المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
نظرية ثاني اوكسيد الكاربون Carbon dioxide Theory
2024-11-24
نظرية الغبار البركاني والغبار الذي يسببه الإنسان Volcanic and Human Dust
2024-11-24
نظرية البقع الشمسية Sun Spots
2024-11-24
المراقبة
2024-11-24
المشارطة
2024-11-24
الحديث المرسل والمنقطع والمعضل.
2024-11-24



ابن هاني الأندلسي  
  
7747   11:47 صباحاً   التاريخ: 8-2-2018
المؤلف : عمر فرّوخ
الكتاب أو المصدر : تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة : ج4، ص266-277
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-2-2016 6386
التاريخ: 27-09-2015 16693
التاريخ: 10-04-2015 2508
التاريخ: 10-04-2015 2311

 

يرجع نسب ابن هاني الأندلسيّ إلى يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلّب بن أبي صفرة الأزديّ، و قيل بل إلى أخيه روح بن حاتم. كان يزيد بن حاتم قد جاء إلى إفريقية (سنة 145 ه‍) لقتال عمرو بن حفص. ثمّ لمّا توفّي يزيد (سنة ١٧٠ ه‍) خلفه على إفريقية أخوه روح.

ولد أبو القاسم (و قيل: أبو الحسن) محمّد بن هاني (1) بن محمّد بن سعدون المعروف بابن هاني الأندلسيّ (2) سنة ٣٢٠(٩٣٢ م) أو 326 في قرية سكون؟ من قرى إشبيلية.

و نشأ في إشبيلية، ثمّ انتقلت أسرته إلى إلبيرة (قرب غرناطة) ، و لذلك أصبح يعرف أيضا باسم ابن هاني الإلبيريّ. و قد تلقّى علومه في مدينة قرطبة.

و اتّصل ابن هاني الأندلسيّ أول ما اتّصل بولاة اشبيلية، و لكن يبدو أنّه لم ينل حظوة لدى رجال الدولة المروانيّة فانتقل إلى المغرب، و عمره إذ ذاك سبع و عشرون سنة (347 أو 353 ه‍) ثمّ اتّصل برجال الدولة الفاطمية. و من المستبعد أن يكون ابن هاني قد اعتنق المذهب الفاطميّ في الأندلس ثمّ اضطرّ إلى مغادرة الأندلس من أجل ذلك، فقد قيل إنّه اتّصل في المغرب بجوهر الصقلّيّ و مدحه فأعطاه جوهر مائتي درهم. ثمّ سأل عن رجل كريم يقصده فدلّوه على جعفر بن فلاح و على جعفر ابن عليّ بن حمدون المعروف بابن الأندلسية-و كان جعفر بن عليّ و أخوه يحيى واليين على المسيلة (المحمّدية) إحدى مدن الزاب (في المغرب الأوسط) ، فسار إليهما و مدحهما و نال عندهما حظوة كبيرة. ثمّ بلغ خبر ابن هاني إلى المعزّ لدين اللّه الفاطميّ (341- 365 ه‍) فاستقدمه المعزّ إلى القيروان و بالغ في إكرامه.

في أواخر شوّال من سنة 361(صيف ٩٧٢ م) انتقل المعزّ لدين اللّه إلى القاهرة فخرج ابن هاني معه مشيّعا. ثمّ إنّه عاد و جاء بأهله و سار يريد مصر. فلمّا كان في برقة وجد مقتولا، في ٢٣ من رجب من سنة 362(٢٩/4/٩٧٣ م) في الأغلب. و لم يتّفق المؤرّخون على سبب مقتله.

يدلّ شعر ابن هاني الأندلسي على أنّ ابن هاني كان ملمّا بعدد من العلوم كعلم اللّغة و الفقه و الكلام و علم الهيئة (الفلك) ؛ و لكنّ اختصاصه كان في الأدب. و هو شاعر مكثر مجيد جعله معظم النّقّاد في مقدّمة شعراء المغرب كلّهم؛ و المغاربة يقرنونه بالمتنبّي، و قد سمّوه «متنبّئ المغرب أو متنبّئ الغرب» .

و ابن هاني الأندلسيّ مغرم بالألفاظ الطنّانة ذات الجلبة من غير ضرورة تدعوه إلى استعمالها حتّى أفسد بذلك بعض شعره، كما يذكر ابن رشيق (3). و ربّما أكثر ابن هاني من الألفاظ الغريبة و ربّما جاء بالصيغ التي لا ترد في القواميس، نحو: دمّع، ممنطق، صدقاء (مستقيمة) ، الخطيء (الخاطئ، المخطئ) . غير أنّ بناء جمله متين. و الغالب على شكل القصيدة عنده شكل المعلّقة، و قد يقترب من المعلّقة حتّى يقارب بألفاظه ألفاظ عنترة و زهير بن أبي سلمى و غيرهما. و كثيرا ما كان يطبع شعره على غرار شعر المتنبّي في الخصائص اللفظية و الخصائص المعنوية و في الأغراض.

و الغالب على الديوان الذي وصل إلينا من ابن هاني الأندلسي المديح؛ ثمّ فيه شيء من الرثاء و قليل من الهجاء. و الوصف و الغزل و الحكمة أغراض بارزة في هذا الديوان. و مع أنّ الحكمة قليلة في ديوان ابن هاني الأندلسي فإنّها بارعة جدّا لما فيها من التحليل المنطقي المتّسق و لما فيها أحيانا من الابتكار.

و يشتمل ديوان ابن هاني على أربعة آلاف بيت في قصائد طوال عادة، و قد بلغت إحداها مائتي بيت. فمن هذه الأبيات 1631 بيتا في جعفر بن عليّ و آله و 1774 بيتا في المعزّ لدين اللّه وحده. و ليس في الديوان الذي بين أيدينا شيء من الشعر قاله ابن هاني في الأندلس قبل مجيئه إلى المغرب.

و معظم قصائد ابن هاني الأندلسي مملوء بالألفاظ و المدارك الفاطمية و بالمبالغة بالمديح و الرثاء بها حتّى يخرج بذلك إلى الكفر (4). و لا ريب في أن ابن هاني كان يأتي بهذه المبالغات إرضاء للممدوحين و استكثارا لعطاياهم. و إيغاله في تلك المبالغات يدلّ على أنّه لم يكن يستشعر في نفسه ما كان يعبّر عنه بلسانه، لأنّ أصحاب المذهب الفاطميّ أنفسهم لم يصرّحوا بمثل ما صرّح به هو.

مختارات من شعره:

- قال ابن هاني يمدح الأميرين طاهرا و الحسين ابني المنصور باللّه الفاطميّ (و هما أخوا المعزّ لدين اللّه) :

امسحوا عن ناظري كحل السّهاد... و انفضوا عن مضجعي شوك القتادِ (5)

أو خذوا منّي ما أبقيتمُ... لا أحبّ العيش مسلوب الفؤاد (6)

هل تجيرون محبّا من هوى... أو تفكّون أسيرا من صفاد (7)

و إذا كانت صلاة فعلى... هاشم البطحاء أرباب العباد (8)

هم أقرّوا جانب الدهر، و هم ... أصلحوا الأيام من بعد الفساد

أهل حوض اللّه يجري سلسلا... بالطهور العذب و الصفو البراد (9)

أسواهم أبتغي يوم الندى... أم سواهم أرتجي يوم المعاد (10)

هم أباحوا كلّ ممنوع الحمى... و أذلّوا كلّ جبّار العناد (11)

- و قال يرثي والدة جعفر و يحيى ابني عليّ:

صدق الفناء و كذّب العمر... و. . . . العظات و بالغ النذر (12)

إنّا و في آمال أنفسنا... طول، و في أعمارنا قصر (13)

لنرى بأعيننا مصارعنا... لو كانت الألباب تعتبر (14)

ممّا دهانا أنّ حاضرنا... أجفاننا، و الغائب الفكر (15)

فإذا تدبّرنا جوارحنا... فأكلّهنّ العين و النظر (16)

لو كان للألباب ممتحن... ما عدّ منها السمع و البصر

أيّ الحياة ألذّ عيشتها... من بعد علمي أنّني بشر (17)

خرست-لعمر اللّه-ألسننا...لمّا تكلّم فوقنا القدر

تفنى النجوم الزهر طالعة... و النّيّران الشمس و القمر

و لئن تبدّت في مطالعها... منظومة فلسوف تنتثر

أ عقيلة الملك المشيّعها... هذا الثناء، و هذه الزمر (18)

شهد الغمام، و إن سقاك حياً... أنّ الغمام إليك مفتقرُ(19)

و لقد نزلت بنيّة علمت... ما قد طوته فهي تفتخر (20)

تغدو عليها الشمس بازغة... فتحجّ ناسكة و تعتمر (21)

و بنو عليٍّ لا يقال لهم... صبرا و هم أسد الوغى الضبر (22)

انظر تتمة القصيدة في صفحة 276.

- و قال يمدح جعفر بن عليّ:

فتقت لكم ريح الجلاد بعنبرٍ... و أمدّكم فلق الصباح المسفرِ (23)

و جنيتم ثمر الوقائع يانعاً... بالنّصر من ورق الحديد الأخضر (24)

أبني العوالي السمهريّة و السيو... ف المشرفيّة و العديد الأكثر

من منكم الملك المطاع كأنّه... تحت السوابغ تبّع في حمير (25)

في فتية صدأ الحديد عبيرهم... و خلوقهم علق النجيع الأحمر (26)

لا يأكل السرحان شلو طعينهم... ممّا عليه من القنا المتكسّرِ (27)

قد جاوروا أجم الضواري حولهم... فإذا هم زأروا بها لم تزأر (28)

قوم يبيت على الحشايا غيرهم... و مبيتهم فوق الجياد الضمّر (29)

و تظلّ تسبح في الدماء قبابهم... فكأنّهنّ سفائن في أبحر (30)

إنّا لتجمعنا و هذا الحيّ من... بكر أذمّة سالف لم تخفر (31)

أحلافنا فكأنّنا من نسبة... ولداتنا فكأنّنا من عنصر (32)

لي منهم سيف إذا جرّدته... يوما ضربت به رقاب الأعصر (33)

- و قال يمدح الخليفة المعزّ لدين اللّه:

ما شئت، لا ما شاءت الأقدارُ فاحكم، فأنّت الواحد القهّارُ (34)

و كأنّما أنت النبيّ محمّدٍ... و كأنّما أنصارك الأنصار (35)

أنت الذي كانت تبشّرنا به... في كتبه الأحبار و الأخبارُ(36)

هذا الذي تجدي شفاعته غدا... حقّا، و تخمد أن تراه النار (37)

من آل أحمد كلّ فخر لم يكن... ينمى إليهم ليس فيه فخار (38)

و الخيل تمرح في الشكيم كأنّها... عقبان صارة شاقها الأوكار (39)

و على مطاها فتية شيعيّة... ما إن لها إلاّ الولاء شعار (40)

أبناء فاطم، هل لنا في حشرنا... لجأ سواكم عاصم و مجار (41)

أنتم أحبّاء الإله، و آله... خلفاؤه في أرضه الأبرار (42)

أهل النبوّة و الرسالة و الهدى... في البيّنات و سادة أطهار

و الوحي و التأويل و التحري‍ـ...ـم و التحليل، لا خلف و لا إنكار

إن قيل: من خير البريّة لم يكن... إلاّ كُمُ خلق إليه يشار

لو تلمسون الصخر لانبجست به... و تفجّرت و تدفقت أنهار (43)

أو كان منكم للرّفات مخاطب... لبّوا و ظنّوا أنّه إنشار (44)

أ معزّ دين اللّه، إنّ زماننا... بك فيه بأوٌ جلُّ و استكبارُ (45)

شرفت بك الآفاق، و انقسمت بك ال‍ أرزاق و الآجال و الأعمار

جلّت صفاتك أن تحدّ بمقول! ما يفعل المصداق و المكثار

- و قال يمدح يحيى بن عليّ الأندلسيّ:

فتكات طرفك أم سيوف أبيكِ... و كؤوس خمر أم مراشف فيكِ (46)

أجلاد مرهفة و فتك محاجر... ما أنت راحمة و لا أهلوك (47)

يا بنت ذا السيف الطويل نجاده... أ كذا يجوز الحكم في ناديك (48)

قد كان يدعوني خيالك طارقا... حتّى دعاني بالقنا داعيك (49)

عيناك أم مغناك موعدنا... و في وادي الكرى نلقاك أو واديك (50)

منعوك من سنة الكرى و سروا، فلو... عثروا بطيفٍ طارقٍ ظنّوك (51)

و دعوك نشوى، ما سقوك مدامة... فإذا تثنّى عطفك اتّهموك (52)

حسبوا التّكحّل في جفونك حليةً... باللّه، ما بأكفّهم كحلوك (53)

و جلوك لي إذ نحن غصنا بانةٍ... حتّى إذا احتفل الهوى حجبوك (54)

و لوى مقبّلك اللثام، و ما دروا... أن قد لثمت به و قبّل فوك (55)

فضعي اللثام، فقبل خدّك ضرّجت... رايات يحيى بالدم المسفوك (56)

يا خيله، لا تسخطي عزماته... و إذا سخطت فقلّما يرضيك (57)

عوجي بجنح اللّيل، فالملك الذي... يهدي النّجوم إلى العلا هاديك (58)

يدك الحميدة قبل جودك، إنّها... يد مالك تقضي على مملوك (59)

و أرى الملوك-إذا رأيتك-سوقة... و أرى عفاتك سوقة كملوك (60)

وقعات نصرك في الأعادي حدّثت... عن يوم بدر قبلها و تبوك (61)

هل أنت تارك نصل سيفك حقبة... في غمده أم ليس بالمتروك (62)

الأبيات التالية تتمة القصيدة ص ٢٧١.

و لخير عيش أنت لابسه... عيش جنى ثمراته الكبرُ (63)

و حدود تعمير المعمّر أن... يسمو صعودا ثمّ ينحدرُ (64)

و السيف يبلى و هو صاعقة... و تنال منه الهام و القصر (65)

و المرء كالظلّ المديد ضحى... و الفيء يحسره فينحسر (66)

أبقت حديثا من مآثرها... يبقى، و تنفد قبله الصور (67)

قسمت على ابنيها مكارمها... إنّ التّراث المجد لا البدر (68)

و إذا صحبت العيش أوّله... صفو، فهين بعده كدر (69)

و إذا انتهيت إلى مدى أملٍ... دركا فيوم واحد عمر (70)

______________________

1) كان هاني بن محمّد بن سعدون (والد صاحب هذه الترجمة) من قرية من قرى المهدية في إفريقية (القطر التونسي) ثمّ انتقل إلى الأندلس. و كان أديبا شاعرا.

2) تمييزا له من ابن هاني الحكميّ أبي نواس و من ابن هاني محمّد بن إبراهيم بن مفضّل (ت 56٠ ه‍) .

3) قال ابن رشيق في «العمدة» (المكتبة التجارية،1353 ه‍ -1934 م،) : «و منهم (من الشعراء)» فرقة أصحاب جلبة و قعقعة بلا طائل معنى إلاّ القليل النادر كأبي القاسم بن هاني. . . . فإنّه يقول في أوّل مذهبته: أصاخت فقالت: وقع أجرد شيظم! (تبيان المعاني 65٧) . . . . و ليس تحت هذا كلّه إلاّ الفساد و خلاف المراد. . . . و كانت عند أبي القاسم مع طبعه صنعة: فإذا أخذ في الحلاوة و الرقّة و عمل بطبعه و على سجيّته أشبه الناس و دخل في جملة الفضلاء، و إذا تكلّف الفخامة و سلك طريق الصنعة أضرّ بنفسه و أتعب سامع شعره. . . (العمدة 1:104-105) .

4) من المشهور في ديوان ابن هاني الأندلسي قوله في مطلع قصيدة: ما شئت، لا ما شاءت الأقدار. فاحكم، فأنت الواحد القهّار. فكأنما أنت النبيّ محمّد، و كأنما أنصارك الأنصار. و نقرأ في البيان المغرب (٢:٢٩٢-٢٩٣) أن المنصور بن أبي عامر (ت ٢٩٣ ه‍) كان يكره الجدل و الآراء الدهرية و الاستخفاف بشيء من الشريعة. و اتّفق أن كان في أيامه شاعر من شعرائه اسمه عبد العزيز بن الخطيب قال: «ما شئت. . . .» (البيتين) ، فضربه خمسمائة سوط و حبسه ثمّ نفاه عن الأندلس. فإذا نحن قبلنا قول ابن عذاري في البيان المغرب وجب أن يكون هذان البيتان و أمثالهما ثمّ الاتّجاه الفاطمي في الأندلس أقدم من ابن هاني الأندلسيّ.

5) السهاد: السهر، العجز عن النوم. القتاد: نبات له شوك قاس-ساعدوني على أن أنام و على أن يكون نومي مريحا.

6) ما أبقيتم: ما أبقى حبّكم من جسمي. -أخذتم قلبي و نومي. . . . و تركتم شيئا من جسمي، فخذوه أيضا.

7) هل تشفقون على محبّ لكم أو تطلقون سراح أسيركم؟ الصفاد: الوثاق (رباط من جلد أو من حديد) .

8) (و إذا صلّى أحد فصلاته لتقديس بني هاشم أصحاب بطحاء مكّة-لا بني هاشم الذين كانوا يسكنون خارج مكّة-لأنّ هاشم البطحاء هم أرباب العباد-الذين يحكمون الناس في الأرض بوصية من اللّه!) .

9) هم يقفون يوم القيامة على الحوض و يسقون الناس (هم الذين يجري حساب الناس يوم القيامة على أيديهم).

10) الندى: الكرم. المعاد: الحشر، القيامة.

11) الحمى: المكان الذي يدافع أهله عنه، الحصن المنيع.

12) صدق الفناء (الموت) إذ أتى على كلّ إنسان. و كذّب العمر: خاب أمل كلّ إنسان في أن يعيش (إلى الأبد أو طويلا) .

13) حياتنا أقصر من أن تكفي لتحقيق آمالنا.

14) إنّنا نرى مصارعنا بأعيننا: نرى غيرنا يموتون و نوقن أنّنا سنموت مثلهم. و لكن ألبابنا (عقولنا) لا تعتبر (لا تتّعظ) .

15) خطأنا (في تقدير الحياة و الموت) أنّنا نلتهي في حاضرنا بما تراه أعيننا ثمّ نغفل عمّا سيأتي به المستقبل، لأنّ المستقبل مدرك بالفكر و العقل (و نحن لا نفكّر كثيرا) .

16) نحن نعتمد الحكم في الأمور على عيوننا (على النظر إلى حاضرنا) مع أن العين أ كلّ (أضعف) حواسّ الإنسان.

17) إذا أدرك كلّ واحد منّا أنّه بشر (أي أنه سيموت) لم يلتذّ بشيء في هذه الحياة.

18) المشيّعها في متن الديوان (تبيين المعاني 315) مضبوطة بكسر العين، و الصواب (ممّا نرى في شرح البيت نفسه أيضا) فتحها، فيصبح نسق الكلام: يا عقيلة الملك التي يشيّعها (يسير وراءها إلى قبرها) ثنائي (رثائي) ، هذا (الفخم) و هذه الزمر (الجماعات الكثيرة من الناس) . . . فيكون البيت كلّه منادى، و يكون جواب النداء في البيت التالي.

19) الحيا: المطر.

20) البنيّة: البناء (هنا: القبر) . القبر يعلم قدومك فهو يفتخر بأنّه حوى جسدك الميت.

21) تطلع الشمس كلّ يوم على قبرك لتحجّ ناسكة (متعبّدة، لأنّ الحجّ إلى قبرك فرض) ثمّ لا تكتفي بالحجّ الذي هو فرض فتعتمر (تحجّ، تطوّعا تراعي، تتأمّل قبرك مرّات كثيرة في اليوم الواحد) .

22) نسل الإمام عليّ[عليه السلام] لا يعزّون (بالبناء للمجهول-بضمّ الياء و فتح الزاي المشدّدة) عن موتاهم بقول الناس لهم: صبرا! لأنّهم في الدرجة الأولى ليسوا بشرا عاديّين، بل هم صور مختلفة للعزّة الالهية. و كذلك هم في صورهم البشرية أسود شجعان من عادتهم الصبر في الوغى (الحرب، و في جميع الشدائد) . الضبر (بالضاد المعجمة) جمع ضبور (كما في متن تبيين المعاني ٣١٨) : الأسد الشديد (و لعلّ صبر بالصاد المهملة و بضمّ فضمّ توافق المعنى أيضا) .

23) الجلاد: الحرب، القتال. ريح: رائحة. فتقت الريح: أخرجت (بالبناء للمجهول) . -أنتم تشمّون (بفتح الشين) رائحة القتال طيّبة كالعنبر (مع أن رائحة الجثث في ميدان القتال تكون كريهة) -أنتم تحبّون القتال. أمدّكم: أعانكم، ساعدكم. فلق الصباح المسفر: انشقاق الفجر واضحا (الصبح أحسن ساعات اليوم-كان حظّكم في القتال عظيما!) .

24) الوقائع: المعارك. يانعا: ناضجا. الأخضر: الأسود. -في البيت استعارة الشجر للحرب، و الورق للسيوف، و الثمر للفتح (للنصر، للظفر) -نلتم الظفر في الحروب بحدّ السيف.

25) تبّع: لقب ملوك اليمن. حمير (بن سبأ) : أبو قبيلة (جانب من سكّان اليمن، كبار اليمن) . تحت السوابغ (الدروع) : في الحرب.

26) العبير: الرائحة الطيّبة. الخلوق (بفتح الخاء) : نوع من الطيب. علق: الدم (أو الدم الجامد) أو شديد الحمرة من الدم، عنصر الدم (الكريّات الحمر) . النجيع: دم الجوف، الدم المائل إلى السواد.

27) السرحان: الذئب. الشلو: القطعة من الجثّة، العضو المسلوخ من الجسم. الطعين: المقتول طعنا (بالرماح) . القنا جمع قناة: الرمح.

28) الاجم جمع أجمة: الشجر الكثير الملتفّ (الكثيف) . الضواري جمع ضار: الحيوان المولع بأكل اللحم-. . . تخافهم الضواري في بيوتها.

29) الحشيّة: الفراش. يبيت على الحشية: يقضي الليل نائما (منعّما غافلا عن الكفاح أو مهملا للكفاح) . الجياد: الخيل الأصيلة. الضمّر جمع ضامر (نحيل البطن) . -مبيتهم فوق الجياد: في الحرب.

30) القبّة: الخيمة من الأدم (الجلد) ، و تكون للملوك. تسبح في الدماء (لكثرة حروبهم) .

31) الذمام (بكسر الذال) : الحق، الحرمة (ما تجب المحافظة عليه فيكون بذلك حراما على غير أهله) . سالف: (زمن) قديم. لم تخفر: لم تنكث، لم يغدر بها.

32) اللدات في الأصل: النساء اللواتي هنّ في سنّ واحدة. من عنصر: من أصل (واحد) .

33) لي منهم (من بني هاشم الفاطميّين) سيف (رجل انتصر به) . إذا جرّدته: إذا استجرت به. ضربت به رقاب الأعصر: تغلّبت به على جميع الأزمنة (على كلّ مناوئ أو خصم) .

34) في هذا البيت كفر صريح، أو هو شطح (تعبير خارج عن المألوف) قبيح. غير أن الباطنيّة (و الإسماعيلية الفاطميّين منهم) يرون أن لهذا البيت تفسيرا باطنيّا فلسفيا: إنّ اللّه لا يباشر الأمور بنفسه، بل هو يجري أحداث الحياة كلّها في خلقه أو على يدي خلقه ممّن يشاء منهم (راجع تبيين المعاني، المقدّمة 5٧-5٨) .

35) أنصارك: أعوانك، رجال شيعتك. الأنصار: أهل المدينة الذين نصروا محمّدا رسول اللّه بعد أن هاجر من مكّة.

36) الأحبار: علماء الدين. الأخبار: الروايات الدينية.

37) تجدي: تنفع. غدا (يوم القيامة) . و تخمد أن تراه (إذا رأته) النار (جهنّم) .

38) ينمى إليهم: ينسب إليهم، يتّصل بهم.

39) تمرح: تلعب (من النشاط) . الشكيم: حديدة اللجام التي توضع معترضة في فم الحصان. العقاب (بضمّ العين) : طير من الجوارح، النسر. صارة: اسم جبال في بلاد بني أسد (و في أماكن أخرى) . كأنّها عقبان صارة شاقها الأوكار: مسرعة إلى أوكارها (لتطعم أولادها بما جاءت به من اللحم) .

40) المطا: الظهر. الولاء: الطاعة و الوفاء (لعليّ بن أبي طالب) . شعار: علامة.

41) فاطم ترخيم فاطمة (بنت محمّد رسول اللّه) . الحشر: جمع الناس يوم القيامة للحساب. لجأ: التجاء، حماية. عاصم: مانع، حام، مدافع. مجار: اسم مكان من أجار، مكان يحتمي به الإنسان (يوم القيامة من عذاب النار) .

42) و آله (!) . . . -أنتم خلفاء للّه في الأرض (تحكمون باسمه و بعهد منه) .

43) انبجس بالصخر أنهار-انبجست من الصخر أنهار: خرجت، نبعت. تفجّر: نبع بكثرة.

44) الرفات: الحطام (بضمّ الحاء المهملة) ، الأشياء المتكسرة كأنّها مدقوقة (بقايا الأموات) . إنشار: إحياء الموتى و بعثهم من القبور. -لو خاطب أحد منكم الموتى لأجابوه و قاموا من قبورهم و ظنّوا (أيقنوا، و قد جاءت «ظنّ» بمعنى أيقن في القاموس و في القرآن الكريم) .

45) بأو: عزّ، افتخار. جلّ: كبر، عظم، تعالى عمّا سواه.

46) أ هذا الذي يقتل الناس (ما تفعل بهم عيونك في الحبّ) أم (ما تفعله في المعارك) سيوف أبيك (قومك) . و هل هؤلاء الناس السكارى في الحياة. من الخمر التي يشربونها أم من القبلات التي يجنونها من فمك (من حبّك) ؟

47) إن قتل الناس بالسيف مرّة و الفتك بهم بلحاظك (بعيونك) مرّة أخرى فوق ما يحتمل الناس. لا أنت ترحمين الناس و لا قومك يرحمونهم!

48) يا بنت ذا (هذا) السيف الطويل نجاده (يا بنت هذا الرجل الطويل القامة، و هذا الرجل الشجاع) . النادي المجلس (كناية عن رؤساء القوم) . -أ هكذا حكمكم أبدا في الناس: بالظلم (بقلّة المبالاة بالمحبّين) ؟

49) قد كنت أراك في المنام (فأحببتك) ثمّ رأيتك عيانا. القنا جمع قناة: الرمح (كناية عن أنّه رأى التي يتغزّل بها و كانت ذات قامة طويلة كالرمح، فازداد حبّا لها) .

50) هل سيبقى حظّي منك النظر من بعيد (عيناك) أم سنلتقي (في مغناك: في مسكنك) . و هل سيبقي وصلي لك في وادي الكرى (في المنام) أو سيكون في واديك (في بلدك، في اليقظة) .

51) السنة (بكسر السين: النعاس) . الكرى النوم-حرّموا عليك النوم و سروا (ساروا بك ليلا-لئلاّ تستطيعين الاغفاء-و حتّى لا يستطيع طيفك، أي خيالك أن يزور أحد في النوم) فلو اتّفق أن شاهدوا طيفا لظنّوا أنّه طيفك بعثت به إلى أحد المحبّين فمنعوا وصوله إليهم.

52) إنّك في عنفوان شبابك و دلالك و لذلك تتأوّدين-تتمايلين-فكانوا يقولون عنك إنّك نشوى (سكرانة) مع أنّهم ما سقوك خمرا قطّ (و لا غفلوا عن مراقبتك حتّى يمكن أن تصل إليك خمر فتشربيها) و مع ذلك كلّما تثنّى (اهتزّ، تمايل) عطفك ظنّوك (اتّهموك) قد شربت خمرا.

53) التكحّل في القاموس اكتساء الأرض بالنبات. -حسبوا (ظنّوا) التكحّل (سمرة منبت الاشفار في أجفان العين) حلية (زينة، تطرية: تلوينا صناعيّا) . أقسم باللّه إنّهم ليسوا هم الذين جعلوا كحلا في جفونك، و لكنّ اللّه خلقك كذلك.

54) وجلوك لي (أبرزوك لي في أحسن زينتك) و نحن غصنا بانة (ناعمين كأغصان شجر البان-أي و نحن صغيران في السن لا ندري ما معنى الهوى) ، حتّى إذا احتفل، أي امتلأ (قلبانا) بالهوى حجبوك (حالوا بيني و بينك و منعونا من الاجتماع) .

55) المقبّل: الفم. اللثام: غطاء يوضع على الوجه و يراد منه ستر الفم. لوى مقبّلك اللثام: التوى اللثام على مقبّلك، كثر وقوع اللثام على فمك (كأنّ اللثام يقبّل فمك) ؛ راجع في القاموس (4:٣٨٧) : «لاوت الحيّة (فاعل) الحيّة (مفعول به) -انطوت (التفّت) عليها» .

56) ضعي اللثام: ارفعي اللثام عن فمك (عن وجهك) و لا تظنّي أنّك تسترين بها جمالك النادر (احمرار خدّيك) فإنّ هذه الحمرة التي جعلت خدّك جميلا قد كانت موجودة من قبلك على رايات يحيى بن عليّ (من خوضه المعارك و كثرة القتال فيها و الانتصار على الأعداء) -و في هذا البيت تخلّص من الغزل إلى المديح بارع جدّا.

57) يا أيّتها الخيل التي يخوض بها يحيى بن عليّ المعارك الكثيرة و في البلاد البعيدة، لا تغضبي من ذلك، فإنّك إذا غضبت فلن يرضيك (لن يترك عادته في خوض المعارك) .

58) عاج: مال إلى، عطف، اتّجه إلى جانب ما. الجنح (بكسر الجيم، و يجوز ضمّها) : الطائفة (المدّة) من الليل. -أيّتها الخيل (راجع تفسير البيت السابق) ، لا تصرّي-إن لم يكن بدّ من الذهاب إلى المعارك-على أن تذهبي فقط في النهار؛ بل لا تخشي (بفتح الشين) أيضا أن تذهبي في الليل لأنّ الملك (يحيى بن عليّ) هو الذي يدلّ النجوم في الليل على مواقعها في السماء، فهو يستطيع أيضا أن يدلّك في الليل على طريقك إلى المعارك.

59) قبل أن تعوّدت يدك الجود (غلى الناس بالمال) كانت حميدة (تهب الناس الحياة و الخير. . .) ، و لا غرو فإنّها ليست فقط يد إنسان عاديّ تملك مالا فتتكرّم به على المحتاجين، بل هي يد من يملك الناس و يقضي على الناس الذين هم ملكه (بضمّ الميم) في جميع أمورهم.

60) إذا قارنت الملوك بك كنت أنت وحدك ملكا، و أصبح الذين يسمّون (بفتح الميم) الآن ملوكا سوقة (من عامّة الناس) . أمّا عفاتك (الذين يأتون إليك فيطلبون عطاءك) و الذين هم سوقة (يرجعون بعد أن تعطيهم الأموال) و كأنّهم ملوك (لغناهم و وجاهتهم) .

61) إنّ معاركك التي انتصرت بها على الأعداء تشبه معركة بدر (٢ ه‍ -6٣4 م) و تبوك (سنة ٩ ه‍) ؛ و كما أن محمّدا رسول اللّه قد ثبّت الإسلام بمعاركه، فإنّك أنت قد ثبّت الدعوة الفاطمية (الاسماعيلية) بمعاركك!

62) أ راغب أنت في أن تترك سيفك في غمده (تهادن الناس مدّة ما) أم تريد أن تظلّ معاركك متّصلة؟

63) أفضل أعمار البشر ما كان في آخره أحسن ممّا كان في أوله.

64) المعمّر: الذي يعيش عمرا طويلا.

65) و السيف يبلى (يدركه البلى-بكسر الباء-: الفناء) و هو صاعقة: موت (القاموس 3:354) . و تنال منه (تفرّضه، تشقّقه) الهام (الرءوس) و القصر (الرقاب) -السيف يسبّب الموت للناس ثمّ هو أيضا يموت. و مع أن السيف حديد و الرءوس و الرقاب من عظم و لحم، فإن كثرة قطع السيف للرؤوس و الرقاب تؤثّر فيه.

66) الظل يكون في أول النهار. و الفيء يكون في آخر النهار-حسره: أزاله (كما أن ظلّ الأشياء يقصر جدّا إذا تكبّدت الشمس السماء، فكذلك عمر الإنسان يقصر إذا مرّ عليه الزمن) .

67) المآثر: المحامد، الصفات الحميدة. تنفد قبله الصور- يرى أهل العقيدة الفاطمية أن صور الوجود لا تنفد (لا تنتهي لأنّها تحيّات للعزّة الإلهية) ، و مع ذلك فإنّ هذه الصور تنفد و مآثر هذه الميتة لا تنفد (لأنّ هذه الميتة تمثّل تجليّا حقيقيا للّه عندهم) .

68) الإرث الحقيقي هو المجد و ليس البدر (جمع بدرة: عشرة آلاف درهم) .

69) إذا عاش الإنسان مدّة طويلة في سعادة و نعيم هان عليه في آخر حياته شيء من الكدر (الموت) .

70) و إذا أدركت كلّ آمالك في الحياة بسرعة فيكفي أن تعيش ذلك اليوم الواحد فقط!

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.