يواصل الروبل الروسي تعزيز مكاسبه أمام الدولار واليورو، حيث تم تداول الدولار الأميركي دون مستوى 67 روبل للمرة الأولى منذ مارس 2020، وجرى تداول اليورو بتراجع ملحوظ دون مستوى 70 روبل للمرة الأولى منذ فبراير 2020.
فسر الخبراء الذين تحدث إليهم موقع "سكاي نيوز عربية"، تعزيز مكانة الروبل إلى إجراءات البنك المركزي الروسي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي، ومن أبرزها القيود على التحويل وإلزام المصدرين في روسيا بيع 80% من عائدات النقد الأجنبي في بورصة موسكو، مما أدى إلى زيادة مستمرة في المعروض من العملات الأجنبية في السوق المحلية، وكذلك توجه السياحة الروسية إلى المزارات المحلية عوضا عن السفر للخارج، وتصدير الطاقة الروسية للغرب بالروبل الروسي.
وتأثر الروبل بنمو أسعار النفط والغاز العالمية، إضافة إلى توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، قرارًا يتعلق بوفاء الشركات الروسية بالتزاماتها تجاه الدائنين الأجانب بالروبل.
عوامل كثيرة
الباحث في الشأن السياسي المقيم في موسكو ، وسيم سليمان، يقول إنه "يمكن ربط سبب انخفاض قيمة الدولار في روسيا بعدة أسباب، أولها انخفاض كبير بالطلب بشكل عام على الدولار بعد 3 أشهر من بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في اوكرانيا، حيث استقر الوضع المالي في البلاد، وانتهى تأثير البروباغندا التي حاولت دول الناتو الترويج لها حول تأثير العقوبات على المواطن الروسي، بالإضافة إلى أن البنوك الروسية قد وضعت سياسات تشجيعية كبيرة تتعلق بالادخار بالروبل، من خلال رفع نسبة الفوائد للادخار بالروبل مقابل نسبة ضئيلة جدًّا للدولار".
وأضاف سليمان، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "عندما رصد المواطن الروسي، تراجع سعر الدولار، بالتزامن مع ارتفاع نسبة الادخار بالروبل، لوحظ توجه كبير نحو العملة المحلية، خصوصًا لدى المسنين".
وأشار إلى أن الأمر الآخر الذي جعل الطلب على الدولار ينخفض بشكل كبير بالبلاد، يعود إلى العقوبات بحد ذاتها حيث إن المواطنين الروس كانوا يشترون الدولار واليورو لأسباب تتعلق بالسياحة في أوروبا، حيث كانت أوروبا وجهة سياحية مهمة بالنسبة إلى الروس، لكن وقف الرحلات الجوية الناتجة عن السياسات الغربية، جعلت المواطنين يتوجهون إلى السياحة الداخلية ، وهو ما عزز أيضًا من العملة المحلية في روسيا، وعندما نتحدث عن السياح الروس نحن نتحدث عن ملايين الأشخاص.
وكشف أن الأمر الأكثر أهمية هو أن الغرب اعتقد بأن سياسة فرض العقوبات ستجعل روسيا غير قادرةٍ على بيع منتجها النفطي أو الغازي، لكن الحقيقة مختلفة تمامًا إذ إن كوكب الأرض متعطش للطاقة، والشركات تسعى دائمًا بنهم لمصادر جديدة.. إن روسيا قادرة وبكل بساطة على إيجاد أسواق جديدة خصوصًا في آسيا وافريقيا وأمريكا الجنوبية، حيث تدعم هذه الفكرة مساحة روسيا الكبيرة جدًّا وحدودها التي تمتد من أقصى شرق كوب الأرض إلى غربه، وهذه الأسواق الجديدة ستدعم قيمة الروبل في نهاية الأمر، خصوصًا أن بعض الدول مثل الصين وغيرها، تدرس حاليًّا الدفع بالعملات المحلية.
الغاز بالروبل
وفي تقرير لها، قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية، إن شركات الطاقة في ألمانيا وهنغاريا أكدت أنها تعتزم الامتثال لمطلب الرئيس الروسي، بأن يدفع مشتري الغاز الروسي بالروبل، لكن الاتحاد الأوروبي قال إن هناك خطرًا من أن تنتهك الشركات العقوبات التي تحظر التعاملات مع البنك المركزي الروسي ، وذلك في ظل مخاطر كبيرة، لأن الكرملين قد أوقف بالفعل الإمدادات عن بولندا وبلغاريا، وهو ما أعطى دفعة للروبل أمام العملات الغربية.
وتابعت الصحيفة أن بوتن قال إن المشترين من الدول "غير الصديقة" يجب أن يبدأوا دفع ثمن الغاز بالروبل، وعادة، تدفع الغالبية العظمى من المشترين باليورو أو بالدولار، وسيتم اعتبار فاتورتهم من مجموعة الطاقة الحكومية الروسية "غازبروم "، تمت تسويتها بمجرد إتمام الدفع، وبموجب المرسوم 172، الذي أصدره بوتن في مارس، يتعين على المشترين المشاركة في نظام دفع جديد يتطلب فتح حسابين في بنك "غازبروم"، سيتم دفع الأموال في حساب واحد باليورو والدولار قبل تحويلها من قبل البنك إلى روبل ودفعها لشركة "غازبروم" من الحساب الثاني، وعند هذه النقطة فقط يمكن اعتبار أن المشتري أوفى بالتزامه القانوني بدفع ثمن الغاز.
ووفقًا للتقارير، فإن ثلاثًا من أكبر شركات الغاز في أوروبا، يونيبر الألمانية وإيني الإيطالية وشركة أو أم في النمساوية، تدرس أيضًا سبل الامتثال لمرسوم بوتن.
الورقة الرابحة
الباحث الروسي زين العابدين شيبان، قال إن الروبل تمكن من الصمود بسبب الورقة الرابحة التي اعتمدت عليها روسيا في ردها على الغقوبات الروسية وهي الطاقة، وبدا ذلك جليًّا في بداية ارتفاع سعر الصرف بعد القانون الذي وقعه الرئيس الروسي بضرورة تسديد سعر الغاز بالروبل، ومع حقيقة شراء الروبل الروسي وتزايد الطلب عليه تمكنت العملة الروسية من الصمود، بل ووصولها لمستويات قياسية لم تصلها منذ عام 2020.
وأضاف شيبان، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن موضوع آخر يجب التلميح إليه، وهو المشكلات الداخلية التي تطال أوروبا بسبب نتائج العقوبات التي فرضتها هي وأثرت عليها قبل الجميع، وهذا أيضًا أثر على العملة المحلية اليورو التي نزلت قيمتها ليس فقط أمام الروبل، بل أمام الدولار أيضًا.
وتابع أنه يجب الإشارة لحقيقة أن أميركا تعاني من أكبر نسبة تضخم في البلاد، ومع الاحتمالات التي تم الحديث عنها بأن السعودية والصين ستقومان بمبادلاتهما التجارية بالعملة الصينية، كلها أمور أدت للانتقاص من القيمة العالمية للدولار.