المدارس الجغرافية الكبرى وإشكالية التخلف - المدرسة الحتمية (الجغرافية الطبيعية) |
27521
06:11 مساءً
التاريخ: 22-11-2017
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 24/12/2022
1302
التاريخ: 12-2-2020
2387
التاريخ: 2023-02-22
1034
التاريخ: 21/12/2022
1008
|
منذ أن ظهر الإنسان على وجه البسيطة وهو يسعى جاهدًا لاستغلال موارد بيئته، أو بالأحرى إشباع حاجاته الأساسية في مرحلة، والكمالية في مرحلة تالية، والمتتبع لصيرورة هذه العلاقة الجدلية بين الإنسان وبيئته على المدى الزمني "التطور التاريخي"، وعلى المدى الأفقي: "اختلاف البيئات وتباينها من منطقة لأخرى" - يجد أنها علاقة ديناميكية متباينة، يحكمها بالدرجة الأولى طبيعةُ البيئة من جهة، وقدرات وإمكانات الإنسان من جهة أخرى.
وقد استحوذت محاولة تفسير هذه العلاقة على اهتمام الاقتصاديين والجغرافيين - خاصةً الغربيين - لمحاولة تبرير ظاهرة التخلف من منطلقات طبيعية وبشرية - ديموغرافية:
المدرسة الحتمية (الجغرافية الطبيعية): ويطلق عليها المدرسة البيئية، وقد أرسى قواعدَها الألمانيُّ "فريدريك راتزل" في أواخر القرن 19، ويرى أن للبيئة أثرًا كبيرًا في حياة الإنسان، فهو يخضع لسلطانها، وتتحدد نظم حياته الاجتماعية والاقتصادية وَفْقَ ما تمليه عليه ظروفُها، وكان من أنصار هذه المدرسة خارج ألمانيا "دومولين" في فرنسا، الذي يرى أن البيئة الجغرافية هي التي تشكل المجتمع، وأن اختلاف البيئات كان السببَ في اختلاف الأنماط الاجتماعية والاقتصادية، وذهب في تطرُّفه حدًّا بعيدًا، أنكر فيه على الإنسان ما أوتي من عقلٍ، وتفكير، وعلم، وقدرةٍ تمكِّنه من الاستفادة من بيئته بطريقة معينة، أو التحلل من سيطرتها.
من هذا المنطلق تركز هذه المدرسة - في مجال العلاقة بين الإنسان وبيئته - على البيئة الطبيعية، وتؤمن أن الإنسان في هذه الحالة مسيرٌ وليس مخيَّرًا، وبالتالي فالتقدم أو التخلف الذي يعرفه مجتمع معين راجعٌ - حسب زعم هذه المدرسة - إلى الظروف البيئية والطبيعية، وهي في الحقيقة دعوة قديمة قِدَمَ الفكر الجغرافي، ومن روادها الأقدمين نذكر كلاًّ من هيبوقراط وأرسطو، اللذين ربطا بين المناخ وطبائع الشعوب، وتفكيرهم وعاداتهم.
فعلى سبيل المثال: وصف أرسطو سكان شمال أوروبا بأنهم شجعان، ويمتازون بالجرأة، إلا أنهم يفتقرون إلى المهارات والخبرات، بينما امتاز الآسيويون بالمهارة والخبرة، إلا أنهم تنقصهم الشجاعة، هذا، بينما امتاز الإغريق بالجرأة والشجاعة من ناحية، والمعرفة الواسعة من ناحية أخرى(1).
وظهر نفس الاتجاه الحتمي الطبيعي في "مقدمة ابن خلدون" في العصور الوسطى، الذي ربط بين المناخ وطبائع الناس؛ فقد وصف مثلاً أهل المناطق الحارة بالخفة، والطيش، والتأخُّر، بينما وصف أهل حوض البحر المتوسط بالجرأة، والشجاعة، والمعرفة.
يقول ابن خلدون في "المقدمة الرابعة"، في أثر الهواء في أخلاق البشر: "قد رأينا من خُلق السودان على العموم: الخفةَ، والطيش، وكثرة الطرب، وتجدهم مولعين بالرقص، موصوفين بالحمق في كل قطر، وكذلك يلحق بهم قليلاً أهلُ البلاد البحرية؛ لما كان هواؤها متضاعفَ الحرارة، بما ينعكس عليه من أضواء بسيط البحر وأشعته، كانت من توابع الحرارة في الفرح والخفة موجودة أكثر من بلاد التلول والجبال الباردة(2).
كما ظهر الاهتمام بتأثير البيئة على الإنسان في أوروبا في عصر النهضة، وخاصة بعد الاكتشافات الجغرافية، التي أدَّت إلى توسيع دائرة المعرفة بالعالم، "ولعل أغرب شاهد على أهمية المناخ ما ذهب إليه بعض المؤرخين، في استعمال المعطيات المناخية لتفسير ظاهرة تاريخية معينة، حتى إن البعض منهم حاول ربط فترات الازدهار (كالنهضة الأوروبية مثلاً) باعتدال المناخ، وفترات الأزمة بجفافه. ويعتبر المؤرخ الفرنسي إيمانويل لوروا لادوري أكثر هؤلاء اهتمامًا بهذا الاتجاه، ومن أشهر كتاباته: (3)"Histoire et climat ;Annales E. S. C 1959. P. P: 3-34"
ولعل أشد غرابةً ما ذهب إليه لورانس هارسن في كتابه "من يزدهر"، يقول: "إن أغلب سكان المناطق الحارة (ويقصد بلدان العالم الثالث) تقلُّ لديهم قيمة حب العمل، ويسود الكسل؛ نتيجة رغبة الأفراد في الهروب من الشمس الحارقة؛ سعيًا للاسترخاء في المناطق الظليلة، وهو دافع بيولوجي يساهم المناخ فيه؛ مما يؤدي إلى اتساع الشعيرات الدموية للأفراد؛ مما يجعلهم عرضة للإجهاد والإرهاق نتيجة أقل مجهود يبذلونه، وهو ما يتحول تدريجيًّا إلى ثقافة اجتماعية، تفضل العمل في المكاتب المكيفة مثلاً على العمل اليدوي في العراء".
وهذا الاتجاه: كان الأستاذ وول ديورانت قد طرح هذا التفسير في كتابه "قصة الحضارة"، حيث يقول: "والحضارة مشروطة بطائفة من العوامل هي التي تستحثُّ خطاها، وتعوق مسارها، أولها: العوامل الجيولوجية، وثانيها: العوامل الجغرافية؛ فحرارة الأقطار الاستوائية، وما يجتاح تلك الأقطارَ من طفيليات لا تقع تحت الحصر، لا تهيئ للمدنية أسبابها، فما يسود تلك الأقطار من خمول وأمراض، وما تُعرف به من نضوج مبكر، وإحلال مبكر، من شأنه أن يصرف المجهود عن كماليات الحياة، التي هي قوام المدنية".
هذه النظرية المناخية التي وظفها الاستعمار؛ حتى تغفر جميع خطاياهم بمجرد الادعاء بأن المناطق الاستوائية ترخي وتميع الإنسان، بينما ظروف الشمال القاسية تربِّي في الإنسان إرادة العمل، ومن هنا يستنتج كل امرئ ويدرك لماذا يغتني "الشماليون"، بينما يعيش "الجنوبيون" في ضنك من العيش وفقر؟(4).
وهذا الطرح لا يبرره الوضع الجغرافي، حيث هناك مناطق توجد في الشمال، ولكن لا تزال تقبع في مختلف مظاهر التخلف، مثل: ألبانيا، وبعض المناطق في إسبانيا، وجنوب إيطاليا، والبوسنة، والقائمة طويلة، ومن جهة أخرى هناك مناطق توجد في الجنوب، ولكن تنتمي إلى مجموعة بلدان الشمال، مثل نيوزيلندا.
من هذا نرى أن أصحاب المدرسة الحتمية، قد غالَوا غلوًّا شديدًا في فكرهم، عندما أخضعوا كل شيء للبيئة الطبيعية، وتجاهلوا قدرات الإنسان وإبداعاته، وهذا ما سنراه في الاتجاه الذي تمثله المدرسة الإمكانية.
________________
(1) محمود محمد سيف: "أسس البحث الجغرافي"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، الطبعة الأولى 1994، ص28.
(2) ابن خلدون: "مقدمة ابن خلدون"، تحقيق درويش الجويدي، المكتبة العصرية - صيدا، بيروت، الطبعة الثانية 1996، ص: 83.
(3) د. أحمد بلاوي: "دروس في جغرافية المناخ: 1- عناصر المناخ"، الطبعة الأولى، دار قرطبة للطباعة والنشر، مارس 1986، ص: 6.
(4) د. محمد عبد المولى: المرجع نفسه، ص: 41.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|