تقف جموع الموالين قبالة صرح الكرم والجود وقفة حزن وأسى وحِداد، لتُعلن عن موسم شهادة تاسع أئمة الهدى باب المراد الإمام محمد بن علي الجواد "عليه السلام"، إذ أقامت الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة المراسم السنوية لاستبدال رايتي قبتي الإمامين الكاظمين الجوادين "عليهما السلام" التي تَعلو القبتين الشامختين للإمامين الكاظمين الجوادين "عليهما السلام" برايات الحزن السوداء، والتي جَرَت بحضور الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة الأستاذ الدكتور حيدر حسن الشمّري، وأعضاء مجلس الإدارة، وممثلي العتبات المقدسة العلوية والحسينية الرضوية والعسكرية والعباسية والمزارات الشريفة، وبحضور قائد عمليات بغداد، وقائد الفرقة الثانية الشرطة اتحادية وعدد من القيادات الأمنية البطلة ونُخبة من السادة الأجلاء والمشايخ الفضلاء أصحاب المشروع التبليغي للمرجعية الدينية، وعدد من الشخصيات الرسمية والاجتماعية وجمع غفير من وجهاء وشيوخ مدينة الكاظمية المقدسة ومسؤولي دوائرها الأمنية والخدمية وزائري الإمامين الجوادين "عليهما السلام".
استهلت المراسم العزائية بتلاوة عطرة من كتاب الله العزيز شنّف بها قارئ العتبة المقدسة السيد عبد الكريم قاسم أسماع الحاضرين، بعدها مشاركة لمواكب مدينة الكاظمية بمراسم تأبينية حاملين فيها رايات الولاء بهذه الفاجعة الأليمة وقراءة أنشودة الفردوس.
تلتها كلمة الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة وألقاها أمينها العام الأستاذ الدكتور حيدر الشمّري قائلاً: ( ونحن نعيش آلام المصاب وأسى هذه الفاجعة المريرة لا بد لنا من وقفة نستلهم فيها الدروس والعبر من سيرة هذا الإمام المظلوم.. ذلك الشاب الذي كرّس سنين حياته رغم قصرها لخدمة الدين والحفاظ على الرسالة السمحاء التي جاء بها جده المبعوث للناس كافة نبينا الأكرم محمد "صلّى الله عليه وآله وسلّم" وترسيخ العقيدة الحقة ومجابهة الانحرافات الفكرية والتيارات الفاسدة التي أخذت تنخر جسد المجتمع آنذاك.. وهو درس حي لشباب اليوم في كيفية المحافظة على القيم التي أرساها أهل البيت عليهم السلام والإصرار على مواجهة الغزو الثقافي الذي شنه أعداء الله هنا وهناك.. فمسؤولية الشباب جسيمة في النهوض بواقع المجتمع وعليهم أن يمارسوا دورهم للارتقاء بالإنسان في شتى مناحي الحياة ).
وأضاف قائلاً: (وما تضحيات أبنائنا من في صفوف القوات الأمنية بمختلف صنوفها والمتطوعين الملبّين لفتوى الدفاع الكفائي لسماحة المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني " دام ظله الوارف" إلا صورة من صور النصرة والتمهيد لصاحب العصر والزمان.. واسمحوا لي أيها الأحبة أن أشكر –وإن كان هذا الشكر لا يعد ذا بال- أبناء الجهاد وجميع القوات الأمنية الذين خاضوا بحر الجهاد وسلكوا سبيل ذات الشوكة، واسترخصوا النفوس الغالية واختاروا المنية على الدنية وجعلوا دماءهم الزكية ثمنا للحرية والحياة الأبية.. والشكر موصول للشجعان الذين علقوا أوسمة العز على أجسادهم في ميادين الوغى، لتذكرنا جراحاتهم وإصاباتهم بجميل صنعهم فينا وعظيم فضلهم علينا أولئك هم الشهداء الأحياء.. والثناء كل الثناء على جميع الكرماء أصحاب السخاء عوائل الشهداء الذين بذلوا للدين والأرض والعرض والمقدسات وبطيب خاطر في سبيل الله ومن أجل سلامتنا فلذات أكبادهم وثمرات أفئدتهم)
كما أشار الدكتور الشمّري في كلمته قائلاً: (نجد من الواجب ذكره في هذه المناسبة الجهود المباركة التي تبذلها العتبات المقدسة من خلال أماناتها العامة بتسديد من الله سبحانه وتعالى وبركات النبي وآله الأطهار صلوات الله عليهم وأهم هذه الجهود هي خدمة زائري مراقد الأئمة الأطهار ونخص بالذكر الدور الذي أداه الأخ العزيز الأستاذ الدكتور جمال الدباغ الأمين العام السابق في خدمة العتبة المقدسة وزائريها الكرام والذي كان مثالا للالتزام العالي والحرص الشديد والنزاهة المتميزة أثناء مدة خدمته أمينا عاما للعتبة الكاظمية المقدسة ونحن بدورنا وبعد حصولنا على مباركة المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف ممثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الشريف هذه المباركة التي نعدها تكليفا ومسؤولية كبرى أمام الله سبحانه وتعالى وأمام النبي وآله سيما الإمامين الجوادين وقائمهم عجل الله تعالى فرجه الشريف سنواصل بقوة الحق بإذنه تعالى العمل العالي الالتزام والحرص والنزاهة ولن يقل عن من قَد سبقنا وفقا للشرع والقانون الذي سبقنا إليه الأخ العزيز الدكتور جمال الدباغ وسنسعى سعيا حثيثا من خلال الأمانة العامة للعتبة المقدسة بمجلس إدارتها الجديد المبارك إلى تكريس تبني السياسة الأساسية لأمانتنا والتي ستكون من أولى أولوياتها خدمة الزائرين والحفاظ على العتبة المقدسة وقاصديها الكرام من داخل العراق وخارجه)
وكانت هناك كلمة للمشروع التبليغي في الحوزة العلمية الشريفة ألقاها فضيلة الدكتور الشيخ علي الشكري نيابة عن مُمثل المرجعية الدينية في مدينة الكاظمية المقدسة سماحة الشيخ حُسين آل ياسين، فجاء فيها: ( إليك سيدي أيها الإمام المنتظر وأنت المعزّى في هذه الذكرى الأليمة أحر التعازي نرفعها مضمخة بعطر الولاء المقدس، والعزاء موصول إلى مقام المرجعية الدينية العُليا متمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني " دام الله ظله الوارف "، وإلى مراجع الدين العظام وإلى علمائنا الأعلام الربانيين العاملين في مشارق الأرض ومغاربها وإلى أبناء الأمة الإسلامية جمعاءوإلى كلّ الأحرار في ذكرى شهادة مولانا الإمام محمد بن علي الجواد "عليه السلام" ).
وبين فضيلته قائلاً: ((تقوم العتبات المقدسة بفضل الله ورسوله وآله بجهود عظيمة مشكورة أهمها خدمة زائري الأئمة الأطهار .
وإننا وفي هذه المناسبة لنُشيد بنزاهة الأخ الأستاذ الدكتور جمال الدباغ الأمين العام السابق لهذه العتبة المقدسة ودقة إدارته وتفانيه في أداء مهمته فجزاه الله خيراً.
وفي الوقت ذاته نشد على يدِ الأخ الأستاذ الدكتور حيدر الشمّري الأمين العام الحالي للعتبة المقدسة والذي بورك له كسابقه من قبل المرجع الديني الأعلى في القيام بخدمة الإمامين الكاظمين سلام الله عليهما لدورة قانونية كاملة، نسأل الله العلي القدير لهُ وللعاملين معه تمام الموفقية والنجاح)).
وأضاف فضيلته: ( نُشيد بذلك الدور الرائع الذي قامت به العتبات الشريفة في تنسيقها مع ممثلية المرجعية الدينية ـ مسجد آل ياسين ـ وما أظهرته إدارتها من تنسيق عالي المستوى، ذلك التنسيق الذي تمخض عن مئات بل آلاف من المتطوعين والمتطوعات في المناسبات الدينية المختلفة، كما وسعت المرجعية الدينية والحوزة العلمية في النجف الأشرف عن طريق مشروعها التبليغي الذي ضمّ تلك الأعداد الغفيرة من طلبة العلم الأفاضل والمبلّغين الكرام والمبلّغات الكريمات ـ شكر الله سعيهم ـ إلى تفعيل الحالة الاجتماعية بين الكوادر العلمية والساحة الجماهيرية المؤمنة مستثمرةً تلك المناسبات المليونية لبث المعرفة والتوجيه الديني بالأسلوب الحضري المناسب).
كما تخللت مشاركة الشاعر الأستاذ رياض عبد الغني الكاظمي بقصيدة رثائية بعنوان " أبا صالح .. أنت المعزّى " ومنها هذه الأبيات:
أبا صالحٍ .. للكاظمية دمعةٌ *** على ابن الرضا تُهمى انسكاباً وتُسجمُ
دأبنا نؤدّي كلَّ عام طقوسها *** بذي قعدةٍ نُحيي العزاءَ ونَلطِمُ
سألناك فضلاً في قبول عزائنا *** فأنت المعزّى والإمامُ المقدّمُ
على كلّ مبنىً تُرفعُ اليومَ رايةٌ *** وفي كلّ بيتٍ يُعقدُ اليومَ مأتمُ
نشرنا لتَيْنِ القبتين بيارقاً *** تبثُّ رسالاتِ الأسى وتترجمُ
بعدها بدأت مراسم استبدال الرايتين الشريفتين وسط هتافات جموع المعزّين بـ (لبيك يا مسموم)، حيث كانت هناك مشاركة للخادم كرار الكاظمي بقراءة مجموعة من المراثي، واختتم المراسم الرادود الحسيني الحاج باسم الكربلائي بقراءة القصائد العزائية واسى بها النبي الأكرم وأهل بيته الأطهار "عليهم السلام" بهذا المصاب الجلّل.