أكّد المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه) أنّ العجز أمام معرفة فاطمة الزهراء(عليها السلام) هو نوعٌ من المفاخر أو المفخرة، ويدلّ على رجاحة عقل الإنسان، كما أنّ البعض عندما كانوا يُهزمون من قِبل أمير المؤمنين(عليه السلام) كان لهم الفخر لأنّهم لم يُهزموا من قِبل رجلٍ عاديّ.
جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها في حفل افتتاح فعّاليات النسخة الثالثة من المهرجان السنويّ الثقافيّ العالميّ روح النبوّة، وممّا جاء فيها أيضاً:
"كما تعوّدنا في كلّ مناسبةٍ أن يكون هناك حديثٌ عن الزهراء(عليها السلام) وإشراقةٌ من عمرها الشريف، والحديث عنها أمرٌ صعبٌ ولا ينتهي، فهي (سلام الله عليها) منذ بدء نشأتها لم تكن مثل باقي النساء، وإنّما كانت هناك عنايةٌ كبيرة وخارقة لله تبارك وتعالى في أن تُهيَّأَ هذه المرأةُ المؤمنة الصدّيقة الطاهرة الرضيّة المرضيّة تهيئةً خاصّة منذ بداية نشأتها، حتّى أنّ الله تعالى عندما طلب من الرسول(صلّى الله عليه وآله) أن يعرج الى السماء بتلك الرّحمة الإعجازيّة الكبيرة المهمّة أراد أن تؤخذ نطفتها من ثمرةٍ غير معروفة، ولعلّ من فوائد هذه الرحلة أراد للزهراء أن تجمع ما بين منزلتها الأخرويّة والدنيويّة بهذا الأسلوب الهادف الكريم".
وأضاف: "كما كان أميرُ المؤمنين(عليه السلام) عندما وضعته أمّه فاطمة بنت أسد(سلام الله عليها) في مكانٍ غير مألوف، وانشقّ لها الجدار حتىّ فتح أميرُ المؤمنين(عليه السلام) عينيه المباركتين داخل البيت الحرام، هذه المكوّنات -مكوّنات النشأة- تجعل الإنسان يقف متحيّراً، كيف ينظر الى هذا الوجود الخاصّ؟ وكيف ابتدأت الأنوار من الحسن والحسين والذرّية الطاهرة؟ وهذا الامتداد الخاصّ يجعل الإنسان يتأمّل عندما يتكلّم مَنْ يخاطب؟ ومع من يتحدّث؟ ومن يريد أن يعرف؟ لا شكّ أنّه سيقف عاجزاً".
وأكّد السيّد الصافي: "العجز أمام معرفة الزهراء(عليها السلام) هو نوعٌ من المفاخر أو المفخرة، وهذا إنّما يدلّ على رجاحة عقل الإنسان، كما أنّ البعض عندما كانوا يُهزمون من قِبل أمير المؤمنين كان لهم الفخر لأنّهم لم يُهزموا من قِبل رجلٍ عاديّ".
وتابع بالقول: "نحن مع الزهراء(عليها السلام) للسنة الثالثة، وقد تحدّثنا بمقدار ما كان يسعه المقام حول الزهراء، ولعلّنا تطرّقنا الى بعض ما يدلّ على صفاتها الكريمة في سنين ماضية، فمواقفها هي مواقف عميقة بدءً من حياتها الشريفة مع النبيّ(صلّى الله عليه وآله) وما بعد هذه الفترة القصيرة التي قضتها معه الزهراء(عليها السلام)، فكانت في هذا الزمن القليل الذي قضته بعد النبيّ(صلّى الله عليه وآله) قد فتحت أبواباً كثيرة، بحيث أنّ بعضهم قال: إنّنا كنّا نحفظ خطبة الزهراء ونتوارثها، لما فيها من معاني كبيرة ومهمّة في كافّة الجوانب العقائديّة والبلاغيّة والأخلاقيّة، فقد كانت خطبتها خطبةً عميقة المضامين".
وبيّن السيّد الصافي: "الجانب التاريخيّ مهمّ، ويجب أن نطّلع على التاريخ لأنّه شيءٌ مهمّ، كما نعلم أنّ المسائل التاريخيّة مهمّة وأرجو الالتفات الى هذه القضيّة، العقيدة لابُدّ أن تنشأ من معتقد، فلا يُمكن للعمل أن يُنشئ عقيدةً لأنّ القضيّة ستكون غير صحيحة، فالتاريخ عندما نقرأه يتبيّن لنا الطرف والمنهج السليم، ومن جملة ما قالت الزهراء(عليها السلام) وإتماماً لما قُلناه في العام الماضي، قالت (سلام الله عليها): (...والعدلَ تنسيقاً للقلوب، وطاعتَنا نظاماً للملّة، وإمامتنا أماناً من الفرقة) هذه العبارة ماذا تقصد بها الزهراء؟ أنّ طاعتنا -طاعة أهل البيت- جعلها الله نظاماً للملّة، وتعلمون أنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق شيئاً عبثاً، والجانب التشريعيّ لا يخلو من النظام كما في الجانب التكوينيّ، وعللُ النظام التكوينيّ تختلف عن علل النظام التشريعيّ".
وأضاف: "الله تعالى إذا أمرنا بشيءٍ لابُدّ لنا أن نمتثل لهذا الأمر ، فإذا لم نمتثل لأوامره ستحصل لنا مشاكل، ولا تزال البشريّة الى اليوم تُعاني من أزمة، وأزمةُ البشريّة ليست في الدين إنّما أزمةُ البشريّة من عدم التديّن، ومشكلةُ الدين في المنتحلين له وليست مشكلة الدين بما هو موضوع ومشرَّع من قِبل الله تعالى، لابُدّ أن نفرز هذه الأشياء حتّى يتّضح لنا الخيط الأسود من الأبيض، مشكلة الدين أيضاً من وجود المتطرّفين الذين لا يعرفون من الدّين شيئاً (الدينُ لعقٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم)".
مضيفاً: "الزهراء(عليها السلام) ماذا قالت؟ قالت: جعل طاعتنا نظاماً للملّة، هذا النظام الله تعالى هو الذي تكفّل به بشرط أن نلتزم، أمّا إذا كنّا لا نلتزم فالله تعالى بمقدارٍ ما غير مسؤول عن الفوضى التي تحدث، لأنّه غير مسؤول عمّا تشرّعون، وإنّ هذه الطاعة هي عبارة عن نظام، وقالت: جعل إمامتنا أماناً من الفرقة، فالذي يُريد أن يسلَمَ من الفُرقة يلتزم بإمامتهم".
وأكّد السيّد الصافي: "أيّ شبهةٍ تتعلّق بالزهراء(عليها السلام) أو بالدفاع عن ما لا ترضونه عنها، واجبٌ علينا أن نتصدّى فنحن في أمسّ الحاجة اليها، الزهراء وأميرُ المؤمنين(عليهما السلام) شيءٌ خاصّ لم يُكرّر ولن يتكرّر، هذا هو مقام الزهراء مقامٌ رفيعٌ وعالٍ أرجو الله تعالى أن تُكتب هذه الصفحات في سجلّ أعمالكم ونستعين بها يوم القيامة".
وأختتم : نسأل الله بمن نحتفل بها اليوم وهي الزهراء فاطمة (عليها السلام ) ان يحفظكم جميعا واهلكم ومتعلقيكم ونشكر الاخوات اللواتي جئن من خارج كربلاء وخارج العراق احتفاءً بالزهراء (سلام الله عليها ) واسأل الله تعالى ان يمن علينا وعليكم بالأمن والامان والتوفيق .