بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ الذي خلَقَ من نورِهِ النبيَّ الأمينَ، وبعثَهُ رحمةً للعالمينَ، وأنعمَ علينا بالأئمةِ الميامينَ، والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ وآلِهِ الطاهرينَ، واللعنُ الدائمُ على أعدائِهم من الأولينَ والآخرينَ.السلامُ على الإمامينِ الهمامينِ موسى الكاظِم ومحمد الجوادِ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.
نرفعُ أسمى التهاني وأجملَ التبريكاتِ لمقامِ صاحبِ العصرِ والزمانِ الحجّةِ بنِ الحسنِ (ع) ومراجعِنا الكرامِ والعالمِ الإسلامي لمناسبةِ الولادتينِ المباركتينِ، نبيِّ الرحمةِ وصادقِ الأئمةِ (صلواتُ ربّي عليهما).
معالي السيدِ رئيسِ ديوانِ الوقفِ الشيعي سماحة السيد علاء الدين الموسوي (دامتْ توفيقاتُه). الحضورُ الأكارمُ مع حفظِ المقامات... السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته...
نباركُ لكم الاحتفالَ بولادةِ الرسولِ الأعظمِ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وحفيدِهِ سادسِ الأئمةِ، جعفرِ بن محمدٍ الصادق (عليه السلام) وأنتم في ضيافةِ ولدِهِ الإمام موسى الكاظِمِ وحفيدِهِ الإمامِ محمد الجواد (عليهما السلام)، فحللتُم أهلاً ونزلتمْ سهلاً.
عندما نحتفلُ بذكرى ولادةِ خاتمِ الأنبياءِ محمدٍ المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فإنَّ هذا يعني أننا نحتفلُ بولادةِ القدوةِ المتمثلَةِ بالأنموذجِ الأمثلِ للإنسانِ الكاملِ، والمنظومةِ الأخلاقيةِ الكاملةِ المهداةِ إلى العالمِ أجمعَ، فإنّ اللهَ تعالى ادّخرَهُ ليختِمَ بهِ أنبياءَهُ ورسلَهُ ويختِمَ بهِ رسالاتِهِ، ويكونَ شاهداً على أمتِهِ وجميعِ الأممِ. فكانَ السابعَ عشرَ من ربيعِ الأولِ ولادةَ النورِ المبينِ ورحمةِ الخلّاقِ العظيمِ، ومنقذِ العبادِ من أهوالِ الجحيمِ، هادياً مهدياً، بشيراً نذيراً. ولو تأمّلْنا قليلاً في صفحاتِ سيرتِهِ العطرةِ لوجدناها مليئةً بالأحداثِ والخطوبِ التي لا يسعُها تصدياً لها إلّا من اصطفاهُ اللهُ تعالى وأرسلَهُ ليختمَ به رسالاتَهِ وأنبياءَهُ. وإنّ مضمونَ حياتِهِ القياديةِ والفكريةِ والعلميةِ ومنهجَهُ في تبليغِ الدعوةِ إلى البشريةِ وطريقةَ عرضِ منهجِهِ سواءً من الوجهةِ الأخلاقيةِ أو من الوجهةِ النفسيةِ والسياسيةِ وما واجهَ من مصاعبٍ ومحنٍ وكيف تغلّبَ عليها فإنّما هي تمثّلُ القواعدَ العمليةَ للرسالةِ الإلهيةِ.
ورحمَ الله الشيخ كاظم الأزري إذ قال:
أي خَلْقٍ للهِ أعظمَ منــــــــــه*************وهو الغايةُ التي استقصاها
قلبَ الخافقَينِ ظهراً لبطنٍ ************** فرأى ذاتَ أحمدٍ فاجتباهــا
لقد جاءَ الإسلامُ بمبادئِهِ وقيمِهِ ليضمنَ وضعاً فكرياً يؤدي إلى تطورِ حالاتِ الإنسانِ وتقدّمِهِ حضارياً، ويدعُو مَن له قدرةُ الفكرِ السليمِ وموهبةُ العلمِ إلى اغترافِ أنواعِ المعرفةِ والحكمةِ والأخذِ بمضامينِ رسالتِهِ، فكان التفاعلُ الفكريُّ والإبداعُ العلمي أشغلَ ساحاتِ الحكمةِ والمعرفةِ في صدرِ الإسلامِ، وكلّ ذلك بفضلِ صفاتِ صاحبِ الدعوةِ (صلّى الله عليه وآله وسلم). وإن مِنْ هَديهِ إرساءَ قواعدَ الرسالةِ السماويةِ في المجتمعاتِ الإنسانيةِ التي تغيّرت وأحدثت الثورةَ في حياةِ الشعوبِ التي آمنت بها وانتمت إليها. كما إنّ ببركتِهِ توطّدَتْ العقائدُ الحقَّةُ ونُزعت العقائدُ الفاسدةُ التي طغَتْ أفكارُها السقيمةُ على شعوبِ العالمِ فأبطلَها وأبطلَ فاعليتَها، فأخرجَهُمْ مِنْ ظلماتِ الأوهامِ والخرافاتِ إلى نورِ العلمِ واليقينِ والبرهانِ والإيمانِ.
حضورَنا الكريمَ...
إنّ رسولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلم) حاضرٌ معنا يخاطبُنا ويحاكي عقولَنا ووعيَنا، حاضرٌ معنا في كلِّ وقتٍ. فحريٌّ بنا أن نتنسّمَ النفحاتَ من سيرتِهِ العطرةِ المعبّرةِ عن سلوكِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وتصرفاتِهِ في الحياةِ التي تعكسُ التطبيقَ العمليَّ لمبادئِ الإسلامِ وتجسيدَ علاقتِهِ بربِّهِ ونفسِهِ وتعاملَهُ مع الآخرينَ، لنقتديَ بهِ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في هذهِ السلوكياتِ وتلكَ التصرفاتِ في حياتِنا. قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، وقال أيضاً: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ). وقد قالَ رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلم): (عليكم بمكارمِ الأخلاقِ فإنَّ ربي بعثني بها، وإنّ من مكارمِ الأخلاقِ أن يعفوَ الرجلُ عمّن ظلمَهُ، ويُعطيَ مَنْ حرمَهُ، ويصلَ مَن قطعَهُ، وأن يعودَ مَن لا يعودُهُ).
وأما الحديثُ عن الإمامِ الصادق(عليه السلام)، فهو سادسُ الأئمةِ المعصومينَ والحججِ الميامينَ (عليهم السلام). أجمعَ واصفوهُ بأنّهُ لُقّبَ بالصادقِ لأنّهُ عُرِفَ بصدقِ الحديثِ والقولِ والعملِ. واتّصفَ مع ذلك بنُبل المقصدِ وسموِ الغايةِ والتجرّدِ في طلبِ الحقيقةِ من كلّ هوى أو غرضٍ من أغراضِ الدنيا. كان كثيرَ التبسّمِ، فإذا ذكر النبي (صلّى الله عليه وإله وسلم) تغيّرَ لونُهُ. وكان لا يخلو من إحدى ثلاثِ خصالٍ؛إما أن يكونَ مصلّياً أو صائماً أو يقرأ القرآن. ولا يُحدّثُ عن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وإله وسلم) إلا وهو على الطهارةِ، ولا يتكلمُ فيما لا يعنيه. وكان من العُبّادِ الزُهّادِ الذين يخشون الله تعالى. قال فيه مالك بن أنس: (ما رأتْ عينٌ ولا سمعتْ أذنٌ ولا خَطَرَ على قلبِ بشرٍ أفضلَ من جعفرِ بن محمدٍ الصادق عِلْماً وعبادةً وورعاً).
نشأ وترعرعَ في بيتِ النبوةِ، وهو أفضلُ الهاشميين وسيدُ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) في عصرهِ، وأعلمُ الأمةِ وأصدقُهم حديثاً. نشأ الصادقُ (عليه السلام) في عصرٍ تتنازعُ فيه الأهواءُ وتمورُ فيه الفتنُ والأحقادُ، وتتلاطمُ فيه أمواجُ الظلمِ والإرهابِ. فتقرّب الناسُ إلى وُلاةِ الأمرِ بالوشاياتِ والاتهاماتِ، فلا حرمةَ للنفوسِ ولا قيمةَ للدينِ، ولا نظامَ يشملُ الرعيةَ. وقد تجرّعَ آلامَ تلكَ الكوارثِ التي حلّتْ بالأمةِ وأهلِ البيتِ (عليهم السلام)، إلا أنّ هذا لم يُثنِ عزيمتَه، بل قادَ تلكَ الثورةَ الإصلاحيةَ التي انتهجَ فيها الإصلاحَ الروحيَّ، وهو في خِضمِّ ظروفٍ سياسيةٍ يتوقعُ فيها الأذى كلَّ حين. كان موقفُ الإمامِ (عليه السلام) في تلك المدةِ موقفَ الرجلِ المصلحِ الذي يَصولُ بيدٍ جذّاء لقلةِ أعوانِهِ، فهو يراقبُ الحوادثَ عن كثبٍ، ويتألمُ لتلكَ الفظائع ويشاركُ المسلمينَ في مآسيهم، ولم يكن (عليه السلام) ليتركَ الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكرِ وإرشادَ الناسِ مع شدّةِ المراقبة. وكان (عليه السلام) يحثُّ الناسَ ويدعوهم إلى مقاطعةِ الظَلَمةِ وعدمِ الركونِ إليهمْ، ويدعو الأمةَ إلى الاتحادِ في وجهِ أولئكَ الظَلَمةِ الطغاةِ امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ فيبثُّ نصيحتَهُ بين طبقاتِ ذلكَ المجتمعِ بصفتهِ إمامَ زمانِهِ، ويواصلُ جهادَه في سبيلِ الدعوةِ الإصلاحيةِ, ليفكّ أسرَ الأمةِ من قيدِ مَنْ أفسدوا ذلكَ المجتمعَ الصالح. ونعود إلى الأزري إذ قال:
سادةٌ لا تريدُ إلّا رضى الله ************** كما لا يريدُ إلا رضاها
خصّها من كماله بالمعاني ************** وبأعلى أسمائِهِ سمّاها
لم يكونوا للعرش إلّا كنوزاً************خافياتٍ سبحانَ من أبداها.
حضورَنا العزيزَ..
هكذا كانَ قادةُ الأمةِ – من أئمةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام)- تفكّرُ في إنقاذِ المجتمعاتِ بعد أن دبَّ الفسادُ واستشرى في عمومِ الأمّةِ بسببِ حكّامِها. لم يَهِنُوا ولم يَيْأسوا من إطلاقِ الدعواتِ الإصلاحيةِ وِفقَ المنهجِ الرساليِّ الإلهي. ونحن اليوم بأمسِّ الحاجةِ إلى منهجٍ إصلاحيٍ يعيدُ الأمةَ إلى وضعِها الطبيعيّ الذي يرقى بالعبادِ إلى مستوى المسؤوليةِ ومراعاةِ الحقوقِ والواجباتِ، اتجاهَ الجميع.
حفلَنا البهيجَ ...
ندعوكم دائماً إلى التأسي بالقدوةِ الحسنةِ محمدٍ وآلِ محمدٍ (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعينَ) داعينَ العليَّ القديرَ أن يمدَّكم بالخيرِ والمسرّةِ ويجعلَ أيامَكم سعيدةً ملؤُها الأفراحُ وأنتم تتقرّبونَ إلى اللهِ تعالى في طاعتِه والاجتنابِ عن معصيتِهِ، ذاكرينَ الرسولَ الأعظم (صلّى الله عليه وإله وسلم) وأهلَ بيتِهِ القادةَ الهداةَ، وندعوكم إلى مشاركةِ خدّامِ الإمامينِ الجوادين(عليهما السلام) أفراحَهم برفع الستارِ عن طارمةِ بابِ القبلةِ، بعد إعادةِ تذهيبِها لتتزينَ ببركةِ مَنْ حلَّ في هذهِ البقعةِ الطيبةِ المباركةِ (عليهما السلام) وتضيفَ الهيبةَ والجلالَ لروضتِهما المطّهرةِ، وتشرحَ صدورَ المؤمنين.
ويُعدُّ هذا المشروعُ (بفضله تعالى ومَنّه) خاتمةَ مشاريعِ إعادةِ التذهيبِ في العتبة المقدّسة (وختامه مسك) بعد إعادةِ تذهيبِ القبتين والمآذنِ وطارمتيِّ المرادِ وقريشٍ والتي تمّتْ جميعُها بدعمٍ من رئاسةِ ديوانِ الوقفِ الشيعي الموقّر، وبالتعاونِ مع مؤسسةِ الكوثرِ لإعمارِ العتباتِ المقدسةِ. جزى اللهُ العاملينَ فيها خيرَ الجزاءِ، وفي مقدمتِهم رئيسَها المهندسَ الحاج حسن بولارك.
أشكركم على تشريفكم بالحضور والشكر موصول لخدّام الإمامين الجوادين (عليهما السلام).
اللهم ارحمْ البلادَ والعبادَ والشهداءَ وذويهم، وانصرْنا على من يريدُ بنا سوءاً، وأصلحْ كلَّ فاسدٍ من أمورِ المسلمينَ، وغيّرْ سوءَ حالِنا بحُسنِ حالِك.
وآخر دعوانا أنْ الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ وآله الطاهرين.