أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-10-2014
932
التاريخ: 3-07-2015
965
التاريخ: 31-3-2018
1487
التاريخ: 11-10-2017
959
|
أ- ما يدلّ على الوجه، وهو قسمان:
الأوّل: قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] أضاف الوجه إلى نفسه، وإضافة الشيء إلى نفسه محال، فيكون جزئه، وكذا قوله {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } [القصص: 88] وقوله {أَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115].
الثاني: قوله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ } [الإنسان: 9] وكذا { إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: 20] وغير ذلك.
والجواب عن الأوّل: ليس المراد بالوجه العضو، وإلّا لزم أن يفنى جميع الجسد، ويبقى الوجه، بل ظاهره أنّه الموصوف بالجلال والإكرام، ولهذا قرئ برفع «ذو»، ولا شكّ أنّ الموصوف بالجلال والإكرام هو اللَّه، فيكون كفاية عن الذات، وكذا الكلام في قوله {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } وأمّا: {أَيْنَمَا تُوَلُّوا ...} فلو كان المراد العضو، لزم حصوله في جميع جوانب العالم، ومعلوم بالحسّ خلافه، وإلّا لزم حصول الجسم الواحد في أماكن كثيرة، فيكون المراد به الذات، والمقصود به التأكيد والمبالغة، وإنّما كنّى بالوجه عن الذات، لأنّ المرئيّ من الإنسان في الأغلب ليس إلّا وجهه، وبوجهه يتميّز عن غيره، فكأنّه العضو الذي به يتحقّق وجوده، وأيضاً: أنّ المقصود من الإنسان ظهور آثار عقله وحسّه وفهمه وفكره، ومعلوم أنّ معدن هذه القوى هو الرأس، ومظهر آثارها هو الوجه، وأيضاً: لاختصاصه بمزيد الحسن واللطافة والتركيب العجيب والتأليف الغريب، وظهور ما في القلب من الأحوال عليه، فحسن الإطلاق.
وعن الثاني: أنّه ليس المراد العضو، لأنّه قديم عندهم، والقديم لا يراد حصوله، لأنّ الشيء الذي يراد معناه يراد حصوله ودخوله في الوجود، وذلك في القديم الأزليّ محال(1) ، بل المراد: الرضا، وإنّما كنّى به عن الرضا، لأنّ الإنسان إذا مال قلبه إلى الشيء أقبل بوجهه عليه، وإذا كرهه أعرض بوجهه عنه.
ب- ما يدلّ على العين: كقوله {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [هود: 37] {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48].
والجواب: لا يمكن إجراء ذلك على ظاهره، وإلّا لزم كون العين آلة لتلك الصنعة في الأُولى، وأن يكون موسى مستقراً على العين، ملتصقاً بها مستعلياً عليها، وأيضاً: للزم إثبات أعين في الوجه الواحد، وهو قبيح.
فيكون المراد غير ذلك، وهو الحمل على شدّة العناية والحراسة، ووجه حسن هذا المجاز أنّ من عظمت رعايته لشيءٍ، واشتدّت عنايته به كثر نظره إليه.
ج- ما يدلّ على اليد: وقد وردت تارةً بصيغة الإفراد، كقوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64] وتارةً بصيغة التثنية، كقوله {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وقوله {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] وتارةً بصيغة الجمع، كقوله: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71].
والجواب: أنّ اليد يعبّر بها مجازاً عن أُمور:
منها: القدرة، فيقال: يد السلطان فوق يد الرعيّة، أي قدرته، ووجه حسن هذا المجاز أنّ كمال حال هذا العضو إنّما يظهر بالقدرة، فلمّا كان المقصود القدرة أُطلق اسم اليد على القدرة.
ومنها النعمة: لأنّ إعطاء النعمة باليد، فيكون إطلاق اسم السبب على المسبّب.
ومنها: أنْ يذكر لفظ اليد صلةً للكلام وتوكيداً، يقال: «يداك أوكتا(2) وفوك نفخ» ويقرب من قوله تعالى: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً } [المجادلة: 12] و {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57].
إذا عرفت هذا، فالمراد بالأُولى: أنّ قدرة اللَّه غالبة على قدرتهم، وبالثانية: النعمة، ويدلّ عليه أنّه كلام اليهود، فإمّا أنْ يكونوا مقرّين بإثبات الخالق، أو منكرين، فإنْ كان الأوّل امتنع أنْ يقال: خالق العالم مغلول مقيّد، فإنّه لا يقوله عاقل، وإنْ كان الثاني لم يكن لذلك الكلام فائدة، فلم يبق إلّا أنْ يكون المراد النعمة، لاعتقادهم أنّ نعمة اللَّه محبوسة عن الخلق، ممنوعة عنهم.
وأمّا قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] فنقول: للعلماء فيه قولان:
الأوّل: أنّ اليدين صفتان قائمتان بذاته تعالى، يحصل بهما التخليق على وجه التكريم والاصطفاء، كما في حقّ آدم عليه السلام، لأنّ قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} يشعر بالعليّة للسجود، فلو كان المراد القدرة، لكانت علّة السجود في جميع الخلق، ولأنّها مذكورة بالتثنية، والقدرة واحدة، لأنّ فيها إشعاراً بأنّ آدم مخصوص بذلك وأنّ الحكم منفي عن غيره، وفي هذا نظر؛ أمّا أوّلًا: فلأنّه لو كان التخليق باليدين يوجب التكريم ومزيد الاصطفاء، لكان تخليق البهائم والأنعام بالأيدي يوجب رجحانها على آدم، لقوله في حالها: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} [يس: 71]، وأمّا ثانياً: فلأنّه لا يدلّ على حصول العدد، بدليل قوله تعالى: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12]، وأمّا ثالثاً: فلأنّ التخصيص بالذكر لا يدلّ على نفي الحكم عمّا عداه.
الثاني: أنّ المراد القدرة، وإنّما ثنّاها بياناً لكثرة العناية بآدم عليه السلام، في تكوينه وإيجاده، فإنّ الإنسان إذا أراد المبالغة في إصلاح بعض المهمّات وتكميلها، يقول:
هذا عملته بيدي، ومن المعلوم أنّ التخليق مع هذا النوع من العناية ما كان حاصلًا في حق غير آدم عليه السلام.
وأمّا {يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] فالمراد: النعمة، لأنّه ورد جواباً عن قول اليهود، وقد بيّنّا وجه ذلك، والتثنية عبارة عن كثرة النعم، وشمولها للخلق، وقيل:
المراد نعمتاه الظاهرة والباطنة، أو نعمتا الدنيا والآخرة.
د- ما يدلّ على اليمين، كقوله: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]، وقوله: {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ } [الحاقة: 45].
والجواب: أنّ اليمين عبارة عن القوّة والقدرة، بدليل أنّه سمّي الجانب الأيمن باليمين، لأنّه أقوى الجانبين، وسمّي الحلف باليمين، لأنّه يقوّي عزم الإنسان على الفعل والترك.
فعلى هذا، المراد: السماوات مطويّات بقدرته، وأمّا قوله: {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ }، أي: لأخذنا بيمين ذلك الإنسان، كما يقال: أخذت بيمين الصبيّ إلى المكتب، أو يكون يمين الآخذ، فيكون المراد أخذنا منه بالقوّة والقدرة.
ه- ما يدلّ على القبضة، كقوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67].
والجواب: ظاهر الآية يدلّ على أنّ الأرض قبضة، وذلك محال لوجوه:
1- أنّ الأرض محتوية على النجاسات، فكيف يقول العاقل إنّها قبضة إله العالم.
2- أنّ القرآن دالّ على أنّ الأرض مخلوقة، وقبضة الخالق لا تكون مخلوقة.
3- أنّ الأرض تقبل الاجتماع والافتراق، والعمارة والخراب، وقبضة الخالق لا تكون كذلك، فإذن لابدّ من التأويل، وهو أنّ الأرض في قبضته.
ثم إنّ القبضة قد يراد بها احتواء الأنامل على الشيء، وقد يراد بها كون الشيء في قدرته وتصرّفه وملكه، يقال: البلد في قبضة السلطان، والمراد هنا هذا المعنى.
و- ما يدلّ على الجنب، كقوله تعالى: {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56].
والجواب: قيل: المراد من الجنب الحقّ، والسبب في حسن هذا المجاز أنّ جنب الشيء إنّما سمّي حقّاً لأنّه يصيّر ذلك الشيء مجانباً لغيره، فمن أتى بعمل على سبيل الإخلاص في حقّ اللَّه، فقد جانب في ذلك العمل غير اللَّه، فيصحّ أن يقال: إنّه أتى بذلك في جنب اللَّه، وهذه الاستعارة معروفة معتادة في العرف.
ز- ما يدلّ على الساق، كقوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42] وروى صاحب شرح السنّة(3)عن أبي سعيد الخدري أنّه سمع النبيّ صلى الله عليه وآله يقول: يكشف ربّنا عن ساقه، فيسجد له كلّ مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة فيذهب ليسجد له فيعود ظهره طبقاً(4)
والجواب: لا حجّة في الآية والخبر، لوجوه:
1- أنّه ليس في الآية أنّه يكشف عن ساقه، بل قال: عن ساق، وذكره بلفظ ما لم يسمّ فاعله.
2- إنّ إثبات الساق الواحدة للحيوان نقص، فتعالى اللَّه عنه.
3- إن الكشف إنّما يكون [للاحتراز] عن تلوّث الثوب بشيء محذور، وجلّ إله العالم [...](5) ، بل المراد شدة أهوال القيامة، يقال: قامت الحرب على ساقها، أي: شدّتها، فقوله: يكشف عن ساق، أي: عن شدة القيامة وأه وآلها، وأنواع عذابها، وأضافه إلى نفسه في الخبر لأنّه شدة لا يقدر عليها إلّا هو سبحانه.
ح- ما يدلّ على صفات لا تقوم إلّا بالأجسام، وهو أقسام:
1- الحياء، قال اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً} [البقرة: 26] وكما روي عن سلمان عن النبيّ صلى الله عليه وآله: «إنّ اللَّه حييٌّ كريم يستحيي إذا رفع العبد يديه إليه أن يردّهما صفراً، حتى يضع فيهما خيراً»(6).
والجواب: إن الحياء هو تغيّر وانكسار يعتري الانسان من خوف ما يعاقب به، أو يذمّ عليه، واشتقاقه من الحياة، فجعل الحياء لما يعتريه من الإنكسار والتغيّر، فتنكسر القوّة، فتنقص الحياة، ولهذا يقال: «هلك فلان حياءً من كذا»، و «مات حياءً» وحينئذٍ لا بدّ من تأويله فنقول:
إنّ القانون الكلّيّ أنّ كلّ وصف يختص بالأجسام، إذا وصف به تعالى فهو محمول على نهايات الأغراض ، لا على بدايات الأغراض ، مثاله: إنّ الحياة حالة تحصل للإنسان، لها مبدأ ونهاية، أمّا المبدأ فهو التغيير المذكور، وأمّا النهاية فهي ترك ذلك الفعل، فإذا ورد في حق اللَّه تعالى، فليس المراد ذلك التغيير والخوف الذي هو مبدأ، بل المراد ترك الفعل الذي هو نهايته، وكذلك الغضب له مبدأ، وهو غليان دم القلب، وشهوة الانتقام، وله غاية، وهو إيصال العقاب إلى المغضوب عليه، فإذا وصف اللَّه تعالى به، فليس المراد المبدأ، بل النهاية والغاية.
2- اللقاء، قال اللَّه تعالى: {إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [هود: 29] {يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة: 77] واللقاء من صفات الأجسام.
والجواب: أنّه محمول على أحد الوجهين:
أحدهما: إنّ الرجل إذا حضر عند ملك ولقيه، دخل هناك تحت حكمه وقهره دخولًا لا حيلة له في رفعه، وكان ذلك اللقاء سبباً لظهور قدرة الملك عليه، فعلى هذا الوجه يكون من قسم الحمل على نهايات الأغراض.
وثانيهما: أنْ يكون في الكلام حذف مضاف، أي: «يلاقوا جزاءَ ربّهم» وكذا في غيرها.
3- المجيء والإتيان، كقوله: {إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 210] وكذا في قوله: {يَأْتِيَ رَبُّكَ } [الأنعام: 158] {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22].
والجواب: أنّ إتيان اللَّه تعالى ومجيئه يمتنع حمله على ظاهره، وإلّا لكان محدثاً، لأنّه لا ينفكّ حينئذٍ من الحوادث، ولكان محدوداً، ولجاز إثبات إلهيّة غيره من الأجسام، لأنّ منع إلهيّتها لجريان صفات الأجسام عليها، وإلّا لما كان يتمّ طعن الخليل عليه السلام في إلهيّة الكواكب والقمر والشمس، فيكون المراد حينئذٍ غير ذلك.
أمّا في الإتيان فوجهان:
الأوّل: أنّ المراد أنْ يأتيهم آيات اللَّه، فجعل مجيئها مجيئاً له على التعظيم لشأنها، ويدلّ على هذا قوله من قبل: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ} [البقرة: 209] ، أو يكون المراد أنْ يأتيهم أمر اللَّه، لقوله في سورة النحل {إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } [النحل: 33] فكان هذا مفسّراً لذلك، ولقوله بعد ذلك: {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [البقرة: 210] واللام للعهد السابق فيكون مقتضياً لذكر أمرٍ جرى ، فيكون معهوداً ذهنيّاً.
والمراد بالأمر هنا الفعل، كقوله: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50] ، وإن حمل على القول جاز أنْ يكون المراد مناداة منادٍ من عند اللَّه، أو حصول أصواتٍ مفزعة مخصوصة في تلك الغمامات دالّةٍ على حكم، أو يكون هنالك حذف تقديره: أنْ يأتيهم اللَّه بما وعد من العذاب، فحذف ما يأتي به تعويلًا على الفهم، فيكون الحذف أبلغ في التهويل، لتقيم أفكارهم وخواطرهم في كلّ وجه، ومثله: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا } [الحشر: 2].
الثاني: أنْ يكون «في» بمعنى الباء، وحروف الجرّ يقام بعضها مقام بعض، وتقديره: «أنْ يأتيهم اللَّه بظلل من الغمام، والملائكة» أي: مع الملائكة.
وأمّا المجيء، فوجهان أيضاً:
الأوّل: حذف المضاف، فيحتمل حينئذٍ وجوهاً:
1- جاء أمرُ ربّك بالمجازاة والمحاسبة.
2- جاء قهر ربّك، كما يقال: «جاء الملك القاهر» إذا جاء عسكره.
3- جاء ظهور معرفة اللَّه تعالى بالضرورة في ذلك اليوم، فصار ذلك جارياً مجرى مجيئه وظهوره.
الثاني: أنْ لا يكون هناك حذف مضاف، ويكون المراد من الآية التمسّك بظهور آيات اللَّه، وتبيّن آثار قدرته وقهره وسلطانه، والمراد تمثيل تلك الحالة بحالة الملك إذا حضر، فإنّه يظهر بمجرد حضوره من آثار الهيبة والسياسة، ما لا يظهر بحضور عساكره كلّها.
ط- ما يدلّ على أنّه جسم، أو متعلّق بالجسم، كالروح والنفس، كقوله:
{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [ص: 72] وغير ذلك، وقوله: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] فإنّه يدلّ على التجزّي، أو ما يستلزمه.
والجواب: أمّا الروح فإنّ إضافتها إلى نفسه إضافة التشريف، والمراد بالنفخ التعبير بالسبب عن المسبّب، لامتناع أنْ يكون تعالى قابلًا للتجزّي والتبعيض، وأمّا النفس، فقد جاء لغةً على وجوه:
1- البدن، كقوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185].
2- الدم، نحو: «حيوان له نفس سائلة» ومن ذلك سميت النفساء.
3- الروح، كقوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42].
4- العقل، كقوله تعالى: {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] وقوله: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} [الأنعام: 60] وذلك لأنّ الأحوال بأسرها ثابتة حال النوم إلّا العقل، فإنّه الذي يختلف الحال فيه عند النوم واليقظة.
5- ذات الشيء وعينه، نحو قوله تعالى: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: 9] {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54].
إذا تقرّر هذا: فالمراد هنا الذات والحقيقة، فعلى هذا تقديره «تعلم معلومي، ولا أعلم معلومك» وأمّا قوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41] فإنّه دالّ على مزيد المبالغة، فإنّ الإنسان إذا قال: عمّرت هذه الدار بنفسي، فهم منه المبالغة.
ي- ما ورد في الأخبار، وليس في القرآن، مّما يدلّ على الجسميّة، وهو كثير، ذكرنا منه حديثاً واحداً لاشتماله على محاسن في العبارة، وهو حديث الصورة، وقد ورد بعبارتين:
إحداهما: عن النبي صلى الله عليه وآله إنّ اللَّه خلق آدم على صورته(7).
وثانيهما: روى ابن خزيمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله: لا يقولنّ أحدكم لعبده قبّح اللَّه وجهك ووجه من أشبه وجهك، فإن اللَّه خلق آدم على صورته(8).
والجواب: أنّ الهاء في قوله: على صورته، تحتمل وجوهاً:
1- أنْ تكون عائدة إلى شيء غير آدم وغير اللَّه.
2- أنْ تكون عائدة إلى آدم.
3- أنْ تكون عائدة إلى اللَّه تعالى.
فعلى الأوّل: يكون المراد من العبارة الاولى الردّ على من قال: أنّ آدم كان على صورة اخرى، كقولهم: إنّه كان عظيم الجثّة، طويل القامة، بحيث يكون رأسه قريباً من السماء، فيكون النبيّ صلى الله عليه وآله أشار إلى إنسان معيّن وقال: إنّ اللَّه خلق آدم على صورته، أي: كان شكل آدم مثل شكل هذا الإنسان، وكذا على العبارة الثانية، وزيادة وجه آخر: وهو أنّ النبيّ إنّما نهى عنه لأنّه شتم لآدم وجميع الأنبياء، لأنّهم مشبّهون بصورة ذلك الشخص، وخصّ آدم بالذكر، لأنّه ابتديء خلقه على هذه الصورة.
وعلى الثاني- وهو أقوى الوجوه لكونه عوداً إلى الأقرب- يحتمل وجوهاً:
1- أنّه لما عصى آدم واخرج من الجنّة، لم يعاقب بمثل ما عوقب به غيره من الحيّة والطاووس، فإنّه أخرجهما وغيّر خلقهما بخلافه عليه السلام، فإنّه لم يتغير خلقه، والفرق بين هذا الجواب وما قبله: أنّ المقصود من هذا أنّه عليه السلام كان مصوناً عن المسخ، والأوّل بيان أنّ هذه الصورة الموجودة ليست إلّا التي كانت قبل، من غير تعرّض للمسخ وعدمه.
2- إنّه إبطال لقول الدهريّة الذين يقولون: إنّ الانسان لا يتولّد إلّا بواسطة النطفة ودم الطمث، فقال: إنّ اللَّه خلق آدم على صورته ابتداءً، من غير تقدّم نطفة وعلقة ومضغة.
3- إنّه ردّ على الفلاسفة الذين قالوا: إنّ الانسان لا يتكوّن إلّافي مدّةٍ طويلة وزمان مديد، وبواسطة الأفلاك والعناصر، فقال صلى الله عليه وآله: إنّه خلقه من غير هذه الوسائط.
4- الردّ على الأطبّاء والفلاسفة القائلين بالقوة المصوّرة المولّدة، لا بتخليق اللَّه تعالى وإيجاده.
5- أنْ يكون المراد من الصورة الصفة، يقال: شرحت لفلان صورة الواقعة، وذكرت له صورة المسألة، أي: صفتها، فيكون المراد أنّ آدم خلق على جملة صفاته وأح وآله، وذلك أنّ الإنسان حين يحدث يكون في غاية العجز والجهل، ثم يزداد علمه وقدرته، فبيّن صلى الله عليه وآله أنّ آدم خلق من أوّل الأمر كاملًا في علمه وقدرته.
وعلى الثالث، يحتمل وجوهاً:
1- أن يكون المراد من الصورة الصفة، فيكون المعنى أنّ آدم عليه السلام امتاز عن سائر الأشخاص والاجسام بكونه عالماً بالمعقولات قادراً على استنباط الحرف والصناعات، وهذه صفات شريفة مناسبة لصفات اللَّه تعالى من بعض الوجوه.
2- إنّه كما يصحّ إضافة الصفة إلى الموصوف، كذا يصحّ إضافتها إلى الخالق والموجد، ويكون الغرض من هذه الإضافة الدلالة على أنّ هذه الصورة ممتازة عن سائر الصور بمزيد الكرامة والجلالة.
3- قال الغزالي: «ليس الإنسان عبارة عن هذه البنية، بل هو موجود ليس بجسم ولا جسمانيّ، ولا تعلّق له بالبدن، إلّا على سبيل التدبير والتصرّف»(9) فيكون المراد أنّ نسبة ذات آدم إلى هذا البدن كنسبة الباري تعالى إلى العالم، من حيث أنّ كلّ واحد منهما غير حالٍّ في هذا الجسم، وإنْ كان مؤثراً فيه بالتصرّف.
______________
(1) إرادة الشيء أعمّ من إرادة حصوله للمريد ومن وصول المريد إليه، قال تعالى{إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ } [الأحزاب: 29] وكان الأولى الاكتفاء بالذيل.
(2) أوكت: من الوكاء بالكسر والمدّ: خيط يشدّ به السرة والكيس والقربة ونحوها، ومنه الخبر: أوكئوا السقاء أي شدوا رأسه بالوكاء. ومنه أيضاً: لا تشربوا إلّا من ذي وكاء و: لو كانت لألسنتكم أوكية لحدّثت كلّ امرئ بما له أو عليه. مجمع البحرين 1: 453- 454. فمعنى الكلمة: يداك شدّتا الوكاء.
(3) الحسين بن مسعود الفرّاء أو ابن الفراء أبو محمد، ويلقّب بمحيي السنّة، البغوي: فقيه محدث مفسر، نسبته إلى« بغا» من قرى خراسان بين هراة ومرو له« التهذيب- خ» في فقه الشافعية، و« شرح السنّة- خ» في الحديث، و« لباب التأويل في معالم التنزيل- ط» في التفسير، و« مصابيح السنة- ط» و« الجمع بين الصحيحين» وغير ذلك. توفي بمرو الروذ. (أعلام الزركلي 2: 259)
(4) مصابيح السنة 3: 529، الحديث 4294، وفيه: طبقاً واحداً.
(5) يبدو أنّ هناك سقطاً في النسخ، كلمة أو كلمتين، ولم نعثر على المحذوف فيما بأيدينا من نسخ الكتاب.
(6) لم نعثر على هذه الرواية في مجاميعنا الحديثية وإنّما وجدناها في كنز العمال 2: 69، الحديث 3166 مع اختلاف يسير، إلّا أنّها منقولة عن أنس، وفيه رواية مروية عن سلمان قريبة من هذا المضمون.
(7) بحار الأنوار 4: 11.
(8) كنز العمال 1: 227 أنّ فيه بدل لعبده: لأخيه، وروي في بحار الأنوار 4: 11 عن الحسين ابن خالد قال: قلت للرضا عليه السلام: يابن رسول اللَّه إنّ الناس يروون أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: إنّ اللَّه خلق آدم على صورته، فقال: قاتلهم اللَّه لقد حذفوا أوّل الحديث، إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مرّ برجلين يتسابّان: فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبّح اللَّه وجهك ووجه من يشبهك، فقال عليه السلام: يا عبد اللَّه لا تقل هذا لأخيك فإنّ اللَّه عز وجل خلق آدم على صورته.
(9) وقد استشهد بهذا البيت في لسان العرب 6: 447.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|