مصبا- وكلت الأمر اليه وكلا من باب وعد و وكولا : فوّضته اليه واكتفيت به ، والوكيل فعيل بمعنى مفعول ، لأنّه موكول اليه ، ويكون بمعنى فاعل إذا كان بمعنى الحافظ ، ومنه حسبنا اللّه ونعم الوكيل ، والجمع وكلاء ، ووكّلته توكيلا فتوكّل : قبل الوكالة وهي بفتح الواو والكسر لغة. وتوكّل على اللّه : اعتمد عليه ووثق به. واتكل عليه في أمره كذلك. والاسم التكلان بالضمّ. وتواكل القوم تواكلا : اتّكل بعضهم على بعض. ووكلته الى نفسه من باب وعد وكولا : لم أقم بأمره ولم أعنه.
مقا- وكل : أصل صحيح يدلّ على اعتماد غيرك في أمرك. من ذلك الوكلة. و الوكل : الرجل الضعيف ، يقولون : وكلة تكلة. والتوكّل منه ، وهو إظهار العجز في الأمر والاعتماد على غيرك. وأكل فلان ، إذا ضيع أمره متّكلا على غيره ، وسمّي الوكيل لأنّه يوكل اليه الأمر. والوكال في الدابّة : أن يتأخّر ابدا خلف الدواب ، كأنّه يكل الأمر في الجري الى غيره. وواكلت الرجل ، إذا اتّكلت عليه واتّكل عليك.
العين 5/ 405- وكلته اليك أكله كلة : فوّضته. ورجل وكل ووكلة وهو المواكل يتّكل على غيره فيضيع أمره. وتقول : وكلت باللّه ، وتوكّلت على اللّه.
وتقول : وكلت فلانا الى اللّه أكله إليه. والوكال في الدابّة : أن تحبّ التأخّر خلف الدوابّ. والوكيل : فعله التوكّل ، ومصدره الوكالة. وموكل : اسم جبل. وميكال : اسم ملك.
التحقيق
أنّ الأصل الواحد في المادّة : هو اعتماد على الغير وتخلية الأمر اليه.
ولا بدّ في الأصل من لحاظ القيدين المذكورين.
وفرق بين التوكّل والتفويض والرضا والتسليم : فانّ التفويض : تصيير أمر الى آخر بأن يجعله متولّيا ومختارا مطلقا فيه يفعل ما يشاء. وهذا بعد مرتبة التوكّل ، حيث انّ اعتبار الموكّل وشخصيّته محفوظ في مقام التوكيل ...
والرضا : هو تحقّق موافقة الميل بما يجرى عليه ويواجهه ، من دون وجود سخط في نفسه. وهذا المعنى إنّما يحصل بعد التفويض.
والتسليم لأمر اللّه : وهو جعل النفس في سلم ووفاق كامل. وهذا المعنى فوق الرضا ، إذ لا يتوجّه فيه الى وجود رضى أو سخط ، بل يسلّم نفسه في وفاق تامّ بكمال خضوع وخشوع.
ثمّ انّ التوكّل تفعّل ، ويدلّ على مطاوعة وأخذ واختيار ، أي اختيار وكيل يعتمد عليه ويخلّي أمره اليه.
وهذا المفهوم تختلف خصوصيّاته باختلاف الاستعمال بأيّ أداة :
فإذا استعمل بحرف على : فيدلّ على استعلاء وإلحاق الاعتماد في تخلية الأمر على الوكيل. كما في :
{ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي} [هود : 56]. {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } [الزمر : 38].
وإذا استعمل بحرف إلى : فيدلّ على انتهاء الاعتماد والتخلية ، يقال : وكل الأمر اليه ، أي أنهى وخلّى الاعتماد اليه. وقد اشتبه هذا المعنى فعبّر عنه في مقام التفسير بالتفويض والترك والتسليم والتخلية ، وهذه المعاني من لوازم الأصل.
وأمّا الوكيل فهو فعيل صفة مشبهة ، والصفة المشبهة تصاغ من فعل لازم ذاتا أو جعلا بالنقل الى صيغة من صيغ اللزوم كفعل بضمّ العين ، فالوكيل مأخوذ من وكل ، أي صار ذا اعتماد عليه وتخلية اليه ، وصيغ منه الوكيل ، كما في الرحيم مأخوذا من رحم بضمّ العين.
فالوكيل بمعنى من يتّصف ثبوتا بصفة الاعتماد عليه والتخلية اليه.
ومن أسمائه عزّ وجلّ : الوكيل ، فانّه تعالى هو مطلق من يعتمد عليه في قاطبة الأمور ويخلّى اليه ، وليس أحد غيره وكيلا على الإطلاق ومن جميع الجهات ، وباقتضاء ذاته وفي ذاته ، ولا حدّ ولا قيد في هذه الصفة ، فهو غنيّ مطلق لا فقر فيه تعالى بوجه من الوجوه.
{فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } [آل عمران : 173] . {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } [الأنعام : 102]. {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء : 171] . {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب : 3] فهو تعالى معتمد ومخلّى اليه من دون قيد وحدّ ، وهو أحسن وكيل لمن يتوكّل عليه. وهو الوكيل المتفوّق المستعلي على كلّ شيء ، وهو الحقيق المعتمد عليه والمخلّى اليه لكلّ شيء بالتكوين والقهر والواقع. وهو الكافي في مقام الوكالة ، فانّ له ما في السماوات والأرض ، والباء للتأكيد والتشديد.
وأمّا حقيقة التوكّل : فهي متوقّفة على ثبوت معرفة اللّه عزّ وجلّ ، ووصول العبد الى درجة عين اليقين بل حقّ اليقين من الايمان ، بأن يشاهد حياة الربّ وعلمه وقدرته وإرادته ، بما لا تتناهى وليس لها حدود ، وهي محيطة بالعوالم والممكنات ، وأزليّة أبديّة.
فحينئذ يعلم علما يقينيّا بأنّ الاعتماد عليه وتفويض أموره اليه : أصلح وأحسن ، إذ هو العالم بجزئيّات الأمور والقادر على ما يريد ويختار ، ولا يريد إلّا الأصلح والأحسن.
{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} [هود : 56] . { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } [يوسف : 67] . {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} [الرعد : 30] . {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} [الأعراف : 89]. {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } [الملك : 29]. {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} [إبراهيم : 12] . {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال : 49] . { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق : 3] . {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [هود : 123]. { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ } [الفرقان : 58] . { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر : 62]. { لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا } [النساء : 171] ففي هذه الآيات الكريمة يشار الى علل التوكّل :
1- إنّ اللّه عزّ وجلّ مربّى الكلّ وبيده تربية الأفراد- ربّ.
2- الحكم القاطع في جميع الأمور للّه تعالى ومن اللّه المتعال- إن.
3- لا معبود سواه ، والمعبود المطاع هو اللّه العزيز- إله.
4- علمه تعالى محيط بجميع الأشياء ، ونوره واسع كلّ شيء- علم.
5- الرحمة العامّة بجميع الموجودات للّه المتعال- رحمن.
6- الهداية الى سبل الحقّ منه تعالى- هدى.
7- إنّه هو العزيز الحكيم ، وله العزّة والحكمة- عزّة.
8- هو تعالى كاف لمن يتوكّل عليه- حسب.
9- الأمور كلّها راجعة اليه تعالى- رجوع.
10- إنّه هو الحيّ المطلق ولا حدّ لحياته ولا نهاية لنوره- حيّ .
11- إنّه تعالى خالق كلّ شيء ، وهو مبدأ جميع العوالم- خالق.
12- له ما في السموات الروحانيّة والأراضي الجسمانيّة- له.
فهذه اثنى عشر وجها توجب تحقّق التوكّل في العبد على اللّه عزّ وجلّ ، والأمر به إرشاديّ ، ترشد الى تحصيل مقدّماته أيضا.
وكما أنّ حصول المعرفة التفصيليّة الشهوديّة يوجب تحقّق التوكّل قهرا وبالطبع : التوجّه الى لزوم التوكّل إجمالا يوجب تحصيل مقدّماته أيضا على وجه التفصيل.
{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة : 23] {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس : 84]. {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [الأنفال : 2] هذه الآيات الكريمة ونظائرها في مقام الإرشاد الاجماليّ الى التوجّه بلزوم التوكّل ، ثمّ هذا التوجّه ينتج تحصيل مقدّماته تفصيلا.
__________________
- مصبا = مصباح المنير للفيومي ، طبع مصر 1313 هـ .
- مقا - معجم مقاييس اللغة لابن فارس ، ٦ مجلدات ، طبع مصر . ١٣٩ هـ.