المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

Aurifeuillean Factorization
9-9-2020
تفسير سورة العلق من آية ( 2-18)
2024-02-28
التشريع العملي
10-9-2016
ابناء يعالجون ثم ينتكسون.. ما السر وراء ذلك؟!!
12-1-2016
Sloppy Agar
12-2-2020
حقوق يمكن للأجنبي ممارستها
2023-04-05


الغلط في الإباحة (( الإباحة الظنية))  
  
7162   02:03 مساءً   التاريخ: 15-4-2017
المؤلف : مجيد خضر احمد عبد الله
الكتاب أو المصدر : نظرية الغلط في قانون العقوبات
الجزء والصفحة : ص237-270
القسم : القانون / القانون العام / المجموعة الجنائية / قانون العقوبات / قانون العقوبات العام /

مقتضى هذه الحالة ، أن يعتقد الفاعل أن فعله الذي أقدم عليه ينضوي تحت سبب من أسباب الإباحة التي ينص عليها القانون ، اعتقاداً ناجماً عن غلط ناجم عن توهم خاطئ بوجود وقائع يستند إليها سبب الإباحة خلافاً للواقع ونقيضاً للحقيقة (1) . فالغلط في الإباحة ما هو إلاّ تصور مغلوط للواقع من جانب الفاعل مقتضاه توفر أحد أسباب الإباحة في فعله يقوم في ذهن الفاعل ومخيلته فحسب دون الواقع(2).ويعني ذلك توهم الفاعل توافر سبب الإباحة بكل شروطه مع انه في الحقيقة كان متخلفا ، إذ يعتقد غلطاً توافر الوقائع التي يقوم عليها سبب الإباحة في وقت لا تكون فيه هذه الوقائع متوافرة في الواقع ، كمن يعتقد أن خطراً داهماً يهدّده ، فيقتل من ظن أنه مصدر الخطر ثم يتبين أنه لا وجود لأي خطر   إطلاقا (3) . أو كما لو أسند شخص إلى موظف واقعة من شأنها عقابه أو احتقاره معتقداً على سبيل الغلط توافر سبب الإباحة الوارد في الفقرة (2) من المادة (433) من قانون العقوبات العراقي ، ثم يتضح أن الواقعة التي أسندها إلى الموظف غير صحيحة .  أن توهم وجود الظرف أو السبب المبيح يكون له من الإباحة الأثر نفسه المترتب على وجود  هذا السبب فعلا ، بشرط أن يكون توهماً مغتفراً مبنياً على أسباب معقولة ، يقع فيها الرجل الاعتيادي لو أحاطت به الظروف والملابسات التي كابدها الفاعل عينها ، فرجل الشرطة الذي يقهر شخصا أبدى مقاومة ضده فيلحق به جروحا متعددة في سبيل القبض عليه، على حين لم يكن ذلك الشخص هو المقصود بأمر القبض  وإنما حصل لبس وخلط بسبب الشّبه الكبير بينهما ، لا يُسأل جنائيا عن جريمة إيذاء الشخص المذكور ، ولو كان استخدام المأمور العنف في غير مناسبته مع شخص لم يكن مقصوداً بأمر القبض ، إلاّ أن اعتقاده الخاطئ كان مبنياً على أسس مقبولة وأسباب معقولة تكمن في ذلك الشَبه المذهل بين الشخصين حدّاً يحمل الرجل الاعتيادي على الخلط بينهما لو وضع بمكان رجل الشرطة . وهكذا يمكن أن تأخذ البراءة الظنية حكم البراءة الواقعية ، لأن الظن الذي قامت عليه من شأنه أن يقوم في الرجل الاعتيادي نفسه لو وجد في ظروف الفاعل عينها . وإن البراءة الظنية لا تستبعد الجزاء الجنائي فقط بل الجزاء المدني أيضا ، على أساس تغليب مصلحة صاحب السلوك على مصلحة المصاب ، وكأن الأمر يتعلق واقعاً بسبب إباحة تماماً ، تحت ذريعة أن المصاب كان من جانبه دخْلٌ بالإصابة التي لحقت به (4). وإن استبعاد العقاب في هذه الحالة يعود إلى انتفاء القصد الجرمي ثم تخلف الركن المعنوي للجريمة ، نتيجة لتوهم الفاعل وجود سبب الإباحة بناءً على أسباب معقولة ووقائع ثابتة وملابسات حقيقية ، فالغلط في الإباحة يعني تخيّل الإنسان الاعتيادي العاقل وجود ظروف وملابسات ووقائع منطقية وحقيقية تؤكد أنه سلوك مشروع وغير معاقب عليه استناداً لأحد أسباب الإباحة . ومثال ذلك أن يقوم شخص بحسن نية باتهام موظف بارتكابه جريمة الرشوة بإسناد واقعة غير صحيحة ضده اعتماداً على كونه قد شاهد أحد الناس يعطيه نقوداً فظن أنه يرشيه ، فيظهر في الحقيقة غير ذلك (5) . والحق أن نظرية الغلط هذه مبنية على مبدأ عام في القانون مفاده ( إن الإنسان لا يكلف بما ليس في وسعه ، وإنه لا يكلف بمستحيل ) ، فلا يكون الفاعل مسؤولاً جنائياً أو مدنياً إذا ثبت أنه لم يرتكب الفعل إلاّ بعد التثبت والتحري والحيطة وإنه كان قد اعتقد مشروعية فعله بناءً على أسباب معقولة ، فعندئذ لا يتداركه أو يتفاداه الشخص الاعتيادي إلاّ من كان يسمو بذكائه وبفطنته عن المستوى الاعتيادي، والقانون لا يوجّه أحكامه إلى هؤلاء فقط وهم القِلّة النادرة . أما إذا قارف فعله بغير تحوط ولا تثبت ولا تحر ، فإن غلطه في تقدير الظروف أو الوقائع لن ينفي عنه سوى المسؤولية العمدية دون المسؤولية غير العمدية (6) . ولا يجوز الخلط هنا بين الغلط في الوقائع والغلط في القانون ، إذ إن الغلط في الوقائع إذا ما استند إلى حسن النية وبعض الأسباب المعقولة ، فإنه يصلح دفعاً يزحزح المسؤولية الجنائية عن الفاعل ولا سيما مع اتخاذ الفاعل جانب الحيطة والاستقصاء ، على حين لا يصلح الغلط في قانون العقوبات وفهمه دفعاً لها وإنْ استند إلى ما تقدم من أمور ، كمن يرتكب جريمة على أساس اعتقاده أن قانون العقوبات يبيحها ، على حين هو في الواقع لا يبيحها  فيعد مسؤولاً عن تبديد الأموال مَنْ يتصّرف في المحجوزات ثم يدفع قيمة الدين ولو كان يعتقد وقت التصرف أن قانون العقوبات يجيز له ذلك(7) . وبعد ، فإنه يتعين بحث حالة الغلط في الإباحة من خلال بيان موقف أبرز التشريعات الجنائية التي عالجت هذه الحالة على وفق نص عام يقرر قاعدة عامة في هذا الموضوع ، وموقف التشريعات الأخرى التي تركت الأمر موكولاً للفقه والقضاء ، أو التي أوردت تطبيقات في ثنايا القانون تعالج جوانب محددة من الموضوع من دون إيراد نص عام يكشف عن القاعدة التي يعتنقها، ثم لابد من بيان موقف التشريع الجنائي العراقي (8) .

أولاً : موقف أبرز التشريعات الجنائية التي تقرر نصّاً عاماً يعالج الموضوع

1.التشريع الجنائي الإيطالي

عرض المشرع الإيطالي بصراحة لحل هذه المسالة في الفقرة(  الثالثة ) من المادة (59) من قانون العقوبات الصادر عام 1930 قائلاً(( إذا اعتقد الفاعل عن طريق الغلط وجود ظروف تستبعد العقاب ، قُيّدت هذه الظروف لمصلحته دائماً ، ومع ذلك إذا كان الغلط أساسه خطأ فإن العقاب لا يُستبعَد إلاّ إذا نص القانون على عقاب الواقعة كجريمة غير عمدية))(9). وظاهر من هذا النص أن اعتقاد الفاعل على سبيل الغلط توافر أسباب الإباحة له أثر نافٍ للمسؤولية الجنائية عن الجريمة التي ارتكبها، ثم امتناع عقابه عنها ، على الرغم من أن سبب الإباحة  قد تخلًف واقعياً  ولم يتوافر إلاّ في ذهن الفاعل و وهمه   وخياله (10) .  أما الفقرة( الثانية) من المادة المذكورة فإنها تقرر أن الغلط في الإباحة في الجرائم العمدية يعد مانعاً من موانع المسؤولية لتخلّف القصد الجرمي لدى الفاعل ، ولو كان اعتقاده غير مبني على أسباب معقولة . أما في حالة الجرائم غير العمدية فإنها تقرر الأمر نفسه بشرط أن يكون اعتقاد الفاعل مبنياً على أسباب معقولة ، وإلاّ فبغير معقولية الاعتقاد يقوم القصد عند الفاعل وتقوم المسؤولية عن الجريمة(11).

2 . التشريع الجنائي السويسري

على هدي التشريع الإيطالي سار قانون العقوبات السويسري الصادر عام 1937  في المادة (19) منه،إذ نص فيها على أن (( كل من ارتكب تحت تأثير تقديره واعتقاده الزائف ، لواقعة من الوقائع ، فإنه يعامل طبقا لما قدّر   واعتقد ، إذا كان ذلك في مصلحته))(12).

3.التشريع الجنائي اليوغسلافي

قرر قانون العقوبات اليوغسلافي في المادة (9) منه نصاً عاماً يقرّر رفع المسؤولية عن الشخص الذي توهم وجو د الإباحة إذ نصت على أنه (( لا يُسأل جزائياً.... من توهم وقائع من شأنها أن تجعل فعله مشروعاً )) (13) .

4. نصت المادة (43) من قانون العقوبات الكويتي على مبدأ عام يحكم الموضوع بقولها:-  ((إذا ارتكب الفعل تحت تأثير غلط في الوقائع تحددت مسؤولية الفاعل على أساس الوقائع التي اعتقد وجودها إذا كان من شأنها أن تقدم مسؤوليته ... بشرط أن يكون اعتقاده قائماً على أسباب معقولة وعلى أساس من البحث والتحري ))(14) .

ثانياً :موقف أبرز التشريعات الجنائية التي لا تقرر نصا عاما يعالج الموضوع

اكتفت بعض التشريعات التي لم تنص على معالجة هذه الحالة صراحةً بالركون إلى ما تقرره المبادئ والقواعد العامة في القانون ، فالقصد الجرمي يتطلب إرادة متجهة إلى  ارتكاب الجريمة بجميع عناصرها وأركانها ، وعلم صحيح بجميع هذه العناصر والأركان ،  لا فرق في ذلك بين عناصر إيجابية يجب أن تقع لارتكاب الجريمة ، كالفعل والنتيجة والرابطة السببية ، وعناصر سلبية يجب أن تنتفي لقيام الجريمة ، كأسباب الإباحة . والعلم المتطلب لقيام القصد الجرمي هو العلم الحقيقي ، وإذا كان العلم بهذه العناصر والأركان غير حقيقي انتفى القصـــــــــــــــــــــــــــــــد الجرمي (15) . ومع ذلك فقد سارت هذه التشريعات على وفق هذا     النهج أحيانا وابتعدت عنه أحيانا أخرى . كما يأتي :-

1- بعض التشريعات الجنائية العربية

سكتت قوانين العقوبات في معظم الدول العربية عن معالجة حالة الإباحة الظنية في ظل قاعدة عامة تحكم أثر غلط الفاعل في سبب الإباحة في مسؤوليته ، إلاّ أن قوانين العقوبات في مصر(16)، وليبيا (17) ، والكويت (18)، وسورية ولبنان (19)، قد تضمنت أحكاماً وتطبيقات محددة لحالات فردية تعالج الغلط الذي يقع فيه الموظف بمناسبة تأديته واجبه ، وأحياناً تعالج الغلط الذي يقع فيه الشخص في حالة الدفاع الشرعي ، بيد أننا آثرنا تفصيل موقف القانون والفقه المصري ، بوصفه رائداً في معالجة هذا الموضوع ، ولأن معظم القوانين العربية وفقهاءها متأثرون بالفقه المصري وسائرون في ركبه وعلى مذهبه. فالمشرع المصري أورد أحكاما وتطبيقات محددة لحالتين فرديتين ،هما حالة الغلط في الدفاع الشرعي( المادة /249 ، والمادة / 250 منه)، وحالةالغلط   في أداء الواجب( المادة / 63منه )، مقررا فيها أنه يعتد بغلط الفاعل في الإباحة لاستبعاد المسؤولية الجنائية والعقاب على وفق التفصيل اللاحق .  ومن هذه النصوص يمكن أن تتبلور نظرية  تتضمن  قاعدة عامة تحكم وتبين أثر الغلط في الإباحة بصورة عامة في  مسؤولية الفاعل من حيث امتناعها على وفق شروط معينة، لأن الأحكام الواردة في الحالتين المذكورتين (الدفاع  الشرعي ، وأداء  الواجب)  تعبران عن اتجاه عام يتبناه المشرع  ويتّسق مع المبادئ العامة في القصد الجرمي (20). بعد ، فإن الفقه الحديث يكاد الإجماع ينعقد فيه على أن الغلط في الإباحة لا يعدل الإباحة نفسها ، أي لا تتعادل الإباحة الظنية الاعتيادية – من حيث الأثر القانوني – مع الإباحة الواقعية ، ومن ثم لا يمكن أن تؤدي تلك الإباحة الظنية الوهمية إلى مشروعية فعل الجاني ، لأن الأصل في أسباب الإباحة أنها ذات طبيعة موضوعية ، فلابد أن تتوافر هذه الأسباب فعلاً وأن تستجمع شروطها حتى تنتج آثارها ،  ولا يغني عن توافرها مجرد توهم ذلك ، كما لا ينظر إلى علم الفاعل بتوافرها وتكاملها ، فالبحث في أسباب الإباحة يتجه إلى حقائق الأشياء ومادياتها لا إلى اعتقاد الفاعل الذي يكون بعيداً عن الحقيقة ، بيد أن الغلط في توافر هذه الأسباب وتوهم تكاملها وإنْ كان لا يؤدي إلى إباحة الجريمة ، فإنه يمكن أن ينفي القصد الجرمي تماماً كما يفعل الغلط في عناصر الكيان الموضوعي للجريمة ، لأن الوقائع التي يقوم عليها سبب الإباحة هي عناصر سلبية للجريمة يتعين التثبت من انتفائها لكي يتحقق للجريمة وجودها ، والقصد الجرمي يفترض علماً محيطاً بعناصر الجريمة الإيجابية أو السلبية على حدٍ سواء ، والقصد ينتفي بالغلط الذي ينفي هذا العلم . وذلك يعني أن الغلط في الإباحة يعادل – من حيث القيمة القانونية – الغلط في أركان الجريمة ، فكل منهما ينتفي به القصد الجرمي . وأكثر من ذلك، أن الغلط من شأنه أن ينفي الخطأ أيضاً إذا كان الاعتقاد بتوافر الوقائع التي يقوم عليها سبب الإباحة مستنداً إلى أسباب معقولة من شأنها إيقاع الشخص في الغلط نفسه لو  إنه وجد في مثل ظروف الفاعل ، وعندئذ لا وجه لنسبة الخطأ إلى الفاعل.  أما إذا كان الخطأ ناجماً عن إهمال الفاعل وتقصيره ، فهو ينفي القصد الجرمي عندئذ ويبقي الخطأ(21) .   وعلى النقيض من هذا الرأي ، ذهب رأي آخر في الفقه مفاده أن التكييف الصحيح لإنتفاء المسؤولية في هذه الحالة لا يرجع إلى انتفاء القصد لدى الفاعل ، ومن ثم لا تأثير له على الصورة العمدية للركن المعنوي ، إنما يرجع إلى أن ذلك الغلط في الإباحة أو ((الإباحة الظنية )) إذا كان مبنياً على أسباب معقولة واتخذ الفاعل جانب الحيطة والتثبت والتحري قبل الوقوع فيه ، لا يكون تقصيرياً ، بل تصير جريمة الجاني (( مباحة))،  ولن يكون هناك ما يحول دون أن تتعادل تلك الإباحة الظنية المبنية على أسباب معقولة مع الإباحة الواقعية نفسها . بمعنى أنه إذا كان الشخص الاعتيادي من شأنه أن يعتقد مثل الذي اعتقده الفاعل لو أحاطت به الملابسات نفسها التي توحي بوجود سبب الإباحة ، فإن المساواة في الأثر بين الإباحة الظنية والإباحة الواقعية لاشك في أنها ستنعقد . أما إذا كان الاعتقاد بوجود سبب الإباحة غير مستند إلى أسباب معقولة من شأنها أن تورث الاعتقاد عينه لدى الشخص الاعتيادي لو إنه وجد في الظروف عينها ، فإن الكيان الموضـــوعي ( المادي ) لجريمة الفاعل بعناصرها التي توافرت في الواقع ستعد جريمة ، وتبقى صفة عدم المشروعية ملتصقة بها ، ويظل القصد الجرمي لدى الفاعل قائماً وتظل مسؤوليته عن الجريمة العمدية قائمة ، لأن ما يعوّل عليه في نفي القصد الجرمي هو ذلك الغلط المنصب على واقعة تمثل عنصراً من العناصر التي يتركب منها الكيان المادي للجريمة كما وردت في القاعدة الجنائية الإيجابية . أما حين ينصب على واقعة من الوقائع التي يقوم عليها ويتركب منها سبب الإباحة كما ورد في القاعدة الجنائية السلبية ،  فإنه ينصب على واقعة لا تمثل عنصراً أساسياً  في تلك الجريمة ، بل تمثل عنصراً مستقلاً عن كيانها المادي  ( الموضوعي ) يقتصر تأثيره السالب على نفي (( وصف )) عدم المشروعية الجنائية عن مجموع العناصر الموضوعية للجريمة التي توافرت فعلا ، فتصبح (( لا جريمة )) بسبب الشلل الذي أحدثه تكامل سبب الإباحة ووقائعه في القاعدة التحريمية عينها . والنتيجة التي انتهى إليها هذا الرأي يبدو أنها تتفق مع وجهة الفقه الجنائي الألماني الحديث الذي يعتمد على التصوير الغائي أوالهدفي للسلوك ، والذي يقتضي بأن الفاعل في حالة توهمه الإباحة من دون سبب معقول يعاقب على جريمة عمدية ، لأن إرادته قد انصرفت إلى إحداث النتيجة التي يجرمها القانون ، وإنما يمكن تخفيف العقوبة له بسبب براءة باعثه الذي دفعه إلى ارتكاب الجريمة وهو اعتقاده على سبيل الغلط بسلامة نية وجود سبب الإباحة (22) . وقصارى هذا الرأي أن أسباب الإباحة  لا تمس الركن المادي أو المعنوي  للجريمة ، بل هي تنصب مباشرة على وصف السلوك الإجرامي فتضفي عليه المشروعية. وهكذا لا ينتفي قصد الفاعل ولا خطؤه ، ولا تتأثر الصلة النفسية التي يتطلبها الركن المعنوي بين الفاعل والجريمة في صورة القصد أو الخطأ ، كل الأمر أن الفاعل بمقدوره دفع المسؤولية عن نفسه إنْ كان قاصداً أو خاطئاً كلما كان اعتقاده المخالف للحقيقة مبنياً على أسباب مستساغة عقلاً ومنطقاً ، لأن الإنسان الاعتيادي لو إنه وجد في ظروف الفاعل لقام في نفسه الاعتقاد نفسه(23).  ونذهب  مع من يقول بأن الغلط في الإباحة ينفي القصد ، فلو ظن الفاعل إباحة فعله قانونا – بخلاف ما كانت عليه الحقيقة- وتصرف طبقا لاعتقاده المعقول ، فلا يقوم القصد الجرمي لديه ولا الخطأ ، فإذا قام أب بضرب إبن غيره ظناً أنه ولده الذي يحق له  تأديبه قانوناً ، فإن القصد الجرمي اللازم لقيام جريمة الإيذاء العمدي لا يعد متوافرا  لديه (24) . بيد أن هذا الاتجاه لا يستقيم إلاّ مع الصفة الشخصية التي تعتمد عليها أسباب الإباحة أحياناً ، استثناءً من الأصل ، إذ إن الطابع الموضوعي لأسباب الإباحة ليس مطلقاً ، إذ تعتمد هذه الأسباب أحيانا على عناصر شخصية ، كما في حالة حق التأديب التي تفترض نية متجهة إلى التهذيب ، وكذلك مباشرة الأعمال الطبية والجراحية التي تفترض باعثاً متجهاً إلى شفاء المريض . وتبقى القاعدة قائمة في أن أسباب الإباحة ذات طبيعة موضوعية لكونها عنصراً في الركن الشرعي الذي يتميز بهذا الطابع، ومن ثم لا علاقة للغلط في أسباب الإباحة بالركنين المادي والمعنوي . والطبيعة الموضوعية للركن الشرعي مردّها أنه مجرد تكييف قانوني منصب على الفعل يصفه بعدم المشروعية ، وهذا التكييف ثمرة علاقة مباشرة بين قواعد القانون والفعل ، وهذه العلاقة لا شأن لها بشخصية الجاني ، أي إنها لا تعتمد على عناصر شخصية ، ومن ثم ليس لعلم الجاني أو إرادته دور في تحديدها ، فالفعل الذي لا تحظره قواعد القانون يعد مشروعا ولو اعتقد الجاني حين يأتيه  أنه غير مشروع ، والفعل الذي تحظره قواعد القانون يعد فعلا غير مشروع ولو كانت نية مرتكبه حسنة فاعتقد أنه مشروع . وأسباب الإباحة موضوعية من حيث كيانها الذي لا يضم عناصر شخصية ، ومن حيث أثرها الذي ينصرف إلى الفعل لا إلى شخص الفاعل . ويفسر الطابع الموضوعي لهذا الكيان أن توافر سبب الإباحة يرجع إلى وجود قواعد قانونية تقيد من نطاق نصوص التجريم ، فالكشف عن أسباب الإباحة لا يعدو أكثر من كونه خلاصة موازنة وتوفيق بين قاعدة  تجريم وقاعدة إباحة ، ولا يتطلب ذلك بحثا في نفسية الفاعل . أما أثر الإباحة فلما يقال أنه  ينصب على الفعل وليس على شخص الفاعل ، فإن ذلك يعني أن أثره متعلق بالتكييف القانوني للفعل ولا يتعلق بأهلية المتهم للمسؤولية الجنائية ، فهو يجرده من الصفة غير المشروعة ولكنه لا يمس علم الفاعل ولا إرادته ، فليس من شإنه أن يجعل التمييز والإدراك ينحرف ولا يجعل حرية الإرادة والاختيار تزول . ولذلك يقال بناءً على الطبيعة الموضوعية لأسباب الإباحة وآثارها : إن تأثير أسباب الإباحة يمتد إلى كل شخص أسهم في الجريمة ، وان الغلط في الإباحة لا يحول دون الإستفادة منها ، وإن الغلط في الإباحة لا يعدل الإباحة نفسها . يبقى أن نقول أنه في كل الأحوال إذا كان الفاعل يعلم بعدم مشروعية فعله ، فانه لا يستفيد من حكم الإباحة الظنية ، ولو كان من شأن المظاهر الخارجية إيقاع الرجل الاعتيادي في الاعتقاد الخاطئ بقيام سبب من أسباب الإباحة ، لأن إباحة الفعل عندئذ تكون منتفية في الواقع وكذلك في ظن الفاعل أيضاً . وإن ما يسري على أسباب الإباحة من أحكام بشأن البراءة الظنية يسري في مجمله على موانع المسؤولية (25) .

2- التشريع الجنائي الألماني

خلا التشريع الألماني من نص صريح يعالج حكم الغلط في الإباحة بموجب قاعدة عامة ،ولكن الفقه والقضاء هناك يرجعان الحكم إلى ما تقرره المادة (59) من قانون العقوبات الألماني وتنص على أنه (( إذا لم يعلم شخص عند ارتكاب الفعل المعاقب عليه بتوافر العناصر الواقعية التي يقوم عليها التحديد القانوني للجريمة أو التي تؤدي إلى تشديد العقاب ، فإنه يعد غير مسؤول عن هذه العناصر )) . وهذا النص يتطلب علم الجاني بالعناصر الواقعية للجريمة ، ويعد العناصر التي تتركب منها أسباب الإباحة من قبـــيل  (( العناصر السلبية )) للجريمة (26) . ولم يكن الفقه الألماني مع ذلك متفقاً كله على ما ذكرناه آنفاً ، فقد ظهرت فيه ثلاث نظريات فقهية مهمة تعالج حالة الغلط في الإباحة نوردها تباعا باقتضاب .

الأولى – نظرية الأركان السلبية  للجريمة

يُسأل الفاعل فيها عن جريمة غير عمدية، إذ يعد العلم بعدم مشروعية الفعل جزءاً من القصد الجرمي ، فيلزم توافر العلم لدى الفاعل ساعة مقارفته النشاط الجرمي بأن نشاطه غير مشروع ، ولا تكفي مجرد إمكانية العلم . وبكلمة أخرى لا يكفي أن يكون بوسع الفاعل أن يعلم بعدم مشروعية نشاطه ، بل ينبغي أن يكون العلم ثابتاً يقيناً حال مقارفة النشاط. وعليه، يعاقب الفاعل في حالة الغلط عن جريمة غير عمدية ، إذا كان ذلك الغلط الصادر عن الجاني مما يعاقب عليه القانون . وهذه  النظرية هي الأكثر انطباقا على جرائم الخطأ في القانون العقابي العراقي لتوسعه في إيراد صور الخطأ ، كما في المواد 411 و 416 و 35 عقوبات (27) .

الثانية- النظرية المشددة للمسؤولية

تقرر هذه النظرية أن العلم بعدم مشروعية الفعل لا يعد جزءاً من القصد الجنائي ، بل يعد عنصرا ً مستقلاً من عناصر المسؤولية الجزائية أسوة بالقصد الجنائي والخطأ . ومن هنا لا تؤثر حالة (( الغلط بالنهي )) على توافر القصد الجنائي ، إذ لا فرق في هذه النظرية بين أن يعتقد الفاعل خطأ بتوافر الشروط المادية لسبب الإباحة – وهنا غلط في الوقائع – وأن يعتقد ذلك خطأ ً نتيجة جهله بالقانون ، بمعنى أن هذا الغلط يمثل مانعاً من موانع المسؤولية الجزائية إذا لم يكن في الإستطاعة تفاديه ، أما إذا كان بوسع الفاعل تفاديه فيعاقب حينئذٍ عن فعل عمدي . واعتنق قانون العقوبات العراقي هذه النظرية المتطرفة في المادة (45) منه ، إذ يعد الفاعل بموجبها مسؤولاً عن جريمة عمدية في حالة تجاوز حدود الدفاع الشرعي ( الغلط في حدود الإباحة ) (28)  .

الثالثة – نظرية المسؤولية المقيدة

تفرق هذه النظرية بين الغلط في الشروط الحقيقية ( المادية ) لسبب الإباحة وهو  ((الغلط في الوقائع ))  والغلط بسبب الإباحة نفسه أو بحدوده وهو ((  الغلط أو الجهل بالقانون )) . وهكذا تكون النظرية قد اتخذت موقفا وسطاً بين النظريتين السابقتين بتقريرها أن القصد الجرمي لا ينتفي في حالة الغلط بالشروط الحقيقية (( المادية )) لسبب الإباحة ، وإنما تستبعد النتيجة التي أحدثها الفعل العمدي فقط ، إذ لا يصار إلى العقاب عن جريمة عمدية ، بأن يكون الفعل عمدياً والنتيجة غير عمدية (( خطأ))(29) . وقصارى ما تنادي به المدرسة  الألمانية بكلمة موجزة ، أنها تشترط لامتناع المسؤولية عن الفاعل في الجرائم العمدية أو غير العمدية قيام أسباب معقولة لدى الفاعل تسوغ اعتقاده ، علاوة على لزوم أن يكون ذلك الاعتقاد مبنياً على غلط حتمي يقع فيه الإنسان الاعتيادي ، ومن ثم  يعد الإثم منتفياً،  لأن الظروف التي كوّنت إرادة الفاعل لم تكن ظروفاً طبيعية تجعل الشخص الاعتيادي لو كان في مكان الفاعل يتصرف مثله (30) . ويشار إلى أن الفقه الألماني الحديث يقرر أن الفاعل في حالة توهمه من دون سبب معقول وجود سبب للإباحة أو الإعفاء ، فإنه يعاقب على جريمة عمدية ، لإن إرادته قد انصرفت إلى بلوغ النتيجة التي يجرّمها القانون ، وإنما تخفف له عقوبته نظير براءة الباعث الخاص بالاعتقاد الخاطئ متى قام ذلك الظرف ليس أكثر (31). وفي معرض الحديث عن موقف الفقه الألماني ومناسبته ، نرى أن الرابطة المعنوية بين إرادة الفاعل والفعل الذي يرتكبه قد تتخلف ، فيمكن أن لا تحتضن الإرادة كل العناصر المكونة للجريمة حين ينصب  الغلط على أحد العناصر المادية المكونة للجريمة . ومثل هذا الغلط يمكن أن يفسد القصد الجرمي لدى الفاعل ويعدمه ، على أساس أن الفاعل  وإنْ كانت إرادته الوازع في مقارفة الفعل إلاّ أن هذه المقارفة قد شابها عدم إدراك لصفات الفعل وعناصره كلها . الأمر الذي يمكن معه القول:  إن الغلط في طبيعة الفعل ومشروعية الفعل المباح – مع قيام الرابطة السببية المادية – يعطل قيام الرابطة المعنوية في صورتها القانونية المطلوبة بوصفها هيكل القصد الجرمي وجوهره . أما الآن فينبغي  عرض حالة الخطر الوهمي أو التصوري التي تبرز بمناسبة الحديث عن الغلط في الإباحة لبيانها قبل معرفة موقف القانون العراقي والشريعة   الإسلامية .

ثالثا – الخطر الوهمي

الخطر الوهمي أو التصوري ، حالة من حالات الغلط في الإباحة نتلمسها في الغالب عند الحديث عن حق الدفاع الشرعي وبيان شروطه . ولا تقوم حالة الدفاع الشرعي إلاّ بقيام خطر ( حقيقي) ينذر  بوقوع اعتداء غير مشروع على حياة الإنسان أو عرضه أو ماله ، خطر وشيك أكيد يخشى منه ويحتمل معه وقوع جريمة من الجرائم على تلك   الحقوق . وهذا يعني ان الخطر الحقيقي بوقوع الجريمة قد تأكد ولم يكن وهميّاً بحسب تقدير الإنسان الاعتيادي وبالنظر إلى أسباب معقولة ومقبولة قامت لديه (32) .            بيد أن قيام حالة الدفاع الشرعي لا تستلزم دائما أن يقع اعتداء حقيقي بصورة مطلقة،  حيث يكفي أحيانا أن يكون خطر الإعتداء محض تصور لا أصل له في الواقع إلاّ في ذهن الفاعل ودهاليز مخيلته ورحاب تصوراته، بشرط أن يكون تصور المدافع مبنياً على أسباب جدية كافية ومقبولة عقلاً ومنطقاً ، تحمل الإنسان الاعتيادي متوسط الخبرة والذكاء والحرص على الاعتقاد بقيام هذا الخطر وبجديته وبضرورة استعمال القوة لدرئه ولوإنه كابد الظروف عينها . بمعنى أن التخوف من الخطر الحال يكفي للدفاع الشرعي ولو كان خطراً تصورياً لا حقيقياً ، متى كان له سبب معقول . والعبرة في الحظر التصوري يكون بتقدير المدافع في الظروف التي كان فيها ، بشرط أن يكون تقديره مبنياً على أسباب مقبولة من شأنها أن تسوغه(33) .     وإن مساواة الخطر الوهمي بالخطر الحقيقي  ما هي إلاّ استثناء من الأصل ، إذ إن معيار التمييز بين الخطر الوهمي والخطر الحال الحقيقي هو معيار موضوعي كما هو الحال في أسباب الإباحة ، وطبقا لما يقتضيه المعيار الموضوعي يجب أن يكون الخطر حالاً وحقيقياً حتى ينتج آثاره ، ولا يغني عن ذلك وجود الخطر في مخيلة المدافع وليس في الواقع . وإن هذا الشرط راجع إلى طبيعة الدفاع الشرعي ومضمونه الفلسفي الكامن  في تحقيق وظيفته الاجتماعية التي تقوم عند وجود الاعتداء في الواقع وليس في اعتقاد   المدافع ، ومن ثم لا يجوز الدفاع الشرعي ضد الخطر الوهمي (34) .          ومثلما يميل الفقه المصري إلى كفاية الإعتداء الوهمي لقيام حالة الدفاع الشرعي ، يميل القضاء المصري هو أيضا إلى الاتجاه نفسه، إذ يقول أنه:  (( من المقرر أنه لا يلزم في الفعل المتخوف منه الذي يسوغ الدفاع الشرعي بصفة عامة أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته، بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره بشرط أن يكون هذا الاعتقاد أو التصور مبنياً على أسباب معقولة ، وتقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر   اعتيادي ، المناط فيه يعود إلى الحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذي يفاجأ بفعل الاعتداء فيجعله في ظروف حرجة دقيقة تتطلب منه معالجة موقفه على الفور والخروج من مأزقه، مما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المتّزن المطمئن الذي كان يتعذر عليه وقتئذ وهو محفوف بهذه الظروف والملابسات...)) (35) . وفي قرار آخر لمحكمة النقض المصرية تقول فيه (( إن مفاجأة شخص أثناء سيره وسط المزروعات في ليلة حالكة الظلمة تستحيل معها الرؤية وفي مكان ينأى عن العمران بطلق ناري نحوه هو فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة يبرر رد الاعتداء عليه بالوسيلة التي تصل إلى يد المدافع ويعتبر في حالة دفاع شرعي عن نفسه)) ولو كان من أطلق العيار الناري صوبه قاصدا المزاح معه ، و لا سيما إذا لم يقم بتعريف نفسه للمدافع حتى جعله يظن أنه عدو يتربص به لا صديق يمازحه (36) . فقد أجاز هذا القضاء الدفاع ولو كان الخطر وهمياً لا أصل له في الواقع ، متى كانت الظروف والملابسات تلقي في روع المدافع خوفا من أن هناك خطراً جدياً حقيقياً موجهاً إليه ،  وإلى هذا المعنى  تشير المادتان  ( 249،250) من قانون العقوبات المصري بقولها (( فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة )) . وليس ذلك إلاّ تطبيقاً لنظرية الغلط في الإباحة وهو يأخذ حكمها (37).

أما في سوريا فإن قضاءها على الرغم من تقريره المساواة بين الخطر الحقيقي والخطر الوهمي متى كان اعتقاد الفاعل بوجود الخطر الوهمي مبنياً على أسباب معقولة ،إلاّ أن جانباً من الفقه السوري يقول : إن من يعتقد بوجود اعتداء موجه نحوه فيرد عليه باستعمال القوة ، لا يكون في ظل أحكام التشريع السوري في حالة دفاع شرعي ، إلاّ إذا كانت الظروف الموضوعية المحيطة به تؤكد وجود خطر وشيك الوقوع ، وكان قد صدر عن المعتدي المفترض  فعل إيجابي يبرر أو يسوغ اعتقاده . أما إذا كان اعتقاد الفاعل غير مبني على ظروف موضوعية ، ولم يصدر عن الضحية ( المعتدي المفترض ) فعل إيجابي يسوغ هذا الاعتقاد ، فان الفاعل  يكون في حالة غلط مادي ،  بشرط أن تتوافر لهذا الغلط عناصره، بأن يعتقد الفاعل حين أقدم على فعله انه أمام اعتداء يفضي إلى جريمة ، وان رده على هذا الاعتداء هو عمل مشروع ( المادة/  223 من قانون العقوبات السوري ) . وفي كل الأحوال لا يمنع الغلط المادي عقاب الفاعل إذا شاب تصرفه خطا ، بان لم يكن على قدر كافي من الحيطة والحذر ليتبين حقيقة الاعتداء ، ولم يتوقع نتائج فعله ، مع قدرته على توقعها وتجنبها ( المادة / 224 منه ) (38) .

ويرى الفقه اليمني أن الخطر الوهمي في حقيقة الأمر ليس إلاّ صورة من صور الغلط في الإباحة وهو لا يساوي الإباحة نفسها ، لأن هذه الإباحة  تتطلب شروطاً موضوعية من بينها أن يوجد خطر حقيقي لا وهمي (39). ولكن المادة (34) من قانون العقوبات اليمني نصت على أنه (( لا يبيح الدفاع الشرعي القتل المتعمد إلاّ إذا قصد به دفع فعل يتخوف منه وقوع  جريمة من الجرائم آلاتية إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة .....)) ،  إذ  إن  كلمة   ( التخوف ) هنا لا تعني مجرد توهم الخطر كما يفهم البعض ، وإنما هي تعني توهم درجة هذا الخطر ، فالخطر واقع حقيقة ولكن الشخص قد يتوهم أنه من نوع الخطر الجسيم الذي يبيح له الدفاع ولو بالقتل ، فإذا كان الخطر  من أساسه وهمياً لا وجود له في الواقع أصلاً ، فإنه لا يبيح أفعال الدفاع ضده ، ولكن حالة الاعتقاد الخاطئ المبرر بوجود الخطر قد تنفي توافر القصد الجرمي لدى المدافع ، وقد تنفي القصد والخطأ معا ، إذا كان ذلك الاعتقاد مبنيا على أسباب معقولة وصدر بعد التثبت والتحري والحيطة . وعندئذ لا يكون الفعل مباحاً في الحالتين لكونه ليس دفاعاً شرعياً ضد خطر قائم فعلا بل هو جريمة على وجه الحقيقة ، إذ يكون الفعل جريمة غير عمدية في الحالة الأولى ، وجريمة مدنية تستحق التعويض في الحالة الثانية (40) . ويذهب رأي حديث في الفقه الفرنسي إلى التمييز بين صورتين من صور الخطر غير  الحقيقي ، هما : الخطر شبه الحقيقي، والخطر الوهمي أو الظنّي . فالأول يكون فيه مظهر الشخص غامضاً ، إذ تكون نواياه الداخلية مجهولة على حين  تجعل حركاته أو كلامه أو تعبيرات وجهه الاعتداء يبدو شبه حقيقي بحيث يستشعره كل شخص . وفي هذه الحالة يرى أصحاب هذا الرأي أن الدفاع الشرعي يكون جائزاً ، إذ يكفي للقول بتوافره أن يكون للخطر مظهر الحقيقة من الناحية الموضوعية ، بحيث يلمسه الجميع . أما الثاني ، وهو الخطر الوهمي ، فهو الخطر الذي لا يوجد إلا في مخيلة مرتكب الجريمة ، إذ لا يوجد مظهر للخطر في الواقع من الناحية الموضوعية ( المادية ) ، كل الأمر أن الفاعل قد وقع في (غلط ) متعلق بالخطر الذي اعتقد أنه يتعرض له . ويرى أنصار هذا الرأي أن الدفاع الشرعي يتخلف في هذه الحالة ، وتقع الجريمة ، لأن حق الدفاع يقتضي أن يكون الاعتداء  من الناحية الموضوعية حقيقيا أو محتملا ، بيد أن الفاعل قد لا يتحمل المسؤولية الجنائية بسبب تخلف الخطأ أو العمد لديه على أساس توافر حسن النية ، بشرط أن يكون (( غلطه )) مقبولا

والحق ، إن أفضل الآراء هو الرأي التقليدي الذي يعد الاعتقاد المبني على أسباب معقولة بوجود الخطر كافيا لنشوء حق الدفاع الشرعي (41) . وهذا  هو مسلك المشرع  العراقي .

رابعاً – موقف قانون العقوبات العراقي

خلا قانون العقوبات العراقي من نص عام يبين حكم الغلط في الإباحة ، لكنه أورد بعض التطبيقات التي يمكن الركون إليها في كشف منهاجه بصدد هذه المسالة . إذ إنه أقر المساواة في الحكم بين الغلط في الإباحة والإباحة نفسها في حالتي أداء الواجــــــب ( المادة / 40 منه ) والدفاع الشرعي ( المادة /42/1منه) . واشترط لقيام هذه المساواة في حالة أداء الواجب ان يكون الاعتقاد المشوب بالغلط قد صدر بسلامة نية ، وبناءً على أسباب معقولة ، وبعد اتخاذ الحيطة اللازمة . أما في الدفاع الشرعي فلم يشترط أكثر من أن يكون الاعتقاد مبنياً على أسباب معقولة . وفيما يأتي  تفصيل الأمر : -

الصورة الأولى – الغلط في أداء الواجب

الموظف أو المكلف بخدمة عامة وهو يمارس أعمال وظيفته لابد من أن يتمتّع ببعض الحصانة القانونية حتى لا يتحرج ولا يتردد ولا يتخوف عند مباشرته لواجبه من الوقوع في المساءلة الجنائية ويخشى تبعاتها وعواقبها . لذلك قرر المشرع الجنائي العراقي حالات معينة ( نصت عليها المادتان 39(42) و 40 (43) من قانون العقوبات) انتفاء مسؤولية الموظف أو المكلف بخدمة عامة حتى في الحالات التي يتجاوز فيها اختصاصه أو يغلط في تقدير الأوامر الصادرة إليه أو يغلط بخصوص الجهة المختصة بإصدارها ، بشرط أن يكون حسن النيّة ، وان تكون أسبابه معقولة ، ويكون قد اتخذ الحيطة المناسبة . وقد جعل قانون انضباط موظفي الدولة رقم (69) لسنة 1936 (المعدل ) تنفيذ أوامر الرؤساء من الواجبات المفروضة على الموظف العام ، إذ ينبغي له مراعاتها واحترامها بدقة والتقيد بحدودها ضمن واجبات وظيفته ، إذ أشارت إلى ذلك ( المادة /4 / 1  منه ) بقولها : (( على كل موظف اتباع الوجــــــــــائب الــــــــــــــــــــــتالية :

أ.القيام بالواجبات المودعة إليه وفق القوانين و الأنظمة والتعليمات وامتثال الأوامر الصادرة من رؤسائه ضمن واجبات وظيفته....)). ولا سيما أن المشرع الجنائي قد أسبغ حمايته على الموظف إذا قام بفعل تنفيذاً لتلك الواجبات فأباح له ذلك الفعل ورفع عنه الصفة الجرمية ، على أنه يقوم بأداء واجبه الذي عدّه المشرع العراقي سبباً من أسباب الإباحة  طبقا   لنص    ( المادتين / 39 و40 من قانون العقوبات ) . وفي ضوء تلك النصوص التشريعية يمكن القول – عموما-  : إن الفعل الذي يقوم به الموظف تنفيذا لأمر صادر إليه  من رئيسه ، وإن كان مباحاً ، إلاّ أنه واجب التنفيذ على الموظف ، وبهذا يختلف عن سائر أسباب الإباحة الأخرى بما فيها حق الدفاع الشرعي الذي لا يرتب القانون فيه أية مسؤولية عن عدم ممارسته (44) . وهكذا فإن الموظف ومن في حكمه في سبيل تنفيذ واجباته المفروضة عليه بموجب القانون والأوامر ، لا بد من أن يكون وقوعه في حالة الغلط أمراً وارداً ومحتملاً في العمل .

1– حالات الغلط في أداء الواجب

وبحسب نص المادة (40) من قانون العقوبات لا يعد العمل قانونياً في حالتين يكون الموظف أو المكلف بخدمة عامة فيهما معذوراً على الرغم من انه وقع في الغلط عند تنفيذه القوانين أو الأوامر وهما :

الحالة الأولى – وقد نص عليها البند ( أولاً) والفقرة الأخيرة من المادة المذكورة . إذ يعتقد الموظف أو المكلّف بخدمة عامة على سبيل الغلط – خلافا للحقيقة – أن إجراء الفعل الذي اتخذه تنفيذاً لما أمرت به القوانين يقع ضمن اختصاصه ، على أن يثبت أنه كان حسن النيّة ، وأن اعتقاده بمشروعية فعله كان مبنياً على أسباب معقولة ، وإنه لم يرتكب فعله إلاّ بعد اتخاذ الحيطة المناسبة .

وتفترض هذه الحالة أن القانون لا يأمر بالفعل ولا يرخص به ومن ثم لا يبيحه ، ولكن الموظف ومن في حكمه قد تصرف من تلقاء نفسه على وفق اجتهاده الشخصي معتقدا على سبيل الغلط وخلافا للحقيقة والصواب أنه يعمل في حدود الواجبات والسلطات المخولة له بموجب ما يدخل ضمن اختصاصه ، على حين يتبين لاحقا أن الواقع غير ذلك وإنه تعدّى حدود سلطته واختصاصه وما يبيحه له القانون ، وأتى فعلاً غير مشروع (45).وبكلمة   واحدة ، أن هذه الحالة تفترض أن القانون لا يرخص للموظف أو المكلف بخدمة عامة القيام بالعمل الذي قام به ، لأنه إما أنه لا يقع ضمن اختصاصه ، وإما لأنه يتجاوز الحدود القانونية المرسومة لاختصاصه (46) . ومثال ذلك تفتيش رجل الشرطة منزل أحد المتهمين بموجب أمر تفتيش غير صادر من جهته المختصة ، أو تفتيش غير المنزل المطلوب منه تفتيشه والقبض عليه ، أو القبض عليه  من دون أمر قبض متصوراً خلاف الحقيقة أن الجريمة مشهودة وإنه متلبس بها ، أو إنه قبض على الشخص المطلوب منه القبض عليه بموجب أمر من سلطة مختصة – وهو غير مختص بذلك  أو إنه قام-  وهو مختص بذلك – بالقبض على غير الشخص المطلوب القبض عليه لعظم الشبه بينهما (47). فقد يكون الأمر بالتفتيش أو القبض ونحوها كان صحيحاً ومطابقاً للقانون ، ولكن اللبس أو الغلط الذي قاد إلى الخطأ قد حصل من جانب الموظف أو المكلف بخدمة عامة المكلف بتنفيذ الأمر . وقد يكون الفاعل قد تعدّى حدود اختصاصه على الرغم من أن العمل الذي قام به له صلة بالأعمال التي يختص بها ، إذ يكون خروجه ثمرة عدم الدقة في معرفة اختصاصه أو حدود اختصاصه ، أو قد يكون ثمرة التسرّع أو التهوًر أو الطيش ونحوها مما يقود إلى الاعتقاد المشوب بالغلط ثم يقود إلى الخطأ أيضا في التصرف(48) . وتفترض هذه الحالة أن العمل – على الرغم من مخالفته القانون – يكون من النوع الذي يدخل في اختصاص الموظف وفي سلطته وصلاحيته ، ولكن تخطّيه حدود ذلك يكون وليد عدم الدقة في معرفتها والغلط في حقيقتها . وعلى ذلك فلا محل للإعفاء من المسؤولية إذا كان عمل الموظف من نوع مختلف عما يختص به، كما لو أصدر موظف اعتيادي أمراً  بتوقيف متّهم أو إيقاع عقاب عليه مما لا يدخل في اختصاصه ، وعندئذ لا اعتداد باعتقاد الموظف ولو كان مبنياً على حسن النيّة ومستنداً إلى أسباب معقولة(49) . ولكن الموظف ومن في حكمه إذا لم يكن عمله من نوع مختلف عمّا يختص به واعتقد أن ذلك من اختصاصه – أي اعتقد مشروعية فعله – فلا تقوم الجريمة بحقه بشرط حسن النيّة والاعتقاد المعقول واتخاذ الحيطة المناسبة طبعاً ، وذلك لصراحة البند ( أولاً ) والفقرة الأخيرة من المادة ( 40) عقوبات عراقي ، بيد أن الموظف ومن في حكمه ليس له أن يتمسك بحكم هذه المادة إذا كان فعله ناجماً عن تهوّر وطيش وشابه إهمال  وتقصير أفضى إلى خطأ ، إذ يكون مسؤولا عن جريمة غير عمدية في هذه الحالة .

الحالة الثانية – نص عليها البند( ثانيا ) والفقرة الأخيرة من المادة المذكورة ، إذ يعتقد الموظف أو المكلف بخدمة عامة على سبيل الغلط – خلافا للحقيقة – أنه يتخذ الفعل تنفيذا لأمر صادر إليه من رئيس تجب عليه طاعته ، على أن يثبت إن اعتقاده بمشروعية فعله كان مبنيا على أسباب معقولة ، وإنه لم يرتكب فعله إلاّ بعد اتخاذ الحيطة المناسبة . وكل ذلك إذا كان القانون يسمح للموظف بمناقشة الأمر الصادر إليه ، وإلاّ  فلا عقاب عليه إذا كان القانون لا يسمح بتلك المناقشة وإنْ كان اعتقاده لا يستند إلى أسباب معقولة ولم يتخذ الحيطة المناسبة ، كما هو الحال في الأوامر العسكرية ، أو الأوامر الصادرة في حالات خاصة وطارئة تتعلق بالأمن  الخارجي أو الداخلي ، كحالات الحروب والطوارئ والكوارث ونحوها . أما شرط حسن النيّة المذكور في الحالة الأولى فقط ، فهو متطلب هنا وإن لم يجرِ النص عليه ، لأنه لا مجال للحديث عن قيام شرطي معقولية الأسباب والحيطة المناسبة من دون افتراض توافر حسن النيّة .

والأصل ، أن المرؤوس ملزم قانوناً بطاعة أمر رئيسه إذا كان ذلك الأمر مشروعاً وموافقاً للقانون  ؛ ومن ثم فإن المرؤوس غير ملزم قانوناً بطاعة رئيسه، لا بل يجب أن لا يطيع رئيسه إذا صدر عنه أمر غير مشروع وليس موافقاً للقانون . ولكن الأمر الصادر عن الرئيس قد يكون خفياً ويشوبه الغموض وعدم الوضوح لدى المرؤوس ، فيعتقد أن طاعة الرئيس فيه واجبة ، وعندئذ تنطوي هذه الحالة على تعارض بين أمر القانون و أمر   الرئيس ، الأمر الذي ينبغي معه تغليب أمر القانون على أمر الرئيس لفك التعارض بينهما ، إذ إن طاعة القانون أوْلى من طاعة الرئيس ، على أساس أن سلطة الرئيس مستمدة من القانون أساسا . وعلى أساس ذلك لا يكون فعل المرؤوس الذي جاء تنفيذاً لأمر الرئيس مشروعاً لمخالفته قواعد القانون ، ولا يقوى أمر الرئيس على تجريده من عدم   مشروعيته ، غير أن المشرع العراقي قرر إعفاء المرؤوس من المسؤولية الجزائية العمدية وغير العمدية في حالة الغلط في تنفيذ أمر الرئيس إذا ما كان الفاعل حسن النيّة ، وكان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة بعد اتخاذ الحيطة المناسبة . بمعنى أنه اعتقد بحسن نيّة أن الفعل المطلوب منه تنفيذه إنماهو فعل مشروع ينسجم مع حكم القانون ، وإنه وصل إلى ذلك الإستنتاج بعد تدبر وتفكير بهدوء وروية من دون تسرع أو طيش أو رعونة ، إذ تقوم مع التقصير والإهمال المسؤولية غير العمدية فإذا كان حسن النيّة يتنفي القصد ، وإن اتخاذ الحيطة المناسبة ينتفي معه الخطأ   أيضا ، أما إذا منع القانون الموظف من مناقشة الأمر الصادر إليه، فلا حاجة آنذاك للتثبت من هذه الشروط إنما يكفي ثبوت اعتقاد الموظف بأنه مرؤوس لمن أصدر إليه الأمرغير المشروع لكي يتخلص من المسؤولية والعقاب (50) .

وفرق بين الأمر الصادر من رئيس تجب طاعته ، فهذا الأمر لا يخالف فيه الرئيس حكم القانون ، والأمرالذي يعتقد الموظف أن طاعة الرئيس واجبة فيه مع إنها ليست كذلك ، فهذا الأمر مخالف للقانون ومكوّن للجريمة . ومثال ذلك قيام موظف بتعذيب متهم بأمرمن رئيسه لحمله على الإعتراف ،أو قيامه بأمر من رئيسه بتزوير أوراق الإنتخابات ، فهذه جرائم يُسأل عنها الموظف والرئيس معاً ، أو قيام الموظف بتنفيذ أمر رئيسه بالقبض على أحد الأشخاص معتقداً أن أمر رئيسه يستند إلى إذن قانوني بذلك . وهكذا، كلما كانت الجريمة صارخة في خروجها الواضح عن حكم القانون تعذر بداهة الدفع بحسن النيّة . وتطبيقاً لذلك قررت محكمة النقض المصرية توافر الأسباب المعقولة المبررة للطاعة من جانب الموظف المرؤوس في واقعة حيازته كمية من المخدرات لحساب رئيسه الذي له من السلطة ما يحمل على الاعتقاد بأن لديه ترخيصاً بإحرازها . وقد جاء في أسباب الحكم أن واقع الحال ليس واضحاً بالقدر الذي يمكن أن ينفي من ذهن المتهم أي لبس أو غلط يمكن معه الجزم بأن وجه الإجرام كان بديهياً (51) . وفي كل الأحوال ، ينبغي أن يكيّف اعتقاد الموظف على أنه من قبيل الغلط في الإباحة الذي ينتفي به الركن المعنوي للجريمة ، لا أن يعد الاعتقاد بمشروعية الفعل مباحاً في ذاته(52) . وعلى وفق ما تقرره المبادئ العامة من تأثير للغلط في القصد الجرمي ،فإن هذه القواعد تقرر أن الغلط في الوقائع – الغلط المادي – المنصب على واقعة يتطلب القانون العلم بها ينفي القصد الجرمي ويحول دون قيام المسؤولية العمدية ، وإن ذلك الغلط يشبه إلى حد بعيد حالة ( الغلط في شريعة مدنية أو إدارية يتوقف عليها فرض العقوبة ) ، أي تشبه الغلط في قاعدة قانونية لا تنتمي إلى قانون العقوبات ، فكون القانون لا يحظر على الموظف التحقق من شرعية الأمر ، فإن ذلك يعني أن القانون يجيز له ذلك التحقق والاستقصاء ، لا بل إنه يفرضه عليه ، إذ الفعل يكون ماساً بالمصالح الجديرة بالحماية الجزائية ، والفرض أنه يعلم أن من شأن فعله أن يؤدي إلى ذلك المساس بتلك المصالح ، لأن العلم بالصفة الجرمية للفعل هو علم مفترض ، ومن ثم تقضي القواعد العامة قيام المسؤولية الجنائية على عاتق مرتكبه . ولكن قد يحول دون هذه المسؤولية الغلط الذي ينتاب الموظف ويعتد به القانون (53) ، لتأثير الغلط في العلم بصورة كبيرة ثم تأثيره في اتجاه الإرادة من خلال اتجاهها بصورة مغلوطة بناءً على ذلك العلم المناقض للحقيقة .

2- شروط الغلط المبرر في أداء الواجب

لا شك في أن الفاعل في الحالتين المذكورتين آنفا ينبغي أن يتحمل المسؤولية الجنائية عن فعله غير المشروع المشوب بالغلط ، بيد أن المشرّع حرص على ضمان الطمأنينة التي يلزم توافرها للموظفين ومن في حكمهم في أثناء القيام بأعمالهم وواجباتهم ، ليتمكنوا من تأديتها على أكمل وجه من دون خشية أو تردد ، فقرر إعفاء الموظف أوالمكلف بخدمة عامة من المسؤولية الجنائية في حالة وقوعه في الغلط عند تنفيذه ما لم يأمر به القانون مما يقع خارج اختصاصه ،أو الغلط عند تنفيذه أوامر صادرة من رئيس لا تجب عليه طاعته فيها ، مقيداً ذلك الإعفاء بالشروط آلاتية التي يسوغ لنا استنتاجها من نص ( المادة / 40 من قانون العقوبات ) :-

الشرط الأول – أن يكون الفاعل حسن النيّة

إن توافر حسن النيّة لدى صاحب الحق عند استعماله ذلك الحق هو قيد شخصي يرد على ممارسة الحق . ويعد حسن النيّة متوافراً في كل حالة يرمي فيها صاحب الحق عند استعماله ذلك الحق إلى تحقيق الغاية نفسها التي دفعت المشرع إلى الاعتراف بهذا الحق وصيرورة الفعل مشروعا . إذ كل حق قي القانون له غاية يرى المشرع أن تحقيقها يوفر مصلحة للمجتمع تعلو المصلحة التي يمكن تحقيقها لو أن الفعل المحقق لها عدّه جريمة . وهكذا ، فإن الإنحراف عن الغاية التي قرر المشرع الحق من أجلها يمكن أن يعيد الصفة الجرمية إلى ذلك الفعل ، ولو ابتغى صاحب الفعل به غاية أخرى ليست مذمومة في ذاتها . فالطبيب مثلاً له بموجب القانون  رخصة ممارسة مهنة الطب بما تتضمنه تلك الممارسة من أفعال تمس الأبدان من أجل غاية بذاتها هي تطبيب المرضى ، لكي لا تشكل تلك الأفعال عدواناً على تلك الأبدان ، فإذا انحرف الطبيب عن تلك الغاية ، ولو كانت غايته إجراء تجربة علمية جديدة قد تنفع البشرية، عادت للفعل المحقق لها صفته الجرمية (54) .

وعلى ذلك ، يُقصد بحسن النيّة أن لا يضمر الفاعل في الباطن مقصداً سيئاً تحت ستار تنفيذ القانون في الظاهر (55) . ويفترض حسن النيّة اعتقاد الفاعل أن الوقائع التي استند إليها في تصرفه كانت صحيحة ، وإن هذا الاعتقاد كان وليد بحثٍ وتحرٍ وتقديرٍ كافٍ للأمور . كما يفترض حسن النيّة أن إسناد هذه الوقائع إلى  المجني عليه ،  كان يرمي إلى تحقيق المصلحة العامة لا مجرد الإضرار بالمجني عليه، الأمر الذي يعني أن حسن النيّة  لا يقوم على الإعتقاد المجرد فقط ، أي لا يكفي فيه الموقف السلبي الذي ينبني عليه وقوع المتهم في الغلط ، وإنما يتطلب إسناد هذا الاعتقاد على أساس من التثبت والحيطة    اللازمة (56) .وذهبت بعض التشريعات الجنائية إلى القول : إن حسن النيّة هو عدم إساءة استعمال الحق الذي سمح القانون باستعماله ، كما في نص المادة ( 59) من قانون العقوبات الأردني التي تنص على أن (( الفعل المرتكب في ممارسة الحق دون إساءة استعماله لا يعد جريمة)) .إذ يتعين على الفاعل وهو يستعمل حقه في التأديب أو في عمليات الجراحة والعلاج أو في أعمال العنف في أثناء الألعاب الرياضية أو في أثناء ضبط مرتكب الجناية أو الجنحة المشهودة ، تحقيق الغاية التي تقرر من اجلها الحق . أما إذا كان سيّء النيّة فلا يمكنه الاحتجاج لتسويغ فعله بالقول إنه كان يستعمل الحق الذي خوله له القانون ، إنما يُسأل عن الجريمة التي ارتكبها ويؤخذ بقصده السيّء (57). وجاء في قرار لمحكمة النقض المصرية أن (( حسن النيّة المشترط في المادة ( 302 ) من قانون العقوبات ليس معنىً باطنياً بقدر ما هو موقف أو حالة يوجد فيها الشخص نتيجة ظروف تشوّه حكمه على الأمور رغم تقديره لها تقديراً كافياً واعتماده في تصرفه فيها على أسباب معقولة )) ، أرادت المحكمة بذلك أن تقول : إن حسن النيّة ليس حالة نفسية خالصة قوامها الاعتقاد المجرد بصحة الوقائع فقط ، ولكنه كذلك ظروف خارجية يستند إليها الاعتقاد ويستمد منها الأسباب المعقولة التي تبرره أو تسوّغه . وعليه يقوم حسن النيّة على عنصرين :-

الأول ، هو اعتقاد الفاعل صحة الوقائع التي يستند إليها وقيام هذا الاعتقاد على أسباب معقولة مستندة إلى البحث والتحري والتحوط اللازم .

 أما الثاني، فهو  استهداف  تحقيق  المصلحة العامة أو أية مصلحة  مشروعة ولوكانت فردية (58). كما أن حسن النيّة يتطلب قيامه اجتماع عنصرين آخرين لدى تنفيذ الموظف ومن في حكمه أمر رئيسه المخالف للقانون :

الأول ، أن يكون الموظف في وضع يطالبه فيه القانون بطاعة رئيسه ، أو أن يكون معتقداً لأسباب جدية معقولة ومقبولة بأنه مطالب بهذه الطاعة .

والثاني ، أن يكون الموظف معتقداً – في الوقت نفسه- لأسباب جدية معقولة ومقبولة بمشروعية الفعل الذي أقدم على تنفيذه ، وإلاّ  فلا يمكن تبرير الفعل بالقول أن الرئيس يباشر على مرؤوسه نوعاً من الإكراه الأدبي الذي ينفي إرادة المرؤوس ، أو القول بأن أوامر الرؤساء مفروض فيها مطابقة القانون فلا يملك أحد مراجعتهم فيها ، لأن مثل هذا القول أو ذاك يتعارض مع ما يتطلبه المشرع في المادة (40)  من قانون العقوبات   العراقي، والمادة ( 63) من قانون العقوبات المصري ، إذ يتطلب لإمتناع مسؤولية الموظف ومن في حكمه عند تجاوز الأوامر والاختصاص أو الغلط فيها أن ( يعتقد مشروعية الفعل أو الإجراء) ، ثم أنه لا تجب على المرؤوس طاعة الرئيس في معصية ومخالفة القانون (59) .        وحسن النيّة في معناه الضيق ينصرف إلى مجرد الاعتقاد بمشروعية الفعل ، فيتوافر إذا كان الموظف قد جهل أو غلط بما ينطوي عليه فعله من خرق للقانون . وهنا قد يرجع الجهل إلى غلط في الوقائع وعندئذ يتوافر حسن النية بلا شبهة ، لأن الغلط في الوقائع ينفي القصد الجرمي ، وقد يرجع الجهل إلى غلط في حكم قانون غير قانون العقوبات وعندئذ يأخذ هذا الغلط حكم الغلط في الوقائع ، لأنه قد جهل بواقعة تعد ركناً في الجريمة ، وقد يرجع الجهل إلى غلط في أحكام قانون العقوبات وعندئذ لا يصلح ذلك عذراً ولا ينفي سوء النيّة ، فيُسأل الموظف عن عمله كما لو كان يعلم بالحكم الذي خالفه ، وذلك لأن قانون العقوبات لا يدخل في أركان الجريمة حتى يلزم انصراف  علم الجاني إليه، وإنما هو مصدر الجريمة فحسب (60) .   والخلاصة ، إن اشتراط حسن النيّة قد يرد على نطاق الحق ، وهو شرط قائم بذاته بالنظر إلى طبيعته الشخصية وأهميته بين القيود التي ترد على نطاق الحق ، إذ هو يفترض تحديد الباعث إلى الفعل والتحقق من مطابقته لغاية الحق . ويراد بالحق، المصلحة التي يعترف بها القانون ويحميها . والحقوق جميعها غائية ، أي أن القانون يقررها لاستهداف أغراض معينة ، ومن ثم لا يعرف القانون حقوقاً مجردة عن الغاية ، بحيث لا يمكن لأصحاب هذه الحقوق ممارستها من دون أن يُسألوا عن الهدف الذي يريدونه بها . وحسن النيّة الذي يتطلبه القانون هو استهداف صاحب الحق بفعله ذلك الغرض الذي من أجله تم تقرير الحق  له ، فإن ثبت أنه كان يريد به غرضاً سواه ، ولو كان غرضاً نبيلاً محموداً في ذاته ، فهو سيّء النيّة،  وليس له أن يحتج لتبرير فعله بذلك الحق إذا لم يكن فعله مؤديا وظيفته الاجتماعية التي تحددها غاية الحق ، والتي من أجلها اعترف المجتمع بذلك الحق ، فالغاية التي يستهدفها الحق في االتأديب هي التهذيب ، فإذا ابتغى من كان له هذا الحق غاية سوى ذلك ، كالإكراه على أداء مال أو إشباع شهوة الإنتقام ، فإن فعله لا يعد مشروعاً وإنْ كان استعمالاً لحقٍ مقرّر له في القانون ( 61).

الشرط الثاني - أن يكون اعتقاد الفاعل بمشروعية الفعل مبنياً على أسباب  معقولة

إن المشرع ينتظر من الموظف ومن في حكمه ليكون غلطه مبرراً أن يقوم لديه الإعتقاد بمشروعية الفعل الذي يرتكبه في الصورة التي يكون فيها العمل غير مشروع ، سواء أقام بتنفيذ أمر الرئيس أم كان ينفذ القانون مباشرة . وإنّ الإعتقاد بمشروعية الفعل إنما يعني تماماً التعبير عن حسن النيّة ، ويمثل الدليل على توافرها لدى الفاعل ، وهو يستلزم أن لا يكون الموظف عالماً حقيقة بما انطوى عليه الأمر الصادر إليه من مخالفة للقانون ، إذ لا يتطلب القانون من الموظف طاعة رئيسه فيما يعد جريمة . ويعد الأمر الصادر جريمة ويعد الموظف سيّء النيّة في تنفيذه إذا كانت الوقائع التي تضمنها الأمر مما لا يمكن للرجل الإعتيادي أن لا يفهم إنها خروج صارخ وخرق واضح  للقانون ، كما لو صدر الأمر بتزوير أوراق الانتخابات البرلمانية فإن وجه الإجرام يبدو بديهياً . ويكون

الإعتقاد بمشروعية الفعل مبنيا على أسباب معقولة إذا كانت هذه الأسباب جدية ومهمة ومقبولة احتاط لها الفاعل وتثبت منها بتروٍ وتعقّل قبل أن يبني اعتقاده عليها من دون طيش أو رعونة وتسرع أو نزق (62) . وبعد ، فإن ادعاء الموظف أنه كان يعتقد مشروعية فعله لا يكون كافياً ليرقى إلى مرتبة توازي الحقيقة بحيث يكون الاعتقاد بمشروعية الفعل مساوياً لمشروعية الفعل من حيث الأثر ، وإنما يتعين أن يكون هذا الإعتقاد مبنياً على أسباب معقولة ، بأن يكون الاعتقاد له مبررات ومسوغات موضوعية لها كيان واقعي ومنطقي إذ إن الرجل الاعتيادي السوي متوسط الذكاء لو أنه وجد في محل الفاعل لقام لديه الإعتقاد نفسه (63) .وهكذا فإن الاعتقاد بصدور أمر الرئيس لا يغني عن صدور الأمر فعلاً . أي لا يغني اعتقاد الموظف بصدور الأمر عن حقيقة صدوره فعلاً ، أي لا يغني اعتقاد الموظف بصدور الأمر عن حقيقة صدوره فعلاً ، وإن التثبت من صدور الأمر لا غنى عنه لتوافر حسن النيّة ، ولكن توافر الأسباب المعقولة من شأنه التأثير في مسؤولية الفاعل الجنائية وجوداً وعدماً (64).

وعلى ذلك يمكن القول إن هذا الشرط لا يقوم في الحقيقة إلاّ  على وجوب التروّي والتدبّر وعدم التسرع وعدم التطيّر وعلى التأمل وحسن التفكير وعدم التهور والرعونة التي لا يمكن معها إعذار الموظف الذي اعتقد أن فعله كان ينسجم مع حكم القانون والقول بمنطقية   اعتقاده ، إذ إن الشرط المتعلق بمنطقية الاعتقاد يتطلب مراعاة الظروف الواقعية ومدلولها وأثرها في تكوين الاعتقاد . ولئن كان الاعتقاد بمشروعية الفعل يمثل الرابطة الذهنية بين الموظف والإجراء الذي يقوم به ، فإن منطقية الاعتقاد تمثل الرابطة بين الوقائع وقيام التصوّر الذهني لدى الموظف (65) .ولا تتحقق منطقية الاعتقاد ولا معقوليته إلاّ إذا كان ذلك الاعتقاد يعود إلى ظروف لا يحسن فهمها ولا تقديرها الإنسان الاعتيادي متوسط الذكاء والفطنة . ويترتب على ذلك أن الدفع بالغلط في الإباحة لا يكون مقبولا بالاعتماد على ذريعة يسيرة يدّعيها الفاعل  ، إنما عليه تقديم أدلة جدية معقولة ومنطقية و مقبولة ، ولا يتحقق ذلك إذا كان بمقدور الشخص أن يتفاداه باتخاذ بعض الاحتياطات اللازمة ، فيكون إطلاق النار من أحد الخفراء على المجني عليه مسوغاً إذا كان الأخير من السرّاق المشهورين وقد شوهد يتسلق جدار المخزن وهو مدجج بالسلاح في ساعة متأخرة من الليل وهو يهمّ لارتكاب جريمته(66) .

الشرط الثالث – أن لا يكون الفاعل قد ارتكب الفعل إلا ّبعد اتخاذ الحيطة المناسبة

طبقاً لنص المادة ( 40) من قانون العقوبات العراقي ، فإنه ينبغي فضلاً عن توافر حسن النيّة ليكون الغلط معذوراً (( أنْ يثبت أنَّ اعتقاد الفاعل بمشروعية الفعل كان مبنياً على أسباب معقولة وإنه لم يرتكبه إلاّ بعد اتخاذ الحيطة الناسبة )) .والمقصود بهذا الشرط أنّ المشرع تطلب أنْ يبذل الموظف أو المكلف بخدمة عامة كل جهده و أقصى طاقته بما يتناسب مع قدراته وإمكانياته الذهنية والبدنية ، بحيث لا يكون قد وصل إلى قناعته بمشروعية فعله ومطابقته لأحكام القانون أو على الأقل عدم تعارضه مع أحكام القانون إلاّ بعد أن بذل كل ما في وسعه  واتخذ كل التحوطات الضرورية دون أن يراوده ثمة شك أو ريبة بصدد صحة تصرفه ، من دون أن ينساق وراء هوىً أو طيش . ولا يتحقق ذلكإلاّ إذا قام الموظف قبل ارتكابه العمل  غير المشروع باستقصاء المعلومات وجمع البيانات اللازمة التي تدرأ الشك باليقين حتى إذا ما اقتنع بمشروعية فعله أقدم عليه . وهكذا إن نكص الموظف عن اتخاذ الخطوات التي ولدت تلك القناعة لديه بمشروعية فعله من خلال التدقيق والتمحيص والتبصر ، فمعنى ذلك أنه لم يتصرف على النحو الذي تقتضيه موجبات الحيطة والحذر التي يتطلبها القانون وينتظرها في تصرف رجل مثله (67)  ، بيد أن المشرع الجنائي المصري في المادة ( 63) عقوبات تطلب بدلا من اتخاذ الحيطة المناسبة ، شرط التثبت والتحري من مشروعية الإجراء . وقد حدّدت محكمة النقض المصرية معنى التثبت والتحري في قرارٍ لها بقولـــــها : (( إن مظهر التثبت والتحري اللذين يتطلبهما القانون هو ألاّ يلجأ الموظف إلى استخدام سلاحه ضد من يشتبه في أمرهم إلاّ بعد التيقّن من أن لشبهته محلاً ، واستنفاذ وسائل الإرهاب والتهديد التي قد تعينه في القبض على المشتبه فيهم بغير حاجة إلى استعمال ســـــلاحه )) (68). والحق ، أن هذا الشرط جاء من قبيل الإحتياط حتى لا يحتج الموظف الذي كان اعتقاده منطويا على حسن النيّة وسلامة السريرة ، بعدم مسؤويته الجنائية، على الرغم من إهماله ، فإثبات أنه لم يرتكب الفعل إلاّ بعد التثبت والتحري أو بعد اتخاذ الحيطة المناسبة يرفع الإهمال ويحول دون قيام المسؤولية الجنائية برمتها لأن الغلط سيكون من قبيل الغلط الحتمي الذي يقع فيه كل إنسان اعتيادي أحاطت به الظروف عينها . بمعنى أن تخلف شرط اتخاذ الحيطة المناسبة من جانب الفاعل يستتبع بالضرورة توافرالخطأ في تصرف الفاعل ، إذ تنهض مسؤوليته عن جريمة غير عمدية . وان قاضي الموضوع منوط به وحده أمر التحقق من قيام هذا الشرط وتقدير توافره ، إلاّ أنّ قيام الموظف بمجهود إيجابي بغية التحري والتحقق من مشروعية فعله ربما يكون كافياً لدعم دفاعه (69) . ويتضح في ضوء ما تقدم ، أن المشرع الجنائي العراقي لا يؤسس الإعفاء من المسؤولية الجنائية على مجرد توافر حسن النية التي من شأنها نفي القصد الجرمي ، بل إنه فضلاً عن ذلك قد اشترط أن يكون الغلط الذي وقع فيه الموظف هو غلط حتمي يقع فيه الإنسان الاعتيادي الذي تحيطه الظروف والملابسات نفسها (70) . غير أن الجملة الأخيرة من نص المادة (40) عقوبات استثنت من ضرورة توافر شرطي معقولية اعتقاد الفاعل بمشروعية الفعل ، واتخاذ الحيطة المناسبة لدى المرؤوس الذي لا يحق له مناقشة االأمر الصادر إليه من مرؤوسه بقولها :(( ...... ومع ذلك فلا عقاب في الحالة الثانية إذا كان القانون لا يسمح بمناقشة الأمر الصادر إليه )) ، و ذلك في الحالات التي يصدر فيهاالأمر إلى المرؤوس الذي يكون محكوما بنظام صارم عماده الطاعة والإلتزام  والتنفيذ المباشر السريع من دون مناقشة ، كما في وحدات الجيش أو الشرطة أو بعضالأجهزةالأمنية والاستخباراتية والمخابراتية . ولمّا كان العمل غير مشروع ، فلا يمكن القول بإباحته، على الرغم من حالة عدم السماح بمناقشة الأمر الصادر إلى المرؤوس ، وإنما تمتنع مسؤولية المرؤوس لا بسبب الغلط في الإباحة ، بل بسبب الإكراه المعنوي (71) غير أنه يشترط أن يدخل الأمر الصادر إلى المرؤوس ضمن واجبات وظيفته ولا يتعلق بارتكاب جريمة اعتيادية كالقتل أو السرقة التي لا يكون مسوغ لها ولا يقتضيها الواجب ، لان المرؤوس عندئذ يكون عرضة لتحمل المسؤولية الجنائية مع رئيسه (72) .

 

الشرط الرابع – تكليف الفاعل بإثبات ما يدّعيه

لو عدنا إلى الشق الأخير من المادة (40) من قانون العقوبات العراقي لوجدناها لا تلقي عبء الإثبات على عاتق الموظف بصورة واضحة وصريحة وقاطعة ، إذ جاءت الصياغة على وجه يسوّغ للبعض القول : إن عبء الإثبات لا ينوء به الموظف إنما يركن فيه إلى القواعد العامة ، بقولها : (( ويجب في الحالتين أن يثبت أن اعتقاد الفاعل بمشروعية الفعل كان مبنيا على أسباب معقولة ...)) في حين كان قانون العقوبات البغدادي ( الملغى ) أكثر وضوحاً ودقة حين ألقى عبء الإثبات على الموظف المتّهم في نص المادة (46) منه بقولها : (( على المتهم في المادتين السابقتين أن يثبت أنه كان يعتقد مشروعية عمله ، أوإعتقاده كان مبنياً على أسباب مقبولة وإنه اتخذ كل حيطة وحذر )).  وانسجاما مع وجهة المشرع العراقي السابقة ، ومع عبارات الشق الأخير من نص المادة (40) عقوبات والتي تنطوي على تنبيه الموظف على ضرورة عدم الإقدام على العمل ما لم يكن بيده دليل كافٍ على استناد فعله إلى أسباب معقولة تسوغ اعتقاده بمشروعية فعله فضلا عن وجوب اتخاذه الحيطة المناسبة قبل الإقدام عليه ، فإنه يتعين على الموظف إثبات ما يدعيه ، وإن تكليفه بذلك لا إجحاف فيه أبدًا من جانب المشرع ، لان المشرع إذا كان يسوّي بين العمل القانوني والعمل غير القانوني ليدفع عن الموظف تردده وخوفه من كل ما قد يقع منه ضمن إطار واجباته ويلحق ضرراً بالمصلحة العامة ، من خلال عدم تهديد الموظف بمسؤولية مطلقة بصدد ذلك ، فإنه من الواجب أيضا أن لا يغفل المشرع جانب الأفراد الذين تتعرض حقوقهم للإعتداء ، وذلك بأن لا تقوم تلك المساواة بين العمل القانوني وغير القانوني الذي يبنى على الاعتقاد ما لم يكن الدليل بيد الفاعل عند إقدامه على الفعل ، يثبت أن اعتقاده بمشروعية فعله تسوغه أسباب معقولة ، وإن الحيطة اللازمة كانت ديدن الفاعل قبل إقدامه على الفعل (73) .

3- الظوابط التي تقيد سلطة الرئيس وتتحكم في إصداره الأوامر إلى مرؤوسيه

  من المبادئ الجوهرية في النظام الوظيفي أن تتوافر في العلاقات الوظيفية بعض الضوابط التي تحدد مسيرة السلطة وتسبغ صفة الشرعية على الأوامر الصادرة بالإستناد  إليها . بل إن هذه الضوابط متوافرة في النظام الاجتماعي أساساً لإسباغ الإحترام المتبادل وفرض الطاعة الأدبية والوظيفية بين أفراد المجتمع بحسب مواقعهم الاعتبارية فيه . بيد أن هذه الضوابط مطوقة بمبدأ حسن النيّة ، وخدمة المصلحة العامة ، من دون أن تتضمن أي نشاط إجرامي يحظره القانون . وعليه ينبغي أن تستند الأوامر واجبة الإتباع إلى أمرين أساسيين هما :شرعية الأمر الصادر إلى الفاعل المرؤوس في وجوب كونه مستنداً إلى نص قانوني ، وشرعية الرئيس المخول بإصدار مثل هذه الأوامر(74).          ومن خلال وضع قيود وضوابط واضحة ترد على سلطات الرئيس في إصداره الأوامر إلى مرؤوسيه ، فإنه لا يمكن للمرؤوس إن يتذرع بكونه وقع في الغلط عند تنفيذه الأوامر دون مراعاة هذه القيود والضوابط التي وضعها الفقه المصري ،والتي لانرى ضيراً من اعتناقها واعتبارها في قضاءنا العراقي ، ولا سيما إن المشرع العراقي لم يورد حلاًّ لهذه المسألة وترك الأمر لاجتهاد القضاء ، إذ تتعذر معرفة الحد الفاصل بين وجوب طاعة أمر الرئيس . ووجوب الإمتناع عن تنفيذه ، فقد يتعرض الموظف للمسؤولية بسبب تنفيذه أمر رئيسه حين يعتقد على سبيل الغلط عدم توافر العيب المتعلق بعدم المشروعية  الصارخة ، وقد يتعرض للمسؤولية  من جهة أخرى بسبب تنفيذه حين يعتقد  على سبيل الغلط   وجــــــــــــــــود  هذا  العيــــــــــــــــب (75) . ودوننا تلك الضوابط والقيود التي قد تظهر أن الفاعل حسن النيّة قد اتخذ الحيطة المناسبة عند اعتبارها :

القيد الأول – لا يملك الرئيس تكليف أحد مرؤوسيه بارتكاب جريمة ، لأن الحظر الذي يفرضه قانون العقوبات موجه إلى الناس كافة ، بصرف النظر عن مسمياتهم وأوضاعهم الاجتماعية ومناصبهم ، ولأن أحداً في أية دولة لا يمكن أن يحلل جريمة حرّمها المجتمع بموجب القانون ، فالموظف الذي كان يعلم صحيحاً أن الأمر الصادر إليه يُكوّن جريمة ، يعرّض نفسه للعقاب الجنائي إذا نفّذه بناءً على أمر رئيسه أو من تلقاء نفسه ، وإنْ كان قد وقع في غلط في تنفيذه وكان حسن النيّة ، إلاّ إذا كان اعتقاده بمشروعية فعله مبنياً على أسباب معقولة وكان قد اتخذ الحيطة اللازمة قبل ارتكابه الفعل (76) .

القيد الثاني – يتعين على المرؤوس تنفيذ أمر رئيسه – ولو كان الأمر مخالفاً للقانون – إذا لم تصل تلك المخالفة إلى حد الوقوع تحت طائلة قانون العقوبات على وفق الشروط الآتية :

أ- تنبيه الرئيس كتابة بوجود المخالفة ، وذلك لأن طاعة الرئيس لا تلغي وجوب احترام المرؤوس للقانون ، ومن ثم يتحمل المرؤوس الذي ينفذ أوامر رئيسه تلقائيا على الرغم من كونها مخالفة للقانون نصيبه من المسؤولية والعقاب .

ب – إذا ما أصرّ الرئيس على أوامره على الرغم من تنبيهه كتابة ، وجب عليه أن يصدر أوامره كتابة . والغاية من هذا التحوط حماية المرؤوس من مسؤولية تنفيذ الأمر المخالف للقانون ، وكذلك منح الرئيس فرصة التروي قبل الإقدام والمضي في تنفيذ قراره المخالف للقانون على الرغم من  تنبيهه بوجود المخالفة ، لأنه عندئذ سوف  يتحمل المسؤولية  بمفرده (77).

القيد الثالث – إن طاعة المرؤوس لرئيسه لا تعني أبداً تجريد المرؤوس من شخصيته واستقلاليته تماماً ، ولا تعني حرمانه من التفكير السليم ومصادرة رأيه في استخلاص النتائج السليمة ، لأن العمل الإداري في حقيقته عمل جماعي لا فردي ، وإن الرئيس نفسه ملزم بتدريب مرؤوسيه وإعدادهم لإشغال المناصب العليا تماشياً مع طبيعة الحياة وقانون التطور وانسجاما مع  مبادئ الديمقراطية ومستلزمات الإدارة الناجحة ، وعلى هذا، فإن من حق المرؤوس مناقشة رئيسه فيما يصدره من أومر تتصل بعمله ، وأن يقترح عليه ما يصب في صالح العمل في حدود علاقات الإحترام الواجبة . ولا تثريب على الموظف إذا كان معتدّاً بنفسه واثقاً من رجاحة رأيه وصواب تفكيره وشجاعاً في صراحته ما دامت في حدود ما تقتضيه وظيفته من تحفظ ووقار واحترام ، فالحقيقة دائماً وليدة اختلاف الرأي ، لا يجليها إلاّ قرع الحجة بالحجة ، إنما ليس له أن يخالف ما استقر عليه رأي الرئيس نهائيا أو يقيم العراقيل في سبيل تنفيذه حتى أصبحت الطاعة واجبة بعد أن خرجت المسألة عن دور البحث إلى دور التنفيذ (78) .

الصورة الثانية – الغلط في الدفاع الشرعي

تحدث المشرع العراقي في المادة (42) عقوبات عن حالة الغلط التي قد تنتاب المدافع لدى استعماله حقه في الدفاع الشرعي ، إذ إن المدافع قد يتصور خلافاً للحقيقة وجود خطر حال من جريمة على النفس أو على المال خلافاً للواقع ، أي ينصب الغلط على أحد شروط الدفاع الشرعي ، إذ نصت هذه المادة على أنه (( لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق الدفاع الشرعي ويوجد هذا الحق إذا توافرت الشروط الآتية :-1- إذا واجه المدافع خطر حال من جريمة على النفس أو على المال أو اعتقد قيام هذا الخطر وكان اعتقاده مبنياً على أسباب معقولة ...)).ونستخلص من ثنايا هذا النص أن المشرع العراقي يساوي بين وجود الخطر الحال على النفس أو على المال  حقيقة وبين وجوده في خيال المدافع فقط دون الواقع بشرط واحد هو أن يكون اعتقاد الفاعل مبنياً على أسباب معقولة ، فالإنسان غالباً ما يكون وهو في حالة الدفاع الشرعي أليه عند تصوّر نفسه في هذا   الوضع ، في حالة من الخوف على حياته أو عرضه أو ماله ، وفي حالة من الغضب والارتباك والتحفز العارم لرد خطر العدوان المحدق به ودفع الشر الذي حل به ، الأمر الذي جعل المشرع يساوي بين وجود الخطر حقيقة واعتقاد وجوده لا حقيقة ، بالنظر إلى الأسباب المعقولة التي جعلت المدافع يعيش تلك الرهبة والارتباك ثم يذهب في تقدير وجود الخطر وجسامته مذهباً يجافي الحقيقة فرضته على ذهنه حالة الذعر والخوف التي   ساورته ، والتي من الممكن أن تساور أي إنسان اعتيادي لو أنه عايش الأسباب والظروف عينها .

والأصل في الخطر الذي يبيح الدفاع الشرعي أن يكون خطراً حقيقياً لا مجرد خطر وهمي مبني على الظن والاعتقاد . وقد يقوم في ذهن المدافع خطر وهمي كما أشرنا آنفا  ، يتخيله ويسيطر على حواسه وتفكيره إلى درجة يكون معها في حالة اعتقاد جازم بأنه أمام خطر حقيقي حال غير مشروع . وهذا يماشي المشرع العراقي في المادة ( 42) عقوبات الرأي الراجح في الفقه الذي يقر بقيام حالة الدفاع الشرعي ولو كان الخطر وهمياً لا يمت إلى الحقيقة بصلة ، بشرط أن تلقي الظروف والملابسات في نفس المدافع الروع وتكون على درجة عالية من التأثير فتوحي للمدافع وتصور له أن هناك خطراً جدياً وحقيقياً يتهدده وهو موجه إليه حالاً (79) . وهذه بلا ريب مسالة موضوعية تقديرية خاضعة لتقدير القاضي ، وهو الذي يقدر مدى صحة استخلاص المدافع للأسباب المعقولة من الظروف والملابسات التي تحيط به ، كأن يشاهد أحد الحراس المنوط بهم حراسة إحدى الأماكن المهمة في منطقة مهجورة وخطرة في جوف الليل شخصا مسرعاً مقبلاً عليه يحمل شيئاً يشبه السلاح ويصوبه نحوه ولا يحفظ كلمة السر الخاصة بالمرور ولم يقف أو يعرّف عن هويته وشخصيته على الرغم من المناداة عليه ، فيطلق الحارس عليه الرصاص ليدفع عن نفسه ما يعتقده خطراً يهدد حياته ، ثم يتضح لاحقاً أن الشخص هو صديقه وجاء ليمازحه ، وإن الذي كان يحمله ليس سلاحاً وإنما عصاً غليظة ، فإن الدفاع الشرعي يعد قائماً في هذه الحالة ، على الرغم من  كون الخطر وهمياً لا حقيقياً (80) .غير أن اعتقاد الشخص بوجود خطر وهمي إذا لم يكن مستنداً إلى أسباب معقولة ، فلا يعد أكثر من كونه اعتقاداً خاطئاً غير مبرر بقيام حالة الدفاع الشرعي ، الأمر الذي يكون معه الشخص متجاوزاً حدود ذلك الدفاع الشرعي ومسؤولاً عن الجريمة التي ارتكبها ، وإنما يجوز للمحكمة أن تحكم بعقوبة الجنحة بدلاً من عقوبة الجناية ، وعقوبة المخالفة بدلاً من عقوبة الجنحة استناداً للمادة  (45 )  من قانون  العقوبات   العراقي (81) .     ومن أمثلة الاعتقاد الوهمي المبرر أو المسوغ في قضاء محكمة النقض المصرية قولها : (( إن مفاجأة شخص في أثناء سيره وسط المزروعات في ليلة حالكة الظلمة تستحيل معها الرؤية وفي مكان ينأى عن العمران بطلق ناري نحوه هو فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة يبرر رد الاعتداء عليه بالوسيلة التي تصل إلى يد المدافع ويعتبر في حالة دفاع شرعي عن نفسه )) ولو أن من أطلق النار صوبه كان قاصداً المزاح معه ، ولاسيّما إذا لم يقم بتعريف المدافع عن نفسه ، حتى يجعله يظن أنه عدوٌ يتربص به وليس صديقاً يمازحه .فالعبرة في تقدير ظروف الدفاع ومقتضياته تكون بما يراه المدافع ، ولا يمكن تصوّر هذا التقدير إلاّ كونه اعتبارياً للشخص الذي فوجئ بالعدوان بالنظر إلى ظروفه الحرجة والملابسات الدقيقة التي كانت تحيط به وحده والتي يتعين عليه تقديرها بسرعة ، مما لا يصح معها محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المطمئن (82). وعليه يعتد المشرع الجنائي العراقي في ( المادة / 42 عقوبات ) والمصــري ( في المادة / 250 عقوبات ) بالخطر الوهمي لقيام حالة الدفاع الشرعي متى كانت الظروف الحرجة والملابسات المعقدة تبرر قناعة المدافع إلى الحد الذي تجعله يعتقد – مثل غيره لو أنه وجد في مكانه – بأنه عرضة لاعتداء حقيقي وشيك بالنظر إلى معقولية الأسباب التي ولّدت اعتقاده . ولمعقولية هذه الأسباب في القضاء المصري حد أدنى يتمثل في أن يكون قد وقع فعل إيجابي يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي ، سواء  أوَقع  فيها الاعتداء بالفعل أم بدرت من المجني عليه بادرة اعتداء تجعل المتهم يعتقد لأسباب معقولة وجود خطر حال على نفسه أو ماله أو على نفس غيره أو ماله ، وإلاّ فلا يبرر الخطر الوهمي غير المستند إلى أسباب معقولة ولا يعد بمثابة دفاع شرعي (83 ).    ويشار هنا إلى أن قانون العقوبات العراقي قد أباح القتل العمدي للدفاع الشرعي عن النفس في ( المادة / 43/1منه) إذا أريد به دفع (( فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة )). كما إنه أباح القتل العمدي للدفاع الشرعي عن المال في ( المادة /43/ 4 / منه ) إذا أريد به دفع (( فعل يتخوف أن يحدث عنه الموت أوجراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة )) . لا بل إنه أجاز في         ( المادة / 46 منه ) مقاومة أحد أفراد السلطة العامة أثناء قيامه بعمل تنفيذاً لواجبات وظيفته إذا تخطى حدود وظيفته وإن كان حسن النيّة (( إذا خيف أن ينشأ عن فعله موت أو جراح بالغة وكان لهذا التخوف سبب معقول  )) . والمشرع العراقي بذلك يكون قد اكتفى بمجرد توهم درجة الخطر لإباحة هذه الأفعال ، لأن كلمة ((التخوف )) الواردة في النصوص المذكورة لا تعني مجرد توهم الخطر ، وإنما تعني توهم درجة هذا الخطر والغلط في تقدير جسامته و آثاره المتوقعة ، فالخطر واقع في الحقيقة ، بيد أن الشخص قد يتوهم أنه من نوع الخطر الجسيم الذي يبيح له الدفاع عن نفسه أو ماله ولو بالقتل ، فيكون هذا الغلط في الإباحة مساوياً للإباجة التي أجازها المشرع إذا استند على أسباب معقولة لها ما يبررها .

          وقد ذهب القضاء العراقي إلى عدّ الاعتقاد الذي لا يستند إلى أسباب كافية معقولة بل يستند إلى أسباب أدنى من ذلك ، سبباً من أسباب التخفيف ، فقرر مـبدأً عاماً مفاده أن (( من اعتقد أنه في حالة دفاع شرعي عن نفسه وهو ليس كذلك ، لا يعفى من العقوبة ، وإنما يعتبر من أسباب التخفيف )) (84) . إذ جاء في قرار لمحكمة التمييز فـي العراق (...... إن المتهم اعترف بأنه عندما تنازع مع المجني عليه بالكلام قد مدّ المجني عليه يده تحت الوسادة واعتقد المتهم أنه كان يقصد إخراج المسدس ليطلق النار نحوه فبادر إلى طعنه بالسكينة التي كان يحملها وقتله معتقدا أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه ، في حين أنه لم يكن   كذلك ، ويكون فعله منطبقا على أحكام المادة (212) ق .ع. ب . بدلالة المادة (52) لا المادة (212) من ق .ع. ب . ...)) (85) . وقررت في حكم آخر أنه (( إذا مدّ المجني عليه يده تحت إبطه ولم يفعل أكثر من ذلك وتبين فيما بعد أنه لم يكن حاملاً أي سلاح ، فلا يسوّغ للمتهم الاعتقاد بأنه في حالة دفاع شرعي ...))(86) . وقررت بأنه (( إذا اعتقد المتهم خطأ بقيام حالة الدفاع الشرعي بسبب مطاردة المتهمين له وهم يحملون أسلحتهم فذلك يقتضي تخفيف عقوبته حسب المادة 45 عقوبات ))(87) .وإنــــــــه (( لا يعتبر المتهم في حالة دفاع شرعي إذا أطلق النار على من طرق بابه ليلاً  بحجة اعتقاده أنه من السرّاق ))(88) .

_________________________

1- د. علي حسين الخلف ود.سلطان الشاوي-المبادىء العامة في قانون العقوبات-مطابع الرسالة-الكويت-1982 ص 246 وما بعدها . ود. سامي النصراوي – المبادئ العامة في قانون العقوبات – ج 1/ الجريمة –ط1- مطبعة دار السلام في بغداد – 1977- ص 143 . وينظر : د. محمود نجيب حسني-شرح قانون العقوبات اللبناني/القسم العام-المجلد الأول-ط3-منشورات الحلبي الحقوقية-بيروت/لبنان-1998– ص 251. د. كامل السعيد-شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات-ط1-الناشر الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع-عمان/الأردن-2002، ص 132. د. رمسيس بهنام-نظرية التجريم في القانون الجنائي-معيار سلطة العقاب تشريعيا وتطبيقيا-منشأة المعارف-الأسكندرية-1971– ص  406 .د. محمد علي السالم عياد الحلبي-شرح قانون العقوبات/القسم العام-مكتبة دار الثقافة والنشر والتوزيع-عمان/الأردن-1997– ص 165 . د. نظام توفيق المجالي-شرح قانون العقوبات/القسم العام-مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع-عمان/الأردن-1997– ص 177

2 - د. محمد صبحي نجم ود.عبد الرحمن توفيق-الجرائم الواقعة على الاشخاص والأموال في قانون العقوبات الأردني-مطبعة التوفيق-عمان/الأردن-1987– ص 133 . وينظر د. محمد زكي أبو عامر-قانون العقوبات اللبناني/قسم العام-الدار الجامعية للطباعة والنشر-بيروت-1981–ص 295 .

3- د. محمود نجيب حسني-شرح قانون العقوبات اللبناني/القسم العام-المجلد الأول-ط3-منشورات الحلبي الحقوقية-بيروت/لبنان-1998– ص 251.

4- د. ابراهيم زكي أخنوخ-حالة الضرورة في قانون العقوبات-الناشر دار النهضة العربية-القاهرة-1969– ص 180 .

5 - محمد علي السالم عياد الحلبي-شرح قانون العقوبات/القسم العام-مكتبة دار الثقافة والنشر والتوزيع-عمان/الأردن-1997–ص 165 .

6- محمد علي السالم – ص 166 . وينظر تفصيلا : د. محمود محمود مصطفى – شرح قانون العقوبات / القسم العام –ط3 – دار النيل للطباعة – 1955 - ص 80 .

7- د. محمود نجيب حسني – أسباب الإباحة في التشريعات العربية – النظرية العامة للإباحة – المطبعة العالمية / القاهرة – 1962 – ص 279 . وينظر د. محمود محمود مصطفى – المصدر السابق –      ص 80 .

8- أما موقف الشريعة الاسلامية من الغلط في الإباحة فتفصيله في مصدر : الموافقات في أصول الأحكام للإمام الشاطبي –ج / 2 – ص 252 ، وكذلك الفروق للامام القرافي المالكي –ج/ 4 – طبعة بيروت – ص 272 وما بعدها . وينظر : القاضي فريد الزغبي-الموسوعة الجزائية-المجلد الثالث/في الحقوق الجزائية العامة(الضابط المعنوي والفعل الجرمي)-ط3-دار صادر للطباعة والنشر-بيروت-1995، ص 158 - 160 . ود. علي حسن الشرفي-شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني/القسم العام-ج/1 النظرية العامة للجريمة-ط3-1997– ص 167 وما بعدها .

9 - نقلا عن د. محمد زكي محمود-آثار الجهل والغلط في المسؤولية الجنائية-دار الفكر العربي للطباعة والنشر-1967– ص 274.

10 - المصدر السابق – ص 275.

11 - د. ابراهيم زكي أخنوخ-حالة الضرورة في قانون العقوبات-الناشر دار النهضة العربية-القاهرة-1969 ص 182 وما بعدها .

12- نقلا عن د. محمد زكي محمود – المصدر السابق – ص 275.

13 - د. محمود نجيب حسني-النظرية العامة للقصد الجنائي-دار النهضة العربية-القاهرة-1978– ص 111.

14 - المصدر السابق – ص 111.

15 - د. كامل السعيد-شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات-ط1-الناشر الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع-عمان/الأردن-2002ص 133.                            

16- تنظر المادة (63) من قانون العقوبات المصري التي تنص على (( وجوب أن يثبت الموظف أنه لم يرتكب الفعل إلاّ بعد التثبت والتحري ، وإنه كان يعتقد  مشروعيته ،  وإن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة )).

17 - تنظر المادة ( 69) من قانون العقوبات الليبي (( اذا وقعت جريمة ، يكون منفذ الأمر مسؤولاً ما لم يكن معتقد بناءً على خطأ في الوقائع أنه ينفذ أمراً  مشروعاً )).

18- تنظر المادة (38 ) من قانون العقوبات الكويتي (( يجب على الموظف أن يثبت أن اعتقاده بني على أسباب معقولة وإنه قد قام بالتثبت والتحري اللازمين للتحقق من مشروعية فعله )).

19 -تنظر المادة (225) عقوبات سوري،  والمادة (226) عقوبات لبناني ، وهما تنصان على أن (( لا يعاقب الموظف العام ، أو العامل المستخدم في الحكومة الذي أمر بإجراء فعل أو أقدم على فعل يعاقب عليه القانون ، إذا اعتقد بسبب غلط مادي أنه يطيع أمر رؤسائه المشروع في أمور داخلة في اختصاصهم ووجبت عليه طاعتهم فيها )) .

20- د. محمد محمود زكي – المصدر السابق – ص 276 وما بعدها .

21- محمد زكي أبو عامر-قانون العقوبات/القسم العام-الفنية للطباعة والنشر-الأسكندرية-1986ص 295وما بعدها . وينظر د. محمود نجيب حسني / شرح قانون العقوبات اللبناني –القسم العام- ص 251 وما بعدها . د. محمد زكي محمود – المصدر السابق – ص 276-278.

22- د. محمد زكي محمود – المصدر السابق – ص 283 وص 285و ص 302 وما بعدها .

23 - د. ابراهيم زكي أخنوخ – المصدر السابق – ص 184 .

24-  د. محمد الفاضل-المبادىء العامة في قانون العقوبات-ط2-دمشق-1963–ص 465وما بعدها .

25 - د. محمد زكي أبو عامر – قانون العقوبات القسم العام – ص 296.

26- د.محمد زكي محمود – المصدر السابق- ص 276 وهامش (1).

27 - د. ضياء الدين مهدي الصالحي-أسباب الاباحة والجهل والغلط بها في القانون العراقي والألماني-بحث منشور في مجلة القانون المقارن العراقية-العدد/22-السنة/1990– ص 124- 126 .

28-  المصدر السابق – ص 126 – 128 .

29 - المصدر السابق – ص 128 وما بعدها .

30- د. ابراهيم زكي أخنوخ – المصدر السابق – ص 182 وما بعدها .

31-د. رمسيس بهنام-نظرية التجريم في القانون الجنائي-معيار سلطة العقاب تشريعياوتطبيقيا-منشأة المعارف-الأسكندرية-1971– ص 363.

32- محمد علي السالم عياد الحلبي-شرح قانون العقوبات/القسم العام-مكتبة دار الثقافة والنشر والتوزيع-عمان/الأردن-1997ص 183 .

33- د. رؤوف عبيد –في التسيير والتخيير بين الفلسفة العامة وفلسفة القانون –ط3-دار الفكر العربي للطباعة والنشر-1984 -  ص 448 وما بعدها .

34 - د. محمد صبحي نجم ود.عبد الرحمن توفيق-الجرائم الواقعة على الاشخاص والأموال في قانون العقوبات الأردني-مطبعة التوفيق-عمان/الأردن-1987- ص 148.

35 - ينظر هذا القرار وقرارات مصرية وفرنسية أخرى في مصدر : د. فوزية عبد الستار – دراسة بعنوان خطر الاعتداء في الدفاع الشرعي – منشورة في مجلة القانون والاقتصاد المصرية – العددان الثالث والرابع – السنة الثانية والاربعون – الشركة المصرية للطباعة والنشر -1973 –ص 173.

36- د. كامل السعيد – الأحكام العامة في قانون العقوبات – ص 148 وما بعدها .

37- د. محمود محمد مصطفى-شرح قانون العقوبات/القسم العام-ط1-دار النهضة العربية-1983ص 141 وما بعدها . وينظر الرأي المخالف ومفاده :  إن أسباب الإباحة ذات طبيعة موضوعية ، الأمر الذي يقتضي توافرها حقيقة ، حتى تنتج آثارها ، بحيث لا يغني عن توافرها مجرد توهم ذلك ، وعليه ينبغي أن يكون الخطر في حالة الدفاع الشرعي قائماً فعلاً ، فإذا كان وهمياً لا وجود له إلاّ في مخيّلة المدافع دون الواقع فلا محل للقول بقيام حالة الدفاع الشرعي . ولكن هذا الاعتقاد يعني وجود غلط منصب على الوقائع التي يقوم عليها الدفاع ، وهو غلط ينفي القصد الجرمي ، وإذا كان الاعتقاد مبنياً علىأسباب معقولة فهوغلط ينفي الخطأ كذلك ، فلا محل للمسؤولية الجنائية عندئذ وإنْ كان الفعل في ذاته غير مشروع . ينظر د. محمود نجيب حسني-شرح قانون العقوبات اللبناني/القسم العام-المجلد الأول-ط3-منشورات الحلبي الحقوقية-بيروت/لبنان-1998ص 303 وما بعدها . وينظر د. نظام توفيق المجالي-شرح قانون العقوبات/القسم العام-مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع-عمان/الأردن-1997– ص 232 .

38 - د. عبود السراج-قانون العقوبات/القسم العام-مطابع جامعة دمشق-سورية-2002– ص 338 وما بعدها .

39- د. علي حسن الشرفي-شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني/القسم العام-ج/1 النظرية العامة للجريمة-ط3-1997- ص 221 .

40-  المصدر السابق – ص 209 وما بعدها .

41 - د. فوزية عبد الستار-دراسة بعنوان خطر الاعتداء في الدفاع الشرعي-منشورة في مجلة القانون والاقتصاد المصرية-العددان/3،4-السنة/42-الشركة المصرية للطباعة والنشر-1973– ص 176 -178.

42 - نصت المادة (39) من قانون العقوبات العراقي على أنه (( لا جريمة إذا وقع الفعل قياماً بواجب يفرضه القانون )) .

43- نصت المادة (40 ) من قانون العقوبات العراقي على أنه (( لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أو شخص مكلف بخدمة عامة في الحالات التالية :-

أولاً – إذا قام بسلامة نية بفعل تنفيذا لما أمرت به القوانين أو اعتقد أن إجراءه من اختصاصه .

ثانياً- اذا وقع الفعل منه تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس تجب عليه طاعته أو اعتقد أن طاعته واجبة عليه .

ويجب في الحالتين أن يثبت أن اعتقاد الفاعل بمشروعية الفعل كان مبنياً على أسباب معقولة وإنه لم يرتكبه إلاّ بعد اتخاذ الحيطة المناسبة ومع ذلك فلا عقاب إلاّ في الحالة الثانية إذا كان القانون لا يسمح للموظف بمناقشة الأمر الصادر اليه )) . وتقابلها (  المادة / 63 من قانون العقوبات المصري ونصها (( لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحوال الاتية : أولا ً– إذا ارتكب الفعل تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه طاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه . ثانياً – إذا حسنت نيته وارتكب فعلا تنفيذاً  لما أمرت به القوانين ، أو اعتقد أن إجراءه من اختصاصه . وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفاعل إلاّ بعد التثبت والتحري وإنه كان يعتقد مشروعيته ، وإن اعتقاده كان مبنيا على أسباب معقولة ....)).

44- د. سامي النصراوي-المبادىء العامة في قانون العقوبات-ج/1 الجريمة-ط1-مطبعة دار السلام-بغداد-1977– ص 149 وما بعدها. وينظر عبد المحسن سالم – العوارض الوجوبية والتقديرية للمسؤولية التأديبية للموظف العام – مقارنة بعوارض المسؤولية الجنائية في التشريعين العراقي والمصري – ط/1 – مطبعة عصام / بغداد – 1986 – ص 51- 53.

45- د.محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات اللبناني – ص 346 . وينظر د. كامل السعيد – شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات – ص 183 . ود. علي حسين الخلف-الوسيط في شرح قانون العقوبات   -ج/1 النظرية العامة-ط1-1968-  ص 339. عبد المحسن السالم-العوارض الوجوبية والتقديرية للمسؤولية التأديبية للموظف العام/مقارنة بعوارض المسؤولية الجنائية في التشريعين العراقي والمصري-ط1-مطبعة عصام-بغداد-1986 – ص 87.

46 - د. نظام توفيق المجالي-شرح قانون العقوبات/القسم العام-مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع-عمان/الأردن-1997 ص 206 .

47-  د. عبد المحسن السالم-العوارض الوجوبية والتقديرية للمسؤولية التأديبية للموظف العام/مقارنة بعوارض المسؤولية الجنائية في التشريعين العراقي والمصري-ط1-مطبعة عصام-بغداد-1986.. وينظر د. نظام توفيق المجالي – المصدر والموضع السابق .

48 - د. كامل السعيد – المصدر والموضع السابق . وينظر د. نظام توفيق المجالي – المصدر والموضع السابق.

49 -  د. محمود نجبب حسني – شرح قانون العقوبات اللبناني – ص 346 وما بعدها و ص347   هامش رقم ( 1) .

50 -  د. حكمت موسى سلمان – طاعة الأوامر  وأثرها في المسؤولية الجزائية – ط/1 – بغداد 1987 – ص 75 – 77 . وينظر د. علي حسين الخلف-الوسيط في شرح قانون العقوبات   -ج/1 النظرية العامة-ط1-1968، ص 340 وما بعدها . ود. حميد السعدي-شرح قانون العقوبات الجديد-ج/2 جرائم الاعتداء على الأموال-ط2-مطبعة المعارف-بغداد-1976– ص 337 وما بعدها . ود. محمود محمد مصطفى – القسم العام-  ص 202 .

51- د. كامل السعيد – شرح الأحكام العامة – ص 184 وما بعدها .

52- د. نظام توفيق المجالي – المصدر السابق – ص 209 .

53- د. محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات اللبناني – ص 347 وما بعدها .

54 - د. محمد زكي أبو عامر ود. علي عبد القادر القهوجي-قانون العقوبات/القسم العام-الدار الجامعية-2000– ص 232 وما  بعدها . وينظر د. محمد صبحي نجم-قانون العقوبات/القسم العام-النظرية العامة للجريمة-ط1-مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع-عمان/الأردن-الاصدار الرابع-2000ص 139 .

55 - عبد المحسن السالم-العوارض الوجوبية والتقديرية للمسؤولية التأديبية للموظف العام/مقارنة بعوارض المسؤولية الجنائية في التشريعين العراقي والمصري-ط1-مطبعة عصام-بغداد-1986ص 55.

56- ذهب قانون العقوبات السوداني النافذ في المادة (3) الى تعريف (( حسن النيّة )) قائلا بأنه (( يقال عن الشخص أنه فعل الشيء ،  أو اعتقده ،  بحسن نيّة ،  إذا حصل الفعل أو الإعتقاد مع سلامة المقصد وبذل العناية والحيطة اللازمين )). أما تعريف حسن النيّة وفق النص القـــديم الوارد في ( المادة / 37 ) منه فقد جاء قائلاً (( أنه لا يقال عن شيء أنه عمل أو صدق بحسن نيّة إذا كان قد عمل أو صدق بغير التثبت أو الالتفات الواجب )) .

57-د. نظام توفيق المجالي – المصدر السابق – ص 184 .

58 - د. محمود نجيب حسني-أسباب الاباحة في التشريعات العربية-النظرية العامة للاباحة-المطبعة العالمية-القاهرة-1962– ص 164  وما بعدها .

59- د. رؤوف عبيد-مبادىء القسم العام من التشريع العقابي-ط3-دار الفكر العربي-1966ص 434 وما بعدها .

60- د. محمود محمود مصطفى – شرح قانوت العقوبات ، القسم العام – ص 120. وينظر د. سامــي

  النصراوي-المصدرالسابق-ص151-153.                                                          

61- د.محمود نجيب حسني –شرح قانون العقوبات اللبناني –ص262 ومابعدها.وينظر عبدالمحســـن

 السالم-المصدر السابق-ص101.

62- عبد المحسن السالم – المصدر السابق-  ص 56 .

63 - د. خلود سامي عزارةآل معجون-النظرية العامة للاباحة-رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق في جامعة القاهرة-1984– ص 366 .وينظر د. رمسيس بهنام-نظرية التجريم في القانون الجنائي-معيار سلطة العقاب تشريعياوتطبيقيا-منشأة المعارف-الأسكندرية-1971 ص 415 .

64- د.رؤوف عبيد – مبادئ القسم العام – ص 438 . وينظر د. حكمت موسى سلمان-طاعة الأوامر وأثرها في المسؤولية الجزائية-ط1-بغداد-1987– ص 80 .

65- د.رؤوف عبيد – مبادئ القسم العام – ص 437 وما بعدها . وينظر د. محمود محمود مصطفى – شرح قانون العقوبات – ص 214-216 .

66 - د. حكمت موسى سلمان-طاعة الأوامر وأثرها في المسؤولية الجزائية-ط1-بغداد-1987– ص 81 .

67 - المصدر السابق – ص 83 . وينظر د. رؤوف عبيد – مبادئ القسم العام – ص 437 وما بعدها .

68 - د. فوزية عبد الستار-النظرية العامة للخطأ غير العمدي –مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي-1977– ص 197 .

69- د. إسحق ابراهيم منصور – ممارسة السلطة وآثارها في قانون العقوبات – دار الرائد للطباعة -1974-ص 222 . وينظر د.  خلود سامي عزارة آل معجون-النظرية العامة للاباحة-رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق في جامعة القاهرة-1984– ص 365 وما بعدها .

70- د. إسحق ابراهيم منصور – المصدر السابق – ص 222 . وينظر د. سامي النصراوي-المبادىء العامة في قانون العقوبات-ج/1 الجريمة-ط1-مطبعة دار السلام-بغداد-1977 – ص 153 .

71- د. سامي النصراوي – المصدر السابق – ص 154 . وينظر د. عباس الحسني – شرح قانون العقوبات الجديد – ط/2 – مطبعة الارشاد -1972 – ص 110 وما بعدها .وينظر د. حكمت موسى سلمان – المصدر السابق – ص 84 .

72 - ينظر نص المادة (43 ) من قانون العقوبات العسكري العراقي : (1- إذا كوّن الأمر الصادر لتنفيذ وجائب عسكرية جريمة تتوجه المسؤولية الجزائية عن هذا الجرم على الآمر  . 2- يعتبر المادون في الأحوال التالية شريكاً في ارتكاب الجريمة  : -

       أ- إذا تجاوز حدود الأمر الصادر إليه .

      ب- أذا علم أن الأمر الذي تلقاه يقصد به ارتكاب جريمة عسكرية أو مدنية )) .

73- ومن التشريعات التي تلقي عبء الإثبات على الموظف المتهم ، قوانين العقوبات في مــــــصر ( م/ 63 ) والكويت (م/38) وفرنسا (م/114/2) وبلجيكا ( م/ 152) . وينظر د. حكمت موسى سلمان – المصدر السابق- ص 87 -89. وينظر د. محمود محمود مصطفى– شرح قانون العقوبات –ص 216 وما بعدها .

74- د. محمد عبد الجليل الحديثي-جرائم التحريض وصورها-دائرة الشؤون الثقافية والنشر-العراق-1984– ص 144 وما بعدها .

75- عبد المحسن السالم – المصدر السابق – ص 74 .

76-  المصدر السابق – ص 58 .

77- المصدر السابق – ص 58 ومابعدها .

78- ينظر الرأي المخاف في مصدر : د. محمد جودت الملط – المسؤولية التأديبية للموظف العام – رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون / جامعة القاهرة – 1967  - ص 107 نقلا عن المصدر السابق –ص 59 وما بعدها . وهذا الرأي يغلب مبدأ التدرج الرئاسي على مبدأ الشرعية ، ويوجب على المرؤوس تنفيذ أمر رئيسه مهما كانت عدم شرعيته ، على أساس أن مسالة البحث في الشرعية ليست من اختصاص الموظف المرؤوس الذي تجب عليه اطاعة الرئيس بغير حدود ضماناً للسير المنتظم للمرافق العامة . وقد انتقد هذا الراي لأن من شأنه إهدار مبدأ الشرعية  ، كما ويؤدي الى تشجيع الرؤساء على مخالفة القانون وسلب المرؤوسين فكرهم ورأيهم . ولا يصب ذلك في مصلحة العمل ولا الحق .

79- د. علي حسين الخلف ود.سلطان الشاوي-المبادىء العامة في قانون العقوبات-مطابع الرسالة-الكويت-1982– ص 273 .

80- د. أكرم نشأت ابراهيم –القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن-ط1-مطبعة الفتيان-بغداد-1998ص 156 . وينظر د. نائل عبد الرحمن صالح – محاضرات في قانون العقوبات / القسم العام – ط /1 – دار الفكر للطباعة – الأردن / عمان – 1995- ص 122 وما بعدها .

81 - د. أكرم نشأت ابراهيم – المصدر السابق – ص 156 وما بعدها .

82- د. كامل السعيد-شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات-ط1-الناشر الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع-عمان/الأردن-2002، ص 148 وما بعدها .

83- المصدر السابق – ص 149 . وينظر الرأي المخالف الذي يرى بأن( الإعتقاد ) يعني وجود ( غلط ) منصب على الوقائع التي يقوم عليها الدفاع وهو ينفي القصد الجرمي . أما إذا بني هذا الاعتقاد على أسباب معقولة فهو ينفي القصد والخطأ معا ، وينفي المسؤولية الجنائية كلها وإن كان الفعل في ذاته غير مشروع ، فالخطر الوهمي صورة من صور الغلط في الإباحة ( البراءة أو الإباحة الظنية ) . المصدر السابق – ص 149 وما بعدها .

84- عبد المحسن السالم – المصدر السابق – ص 138 .

85- قرار محكمة التمييز رقم ( 58) / جنايات/ 67/ في 1967. نقلا عن المصدر السابق – ص 139 .

86- قرار محكمة التمييز رقم ( 1545 ) / جنايات/ 70 في 8/9 / 1970 نقلا عن المصدر السابق – ص 140 .

87 - قرار محكمة التمييز / جنايات / 73 في 13 / 8 / 1973 . النشرة القضائية – العدد الثالث – السنة الرابعة – ص 364 .

88 - قرار محكمة التمييز 1909 / جنايات / 73 في 18 /11 / 1973 . النشرة القضائية . العدد الرابع  - السنة الرابعة – ص 435 .

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .