1

بمختلف الألوان
إنَّ الفَضلَ في كتابِ اللهِ عَظيمٌ، واسِعٌ لا يُحَدُّ، فَقَد أغدَقَ اللهُ تَعالى على عِبادِهِ نِعَمًا ظاهِرَةً وباطِنَةً، مَنَحَهُمُ المالَ والبَنينَ، وأعلى شأنَهُم بالعِزَّةِ والكرامَةِ. وهذا الفَضلُ الإلهيُّ ليسَ مَحصُورًا في النِّعَمِ الدُّنيَوِيَّةِ فَحَسبُ، بَلْ يَتَجَلَّى بأسمَى... المزيد
أخر المواضيع
الرئيسة / مقالات اسلامية
الآثار الوضعية للذنوب... الآثار الخاصة للمعاصي في الدنيا والآخرة (6)
عدد المقالات : 329
حسن الهاشمي
من الأمور التي يقر بها الدين والعقل والعلم وكذلك التجربة، بأن هنالك نتائجا وآثارا للعمل سواء كان صالحا أو سيئا، يجدها الانسان في الدنيا قبل الآخرة، كالزرع الذي يزرعه الفلاح، فإذا زرع حنظلا يجني حنظلا وإذا زرع وردا يجني وردا، ولابد من الانتباه بأن هنالك نتائج مختلفة ومتعددة قد يجدها المذنب جراء عمله، تارة تكون النتائج لأجل الامتحان، وأحيانا لأجل التكامل والرقي، وأخرى لأجل التنبيه، إلى هذا أشار القرآن الكريم بقوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة: 155.
توجد عشرات الآيات في القرآن الكريم تشير إلى آثار ونتائج الذنوب والمعاصي التي يرتكبها الإنسان دون أن ينتبه إلى عواقبها الوخيمة، فمن هذه الآيات قوله تعالى: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) البقرة: 59. وقال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ) الأنعام: 6. ومن جزاء الذنوب في الآخرة قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) الجن: 23.
يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآية: (فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) ابتداء من هذه الآية وما بعدها يشرع القرآن بعرض خطة تربوية مرحلية لإيقاظ عبدة الأصنام والمشركين تتناسب مع اختلاف الدوافع عند الفريقين، يبدأ أولا بمكافحة عامل (الغرور) وهو من عوامل الطغيان والعصيان والانحراف المهمة، فيذكرهم بالأمم السالفة ومصائرهم المؤلمة، وبذلك يحذر هؤلاء الذين غطت أبصارهم غشاوة الغرور، ويقول: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدارا، وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم، ولكنهم لما استمروا على طريق الطغيان، لم تستطع هذه الإمكانات إنقاذهم من العقاب الإلهي: فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين.
أفلا ينبغي أن يكون علمهم بمصائر الماضين عبرة لهم، توقظهم من نوم غفلتهم، ومن سكرتهم أليس الله الذي أهلك السابقين بقادر على أن يهلك هؤلاء أيضا
ليس هذا التحذير مختصا بعبدة الأصنام، فالقرآن يخاطب - أيضا - اليوم العالم الصناعي الثري الذي أثملته الإمكانات المادية وملأته بالغرور، ويحذره من نسيان الأقوام السابقة ومما حاق بهم نتيجة ما ارتكبوه من ذنوب، وكأني بالقرآن يقول للمغرورين في عالمنا اليوم: إنكم ستفقدون كل شيء بانطلاق شرارة حرب عالمية أخرى، لتعودوا إلى عصر ما قبل التمدن الصناعي اعلموا أن سبب تعاسة أولئك لم يكن شيئا سوى إثمهم وظلمهم واضطهادهم الناس وعدم إيمانهم وهذه عوامل ظاهرة في مجتمعكم أيضا.
حقا إن دراسة تاريخ فراعنة مصر، وملوك سبأ وسلاطين كلدة وآشور، وقياصرة الروم، ومعيشتهم الباذخة الأسطورية وما كانوا يتقلبون فيه من نعم لا تعد ولا تحصى، ثم رؤية عواقب أمورهم المؤلمة التي حاقت بهم بسبب ظلمهم الذي قوّض أركان حياتهم، فيها أعظم العبر والدروس. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٤ - ص ٢١٧.
ومن آثار الذنوب قساوة القلب، سلب النعمة، عدم استجابة الدعاء، الإلحاد والإنكار، قطع الرزق، الحرمان من صلاة الليل، عدم الأمن من الحوادث، انحباس المطر، الزلازل، ظهور أمراض وبلايا جديدة، الذلة والفضيحة، الهم والغم، تسلط الأشرار، خراب البيت، الغضب الإلهي، الندم، قصر العمر، الفقر، المرض، والروايات كثيرة في هذا الباب ولأجل الاختصار نشير إلى هذه الرواية، قال النبي الأعظم: (من استخف بصلاته ابتلاه الله بخمسة عشر بلاء: بقصر العمر، قلة الرزق، ذهاب سيماء الصالحين من وجهه، ذهاب الأعمال، عدم استجابة الدعاء، لا يشمله دعاء الصالحين، يموت ذليلا، يموت عطشانا وجوعانا، يعذب في قبره، يضيق عليه قبره، قبره يكون مظلما، يسحب على الأرض من قبل الملائكة على وجهه أمام الناس، يحاسب يوم القيامة حسابا شديدا، لا ينظر الله إليه، وله عذاب أليم) سفينة البحار للقمي، ج2 ص44.
فالمعصية لها جنبتان جنبة شخصية يتلقى تداعياتها الفرد بما هو فرد، وجنبة عامة يتلقى تبعاتها الفرد بما هو يعيش ضمن أسرته وعشيرته ومجتمعه، فالشر كما قيل في محله يعم والخير يخص، فإذا ترك أغلب الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهثوا وراء ملذاتهم وشرورهم وعصيانهم فإن الجميع يتلقون وبال أمرهم هذا، أي أن نار المعصية لا تلتهم الهشيم فحسب، بل أنها تلتهم الأخضر واليابس، ويولّى عليهم شرارهم فيدعون القلة من خيارهم فلا يستجاب لهم، فالقاعدة الكونية والعقلية التي صرّح بها الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) تؤكد ذلك: (كما تكونوا يولى عليكم) كنز العمال للمتقي الهندي: ٤٤١٦٦. ولهذا فإن الآيات الآنفة الذكر تخص بتبعاتها وآثارها المدمرة الماحقة الأقوام ومن خلالهم الأفراد الذين تمردوا على الأمر الإلهي واتبعوا أهواءهم خاصة، فيتلقون بطبيعة الحال وبال ما اقترفوه من عذاب ومسخ وابادة، وما ينتظرهم من خزي وعذاب أليم في الآخرة هو أشد وأعظم، وهو من تداعيات الذنوب التي لا محيص عنها إلا بالتوبة والإقلاع عنها في الحياة الدنيا.
أما ما يتلقاه الإنسان ضمن الآثار الخاصة وكما ورد في الحديث الشريف عن الرسول الأعظم، فإنها تبعات وآثار تصيب الفرد بما هو فرد من دون المساس بالآخرين الذين لا جريرة لهم بهذا الذنب، إنما صدر من العبد خاصة، لهذا فالآثار والمصائب والمتاعب تتوجه إليه بالذات، وهو يتماشى مع قوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) فاطر: 18. فإن هذا النمط من المعصية إنما يكون من قبل الفرد، إما استهانة بالأحكام أو التشكيك بها وبجدوائيتها في تقويم السلوك واصلاح الذات، كما حال المشككين بما هو مكنون في صلاتنا اليومية، ولا غرابة من أن الذي يستهين بأمر هو في الأصل مشرّع لمصلحته أولا وأخيرا، فإن مثل هكذا شخص إذا ما نزلت به نوازل الفقر والمرض والذلة والخسة فلا يلومنّ إلا نفسه، وإن كان في سعة لبرهة من الزمن، فليعلم إن الله يمهل ولا يهمل، فإن الآثار الوضعية الصاعقة تأتي على حين غرة ولات حين مندم.
اعضاء معجبون بهذا
جاري التحميل
ثقافية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/06/30م
زيد علي كريم يتراءى لي ضريحك وكيف كانت تلك الليلة الحزينة التي تشفى جسد عليل أصابه ما أصابه من الآلام والأحزان، من وجد متلهفا للقائك ماذا فعلت به لكي يصبح أسير حبك راغبا ومتلهفا لحضرتك المعطرة .... أنتظرت حتى الفجر وأنا تحت قبتك وبين الحرمين مابينك وبين قطيع الكفين ، فذاك يسلم وذاك يهتف ياهلا بزوار... المزيد
عدد المقالات : 85
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/06/30م
موسوعة "مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة": المؤلّفون: اشترك في تأليفها جمعٌ من الباحثين والمحققين من أهل الخبرة في قضايا السيرة الحسينية، فكانت ثمرة جهد علمي جماعي، نُسجت فصوله على امتداد ستة أجزاء محورية، خُتمت بمجلد سابع يضم الفهارس التفصيلية، من إعداد السيد هاني الرضويان. محتواها... المزيد
عدد المقالات : 128
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/06/30م
ـ من أنت ـ أبو وهب بن عمرو الصيرفي الكوفي ـ ماهي مهنتك ـ قاض ـ أين تسكن ـ أسكن في بغداد،في محلة الكرخ ـ لماذا حملت القصبة ودرت في الأسواق مدعيا الجنون ـ آه... ذلك أفضل وأسلم من أن أشترك في معاداة محمد وآل محمد،وأسهم في إصدار فتوی باغتيـ.ال الإمام موسی بن جعفر ـ من طلب منك ذلك ـ هارون الرشيـ.د أراد أن... المزيد
عدد المقالات : 54
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/06/30م
يوم الجمعة المصادف 20 حزيران-2025 يوم تاريخي الصراع الاسلامي الصهيوني حيث قامت الجمهورية الاسلامية الايرانية باذلال واهانة الكيان الصهيوني المدعوم من أمريكا وفرنسا وبريطانيا والمانيا وباقي الشلة الغربية انها اهانة غير مسبوقة جعلت المراقبين الغربيين في حيرة من أمرهم وهم يتساءلون: يا ترى كيف تكون... المزيد
عدد المقالات : 10
أدبية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 1 اسبوع
2025/06/22م
اليوم السبت، منذ الصغر وأنا لا أحب يوم السبت، إذ لم يكن عطلة، وكان يوما مدرسيا طويلا، ست حصص تمشي كسلحفاة عرجاء هذه المرة الأولی التي أنتظر فيها قدوم السبت لكنّ الساعةَ تسير حافية الأميال، تتعثر بالدقائق توسلتها أن تقهقه بوجهي، ولكن لاجدوی سلطة الزمن هي المتحكمة () جاء الصبح وتنفست المواعيد، يجب أن... المزيد
عدد المقالات : 54
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ اسبوعين
2025/06/18م
في صحراء الشمس، وعلى صهوة البيان، وقف النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) والسماء تصغي والأرض تتهيّأ لموعدٍ خالد. فوق هامات الحجيج، ارتفع النداء: "من كنت مولاه، فهذا عليٌّ مولاه." لم تكن كلمات، بل كانت وصايا السماء، كانت يدًا مرفوعة من نور، تبايع العدل والوصاية والهدى. ومنذ ذلك اليوم، صار الغدير نبضَ... المزيد
عدد المقالات : 3
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 3 اسابيع
2025/06/09م
ظمأ وعشق ( قصة مبعوث الحسين مسلم بن عقيل ) *( رسائل ومبعوث) لَحِقَ الأمَّةَ عارٌ بعد تسلّم يزيد الخلافة ممَّا دعا أهل الكوفة الى إرسال الرسائل المتكررة لابن بنت رسول الله في المدينة أرسلوا له الدعوة يحملونه المسؤولية أَمام الله والأمَّة إنْ تأخر عن إنقاذهم من ظلم الأمويِّين وعُنفهم. تمهل الإمامُ... المزيد
عدد المقالات : 381
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 4 اسابيع
2025/06/02م
بقلم زيد علي كريم الكفلي جلست وحدي في غرفتي الصغيرة وجلس معي طيرا توقف عن الطيران... شاهدت بصيص شعاع نور أنار ظلامي أخذت أتأمله طويلا... سمعت صوته يحوم في أزقة أفكاري إلى متى وأنت تجلس في هذا الظلام بحثت عنه في كل الظلمات... في وراء النجمات... في أوراق الزمن الماضي... رأيت صورته المعلقة على جدران قلبي... المزيد
عدد المقالات : 85
علمية
وهي عبارة عن موجات مائية عملاقة يُمْكِنُ أن تنتقل بسرعة عبر المحيطات ، وهوامشها الساحلية يترتب عليها تأثيرات بيئية كبيرة في المناطق التي تحدث فيها، إن ظاهرة الأمواج المائية العملاقة Tsunami الشاملة التي حدثت في عام ١٩٤٦ في المحيط الهادي ، والحدوث... المزيد
سلسلة في مفاهيم الفيزياء الجزء السابع عشر: الإلكترون الذي يعزف نغمة طاقته الخاصة الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 27/6/2025 في عام 1911، اقترح دي برولي أنه إذا كانت الموجات يمكن أن تمتلك خصائص جسيمية، فمن المعقول أيضًا أن تمتلك الجسيمات خواص... المزيد
في الثالث عشر من يونيو عام 1903، جلس العالمُ ساكنًا، لكنه لم يكن صامتًا، كانت قاعة الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم مزدانة بعبق المجد الحقيقي، إذ وقف الحاضرون على أقدامهم تحيةً لامرأة لم يعرفوا لها مثيلًا: ماري سكلودوفسكا كوري، العالمة التي... المزيد
آخر الأعضاء المسجلين

آخر التعليقات
تجربة شخصية ومراجعة علمية لحالة حنف القدم:...
محسن حسنين مرتضى السندي
2025/06/15م     
عظمة أهل البيت (عليهم السلام) وحدود القياس...
السيد رياض الفاضلي
2025/02/20م     
النخب والمفاهيم النمطية الموروثة
عبد الخالق الفلاح
2024/11/16م     
اخترنا لكم
إصدارات
2025/06/23
صدر عن قسمِ الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، دليلُ القصص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة عن الامام الحسن العسكري...
المزيد

صورة مختارة
رشفات
الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
2025/06/23
( تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة )
المزيد

الموسوعة المعرفية الشاملة
القرآن وعلومة الجغرافية العقائد الاسلامية الزراعة الفقه الاسلامي الفيزياء الحديث والرجال الاحياء الاخلاق والادعية الرياضيات سيرة الرسول وآله الكيمياء اللغة العربية وعلومها الاخبار الادب العربي أضاءات التاريخ وثائقيات القانون المكتبة المصورة
www.almerja.com