أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-7-2017
1063
التاريخ: 31-7-2017
926
التاريخ: 13-3-2018
1542
التاريخ: 29-11-2018
1462
|
احداث سنة خمس وسبعين ومائة :
وفي سنة خمس وسبعين ومائة عقد الرشيد لابنه محمد بن زبيدة بولاية العهد ولقبه الأمين وأخذ له البيعة وعمره خمس سنين. وكان سبب البيعة أن خاله عيسى بن جعفر بن المنصور جاء إلى الفضل بن يحيى بن خالد فسأله في ذلك وقال له إنه ولدك وخلافته لك فوعده بذلك وسعى فيها حتى بايع الناس له بولاية العهد.
وفيها عزل الرشيد عن خراسان العباس بن جعفر وولاها خالدا الغطريف بن عطاء، وغزا الصائفة عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح فبلغ اقريطية وقيل غزاها عبد الملك نفسه فأصابهم برد شديد سقط منه كثير من أيدي الجند وأرجلهم، وفيها سار يحيى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي إلى الديلم فتحرك هناك، وحج بالناس هذه السنة هارون الرشيد.
ذكر ظفر هشام بأخويه ومطروح:
وفيها فزع هشام بن عبد الرحمن صاحب الأندلس من أخويه سليمان وعبد الله وأنجلاهما عن الأندلس فلما خلا سره منهما انتدب لمطروح بن سليمان بن يقظان فسير إليه جيشا كثيفا وجعل عليهم أبا عثمان عبيد الله بن عثمان فساروا إلى المطروح وهو بسرقسطة فحصروه بها فلم يظفروا به فرجع أبو عثمان عنه ونزل بحصن طرسونة بالقرب من سرقسطة وبث سراياه على أهل سرقسطة يغيرون ويمنعون عنهم الميرة ثم أن مطروحا خرج في بعض الأيم آخر النهار يتصيد فأرسل البازي على طائر فاقتنصه فنزل مطروح ليذبحه بيده ومعه صاحبان له قد انفرد بهما عن أصحابه فقتلاه وأخذا رأسه واتيا به أبا عثمان فسار إلى سرقسطة فكاتبه أهلها بالطاعة فقبل منهم وسار إليها فنلزها وأرسل رأس مطروح إلى هشام.
غزاة هشام بالأندلس:
ثم أن عثمان لما فرغ من مطروح أخذ الجيش وسار بهم غلى بلاد الفرنج فقصد ألبة والقلاع فلقيه العدو فظفر بهم وقتل منهم خلقا كثيرا وفتح الله عليه، وفيها سير هشام أيضا يوسف بن بخت في جيش إلى جليقية فلقي ملكهم وهو برمند الكبير فاقتتلوا قتالأ شديدا وانهزمت الجلالقة وقتل منهم عالم كثير وفيها انقاد أهل طليطلة إلى طاعة الأمير هشام فأمنهم، وفيها سجن هشام أيضا ابنه عبد الملك لشيء بلغه عنه فبقي مسجونا حياة أبيه وبعض ولاية أخيه فتوفي محبوسا سنة ثمان وتسعين ومائة.
ذكر عدة حوادث:
وفيها خرج بخراسان حصين الخارجي وهو من موالي قيس بن ثعلبة من أهل أوق وكان على سجستان عثمان بن عمارة فأرسل جيشا فلقيهم حصين فهزمهم ثم أتى خراسان وقصد باذغيس وبوشنج وهراة وكتب الرشيد إلى الغطريف في طلبه فسير إليه الغطريف داود بن يزيد في اثني عشر ألفا فلقيهم حصين في ستمائة فهزمهم وقتل منهم خلقا كثيرا ثم سار في خراسان إلى أن قتل سنة سبع وسبعين ومائة، وفيها مات الليث بن سعد الفقيه بمصر ومحمد بن إسحاق بن إبراهيم أبو العنبس الشاعر، وفيها توفي المسيب بن زهير بن عمر بن مسلم الضبي ويل سنة ست وسبعين وكان على شرط المنصور والمهدي وولاه المهدي خراسان وفيها ولد ادريس بن ادريس بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
ثم دخلت سنة ست وسبعين ومائة:
ظهور يحيى بن عبد الله بالديلم:
في هذه السنة ظهر يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بالديلم واشتدت شوكته وكثر جموعه وأتاه الناس من الأمصار فاغتم الرشيد لذلك فندب إليه الفضل بن يحيى في خمسين ألفا ومعه صناديد القواد وولاه جرجان وطبرستان والري وغيرها وحمل معه الأموال فكاتب يحيى بن عبد الله ولطف به وحذره وأشار عليه وسط أمله ونزل الفضل بالطالقان بمكان يقال له أشب ووالى كتبه إلى يحيى وكاتب صاحب الديلم وبذل له ألف ألف درهم على أن يسهل له خروج يحيى بن عبد الله فأجاب يحيى إلى الصلح على أن يكتب له الرشيد أمانا بخطه يشهد عليه فيه القضاة والفقهاء وجلة بني هاشم ومشايخهم منهم عبد الصمد بن علي فاجابه الرشيد إلى ذلك وسربه وعظمت منزلة الفضل عنده وسير الأمان مع هدايا وتحف فقدم يحيى مع الفضل بغداد فلقيه الرشيد بكل ما أحب وأمر له بمال كثير وأجرى له ارزاقا سنية وأنزله منزلا سريا، ثم أن الرشيد حبسه فمات في الحبس وكان الرشيد قد عرض كتاب أمان يحيى على محمد بن الحسن الفقيه وعلى أبي البختري القاضي فقال محمد الأمان صحيح فحاجه الرشيد فقال محمد وما يصنع بالأمان لو كان محاربا ثم ولي وكان آمنا وقال أبو البختري هذا أمان منتقض من وجه كذا فمزقه الرشيد.
ذكر ولاية عمر بن مهران مصر:
وفيها عزل الرشيد موسى بن عيسى عن مصر ورد أمرها إلى جعفر بن يحيى بن خالد فاستعمل عليها جعفر عمر بن مهران وكان سبب عزله أن الرشيد بلغه أن موسى عازم على الخلع فقال والله لا أعزله إلا بأخس من على بابي فأمر جعفر فأحضر عمر بن مهران وكان أحول مشوه الخلق وكان لباسه خسيسا وكان يردف غلامه خلفه فلما قال له الرشيد أتسير إلى مصر أميرا فقال أتولاها على شرائط إحداها أن يكون اذني إلى نفسي إذا أصلحت البلاد انصرفت فأجابه إلى ذلك فسار فلما وصل إليها أتى جار موسى فجلس في أخريات الناس فلما تفرقوا قال ألك حاجة قال نعم ثم دفع إليه الكتب فلما قرأها قال هل يقدم أبو حفص أبقاه الله قال أنا أبو حفص قال موسى لعن الله فرعون حيث قال أليس لي ملك مصر ثم سلم له العمل فتقدم عمر إلى كاتبه أن لا يقبل هدية إلا ما يدخل في الكيس، فبعث الناس بهداياهم فلم يقبل دابة ولا جارية ولم يقبل إلا المال والثياب فأخذها وكتب عليها اسماء أصحابها وتركها. وكان أهل مصر قد اعتادوا المطل بالخراج وكسره فبدأ عمر برجل منهم فطالبه بالخراج فلواه فأقسم أن لا يجيئه إلا بمدية السلام فبذل الخراج فلم يقبله منه وحمله إلى بغداد فأدى الخراج بها فلم يمطله أحد فاخذ النجم الأول والنجم الثاني فلما كان النجم الثالث وقعت المطاولة والمطل وشكوا الضيق فأحضر تلك الهدايا وحسبها لأربابها وأمرهم بتعجيل الباقي فاسرعوا في ذلك فاستوفى خراج مصر عن آخره ولم يفعل ذلك غيره ثم انصرف إلى بغداد.
ذكر فتنة بدمشق:
وفي هذه السنة هاجت الفتنة بدمشق بين المضرية واليمانية وكان رأس المضرية أبو الهيذام واسمه عامر بن عمارة بن خزيم الناعم بن عمرو بن الحرث بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذيبان بن بغيض بن ريث بن غطفان المري أحد فرسان العرب المشهورين، وكان سبب الفتنة أن عاملا للرشيد بسجستان قتل أخا لأبي الهيذام فخرج أبة الهيذام بالشام وجمع جمعا عظيما وقال رثي أخاه:
سأبكيك بالبيض الرقاق وبالقنا *** فإن بها ما يدرك الطالب الوترا
ولسنــا كمــن ينعى أخاه بعبرة *** يعصرها مـن مـاء مقلته عصرا
وإنا أنـــاس ما تفيض دموعنا *** على هالك منا وإن قصم الظهرا
ولكنني أشفـــي الفـــؤاد بغارة *** الهب في قطـــري كتائبها جمرا
وقيل أن هذه الأبيات لغيره والصحيح أنها له ثم أن الرشيد احتال عليه بأخ له كتب إليه فارغبه ثم شد عليه فكتفه وأتى به الى الرشيد فمن عليه وأطلقه.
وقيل كان أول ما هاجت الفتنة في الشام أن رجلا من بني القين خرج بطعام له يطحنه في الرحى بالبلقاء فمر بحائط رجل من لخم أو جذام وفيه بطيخ وقثاء فتناول منه فشتمه صاحبه وتضاربا وسار القيني فجمع صاحب البطيخ قوما من أهل اليمن ليضربوه إذا عاد فلما عاد ضربوه وأعانه قوم آخرون فقتل رجل من اليمانية وطلبوا بدمه فاجتمعوا لذلك وكان على دمشق حينئذ عبد الصمد بن علي فلما خاف الناس أن يتفاقم ذلك اجتمع أهل الفضل والرؤساء ليصلحوا بينهم فأتوا بني القين فكلموهم فأجابهم إلى ما طلبوا فأتوا اليمانية فكلموهم فقالوا انصرفوا عنا حتى ننظر ثم ساروا فبيتوا بني القين فقتلوا منهم ستمائة وقيل ثلاثمئة فاستنجد بنو القين قضاعة وسليحا فلم ينجدوهم فاستنجدوا قيسا فأجابوهم وساروا معهم إلى الصعاليك من أرض البلقاء فقتلوا من اليمانية ثمانمائة وكثر القتال بينهم فالتقوا مرات، وعزل عبد الصمد عن دمشق واستعمل عليها إبراهيم بن صالح بن علي فقام ذلك الشر بينهم نحو ستين والتقوا بالبثنية فقتل من اليمانية نحو ثمانمائة ثم اصطلحوا بعد شر طويل ووفد إبراهيم بن صالح على الرشيد وكان ميله مع اليمانية فوقع في قيس عند الرشيد فاعتذر عنهم عبد الواحد بن بشر النصري من بني نصر فقبل عذرهم ورجعوا واستخلف إبراهيم بن صالح على دمشق ابنه إسحاق وكان ميله أيضا مع اليمانية فأخذ جماعة من قيس فحبسهم وضربهم وحلق لحاهم فنفر الناس ووثبت غسان برجل من ولد قيس بن العبسي فقتلوه فجاء أخوه إلى ناس من الزواقيل بحوران فاستنجدهم فأنجدوه وقتلوا من اليمانية نفرا، ثم ثارت اليمانية بكليب بن عمرو بن الجنيد بن عبد الرحمن وعنده ضيف له فقتلوه فجاءت أم الغلام بثيابه إلى أبي الهيذام فألقتها بين يديه فقال انصرفي حتى ننظر فإني لا أخبط خبط العشواء حتى يأتي الأمير ونرفع إليه دماءنا فإن نظر فيها والا فأمير المؤمنين ينظر فيها. ثم أرسل إسحاق فأحضر أبا الهيذام فحضر فلم يأذن له ثم أن أناسا من الزواقيل قتلوا رجلا من اليمانية وقتلت اليمانية رجلا من سليم ونهبت أهل تلفياثا وهم جيران محارب فجاءت محارب إلى أبي الهيذام فركب معهم إلى إسحاق في ذلك فوعدهم الجميل فرضي فلما انصرف أرسل إسحاق إلى اليمانية يغريهم بأبي الهيذام فاجتمعوا وأتوا أبا الهيذام من باب الجابية فخرج إليهم في نفر يسير فهزمهم واستولى على دمشق وأخرج أهل السجون عامة ثم أن أهل اليمانية استجمعت واستنجدت كلبا وغيرهم فأمدوهم وبلغ الخبر أبا الهيذام فأرسل إلى المضرية فأتته الأمداد وهو يقاتل اليمانية عند باب توما فانهزمت اليمانية ثم أن اليمانية أتت قرية لقيس عن دمشق فأرسل أبو الهيذام إليهم الزواقيل فقاتلوهم فانهزمت اليمانية أيضا ثم لقيهم جمع آخر فانهزموا أيضا ثم أتاهم الصريخ أدركوا باب توما فأتوه فقاتلوا اليمانية فانهزمت أيضا فهزموهم في يوم واحد أربع مرات ثم رجعوا إلى أبي الهيذام ثم ارسل إسحاق إلى أبي الهيذام يأمره بالكف ففعل وأرسل إلى اليمانية قد كففته عنكم فدونكم الرجل فهو غار فأتوه من باب شرقي متسللين فأتى الصريخ أبا الهيذام فركب في فوارس من أهله فقاتلهم فهزمهم ثم بلغه خبر جمع آخر على باب توما فاتاهم فهزمهم أيضا ثم جمعت اليمانية أهل الأردن والخولان وكلبا وغيرهم وأتى الخبر أبا الهيذام فأرسل من يأتيه بخبرهم فلم يقف لهم على خبر في ذلك وجاؤوا من جهة أخرى كان آمنا منها لبناء فيها فلما انتصف النهار ولم ير شيئا فرق أصحابه فدخلوا المدينة ودخلها معهم وخلف طليعة فلما رآه إسحاق قد دخل أرسل إلى ذلك البناء فهدمه وأمر اليمانية بالعبور ففعلوا فجاءت الطليعة إلى أبي الهيذام فاخبروه الخبر وهو عند باب الصغير ودخلت اليمانية المدينة وحملوا على أبي الهيذام فلم يبرح وأمر بعض أصحابه أن يأتي اليمانية من ورائهم ففعلوا فلما رأتها اليمانية تنادوا الكمين الكمين وانهزموا وأخذ منهم سلاحا وخيلا، فلما كان مستهل صفر جمع إسحاق الجنود فعسكروا عند قصر الحجاج وأعلم أبو الهيذام أصحابه فجاءته بنو القين وغيرهم واجتمعت اليمن إلى إسحاق فالتقى بعض العسكر فاقتتلوا فانهزمت اليمانية وقتل منهم، ونهب أصحاب أبو الهيذام بعض داريا وأحرقوا فيها ورجعوا وأغار هؤلاء فنهبوا وأحرقوا واقتتلوا غير مرة فانهزمت اليمانية أيضا، فأرسلت ابنة الضحاك بن رمل السكسكي وهي يمانية إلى أبو الهيذام تطلب منه الأمان فأجابها وكتب لها ونهب القرى التي لليمانية بنواحي دمشق وأحرقها، فلما رأت اليمانية ذلك أرسل إليه ابن خارجة الحرشي وابن عزة الخشني وأتاه الأوزاع والأوصاب ومقرا وأهل كفر سوسية والحميريون وغيرهم يطلبون الأمان فأمنهم فسكن الناس وأمنوا وفرق أبو الهيذام أصحابه وبقي في نفر يسير من أهل دمشق فطمع فيه إسحاق فبذل الأموال للجنود ليواقع أبا الهيذام فأرسل العذافر الكسكي في جمع إلى أبي الهيذام فقاتلوهم فانزلهم العذافر ودامت الحرب بين أبي الهيذام وبين الجنود من الظهر إلى المساء وحمل خيل أبي الهيذام على الجند فجالوا ثم تراجعوا وانصرفوا وقد جرح منهم أربعمائة ولم يقتل منهم أحد وذلك نصف صفر فلما كان الغد لم يقتتلوا إلى المساء فلما كان آخر النهار تقد إسحاق في الجند فقاتلهم عامة الليل وهم بالمدينة واستمد أبو الهيذام أصحابه وأصبحوا من الغد فاقتتلوا والجند في اثني عشر ألفا وجاءتهم اليمانية وخرج أبو الهيذام من المدينة فقال لأصحابه وهم قليلون انزلوا فنزلوا وقاتلوهم على باب الجابية حتى أزالوهم عنه. ثم أن جمعا من أهل حمص أغاروا على قرية لأبي الهيذام فأرسل طائفة من أصحابه إليهم فقاتلوهم فانهزم أهل حمص وقتل منهم بشر كثير وأحرقوا قرى في الغوطة لليمانية وأحرقوا داريا ثم بقوا نيفا وسبعين يوما لم تكن حرب فقدم السندي مستهل ربيع الأخر في الجنود من عند الرشيد فأتته اليمانية تغريه بأبي الهيذام وأرسل أبو الهيذام إليه يخبره أنه على الطاعة فاقبل حتى دخل دمشق وإسحاق بدار الحجاج فلما كان الغد أرسل السندي قائدا في ثلاثة آلاف وأخرج إليهم أبو الهيذام ألفا فلما رآهم القائد رجع إلى السندي فقال أعط هؤلاء ما ارادوا فقد رأيت قوما الموت أحب إليهم من الحياة فصالح أبا الهيذام وأمن أهل دمشق والناس وسار أبو الهيذام إلى حوران وأقام السندي بدمشق ثلاثة أيام وقدم موسى بن عيسى واليا فكبسوا داره فخرج هو وابنه خريم وعبد له فقاتلوهم ونجا منهم وانهزم الجند وسمعت خيل أبي الهيذام فجاءته من كا ناحية وقصد بصرى وقاتل جنود موسى بطرف اللجاة فقتل منهم وانهزموا ومضى أبا الهيذام فلما اصبح أتاه خمسة فوارس فلطموه فأوصى أصحابه بما أراد وتركهم ومضى وذلك لعشر بقين من رمضان سنة سبع وسبعين ومائة وكان أولئك النفر قد أتوه من عند أخيه يأمره بالكف ففعل ومضى معهم وأمر أصحابه بالتفرق وكان آخر الفتنة ومات أبو الهيذام سنة اثنتين وثمانين ومائة .
( خريم ) بضم الخاء المعجمة وفتح الراء و (حارثة) بالحاء المهملة والثاء المثلثة ( نشبة ) بضم النون وسكون الشين المعجمة وبعده باء موحدة و ( بغيض ) بالباء الموحدة وكسر الغين المعجمة وآخره ضاد معجمة و ( ريث ) بالراء والياء تحتها نقطتان وآخره ثاء مثلثة.
ذكر عدة حوادث :
في هذه السنة غزا عبد الملك بن عبد الواحد بجيش صاحب الأندلس بلاد الفرنج فبلغ ألبة والقلاع فغنم وسلم، وفيها استعمل هشام ابنه الحكم على طليطلة وسيره إليها فضبطها وأقام بها وولد له بها ابنه عبد الرحمن بن الحكم وهو الذي ولي الأندلس بعد أبيه وفيها استعمل الرشيد على الموصل الحاكم بن سليمان وفيها خرج الفضل الخارجي بنواحي نصيبين فأخذ من أهلها مالأ وسار إلى دارا وآمد وارزن فأخذ منهم مالأ وكذلك فعل بالخلاط ثم رجع إلى نصيبين وأتى الموصل فخرج إليه عسكرها فهزمهم على الزاب ثم عادوا لقتاله فقتل الفضل وأصحابه وفيها مات الفرج بن فضالة وصالح بن بشير المري القاري وكان ضعيفا في الحديث، وفيها توفي عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أبو طاهر الأنصاري وكان قاضيا ببغداد، وفيها توفي نعيم بن ميسرة النحوي الكوفي وأبو الأحوص وأبو عوانة واسمه الوضاح مولى يزيد بن عطاء الليثي وكان مولده سنة اثنتين وتسعين.
ثم دخلت سنة سبع وسبعين ومائة:
غزو الفرنج بالأندلس:
فيها سير هشام صاحب الأندلس جيشا كثيفا واستعمل عليهم عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث فدخلوا بلاد العدو فبلغوا اربونة وجرندة فبدأ بجرندة وكان بها حامية الفرنج فقتل رجالها وهدم أسوارها وابراجها وأشرف على فتحها فرحل عنها إلى أربونة ففعل مثل ذلك وأوغل في بلادهم ووطئ أرض شرطانية فاستباح حريمها وقتل مقاتلتها وجاس البلاد شهورا يخرب الحصون ويحرق وينم قد أجفل العدو من بين يديه هاربا وأوغل في بلادهم ورجع سالما معه من الغنائم ما لا يعلمه إلا الله تعالى وهي من أشهر مغازي المسلمين بالأندلس.
ذكر استعمال الفضل بن روح بن حاتم على أفريقية:
وفي هذه السنة وهي سنة سبع وسبعين استعمل الرشيد على أفريقية الفضل بن روح بن حاتم وكان الرشيد لما توفى روح استعمل بعده حبيب بن نصر المهلبي فسار الفضل إلى باب الرشيد وخطب ولاية أفريقية فولاه فعاد إليها فقدم في المحرم سنة سبع وسبعين ومائة فاستعمل على مدينة تونس ابن أخيه المغيرة بن بشر بن روح وكان غارا فاستخف بالجند وكان الفضل أيضا قد أوحشهم وأساء السيرة معهم بسبب ميلهم إلى نصر بن حبيب الوالي قبله فاجتمع من بتونس وكتبوا إلى الفضل يستعفون من ابن أخيه فلم يجبهم عن كتابهم فاجتمعوا على ترك طاعته فقال لهم قائد من الخراسانية يقال له محمد بن الفارسي كل جماعة لا رئيس لها فهي إلى الهلاك أقرب فانظروا رجلا يدبر أمركم قالوا صدقت فاتفقوا على تقديم قائد منهم يقال له عبد الله بن الجارود يعرف بعبدويه الأنباري فقدموه عليهم وبايعوه على السمع والطاعة وأخرجوا المغيرة عنهم وكتبوا إلى الفضل يقولون أنا لم نخرج يدا عن طاعته ولكنه أساء السيرة فأخرجناه فول علينا من نرضاه فاستعمل عليهم ابن عمه عبد الله بن يزيد بن حاتم وسيره إليهم فلما كان على مرحلة من تونس أرسل إليه ابن الجارود جماعة لينظروا في أي شيئ قدم ولا يحدثوا حدثا إلا بأمر فساروا إليه وقال بعضهم لبعض أن الفضل يخدعكم بولاية هذا ثم ينتقم منكم بإخراجكم أخاه فعدوا على عبد الله بن يزيد فقتلوه وأخذوا من معه من القواد أسارى فاضطر حينئذ عبد الله بن الجارود ومن معه إلى القيام والجد في إزالة الفضل فتلوى ابن الفارسي الأمر وصار يكتب إلى كل قائد بأفريقية ومتولي مدينة يقول له أنا نظرنا في صنيع الفضل في بلاد أمير المؤمنين وسوء سيرته فلم يسعنا الا الخروج علينا لنخرجه عنا ثم نظرنا فلم نجد أحدا أولى بنصيحة أمير المؤمنين لبعد صوته وعطفه على جنده منك فرأسنا أن نجعل نفوسنا دونك فإن ظفرنا جعلناك أميرنا وكتبنا إلى أمير المؤمنين نسأله ولايتك وإن كانت الأخرى لم يعلم أحد أننا أردناك والسلام فأفسد بهذا كافة الجند على الفضل وكثر الجمع عندهم فسير إليهم الفضل عسكرا كثيرا فخرجوا إليه فقاتلوه فانهزم عسكره وعاد إلى القيروان منهزما وتبعهم أصحاب ابن الجارود فحاصروا القيروان يومهم ذلك ثم فتح أهل القيروان الأبواب ودخل ابن الجارود وعسكره في جمادى الأخرة سنة ثمان وسبعين ومائة وأخرج الفضل من القيروان ووكل به وبمن معه من أهله أن يوصلهم إلى قابس فساروا يومهم ثم ردهم ابن الجارود وقتل الفضل بن روح بن حاتم فلمال قتل الفضل غضب جماعة من الجند واجتمعوا على قتل ابن الجارود فسير إليهم عسكرا فانهزم عسكره وعاد إليه بعد قتال شديد واستولى أولئك الجند على القيروان وكان ابن الجارود بمدينة تونس فسار إليهم وقد تفرقوا بعد دخول القيروان فوصل إليهم ابن الجارود فلقوه واقتتلوا فهزمهم ابن الجارود وقتل جماعة من أعيانهم فانهزموا فلحقوا بالأربس وقدموا عليهم العلاء بن سعيد والي بلد الزاب وساروا إلى القيروان .
ذكر ولاية هرثمة بن اعين بلاد افريقية :
اتفق وصول يحيى بن موسى من عند الرشيد لما قصد العلاء ومن معه القيروان وكان سبب وصوله أن الرشيد بلغه ما صنع ابن الجارود وإفساده افريقية فوجه هرثمة بن أعين ومعه يحيى بن موسى لمحله عند أهل خراسان وأمر أن يتقدم يحيى فيتلطف بابن الجارود ويستميله ليعاود الطاعة قبل وصول هرثمة فقدم يحيى القيروان فجرى بينه وبين ابن الجارود كلان كثير ودفع إليه كتاب الرشيد فقال أنا على السمع والطاعة وقد قرب مني العلاء بن سعيد ومعه البربر فإن تركت القيروان وثب البربر فملكوها فأكون قد ضيعت بلاد أمير المؤمنين ولكني أخرج إلى العلاء فإن ظفر بي فشأنكم والثغور وإن ظفرت به انتظرت قدوم هرثمة فأسلم البلاد إليه وأشير إلى أمير المؤمنين وكان قصده المغالطة فإن ظفر بالعلاء منع هرثمة عن البلاد فعلم يحيى ذلك وخلا بابن الفارسي وعاتبه على ترك الطاعة فاعتذر وحلف أنه عليها وبذل من نفسه المساعدة على ابن الجارود فسعى ابن الفارسي في افساد حاله واستمال جماعة من اجناده فأجابوه وكثر جمعه وخرج إلى قتال ابن الجارود فقال ابن الجارود لرجل من أصحابه اسمه طالب اذا تواقفنا فإنني سأدعو ابن الفارسي لأعاتبه فاقصده أنت وهو غافل فاقتله فأجابه إلى ذلك وتواقف العسكران ودعا ابن الجارود محمد بن الفارسي وكلمه وحمل طالب عليه وهو غافل فقتله وانهزم أصحابه وتوجه يحيى بن موسى إلى هرثمة بطرابلس وأما العلاء بن سعيد فإنه لما علم الناس بقرب هرثمة منهم كثر جمعه وأقبلوا إليه من كل ناحية وسار إلي ابن الجارود فعلم ابن الجارود أنه لا قوة له به فكتب إلى يحيى بن موسى يستدعيه ليسلم إليه القيروان فسار إليه في جند طرابلس في المحرم سنة تسع وسبعين ومائة فلما وصل قابسا تلقاه عامة الجند وخرج ابن الجارود من القيروان مستهل صفر وكانت ولايته سبعة أشهر وأقبل العلاء بن سعيد ويحيى بن موسى يستبقان إلى القيروان كا منهما يريد أن يكون الذكر له فسبقه العلاء ودخلها وقتل جماعة من أصحاب ابن الجارود وسار إلى هرثمة فسيره هرثمة إلى الرشيد وكتب إليه يعلمه أن العلاء كان سبب خروجه ، فكتب الرشيد يأمره بإرسال العلاء إليه فسيره فلما وصل لقيه صلة كثيرة من الرشيد وخلع فلم يلبث بمصر إلا قليلا حتى توفي وأما ابن الجارود فإنه اعتقل ببغداد وسار هرثمة إلى القيروان فقدمها في ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة فأمن الناس وسكنهم وبنى القصر الكبير بالمنستسر سنة ثمانين ومائة وبنى سور مدينة طرابلس مما يلي البحر وكان إبراهيم بن الأغلب بولاية الزاب فأكثر الهدية إلى هرثمة ولاطفه فولاه هرثمة ناحية من الزاب فحسن أثره فيها ثم إن عياض بن وهب الهواري وكليب بن جميع الكلبي جمعا جموعا وأرادا قتال هرثمة فسير إليهما يحيى بن موسى في جيش كثير ففرق جموعهما وقتل كثيرا من أصحابهما وعاد إلى القيروان ولما رأى هرثمة بأفريقية من الاختلاف واصل كتبه إلى الرشيد يستعفي فأمره بالقدوم عليه إلى العراق فسار عن أفريقية في رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة فكانت ولايته سنتين ونصفا .
ذكر الفتنة بالموصل :
وفيها خالف العطاف بن سفيان الأزدي على الرشيد وكان من فرسان أهل الموصل واجتمع عليه أربعة آلاف رجل وجبى الخراج وكان عامل الرشيد على الموصل محمد بن العباس الهاشمي وقيل عبد الملك بن صالح والعطاف غالب على الأمر كله وهو يجب الخراج وأقام على هذا سنتين حتى خرج الرشيد إلى الموصل فهدم سورها بسببه .
ذكر عدة حوادث :
في هذه السنة عزل الرشيد جعفر بن يحيى عن مصر واستعمل عليها إسحاق بن سليمان وعزل حمزة بن مالك عن خراسان واستعمل عليها الفضل بن يحيى البرمكي مضافا إلى ما كان إليه من الأعمال وهي الري وسجستان وغيرهما وفيها غزا الصائفة عبد الرزاق بن عبد الحميد التغلبي وفيها من المحرم هاجت ريح شديدة وظلمة ثم عادت مرة ثانية في صفر وحج بالناس الرشيد، وفيها توفي عبد الواحد بن زيد وقيل سنة ثمان وسبعين وفيها توفي شريك بن عبد الله النخعي وجعفر بن سليمان
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين ومائة :
ذكر الفتنة بمصر:
في هذه السنة وثبت الحوفية بمصر على عاملهم إسحاق بن سليمان وقاتلوه وأمده الرشيد بهرثمة بن أعين وكان عامل فلسطين فقاتلوا الحوفية وهم من قيس وقضاعة فأذعنوا بالطاعة وأدوا ما عليهم للسلطان، فعزل الرشيد إسحاق عن مصر واستعمل عليها هرثمة مقدار شهر ثم عزله واستعمل عليها عبد الملك بن صالح .
ذكر خروج الوليد بن طريف الخارجي:
وفيها خرج الوليد بن طريف التغلبي بالجزيرة ففتك إبراهيم بن خازم بن خزيمة بنصيبين ثم قويت شوكة الوليد فدخل إلى أرمينية وحصر خلاط عشرين يوما فافتدوا منه أنفسهم بثلاثين ألفا ثم سار إلى أذربيجان ثم إلى حلوان وأرض السواد ثم عبر إلى غرب دجلة وقصد مدينة بلد فافتدوا منه بمائة ألف وعاث في أرض الجزيرة فسير إليه الرشيد يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني وهو ابن أخي معن بن زائدة فقال الوليد :
ستعلم يا يزيد إذا التقينا *** بشط الزاب أي فتى يكون
فجعل يخاتله ويماكره وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد فقالوا للرشيد إنما يتجافى عن الوليد للرحم لأنهما كلاهما من وائل وهونوا أمر الوليد فكتب إليه الرشيد كتاب مغضب وقال له لو وجهت أحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به ولكنك مداهن متعصب وأقسم بالله إن أخرت مناجزته لأوجهن إليك من يحمل رأسك فلقي الوليد عشية خميس في شهر رمضان سنة تسع وسبعين فيقال جهد عطشا حتى رمى بخامته في فيه وجعل يلوكه ويقول اللهم إنها شدة شديدة فاسترها وقال لأصحابه فداكم أبي وأمي إنما هي الخوارج ولهم حملة فاثبتوا فإذا نقضت حملتهم فاحملوا عليهم فإنهم إذا انهزموا لم يرجعوا فكان كما قال حملوا عليهم حملة فثبت يزيد ومن معه من عشيرته ثم حمل عليهم فانكشفوا فيقال إن أسد بن يزيد كان شبيها بأبيه جدا لا يفصل بينهما إلا ضربة في وجه يزيد تأخذ من قصاص شعره منحرفة على جبهته فكان أسد يتمنى مثلها فهوت إليه ضربة فأخرج وجهه من الترس فأصابته في ذلك الموضع فيقال لو خطت على ضربة أبيه ما عدا، واتبع يزيد الوليد بن طريف فلحقه فأخذ رأسه فقال بعض الشعراء:
وائل بعضهم يقتل بعضا *** لا يفل الحديد إلا الحديد
فلما قتل الوليد صبحتهم أخته ليلى بنت طريف مستعدة عليها الدرع فجعلت تحمل على الناس فعرفت فقال يزيد دعوها ثم خرج إليها فضرب بالرمح قطاة فرسها ثم قال اعزبي الله عليك فقد فضحت العشيرة فاستحيت وانصرفت وهي تقول ترثي الوليد:
بتـــل تبــــــاثا رســـم قبر كأنه *** عــلى علم فـــوق الجبال منيف
تضمـــــن جودا حــاتميا ونلئلا *** وســـورة مقــدام وقلب حصيف
ألا قتل الله الجثي كيـث أضمرت *** فتى كان بالمعـروف غير غفيف
فــإن يك أراده يـــزيد بــن مزيد *** فيــــا رب خيل فضها وصـفوف
ألا يـــــا لقومي للنوائب والردى *** ودهـــر ملــــــح بالكرام عنيف
وللبدر من بين الكواكب قد هوى *** وللشمس همـــت بعده بكسوف
فيـــا شجر الخابور مالك مورقا *** كأــنك لم تجزع علـى ابن طريف
فتى لا يحـــب الزاد إلا من التقى *** ولا المــــال إلا من قنا وسيوف
ولا الخيــل إلا كــل جرداء شدبة *** وكــل حصـــــان باليدين عروف
فلا تجزعا يا أبتي طـريف فإنني *** أرى المـــوت نزالا بكـــل شريف
فقـــدناك فقـــــدان الربيع فليتنا *** فدينــــاك من دهمـــــائنا بـــألوف
وقال مسلم بن الوليد في قتل الوليد ورفق يزيد قتاله من قصيدة هذه الأبيات:
يفتر عنــد افترار الحرب مبتسما *** إذا تغير وجـــــــه الفارس البطل
موف على مهج في يوم ذي رهج *** كـــأنه أجـــل يسعى إلـــــــى أمل
ينـــــال بالرفق ما تعي الرجال به *** كالموت مستعجلا يأتي على مهل
وهي حسنة جدا.
غزو الفرنج والجلالقة بالأندلس :
فيها سير هشام صاحب الأن عسكرا مع عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث إلى بلاد الفرنج فغزا البة والقلاع فغنم وسلم وسير أيضا جيشا آخر مع أخيه عبد الملك بن عبد الواحد إلى بلاد الجلالقة فخرب دار ملكهم اذفونش وكنائسه وغنم فلما قفل المسلمون ضل الدليل بهم فنالهم مشقة شديدة ومات منهم بشر كثير ونفقت دوابهم وتلفت آلاتهم ثم سلموا وعادوا.
ذكر فتنة تاكرتا :
وفيها هاجت فتنة تاكرتا بالأندلس وخلع بربرها الطاعة وأظهروا الفساد وأغاروا على البلاد وقطعوا الطريق فسير هشام إليهم جندا كثيفا عليهم عبد القادر بن أبان بن عبد الله مولى معاوية بن أبي سفيان فقصدوها وتابعوا قتال من فيها إلى أن أبادوهم قتلا وسببا وفر من بقي منهم فدخل في سائر القبائل وبقيت كورة تاكرتا وجبالها خالية من الناس سبع سنين.
ذكر عدة حوادث :
وفيها غزا الصائفة معاوية بن زفر بن عاصم وغزا الشاتية سليمان بن راشد ومعه البند بطريق صقلية وحج بالناس هذه السنة محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي، وفيها فوض الرشيد أمور دولته كلها إلى يحيى بن خالد البرمكي، وفيها وصل الفضل بن يحيى إلى خراسان وغزا ما وراء النهر من بخارى فحضر عنده صاحب أشر وسنة وكان ممتنعا وبنى الفضل بخراسان المساجد والرباطات، وفيها توفي عبد الوارث بن سعيد والمفضل بن يونس وجعفر بن سليمان الضبعي.
ثم دخلت ستة تسع وسبعين ومائة:
غزو الفرنج بالأندلس:
فيها سير صاحب الأندلس جيشا كثيفا عليهم عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث إلى جليقية فساروا حتى انتهوا إلى استرقة وكان اذففونش ملك الجلالقة قد جمع وحشد وأمده ملك البشكنس وهم جيرانه ومن يليهم من المجوس وأهل تلك النواحي فصار في جمع عظيم فأقدم عليه عبد الملك فرجع أذفونش هيبة له وتبعهم عبد الملك يقفو أثرهم ويهلك كل من تخلف منهم فدوخ بلادهم وأوغل فيها وأقام فيها يغنم ويقتل ويخرب وهتك حريم اذفونش ورجع سالما ،وكان قد سير هشام جيشا آخر من ناحية أخرى فدخلوا أيضا على ميعاد من عبد الملك فأخربوا ونهبوا وغنموا فلما أرادوا الخروج من بلاد العدو اعترضهم عسكر للفرنج فنال منهم وقتل نفرا من المسلمين ثم تخلصوا وسلموا وعادوا سالمين سوى من قتل منهم.
ذكر عدة حوادث:
فيها عاد الفضل بن يحيى من خراسان فاستعمل الرشيد منصور بن يزيد بن منصور الحميري خال المهدي واعتمر الرشيد في شهر رمضان شكرا لله تعالى على قتل الوليد بن طريف وعاد إلى المدينة فأقام بها إلى وقت الحج وحج بالناس ومشى مكة إلى منى ثم إلى عرفات وشهد المشاهد والمشاعر كلها ماشيا ورجع على طريق البصرة، وفيها خرج بخراسان بحمزة بن اترك السجستاني، وفيها توفي حماد بن يزيد بن درهم الازدي مولاهم أبو إسماعيل ومالك بن أنس الأصبحي، الإمام أستاذ الشافعي وفيها توفي مسلم بن خالد الزنجي أبو عبد الله الفقيه المكي وصحبه الشافعي قيل مالك وأخذ عند الفقه وإنما قيل له الزنجي لأنه كان أبيض مشربا بحمرة وعباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي البصري وأبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي. ( سلام ) بتشديد اللام.
ثم دخلت سنة ثمانين ومائة
ذكر وفاة هشام :
فيها مات هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان صاحب الأندلس في صفر وكانت إمارته سبع سنين وسبعة أشهر وثمانية أيام وقيل تسعة أشهر وقيل عشرة أشهر وكان عمره تسعا وثلاثين سنة وأربعة أشهر وكنيته أبو الوليد وكانت أمه أم ولد وكان أبيض أشهب مشربا بحمرة بعينيه حول وخلف خمسة بنين وكان عاملا حازما ذا رأي وشجاعة وعدل خيرا محبا لأهل الخير والصلاح شديدا على الأعداء راغبا في الجهاد.... .
غزو الفرنج بالأندلس:
في هذه السنة سير الحكم صاحب الأندلس جيشا مع عبد الكريم بن مغيث إلى بلاد الفرنج فدخل البلاد السرايا ينهبون ويقتلون ويحرقون البلاد وسير سرية فجازوا خليجا من البحر كان الماء قد جزر عنه وكان الفرنج قد جعلوا أموالهم وأهليهم وراء ذلك الخليج ظنا منهم أن أحدا لا يقدر أن يعبر إليهم فجاءهم ما لم يكن في حسابهم فغنم المسلمون جميع مالهم وأسروا الرجال وقتلوا منهم فأكثروا وسبوا الحريم وعادوا سالمين إلى عبدالكريم وسير طائفة أخرى فخربوا كثيرا من بلاد فرنسية وغنم أموال أهلها وأسروا الرجال فأخبره بعض الأسرى أن جماعة من ملوك الفرنج قد شبقوا المسلمين إلى واد وعر المسلك على طريقهم فجمع عبد الكريم عساكره وسار على تعبية وجد السير فلم يشعر الكفار إلا وقد خالطهم المسلمون فوضعوا السيف فيهم فانهزموا وغنم ما معهم وعاد سالما هو ومن معه.
ولاية علي بن عيسى خراسان :
وفيها عزل الرشيد منصور بن يزيد عن خراسان واستعمل عليها علي بن عيسى بن ماهان فوليها عشر سنين وفي ولايته خرج حمزة بن أترك الخارجي أيضا فجاء إلى بوشنج فخرج إليه عمرويه بن يزيد الأزدي وكان على هراة في ستة آلاف فقاتله فهزمه حمزة وقتل من أصحابه جماعة ومات عمرويه في الزحام فوجه إليه علي بن عيسى ابنه الحسين في عشرة آلاف فلم يحارب حمزة فعزله وسير عوضه ابنه عيسى بن علي فقاتل حمزة فهزمه حمزة فرده أبوه إليه أيضا فقاتله بباخرز وكان حمزة بنيسابور فانهزم حمزة وقتل أصحابه وبقي في أربعين رجلا فقصد قهستان، وأرسل عيسى أصحابه إلى أوق وجوين فقتلوا من بها من الخوارج وقصد القرى التي كان أهلها يعينون حمزة فأحرقها وقتل من فيها حتى وصل إلى زرنج فقتل ثلاثين ألفا ورجع وخلف برزنج عبد الله بن العباس النفسي فجبى الأموال وسار بها فلقيه حمزة بأسفزار فقاتله فصبر له عبد الله ومن معه من الصغد فانهزم حمزة وقل كثير من أصحابه وجرح في وجهه واختفى هو ومن سلم من أصحابه في الكروم ثم خرج وسار في القرى يقتل ولا يبقى على احد وكان علي بن عيسى قد استعمل طاهر بن الحسين على بوشنج فسار إليه حمزة وانتهى إلى مكتب فيه ثلاثون غلاما فقتلهم وقتل معلمهم وبلغ طاهرا الخبر فأتى قرية فيها وقعد الخوارج وهم الذين لا يقاتلون ولا يوان لهم فقتلهم طاهر وأخذ أموالهم وكان يشد الرجل منهم في شجرتين يجمعهما ثم يرسلهما فتأخذ كل شجرة نصفه فكتب القعد إلى حمزة بالكف فكف وواعدهم وأمن الناس مدة وكانت بينه وبين أصحاب علي بن عيسى حروب كثيرة.
ذكر عدة حوادث:
وفيها سار جعفر بن يحيى بن خالد إلى الشام للعصبية التي بها ومعها القواد والعساكر والسلاح والأموال فسكن الفتنة وأطفأ النائرة وعاد الناس إلى الأمن والسكون، وفيها أخذ الرشيد الخاتم من جعفر فدفعه الى أبيه يحيى بن خالد، وفيها ولى جعفر خراسان وسجستان ثم عزله عنها بعد عشرين ليلة واستعمل عليها عيسى بن جعفر وولي جعفر بن يحيى الحري وفيها هدم الرشيد سور الموصل بسبب العطاف بن سفيان الأزدي سار إليها بنفسه وهدم سورها واقسم ليقتلن من لقي من أهلها فأفتاه القاضي أبو يوسف ومنعه من ذلك وكان العطاف قد سار عنها نحو أرمينية فلم يظفر به الرشيد ومضى إلى الرقة فاتخذها وطنا، وفيها عزل هرثمة بن أعين عن افريقية واستقدمه إلى بغداد واستخلفه جعفر بن يحيى على الحرس وفيها كانت بمصر زلزلة عظيمة سقط منها رأس منارة الاسكندرية، وفيها خرج خراشة الشيباني بالجزيرة فقتله مسلم بن بكار العقيلي وفيها خرجت المحمرة بجرجان، وفيها عزل الفضل بن يحيى عن طبرستان والرويان ووليها عبد الله بن خازم وولي سعيد بن سلم الجزيرة وغزا الصائفة محمد بن معاوية بن زفرة بن عاصم، وفيها سار الرشيد إلى الحيرة وابتنى بها المنازل فاقطع أصحابه القطائع فثار بهم أهل الكوفة وأساؤوا مجاورته فعاد إلى بغداد.
وحج بالناس هذه السنة موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي وفيها استعمل الرشيد على الموصل يحيى بن سعيد الحرشي فأساء السيرة في أهلها وظلمهم وطالبهم بخراج سنين مضت فجلا أكثر أهل البلد، وفي هذه السنة توفي المبارك بن سعيد الثوري أخو سفيان وسلمة الأحمر وسعيد بن خيثم وأبو عبيدة عبد الوارث بن سعيد وعبد العزيز بن أبي حازم وتوفي وهو ساجد وأبو ضمرة أنس بن عياض الليثي المدني وفيها أمر الرشيد ببناء مدينة عين زربة وحصنها وسير إليها جندا من أهل خراسان وغيرهم فاقطعهم بها المنازل.
دخلت سنة إحدى وثمانين ومائة:
ولاية محمد بن مقاتل افريقية:
وفي هذه السنة استعمل الرشيد على أفريقية محمد بن مقاتل بن حكيم العكي لما استعفي منها هرثمة بن أعين على ما ذكرناه سنة سبع وسبعين ومائة وكان محمد هذا رضيع الرشيد فقدم القيروان أول رمضان فتسلمها وعاد هرثمة إلى الرشيد فلما استقر فيها لم يكن بالمحمود السيرة فاختلف الجند عليه واتفقوا على تقديم مخلد بن مرة الأزدي واجتمع كثير من الجند والبربر وغيرهم، فسير إليه محمد بن مقاتل جيشا فقاتلوه فانهزم مخلد واختفى في مسجد فأخذ وذبح وخرج عليه بتونس تمام بن تميم التميمي في جمع كثير وساروا إلى القيروان في رمضان سنة ثلاث وثمانين وخرج إليه محمد بن مقاتل العكي في الذين معه فاقتتلوا بمنية الخيل فانهزم ابن العكي إلى القيروان وسار تمام فدخل القيروان وأمن ابن العكي على أن يخرج عن أفريقية فسار في رمضان إلى طرابلس فجمع إبراهيم بن الأغلب التميمي جمعا كثيرا وسار إلى القيروان منكرا لما فعله تمام فلما قاربها سار عنها إلى تونس ودخل إبراهيم القيروان وكتب إلى محمد بن مقاتل يعلمه الخبر ويستدعيه إلى عمله فعاد الى القيروان وكتب إلى محمد بن مقاتل يعلمه الخبر ويستدعيه إلى عمله فعاد إلى القيروان فثقل ذلك على أهل البلد وبلغ الخبر إلى تمام فجمع جمعا وسار إلى القيروان ظنا منه أن الناس يكرهون محمدا ويساعدونه عليه فلما صول قال ابن الأغلب لمحمد إن تماما انهزم مني وأنا في قلة فلما وصلت إلى البلاد تجدد له طمع لعلمه أن الجند يخذلونك والرأي أن أسير أنا ومن معي من أصحابي فنقاتله ففعل ذلك وسار إليه فقاتله فانهزم تمام وقتل جماعة من أصحابه ولحق بمدينة تونس فسار إبراهيم بن الأغلب إليه ليحصره فطلب منه الأمان فأمنه.
ولاية إبراهيم بن الأغلب إفريقية،
لما استقر الأمر لمحمد بن مقاتل ببلاد إفريقية وأطاعه تمام كره أل البلاد ذلك وحملوا إبراهيم بن الأغلب على أن كتب إلى الرشيد يطلب منه ولاية افريقية فكتب إليه في ذلك وكان على ديار مصر كل سنة مائة ألف دينار تحمل إلى افريقية معونة فنزل إبراهيم عن ذلك وبذل أن يحمل كل سنة أربعين ألف دينار فأحضر الرشيد ثقاته واستشارهم فيمن يوليه إفريقية وذكر لهم كراهة أهلها ولاية محمد بن مقاتل فأشار هرثمة بإبراهيم بن الأغلب وذكر له ما رآه من عقله ودينه وكفايته وأنه قام بحفظ إفريقية على ابن مقاتل فولاه الرشيد في المحرم سنة أربع وثمانين ومائة فأقمع الشر وضبط الأمر وسير تماما وكل من يتوثب على الولاة إلى الرشيد فسكنت البلاد وابتنى مدينة سماها العباسية بقرب القيروان وانتقل إليها بأهله وعبيده ، وخرج عليه ست وثمانين ومائة رجل من أبناء العرب بمدينة تونس اسمه حمديس فنزع السواد وكثر جمعه فبعث إليه ابن الأغلب عمران بن مخلد في عساكر كثيرة وأمره أن لا يبقى على أحد منهم ان ظفر بهم فسار عمران والتقوا واقتتلوا وصار أصحاب حمديس يقولون بغداذ بغداذ وصبر الفريقان فانهزم حمديس ومن معه وخذهم السيف فقتل منهم عشرة آلاف رجل ودخل عمران تونس ثم بلغ ابن الأغلب أن إدريس بن إدريس العلوي قد كثر جمعه بأقاصي المغرب فأراد قصده فنهاه أصحابه وقالوا اتركه ما تركك فاعمل الحيلة وكاتب القيم بأمره من المغاربة واسمه بهلول بن عبد الواحد وأهدى إليه ولم يزل به حتى فارس إدريس وأطاع إبراهيم وتفرق جمع إدريس فكتب إلى إبراهيم يستعطفه ويسأله الكف عن ناحيته ويذكر له قرابته من رسول الله فكف عنه.
ثم إن عمران بن مخلد المقدم ذكره وكان من بطانة إبراهيم بن الأغلب وينزل معه في قصره ركب يوما مع إبراهيم وجعل يحدثه فلم يفهم من حديثه شيئا لاشتغال قلبه بهم كان له فاستعاد الحديث من عمران فغضب وفارق إبراهيم وجمع جمعا كثيرا وثار عليه فنزل بين القيروان و العباسية وصارت القيروان وأكثر بلاد إفريقية معه فخندق إبراهيم على العباسية وامتنع فيها ودامت الحرب بينهما سنة كاملة فسمع الرشيد الخبر فانفذ إلى إبراهيم خزانة مال فلما صارت إليه الأموال أمر مناديا ينادي من كان من جند أمير المؤمنين فليحضر لأخذ العطاء ففارق عمران أصحابه وتفرقوا عنه فوثب عليهم أصحاب إبراهيم فانهزموا فنادى إبراهيم بالأمان والحضور لقبض العطاء فحضروا فأعطاهم وقلع أبواب القيروان وهدم في سورها، وأما عمران فسار حتى لحق بالزاب فأقام به حتى مات إبراهيم وولي ابنه عبد الله فأمن عمران فحضر عنده وأسكنه معه فقيل لعبد الله إن هذا ثأر بأبيك ولا نأمنه عليك فقتله ولما انهزم عمران سكن الشر بأفريقية وأمن الناس فبقي كذلك إلى أن توفي إبراهيم في شوال سنة ست وتسعين ومائة وعمره ست وخمسون سنة وامارته اثنتا عشرة سنة وأربعة أشهر وعشرة أيام.
ذكر ولاية عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب إفريقية:
ولما توفي إبراهيم بن الأغلب ولي بعده ابنه عبد الله وكان عبد الله غائبا بطرابلس قد حصره البربر على ما نذكره سنة ست وتسعين ومائة فعهد إليه أبوه بالأمارة وأمر ابنه زياد الله بن إبراهيم أن يبايع لأخيه عبد الله بالأمارة فكتب إلى أخيه بموت أبيه وبالأمارة ففارق طرابلس ووصل إلى القيروان فاستقامت الامور ولم يكن في أيامه شر ولا حرب وسكن الناس فعمرت البلاد وتوفي في ذي الحجة سنة إحدى ومائتين.... .
ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين ومائة:
في هذه السنة بايع الرشيد لعبد الله المأمون بولاية العهد بعد الأمين وولاه خراسان وما يتصل بها إلى همدان ولقبه المأمون وسلمه إلى جعفر بن يحيى وهذا من العجائب فإن الرشيد قد رأى ما صنع أبوه وجده المنصور بعيسى بن موسى حتى خلع نفسه من ولاية العهد وما صنع أخوه الهادي ليخلع نفسه من العهد فلو لم يعاجله الموت لخلعه ثم هو بعد ذلك يبايع للمأمون بعد الامين وحبك الشيء يعمي ويصم وفيها حملت ابنة خاقان ملك الخزر إلى الفضل بن يحيى فماتت ببرذعة فرجع من معها إلى أبيها فأخبروه أنها قتلت غيلة فتجهز إلى بلاد الاسلام، وغزا الصائفة عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح فبلغ أفسوس مدينة أصحاب الكهف وفيها سملت الروم عيني ملكهم قسطنطين بن أليون وأقروا أمه ريني وتلقب أغطسة.
وحج بالناس موسى بن عيسى بن موسى وكان على الموصل هرثمة بن أعين وفيها جاز سليمان بن عبد الرحمن صاحب الأندلس إلى بلاد الأندلس من الشرق وتعرض لحرب ابن أخيه الحكم بن هشام بن عبد الرحمن صاحب البلاد فسار إليه الحكم في جيوش كثيرة وقد اجتمع الى سليمان كثير من أهل الشقاق ومن يريد الفتنة فالتقيا واقتتلا واشتدت الحرب فانهزم سليمان واتبعه عسكر الحكم وعادت الحرب بينهم ثانية في ذي الحجة فانهزم فيها سليمان واعتصم بالوعر والجبال فعاد الحكم ثم عاد سليمان فجمع برابر وأقبل إلى جانب إستجة فسار إليهم الحكم فالتقوا واقتتلوا سنة ثلاث وثمانين ومائة واشتد القتال فانهزم سليمان واحتمى بقرية فحصره الحكم وعاد سليمان منهزما إلى ناحية قريش، وفيها كان بقرطبة سيل عظيم فغرق كثير من ربضها القبلي وخرب كثير منه وبلغ السيل شقندة وفي هذه السنة مات جعفر الطيالسي المحدث وعمار بن محمد بن أخت سفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الدراوردي مولى جهينة وكان أبوه من دارابجرد فاستثقلوا نسبته إليها فقالوا دراوردي، وفيها توفي دراج أبو السمح واسمه عبد الله بن السمح وقيل عبد الرحمن بن السمح بن أسامة التجيبي المصري وكان مولده سنة خمس وعشرين ومائة وعفيف بن سالم الموصلي.
ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين ومائة:
ذكر غزو الخزر بلاد الاسلام :
وفيها خرج الخزر بسبب ابنة خاقان من باب الابواب فأوقعوا بالمسلمين وأهل الذمة وسبوا أكثر من مائة ألف رأس وانتهكوا أمرا عظيما لم يسمع بمثله في الأرض فولى الرشيد أرمينية يزيد بن مزيد مضافا إلى أذربيجان وقواه بالجند ووجه إليهم وأنزل خزيمة بن خازم نصيبين ردا لأهل أرمينية وقيل إن سبب خروجهم أن سعيد بن سلم قتل المنجم السلمي فدخل ابنه بلاد الخزر واستجاشهم على سعيد فخرجوا ودخلوا أرمينية من الثلمة فانهزم وأقاموا نحو سبعين يوما فوجه الرشيد خزيمة بن خازم ويزيد بن مزيد فاصلحا ما أفسد سعيد وأخرجا الخزر وسدا الثلمة.
ذكر عدة حوادث:
وفيها استقدم الرشيد علي بن عيسى من خراسان ثم رده عليها من قبل ابنه المأمون وأمره بحرب أبي الخصيب وفيها خرج بنسا من خراسان أبو الخصيب وهيب بن عبد الله النسائي. وحج بالناس العباس بن الهادي وفيها مات موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ببغداد في حبس الرشيد وكان سبب حبسه أن الرشيد اعتمر في شهر رمضان من سنة تسع وسبعين ومائة فلما عاد إلى المدينة على ساكنها الصلاة والسلام دخل إلى قبر النبي يزوره ومعه الناس فلما انتهى إلى القبر وقف فقال السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم إفتخارا على من حوله فدنا موسى بن جعفر فقال السلام عليك يا ابت فتغير وجه الرشيد وقال هذا الفخر يا أبا الحسين جدا ثم أخذه معه إلى العراق فحبسه عنه السندي بن شاهك وتولى حبسه أخت السندي بن شاهك وكانت تتدين، فحكت عنه أنه كان إذا صلى العتمة حمد الله ومجده ودعا إلى أن يزول الليل ثم يقوم فيصلي حتى يصلي الصبح ثم يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى ثم يرقد يستيقظ قبل الزوال ثم يتوضأ ويصلي حتى يصلي العصر ثم يذكر الله حتى يصلي المغرب ثم يصلي المغرب ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة فكان هذا دأبه إلى أن مات وكانت إذا رأته قالت خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل الصالح وكان يلقب الكاظم لأنه كان يحسن إلى من يسيء إليه كان هذا عادته أبدا ولما كان محبوسا بعث إلى الرشيد رسالة أنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا أن ينقضي عنك معه يوم من الرخاء حتى ينقضيا جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون، وفيها كانت بالأندلس فتنة وحرب بين قائد كبير يقال له أبو عمران وبين بهلول بن مرزوق وهو من أعيان الأندلس وكان عبد الله البلنسي مع أبي عمران فانهزم أصحاب بهلول وقتل كثير منهم، وفيها توفي يونس بن حبيب النحوي المشهور أخذ العلم عن أبي عمرو بن العلاء وغيره وكان عمره قد زاد على مائة سنة، وفيها مات موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ومحمد بن صبيح أبو العباس مولى بني عجل المذكر المعروف بابن السماك وهشيم بن بشير الواسطي توفي في شعبان وكان ثقة إلا أنه كان يصحف ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة قاضي المدائن بها وكان عمره ثلاثا وستين سنة ويوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون.
( صبيح ) بفتح الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة و ( بشير ) بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة
ثم دخلت سنة أربع وثمانين ومائة:
وفيها ولي الرشيد حمادا البربري اليمن ومكة وولى داود بن يزيد بن حاتم المهلبي السند ويحيى الحرشي الجبل ومهرويه الرازي طبرستان وقام أمر افريقية إبراهيم بن الأغلب فولاه إياها الرشيد وفيها خرج أبو عمرو الشاري فوجه إليه ظهيرا القصاب فقتله بشهروز وفيها طلب أبو الخصيب الأمان فأمنه علي بن عيسى بن ماهان.
وحج بالناس إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي وكان على الموصل وأعمالها يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني وفيها سار عبد الله بن عبد الرحمن البلنسي إلى مدينة أشقة من الأندلس فنزل بها مع أبي عمران ومع العرب فسار إليهم بهلول بن مرزوق وحاصرهم فيها فتفرق العرب عنهم ودخل بهلول مدينة أشقة وسار عبد الله إلى مدينة بلنسية فأقام بها، وفيها توفي المعافي بن عمران الموصلي الأزدي وقيل سنة خمس وثمانين ،وفيها توفي عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن الخطاب الذي يقال له العابد وعبد السلام بن شعيب بن الحبحاب الأزدي وعبد الاعلى بن عبد الله الشامي المصري من بني شامة بن لؤي وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي أبو محمد.
ثم دخلت سنة خمس وثمانين ومائة:
في هذه السنة قتل أهل طبرستان مهرويه الرازي وهو واليها فولى الرشيد مكانه عبد الله بن سعيد الحرشي وفيها قتل عبد الرحمن الأنباري أبان بن قحطبة الخارجي بمرج القلعة وفيها عاث حمزة الخارجي بباذغيس من خراسان فقتل عيسى بن علي بن عيسى من أصحابه عشرة آلاف وبلغ عيسى كابل وزابلستان والقندهار وفيها غدر أبو الخصيب ثانية وغلب على أبيورد وطوس ونيسابور وحصر مرو ثم انهزم عنها وعاد إلى سرخس وعاد أمره قويا وفيها استأذن جعفر بن يحي في الحج والمجاورة فأذن له فخرج في شعبان واعتمر في رمضان وأقام بجدة مرابطا إلى أن حج ، وفيها جمع الحكم صاحب الأندلس عساكره وسار إلى عمه سليمان بن عبد الرحمن وهو بناحية قريش فقاتله فانهزم سليمان وقصد ماردة فتبعه طائفة من عسكر الحكم فأسروه فلما حضر عند الحكم قتله وبعث برأسه إلى قرطبة وكتب إلى أولاد سليمان وهم بسرقسطة كتاب أمان واستدعاهم فحضروا عنده بقرطبة وفيها وقعت في المسجد الحرام صاعقة قتلت رجلين.
وحج بالناس فيها منصور بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي وفيها مات عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس ولم يكن سقط له سن وقيل كانت أسنانه قطعة واحدة من أسفل وقطعة واحدة من فوق وهو قعد بني عبد مناف لأنه كان في القرب الى عبد مناف بمنزلة يزيد بن معاوية وبين موتهما ما يزيد على مائة وعشرين سنة، وفيها ملك الفرنج لعنهم الله مدينة برشلونة بالأندلس وأخذوها من المسلمين ونقلوا حماة ثغورهم إليها وتأخر المسلمون إلى ورائهم وكان سبب ملكهم اياها اشتغال الحكم صاحب الأندلس بمحاربة عميه عبد الله وسليمان على ما تقدم وفيها سار الرشيد من الرقة الى بغداد على طريق الموصل وفيها مات يقطين بن موسى ببغداد، وفيها أيضا توفي يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني وهو ابن أخي معن بن شجاعا وأكثر الشعراء مراثيه ومن أحسن ما قيل في المرائي ما قاله أبو محمد التميمي يرثيه به فأثبته لجودته:
أحقــــا أنـــــه أودى يـزيــــد *** تبين أيهــا الناعي المشيد
أتدري من نعيت وكيف فاهت *** به شفتاك كان بها الصعيد
أحـامي المجد والاسلام أودي *** فما للأرض ويحـك لا تميد
تأمــل هل ترى الإسلام مالت *** دعـائمه وهـل شـاب الوليد
....
وكان الرشيد إذا سمع هذه المرثية بكى وكان يستجيدها ويستحسنها، وفيها توفي محمد بن إبراهيم الامام بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ببغداد وعبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير والمغيرة بن عبد الرحمن بن الحرث بن عياش المخزومي ويعرف بالحزامي وكان مولده سنة أربع وعشرين ومائة وحجاج الصواف وهو ابن أبي عثمان ميسرة.
( عياش ) بالشين المعجمة والياء المثناة من تحت ( الحزامي ) بالحاء المهملة والزاي.
ثم دخلت سنة ست وثمانين ومائة:
اتفاق الحكم صاحب الأندلس وعمه عبد الله:
في هذه السنة اتفق الحكم بن هشام بن عبد الرحمن أمير الأندلس وعمه عبد الله بن عبد الرحمن البلنسي وسبب ذلك أن عبد الله لما سمع بقتل أخيه سليمان عظم عليه وخاف على نفسه ولزم بلنسية ولم يفارقها ولم يتحرك لإثارة فتنة وأرسل إلى الحكم يطلب المسالمة والدخول في طاعته وقيل بل الحكم أرسل إليه رسلا وكتب إليه يعرض عليه المسالمة ويؤمنه وبذل له الأرزاق الواسعة ولأولاده فأجاب عبد الله إلى الاتفاق واستقرت القاعدة بينهم على يد يحيى بن يحيى صاحب مالك وغيره من العلماء وزوج الحكم أخواته من أولاد عمه عبد الله وسار إليه عبد الله فأكرمه الحكم وعظم محله وأجرى له ولأولاده الأرزاق الواسعة والصلان السنية، وقيل إن المراسلة في الصلح كانت هذه السنة واستقر الصلح سنة سبع وثمانين ومائة.
حج الرشيد وأمر كتاب ولاية العهد:
في هذه السنة حج بالناس هارون الرشيد سار إلى مكة من الأنبار فبدأ بالمدينة فأعطي فيها ثلاثة أعطية أعطى هو عطاء ومحمد الأمين عطاء وعبد الله عطاء وسار إلى مكة فأعطى أهلها فبلغ ألف ألف دينار وخمسين ألف دينار وكان الرشيد قد ولى الأمين العراق والشام وإلى آخر المغرب وضم إلى المأمون من همذان الى آخر المشرق ثم بايع لابنه القاسم بولاية العهد بعد المأمون ولقبه المؤتمن وضم إليه الجزيرة والثغور والعواصم وكان في حجر عبد الملك بن صالح وجعل خلعه وإثباته إلى المأمون ولما وصل الرشيد إلى مكة ومعه أولاده والفقهاء والقضاة والقواد كتب كتابا أشهد فيه على محمد الأمين وأشهد فيه من حضر بالوفاء للمأمون وكتب كتابا للمأمون أشهدهم عليه فيه بالوفاء للأمين وعلق الكتابين في الكعبة وجدد العهود عليهما في الكعبة ولما فعل الرشيد ذلك قال الناس قد ألقى بينهم شرا وحربا وخافوا عاقبة ذلك فكان ما خافوه ثم إن الرشيد في سنة تسع وثمانين شخص إلى قرماسين ومعه المأمون وأشهد على نفسه من عنده من القضاة والفقهاء أن جميع ما في عسكره من الأموال والخزائن والسلاح والكراع وغير ذلك للمأمون وجدد له البيعة عليهم وارسل إلى بغداد فجدد البيعة على محمد الأمين.
ذكر عدة حوادث:
في هذه السنة سار علي بن عيسى بن ماهان من مرو إلى نسا لحرب أبي الخصيب فحاربه فقتله وسبى نساءه وذراريه واستقامت خراسان وفيها توفي خالد بن الحرث وبشر بن المفضل وابو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري وفيها مات عبد الله بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بسلمية في ربيع الأول، وفيها توفي علي بن عباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس في رجب وعمره خمس وستون سنة وستة أشهر وهو ابن أخي السفاح والمنصور وفيها توفي عمر بن يونس منصرفه من الحج باليمامة، وفيها توفي عباد بن عباد بن العوام الفقيه ببغداد وتوفي شقران بن علي الزاهد بالأندلس وكان فقيها وفيها توفي راشد مولى عيسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وكان قد دخل المغرب مع إدريس بن عبد الله بن الحسن وقام بعده بأمر البربر أبو خالد يزيد بن الياس.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|