عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جل جلاله "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" ﴿آل عمران 104﴾ التجربة القطعية تدل على أن المعلومات التي يهيئها الإنسان لنفسه في حياته ولا يهيىء ولا يدخر لنفسه إلا ما ينتفع به - من أي طريق هيأها وبأي وجه ادخرها تزول عنه إذا لم يذكرها ولم يدم على تكرارها بالعمل، ولا نشك أن العمل في جميع شئونه يدور مدار العلم يقوى بقوته، ويضعف بضعفه ويصلح بصلاحه، ويفسد بفساده، وقد مثل الله سبحانه حالهما في قوله: "وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا" (الأعراف 58). ولا نشك أن العلم والعمل متعاكسان في التأثير فالعلم أقوى داع إلى العمل والعمل الواقع المشهود أقوى معلم يعلم الإنسان. وهذا الذي ذكر هو الذي يدعو المجتمع الصالح الذي عندهم العلم النافع والعمل الصالح أن يتحفظوا على معرفتهم وثقافتهم، وأن يردوا المتخلف عن طريق الخير المعروف عندهم إليه، وأن لا يدعوا المائل عن طريق الخير المعروف وهو الواقع في مهبط الشر المنكر عندهم أن يقع في مهلكة الشر وينهوه عنه. وهذه هي الدعوة بالتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي التي يذكرها الله في هذه الآية بقوله: "يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ". ومن هنا يظهر السر في تعبيره تعالى عن الخير والشر بالمعروف والمنكر فإن الكلام مبني على ما في الآية السابقة من قوله: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا" الخ. ومن المعلوم أن المجتمع الذي هذا شأنه يكون المعروف فيه هو الخير، والمنكر فيه هو الشر، ولو لا العبرة بهذه النكتة لكان الوجه في تسمية الخير والشر بالمعروف والمنكر كون الخير والشر معروفا ومنكرا بحسب نظر الدين لا بحسب العمل الخارجي. وأما قوله: "ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ"، فقد قيل: "إن" من للتبعيض بناء على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذا الدعوة من الواجبات الكفائية. وربما قيل: إن "من" بيانية والمراد منه ولتكونوا بهذا الاجتماع الصالح أمة يدعون إلى الخير فيجري الكلام على هذا مجرى قولنا: ليكن لي منك صديق أي كن صديقا لي. والظاهر أن المراد بكون "من" بيانية كونها نشوئية ابتدائية. والذي ينبغي أن يقال: أن البحث في كون من تبعيضية أو بيانية لا يرجع إلى ثمرة محصلة فإن الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمور لو وجبت لكانت بحسب طبعها واجبات كفائية إذ لا معنى للدعوة والأمر والنهي المذكورات بعد حصول الغرض فلو فرضت الأمة بأجمعهم داعية إلى الخير آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر كان معناه أن فيهم من يقوم بهذه الوظائف فالأمر قائم بالبعض على أي حال، والخطاب إن كان للبعض فهو ذاك، وإن كان للكل كان أيضا باعتبار البعض، وبعبارة أخرى المسئول بها الكل والمثاب بها البعض، ولذلك عقبه بقوله: "وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" فالظاهر أن من تبعيضية، وهو الظاهر من مثل هذا التركيب في لسان المحاورين ولا يصار إلى غيره إلا بدليل. واعلم أن هذه الموضوعات الثلاثة أعني الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذوات أبحاث تفسيرية طويلة عميقة سنتعرض لها في موضع آخر يناسبها إن شاء الله تعالى. وكذا ما يتعلق بها من الأبحاث العلمية والنفسية والاجتماعية.
قال الله جل جلاله "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ" (ال عمران 104) الامة هنا أمة أي مجموعة من الدعاة. على الدعاة أن يدعوا الناس لاحكام الله تعالى و إرشاد الناس إلى الخير والمعروف. من سمات الداعية أن يكون هو مثال الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. فالمجتمع لا يصلح بوجود المنكر وانتشاره من رشوة وشعوذة وجهل ورذيلة. وعندما تجتمع الامة في العمل التطوعي الخير فيكون ذلك اكبر من التطوع الفردي كما قال عز من قائل"وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ" (ال عمران 104). الامة المؤمنة ذات البصيرة التي لها معرفة حقة بكتاب الله تعالى وسنة رسوله وأهل بيته هي المطلوب منها ان تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر"وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون" (ال عمران 104).
عن مركز تفسير للدراسات القرآنية للكاتب رضا زيدان: هل تطورت كلمة (أُمَّة) في القرآن الكريم؟ نقد أطروحة المستشرق مونتجمري وات حول التطور الدلالي لكلمة (أُمَّة) في القرآن الكريم: يحاول فريدريك ديني Frederick Denny أن يقدِّم منظورًا تطوريًّا (أخف) في ورقته (معنى الأمة في القرآن) من المنظور التطوري لمونتجمري وات، إِذْ يرى أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم طوّر مفهومًا دينيًّا للكلمة في الفترة المدنية، وهو احتمال لا يستبعده وات نفسه، إِذْ يقول وات: (من الممكن إذن ألّا تكون هذه الكلمة وردت في القرآن، إلا بعد أن ظهرت النية في إنشاء أمة من نموذج جديد في المدينة. وكانت كلمة (أمة) هي التي يمكن أن يجعل لها معنى جديدًا وكان بإمكانها أن تتطوّر فيما بعد). أمّا فريديك ديني فيأخذ بهذا الاحتمال: (فمن الواضح أن في فترة الثلث الأخير من المرحلة المكّية (ربما متأخرًا في هذه الفترة) وباكر الفترات المدنية، كانت الفترات التي وصل فيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى مفهوم ناضج لكلمة أمة كمجتمع مسلم حقيقي. والفقراتُ المحددة التي يظهر فيها لفظ (أُمّة) ليشير حصرًا إلى المسلمين موجودةٌ في الفترة المكية)، لكنه يقبل بوجود (بُعد ديني-أخلاقي للّفظ في استخدامه القرآني)، وعلى استعداد بوجود هذا البُعد في معنى الكلمة عند العرب قبل الإسلام بسبب بيت النابغة المذكور أعلاه. وزعم أنه سيقدِّم فهمًا بنيويًّا لمعنى الكلمة في القرآن، لكن في الواقع هو لم يقدِّم هذا الفهم، إِذْ لم يستطع أن يربط بين المعاني المختلفة لكلمة (أمّة) في القرآن، وإنما يمكن تلخيص ما قاله من نقاط فيلولوجية فحسب. لا يتفق فريدريك ديني مع بعض المستشرقين الذين ذهبوا إلى أن جذر الكلمة هو (أُمّ)، لأنه (ليس في الاستخدام القرآني لكلمة أمّة ما يدعم (هذا الرأي))، وهو بالطبع يسلّم بمعنى الجماعة ومعنى الزمن، لكن بدون تحديد علاقة بنيوية بينهما، إِذْ (ما يَظهر، أنه ليس هناك علاقة بين الأمة بمعنى (المدة، والزمن)، والأمة بمعنى (المجتمع، والناس، والقوم)). ومع أنه عرَض الآيات المكية التي يبدو فيها معنى الإمامة، مثل: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ" (النحل 120)، ومعنى الدِّين جليًّا، مثل: "إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ" (الزخرف 23) (وهي آية مكية متقدّمة)، إلا أنه كان يستحضر نظرة وات في بحثه، فبدون أيّ دعم قال: (أُفَضِّل أن أُترجِم (على أمة) بــ(على مجتمع))، واستَشْعَر غرابة هذا مع بحثه (البنيوي)، فقال بعد ذلك مباشرة: (ربما يكون بناءً أخرقَ وغريبًا، لكن كذلك هي العربية، ليس هناك اشتراط الاتساق المنطقي أو الصرامة الدلالية في الاستخدام القرآني. ولكنْ هناك انتظامٌ كافٍ في تطوير واستخدام لفظ (أمة)، بحيث يحيّرنا المثال الحاضر (مثال: "إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ"، لأنه مكّي متقدِّم)، على أقلّ تقدير). إذن، نحن أمام سؤال تأثيلي بحت هو عصب المبدأ الاستشراقي: - هل كلمة (أمّة) تعني عند العرب قبل الإسلام وفي القرآن الكريم المجتمع والعادات فقط؟ لذلك سأقدّم في باقي هذه الورقة تحليلًا تأثيليًّا مع شيء من أنثروبولوجيا العرب للإجابة عن هذا السؤال، لأن هذا السؤال هو الذي تقوم عليه فرضية التطوّر المفاهيمي.
جاء في أصول النظام الديمقراطي والشورى: الأحزاب السياسية تعمل على توعية الجماهير وتنشئة القادة السياسيين القادرين على إدارة الحكم بحنكة ومواجهة المواقف الصعبة والأزمات وإيجاد الحلول الأكثر مناسبة والمحافظة على الإستقرار السياسي وبالتالي وحدة الأمة، كما أن الجماهير بفضل جهود الأحزاب ستكون على وعي أكثر واهتمام أكبر بالشؤون العامة ومقدرة على إختيار الأنسب، ودمجها أكثر في الحياة السياسية وهذا أمر مطلوب في الشرع الإسلامي. 9 /ما يقال عن تفكير المعارضة ليس له أصل في القرآن لقوله عز وجل: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة 256)، وقوله عز وجل: "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (الكهف 29). وقوله عز وجل: "كل نفس بما كسبت رهينة" (المدثر 38)، وقوله "فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا" (الكهف 6). أما ما وجد من أحاديث نبوية في هذا الموضوع فإن منها الموضوعة، ومنها الصحيح ولكن أسيء فهمه، ومثال ذلك حديث الفرقة الناجية وأثره على أزمة الحرية والديمقراطية وهذا نصه: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) ثم جاء في نهآية الحديث ثلاث صيغ تتراوح بين العموم والخصوص منها: (وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة). وهي أقلها خطورة لأنها تقرر فقط الخلاف بين وجهات النظر كواقعة دون تخصيص أو إدانة، أي صدور حكم عليها بالصواب أو الخطأ، والثانية (وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة تزيد عليهم ملة، كلها في النار إلا واحدة) وهي أكثر خطورة وتحكم على الفرق بالصواب أو الخطأ وتعين هلاك الفرق كلها وضلالها، ولا تستثني إلا واحدة دون تعيين، فتوجه الأذهان إلى تعدد الأخطاء ووحدة الصواب وتدني كل الإجتهادات في الرأي باستثناء واحد فحسب والثالثة (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة هي ما أنا عليه وأصحابي). وفي روآية أخرى (هي الجماعة) وهي أكثر الصيغ خطورة لأنها تقرر واقع وتصدر حكما، ثم تخصص الحكم وتعين الفرقة الناجية وهي فرقة بعينها. ولكن هذا الحديث قد استغل من الناحية السياسية بدعوى أن الفرقة الناجية هي حزب الحكومة، أما غيرها من المعارضة فهي فرق ضالة (وقد بدأ في هذا التفسير منذ الدولة الأموية حيث طلبت البيعة ليزيد وكفرت المعارضة واستمر ذلك حتى الآن)، إذن فقد إستغل ذلك استغلالا سلبيا فمن ذا الذي سيحدد الفرقة الناجية ويعين الفرق الضالة. لقد أعطى هذا الحديث وأمثاله السلطة السياسية ما تريده من شرعية مفقودة أعطاها الأمان والاطمئنان ومن ثم إطمأنت إلى أن كل مخالفة في الرأي هي خروج على السلطة، وأن كل تفسير معارض هو خروج على الدولة، وبذلك سحب البساطة من تحت المعارضة وأصبح ينظر إليها على أنها غير مشروعة. من مبادئ نظام الحكم في الإسلام الحرية بجميع أشكالها، والمعارضة ما هي إلا نتيجة طبيعية لها ومن مستلزماتها، كما أن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له دور في وجود المعارضة، لقوله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" (آل عمران 110) وبهذا المبدأ يحس الحاكم أنه مراقب من كل فرد من أفراد الأمة. وحتى يشيع االله سبحانه وتعالى روح الإهتمام بأمر الأمة قال: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (آل عمران 104). فإذا كان نقد الحكام مستحيلا على الناس كافة، فلا بد من أن تكون منهم فئة تهتم بهذا الأمر الخطير في حياة الأمم.لأجل هذا كله تبرز أهمية المعارضة المنظمة في وقتنا الحاضر لأنها داع للإستقرار كما تهدف إلى الرقي بمستوى الوعي السياسي، فمن المعروف في عصرنا هذا أن الأسلوب العلمي لدراسة المسائل العميقة والقرارات الخطيرة هي أن يتولى أحد الأطراف شرح فوائدها، ثم يتولى الطرف الآخر شرح مضارها.







وائل الوائلي
منذ 1 يوم
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN