برؤيةٍ واضحة وأهداف محدّدة، عملت العتبة العباسية المقدسة خلال السنوات السابقة على تعزيز الجهود في المجال التعليمي والتربوي، من خلال عددٍ من المؤسسات التعليمية التي تبنّتها، وعمدت إلى توفير بيئة بحثية ملائمة للباحثين والطلبة، لتشجيعهم على البحث العلمي والإسهام في تطوير المعرفة العلمية، باستخدام أحدث الطرائق المعتمدة في الجامعات العالمية، والاستفادة القصوى من التقدّم التكنلوجي بما يعود بالحلول العلمية للمشكلات التي تواجه المجتمعات، سواءً كانت في مجال الصحّة أو البيئة أو الطاقة أو غيرها، من خلال الاعتماد على الكوادر التعليمية المؤهّلة التي تعتبر إحدى أهمّ الركائز، وبذلك تكون هذه المؤسّسات داعماً للمؤسّسات التعليمية الحكومية ومكمّلاً لها في مسيرة السعي، لتحقيق التقدّم العلمي في مختلف المجالات. وللوقوف أكثر على النهج المعتمد من قبل العتبة العباسية وتطلّعاتها في هذا المجال، أجرى المركزُ الخبريّ مقابلةً خاصة مع رئيس هيأة التربية والتعليم العالي الدكتور عباس رشيد الموسوي، هذا أهمّ ما تضمّنته: 1_ ما هي الغاية التي تأسّس من أجلها قسم التربية والتعليم العالي في العتبة العباسية المقدسة؟ ثمّة غاية سابقة -إن صحّ التعبير- لغاية تأسيس القسم؛ ذلك أنّ تأسيسه كان من لوازم، أو على نحوٍ أدق، من مقدّمات استحداث مدارس ورياض مجموعة العميد التعليمية؛ فهذه الأخيرة ما كانت لتنشأ قبل أن تؤسّس العتبة الجهةَ المتخصّصة التي ستشرف عليها، وتتابع عملها وتوفّر لها مستلزمات نجاحها، وترصد أداءها، وتقيّمُها. وهنا، يصحّ لنا أن نتحدث عن غاية العتبة من وراء إفراد ملفٍّ مستقلّ معنيّ بالتعليم والتربية، لم يكن للعتبات المقدّسة عهدٌ به، من قبل. فقد كانت رائدةً فيه، ومع الريادة اتّصف بالفرادة والرصانة، وليست تلك غايةً لها إنّما أرادت أن تطرح نموذجاً مختلفاً يمثّل للمتعلّمين نقطة ضوءٍ في مسيرة التعليم في المشهد المعاصر. وحتماً سيكون ثمّة هدفٌ أظهر هو تحقيق رؤية العتبة للارتقاء بالمستوى التعليمي في المحافظة المقدّسة، انطلاقاً من شعور العتبة بمسؤوليتها تجاه بلدها، إذ سعت إلى إنشاء مؤسّساتٍ تعليمية متميزة لخدمة المحافظة من حيث النهوض بالواقع التعليمي والتربوي، ترسيخاً لحسّها التضامني مع أبناء المحافظة، ثمّ امتدّ ذلك ليشمل محافظات أُخَر. من أجل ذلك سعت مجموعة الرياض والمدارس التي عملت تحت مسمّى (مجموعة العميد التعليمية)، وبخطواتٍ حثيثة نحو إعداد البرامج التربوية لإعداد جيلٍ منمّى تنميةً شاملة، يحمل تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وله معرفة كبيرة بالأحكام الشرعيّة وأصول الدين الحنيف. استهدفت إذن، التربية أوّلاً، وحرصت على تعزيز القيم الإسلامية والأخلاقية، وتربية النشء تربية إسلامية شاملة، من خلال حثّه على الالتزام بضوابط الدين الإسلامي. كذلك حرصت على غرس قيم الانتماء لدى المتعلّمين، بكلّ معانيه، لاسيّما الانتماء للوطن، وجهدت في تعزيز الهوية الوطنية، عند المتعلّمين. وفضلاً عن ذلك، فقد اجتهدت في تأمين بيئة تعليمية محفّزة على التعليم والتعلّم باستخدام التقنيات الحديثة. وحرصت كلّ الحرص على تنمية قدرات المتعلّم وتزويده بالمهارات العملية والتعليمية. وأخيراً فإن ثمّة هدفاً مستقبلياً، هو رفد مؤسّسات الوطن الحكومية والأهلية بمخرجاتٍ متسلّحة بالعلم والأخلاق معاً، تصنّف ضمن الكفاءة العراقية الرصينة، صاحبة الخبرة والمهارة. 2_ البعض يرى أن مجموعة مدراس العميد والجامعات التي تبنّتها العتبة العباسية تعتبر منافساً أزاح المؤسّسات التربوية والتعليمية الرسمية عن دائرة الضوء، كيف تجيبون البعض عن هذا؟ لا أرى أن دعوى كهذه تصمد أمام الواقع المُعاش؛ فنحن بحمد الله سبحانه وتعالى وتوفيقه، لا نعدّ المؤسّسات التربوية والتعليمية العاملة معنا في المشهد الكربلائي (منافسين لنا)، بل هم شركاء حقيقيّون، وإنّنا وإياهم في مركبٍ واحد في هذا البحر اللجّي، ودونك مصاديق لذلك: أ_ بسبب ما حبانا الله سبحانه وتعالى به من ملاكات مؤهّلة ومدرّبة وذوي خبرة مشهود لهم بها، وأنا أتحدّث هنا على نحوٍ خاص، عن جهازنا التنسيقي الإشرافي، فإنّ بعض تلك المؤسسات (سواء الحكومية أو الأهلية) تطرق أبواباً من أجل إقامة دورات تدريبية لملاكاتهم، وغالباً ما يتم ذلك خلال العطل الصيفية أو خلال السنة. ب _ أنّ ثمّة مناهج وبرامج مصمّمة على نحوٍ حصري لمتعلّمي مجموعة العميد التعليمية، وقد أنفقنا عليها جهداً كبيراً، وأموالاً طائلة، ومع ذلك فنحن نجود بها على كثيرٍ من تلك المؤسّسات (التي تسمّونها أنتم منافسة)؛ ولو كانت كذلك لما زوّدناها بآخر ما توصّلنا إليه من طروحات علمية وتربوية، ولكنّا ضنينين بها عليهم. ج_ طالما سجّل لنا المشهدُ الإعلامي ومنصّات التواصل، أنّنا سحبنا بعض تلك المؤسّسات إلى دائرة الضوء، من خلال إقامة نشاطات علمية وتربوية بالتعاون معهم. د_ في أحيان ليست قليلة تنبري رياضنا ومدارسنا لتقديم الدعم لبعض تلك المؤسّسات وبعضها حكومية، من أجل المحافظة على ديمومة السير التربوي والتعليمي فيها، ورفده بمداد يؤهّلها لإدامة رسالتها وبقائها. هـ_ إننا منذ أن شرعنا بمشروعنا التربوي آثرنا على أنفسنا أن لا نضعف تلك المؤسّسات؛ فلم نستقطب ملاكاتهم العاملة لديهم، على الرغم من طرقهم بابنا مراراً، وبمجرد معرفتنا بجهة عملهم نعتذر منهم.. بل إننا في أحيان كثيرة نمدّ بعض تلك المؤسّسات بملاكات من عندنا لتنشيط مستوى الأداء لديهم، وبموافقتنا الصريحة، فضلاً عن أن المؤسّسات الحكومية استقطبت أفراداً من خيرة ملاكاتنا المدرّبة والمؤهّلة، وشهدت لهم بالتميز بسبب عملهم معنا. و_ لأن التنافس على النحو المقصود في سؤالكم ليس من دأبنا، فإنّنا لم نحاول لمرّة واحدة أن نغري متعلّمي تلك المؤسّسات بالنقل إلينا، من خلال خفض القسط السنوي أو نحو ذلك.. وغير ذلك من المصاديق. ولا بأس أن أوجز ذلك الجواب بالتذكير بأحد أهدافنا وهو الهدف الاستراتيجي، الذي نستهدف به تنمية المجتمع من خلال تحقيق الشراكة المجتمعية، عبر المساهمة بتأهيل المجتمعات المحيطة بمؤسّساتنا التربوية والتعليمية وتنميتها. 3_ ما الذي توفّره مدارس العميد ولا يتوفّر في غيرها من المدارس الحكومية؟ وهل تعتبر مجموعة العميد بديلاً حتمياً، أم إنها تأتي بخطٍّ موازٍ للمؤسسات الحكومية؟ بلحاظ إجابتنا عن السؤالين أعلاه، فإنه لم يخطر على بال مسؤولي هذا الملف، وكذلك لم يرد في الرؤية المرسومة لنا من الإدارة العليا للعتبة العباسية المقدسة، التخطيط لأن تكون مؤسّساتنا بديلاً عن المؤسّسات الحكومية، أبداً.. بل على عكس ذلك، طرحنا أنفسنا على أنّنا شركاء، ومساهمون مع المؤسّسات الأخر، وداعمون في سبيل الوصول إلى حالة مرضية من التعليم الجيد الرصين، الذي يمزج بين التربية والتعليم والخبرة والمهارات المتعدّدة الأخر، وبناء إنسان قيميّ متسلّح بتطوير الذات وتنمية القدرات والمهارات الفردية، ورفع كفاءة السمات الشخصية. وهو ما يميّز رؤيتنا، فضلاً عن خصوصية أعضاء الهيئات الإشرافية والإدارية والتعليمية والتدريبية المؤهّلة، وكيفية اختيارهم وتأهيلهم وإدخالهم الدورات والورش بشكلٍ فصليّ. فضلاً عن ملاك كبير من الجهاز التعليمي والتربوي يسعى إلى تنمية مهاراتهم وإمدادهم بأحدث الأفكار والنظريات التربوية الحديثة. 4_ ما هي المشاريع الرائدة التي أطلقها قسم التربية والتعليم في العتبة العباسية المقدّسة، وهل هناك خطط لوضع مشاريع رائدة أُخَر؟ عندما نتحدّث عن الريادة، فعلينا أن نذكر هنا بأن تجربة العتبة العباسية المقدسة هي تجربة ريادية بامتياز، فهي المشروع الأوّل من بين العتبات المقدسة، وهذا يعني أن علينا مسؤوليةً أكبر، فنحن رواد هذا الدرب، ونمشي فيه دون أن نحتذي خطواتٍ سابقة علينا، وننسج مشروعنا على غير مثال، وهذا بحدّ ذاته يشكّل تحدّياً لنا. والتحدّي الآخر، هو أن الملفّ التربوي للمجموعة يشق طريقه في الوسط الكربلائي، بإزاء ملفات أُخَر للعتبة سجلت نجاحاً باهراً، وهذا يحملنا مسؤولية الحفاظ على مكتسبات العتبة، وصيتها العطر، ورصيدها من النجاح، فإذا أردت أن تخطّط لمشروع في العتبة فإن عليك أن تجعله رائداً في بابه، وأن يكون ناجحاً ومميزاً مثل سائر مشاريعها. نعم هناك عددٌ طيب من البرامج الريادية سواء التربوية أو التعليمية طرحت في السير التربوي والتعليمي، وأثبتت خلال تطبيقها على المتعلّمين في السنوات السابقة أنّها ريادية وحصرية وعلى النهج المرسوم للمجموعة، فإنها بين الحين والآخر، تطرح برامج أخر، وتطوّر المعمول به، وتعدّل وتغيّر، وهذه علامة صحّة منهجية في سير المجموعة. وقد صمّم بعضها من أجل استهداف الجوانب العقيدية وبعضها الجوانب التربوية والتنمية الروحية لدى المتعلّمين، وبعضها الجوانب التعليمية... من قبيل برنامج الأذن الواعية، والبرنامج المهدوي في مئة يوم، وبرنامج التقويم التربوي الإجرائي، وبرنامج الفقيه الصغير، وبرنامج التنمية الروحية، وبرنامج نحو القمر المصمَّم حصرياً لرياض الأطفال، فضلاً عن برامج توحيد الإعطاء والتغذية الراجعة والدليل العلمي والطلبة الضعاف، والخط والمكتبة، والدؤلي، والنشاط والإرشاد، والمنتل، والجي جي ماث.. وغير ذلك من البرامج الخاصّة بالمجموعة. 5_ هل تعتبر مدارس العميد إضافة نوعية للقطاع التربوي والتعليمي؟ وبم تتميّز عن غيرها؟ لا شكّ أنها إضافة، وأن تميزها سُجّل في تنمية المتعلّمين في المجالات العقلية، والأكاديمية، والنفسية، والبدنية، والانفعالية، والروحية، والاجتماعية، والثقافية، ومنحهم الثقة بالنفس؛ بحيث أصبحوا قادرين على التأثير في محيطهم، وبهم استطعنا أن نؤسّس نواةً صالحةً تسهم في تحقيق مجتمعٍ منتجٍ واعٍ متمثّل بالقيم الإنسانية النبيلة. وممّا يُحسب لها في عنوان التميز أننا استطعنا تطوير استراتيجيات التعلّم، وتنمية المهارات القيادية عند الطلبة، من خلال إكسابهم مهارة التعلّم النشط. كذلك استطعنا أن نحقّق زيادة التعلّق الإيجابي بين أطراف العملية التعليمية، الذي يشكل المعلّم/ المشرِف ركنين من أركانها الرئيسة، من خلال تبادل الأدوار، بما يكشف عن عناية بالتنمية المهنية. 6_ من جانب كون مدارس العميد مشروعاً استثمارياً، هل تضاف عائدات هذا المشروع في المشاريع التي تخدم المواطن الكربلائيّ خصوصاً والعراقيّ عموماً، باعتبارها أحد المفاصل المهمة في العتبة المقدسة؟ أرى، أن أي حديث يخصّ التربية ومشاريعها، لا يصدق عليه بحالٍ من الأحوال وصف الاستثمار، في حال أخلص النية لعنوانه التربوي، يمكن له في حدود أن يصل إلى حافات الاكتفاء الذاتي.. لكنّنا في مشروع التربية لمّا نصل بعد إلى تلك الحافات، بسبب توجّه المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه)، بالإنفاق على هذا الملف من أجل تحسين جودة التعلّم والتعليم، وجودة الأداء العام، ورفع كفاءة الملاك، وتهيئة البيئة الصفية بلوازمها المتكاملة، وتطوير استراتيجيات التعلّم، وغير ذلك من نوافذ تستوجب إنفاقاً مضاعفاً عمّا تحصل عليه المجموعة من واردات، فضلاً عن كفالة الأيتام والمتعفّفين في ذات المدارس، وبأعدادٍ كبيرة، ناهيك عن حجم الإنفاق على البُنى التحتية وهي ماثلة للعيان، وتشهد بذلك المستوى.. 7_ ما هي التشكيلات والمفاصل المهمّة التي لقسم التعليم؟ قبل عشر سنوات، ولد المشروع بين يدي لجنة، ثم ما لبث أن أصبح قسماً علمياً، استقطب كفاءات العتبة، وزاد في العلم بسطة، أن ضمّ أساتذة مختصين يشير إليهم المشهد الكربلائي بالبنان، وقد اشتغل بإدارة رياض الأطفال والمدارس الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، التي بدأ عددها يزداد السنة تلو الأخرى، ليضمّ إليه المتدافعين على بابه من متعلّمي كربلاء المقدسة. ومن ثم استكمل المشروع حلقاته بضمّ التعليم الجامعي إليه، بعد أن أصبحت عندنا جامعتان.. وكان لابدّ في هذه الحال، من استحداث تشكيل مهني يناسب إطار التعليم الجامعي، وهو (هيأة التربية والتعليم العالي) التي استحدثت كإحدى تشكيلات مجلس إدارة العتبة العباسية المقدسة، وفي الآونة الأخيرة انضمّ إلى الهيأة تشكيلٌ جديد جسد رؤية سماحة السيد المتولي الشرعي (دام عزّه) التطويرية، وهو (أكاديمية التطوير الإداري) التي ستشرع بعملها الأكاديمي قريباً. زدْ على ذلك فلدينا المؤسّسات الآتية فضلاً عن الرياض والمدارس الابتدائية والمتوسّطة والإعدادية: - مركز نتعلّم لنحيا. - مركز الكفيل للتخاطب والمهارات قبل الأكاديمية. - مركز الساقي للإرشاد النفسي. - معهد العميد للتعزيز التعليمي. - جمعية كشافة الكفيل. ولدينا في الخطّة إن شاء الله تعالى مركز للتأهيل التربوي، ومركز لتنمية المواهب، معرض العميد للمستلزمات الدراسية.