إذا سجل التضخم الأمريكي بيانات أعلى من المتوقَّع قد يدفع ذلك
"الاحتياطي الفيدرالي" للاقتراب من التفكير في رفع الفائدة بأكبر وتيرة منذ أكثر من عقدين.
من المقرر الإعلان عن بيانات "مؤشر أسعار المستهلك" لشهر يناير، اليوم الخميس. وتمثل بيانات التضخم تلك المرة أحد أهم البيانات التي يتم الإعلان عنها قبل اجتماع "الاحتياطي الفيدرالي" في مارس، وهو الاجتماع الذي أشار إليه جيروم باول رئيس الفيدرالي من قبل بأنه قد يشهد بدء سلسلة رفع أسعار الفائدة.
من المتوقَّع إذا سجل "مؤشر أسعار المستهلك" بيانات تفوق متوسط الزيادة المتوقَّعة للأسعار، والبالغة 7.2% سنوياً لتصبح الأكبر منذ عام 1982 أن يرفع "الاحتياطي الفيدرالي" الفائدة بنصف نقطة مئوية لأول مرة بذلك المقدار منذ عام 2000 بدلاً من التحرك المعتاد بمقدار ربع نقطة.
أشار "باول" الشهر الماضي إلى استبعاد رفع الفائدة بنصف نقطة مئوية، لكن بعد صدور تقرير الوظائف في يناير الذي أظهر زخماً استثنائياً لارتفاع الرواتب بوتيرة فاقت التقديرات والقفزة التي شهدتها الأجور؛ اقتنع المتداولون أنَّ "الاحتياطي الفيدرالي" سيكون أكثر تشدداً، إذ تشير توقُّعاتهم إلى وجود فرصة واحدة من كل 3 لرفع الفائدة 50 نقطة أساس بدلاً من فرصة واحدة من بين كل 5 قبل إصدار بيانات التوظيف، وفقاً لتحركات العقود الآجلة للأموال الفيدرالية.
قالت أنيتا ماركوسكا كبيرة الاقتصاديين في "غيفريز": "تزداد توقُّعات السوق برفع "الفيدرالي" بتلك النسبة، لأنَّه لم يستبعدها أو يقول، إنَّه من غير المرجح حدوثها". وتعليقاً على بيانات سوق العمل القوية أضافت "ماركوسكا": "دور الاحتياطي الفيدرالي سيكون رد فعل لمتغير واحد هو التضخم؛ وستكون تلك الأرقام وقتها ذات أهمية كبيرة".
تعد الخطوة في الوقت نفسه محفوفة بالمخاطر بالنسبة لـ"باول"، إذ ينتقد بعضهم بطء تصرف "الاحتياطي الفيدرالي" وتأخره في معالجة
ارتفاعات التضخم، ولذلك ستكون خطوة رفع الفائدة نصف نقطة مئوية بمثابة اعتراف لهم كونهم على حق.
كما يهتم الرئيس جو بايدن، الذي يتعرض حزبه لمخاطر خسارة أغلبية ضئيلة في "الكونغرس" بانتخابات التجديد النصفي هذا العام، بأن يكون "باول" على حق. وقد تراجعت شعبية "بايدن" في الأشهر الأخيرة، وهو ما أرجعه بعضهم لحزمة التحفيز التي قدّمتها إدارته، وتسبّبت في زيادة الأسعار.
ماذا تقول "بلومبرغ إيكونوميكس":
"من المتوقع أن تحظى مناقشات رفع الفائدة 50 نقطة أساس بجدية أثناء اجتماع مسؤولي "الاحتياطي الفيدرالي" في مارس. إذ سيكون تضخم مؤشر أسعار المستهلكين وقتها قد سجل مستويات تؤثر في القرار. وتشير تقديرات بلومبرغ إيكونوميكس إلى استمرار تجاوز التضخم الشهري في يناير مستهدف التضخم البالغ 2% وسط مواصلة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء الذي سيبلغ ذروته في فبراير". آنا وونغ، ويلينا شولياتيفا، وأندرو هوسبي، وإليزا وينغر"
يشير متوسط توقُّعات استطلاع أجرته "بلومبرغ" للاقتصاديين إلى ارتفاع معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني الغذاء والطاقة المتقلبين، في يناير 5.9% على أساس سنوي، ليسجل أسرع وتيرة ارتفاع منذ نحو 4 عقود. وبرغم ذلك، تبقى هناك العديد من الطرق التي يمكن أن تتغير بها البيانات، إذ تتراوح تقديرات ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك الأساسي على نطاق واسع بين 0.2 - 0.8% على أساس شهري.
تعد أسعار تذاكر الطيران والسكن بعيداً عن المنزل عاملين من بين أكبر العوامل المؤثرة في تحديد وتيرة التضخم، وسط تفشي سلالة "أوميكرون"، وارتفاع معدل الإصابات بكوفيد 19، والحد من السفر. ويتزامن ذلك مع توقُّعات بارتفاعات قوية في شهر يناير لمكوّنين من قطاع المسكن، والمتمثلين في ارتفاع إيجار المسكن الأساسي، والإيجار المكافئ لمالكي العقارات، ذلك الارتفاع الذي قد يستمر خلال الأشهر المقبلة.
قال روبرت دنت، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في "نومورا" الذي يتوقَّع رفع "الاحتياطي الفيدرالي" للفائدة 50 نقطة أساس: "نتوقَّع أن يتركز التغير بأسعار الخدمات الأكثر حساسية لفيروس كوفيد19"، وأضاف "دنت": "مع الأخذ في الاعتبار انتعاش تلك المكونات بقوة مع تلاشي "أوميكرون"؛ نتوقَّع سعي الاحتياطي الفيدرالي لخفضها."
يعكس معدل التضخم لشهر يناير أيضاً التغيرات في الأوزان النسبية لفئات معينة في سلة المستهلك، إذ تتضمن بيانات المؤشر الأوزان النسبية التي تم إصدارها، الثلاثاء، استناداً لعادات الإنفاق خلال عامي 2019 و2020؛ والتي تعطي وزناً نسبياً أكبر للسيارات والشاحنات المستعملة، فضلاً عن وزن أقل لتناول الطعام بعيداً عن المنزل، إذ تمثل انعكاساً لتغيير الوباء لأنماط الاستهلاك في الولايات المتحدة .
يتوقَّع مراقبو السوق رفع الفائدة في مارس، حتى لو أظهر تقرير الوظائف لشهر يناير انخفاضاً في الرواتب، وهو الأمر الذي يتوقَّعه الكثيرون، لكنَّ إضافة 467000 وظيفة وتسجيل أكبر زيادة شهرية بمتوسط الدخل في الساعة على مدار أكثر من عام؛ زاد من توقُّعات المتداولين لاحتمالات رفع الفائدة 50 نقطة أساس، وسط تصاعد المخاوف بشأن استمرار ارتفاع وتيرة التضخم.
توقعات بالتراجع
أعرب مسؤولو "الاحتياطي الفيدرالي" بخلاف "باول"، ومن بينهم بعض الصقور مثل جيمس بولارد رئيس "بنك سانت لويس الفيدرالي"، وإستير جورج من كانساس سيتي عن تفضيلهم التحركات التدريجية.
كانت "اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة" قد حددت في "الرسم البياني لتوقُّعات أسعار الفائدة" في اجتماعها بشهر ديسمبر 3 ارتفاعات طوال العام، في حين سيتم تحديث تلك التوقُّعات في اجتماع شهر مارس.
أعلن رافائيل بوستيك رئيس "الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا" المتشدد نسبياً أيضاً في مقابلة مع "قناة سي إن بي سي" عن الاستعداد لرفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية 3 مرات هذا العام، وقال إنَّه “يفضل قليلاً رفع ربع نقطة مئوية 4 مرات" في ظل التخفيض الكبير في ميزانية "الاحتياطي الفيدرالي".
وتابع "بوستيك"، وسط تصاعد ارتفاع وتيرة التضخم؛ فإني "متفائل جداً لاقتراب بدء الانخفاض، فهناك بعض المؤشرات في الشهرين الماضيين على اقتراب التباطؤ، حيث لم يزداد التضخم سوءاً على أساس شهري، وآمل أن يترجم ذلك إلى انخفاض ببطء خلال الربيع وحتى الصيف".
يتوقَّع صانعو السياسة النقدية في "الاحتياطي الفيدرالي" تراجع معدل التضخم، الذي يركز على النفقات الشخصية إلى 2.6% بحلول نهاية العام، في حين تثير الزيادة الأخيرة في الأجور من مخاوفهم.
قال إيثان هاريس، رئيس أبحاث الاقتصاد العالمي في "بنك أوف أمريكا"، والذي يتوقَّع رفع الفائدة بمقدار ربع نقطة في مارس، متسائلاً: "هل يمكن رفع الفائدة 50 نقطة أساس في وقت ما حالياً؟ بالتأكيد؛ سيصبح رفع الفائدة 50 نقطة أساس حقيقة في حال عدم تراجع التضخم بالطريقة التي يأملونها".