لا تزال بقايا صوامع القمح عند مرفأ بيروت، الذي دمره انفجار ضخم في أغسطس 2020، شاهدة على أكبر كارثة في تاريخ لبنان الحديث، وسط تباين في الآراء بشأن مصيرها، سواء إزالتها أو الإبقاء عليها كما هي.
والجمعة عطّل وزير الثقافة اللبناني محمد المرتضى قرار الحكومة، القاضي بهدم الصوامع، التي دمرها انفجار 4 أغسطس بشكل شبه كامل.
واعتبر المرتضى أن "ما تبقى من صوامع
القمح معلم حضاري، يجب أن يبقى شاهدا للأجيال المقبلة".
وأصدر المسؤول اللبناني قرارا قضى بإدخال الصوامع إلى لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية في
لبنان، وعدم جواز القيام بأي عملية هدم من دون الرجوع إلى وزير الثقافة حول الأعمال المقرر تنفيذها والمواد المستخدمة في العملية.
وكان مجلس الوزراء قد قرر الأربعاء الماضي هدم صوامع القمح، حيث أذاع وزير الاقتصاد أمين سلام القرار بسبب تضرر الصوامع بشكل كبير من
انفجار مرفأ بيروت.
وقالت مصادر إعلامية متابعة إنه "في نهاية العام الماضي، أرسلت برقية إلى مدعي عام التمييز، جاء فيها أن الخبير الفرنسي إيمانويل دوران الذي كشف على المبنى، أبلغ السلطات اللبنانية المختصة ووزارة الاقتصاد بأن صوامع الكتلة الشمالية من مبنى الصوامع مالت نحو 7 سنتيمترات منذ أشهر، وبالتالي فإنه يتوقع سقوطها بسبب العوامل الطبيعية في
فصل الشتاء المقبل.
وأرسلت البرقية حينها إلى المحقق العدلي في التفجير القاضي طارق البيطار للاطلاع، فرد الأخير في اليوم ذاته على النيابة العامة التمييزية بأنه لم يعد هناك داع للمحافظة على ما تبقى من الصوامع، بالنظر للمرحلة التي قطعها التحقيق العدلي.
وعرض وزير العدل هنري خوري الموضوع في جلسة مجلس الوزراء، في 11 مارس الجاري، موصيا بالهدم استنادا إلى رأي دوران بأن المبنى يميل حوالي 2 ميليمتر يوميا، وإذا وقع الانهيار فقد تحدث كارثة إنسانية.
جدير بالذكر أن هذه الصوامع العملاقة صممت عام 1968، لتخزين مخزون استراتيجي للبنان من القمح في حرم مرفأ بيروت.
نقابة المهندسين: لا للهدم
وتعقيبا على هذه التصريحات، أصدرت
نقابة المهندسين في لبنان بيانا رفضت فيه قرار الحكومة بهدم الصوامع، معتبرة أنه "مهما تضررت يمكن تدعيمها ومنعها من السقوط لتبقى شاهدة على هول الجريمة".
وجاء في بيان النقابة: "قرار الحكومة يعمل على إزالة شاهد على جريمة أصابت جميع اللبنانيين، وأثرت بالأخص على العاصمة وسكانها، كما أن التحقيق لم ينجز بعد، ولا يجوز المس بأي جزء من المبنى قد يكون دليلا يستعان به خلال التحقيق".
وشددت على أن "إعادة إعمار المرفأ لا يجب أن تجري بشكل مجتزأ، بل برؤية شاملة ومخطط توجيهي واضح يعيد التفكير بشكل شامل بالمرفأ وخدماته ودوره الاقتصادي".
وأكدت النقابة أن "السلامة العامة مهمتنا الأساسية خاصة في هذا البلد الذي يتعرض بشكل مستمر لحقبات تدمير، تليها مشاريع إعادة إعمار بشكل عشوائي".
رأي الخبراء
وقال نائب عميد كلية الهندسة في جامعة بيروت العربية يحيى تمساح، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن هناك خلطا في الكلام الذي يدور بين صوامع القمح وبين عنابر تخزين البضاعة المجاورة المصنوعة من مادة "الإسبستوس" (الألياف الصخرية الملوثة للبيئة)، وليس لها علاقة مطلقا بهيكل الصوامع المصنوع من الإسمنت المسلح فقط وغير الملوث للبيئة.
وتابع: "إذا كان الإبقاء على الصوامع بهدف إعادة استخدامها في تخزين القمح، فالحل الأفضل هو هدمها واستبدالها، وهذه عملية مكلفة".
وأضاف تمساح: "أما إذا كان الهدف المحافظة عليها كنُصب تذكاري، فيجب تدعيمها بعد إزالة أجزاء صغيرة منها، وهي حاليا لا تشكل خطرا على محيطها لأنها غير آيلة للسقوط".
كما قال الخبير البيئي المائي الدكتور جلال حلواني: "ما تبقى من قمح في الصوامع لا يمثل مشكلة، لكن من المحتمل أن يشكل خطرا إذا كان مختلطا مع مادة نيترات
الأمونيوم التي انفجرت. مع انفجار هذه المادة انبعثت مواد غازية، ولما هطلت الأمطار تحولت إلى أحماض".
وبين حلواني في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية": "كلف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إحدى الشركات الهندسية الكبرى إجراء كشف على المبنى من ناحية سلامته وما تبقى من الحبوب في الصوامع. يجب انتظار التقرير النهائي، وإذا قال إن المبنى قوي فيمكن أن يبقى".
وختم حلواني بالقول: "إذا كانت الحبوب المتبقية بعد الانفجار تحتوي على مواد سامة وتأثرت بالنيترات، فيجب التخلص منها عبر مطمر خاص بطريقة صديقة للبيئة أو شحنها إلى خارج لبنان، ويجب معرفة ماهية المواد الكيميائية الموجودة. ننتظر النتيجة ليبنى على الشيء مقتضاه".