موجة التسريح التي تطال موظفي شركات التكنولوجيا ليست جديدة، فقد انطلقت في عام 2022 وشملت أكثر من 200 ألف موظف حتى الآن، منهم نحو 46 ألف موظف تم تسريحهم خلال الشهر الأول من 2023، حيث كانت شركة ألفابت المالكة لغوغل من أبرز المساهمين في تسجيل هذا العدد، مع إعلانها منذ أيام عن خطط لتسريح 12 ألف موظف، أي ما يقرب من 6 في المئة من القوى العاملة لديها بدوام كامل.
ويعود سبب تخلي شركات التكنولوجيا عن موظفيها، للظروف التشغيلية الصعبة التي مرت بها في عام 2022 والتي تسببت بخسارتها تريليونات الدولارات من قيمتها بفعل ارتفاع التضخم ونمو أسعار الفائدة، ما ألقى بثقله على أعمال هذه الشركات، التي أصبحت تعاني من ارتفاع في كلفة الديون التي تعتمد عليها لتمويل فرصها في النمو.
ويعد موضوع تسريح الموظفين حدثاً مريراً لإدارة الشركات وليس فقط للموظفين الذين تم التخلي عنهم، حيث تحتاج الإدارة في هكذا ظروف إلى طمأنة بقية الموظفين حول مستقبلهم داخل الشركة، وشرح الأسباب الكامنة وراء التسريح وهذا تحديداً ما فعله الرئيس التنفيذي لشركة ألفابيت، ساندر بيتشاي، خلال اجتماع عقده مع موظفي الشركة سعى من خلاله إلى طمأنتهم وتحفيزهم للاستمرار بالعمل الجاد مع مواجهة غوغل منافسة شديدة في مجالات الذكاء الاصطناعي، كاشفاً لهم أنه سيتم أيضاً خفض مكافآت المسؤولين التنفيذيين في الشركة.
ورغم أن موجة التخلي عن الموظفين ضربت معظم الشركات التقنية الكبيرة مثل مايكروسفت وألفابت وأمازون، إلا أن صانعة الآيفون استطاعت تجنب هذه الموجة، رغم أن الخسائر لاحقتها هي أيضاً في العام المنصرم حيث تراجعت القيمة السوقية لآبل بأكثر من 20 في المئة.
وقدرة آبل على تجنب "مرارة التسريح" حتى الآن، دفعت بالمراقبين للتدقيق بأسلوب العمل الذي اعتمدته إدارة الشركة خلال السنوات الماضية والذي وضع موظفيها على بر الأمان حالياً.
النهج الذكي والحذر
يقول أخصائي شؤون التكنولوجيا، جورج داغر، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن آبل جمّدت التوظيف في الشركة منذ صيف 2022، وأبلغت موظفيها حينها، أن هذا القرار قد يستمر حتى خريف 2023، مؤكدة لهم أنها ماضية في اعتماد "النهج الذكي والحذر" في سياسة التوظيف ما يمكِّنها من مواصلة دعم الابتكار على المدى الطويل.
وبحسب داغر فإن آبل تتبع نهجاً حذراً في عمليات التوظيف منذ أيام ستيف جوبز، وسياسة الشركة مبنية على اعتماد وتيرة توظيف بطيئة، وعلى سبيل المثال نمت القوة العاملة في آبل بنحو 20 في المئة بين سبتمبر 2019 وسبتمبر 2022، لتصل إلى نحو 164 ألف موظف بدوام كامل، وهذه النسبة من النمو في حجم القوى العاملة، تعد منخفضة جداً مقارنة بوتيرة النمو التي سجلتها ألفابت وأمازون التي تخطت الـ 50 في المئة، في حين أن نسبة نمو التوظيف لدى شركة ميتا تخطت الـ 94 في المئة.
انتعاش خلال كورونا
ويشرح داغر أن فترة انتشار فيروس كوفيد 19 كانت من أقوى الفترات التي شهدها قطاع التكنولوجيا على الإطلاق، وهذا ما دفع بالعديد من الشركات في هذا المجال الى توسيع نشاطاتها، وضخ الأموال بشكل غير مدروس، ولجأت للتوظيف لمواكبة هذا التوسع، ولكن الرهان على استمرار النمو كان فاشلاً، مع التحوّل الدراماتيكي الذي شهده هذا القطاع في 2022، في حين أن آبل كانت متحفظة في خطواتها التوسعية حتى خلال أفضل الأوقات وابتعدت عن المخاطرة وهذا ما منحها قدرة على الصمود عندما تبدلت أوضاع السوق.
الارتكاز على آيفون
من جهته يقول الرئيس التنفيذي لشركة إنفينيت وير لبرمجيات الذكاء الاصطناعي أمين التاجر، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن سياسة آبل وضعتها في مكان أفضل لمواجهة تراجع السوق، دون الحاجة إلى القيام بعمليات تسريح جماعي للعمال، مشدداً على أن صانعة الآيفون ليست حصينة في وجه التراجع، ولكن المفارقة تكمن في أن نسبة تراجعها أقل من نسبة تراجع الشركات الأخرى، مرتكزة على هواتف آيفون، القادرة على تحقيق مبيعات جيدة جداً مهما كان واقع الاقتصاد العالمي.
وبحسب التاجر فإن سلسلة هواتف آيفون 14 يمكن أن تكون أفضل مثال على الخطة التي اعتمدتها آبل لمواجهة أوضاع السوق في 2022، فهذه الهواتف أتت بمواصفات وتقنيات قديمة تم طرحها في عام 2021 ضمن سلسلة هواتف آيفون 13، ومن خلال هذه الخطوة تكون آبل قد عمدت إلى تخفيض مستوى الإنفاق على عمليات تطوير تقنيات جديدة بهدف ضمان خفض النفقات، لتستكملها مؤخراً بخطوة تخفيض تعويضات مديرها التنفيذي تيم كوك بأكثر من 40 في المئة في 2023 إلى 49 مليون دولار.
ويختم التاجر بأن آبل تميل إلى عدم إنفاق الكثير من الوقت والمال على مشاريع ليست جوهرية، حيث تفضل البقاء في الضفة الآمنة، وهو ما يخلق استقراراً بأدائها في أصعب الظروف.