتِهِ التي لم تَنقَطِعْ حتّى بعدَ وَفاتِهِ.
تُوجَدُ دَلائلُ تُشِيرُ إلى أنَّ السُّلطَةَ العَبَّاسِيَّةَ كانَ لَها يَدٌ في مَوتِهِ، وَهُوَ أمرٌ ليسَ بِبَعيدٍ عنِ الخُلَفاءِ العَبَّاسِيينَ، فتأريخُهُم الدَّمَويُّ شاهِدٌ على جَرائمِهِم بِحَقِّ العَلويّينَ، وقَد اعتمَدَ الشيخُ باقر شريف القَرَشِيّ هذا الرأيَّ في كتابهِ (حياةُ الإمامِ الحَسنِ العَسكَرِيِّ).







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN