تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن "مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ" "أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ۗ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ" ﴿يونس 66﴾ مَن اسم موصول، فِي حرف جر، ال اداة تعريف، سَّمَاوَاتِ اسم، وَ حرف عطف، مَن اسم موصول، في حرف جر، الْ اداة تعريف، أَرْضِ اسم، ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض: عبيدا وملكا وخلقا، ألا إن لله كل مَن في السموات ومن في الأرض من الملائكة، والإنس، والجن وغير ذلك، و "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ" ﴿الحج 18﴾ أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب: أي يخضع له بما يراد منه، ألم تعلم أيها النبي أن الله سبحانه يسجد له خاضعًا منقادًا مَن في السموات من الملائكة ومَن في الأرض من المخلوقات والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب؟ و "وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ" ﴿النمل 87﴾ ففزع من في السماوات ومن في الأرض: خافوا الخوف المفضي إلى الموت كما في آية أخرى فصعق، والتعبير فيه بالماضي لتحقق وقوعه، واذكر أيها الرسول يوم يَنفخ الملَك في القرن ففزع مَن في السموات ومَن في الأرض فزعًا شديدًا مِن هول النفخة، إلا مَنِ استثناه الله ممن أكرمه وحفظه من الفزع، وكل المخلوقات يأتون إلى ربهم صاغرين مطيعين، و "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ" ﴿الزمر 68﴾ من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله: من الحور والوالدان وغيرهما، ونُفِخ في القرن فمات كلُّ مَن في السموات والأرض، إلا مَن شاء الله عدم موته، ثم نفخ المَلَك فيه نفخة ثانية مؤذنًا بإحياء جميع الخلائق للحساب أمام ربهم، فإذا هم قيام من قبورهم ينظرون ماذا يفعل الله بهم؟.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (4)" (التغابن 1-4) تبدأ هذه السورة بتسبيح اللّه، اللّه المالك المهيمن على العالمين القادر على كلّ شيء يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ و يضيف لَهُ الْمُلْكُ و الحاكمية على عالم الوجود كافّة، و لهذا السبب: "وَلَهُ الْحَمْدُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (التغابن 1). ثمّ يوضّح مسألة الخلقة أكثر بالإشارة إلى الهدف منها، إذ يقول في الآية اللاحقة: "خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِ" (التغابن 3). فإنّ هذا الخلق الحقّ الدقيق ينطوي على غايات عظيمة و حكمة بالغة، حيث يقول تعالى في الآية (27) من سورة ص: "وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا" (ص 27). و لأنّ الإنسان خلق لهدف سام عظيم، فعليه أن يكون دائما تحت إرادة البارئ و ضمن طاعته، فإنّه "يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ" (التغابن 4). تجسّد هذه الآية علم اللّه اللامتناهي في ثلاثة مستويات: علمه بكلّ المخلوقات، و ما في السموات و الأرض. ثمّ علمه بأعمال الإنسان كافّة، سواء أضمرها أو أظهرها. و الثالث علمه بنيّة الإنسان و عقائده الداخلية التي تحكم قلب الإنسان و روحه. و لا شكّ أنّ معرفة الإنسان بهذا العلم الإلهي ستترك عليه آثارا تربوية كثيرة، و تحذّره بأنّ جميع تحرّكاته و سكناته و كلّ تصرّفاته و نيّاته، و في أي مكان كانت، إنّما هي في علم اللّه و تحت نظره تبارك و تعالى. و ممّا لا شكّ فيه أنّ ذلك سيهيئ الإنسان للحركة نحو الرقي و التكامل. قوله تعالى "تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108) وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)" (ال عمران 108-109) التّفسير: هذه الآية إشارة إلى ما تعرضت الآيات السابقة له حول الإيمان و الكفر، و الاتحاد، و الاختلاف، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و آثارها و عواقبها، إذ تقول: "تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ" (ال عمران 108) فكلّ هذه الآيات تحذيرات عن تلك العواقب السيئة التي تترتب على أفعال الناس أنفسهم وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ و إنما هي آثار سيئة يجنيها الناس بأيديهم. و يدلّ على ذلك أن اللّه لا يحتاج إلى ظلم أحد، كيف و هو القوي المالك لكلّ شيء و إنما يحتاج إلى الظلم الضعيف، و إلى هذا يشير قوله سبحانه "وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ" (ال عمران 109). الآية في الحقيقة تشتمل على دليلين على عدم صدور الظلم منه سبحانه: الأوّل: إن اللّه مالك الوجود كلّه فله ما في السماوات و ما في الأرض، فلا معنى للظلم و لا موجب له عنده، و إنما يظلم الآخرين و يعتدي عليهم من يفقد شيئا، و إلى هذا يشير المقطع الأول من الآية و هو قوله تعالى: "وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ" (ال عمران 109). الثاني: إن الظلم يمكن صدوره ممّن تقع الأمور دون إرادته و رضاه، أما من ترجع إليه الأمور جميعا، و ليس لأحد أن يعمل شيئا بدون إذنه فلا يمكن صدور الظلم منه، و إلى هذا يشير قوله سبحانه: "وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ" (ال عمران 109). قوله تعالى "أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ" (يونس 66) إلى آخر الآية فيه بيان مالكيته تعالى لكل من في السماوات والأرض التي بها يتم للإله معنى الربوبية فإن الرب هو المالك المدبر لأمر مملوكه، وهذا الملك لله وحده لا شريك له فما يدعون له من الشركاء ليس لهم من معنى الشركة إلا ما في ظن الداعين وفي خرصهم من المفهوم الذي لا مصداق له. فالآية تقيس شركاءهم إليه تعالى وتحكم أن نسبتهم إليه تعالى نسبة الظن والخرص إلى الحقيقة والحق، والباقي ظاهر. وقد قيل :"مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ" (يونس 66) ولم يقل: ما في السماوات وما في الأرض لأن الكلام في ربوبية العباد من ذوي الشعور والعقل وهم الملائكة والثقلان. قوله تعالى "وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ" (الرعد 15) السجود الخرور على الأرض بوضع الجبهة أو الذقن عليها قال تعالى "وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدا" (يوسف 100)، وقال "يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً " (الاسراء 107). والواحدة منه سجدة. والكره ما يأتي به الإنسان من الفعل بمشقة فإن حمل عليه من خارج فهو الكره بفتح الكاف وما حمل عليه من داخل نفسه فهو الكره بضمها والطوع يقابل الكره مطلقا. وهذه النظرة هي التي يعتبرها القرآن الكريم في نسبة السجود وما يناظره من القنوت والتسبيح والحمد والسؤال ونحو ذلك إلى الأشياء كقوله تعالى "كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ" (البقرة 116) وقوله "وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ" (الاسراء 44) وقوله "يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" (الرحمن 29) وقوله "وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ" (النحل 49). والفرق بين هذه الأمور المنسوبة إلى الأشياء الكونية وبينها وهي واقعة في ظرف الاجتماع الإنساني أن الغايات موجودة في القسم الأول بحقيقة معناها بخلاف القسم الثاني فإنها إنما توجد فيها بنوع من الوضع والاعتبار فذلة المكونات وضعتها تجاه ساحة العظمة والكبرياء ذلة وضعة حقيقية بخلاف الخرور على الأرض ووضع الجبهة عليها فإنه ذلة وضعة بحسب الوضع والاعتبار ولذلك ربما يتخلف. فقوله تعالى "وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" (الرعد 15) أخذ بما تقدم من النظر ولعله إنما خص أولي العقل بالذكر حيث قال "مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" مع شمول هذه الذلة والضعة جميع الموجودات كما في آية النحل المتقدمة وكما يشعر به ذيل الآية حيث قال "وَظِلالُهُمْ" (الرعد 15) إلخ ، لأن الكلام في السورة مع المشركين والاحتجاج عليهم فكان في ذلك بعثا لهم أن يسجدوا لله طوعا كما يسجد له من دونهم من عقلاء السماوات والأرض طوعا حتى أن ظلالهم تسجد له. ولذلك أيضا تعلقت العناية بذكر سجود الظلال ليكون آكد في استنهاضهم فافهمه.







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN