الاكتئاب ليس هو الحزن العادي لفقد عزيز، او فوت فرصة عمل، او فشل بالحب، او خيبة امل، او مرض ما يدوم ايام قليلة او اسابيع تُعَد على الاصابع، انما الاكتئاب المرضي هو مرض حقيقي يجهل كنهه كثير من الناس، بل وكثير من الاطباء ايضاً.

وفي الاكتئاب المرضي هناك دوما خسارة مادية او معنوية، وان كانت اسبابه الحقيقية كامنة في أعماق أعماق النفس، في مراكز العواطف والانفعالات لأسباب...، وانما الخسارة تأتي كالقشة التي قَصَمَت ظهر البعير، فتنكسر المعاوضة النفسية او المناعة النفسية بعد ذلك بأيام او اسابيع قليلة.

ففي حالة فقد عزيز مثلا ترى ذلك الشخص متماسكاً قوياً صابرا لرفع معنويات الاخرين، وحياء من ان يبكي امامهم، ولكنه ينهار ويتهاوى على نفسه بعد مدة من الزمن (2-4) اسابيع يبدو ذلك في صورة احاسيس قاسية من لوم الذات وتأنيب الضمير، والبكاء المستمر، واليأس والقنوط والعزلة، ولكنها تستمر الاسابيع تلو الاسابيع، والشهور تلو  الشهور، عند ذلك يكون الاكتئاب هو التشخيص الواقعي.

ومساكين حقا هم مرضى الاكتئاب، فهم يعانون آلاماً نفسية مبرحة وعذابا داخليا لا يحتمل، ولكن قلَّ من يصدقهم او يتصور ما يعانون منه، انه مرض النار الصامتة، حيث يحترق فؤاد المريض دون ان يشعر به احد، فالذي يؤلمه ضرسه يذهب الى طبيب الأسنان ويعالجه، والذي لديه قولنج كالوي تظهر حصياته بالصورة، وصاحب الكسر يظهر كسره بالأشعة ، اما صاحب الاكتئاب فهو يعاني ويعاني آلاماً اكثر من آلام صاحب الكسر او القولنج، والذي يعقد الحالة ان تخطيط قلبه طبيعي.. صورة صدره طبيعية .. تنظير معدته طبيعي .. تصوير الكولون هناك غازات.. ام التحاليل المخبرية وللأسف فكلها طبيعية، ولا يوجد أي تحليل نوعي يشخص الاكتئاب عن طريق معايرة الامينات الدماغية الوسطية، فهي شديدة التعقيد والكلفة، والذي يدل على شدة ما يعانيه مرض الاكتئاب من العذاب ان بعضهم يدمر ذاته بالنهاية، وينتحر عند اول مناسبة، او يحاول الانتحار على الأقل.