أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-5-2018
1841
التاريخ: 9-2-2017
2008
التاريخ: 15-6-2018
2876
التاريخ: 15-6-2018
2457
|
[نوضح في هذا] البحث في ذلك الصراع « بين الامويين ومبادئ الإسلام » ـ بأجلى أشكاله ـ في محاربتهم علي بن أبي طالب أثناء خلافته ، وفي اغتصابهم أمرة المسلمين . وكان قائدهم ـ آنذاك ـ معاوية نجل أبي سفيان قائد الأمويين في حربهم مع النبي .
وإذا كان الفشل قد كتب للأمويين في صراعهم مع النبي ـ لاعتصامهم بالأوثان بشكل سافر ـ فإن القضاء لم يكن في متناول ابن أبي طالب لتقمصهم ـ في الظاهر ـ رداء الإسلام الفضفاض .
ومهما يكن من الامر فإن غدر الامويين بعلي ـ تحت زعامة معاوية ـ قد أصاب روح الإسلام قبل أن يصيب أبا تراب . فقد انفسخ باغتيال الإمام المجال واسعاً امام قوى الشر التي حبسها علي في نطاق ضيق من خشية الله ومبادئ الدين الحنيف . فتلاشت من القلوب حرارة الإيمان التي كانت تجمع بين قلب الخليفة الكبير وقلوب رعاياه .
واستهان الولاة والحكام بتطبيق مبادئ الدين على شئون الحياة .
وعمدوا إلى إسكات الجماهير بوسائل فاسدة من الرشوة والملاينة أو الارهاب والتجويع . فذوي روح الإسلام وانطوت مبادؤه على نفسها بدلا من أن تسير في طريق التوسع والانتشار .
وكانت حصيلة ذلك الانتشار التدمير والالحاد في جسم المجتمع العربي الاسلامي ، وتدني المستويات الخلقية الرفيعة بين الحكام والمحكومين على السواء .
فبرز : الاستهتار « والظلم ، والخروج على القرآن وتعاليم الرسول من جهة الحاكمين ، والملق والمداهنة والانقياد من جهة الرعايا .
واختفى القائلون بالحق وراء سحب المطاردة والاضطهاد ، فأصبح المطالبون بحقوقهم التي ضمنها لهم الإسلام « زنادقة » و « ملحدين » و« ورفضة » وصار الوصوليون المنافقون أصحاب الخطوة والكلمة النافذة .
ذكر الزبير بن بكار في « الموفقيات » عن المغيرة بن شعبة أنه قال : قال لي عمر بن الخطاب يوما يا مغيرة هل أبصرت بعينك العوراء منذ اصيبت ؟ قلت لا . قال : أما والله ليعورون بنو امية الاسلام كما أعورت عينك هذه . ثم ليعمينه حتى لا يدري أين يذهب ولا أين يجيء ( 1 ) ..
ورى : « إن يزيد بن معاوية قال لمعاوية ـ يوم بويع له عهده فجعل الناس يمدحونه ويطرونه ـ يا أمير المؤمنين ما ندري أنخدع الناس أم يخدعوننا !!! فقال له معاوية : كل من أردت خديعته فتخادع لك حتى تبلغ منه حاجتك فقد خدعته ( 2 ) » .
ورحم الله عمر بن عبد العزيز حين نظر إلى « ولاة » المسلمين في بعض الأيام فقال :
الوليد بالشام والحجاج بالعراق وقدة بن شريك بمصر وعثمان بن يوسف باليمن امتلات الأرض والله جورا ( 3 ) .
ومن الغريب أن يستولي الأمويون على خلافة رسول الله ويستأثروا بها دون سائر المسلمين والعرب وأن يتلقفوها كالكرة واحدا بعد الآخر منذ مصرع رابع الخلفاء الراشدين دون أن يكون لهم أدنى حق في ذلك .
فهل يرشحهم كرههم للنبي وسعيهم لقتلة وتعذيب اتباعه لتسنم أمرة المسلمين ؟
أم أن خروجهم على أسس العقيدة الاسلامية ـ كما سنرى ـ هو الذي هيأهم لارتقاء منبر النبي ؟
الواقع : أن مواقفهم الدنيئة في الجاهلية وفي حياة الرسول وفي الفترة التي نؤرخها في هذه الدراسة تجعلهم أبعد الناس عن تسلم إمرة المسلمين .
قال الجاحظ « فعندها استوى معاوية على الملك واستبد على بقية الشورى وعلى جماعة المسلمين من الانصار والمهاجرين في العام الذي سموه عام الجماعة وما كان عام جماعة بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة .
والعام الذي تحولت فيه الامامة ملكا كسرويا والخلافة غصباً قيصريا ، ولم يعد ذلك أجمع الضلال والفسق . ثم ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا وعلى منازل ما رتبنا ( 3 ) .
حتى رد قضية رسول الله رداً مكشوفاً وجحد حكمه جحداً ظاهرا في ولد الفراش وما يجب للعاهر ( 4 ) مع اجتماع الامة أن سمية لم تكن لأبي سفيان فراشا ، وأنه إنما كان بها عاهرا . فخرج بذلك من حكم الفجار إلى حكم الكفار .
وليس قتل حجر بن عدي ، وإطعام عمرو بن العاص خراج مصر وبيعة يزيد الخليع ، والاستئثار بالفيء ، واختيار الولاة على الهوى ، وتعطيل الحدود بالشفاعة والقرابة ، من جنس جحد الاحكام المنصوصة والشرائع المشهورة والسنن المنصوبة ، وسواء في باب ما يستحق من الكفار جحد الكتاب ورد السنة إذا كانت السنة في شهرة الكتاب وظهوره ، إلا أن احدهما اعظم وعقاب الآخرة عليه أشد .
فهذه أو كفرة كانت في الأمة ، ثم لم تكن إلا فيمن يدعى امامتها والخلافة عليها . على ان كثيرا من أهل ذلك العصر قد كفروا بترك إكفاره . وقد أربت عليهم نابتة عصرنا ومبتدعة دهرنا فقالت : لا تسبوه فان له صحبة ، وسب معاوية بدعة ، من يبغضه فقد خالف السنة .
فزعمت أن من السنة ترك البراءة ممن جحد السنة !!
ثم الذي كان من يزيد ابنه ومن عماله وأهل نصرته ، ثم غزو مكة ورمى الكعبة واستباحة المدينة ، وقتل الحسين في أكثر أهل بيته مصابيح الظلام وأوتاد الإسلام ... فأحسبوا قتله ليس بكفر .
واباحة المدينة وهتك الحرمة ليس بجاحد .
كيف تقولون في رمي الكعبة وهدم البيت الحرام وقبلة المسلمين ؟
فإن قلتم ليس ذلك أرادوا بل إنما أرادوا المتحرز به والمتحصن بحيطانه !! فما كان في حق البيت وحريمه أن يحصروه فيه إلى أن يعطي بيده !!
وأي شيء بقى من رجل قد أخذت عليه الأرض إلا موضع قدمه !!
وأحسبوا ما رووا عليه من الاشعار ـ التي قولها شرك والتمثل بها كفر ـ شيئا مصنوعا .
كيف نصنع بنقر القضيب بين ثنيتي الحسين !!
والكشف عن عورة علي بن الحسين عند الشك في بلوغه !! .. كما يصنع أمير جيش المسلمين بذراري المشركين !!
وكيف تقولون في قول عبيد الله بن زياد لإخوته وخاصته : دعوني أقتله فانه بقية هذا النسل فأحسم به هذا القرن وأميت به هذا الداء وأقطع به هذه المادة .
خبرونا علام تدل هذه القسوة وهذه الغلظة !! بعد أن شفوا انفسهم بقتلهم ونالوا ما احبوا فيهم !!
أتدل على نصب ، وسوء رأي وحقد وبغضاء ونفاق وعلى يقين مدخول وإيمان مخروج ؟
أم تدل على الإخلاص وعلى حب النبي والحفظ له وعلى براءة الساحة وصحة السريرة ؟ فإن كان على ما وصفنا لا يعدو الفسق والضلال ، وذلك أدنى منازله .
فالفاسق ملعون ومن نهى عن لعن الملعون فملعون .
وزعمت نابتة عصرنا ومبتدعة دهرنا أن سب ولاة السوء فتنة ، ولعن الجورة بدعة ، وإن كانوا يأخذون السمي بالسمي والولي والقريب بالقريب ، وأخافوا الأولياء وآمنوا الاعداء وحكموا بالشفاعة والهوى واظهار الغدرة والتهاون بالأمة والقمع للرعية والتهم في غير مداراة ولا تقية ، وإن عدا ذلك إلى الكفر وجاوز الضلال إلى الجحد ، فذاك اضل ممن كف عن شتمهم والبراءة منهم . على أنه ليس من استحق اسم الكفر بالقتل كمن استحقه برد السنة وهدم الكعبة .
وليس من استحق اسم الكفر بذلك كمن شبه الله بخلقه .
وليس من استحق الكفر بالتشبيه كمن استحقه بالتجوير . والنابتة ـ في هذا الوجه ـ اكفر من يزيد وابيه وابن زياد وابيه .
ولو ثبت أيضا ـ على يزيد ـ أنه تمثل بقول ابن الزبعري :
ليت اشياخـي ببدر شهـدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل
لاستطاروا واستهلوا فرحـا *** ثم قالـــوا يا يزيـــد لا تســل
قد قتلنا الغـر من سـاداتهـم *** وعـــدلنـاه ببــــــدر فاعتــدل
كان تجوير النابتي لربه وتشبيهه بخلقه أعظم من ذلك وأفضع ، وعلى أنهم مجمعون على أنه ملعون من قتل مؤمنا متعمداً أو متأولا .
فإذا كان القاتل سلطانا جائراً واميراً عاصيا لم يستحلوا سبه ولا خلعه ولا نفيه ولا عيبة ، وإن أخاف الصلحاء وقتل الفقهاء وأجاع الفقير ، وظلم الضعيف ، وعطل الحدود والثغور ، وشرب الخمور واظهر الفجور !!!
ثم ما زال الناس يتسكعون مرة ويداهنونهم مرة ، ويقاربونهم مرة ويشاركونهم مرة إلا بقية ممن عصمه الله .
حتى قام عبد الملك بن مروان وابنه الوليد وعاملهما الحجاج بن يوسف ومولاه يزيد بن أبي مسلم .
فأعادوا على البيت بالهدم وعلى حرم المدينة بالغزو .
فهدموا الكعبة واستباحوا الحرمة وحولوا قبلة واسط .
وأخروا صلاة الجمعة إلى مغيب الشمس . فإذا قال رجل لأحدهم : اتق الله فقد اخرت الصلاة عن وقتها قتله ـ على هذا القول ـ جهارا غير ختل وعلانية غير سر .
ولا يعلم القتل على ذلك إلا اقبح من إنكاره . فكيف يكفر العبد بشيء ولا يكفر بأعظم منه !!
وقد كان بعض الصالحين ربما وعظ الجبابرة وخوفهم العواقب وأراهم أن في الناس بقية ينهون عن الفساد في الأرض حتى قام عبد الملك بن مروان والحجاج ابن يوسف فزجرا عن ذلك وعاقبا عليه وقتلا فيه . فصاروا لا يتناهون عن منكر فعلوه .
فأحسب تحويل الكعبة كان غلطا وهدم البيت كان تأويلا ، واحسب ما رووا ـ من كل وجه ـ انهم كانوا يزعمون أن خليفة المرء في أهله ارفع عنده من رسوله إليهم (5) ، باطلا ومسموعا مولدا ! واحسب وسم أيدي المسلمين ونقش أيدي المسلمات وردهم ـ بعد الهجرة ـ إلى قراهم .
وقتل الفقهاء وسب أئمة الهدى والنصب لعترة الرسول لا يكون كفراً !!
كيف تقول في جمع ثلاث صلوات ـ فيهن الجمعة ـ ولا يصلون إلا أولاهن حتى تصير الشمس على اعالي الجدران كالملاء المعصفر !!
فإن نطق مسلم خبط بالسيف وأخذته العمد وشك بالرماح . وإن قال قائل : اتق الله . أخذته العزة بالإثم . ثم لم يرض إلا بنثر دماغه على صدره وبصلبه حيث تراه عياله .
ومما يدل على أن القوم لم يكونوا إلا في طريق التمرد على الله والاستخفاف بالدين والتهاون بالمسلمين والابتذال لأهل الحق أكل امرائهم الطعام وشربهم الشراب على منابرهم أيا جمعهم وجموعهم ...
وقد كانت هذه الامة لا تتجاوز معاصيها الاثم والضلال إلا ما حكيت لك عن بني أمية وبني مروان وعمالهم (6) » .
ذلك رأي الجاحظ في الامويين ومدى صلتهم بالإسلام . وهو الرأي الغالب عند جمهرة مفكري المسلمين ومؤرخيهم .
وقد ذهب المقريزي ـ بما له من مكانة مرموقة بين المؤرخين ـ إلى القول بأنه كان يعجب من تطاول الامويين إلى الخلافة وكيف حدثتهم أنفسهم بذلك !! وأين بنو أمية ، وبنو مروان بن الحكم ـ طريد رسول الله ـ ولعينه ـ من هذا الحديث مع شدة عداوة بني أمية لرسول الله ومبالغتهم في أذاه وتماديهم في تكذيبه !!
إذ ليس لمبنى لبني أمية سبب إلى الخلافة ولا بينهم وبينها نسب .
فأسباب الخلافة معروفة فمنهم من ادعاه لعلي ـ باجتماع القرابة والسابقة والوصية بزعمهم . فإن كان الأمر كذلك فليس لبني امية في شيء من ذلك دعوى عند أحد من أهل القبلة . وإن كانت لا تنال إلا بالسابقة فليس لهم في السابقة قديم مذكور . بل كانوا ـ إذا لم تكن لهم سابقة ولم يكن فيهم ما يستحقون به الخلافة ـ لم يكن فيهم ما يمنعهم منها أشد المنع كان اهون وكان الامر عليهم ايسر !! فقد عرفنا كيف كان ابو سفيان في عداوته للنبي وفي محاربته وفي إقلابه عليه ... ولا يكون أمير المؤمنين إلا اولاهم بالايمان واقدمهم فيه . هذا وبنو امية قد هدموا الكعبة وجعلوا الرسول دون الخليفة ، وختموا في اعناق الصحابة وغيروا أوقات الصلاة ، ونقشوا اكف المسلمين .. ثم إني ماذا أقول ـ يا عجبا ـ كيف يستحق خلافة رسول الله على امته شرعا من لم يجعل له حقا في سهم ذي القربى ؟ ثم كيف يقيم دين الله من قاتل رسول الله ونابزه وكايده وبذل جهده في قتله ؟ وليت إذ ولى بنو امية الخلافة عدلوا انصفوا !! بل جاروا ـ في الحكم ـ وعسفوا واستأثروا بالفيء كله وحرموا بني هاشم جملة ، وزادوا في العتو والتعدي حتى قالو : إنما ذوي القربى قرابة الخليفة منه . وحتى قرروا ـ عند أهل الشام ـ أن لا قرابة لرسول الله يرثونه إلا أولاد أمية .. وحتى صعد الحجاج بن يوسف يوماً أعواد منبره وقال ـ على رؤوس الاشهاد : أرسولك أفضل ام خليفتك ؟ يعرض بأن عبد الملك بن مروان أفضل من رسول الله (7) .
____________
(1) ابن الحديد ، شرح نهج البلاغة 3 | 115 .
(2) المبرد ، الكامل في اللغة والأدب 1 | 305 مطبعة مصطفى محمد بمصر عام 1355 هـ ومن المضحك حقاُ أن يخاطب يزيد أباه يا أمير المؤمنين ولسنا فعلم حق معاوية في أمرة المؤمنين أو مؤهلاته لتلك الأمرة او الأسلوب الذي اتبعه للحصول على تلك الامرة غير أن معاوية ، من الجهة الثانية أمير « المؤمنين » الذي هم من طراز ولده يزيد .
(3) يشير الجاحظ بذلك إلى فقرات سالفة من رسالته التي بين أيدينا ح ذكر فيها جانباً من موبقات معاوية .
(4) يشير إلى قضية استلحاق معاوية زياد بن سمية بأبي سفيان .
(5) يشير الجاحظ إلى مخاطبة الحجاج للعراقيين في إحدى خطبه « ويحكم أخليفة أحكم في أهله أكرم عليه أم رسوله اليهم ؟ » يريد بذلك تفضيل مقام الخلافة على مقام الرسالة راجع « العقد الفريد » لابن عبد ربه 3 | 255 . ويلوح أن الحجاج لم يسأل نفسه الخبيثة حتى عن معنى كلمة خلافة . فخليفة الشخص من ينوب عنه . هذا إذا فرضنا ـ جدلا ـ أن الامويين خلفاء بهذا المعنى ، فهل يكونون أفضل ممن خلفهم ؟
(6) الجاحظ : « رسائل الجاحظ » ص 293 ـ 298 .
(7) المقريزي : النزاع والتخاصم ص 5 ـ 8 و 27 ـ 28 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|