أكّد المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي(دام عزّه) أنّ التاريخ من الطبيعي أن يُزوّر، لأنّ الثورات والانتصارات عادةً يصنعُها الأبطال ويحصدها الجبناء، هكذا التاريخ يعلّمنا إذا لم تدوّنوا مجريات الأمور ابتداءً من التحاقكم بعد صدور الفتوى المباركة الى يومنا هذا، حتى وإن كان التدوين والتعبير أو الخطّ غير جيّد، لأنّه بعد سنين من الصعب البرهنة على أنّكم قاتلتم وقد تُصادر هذا الجهود، وإذا صودرت نحتاج الى أدلّة وبراهين كي نرفعها من ذهنيّة القارئ.
جاء ذلك خلال لقاء سماحته بثلّةٍ من مقاتلي تشكيلات فرقة الإمام علي(عليه السلام) في العتبة العبّاسية المقدّسة، وأضاف: "مع الإمام الحسين(عليه السلام) كانت هناك مجموعةٌ قليلة من أصحابه كانوا يمثّلون النخبة من البشر، ثم ازدادوا شيئاً فشيئاً حتى أصبحوا اليوم في جميع أصقاع المعمورة، سمعنا من السيد السيستاني(دام ظلّه) أنّه كان عندما يمرّ به ذكر أو يزوره بعض الإخوة من الحشد الشعبيّ، كان يعبّر أنّه أنا عندما أستذكر هؤلاء أستذكر أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)، عندما كانوا يتدافعون الى المنيّة، وبشكلٍ مباشر سمعنا منه ورجوناه أن يكتب بيده الشريفة شيئاً خاصّاً بالشهداء، لأنّ في نيتنا أن نعمل أشبه بالشهادات التقديريّة ونوزّعها على ذوي الشهداء، فرجونا منه أن يكتب كتابةً فيها ثناءٌ للشهداء، وفعلاً كتب بخطّه الشريف المقولة التي اشتهرت.
عليكم أن تحمدوا الله كثيراً على هذا التوفيق بترككم الدنيا وملذّاتها والاندفاع الى ساحات القتال، والمضنون أنّ كلّاً منكم عندما يذهب يتوقّع الشهادة، لكنّ الله سبحانه وتعالى عندما أبقاكم حتّى يوفّقكم لأعمال أخرى، والإنسان الذي يُتاجر مع الله تعالى لا شكّ أنّ الله تعالى يعطيه الكثير، فالله تعالى ليس بخيلاً بل سيُكرمه كرامةً كبيرة تلاحظونها في الدنيا، فهذا يحتاج الى شكر كثير منكم، هناك أناس في أعماركم انصرفوا الى أمورٍ أخرى ولم يحظوا بهذه النعمة والبركة التي حظيتم بها فهنيئاً لكم وطوبى لكم بهذه المرتبة الكريمة والجليلة".
وتابع السيد الصافي: "هناك نقطة نؤكّد عليها وهي مهمّة، طبعاً اليوم أنتم شهود على ما يجري باعتباركم في لبّ الحدث لكن بعد (50) سنة أو أكثر تحتاجون الى أدلّة غير أدلّة اليوم، فاليوم أنت في ملابسك وخلال تواجدك في ساحات المعركة نعم أنت الشاهد على ما يجري ويدور من أحداث، لكن بعد فترة من الزمن هذه الذاكرة الشفهيّة مصيرها الى الزوال لا تبقى، فما هو البديل عنها؟ البديل عنها هو التوثيق والكتابة عن كلّ مجريات الأمور".
وأضاف: "عليكم الآن أن تدوّنوا كلّ الأشياء التي مرّت بكم لأنّه بعد سنين من الصعب البرهنة على أنّكم قاتلتم وقد تُصادر هذا الجهود، وإذا صودرت سنحتاج الى أدلّة وبراهين كي نرفعها من ذهنيّة القارئ، وقد مرّ التاريخ بحوادث عديدة لم تصل الينا بصيغتها الصحيحة لكون أنّه وَضَعه كذّابون ومزوّرون للتاريخ، وجرت على ألسنة بعض الكتّاب والمستشرقين وتُتَداول الى يومنا هذا".
مبيّناً: "نحن نعمل الآن على تأليف موسوعة متعمّقة بهذه الأمور وهذه الموسوعة تقع في (25) مجلّداً، وقد شرعنا بها وبعض أجزائها متكامل، لكن نحتاج مساعدتكم ومساعدة رفاقكم من خلال رؤيتكم على ما شاهدتم من قصص وأحداث لكي لا تكون الأمور مبتورة، وفضلاً عن التوثيق هناك جنبة أخرى، فالأجيال غداً بعد سنين يتساءلون ماذا فعل آباؤنا وأجدادنا في المرحلة التي تعرّض فيها العراق الى الاحتلال من قبل داعش، فيحبّ الواحد من هؤلاء أن يرفع رأسه ويفتخر بك ويقول أبي أو جدّي فعل كذا وكذا، كما اليوم تفتخر بعض العوائل بما فعله أجدادهم، ويقول: إنّ أبي أو جدّي ساهم في تحرير العراق من عصابات داعش واستجاب لنداء المرجعيّة وشارك في معارك كثيرة جدّاً، وهذا تاريخه ومذكّراته التي تبيّن ما فعله هو وقرائنه في سبيل الحفاظ على البلد".
واختتم: "الشعب العراقي لديه ميزات إيجابيّة كثيرة لكن لدينا سلبيّة واحدة هي أنّنا لا نوثّق هذه الأحداث، بالنتيجة أيّ جهةٍ تأتي وتقول نحن من فعل هذا لا نستطيع أن نردّ عليها، لأنّه لا يوجد لدينا دليل، فالبرهنة حقيقة قائمة لكن البرهنة عليه لا يوجد عليها شاهد، فالتوثيق حتى وإن كان شفهيّاً عن طريق حفظ التسجيلات أو من خلال شخص آخر احفظه لكون أنّ أحفادك سيستمتعون بصوتك ويفتخرون بك وبما فعلته في هذه الحقبة من تاريخ العراق".
بعد ذلك استعرض آمر تشكيلات فرقة الإمام علي(عليه السلام) الشيخ كريم الخاقاني أهمّ القواطع الماسكة لها والمعارك التي خاضتها، فضلاً عن عديد مقاتليها وما لديها من أسلحة ومعدّات عسكريّة، بعدها تمّ تسليم السيّد أحمد الصافي(دام عزّه) راية التشكيل مع هديّةٍ أخرى.