المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



حقوق الأولاد  
  
7919   03:52 مساءً   التاريخ: 28-6-2017
المؤلف : مركز الرسالة
الكتاب أو المصدر : الحقوق الاجتماعية في الاسلام
الجزء والصفحة : ص66ـ101
القسم : الاسرة و المجتمع / الحياة الاسرية / الأبناء /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-9-2016 2022
التاريخ: 12-1-2016 2189
التاريخ: 19-6-2016 2055
التاريخ: 2023-04-03 2217

ضمن الإسلام للأولاد حقاً أساسياً ، وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، وهو (حق الوجود) ، وللتدليل على ذلك نجد أن تعاليم الإسلام ، تشجع على اتخاذ الذّرية ، وانجاب الأولاد. فالإسلام كما هو معروف يحثُّ على الإكثار من النسل ، ويرى كراهية تحديده ، حتى نجد أن القرآن الكريم ، يعتبر الأبناء زينة الحياة الدنيا ، كما في قوله تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الكهف: 46] ، وينقل لنا أماني ورغبات الأنبياء من خلال الدعاء بأن يهب لهم الله تعالى الذّرية الصالحة، فعلى سبيل المثال ينقل لنا القرآن الكريم دعاء ابراهيم مع استجابة ذلك الدعاء: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ }[الصافات:100، 101] ، ويَنقلُ لنا أيضاً رغبة زكريا القوية بان يرزقه تعالى الذّرية وذلك ، عندما رأى ـ بأمّ عينيه ـ القدرة الإلـهية متمثلةً في رزق مريم الإعجازي :{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}[آل عمران: 38]. وقد صوّر لنا القرآن الكريم بأسلوبه البلاغي الرائع ، ما كان عليه زكريا من الشوق إلى الولد ، وخشيته من البقاء فرداً ، كما في قوله تعالى :{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ }[الأنبياء: 89] ، وكيف انه سبحانه استجاب له دعاءه ؛ لأنه كان أهلاً لاستجابة الدعاء :{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبياء: 90] وفي كلِّ ذلك ، تلميح لنا ، بأنْ ندعو الله تعالى أنْ يرزقنا كما رزقهم الذرّية الصالحة.

أضف إلى ذلك أنَّ السُّنة النبوية ـ القولية والفعلية ـ تشجع على الزواج، المصدر الشرعي والعرفي للأنجاب ، وتُنفّر أشدّ التنفير من العزوبيّة والرّهبانية ، يقول النبي (صلى الله عليه واله): (شرار موتاكم العزّاب)(1).

وتنقل لنا الرغبة النبوية ، بأنْ تكون أمته أكثر الأمم يوم القيامة (تناكحوا تكثروا ، فإنّي أُباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط ) (2).

ومن يطّلع على أحاديث أهل البيت (عليهم السلام): يلاحظ أنّ حقوق الأولاد تحتل مكانةً مرموقة في مدرستهم الإلهية ، وحول حق الولد في الوجود ، يجد أحاديث ترغّب الآباء بأنجاب الأبناء، لما في ذلك من قوة في العدد ، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا الصَّدد : (الولد أحد العددين) (3).

وأيضاً للاستعانة بهم في أوقات الحاجة أو الضرورة ، يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): (من سعادة الرّجل أن يكون له وُلدٌ يستعين بهم) (4).

إنَّ الولد يشكل الامتداد الطبيعي لوالديه، فمن خلاله ينقل الوالدان صفاتهما وافكارهما واخلاقهما، وفي كل ذلك امتداد معنوي لوجودهما.

ويبقى أن نشير إلى ان الآباء سوف ينالون الثواب نتيجة لاعمال أولادهم الحسنة من دعاء أو صدقة أو عبادة ، وما إلى ذلك. وهذا ـ بحد ذاته ـ حافز آخر ، يشجع على اتخاذ الذّرية ، من كل ذلك يوفر الولد للوالدين السعادة الدنيوية والأخروية. وعليه يقول الإمام الباقر (عليه السلام): (من سعادة الرّجل أن يكون له الولد ، يعرف فيه شبهه : خَلقه ، وخُلقه ، وشمائله) (5).

زد على ذلك ، ان الولد يديم ذكر والديه ، فاسمهم مقرون بإسمه ، وبذلك يُبقي اسمهم محفوراً

على لوحة الزّمان ، يقول الإمام علي (عليه السلام): (الولد الصالح أجمل الذّكرين) (6).

يضاف إلى هذا أنَّ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) : ، حاربت الانعزال والرَّهبنة والابتعاد عن الواقع والمجتمع، وشجعت على الزَّواج كأسلوب شرعي للشروع في تكوين الأسرة وانجاب الأطفال ، وفي هذا المجال ، جاء في بحار الاَنوار : أن امرأة سألت أبا جعفر ، فقالت : أصلحك الله إنّي متبتّلة، فقال لها : (وما التبتّل عندك) ؟ قالت : لا أريدُ التزويج أبداً ، قال :

(وَلِمَ) ؟ قالت : التمس في ذلك الفضل ، فقال : (انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة أحقّ به منك ، إنّه ليس أحد يسبقها إلى الفضل) (7).

من كلِّ ما تقدم ، نخرج بفكرة عامة ، هي أن الإسلام ـ متمثلٌ في القرآن والسُنّة بمعناها الاَعم ، أي قول المعصوم وفعله وتقريره ـ يؤكد ـ تصريحاً وتلميحاً ـ على ضرورة اتّخاذ الأولاد ، وهو من خلال هذا التوجه ، يضمن لهم (حق الوجود) ، بمعنى : أن يبرزوا من كتم العدم إلى حيّز الوجود ، حتى تستمر الحياة جيلاً بعد جيل ، إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.

أولاً : حق اختيار والدته :

للولد ـ قبل أن يتلبس بالوجود ـ حقٌ على أبيه ، وهو أن يختار له أمّاً صالحة ، يستودعها نطفته. وقد ثبت علمياً أنّ الصفات الوراثية الجسمية والمعنوية تنتقل عن طريق التناسل.

وقد سبق الوحيُ العلمَ في الكشف عن هذه الحقيقة المهمة ، وحثَّ على تدارك آثارها السلبيّة ، يقول النبي ـ وهو الناطق عن الوحي ـ مُوصياً : (تزوجوا في الحِجْزِ الصّالح فانّ العرق دسّاس)(8). ويقول أيضاً : (تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهنّ وأخواتهن) (9).

فمن الأهمية بمكان أن يختار الأب الزوجة ذات النسب ، حتى ينقل لولده صفات جسمية ومعنوية عالية ، تشكل له الدرع الواقي من الانحراف والانجرار وراء ضغط الغرائز الهابطة ، وأيضاً يوصي الإسلام بأن يختار الوالد أم أولاده من ذوات الدين والإيمان ، فتكون بمثابة صمّام أمانٍ يحول دون جنوح الاطفال عن جادة الحق والفضيلة ، وقد ضرب الله تعالى لنا مثلاً في امرأة نوح ، التي آثرت الكفر على الإيمان وخانت زوجها في رسالته ، وكيف أثّرت سلبياً على موقف ابنها من قضية الإيمان برسالة نوح ، وكانت النتيجة أن أوردته مناهل الهلكة : غَرَقاً في الدنيا ، وعذاباً في الآخرة ! ولقد دفعت العاطفة الاَبوية نوحاً إلى مناداة ابنه ليركب في سفينة النجاة مع سائر أهله ، ولكنه كان خاضعاً لتربية أمه المنحرفة ولضغط بيئته الكافرة ، فأصرَّ على الكفر ولم يستجب لنداء أبيه المخلص ، وتشبث بالأسباب المادية العادية فاعتقد أنّ اللجوء إلى الجبل سوف ينقذه من الغرق ، فلا الجبل أنقذه. ولا شفاعة أبيه اسعفته ، فكان من المغرقين.

اقرأ هذه الآيات بتمعن:{وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[هود: 45ـ46].

وهكذا نجد أنّ الأم الكافرة متمثلة في امرأة نوح تقف سداً منيعاً أمام إيمان ولدها ، وتشجعه على عقوق إبيه ، وعدم السمع والطاعة له.

وفي مقابل ولد نوح الذي يمثل الرَّفض والتمرّد ، نجد اسماعيل ولد ابراهيم يمثل الطاعة والامتثال لتوجهات أبيه ، وذلك عندما أُوحي إليه في المنام أن يذبحه ، فلم يترَّدد إسماعيل ـ فيما يوحي به النص القرآني:{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات: 102] وهذا الموقف الإسماعيلي المشرِّف ، لم ينطلق من فراغ ، بل كان نتيجةً طبيعية للتربية الإبراهيمية ، إذ تمكن إبراهيم من عزل ولده الوحيد عن ضغوط بيئته المنحرفة ، ولعل الأهم من ذلك أن هاجر ـ أُم إسماعيل ـ كانت امرأة مؤمنة صالحة ، هاجرت مع أبيه وتحملت معه معاناة الجوع والعطش والغربة ، عندما تركها إبراهيم في وادٍ غير ذي زرع ، فكانت صابرة محتسبة ، زرعت في ولدها بذور الحب والطاعة لوالده ولرسالته.

وعلى ضوء الهدى القرآني ، كانت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) : تركّز في توجهاتها التربوية والاجتماعية ، على أهمية ووجوب التفحص والتثبت عند اختيار الزَّوجة ، وأن ينظر الأب نظرة بعيدة الأفق يُراعي بها حق أولاده في الانتساب إلى أم صالحة ، ولا ينظر بعين واحدة فيركز عند الاختيار على مالها أو جمالها أو حسبها فحسب.

وصفوة القول : إنّ على الرجل أن يختار لنطفته المرأة المتدينة، فيفرزها عن غيرها ، ويستخلصها لنفسه كما تُسْتَخلص الزّبدة من ماء المخيض. ومن هنا أكد الإمام الصادق (عليه السلام) على ذلك بقوله: (تجب للولد على والده، ثلاث خصال : اختيار والدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه) (10).

ولا ننسى الإشارة إلى أنّ السُنّة قد حذّرت من الافتتان بالجمال الظاهري، وحثّت على النظر إلى الجمال الباطني المتمثل بالطهارة والإيمان، فعندما قال النبي مُحذراً : (إياكم وخضراء الدّمن) ، قيل : يا رسول الله وما خضراء الدّمن ؟ قال: (المرأة الحسناء في منبت السّوء) (11). كذلك حذرت السنّة المطهّرة من المرأة الحمقاء، تلك التي لا تُحسن التصرف؛ لضعف مستحكم في عقلها ، وكشفت عن الآثار السلبية التي تُصيب الأبناء من جراء الاقتران بالمرأة الحمقاء ، فالحديث النبوي يقول : (إياكم وتزوج الحمقاء ، فإنّ صحبتها بلاء ، وولدها ضياع) (12).

ويبقى أن نشير إلى أن الإسلام قد حرّم الزِّنا لعلل عديدة : منها ما يتعلق بحق الابناء في الانتساب إلى الآباء الشرعيين ، ومنها ما يتعلق بخلق أجواء عائلية نظيفة توفر للطفل حقه في التربية الصالحة ، وقد حدّد حقوقاً تترتب بدرجة أساسية على الأم التي تُشكل وعاءً للنسل ، فيجب عليها أن تصون نفسها ونسلها من كل شين ، حتى يبقى الولد قرير العين ، مطمئن النفس بطهارة مولده ، وحتى لا تظهر عليه علامات ولد الزِّنا ، وأمامنا شواهد معاصرة في الحضارة الغربية ، التي تشجع على الاختلاط والتبرج وتطلق العنان للشهوة الجامحة ، وتشكل بذلك أرضية ممهدة للعلاقات غير الشرعية بين الجنسين ، فكان من نتيجة ذلك ازدياد أعداد أولاد الزِّنا وما يرافق ذلك من مظاهر شاذّة كظاهرة أولاد الشوارع ، وتفشي الجريمة والسرقة ، الأمر الذي أدّى إلى تمزق النسيج الاجتماعي ، وهو أمر يهدد المجتمع الغربي عموماً بعواقب وخيمة.

ولقد حذّرت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام): من تلك العواقب من قديم الزمان ، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (ألا أخبركم بأكبر الزِّنا ؟.. هي امرأة توطئ فراش زوجها ، فتأتي بولد من غيره فتلزمه زوجها ، فتلك التي لا يكلمها الله ولا ينظر إليها يوم القيامة ، ولا يزكيها ، ولها عذاب عظيم) (13) ، وفي هذا الحديث إشارة إلى اختلال واختلاط الانساب فيصادر الزِّنا حق الابناء في الانتساب إلى آبائهم.

ويبين الإمام الثامن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) علة تحريم الزِّنا بقوله : (حُرم الزِّنا لما فيه من الفساد من قتل النفس ، وذهاب الانساب ، وترك التربية للأطفال ، وفساد المواريث ، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد) (14).

ولا يخفى ان هذه الامور فيها اعتداء صارخ على حق الطفل في الحياة والانتساب والتربية

والميراث. ولقد وجّه أحد الزنادقة سؤالاً إلى أبي عبدالله (عليه السلام) ، لِمَ حرّم الله الزِّنا ؟ فأجابه الامام برحابة صدر وسعة أفق قائلاً : (لِمَا فيه من الفساد ، وذهاب المواريث ، وانقطاع الأنساب ، لا تعلم المرأة في الزِّنا من أحبلها ، ولا المولود يعلم من أبوه ..) (15).

ولقد أصاب الإمام بذلك كبد الحقيقة ، من أن الزّنا يصادر حق الابن في الانتساب لأبيه ؛ كما كشف لنا الإمام الصادق (عليه السلام) عن علامات ولد الزِّنا ، وفي حديثه الآتي إشارة للآثار السلبية التي يفرزها إنكار حق المولود في الولادة الطبيعية والشرعية ، قال: (إنّ لولد الزّنا علامات: أحدها بغضنا أهل البيت ، وثانيها أنّه يحنّ إلى الحرام الذي خُلق منه ، وثالثها الاستخفاف بالدّين ، ورابعها سوء المحضر للنّاس ، ولا يسيء محضر إخوانه إلاّ من ولد على غير فراش أبيه ، أو حملت به أمّه في حيضها) (16).

من كلِّ ما تقدم ، اتضح لنا ، أنّ الإسلام يحث على اختيار المرأة الصالحة، ويعتبر ذلك من حقوق الولد على أبيه ، وأيضاً للولد ـ قبل ان يُخلق ـ حق عظيم على أُمُّه، بأن تحصّن نفسها وتحافظ على عفّتها ، ولا تنزلق إلى الزّنا فتحرم المولود من حق الانتساب إلى أبيه ، وتضيّع حقه في الإرث والتمتع بالسمعة الطيّبة.

ثانياً : حقوق ما بعد الولادة :

1 ـ حق الحياة :

إنَّ للطفل ـ ذكراً كان أو أُثنى ـ حقّ الحياة ، فلا يبيح الشرع لوالديه أن يطفئا شمعة حياته بالوأد أو القتل أو الاجهاض. ولقد شنَّ الإسلام حملة قوية على عادة (الوأد) التي كانت متفشية في الجاهلية، وتساءَل القرآن مستنكراً ومتوعداً:{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } [التكوير:8، 9] واعتبر ذلك جريمة كبرى لا يمكن تبريرها ـ بحال ـ حتى في الحالات الاضطرارية كحصول المجاعة. وكانوا يقتلون أولادهم خوفاً من الفقر، كما في قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام:151]. وفي آية أُخرى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}[الإسراء:31].

والملاحظ في الآية الأولى ، إنّه تعالى قدّم رزق الآباء على رزق الأبناء، وفي الآية الاخرى ، نجد العكس ، إذْ قدّم رزق الأبناء على الآباء ، فما السرّ في ذلك ؟ وهل كان التعبير عفوياً ؟ بالطبع لا ؛ لأن التعبير القرآني قاصد ودقيق ، لا يقدّم كلمة أو يُؤخر أُخرى إلاّ لغاية وحكمة.

وعند التأمل العميق نجد ان قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ}[الأنعام: 151]. توحي بأن الفقر موجود بالفعل ، والمجاعة قائمة ، ولمّا كان اهتمام الإنسان في تلك الازمان يتمحور حول نفسه ، يخشى من هلاكها ، لذا يُطمئنه الخالق الحكيم في هذه الآية بانّه سوف يضمن رزقه أولاً ، ومن ثم رزق أولاده في المرتبة الثانية ، يقول له:{نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام: 151]. أي يا أصحاب الاِملاق نحن نأتي برزقهم أيضاً.

بينما في الآية التالية ، يقول تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ}[الإسراء: 31] ، أي : خوفاً من فقر سوف يقع في المستقبل ، وبتعبير آخر : من فقر محتمل الوقوع ، وهنا يُطمئنه الرَّبّ تعالى بضمان رزق أبنائه أولاً ؛ لأنه يخاف إن جاءه أولاد أن يأتي الفقر معهم فيقول له مُطمئناً :{نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}[الإسراء: 31].

فالمعنى ـ في الآيتين ـ ليس واحداً ، وكلّ آية تخاطب الوالدين في ظرف معين ، ولكن تتحد الآيتان في الغاية وهي الحيلولة دون الاعتداء على حياة الأبناء. ثم إنّ الجاهلية كانت تمارس سياسة التمييز بين الجنسين بين الذكر والأنثى فتعتدي على حياة الإناث بالوأد الذي كان يتمّ في

صورة بشعة وقاسية ، ويفتقد إلى أدنى العواطف الإنسانية ، حيثُ كانت البنت تُدفن وهي حية!..

ينقل مؤلف المختار من طرائف الأمثال والأخبار :( سُئل عمر بن الخطاب عن أعجب ما مرَّ به في حياته.

فقال : هما حادثتان : كلمّا تذكرت الأولى ضحكت ، وكلمّا تذكرت الاَخرى بكيت ..

قيل له : فما الأولى التي تُضحكك ؟

قال : كنت في الجاهلية أعبد صنماً من العجوة ، فإذا دار العام أكلت هذا الصنم ، وصنعت من البلح الجديد صنماً غيره !

قيل له : وما الاَخرى التي تبكيك ؟

قال : بينما كنت أحفر حفرة لوأد ابنتي ، كان الغبار يتناثر على لحيتي ، فكانت ابنتي هذه تنفض عن لحيتي هذا الغبار ، ومع ذلك فقد وأدتها ) (17) !!!.

إزاء هذه الممارسات الهمجية ، الوحشية ، الخالية من الإنسانية ، والتي كانت تُرتكب في عصر الجاهلية ، عمل الإسلام على تشكيل رؤية جديدة لحياة الإنسان ، رؤية تعتبر الحياة ليست حقا فحسب ، بل هي أمانة إلهية أودعها الله سبحانه وتعالى لدى البشر ، وكل اعتداء عليها بدون مبرِّر شرعي يُعد عدواناً وتجاوزاً يستحق الإدانة والعقاب الأخروي ، فليس من حق أية قوة غير إلـهية سلب هذه الوديعة المقدسة ، والله تعالى هو واهب الحياة ، وله وحده الحق في سلبها.

وأيضاً عمل الإسلام على تشكيل وعي اجتماعي جديد بخصوص الأنثى ، وقد كان الجاهليون لا تطيب نفوسهم بولادتها كما يقول القرآن الكريم:{أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }[النحل: 58، 59]. ولقد اختار النبي الأكرم أفضل السُّبل لإزالة هذا الشعور الجاهلي تجاه الأنثى ، والذي كان يتسبب في زهق أرواح مئات الفتيات كل عام ، ففضلاً عن تحذيره من العواقب الأخروية الجسيمة المترتبة على ذلك ، اعتبر من قتل نفساً بغير حق جريمة كبرى ينتظر صاحبها القصاص العادل.

ومن جانب آخر زرع النبي في وعيهم أن الرّزق بيد الله تعالى ، وهو يرزق الإناث كما يرزق الذكور ، فأشاع بذلك أجواء الطمأنينة على العيش ، وكان الجاهليون يقتلون الإناث خوف الفقر. أضف إلى ذلك استعمل النبي لغةً وجدانيةً شفافة ، فتجد في السُنّة القولية عبارات تعتبر البنت ريحانة ، والبنات هن المباركات ، المؤنسات ، الغاليات ، المشفقات.. وما شابه ذلك ، وكشاهد من السُنّة القولية وردّ (عن حمزة بن حمران يرفعه قال : أتى رجل وهو عند النبي ، فأُخبر بمولود أصابه ، فتغيّر وجه الرّجل !! فقال له النبيّ : (ما لكَ) ؟ فقال : خير ، فقال : (قُل). قال : خرجت والمرأة تمخض ، فأُخبرت أنّها ولدت جارية !! فقال له النبيّ: (الأرض تقلّها ، والسَّماء تظلّها ، والله يرزقها وهي ريحانة تشمّها ..) (18) ؟. وقد أكد الإمام علي ، ذلك التوجه النبوي بقوله : (كان رسول الله إذا بُشّر بجارية ، قال : ريحانة ، ورزقها على الله عزّ وجلّ) (19).

ولقد أعطى النبي أُنموذجاً حياً يعدُّ قدوةً في السلوك مع ابنته فاطمة ، ينقل الحسني في سيرة الأئمة عن بنت الشاطئ في حديثها عن بنت النبي: لما ولدت فاطمة (استبشر أبواها بمولدها ، واحتفلا به احتفالاً لم تألفه مكة في مولد أنثى) (20) ، ويظهر ذلك أيضاً من الأسماء والالقاب العديدة التي منحها إياها صلى الله عليهما ، فقد نقل الحسني عن الأستاذ توفيق أبي علم ، في كتابه أهل البيت : ( إنّ للسيدة فاطمة الزهراء تسعة أسماء فاطمة ، والصدّيقة ، والمباركة ، والطاهرة ، والزكية ، والمحدثة ، والزهراء ، والبتول ، وسيدة نساء أهل الجنة ، واضاف إلى ذلك (أبو علم) أنه كان يُطلق عليها : أم النبي ؛ لأنّها كانت وحدها في بيته بعد موت أمّها ، تتولى رعايته والسهر عليه) (21) ، وتنقل كتب السيرة أيضاً عن النبي أنه كان يمنحها حبّه ، ويسبغ عليها عطفه بحيث أنه كان اذا سافر كانت آخر الناس عهداً به ، وإذا رجع من سفره كانت أولَ الناس عهداً به ، وكان إذا رجع من سفر أو غزاة ، أتى المسجد فصلى ركعتين ، ثم ثنّى بفاطمة (22).

صحيح أن النبي قد استشف من وراء الغيب السر المكنون فيها .. وأن الذّرية الطاهرة من بضعته الزَّهراء ، وأنهم سوف يتابعون المسيرة التي بدأها ولن يفترقوا عن الكتاب حتى يردوا على النبي الحوض ، ولكن الصحيح أيضاً أنّ النبي الأكرم أراد أن يرسم لنا صورة مشرقة في التعامل مع البنت ، ذلك النوع من التعامل الاجتماعي الذي غيبته الجاهلية. ولقد سار أئمة أهل البيت : على خطى جدّهم العظيم ، واقتفوا آثاره في تغيير النظرة التمييزية السائدة ، التي تحط من الأنثى لحساب الذكر ولا تقيم لها وزناً.

قال الحسن بن سعيد اللّخمي: ولد لرجل من أصحابنا جارية ، فدخل على أبي عبدالله ، فرآه متسخّطاً ، فقال له أبو عبدالله: (أرأيت لو أنّ الله تبارك وتعالى أوحى إليك ! : أن أَخْتَارُ لك ، أو تختار لنفسك ، ما كنت تقول) ؟ قال : كنت أقول : يا ربِّ تختار لي ، قال: (فإنّ الله قد اختار لك)(23). بهذه الطريقة الحكيمة أزاح الإمام الصادق رواسب الجاهلية المتبقية في نفوس الآخرين.

على ان الأكثر إثارة في هذا الصَّدد أن بعضهم اتّهم زوجته بالخيانة ، لا لشيء إلاّ لكونها ولدت جارية ! وعندئذ دحض الإمام الصادق هذا الرأي السقيم ، الذي لا يستقيم على سكة العقل ولا الشرع ، وكشف عن الرؤية القرآنية البعيدة.

عن ابراهيم الكرخي ، عن ثقة حدّثه من أصحابنا قال : تزوجت بالمدينة ، فقال لي أبو عبدالله: (كيف رأيت) ؟ قلت: ما رأى رجل من خيرٍ في امرأة إلاّ وقد رأيته فيها ، ولكن خانتني ! فقال: (وما هو) ؟ قلت : ولدت جارية ! قال : (لعلّك كرهتها ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا}[النساء:11] (24).

وعن الجارود بن المنذر قال : قال لي أبو عبدالله: (بلغني أنّه ولد لك ابنة فتسخطها ! وما عليك منها ؟ ريحانة تشمَّها ، وقد كُفيت رزقها ..) (25).

ولابدّ من التنويه على ان الإمام الصادق قد قلب النظرة التمييزية التي تُقدِّم الذَّكر على الأنثى ، رأساً على عقب ، وفق نظرة دينية أرحب ، وهي أن البنين نِعَمٌ ، والبنات حسنات ، والله تعالى يَسأل عن النِعَم ويثيب على الحسنات .. قال في هذا الصدد : (البنات حسنات ، والبنون نِعمة ، فإنما يثاب على الحسنات ، ويُسأل عن النعمة) (26).

وعلى ضوء ما تقدم نجد أن مدرسة أهل البيت : مارست عملية (الإخلاء والإملاء) :إخلاء العقول من غواشي ورواسب الجاهلية ، وانتهاكها الصارخ لحق المولود في الوجود.

واملاء العقول بأفكار الإسلام الحضارية، التي تبين للإنسان مكانته في الكون ، وتصون حياته ، وتكفل حريته وكرامته ، وتراعي حقوقه منذ نعومة أظفاره ، وعلى الخصوص حقه في الوجود، وعلى الأخص حق البنات في الحياة.

2 ـ حق الولد في الاسم الحَسن :

للبعض أسماء جميلة ، تحمل معاني سامية ، وتولّد مشاعر جميلة ، فتجذبك للشخص المسمى بها كما يجذب شذا الأزهار النحل. وللبعض الآخر أسماء سمجة ، مفرغة من أي مضمون ، وتحسّ عند سماعها بالضيق والاشمئزاز. وما أعظم التأثير النفسي والاجتماعي للإسم ، الذي نطلقه على اطفالنا ، فكم من الأولاد قد أرّق اسمه البشع ليله ، وقضَّ مضجعه ، نتيجة الاستهزاء والازدراء الذي يلاقيه من مجتمعه ، فيتملكه إحساس بالمرارة والتعاسة من اسمه الذي أصبح قدراً مفروضاً عليه كالوشم على الجلد تصعب إزالته ، وهناك بالطبع نفوس قوية ، لم تسمح لسحابة الاسم السوداء أن تنغص حياتها ، فعملت على تغيير اسمها السيء واستأصلته .. كما يستأصل الجرّاح الماهر خلية السرطان.

ولم يهمل الإسلام كدين يقود عملية تغيير حضارية كبرى ، شأن الاسم ، وكان النبي يقوم بتغيير الاسماء القبيحة أو الاسماء التي تتنافى مع عقيدة التوحيد ، واعتبر من حق الولد على والده ، ان يختار له الاسم المقبول ، قال رسول الله: (إنّ أوّل ما ينحل أحدكم ولده الاسم الحسن ، فليحسن أحدكم اسم ولده) (27). وقد بيّن في حديث آخر الأبعاد الأخروية المترتبة على الاسم ، فقال: (استحسنوا أسماءكم فإنكم تُدعون بها يوم القيامة: قُم يا فلان ابن فلان إلى نورك ، وقم يا فلان ابن فلان لا نور لك) (28).

جدير ذكره ان أحسن الأسماء أسماء الانبياء والمرسلين والأئمة : والصالحين ، يقول الرسول موصياً : (سمّوا أولادكم أسماء الأنبياء) (29) ، ويقول الإمام الباقر: (أصدق الأسماء ما سُمّي بالعبوديّة ، وخيرها أسماء الأنبياء صلوات الله عليهم) (30) . والملفت للنظر ان الرسول الأكرم بقدر ما كان حريصاً على تغيير الأسماء القبيحة في الرّجال والبلدان ، كان سخياً بالمقابل في منح الأسماء الحسنة لأهل بيته : وأصحابه والمحيطين به. تروي كُتب السيرة : ان بشرى ولادة الحسن عندما زفت إلى النبي وأطلّ على الحياة سبطه الأول من حبيبته ووحيدته فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، سارع رسول الله إلى دار فاطمة ، فَدُفع إليه هذا المولود المبارك ، فأخذه بيديه ، وأذَّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ثم قال لعلي: (أي شيء سميت ابني ؟ قال : ما كنت لاسبقك بذلك) ، فقال: ولا أنا سابق ربي به. فهبط جبريل : فقال : يا محمد ، إنّ ربك يُقرئك السلام ، ويقول لك : علي منك بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبيَّ بعدك ، فسمِّ ابنك هذا باسم ولد هارون ، فقال : وما كان اسم ابن هارون يا جبريل ؟ قال : شُبَّر ، فقال : إنّ لساني عربي ، فقال : سمِّه الحسن. فسمّاه حسناً وكنّاه أبا محمد) (31).

ولما وُلِد الحسين: ( جيء به إلى جده رسول الله فاستبشر به ، وأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، فلما كان اليوم السابع ، سمّاه حسيناً ، وعق عنه بكبش ، وأمر أُمّه أن تحلق رأسه ، وتتصدق بوزن شعره فضة كما فعلت بأخيه الحسن ، فامتثلت ..) (32).

إنّ التعاليم النبوية التي تؤكد على حق الولد في الاسم الحَسِن ، لم تنطلق من فراغ ، أو تثار من أجل الترف ، بل تنطلق من منظار حضاري ، ينظر للعواقب المترتبة على غمط هذا الحق أو التهاون فيه ، فالتعاليم النبوية تتفق مع معطيات العلم الحديثة بدليل : (ان علم النفس قد اكتشف ـ أخيراً ـ علاقة وثيقة بين الإنسان واسمه ولقبه. ويضرب علماء النفس لنا ـ مثلاً ـ رجلاً اسمه (صعب) فإن دوام انصباب هذه التسمية في سمعه ووعيه ، يطبع عقله الباطن بطابعه ، ويَسِمُ أخلاقه وسلوكه بالصعوبة.. وذلك لا ريب هو سر تغيير الرَّسول أسماء بعض الناس ، الذين كانت أسماؤهم من هذا القبيل ، فقد أبدل باسم (حرب) اسماً آخر هو (سمح) فهناك ـ إذن ـ وحي مستمر توحيه أسمائنا ويلوّن إلى حدٍ كبير طباعنا) (33).

لقد وضع الأئمة: نصب أعينهم هذا الحق وضرورة مراعاته ، وثمة شواهد عديدة على ذلك منها، قول الإمام موسى الكاظم: (أوّل ما يبرّ الرّجل ولده أن يسمّيه باسم حسن ، فليحسن أحدكم

اسم ولده) (34).

كما بين الإمام الصادق المنافع التي يجنيها من ينحل أولاده اسماً يحاكي به أسماء الأئمة : ، فعندما قيل لابي عبدالله: جعلت فداك إنّا نسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك ؟ فقال : (إي والله وهل الدّين إلاّ الحبّ ؟ قال الله:{إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[آل عمران: 31] ) (35).

فالاسم ـ تبعاً لما تقدم ـ ليس مجرد لفظ يُكتب بالمداد على شهادة الميلاد ، بل هو حق طبيعي للمولود ، يعيّن هويته ، وتتفتح نفسه الغضة على مضمونه البديع .. كما تتفتح براعم الزّهور في الربيع.

3 ـ حق التأديب والتعليم :

لا شك أن السنوات الأولى من عمر الطفل ، هي أهم مراحل حياته ، ومن هذا المنطلق يؤكد علماء التربية على ضرورة الاهتمام الزائد بالطفل ، وأهمية تأديبه بالآداب الحسنة.

قال سيد الموحدين ، الإمام علي مبيّناً أهمية الأدب وأرجحيته على غيره .. : (خير ما ورّث الآباءُ الأبناء الأدبَ) (36).

وقال: ( إنّ الناس إلى صالح الأدب ، أحوج منهم إلى الفضّة والذّهب) (37).

وسلّط حفيده الإمام الصادق أضواءً معرفية أقوى ، فكشف عن العلة الكامنة وراء تفضيل الأدب على المال بقوله : (إنَّ خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدب لا المال ، فإنّ المال يذهب والأدب يبقى ..) (38).

وينبغي الإشارة إلى أن موضوع (أدب الأطفال) قد احتل مساحةً واسعة من أحاديث أهل البيت:  فنجد تأكيداً على المبادرة إلى تأديب الأحداث قبل أن تقسو قلوبهم ويصلب عودهم ؛ لأن الطفل كورقة بيضاء تقبل كل الخطوط والرُسوم التي تنتقش عليها ، يقول الإمام علي لولده الحسن: (إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ، ما أُلقي فيها من شيء قبلته ، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ، ويشتغل لبّك) (39).

وكان ذلك ديدن الأئمة : فمع ما كانوا عليه من العصمة يولون لأدب أولادهم عناية خاصة ، وكان أبوهم علي أديب النبي ، يتبعه اتّباع الفصيل لأمه ، فأورث أدبه الراقي لأولاده من بعده ، وكلاهما يضيء من مشكاةٍ واحدة هي مشكاة الوحي ، يقول صادق أهل البيت : (أدّبني أبي بثلاث .. قال لي : يا بنيَّ من يصحب صاحب السّوء لا يسلم ، ومن لا يقيّد ألفاظه يندم ، ومن يدخل مداخل السّوء يتّهم) (40).

ـ أدب الطفل في مدرسة أهل البيت :

يمكن إبراز الخطوط الأساسية لمدرسة أهل البيت في بيان تأديب الطفل وتعليمه في النقاط التالية:

أ ـ لا تقتصر تربية الأولاد على الأبوين فحسب بل هي مسؤولية اجتماعية تقع أيضاً على عاتق جميع أفراد المجتمع. وحول هذه النقطة بالذات ، يقول الإمام الصادق: (أيّما ناشئ نشأ في قوم ثمّ لم يؤدّب على معصية ، فإنّ الله عزّ وجلّ أوّل ما يعاقبهم فيه أن ينقص من أرزاقهم) (41).

فالإمام يحدّد المسؤولية الجماعية عن الظواهر الاجتماعية السلبية ، ويكشف عن الترابط القائم بين التربية والتعليم ، وبين الوضع الاقتصادي ، فكل انحراف في التربية سوف يؤثر سلباً على الاقتصاد ، فللمعصية آثار تدميرية على المجتمع ، لذلك نجد القرآن الكريم ، ينقل دعوة النبي هود لقومه بالتوبة من المعصية والاستغفار كشرط أساسي لنزول المطر الذي حُبس عنهم ثلاث سنين:{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}[هود: 52] فرؤية آل البيت : تنطوي على ضرورة تأديب أفراد المجتمع وخصوصاً الأحداث منهم على الطاعة ، وتميل إلى أن المسؤولية في ذلك لا تناط بالوالدين فحسب ، وإنّ كان دورهم أساسياً ، وإنّما تتسع دائرتها لتشمل الجميع ، فالسُنّة الاجتماعية بطبيعتها تنطبق على الجميع بدون استثناء.

ب ـ من الضروري مراعاة عمر الطفل ، فلكل عمر سياسة تربوية خاصة ، فمدرسة أهل البيت: سبقت المدارس التربوية المعاصرة بالأخذ بمبدأ (التدرج) وهو مبدأ التزمت به المناهج التربوية المعاصرة ، بعد أنْ اثبتت التجارب العملية فائدته وجدواه ، ويمكن لنا أن نأتي بشواهد على ذلك ، ففيما يتعلق بالتربية الدينية ، يؤدب الطفل على الذكر لله إذا بلغ ثلاث سنين ، يقول الإمام الباقر: (إذا بلغ الغلام ثلاث سنين فقل له سبع مرّات: قل: لا إله إلاّ الله ، ثم يُترك..)(42). ثم نتدرج مع الطفل فنبدأ بتأديبه على الصلاة ، يقول الإمام علي: (أدّب صغار أهل بيتك بلسانك على الصلاة والطهور، فإذا بلغوا عشر سنين فاضرب ولا تجاوز ثلاثاً)(43) بعد ذلك : (يؤدّب الصّبي على الصّوم ما بين خمسة عشر سنة إلى ستّ عشرة سنة) كما يقول الإمام الصادق (44).

وفي أثناء هذه الفترات يمكن تأديب الطفل على أُمور أُخرى لا تستلزم بذل الجهد ، كأن نؤدبه على العطاء والإحسان إلى الآخرين ، ونزرع في وعيه حبّ المساكين ، وفي هذا الصَّدد يقول الإمام الصادق: (مُر الصّبي فليتصدق بيده بالكسرة والقبضة والشيء ، وإن قلّ ، فإنّ كلَّ شيء

يراد به الله ـ وإن قلّ بعد أن تصدق النية فيه ـ عظيم ..) (45).

وهنا يبدو من الأهمية بمكان الاشارة إلى أن الأئمة : يتبنون بصورة عامة تقسيماً (ثلاثياً) لحياة الطفل ، ففي كل مرحلة من المراحل الثلاث ، يحتاج الطفل لرعاية خاصة من قبل الأبوين، وأدب وتعليم خاص، استقرأنا ذلك من الاحاديث الواردة في هذا المجال ، وكشاهد على تبنيهم التقسيم الثلاثي ، نورد هذه الرّوايات الثلاث :

عن النبي الأكرم: (الولد سيّد سبع سنين ، وعبد سبع سنين ، ووزير سبع سنين ، فإن رضيت خلائقه لأحدى وعشرين سنة ، وإلاّ ضُرب على جنبيه ، فقد أعذرت إلى الله) (46).

وقد نسج الإمام الصادق على هذا المنوال فقال : (دع ابنك يلعب سبع سنين ، ويؤدب سبع سنين، والزمه نفسك سبع سنين ، فإن أفلح ، وإلاّ فإنَّه لا خير فيه) (47) ، فمن خلال هاتين الروايتين نجد تقسيماً ثلاثياً لمرحلة الطفولة ، كل مرحلة تستغرق سبع سنين ، فالمرحلة الأولى هي مرحلة لعب ، والثانية مرحلة أدب ، والثالثة مرحلة تبني مباشر للطفل وملازمته كظله.

وفي الرّواية الثالثة نجد انها تلتزم هذا التقسيم لكن مع اختلاف طفيف إذ تجعل مدّة المرحلة الأولى والثانية ست سنين وتُبقي المرحلة الثالثة على عددها أي سبع سنين : عن الحسن الطّبرسي في مكارم الأخلاق نقلاً عن كتاب المحاسن عن الامام الصادق قال : (احمل صبيّك حتى يأتي عليه ستّ سنين ، ثمّ أدّبه في الكتاب ستّ سنين ، ثم ضمّه اليك سبع سنين فأدّبه بأدبك، فإن قبل وصَلُح وإلاّ فخلّ عنه) (48).

ج‍ ـ ينبغي عدم الاِسراف في تدليل الطفل ، واتباع أُسلوب تربوي يعتمد على مبدأ الثواب والعقاب ، كما يحذّر أئمة أهل البيت : من الأدب عند الغضب ، يقول أمير المؤمنين (لا أدب مع غضب) (49) ، وذلك لأن الغضب حالة تحرك العاطفة ولا ترشد العقل ، ولا تعطي العملية التربوية ثمارها المطلوبة بل تستحق هذه العملية ما تستحقه الأمراض المزمنة من الصبر والأناة وبراعة المعالجة. فالطفل يحتاج إلى استشارة عقلية متواصلة ؛ لكي يدرك عواقب أفعاله ، وهي لا تتحقق ـ عادة ـ عند الغضب الذي يحصل من فوران العاطفة وتأججها ، وبدون الاستشارة العقلية المتواصلة ، لا تحقق العملية أهدافها المرجوة ، فتكون كالطرق على الحديد وهو بارد.

وعند تمعننا المتأني في أحاديث أهل البيت: نجد أنّ هناك رخصة في اتباع أسلوب (الضرب) مع الصبي في المرحلة الثانية دون المرحلة الطفولة الأولى ، منها قول الإمام علي: (أدّب صغار أهل بيتك بلسانك على الصّلاة والطّهور ، فإذا بلغوا عشر سنين فاضرب ولا تجاوز ثلاثاً)(50).

ولكن بالمقابل نجد أحاديث أُخرى تحذر من اتباع أسلوب الضرب ، منها قول بعضهم : شكوت إلى أبي الحسن موسى ابناً لي ، فقال : (لا تضربه ولا تطل) (51).

ويمكن الجمع بين الأمرين ، بأنّ اسلوب الضرب ـ من حيث المبدأ ـ غير مجدٍ على المدى البعيد، ولكن لابدَّ منه في حالات استثنائية مهمة ، وخاصة في ما يتعلق بأداء الفرائض الواجبة من صلاة وصيام ، والضرورة تقدر بقدرها لذلك نجد الإمام علي يقول : (... فاضرب ولا تجاوز ثلاثاً) ، وعليه يجب الابتعاد ـ ما أمكن ـ عن ضرب الأطفال ؛ لانه ثبت تربوياً انه يُؤثر سلباً على شخصيتهم ولا يجدي نفعاً ، ولا مانع من اتباعه في حالات خاصة بقدر ، كالملح للطعام.

ولابدَّ من التنويه على ان مدرسة أهل البيت : تراعي طاقة الطفل ، فلا تكلفه فوق طاقته ، بما يشق عليه.

عن الحلبي ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه ، قال : (إنا نأمر صبياننا بالصلاة ، إذا كانوا بني خمس سنين ، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين. ونحن نأمر صبياننا بالصوم إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم إن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل ، فاذا غلبهم العطش والغرث افطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه ، فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما استطاعوا من صيام اليوم ، فاذا غلبهم العطش افطروا) (52).

وضمن هذا التوجه يستحسن ، تكليف الطفل بما يَقْدِرُ عليه ، كالقيام ببعض أعمال البيت ، مثل ترتيب الفراش ، وتنظيف الاَثاث ، والقاء الفضلات في أماكنها ، وتهيئة وتنسيق مائدة الطعام وأدواته ، والعناية بحديقة المنزل ، وما إلى ذلك من أعمال بسيطة تنمي روح العمل والمبادرة لدى الطفل ، وتعوده على الاعتماد على نفسه.

وهناك حق آخر للطفل مكمل لحقه في اكتساب الأدب ألا وهو حقّ التعليم ، فالعلم كما الأدب وراثة كريمة ، يحث أهل البيت : الآباء على توريثه لأبنائهم. فالعلم كنز ثمين لا ينفذ. أما المال فمن الممكن ان يتلف أو يسرق ، وبالتالي فهو عرضة للضياع. ومن هذا المنطلق ، يقول الإمام علي: (لا كنز أنفع من العلم) (53). ثم إنَّ العلم شرف يرفع بصاحبه إلى مقامات سامية ولو كان وضيع النسب ، يقول الإمام علي: (العلم أشرف الأحساب) (54).

فمن حق الولد على الوالد أنْ يسعى لاكتسابه هذا الشرف العظيم منذ نعومة أظفاره ، ومن حقه أيضاً على الأب أن يُورِثه هذا الكنز المعنوي الذي لا يُقَدَّر بثمن ، والذي هو أصل كل خير. قال الشهيد الثاني في كتاب منية المريد : (اعلم أن الله سبحانه وتعالى جعل العلم هو السبب الكلي لخلق هذا العالم العلوي والسفلي طرّاً ، وكفى بذلك جلالة وفخراً. قال الله في محكم الكتاب ، تذكرة وتبصرة لأولي الألباب:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق: 12].

وكفى بهذه الآية دليلاً على شرف العلم ، لا سيّما علم التّوحيد الّذي هو أساس كلّ علم ومدار كلّ معرفة ) (55).

ولما كان العلم بتلك الأهمية ، يكتسب حق التعليم مكانته الجسيمة ، لذلك نجد أن الحكماء يحثون أولادهم على كسب العلم ، وفاءً بالحق الملقى على عواتقهم. يقول الإمام الصادق: (كان فيما وعظ لقمان ابنه ، أنه قال له : يا بنيّ اجعل في أيّامك ولياليك نصيباً لك في طلب العلم ، فإنك لن تجد تضييعاً مثل تركه) (56). كما نجد الأئمة : يعطون هذا الحق ما يستحقه من عناية ، لا سيّما وأن الإسلام يعتبر العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، وهذه الفريضة لا تنصبّ على الأب والام فحسب بل تنسحب إلى أولادهما ، لذا نجد الإمام علياً يؤكد على الآباء بقوله : (مروا أولادكم بطلب العلم) (57).

ولما كان العلم في الصِّغر كالنقش على الحجر ، يتوجب استغلال فترة الطفولة لكسب العلم أفضل استغلال ، وفق برامج علمية تتبع مبدأ الأولوية ، أو تقديم الأهم على المهم ، خصوصاً ونحن في زمن يشهد ثورة علمية ومعرفية هائلة ، وفي عصر هو عصر السرعة والتخصص. ولقد أعطى أهل البيت : لتعلم القرآن أولوية خاصة ، وكذلك تعلم مسائل الحلال والحرام ، ذلك العلم الذي يمكِّنه من أن يكون مسلماً يؤدي فرائض الله المطلوبة منه ، وللتدليل على ذلك ، نجد أن من وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسن: (.. أبتدأتك بتعليم كتاب الله عزّ وجلّ وتأويله ، وشرائع الإسلام وأحكامه ، وحلاله وحرامه ، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره) (58).

وأيضاً نجد في هذا الصَّدد ما قاله أحدهم للإمام الصّادق: (إنّ لي ابناً قد أُحبّ أن يسألك عن حلال وحرام ، لا يسألك عما لا يعنيه ، فقال: (وهل يسأل النّاس عن شيءٍ أفضل من الحلال والحرام) (59) ؟! وزيادة على ضرورة تعليم الاطفال العلوم الدينية من قرآن وفقه ، تركز السُنّة النبوية المعطرة على أهمية تعلم الطفل لعلوم حياتية معينة كالكتابة والسباحة والرَّمي ، وسوف أورد بعض الروايات الواردة في هذا الخصوص.

منها : قول الرسول الأكرم: (من حق الولد على والده ثلاثة: يحسن اسمه ، ويعلّمه الكتابة ، ويزوّجه إذا بلغ) (60). إذن فتعليم الكتابة حق حياتي تنقشع من خلاله غيوم الجهل والأميّة عن الطفل.

وفي حديث نبوي آخر، نلاحظ أنّ حق تعليم الكتابة يتصدر بقية الحقوق الحياتية للطفل ، قال: (حقّ الولد على والده أن يعلّمه الكتابة ، والسّباحة ، والرّماية ، وأن لا يرزقه إلاّ طيّباً) (61).

وهناك نقطة جوهرية كانت مثار اهتمام الأئمة : وهي ضرورة تحصين عقول الناشئة من الاتجاهات والتيارات الفكرية المنحرفة من خلال تعليمهم علوم أهل البيت: واطلاعهم على أحاديثهم ، وما تتضمنه من بحر زاخر بالعلوم والمعارف. وحول هذه النقطة بالذات ، يقول الإمام علي: (علّموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به لا تغلب عليهم المرجئة برأيها) (62) ، وقال الإمام جعفر الصادق: (بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن يسبقكم اليهم المرجئة) (63).

ومن المعلوم أن فكر المرجئة حينذاك يملي للظالمين ويمدّ لهم حبال الأمل في النجاة ؛ لأنه يرفض الثورة على الحاكم الظالم ، ويرجئ حسابه إلى يوم القيامة ، ويعتبر الفاسق الذي يرتكب الكبائر مؤمناً ! لأجل ذلك النشء اهتم الأئمة: بتحصين فكر النشىء الجديد ضد التيارات الفكرية المنحرفة والوافدة ، من خلال الدعوة إلى تعليم الأطفال الافكار الإسلامية الأصيلة التي تُستقى من منابع صافية.

4 ـ حق العدل والمساواة :

إنّ النظرة التمييزية للأطفال ـ وخصوصاً بين الذكر والأنثى ـ تزرع بذور الشقاق بين الأشقاء ، وتحفر الاَخاديد العميقة في مجرى العلاقة الاَخوية بينهما ، فالطفل ذو نفسية حساسة ، ومشاعره مرهفة ، فعندما يحسّ أنّ والده يهتم كثيراً بأخيه ، سوف يطفح صدره بالحقد عليه. وقد يحدث أن أحدَ الوالدين أو كليهما يحب أحد أولاده ، أو يعطف عليه ـ لسبب ما ـ أكثر من إخوته ، وهذا أمر طبيعي وغريزي ، ولكن إظهار ذلك أمام الإخوة ، وإيثار الوالدين للمحبوب بالاهتمام والهدايا أكثر من إخوته ، سوف يؤدي إلى تعميق مشاعر الحزن والأسى لدى الآخرين ، ويفرز مستقبلاً عاقبةً قد تكون وخيمة. وعليه فالتزام العدالة والمساواة بين الاولاد يكون أشبه بمانعة الصواعق ، إذ تحيل العدالة والمساواة من حصول أدنى شرخ في العلاقة بين أفراد الأسرة ، وإلاّ فسوف تكون عاملاً مشجعاً لانطلاق مشاعر الغيرة والحقد فيما بينهم.

وفي قصة يوسف درس في كيفية معاملة الأبناء بالعدل والمساواة .. فهذا يوسف قريب من قلب والده يعقوب لأنه توسّم فيه أَمارات النبوّة ، لذا آثره على إخوته ، فأثار ذلك حفيظتهم وبغضاءهم ، وظهرت أمارة ذلك عليهم ، مما دفع يعقوب إلى تحذير يوسف عندما قصَّ عليه رؤياه وما تحمل من إرهاصات في رفعته وعلوّ شأنه ، بأنْ قال له:{يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}[يوسف: 5] ويحث الأئمة : على الاستفادة من هذا الدَّرس القرآني الذي لا يُنسى ، وقد وضعوه نصب أعينهم.. فعن مسعدة بن صدقة قال : قال جعفر ابن محمد: (قال والدي: والله إنّي لأصانع بعض ولدي ، وأجلسه على فخذي ، وأُكثر له المحبّة ، وأكثر له الشّكر ، وإنّ الحقّ لغيره من ولدي ، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره ، لئلا يصنعوا به ما فعل بيوسف إخوته ..) (64).

وهناك عدة شواهد من السُنّة النبوية تعطي وصايا ذهبية للوالدين في هذا المجال ، وتكشف عن الحقوق المتبادلة بين الجانبين ، حيثُ يلزم الوالد من الحقوق لولده ، ما يلزم الولد من الحقوق لوالده، يقول: (إنّ لهم عليك من الحقّ أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحقّ أن يبرّوك)(65) ، وأيضاً يقول: (اعدلوا بين أولادكم في النُّحْلِ ـ أي العطاء ـ كما تحبّون أن يعدلوا بينكم في البرّ واللّطف) (66).

فهنا نجد نظرة أرحب وأعمق للحق ، فكما أنَّ للأب حق البِّر ، عليه بالمقابل حق العدالة ، فالحقوق يجب أن تكون متبادلة ، وكلٌّ يتوجب عليه الإيفاء بالتزاماته ، ويمكن التدليل على عمق النظرة النبويّة من قوله: (إنّ الله تعالى يحبّ أن تعدلوا بين أولادكم حتّى في القُبَل) (67) !. صحيح أنّ القاعدة العامة في الإسلام تجاه الأبوين ، هي قاعدة الإحسان ، لا قاعدة العدل ، فلا يسوغ للابن أن يقول : إن أبي لا يعطيني ، فأنا لا أُعطيه ، أو إنّه لا يحترمني فلا احترمه ؛ ذلك إنّ الأب هو السبب في منح الحياة للولد وهو أصله. ولكن الصحيح أيضاً هو أن يتبع الآباء مبدأ العدل والمساواة في تعاملهم مع ابنائهم ، ليس فقط في الاُمور المعنوية من اعطاء الحنان والعطف والتقبيل بل أيضاً في الاُمور المادية ، في العطيّة ، فقد وصّى النبي الأكرم الآباء بقوله: (ساووا بين أولادكم في العطيّة ، فلو كنت مفضّلاً أحداً لفضّلت النّساء) (68).

5 ـ حقوق الأولاد المالية :

لا شك أن على الوالدين واجباً مالياً تجاه أولادهما ، وهو وجوب الانفاق على معيشتهم ، وتوفير حوائجهم الحيويّة من طعام ولباس وسكن وما إلى ذلك ، والشريعة تعتبر الاقربين أولى بالمعروف ، والدينار الذي يُنفق على الأهل أعظم أجراً من الذي ينفق في موارد خيرية أُخرى. كما أن الأولاد يرثون من الوالدين ، فلا يُجوّز الشرع المقدس حرمان الأولاد من نيل حقوقهم المفروضة لهم ـ كطبقة أُولى من طبقات الارث ـ إلاّ في موارد نادرة كالارتداد ، أو قتل الوالدين. وحول ميراث الأولاد ، قال عزّ من قائل:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء: 11ـ12] ورب سائل يسأل ويقول : ذكرتم في الفقرة السابقة عن حق الأولاد في العدالة والمساواة ، وعدم التفرقة بين الاولاد في العطاء ، فلماذا يعطي القرآن يا ترى للذكر مثل حظ الانثيين ؟

لقد طُرح هذا السؤال قديماً على الأئمة : وكان جوابهم واحداً .. ( عن اسحاق بن محمّد النَّخَعي قال : سأل الفهفكي أبا محمد: ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ، ويأخذ الرّجل سهمين ؟ فقال أبو محمد: (إن المرأة ليس عليها جهاد ، ولا نفقة ، ولا عليها معقُلة ، إنما ذلك على الرّجال). فقلت في نفسي قد كان قيل لي : إنّ ابن أبي العوجاء سأل أبا عبدالله عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب ، فأقبل أبو محمد عليَّ فقال : (نعم ، هذه المسألة مسألة ابن أبي العوجاء ـ وكان زنديقاً ـ والجواب منّا واحد ) (69).

وهناك تحليلات أُخرى للاَئمة : صفوة القول فيها : إنّ الرّجل يُعطي للمرأة الصَّداق ، وهو حق جعله الله تعالى لها وحدها ، زد على ذلك ، أنّ الرّجل هو المعيل للمرأة ، وليس عليها إعالته. وعليه فإن هذا الاختلاف بين الأولاد الذكر والانثى في الميراث هو عين العدالة.

والقرآن يصرح بأنّ أولاد الأنبياء قد ورثوا من آبائهم:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}[النمل: 16]. حتى إن الإمام علياً استشهد بهذه الآية المباركة على حق فاطمة الزهراء بوراثة أبيها محمد قائلاً : (هذا كتاب الله ينطق) فسكتوا وانصرفوا (70) ! وقد منع أبو بكر فاطمة إرث أبيها بدعوى ان النبي قال : (نحن معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة) ، وهذا القول كما لا يخفى يخالف صريح القرآن ، وقد ولَّد صدمةً نفسية حادّة لبنت المصطفى ، لإحساسها العميق بالغبن ، وعدم قدرتها على نيل حقوقها ، الأمر الذي اسهم بقسط في وفاتها.

بقي علينا أنْ نشير إلى أنّ الأنبياء والأوصياء والصالحين ، قد الزموا أنفسهم بحق الوصية لأبنائهم ، والقرآن الكريم قد نقل لنا وصية إبراهيم لبنيه:{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[البقرة: 132ـ133].

وتنقل لنا النصوص الإسلامية وصية قديمة وقيّمة هي وصية آدم إلى ابنه شيت نقتبس منها : (..إذا نفرت قلوبكم من شيء فاجتنبوه ، فإني حين دنوت من الشّجرة لأتناول منها نفر قلبي ، فلو كنت امتنعت من الأكل ، ما أصابني ما أصابني) (71).

وقد استخدم الأئمة : الوصية أداة تنويرية ، وكأسلوب لإيصال أفكارهم النيّرة ، وإرشاداتهم الخيّرة للأجيال التالية ، فمن خلال الوصية يُطلعون أبناءهم على ثوابتهم العقائدية ، وعلى خلاصة تجربتهم الحياتية.

إقرأ بتمعن هذه الفقرات المنتخبة من وصايا الإمام علي لفلذة كبده الحسن وسوف تدرك ـ بلا شك ـ صفاء بصيرته ، وطهارة وجدانه ، وعمق إنسانيته : (أُوصيك بتقوى الله أي بنيّ ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله. وأيُّ سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن أنت أخذت به ! أحي قلبك بالموعظة ، وأمته بالزّهادة ، وقوّه باليقين ، ونوّره بالحكمة ، وذلِّـله بذكر الموت .. واعلم يا بنيَّ أنَّ أحبّ ما أنت آخذ به إليَّ من وصيتي ، تقوى الله ، والاقتصار على ما فرضه الله عليك، والأخذُ بما مضى عليه الأولون من آبائك، والصّالحون من أهل بيتك..)(72).

وأيضاً اقرأ هذا المقطع من وصيته لولده الحسين  ، يضمّنه أسمى المعاني وأجمل المشاعر : (يا بنيَّ أوصيك بتقوى الله في الغنى والفقر ، وكلمة الحقّ في الرّضا والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، وبالعدل على الصّديق والعدوّ ، وبالعمل في النّشاط والكسل ، والرّضى عن الله في الشدّة والرّخاء ..) (73).

وقد سلك بقية العترة الطاهرة هذا المسلك ، يوصي السابق منهم اللاحق ، ولا يتّسع المجال لذكر جميع وصاياهم : ، وفيما أوردناه كفاية لما أردناه.

وفي نهاية هذا المطلب ، يبدو من الضروري بمكان ، ان نلخّص ما توصلنا إليه من نقاط البحث بالقول : إن للولد على أبيه حقوقاً عديدة منها : ما يسبق ولادته ، كحقه في الوجود وحق اختيار والدته.

ومنها ما يُوجب له بعد ولادته : كحقه في الحياة ، فلا يجوز إطفاء شمعة حياته بالوأد والقتل ، وكحقه بانتحال الاسم الحَسِن ، وتعهده بالتأديب والتربية الصالحة ، وتعليمه العلوم والمعارف الضرورية والنافعة ، ومعاملة الأولاد بالعدل والمساواة ، والاِنفاق عليهم بسخاء ، وعدم مصادرة حقوقهم المالية الواجبة ، وعدم البخل عليهم بالوصايا النافعة للدنيا والآخرة. وعلى هذا الصعيد لابدَّ من الاستشهاد في نهاية المطاف برسالة الحقوق للإمام زين العابدين الذي استلهم بنودها من معدن الرسالة ومعين النبوة ، وما أروع الصورة البيانية التي يرسمها الإمام السجاد لحقوق الأولاد عندما يقول : (.. وحق ولدِكَ أن تعلم أنه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره ، وانك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عزّ وجلّ ، والمعونة على طاعته. فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه ، معاقب على الإساءة إليه) (74).

_____________

1ـ بحار الأنوار 103 : 220.

2ـ المحجّة البيضاء 3 : 53.

3ـ المعجم المفهرس لألفاظ غرر الحكم 3 : 3171 / 1668 وفيه : ( الولد أحد العدوّين ) ، غرر الحكم : 73 / 1668.

4ـ فروع الكافي 6 : 5 / 2 باب فضل الولد.

5ـ فروع الكافي 6 : 7 / 2 باب شبه الولد.

6ـ المعجم المفهرس لألفاظ غرر الحكم 3 : 3171 / 1665.

7ـ بحار الأنوار 103 : 219.

8ـ كنز العمال 16 : 296 / 44559 ، والحِجْز : الأصل.

9ـ كنز العمال 16 : 295 / 44557.

10ـ بحار الأنوار 78 : 236.

11ـ بحار الأنوار 103 : 232.

12ـ فروع الكافي 5 : 354 / 1 باب 30 كتاب النكاح.

13ـ بحار الأنوار 79 : 26.

14ـ بحار الأنوار 79 : 24.

15ـ بحار الأنوار 103 : 368.

16ـ بحار الأنوار 75 : 279 ـ 280.

17ـ المختار من طرائف الأمثال والأخبار ، نبيه الداموري : 29 ، الشركة العالمية للكتاب ط 1987 م.

18ـ فروع الكافي 6 : 5 / 6 باب فضل البنات من كتاب العقيقة.

19ـ البحار 104 : 98.

20ـ سيرة الأئمة الاثني عشر ، هاشم معروف الحسني ـ القسم الأول : 65 ـ 67 ، دار التعارف للمطبوعات ط 1406 ه‍.

21ـ سيرة الأئمة الاثني عشر ، هاشم معروف الحسني ـ القسم الاول : 65 ـ 67 ، دار التعارف للمطبوعات ط 1406 ه‍.

22ـ أُنظر سيرة الأئمة الاثني عشر ، هاشم معروف الحسني ـ القسم الاول : 68.

23ـ فروع الكافي 6 : 10 / 10 باب فضل البنات.

24ـ فروع الكافي 6 : 8 / 1 باب فضل البنات.

25ـ فروع الكافي 6 : 9 / 9 باب فضل البنات.

26ـ فروع الكافي 6 : 9 / 8 باب فضل البنات.

27ـ بحار الأنوار 104 : 130.

28ـ فروع الكافي 6 : 22 / 10 باب الاسماء والكنى.

29ـ بحار الأنوار 104 : 92.

30ـ بحار الأنوار 104 : 129.

31ـ الإمام الحسن بن علي ، محمد حسن آل ياسين : 16 ، ط. الاولى.

32ـ في رحاب أئمة أهل البيت 2 : 47.

33ـ مواطنون .. لا رعايا ، خالد محمد خالد : 22.

34ـ فروع الكافي 6 : 21 / 3 باب الاسماء والكنى.

35ـ بحار الانوار 104 : 130. والآية من سورة آل عمران 3 : 31.

36ـ غرر الحكم.

37ـ غرر الحكم.

38ـ روضة الكافي 8 : 207 / 133 ، والمراد بالأدب هنا : العلم ، صرح بهذا مسعدة بن صدقة راوي الحديث.

39ـ بحار الانوار 77 : 201.

40ـ بحار الانوار 78 : 261.

41ـ بحار الانوار 10 : 78.

42ـ بحار الأنوار 104 : 95.

43ـ تنبيه الخواطر : 390.

44ـ بحار الأنوار 102 : 162.

45ـ الوسائل 6 : 261 / 1 باب 4 من أبواب الصدقة.

46ـ الوسائل 15 : 195 / 7 باب 83 من أبواب أحكام الاولاد.

47ـ بحار الأنوار 104 : 95.

48ـ الوسائل 15 : 195 / 6 باب 83 من أبواب أحكام الاولاد.

49ـ المعجم المفهرس لألفاظ غرر الحكم 2 : 74 / 10529.

50ـ تنبيه الخواطر : 390.

51ـ بحار الأنوار 79 : 102.

52ـ فروع الكافي 3 : 409 / 1 باب صلاة الصبيان ومتى يؤخذون بها ، وأُنظر 4 : 125 / 1

باب صوم الصبيان ومتى يؤخذون بها من فروع الكافي أيضاً. والغرث : الجوع.

53ـ بحار الأنوار 1 : 165.

54ـ بحار الأنوار 1 : 183.

55ـ مقدمة مُنية المريد.

56ـ بحار الانوار 16 : 169.

57ـ كنز العمال 16 : 584 / 45953.

58ـ نهج البلاغة ـ ضبط صبحي الصالح ـ كتاب 31.

59ـ بحار الأنوار 1 : 294.

60ـ بحار الأنوار 74 : 80.

61ـ كنز العمال 16 : 443 / 45340.

62ـ الوسائل 21 : 578 / 5 باب 84 من أبواب أحكام الأولاد.

63ـ فروع الكافي 6 : 50 / 5 باب تأديب الولد ، وعنه في تهذيب الاحكام 8 : 111 / 381 ، والوسائل 21 : 476 ـ 477 / 1 باب 84 من أبواب أحكام الأولاد.

64ـ تفسير العياشي 2 : 166 / 2.

65ـ كنز العمال 16 : 446 / 45358 ، وقريب منه ما قبله برقم 45357.

66ـ كنز العمال 16 : 444 / 45347.

67ـ كنز العمال 16 : 445 / 45350.

68ـ كنز العمال 16 : 444 / 45346.

69ـ بحار الأنوار 104 : 328.

70ـ كنز العمال 5 : 625 / 14101 ، عن طبقات ابن سعد.

71ـ بحار الأنوار 78 : 453.

72ـ نهج البلاغة ـ ضبط صبحي الصالح ـ كتاب 31.

73ـ تحف العقول 88.

74ـ شرح رسالة الحقوق حسن القبانجي 1 : 581.




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.