أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-06
1186
التاريخ: 23-3-2017
6178
التاريخ: 7-4-2016
3262
التاريخ: 23-3-2017
4558
|
لم يستقر مفهوم الشخصية القانونية الدولية كمفهوم قانوني محدد، بل تعرض شانه شان أي مفهوم فكري وقانوني الى الدراسة والتحليل مما ادى في النهاية الى الاختلاف والتباين في وجهات النظر حوله، ذلك ان مفهوم الشخصية القانونية موجود في مختلف الانظمة القانونية سواء كانت تلك الانظمة عامة ام خاصة، دولية ام داخلية، سماوية ام وضعية(1). ولقد ظهر مفهوم الشخصية القانونية بصفة عامة في نطاق القانون الخاص، اذ ان مفهومها اقتصر على الانسان دون غيره ثم انتقلت داخل النظام القانوني الداخلي من القانون الخاص الى القانون العام،(2). وهكذا فهي مرت بمراحل عديدة الا ان التقلبات في تحديد مفهومها هو الذي لازمها خلال تاريخها الطويل. ولقد ربطت المجتمعات القديمة بين الشخصية القانونية والاهلية القانونية واعتبرتهما وجهين لعملة واحدة. وكذلك ربطت تلك المجتمعات بين الاهلية القانونية وحرية الشخص، فاذا كان الشخص حرا فانه يمتلك اهلية كاملة، وبالتالي يتمتع بالشخصية القانونية، لهذا فان تمتع شخص ما بالأهلية ومن ثم بالشخصية القانونية يتوقف على مدى ما يمتلكه من حرية، اذن مفهوم الشخصية القانونية في المجتمعات القديمة كان يضيق ويتسع حسب ضيق واتساع حرية الشخص(3). اما في الشريعة الإسلامية فان الشخصية القانونية تثبت للانسان مهما كانت عقيدته او مركزه الاجتماعي، فهي تثبت للعبيد أي انه تكون لهم شخصية قانونية كاملة، ونظرا الى انهم لا يمتلكون حرية التصرف فانهم يمتلكون اهلية ناقصة، عليه فالشريعة الاسلامية فرقت ما بين الشخصية القانونية والأهلية القانونية، وهذا ما درجت عليه النظم الحديثةمن تمييزها بين الشخصية القانونية والأهلية القانونية(4). فالشخصية القانونية بصفة عامة لا يمكن دراستها او التعرف على ملامحها وبالتالي استجلاء حقيقتها ما لم تتم الإحاطة بالبيئة التي تنمو وتتفاعل فيها، بل حتى ان البعض قد غالى في تحديده لمفهوم الشخصية القانونية عندما قالوا ان الشخصية هي من خلق البيئة(5). ومن دراسة بيئة الشخصية القانونية الدولية وهي المجتمع الدولي، يتبين لنا ان هذا المجتمع هو في حالة تغيير مستمر لما يطرا على أشخاصه من تغيرات وتبدلات مستمرة منها ما يتعلق بتحديد و تحجيم ادوار أشخاصه ومنها ما يتعلق بدخول اشخاص جدد اليه تفرضه طبيعة واقع العلاقات الدولية، وهذا ما حدث فعلا بظهور الشركات متعددة الجنسية. ويذهب الدكتور "محمد كامل ياقوت" الى ابعد من ذلك في تحديد معالم الشخصية الدولية بقوله "ان الشخصية القانونية الدولية تعتملها عوامل التنافس والتصارع –وهو من اشكال التفاعل- سواء فيما بين القوى الداخلية للوحدة او للمنظمة او بينهما ككل او بين الوحدات الخارجية ، واذا ما تعدى من حيث العمق والاتساع حدوده المعقولة ادى ذلك الى اعتلال الشخصية او انحلالها. وهذا الصراع في النطاق الداخلي والخارجي للوحدة او للشخصية، فردية كانت او جماعية ، محلية او دولية، تسيطر على اتجاهاته ونتائجه مجموعتان متنافرتان من المتغيرات او القوى ، تمثل احداها العوامل الدافعة الى التوافق والتعاون بين الوحدات المتفاعلة ويمكن وصفها بالقوة الموحدة او الجاذبة Unifying Force والاخرى عوامل تدفع الى الانفصال والانفراد والتفكك يمكن وصفها بالقوة المفرقة او الطاردة Centrifugal Force . وهما متفاعلتان وان كانتا متنافرتين. كل وحدة او شخصية من وحدات واشخاص الجماعة –محلية كانت او دولية تجتمع فيها القوتان المتنافرتان في مجالات التفاعل – وتتوقف درجة تكامل الشخصية، فردية كانت او جماعية او دولية وتماسكها في الوحدة – على مدى تغلب القوى الموحدة على القوى المبددة. والصراع بينهم في النطاق الداخلي للشخصية يزداد تذبذبا كلما زاد بناؤها تعقيدا"(6). وبالنسبة للشخصية الدولية فان بيئتها المجتمع الدولي الذي يمكن ان يعرف بانه "النطاق الذي تتفاعل داخله الوحدات الدولية على كافة مستوياتها وتباين مراكزها في بنائه ... وهذا المجتمع في تطوره ونظمه يؤثر تاثيرا عميقا على ملامح الشخصية الدولية وأبعادها واطوارها مثلما يؤثر على نشاطها واتجاهاتها"(7). ومن خلال هذا العرض الموجز لملامح الشخصية الدولية يمكننا القول إن الشخصية هي ليست وصفاً لصيقاً بالدولة فحسب، بل هي وصف يمكن ان يلازم أي وحدة تكون داخل نطاق المجتمع الدولي متى ما كانت مستكملة لعناصرها ومؤثرة ومتأثرة فيه، ذلك انه لما كانت ملامح الشخصية الدولية وابعادها نتاجاً لتاثير البيئة الدولية-المجتمع الدولي- فضلا عن عوامل اخرى فان فكرة الشخصية الدولية ذاتها تكون في تغير وتطور مستمر تبعا لتغير وتطور المجتمع الدولي، فالاخير لم يعد كما هو واضح يقتصر على الدول فقط وانما شمل اشخاصاً اخرين كالمنظمات الدولية، لهذا فان اكتمال او تذبذب الشخصية الدولية لوحده ما يكون تبعا لاكتمال او تذبذب نظرة المجتمع الدولي لها. ان الشخصية القانونية الدولية هي ليست وليدة الصدفة، وانما دار نقاش وسجال طويل حول وجودها من عدمه. ولقد انقسم الفقه الدولي بين مؤيد ومعارض لوجود الشخصية القانونية الدولية، فمنهم من انكر وجودها كالعلامة دكي وجورج سل والعالم النمساوي هانس كلسن وغيرهم- و كان انكارهم لها نتيجة لانكارهم للشخصية المعنوية بوجه عام فهم يرون ان ما يوصف بانه شخصية قانونية ما هو الا مجموعة من القواعد الا مرة لذلك. فهم انكروا الشخصية القانونية للدولة وقالوا أنها لا تمت الى الحقيقة بصلة ويعتبرونها - أي الدولة- مجرد تنظيم سياسي شكلي للقوى التي تستخدمها لاغراضها في النظامين الداخلي والدولي(8). في حين ان الغالبية العظمى من فقهاء القانون الدولي العام يقرون بوجود الشخصية القانونية الدولية، غير انهم يختلفون في تحديد الاشخاص الذين ينطبق عليهم وصف الشخصية القانونية الدولية. فمنهم من يحصرها بالدول فقط دون المنظمات الدولية من امثال (يلنيك ولاباند وموريل) على اعتبار انها وحدها يمكن ان تتمتع بالشخصية الدولية. فهي وحدها التي تعد من المخاطبين باحكام القانون الدولي العام مباشرة، وبالتالي قدرتها على انشاء قواعد قانونية دولية عن طريق العرف والاتفاق فيما بينها(9). في حين ان معظم الفقهاء قد وسعوا من مفهوم الشخصية القانونية الدولية ليشمل فضلا عن الدول الفاتيكان والمنظمات الدولية والفرد (10). ولو بصورة محدودة وهناك دعوات من قبل العديد من فقهاء وكتاب القانون الدولي العام اوضحوا فيها ضرورة تمتع الشركات متعددة الجنسية بالشخصية القانونية الدولية ولو بصورة محدودة. ولقد وضعت للشخصية القانونية الدولية تعاريف متعددة. فلقد عرفها الدكتور محمد طلعت الغنيمي "بانها اهلية اكتساب الحقوق والالتزام بالواجبات مع القدرة على حمايتها بتقديم المطالبات الدولية سواء كان ذلك عن طريق رفع الدعاوى ام بطريق اخر. والقدرة كذلك على وضع قواعد القانون الدولي"(11). ومنهم من عرفها بانها "التعبير عن العلاقة التي تقوم بين وحدة معينة ونظام قانوني محدد وتتمثل في الاهلية لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات والقيام بالتصرفات القانونية ورفع الدعاوي امام القضاء"(12). وعرفت كذلك بانها "الاهلية للحصول على الحقوق والواجبات الدولية دون تحديد أي منها، طالما ان كل الاشخاص ليس لهم نفس الحقوق ونفس الواجبات، ولا يعتبر الشخص شخصاً الا الكيانات التي لها عدد كبير من الحقوق والواجبات او بعض الحقوق والواجبات المعينة"(13). ويبدو ان هذه التعاريف قد خلطت ما بين الشخصية القانونية والاهلية القانونية. اذ انها اعتبرتهما وجهين لشئ واحد. بينما هناك فرق بين الاثنين فالشخصية القانونية تعني الاطار الكلي لجميع الحقوق والواجبات التي تكون لشخص ما. بينما الاهلية القانونية هي عبارة عن جزء داخل ذلك الاطار و تنبثق منه. وبالتالي لا يمكن الخلط او المزج ما بين الكل والجزء على اعتبار انهما مصطلحان مترادفان، فالشخصية القانونية يمكن ان تثبت لشخص ما دون ان تكون له اهلية قانونية، أي انها تعني الوجود القانوني للشخص داخل نظام قانوني معين فهي التي تحدد انتماء الشخص للنظام سواء أكان داخلياً ام دولياً. ودون الدخول في التفصيلات، يمكننا القول إن الشخصية القانونية تعني الوجود القانوني لشخص معين ضمن نظام قانوني محدد بينما الاهلية القانونية تعني كيفية التعبير عن هذا الوجود أي ترجمة الشخصية القانونية الى واقع عملي ملموس. وعبر عنها البعض بانها "عبارة عن مركز قانوني تكون فيه الوحدة قادرة على التمتع بالحقوق وتلتزم بالواجبات التي يقررها نظام قانوني معين ويبدو(14). انه وصفها بانها حالة الشخص ازاء القانون من حيث تمتعه بالحقوق والتزامه بالواجبات. في حين عرفها البعض الاخر بانها "كل وحدة انسانية تشغل مركزا في بناء المجتمع الدولي وتباشر اختصاصا دوليا، اقليميا كان او نوعيا، تتولى تنظيمه القواعد القانونية الدولية كما تتولى تحديد ما لهذه الوحدة من حقوق والتزامات ومسؤولية تجاه الوحدات الدولية الاخرى او تجاه المجتمع الدولي ككل"(15). ويبدو ان هذا التعريف اكثر شمولية في تحديد ملامح الشخصية الدولية فهي تثبت –على وفق هذا التعريف- لكل وحدة انسانية تعمل في بناء المجتمع الدولي اياً كان الاختصاص الذي تباشره هذه الوحدة، ولما كانت الشركات متعددة الجنسية تباشر نشاطا ذا صفة دولية وذا تاثير سواء تجاه وحدة من الوحدات الدولية –كالدول مثلا او تجاه المجتمع الدولي برمته، فان الاعتراف لها بشخصية قانونية دولية امر تتطلبه ضرورة ضبط انشطتها بتحديد حقوقها والتزامها هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى جعلها تسهم بشكل حيوي وفعال في بناء المجتمع الدولي الذي تعمل فيه.
______________
1- انظر د.كريمة عبد الرحيم حسن، منظمة الوحدة الافريقية : دراسة في المرحلة التاسيسية والشخصية القانونية، دار الكتب للطباعة والنشر، بغداد، 1987، ص72.
2- انظر د.ابو زيد رضوان، القانون التجاري (الشركات التجارية)، القاهرة، 1970، ص449.
3- انظر نغم اسحاق زيا، المعاهدات التي تبرمها المنظمات الدولية ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون، جامعة الموصل، 2000، ص12-13.
4-انظر المصدر نفسه، ص13.
5- "والبيئة ليست سوى ذلك الترابط والتفاعل الذي تفرضه المعيشة المشتركة وضرورياتها على وحدات المجتمع محليا كان او دوليا، وهذا التفاعل يتردد من صدى التصارع من اجل السيطرة والتعاون على الخير المشترك، وينعكس هذا التفاعل على وحدات المجتمع فتتداول فيما بينها مراكز القوة في بنائه. والشخصية الدولية –وهي لا تعيش في فراغ- لا يمكن قياس ابعادها منفصلة او منتزعة من بيئتها" للمزيد من التفصيل انظر د.محمد كامل ياقوت، الشخصية الدولية في القانون الدولي العام والشريعة الاسلامية، ط1، دار الهنا للطباعة، القاهرة، 1971، ص11.
6- انظر د.محمد كامل ياقوت، المصدر السابق، ص 748-749.
7- المصدر نفسه، ص11.
8- للمزيد من التفصيل انظر د.ابراهيم مصطفى مكارم، الشخصية القانونية للمنظمات الدولية، القاهرة، 1979، ص29 وما بعدها.
9- انظر د.حامد سلطان، القانون الدولي العام وقت السلم، دار النهضة العربية، القاهرة، 1975، ص83.
10- انظر المصدر نفسه، ص84.
11- د.محمد طلعت الغنيمي، الاحكام العامة في قانون الامم (قانون السلام)، منشاة المعارف، الاسكندرية، 1970، ص580.
12- د.كريمة عبد الرحيم حسن، مصدر سابق، ص74. كذلك انظر بنفس المعنى د.محمد السعيد الدقاق، القانون الدولي (المصادر-الاشخاص)، ط1، الدار الجامعية، بيروت، 1981، ص379.
13-Badr Kasme, La Capacite de l'organisation des Nations Unies de conclure des traite's, Paris, 1960, p19.
14- د.فخري رشيد مهنا، فكرة الشخصية القانونية والاهلية القانونية للمنظمة الدولية، مجلة جامعة صدام، المجلد الثاني، العدد (2)، جامعة صدام، بغداد، 1998، ص51.
15- د.محمد كامل ياقوت، مصدر سابق، ص74.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية ينجز تصوير 39 مخطوطًا قديمًا نادرًا في قرية كاخك الإيرانية
|
|
|