أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-3-2021
![]()
التاريخ: 13-11-2017
![]()
التاريخ: 2023-08-29
![]()
التاريخ: 9-12-2020
![]() |
أراد الإسلام أن يتحسس المسلم مشاكل الناس، وخاصة أولئك الذين تضيق في وجوههم سُبل العيش المشروع، لذلك مجّد الجود وشجع على البذل والإنفاق كأسلوب تكافلي لابد منه. وكان أهل البيت (عليهم السلام): يتسلّقون ذرى المجد في الجود ، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : (إنّي لأرفع نفسي أن تكون حاجةٌ لا يسعُها جودي)(1). فالجود ـ إذن ـ يقود إلى البذل بالموجود، وأفضله في مقاييس مدرسة أهل البيت (عليه السلام): ما كان عن عسرةٍ ، لكي يُخرج المسلم من شرنقة الشح والبخل إلى فضاء العطاء والبذل، وفي هذا الصَّدد يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (أفضل الجود بذل الموجود)(2) وعنه (عليه السلام): (أفضل الجود ما كان عن عسرة)(3).
إضافة لما تقدّم ينبغي أن يكون البذل للمستحق وإلاّ كان عبثا لا طائل منه، أو كان لأجل السمعة الفارغة ومن أجل التباهي والرياء ليس إلاّ، وفي هذه الحالة يفقد غايته الأساسية كأسلوب تكافلي.
على أن الأكثر إثارة في هذا الصدد أن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) : تضع شرطاً ثالثاً لتحقق مفهوم الجود ، وهو أن للآخذ من الشكر أكثر مما للباذل ، لكونه قَبِل العطاء ، وهي تريد بذلك صون ماء وجه الأول، وطرد شبح المنّ أو الغرور من نفس الثاني أو المعطي. وهذا الشرط فيه دلالة عميقة تعكس عمق توجهات هذه المدرسة المقدسة ، وسموّ مفاهيمها وسعة أفقها ، وفي هذا الجانب قال الإمام الصادق (عليه السلام) : (لا يكون الجواد جواداً إلاّ بثلاثة : يكون سخيّاً بماله على حال اليسر والعسر، وأن يبذله للمستحقّ ، ويرى أنّ الذي أخذه من شكر الذي أسدى إليه أكثر مما أعطاه)(4).
وعموماً فالإنفاق أو العطاء هو من أعظم ما يعتني بأمره الإسلام ، وقد توسل إليه بطرق مختلفة كالزكاة والخمس والكفارات المالية وأقسام الفدية ، وعن طريق الوقف والوصايا والهبة وما إلى ذلك. وإنما يريد بذلك من المسلمين أن يواسوا إخوانهم وأن لا يدفنوا رؤوسهم في رمال اللامبالاة بالآخرين. والقرآن في عشرات الآيات يحثّ على الإنفاق ويمتدح الذين يمارسونه في السّر والعلن، وينوّه بمعطياته الاجتماعية. ومن هذه الآيات قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}[البقرة:267].
والقرآن يمتدح الإنفاق المؤدي إلى النفع ويذمه إذا أدى إلى المنّ أو الضَّرر، لأنه لا يؤدي غايته التكافلية المطلوبة ، قال تعالى :{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة: 262].
والإنفاق الخالص لوجه الله تعالى محمود في جميع الأوقات والحالات، فهو يمتد كخيط متين لربط أفراد المجتمع فيما بينهم ويستأصل شأفة الفقر كأكبر آفة اجتماعية ، قال تعالى :{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة: 274].
ويرى العلامة الطباطبائي ; بأنّ استيفاء الأزمنة والأحوال في الإنفاق للدلالة على اهتمام هؤلاء
المنفقين في استيفاء الثواب ، وإمعانهم في ابتغاء مرضاة الله ، وإرادة وجهه ، فوعدهم الله تعالى وعدا حسناً بلسان الرأفة والتلطف (5).
وعن ابن عباس: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب (عليه السلام)؛ كانت معه أربعة دراهم، فتصدق بواحد ليلاً وبواحد نهاراً وبواحد سراً وبواحد علانية ، قال الطبرسي: وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام)(6).
وكان المؤمنون لما نزلت آيات الإنفاق على إطلاقها ينفقون كل ما يقع تحت أيديهم بحيث وصل البعض منهم إلى حالة من العسر بعد يساره بفضل روح التكافل التي راحت تتقد في داخلهم ، إذ كان نطاق الإنفاق على أوسع مدى، فأخذ البعض منهم يسأل الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن مقدار الإنفاق وحدوده. فكان الجواب القرآني هو التالي :{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}[البقرة: 219].
والعفو ما زاد عن الحاجة ، فالإسلام دين يسر وسماحة لا يكلف الإنسان فوق طاقته وقدرته.
من جانب آخر سعى الإسلام إلى إزالة الحواجز النفسية التي تحول دون الإنطلاق في مسيرة الإنفاق، وحاول طمأنة الخواطر التي تخشى من حالة الفقر إذا ما أقدمت على البذل والعطاء، قال تعالى مُطَمْئِناً المؤمنين :{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ: 39].
هذا الوعد بالتعويض بالدنيا، أما في الآخرة فيظهر من قوله تعالى :{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 272].
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا الصدد : (من يُعط باليد القصيرة يُعط باليد الطويلة أي ما ينفقه المرء من ماله في سبيل الخير وان كان يسيراً ، فان الله يجعل الجزاء عليه عظيما كثيرا )(7).
ودعا المؤمنين إلى التوقي من حالة الشُح في نفوسهم، وهي حاجز نفسي يحول دون إقدامهم على البذل والعطاء، قال عزَّ من قائل : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[التغابن:16].
ويتبع القرآن أسلوب الترغيب واعداً بالثواب الجزيل الذي ينتظر المنفقين ، قال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7].
أراد القرآن من المسلمين أن يرتقوا إلى مستوى أسمى من العطاء بحيث ينفقون ممَّا يُحبُّون ، ولا يقتصر الإنفاق على الأشياء الزائدة عن الحاجة وغير المرغوبة أو الرديئة الجودة ، أو تلك التي لا تميل النفس إلى الاحتفاظ بها قال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}[آل عمران: 92].
وكان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) يزرع في وعي المسلمين مفهوم السخاء السليم البعيد عن الرّياء والبذخ والإسراف، والمرتكز على طاعة الله وفي سبيله، قال (صلى الله عليه وسلم) : (ولا يسمى سخياً إلا الباذل في طاعة الله ولوجهه، ولو كان برغيف أو شربة ماء)(8). وكان مفهوم السخاء في الجاهلية يرتكز على الأنانية والإسراف وتتحكم فيه الأهواء والمصالح الذاتية، فصحح النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا المفهوم بحيث يقوم على طاعة الله ويحقق الهدف التكافلي المطلوب منه كإطعام الطعام للجياع أو سقي الماء للعطاشىٰ، قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : (من أدّى ما افترض الله عليه فهو أسخى النّاس)(9).
وهناك أحاديث عديدة عن أهل بيت العصمة : تحث على الإنفاق ولو كان قليلاً ، وتحذر من
البخل وما يتركه من آثار تدميرية على بنية المجتمع وعواقب اُخروية تطال الفرد، منها إثارة سخط الله. قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :(لا تستحِ من إعطاء القليل فإنّ الحرمان أقل منه)(10).
وعن العواقب غير المحمودة لمن بخل بالنفقة يحدثنا الإمام الباقر (عليه السلام) بقوله : (ما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يُرضي الله إلاّ ابتلى بأن ينفق أضعافها فيما أسخط الله)(11).
نستخلص مما تقدم أن في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام): أُسساً للتكافل الاجتماعي تقوم على هرم من المبادئ والقيم الحضارية التي تدفع الإنسان لكي يواسي إخوانه ويمدّ يد العون لهم. وهذه القيم بمثابة النجم الذي يهتدون به ويسيرون وراء خيوط الضوء المنبعثة عنه.
____________
1- معاني الأخبار / الشيخ الصدوق : 401 ، انتشارات إسلامي ، طبعة 1361 ش.
2- عيون الحكم والمواعظ : 169.
3- المصدر السابق ص 119.
4- المصدر السابق ص 111.
5- تحف العقول / ابن شعبة الحراني : 318 ، مؤسسة النشر الإسلامي ، ط 2 / 1404 ه.
6- انظر : تفسير الميزان 2 : 400 ، تفسير الآية (274) من سورة البقرة.
7- انظر : مجمع البيان / الطبرسي 2 : 204 ، تفسير الآية (274) من سورة البقرة.
8- تصنيف نهج البلاغة / بيضون : 731.
9- مصباح الشريعة / المنسوب للإمام الصادق (عليه السلام) : 83 ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت ط 1 ـ 1400 ه.
10- مكارم الأخلاق / الشيخ الطبرسي: 136 ، منشورات الشريف الرضي ، ط 6ـ 1392 هـ.
11- نهج البلاغة ، الحكمة 67.
|
|
دخلت غرفة فنسيت ماذا تريد من داخلها.. خبير يفسر الحالة
|
|
|
|
|
ثورة طبية.. ابتكار أصغر جهاز لتنظيم ضربات القلب في العالم
|
|
|
|
|
ضمن مشروع الملف الاستنادي.. قسم الشؤون الفكرية يعلن عن تسجيل أكثر من 900 مكتبة في بغداد
|
|
|