المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16371 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الإمام عليٌ (عليه السلام) بشّره رسول الله بالجنة
2024-05-04
معنى الـمُبطئ
2024-05-04
{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}
2024-05-04
معنى الصد
2024-05-04
معنى الظليل
2024-05-04
معنى النقير
2024-05-04

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الاية (233) من سورة البقرة  
  
6238   01:09 مساءً   التاريخ: 1-3-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /


قال تعالى : {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [البقرة: 233].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآية (1) :

لما بين سبحانه حكم الطلاق عقبه ببيان أحكام الأولاد الصغار في الرضاع والتربية وما يجب في ذلك من الكسوة والنفقة فقال {والوالدات} أي الأمهات {يرضعن أولادهن} صيغته صيغة الخبر والمراد به الأمر أي ليرضعن أولادهن كقوله {يتربصن بأنفسهن} وجاز ذلك التصرف في الكلام مع رفع الإشكال إذ لوكان خبرا لكان كذبا لجواز أن يرضعن أكثر من حولين أو أقل وقولك حسبك درهم معناه اكتف بدرهم تام وقيل هو خبر بمعنى الأمر وتقديره والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين في حكم الله الذي أوجبه على عبادة فحذف للدلالة عليه وهذا أمر استحباب لا أمر إيجاب والمعنى إنهن أحق برضاعهم من غيرهن بدليل قوله {وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} .

ثم بين مدة الرضاع فقال {حولين كاملين} أي عامين تامين أربعة وعشرين شهرا وإنما ذكر كاملين وإن كانت التثنية تأتي على استيفاء العدة لرفع الإبهام الذي يعرض في الكلام فإن الرجل يقول سرت شهرا وأقمت عند فلان سنة وإن كان قد سار قريبا من شهر وأقام قريبا من سنة وفي هذا بيان لأمرين ( أحدهما ) مندوب ( والثاني ) فرض فالمندوب وهو أن يجعل الرضاع تمام الحولين والمفروض هو أن المرضعة تستحق الأجرة في مدة الحولين ولا تستحق فيما زاد عليه.

 واختلف في هذا الحد هل هو لكل مولود أو للبعض فقال ابن عباس ليس لكل مولود ولكن لمن ولد لستة أشهر وإن ولد لتسعة أشهر فثلاثة وعشرون وإن ولد لتسعة أشهر فأحد وعشرون يطلب بذلك تكملة ثلاثين شهرا في الحمل والفصال وعلى هذا يدل ما رواه أصحابنا في هذا الباب لأنهم رووا أن ما نقص عن أحد وعشرين شهرا فهو جور على الصبي وقال الثوري وجماعة هو لازم في كل ولد إذا اختلف والداه رجعا إلى الحولين من غير زيادة ولا نقصان ولا يجوز لهما غير ذلك والرضاع بعد الحولين لا حكم له في التحريم عندنا وبه قال ابن عباس وابن مسعود وأكثر العلماء قالوا المراد بالآية بيان التحريم الواقع بالرضاع ففي الحولين يحرم وما بعده لا يحرم ؟

وقوله {لمن أراد أن يتم الرضاعة} أي لمن أراد أن يتم الرضاعة المفروضة عليه وهذا يدل على أن الرضاع غير مستحق على الأم لأنه علقه بالإرادة ويدل عليه قوله {وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} وقال قتادة والربيع فرض الله على الوالدات أن يرضعن أولادهن حولين ثم أنزل الرخصة بعد ذلك فقال لمن أراد أن يتم الرضاعة يعني إن هذا منتهى الرضاع وليس فيما دون ذلك حد محدود وإنما هو على مقدار صلاح الصبي وما يعيش به {وعلى المولود له} يعني الأب {رزقهن} يعني الطعام والإدام {وكسوتهن} يعني لباسهن والمراد رزق الأم وكسوتها ما دامت في الرضاعة اللازمة وذلك في المطلقة عن الثوري والضحاك وأكثر المفسرين {بالمعروف} يعني على قدر اليسار لأنه علم أحوال الناس في الغنى والفقر وجعل حق الحضانة للأم والنفقة على الأب على قدر اليسار ولم يرد به نفقة الزوجات لأنه قابلها بالإرضاع ونفقة الزوجة لا تجب بسبب الإرضاع وإنما تجب بسبب الزوجية وقال بعضهم أراد به نفقة الزوجات.

 وقوله {لا تكلف نفس إلا وسعها} أي لا يلزم إلا دون طاقتها {لا تضار والدة بولدها} أي لا تترك الوالدة إرضاع ولدها غيظا على أبيه فتضر بولده به لأن الوالدة أشفق عليه من الأجنبية {ولا مولود له بولده} أي لا يأخذه من أمه طلبا للإضرار بها فيضر بولده فيكون المضارة على هذا بمعنى الإضرار أي لا تضر الوالدة ولا الوالد بالولد وإنما قال تضار والفعل من واحد لأنه لما كان معناه المبالغة كان بمنزلة أن يكون الفعل من اثنين وقيل الضرر يرجع إلى الولد كأنه يقول لا يضار كل واحد من الأب والأم بالصبي الأم بأن لا ترضعه والأب بأن لا ينفق أو بأن ينتزعه من الأم والباء زائدة والمعنى لا تضار والدة ولدها ولا والد ولده وقيل معناه لا تضار والدة الزوج بولدها ولو قيل في ولدها لجاز في المعنى وروي عن السيدين الباقر والصادق (عليهما السلام) لا تضار والدة بأن يترك جماعها خوف الحمل لأجل ولدها المرتضع .

{ولا مولود له بولده} أي لا تمنع نفسها من الأب خوف الحمل فيضر ذلك بالأب وقيل لا تضار والدة بولدها بأن ينتزع الولد منها ويسترضع امرأة غيرها مع إجابتها إلى الرضاع بأجرة المثل فعلى هذا يكون معنى بولدها بسبب ولدها {ولا مولود له} أي لا تمتنع هي من الإرضاع إذا أعطيت أجرة مثلها فإن فعلت استأجر الأب مرضعة ترضعه غيرها ولا تمنعه من رؤية الولد ، فيكون فيه مضارة بالوالد وقوله {بولده} بسبب ولده أيضا وليس بين هذه الأقوال تناف فالأولى حمل الآية على جميعها وقوله {وعلى الوارث} قيل معناه وارث الولد عن الحسن وقتادة والسدي وهومن يرثه إذا مات وقيل وارث الوالد عن قبيصة بن ذؤيب والأول أقوى {مثل ذلك} أي مثل ما كان على الوالد من النفقة والرضاع عن الحسن وقتادة وقيل مثل ما كان على الوالد من ترك المضارة عن الضحاك والمفهوم عند أكثر العلماء الأمران معا وهو أليق بالعموم .

واختلفوا في أن النفقة على كل وارث أو على بعضهم فقيل هي على العصبات دون أصحاب الفرائض من الأم والأخوة من الأم عن عمر بن الخطاب والحسن وقيل على وارث الصبي من الرجال والنساء على قدر النصيب من الميراث عن قتادة وقيل على الوارث ممن كان ذا رحم محرم دون ذي رحم ليس بمحرم كابن العم وابن الأخت فيجب على ابن الأخت ولم يجب على ابن العم وإن كان وارثه في تلك الحال عن أبي حنيفة وصاحبيه وقيل على الوارث أي الباقي من أبويه عن سفيان وهو الصحيح عندنا وهو أيضا مذهب الشافعي لأن عنده لا يجبر على نفقة الرضاع إلا الولدان فقط وقد روي أيضا في أخبارنا أن على الوارث كائنا من كان النفقة وهذا يوافق الظاهر وبه قال قتادة وأحمد وإسحاق .

وقوله {فإن أرادا فصالا} أي قبل الحولين عن مجاهد وقتادة وهو المروي عن أبي عبد الله وقيل قبل الحولين أو بعدهما عن ابن عباس {عن تراض منهما} أي من الأب والأم {وتشاور} يعني اتفاق منهما ومشاورة وإنما بشرط تراضيهما وتشاورهما مصلحة للولد لأن الوالدة تعلم من تربية الصبي ما لا يعلمه الوالد فلولم يتفكرا ويتشاورا في ذلك أدى إلى ضرر الصبي {فلا جناح عليهما} أي لا حرج عليهما إذا تماسك الولد فإن تنازعا رجعا إلى الحولين.

 وقوله {وإن أردتم} خطاب للآباء {أن تسترضعوا أولادكم} أي لأولادكم أن تطلبوا لهم مراضع غير أمهاتهم لآباء أمهاتهم الرضاع أو لعلة بهن من انقطاع لبن أو غيره {فلا جناح عليكم} أي لا حرج ولا ضيق في ذلك {إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف} أي إذا أسلمتم إلى الأم أجرة المثل مقدار ما أرضعت عن مجاهد والسدي وقيل إذا سلمتم الاسترضاع عن تراض واتفاق دون ذلك الضرار عن أبي شهاب وهذا معنى قول ابن عباس وفي رواية عطاء قال إذا سلمت أمه ورضي أبوه لعل له غنى يشتري له مرضعا وقيل إذا سلمتم أجرة المسترضعة عن الثوري وقيل إذا سلمتم أجرة الأم أو الظئر عن ابن جريج ومعنى قوله {آتيتم} ضمنتم وألزمتم.

 ثم أوصى بالتقوى فقال {واتقوا الله} يعني معاصيه أو عذابه في مجاوزة ما حده لكم {واعلموا أن الله بما تعملون} أي بأعمالكم {بصير} أي عليم لا يخفى عليه شيء منها وفي قوله {لا تكلف نفس إلا وسعها} دلالة على فساد قول المجبرة في حسن تكليف ما لا يطاق لأنه إذا لم يجز أن يكلف مع عدم الجدة فإن لا يكلف مع عدم القدرة أحرى فإن في الحالين لا سبيل له إلى أداء ما كلف .

_________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص112-116.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآية (1) :

{ والْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ } . اختلف المفسرون في المراد من لفظ الوالدات ، هل هنّ المطلقات فقط ، أو الزوجات فقط ، أوهما معا ؟ والأكثرون على ان اللفظ يشملهما جميعا عملا بالظاهر ، ولا دليل على التخصيص . . ونحن نميل إلى هذا ، لما قاله الأكثرون ، ولأن الرضاعة تستند للأم بما هي أم ، لا بما هي مزوجة ، ولا بما هي مطلقة .

ويرضعن بلفظ الخبر ، ولكنه بمعنى الأمر ، أي ليرضعن ، وهذا الأمر للاستحباب بدليل الآية 6 من سورة الطلاق : {وإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى} .

ومعنى الاستحباب هنا ان الوالدات أحق في رضاعة أولادهن من الأجنبيات .

وتسأل : ان قوله تعالى بعد ذلك : {وعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ} يرجح إرادة الزوجات والمطلقات الرجعيات اللائي لم يخرجن من عصمة النكاح ،

دون المطلقات اللاتي انتهت عدتهن ، لأن أولاء لهن أجرة الرضاع ، لا النفقة ، وعليه فيجب اخراجهن من العموم ؟ فيكون لفظ الوالدات حينئذ عاما وخاصا في آن واحد ، عاما بالنسبة إلى الرضاعة ، وخاصا بالنسبة إلى النفقة ؟ .

الجواب : لا مانع إطلاقا أن يكون اللفظ الواحد عاما من حيث الحكم بالنسبة إلى جهة ، وخاصا بالنسبة إلى جهة أخرى ، مع قيام الدليل على ذلك ، وقد دلت الأحاديث ، وقام الإجماع على ان المطلقة غير المعتدة لا نفقة لها وانما تأخذ أجرة الرضاع فقط فيتبع الدليل ، أما بالنسبة إلى الرضاعة فلا دليل على التخصيص كما أشرنا فيتبع العموم .

{حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ}  بلا تسامح في الزيادة والنقصان ، وان قلّ . . وهنا سؤالان :

الأول هل يجوز ان ترضع الأم وليدها أكثر من حولين ؟ .

الجواب : يجوز ، بخاصة إذا احتاج الولد إلى الزيادة . . أما فائدة التحديد بالحولين فتظهر في أمور ثلاثة : الأول انها لا تستحق أجرة الرضاعة الزائدة على الحولين . الثاني إذا تنازع الأب والأم في مدة رضاع الولد ، فأراد أحدهما أن يزيد ، والآخر أن يتم أو ينقص ، إذا كان الأمر كذلك تحاكما إلى قوله تعالى :

{حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ }. الأمر الثالث : ان الرضاع بعد الحولين من أجنبية لا أثر له من حيث انتشار الحرمة بينها وبين الطفل الرضيع ، ولا يكون مشمولا لحديث :

{يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب} . وبهذا قال الإمامية والشافعية ، وقال أبو حنيفة : بل يوجب الحرمة إلى ثلاثين شهرا .

السؤال الثاني : هل يجوز الاقتصار على ما دون الحولين ؟ .

الجواب : يجوز ، لقوله تعالى : {لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ} . وقوله : {فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما} .

وهل نرجع في تحديد أقل مدة الرضاعة إلى ضابط شرعي معين ، أوانها تختلف باختلاف بنية الطفل وصحته ؟ .

قال كثير من الفقهاء : ان أقل مدة الرضاعة واحد وعشرون شهرا ، لقوله تعالى في الآية 15 من سورة الأحقاف : {وحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} . فإذا أسقطنا من الثلاثين تسعة أشهر ، وهي المدة الغالبة في الحمل ، يبقى واحد وعشرون .

ومهما يكن ، فان المهم مراعاة صحة الطفل ومصلحته التي تختلف باختلاف الأجسام . . هذا ، وقد كان لمثل هذه البحوث أهميتها فيما مضى ، حيث لم تكن المواد الغذائية الصحية للأطفال وغير الأطفال متوافرة ، أما اليوم وقد توافرت وأصبحت في متناول كل يد فلم يعد لهذه المسائل من موضوع .

{وعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } . المولود له هو الأب ، واللفظ ظاهر في وجوب الإنفاق على من كانت في عصمة الزوج غير مطلقة كانت ، أم في العدة الرجعية ، والمراد بالرزق الطعام والإدام ، وعبّر عن النفقة التي من جملتها الإسكان ، عبّر عنها بالرزق والكسوة ، لأنهما الأهم ، والمراد بالمعروف مراعاة حال المرأة في النفقة ، ومكانتها الاجتماعية .

أما مراعاة حال الرجل المادية فقد أشار إليها سبحانه بقوله : {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها } . ونجد التفسير الواضح لهذه الجملة في قوله تعالى : {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ومَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها} – [الطلاق 7] .

كان للإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أصحاب كثر ، وربما تأخروا عنده إلى وقت الغداء ، فيقدم إليهم الطعام ، فحينا يأتيهم بالخبز والخل ، وحينا بأطيب المآكل ، فسأله واحد منهم عن ذلك ؟ . فقال : ان وسع وسعنا ، وان ضيق ضيقنا .

{لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها ولا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} . يجب الوقوف عند قوله تعالى : {لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها} ، لأن قضاة الشرع في هذا الزمان يستشهدون كثيرا بهذه الآية في أحكامهم ، ويفسرونها بأنه ليس للأب الإضرار بالأم عن طريق وليدها ، أما أهل التفسير فيكادون يجمعون على العكس ، وان المعنى لا تأبى الأم أن ترضع وليدها ، وتضره لتغيظ أباه بذلك . قال صاحب مجمع البيان ما نصه بالحرف : (لا تضار والدة بولدها ، أي لا تترك الوالدة إرضاع ولدها غيظا على أبيه) . وأين هذا من استشهاد القضاة بالآية على ان الأب ليس له الإضرار بالأم بسبب الولد ؟ .

ونقول بعد توجيه الذهن إلى الآية غير مثقل بأقوال الفقهاء والمفسرين : ان الشقاق والخلاف كثيرا ما يقع بين المرء وزوجه ، ويتعمد كل منهما أن يغيظ الآخر متخذا الإضرار بالولد وسيلة لهذه الغاية ، وبالنتيجة يذهب الطفل ضحية شقاقهما ونزاعهما . . ومثال تعمد الأم إيذاء الأب بسبب إيصال الضرر إلى الولد أن تمتنع عن ارضاعه ، مع حاجته إلى الرضاعة ، تمتنع لا لشيء الا تعجيزا للأب . . ومثال تعمد الأب إيذاء الأم أن ينتزع الولد منها ، ويعطيه إلى أجنبية ترضعه ، مع رغبة الأم في إمساكه وارضاعه .

وقد نهى اللَّه جل وعز عن الإضرار بشتى أنواعه ، سواء توجه ابتداء إلى الطفل ، أم إلى الوالد ، أم الوالدة بسبب الطفل . هذا هو المتبادر من قوله تعالى :{ لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها ولا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} . ولا يتنافى مع قول المفسرين ، ويتنافى مع استشهاد القضاة ، وان كان قولهم صحيحا في ذاته ، ولكن الخطأ في الاستشهاد .

وتسأل : ان لفظ تضار يفيد المشاركة ، كالمكالمة ، مع العلم بأن القصد هو الإضرار من طرف واحد ، وبتعبير أخصر : لم قال تضار ، والفعل واحد ؟

على حد تعبير الرازي .

الجواب : ان تعمد أحد الوالدين الإضرار بالآخر بسبب الولد هو في نفس الوقت تعمد للإضرار بنفسه ، لأن ضرر الولد ضرر للوالدين ، بل أشد وأعظم .

{وعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ } . اختلفوا في المراد من الوارث ، هل هو وارث الأب ، أو وارث الابن ؟ وسياق الكلام يرجح انه وارث المولود له ، وهو الأب ، لأن الكلام فيه ، ولكن المعنى لا يستقيم ، لأن الطفل والأم من جملة ورثة الأب ، ولأن قوله تعالى : {مِثْلُ ذلِكَ} إشارة إلى أنه يجب على وارث الأب من النفقة مثل ما يجب على الأب ، وبالنتيجة يكون المعنى ان نفقة الأم واجبة على الأم ، وأيضا على رضيعها ، وعلى بقية الورثة ، ان كانوا هناك ، مع العلم بأن الأم لا تجب نفقتها على أحد إذا كان لها ما تنفقه على نفسها ، سواء اتصل إليها المال من ميراثها من زوجها ، أومن سبيل آخر . . هذا ، إلى أنه لا معنى لوجوب إنفاقها على نفسها من مالها .

وإذا فسرنا الوارث بوارث الابن نخالف الظاهر من جهة ، والواقع من جهة ثانية ، لأن نفقة الأم لا تجب على من يرث ابنها . . أجل ، يجب لأمه في ماله أجرة الرضاعة ان كان له مال ، ولكن الأجرة شيء ، والنفقة بمعناها الصحيح شيء آخر .

والحق ان هذه الآية من المشكلات ، ولذا قال مالك : انها منسوخة ، كما نقل أبوبكر المالكي في كتاب أحكام القرآن ، وقد تخطاها بعض المفسرين ، وبعضهم نقل الأقوال فيها من غير ترجيح ، ووجه المشكلة ما بيناه ان الظاهر إذا بقي على ما هو لم يستقم المعنى ، ونعني بالظاهر تفسير الوارث بوارث الأب ، وتفسير ( مثل ذلك ) بنفقة الأم . . وان فسرنا الوارث بوارث الابن ، وفسرنا ( مثل ذلك ) بأجرة الرضاعة يستقيم المعنى . . ولكن نخالف الظاهر باللفظين ، وهما الوارث ، ومثل ذلك . . ولكن لا سبيل غير مخالفة الظاهر وتأويله ، وغير بعيد أن تكون الأحاديث الواردة في الرضاع وأجرته صالحة للدلالة على صحة هذا التأويل .

( فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما ) . الفصال هو الفطام ، لأنه يفصل الولد عن أمه ، ويفصلها عنه ، والمعنى ان للوالدين أن يفطما الطفل قبل استيفاء الحولين ، أو بعدهما إذا تم هذا بالاتفاق والتشاور بينهما في مصلحة الطفل ، بل للأب أن يسلم طفله للمرضعة المأجورة ، والى هذا أشار سبحانه بقوله :

{وإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ } .

قوله : إذا سلمتم ما آتيتم خطاب للآباء ، والمعنى يا أيها الآباء ان الأم أحق بإرضاع ولدها من الأجنبية ، ولها عليكم أجرة المثل ، فإذا أنتم سلمتم لها بهذا الحق ، وأيضا ضمنتم لها أجرة المثل عن الرضاعة ، وأبت هي بعد ذلك أن ترضعه الا بزيادة عما تستحق ، إذا كان كذلك فلا بأس عليكم حينئذ أن تسترضعوا لأولادكم المراضع الأجنبيات . . وقيل : إذا سلمتم وآتيتم ، معناه إذا أديتم للمراضع الأجنبيات الأجور المعروفة والمعتادة بين الناس فلا جناح عليكم .

ومهما يكن ، فان على الأب أن يؤدي لكل ذات حق حقها أما كانت أو ظئرا ، أي المرضعة لولد غيرها .

_________________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1، ص356-360.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآية (1) :

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } [البقرة: 233]:

الوالدات هن الأمهات، وإنما عدل عن الأمهات إلى الوالدات لأن الأم أعم من الوالدة كما أن الأب أعم من الوالد والابن أعم من الولد، والحكم في الآية مشروع في خصوص مورد الوالدة والولد والمولود له، وأما تبديل الوالد بالمولود له، ففيه إشارة إلى حكمة التشريع فإن الوالد لما كان مولودا للوالد ملحقا به في معظم أحكام حياته لا في جميعها كما سيجيء بيانها في آية التحريم من سورة النساء إن شاء الله كان عليه أن يقوم بمصالح حياته ولوازم تربيته، ومنها كسوة أمه التي ترضعه، ونفقتها، وكان على أمه أن لا تضار والدة لأن الولد مولود له.

ومن أعجب الكلام ما ذكر بعض المفسرين: أنه إنما قيل: المولود له دون الوالد: ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهن لأن الأولاد للآباء ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات، وأنشد المأمون بن الرشيد:

وإنما أمهات الناس أوعية *** مستودعات وللآباء أبناء.

انتهى ملخصا، وكأنه ذهل عن صدر الآية وذيلها حيث يقول تعالى: {أولادهن} ويقول: بولدها، وأما ما أنشده من شعر المأمون فهو وأمثاله أنزل قدرا من أن يتأيد بكلامه كلام الله تعالى وتقدس.

وقد اختلط على كثير من علماء الأدب أمر اللغة، وأمر التشريع، حكم الاجتماع وأمر التكوين فربما استشهدوا باللغة على حكم اجتماعي، أو حقيقة تكوينية.

وجملة الأمر في الولد أن التكوين يلحقه بالوالدين معا لاستناده في وجوده إليهما معا، والاعتبار الاجتماعي فيه مختلف بين الأمم: فبعض الأمم يلحقه بالوالدة، وبعضهم بالوالد والآية تقرر قول هذا البعض، وتشير إليه بقوله: {المولود له} كما تقدم، والإرضاع إفعال من الرضاعة والرضع وهو مص الثدي بشرب اللبن منه، والحول هو السنة سميت به لأنها تحول وإنما وصف بالكمال لأن الحول والسنة لكونه ذا أجزاء كثيرة ربما يسامح فيه فيطلق على الناقص كالكامل، فكثيرا ما يقال: أقمت هناك حولا أو حولين إذا أقيم مدة تنقص منه أياما.

وفي قوله تعالى: {لمن أراد أن يتم الرضاعة}، دلالة على أن الحضانة والإرضاع حق للوالدة المطلقة موكول إلى اختيارها والبلوغ إلى آخر المدة أيضا من حقها فإن شاءت إرضاعه حولين كاملين فلها ذلك وإن لم تشأ التكميل فلها ذلك، وأما الزوج فليس له في ذلك حق إلا إذا وافقت عليه الزوجة بتراض منهما كما يشير إليه قوله تعالى {فإن أرادا فصالا} "إلخ".

قوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها}، المراد بالمولود له هو الوالد كما مر، والرزق والكسوة هما النفقة واللباس، وقد نزلهما الله تعالى على المعروف وهو المتعارف من حالهما، وقد علل ذلك بحكم عام آخر رافع للحرج، وهو قوله تعالى: {لا تكلف نفس إلا وسعها}، وقد فرع عليه حكمين آخرين، أحدهما: حق الحضانة والإرضاع الذي للزوجة وما أشبهه فلا يحق للزوج أن يحول بين الوالدة وولدها بمنعها عن حضانته أو رؤيته أو ما أشبه ذلك فإن ذلك مضارة وحرج عليها، وثانيهما: نفي مضارة الزوجة للزوج بولده بأن تمنعه عن الرؤية ونحو ذلك، وذلك قوله تعالى: {لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده}، والنكتة في وضع الظاهر موضع الضمير أعني في قوله.

بولده دون أن يقول به رفع التناقض المتوهم، فإنه لو قيل: ولا مولود له به رجع الضمير إلى قوله ولدها وكان ظاهر المعنى: {ولا مولود له} بولد المرأة فأوهم التناقض لأن إسناد الولادة إلى الرجل يناقض إسنادها إلى المرأة، ففي الجملة مراعاة لحكم التشريع والتكوين معا أي أن الولد لهما معا تكوينا فهو ولده وولدها وله فحسب تشريعا لأنه مولود له.

قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك}، ظاهر الآية: أن الذي جعل على الوالد من الكسوة والنفقة فهو مجعول على وارثه إن مات، وقد قيل في معنى الآية أشياء أخر لا يوافق ظاهرها، وقد تركنا ذكرها لأنها بالبحث الفقهي أمس فلتطلب من هناك، والذي ذكرناه هو الموافق لمذهب أئمة أهل البيت فيما نقل عنهم من الأخبار، وهو الموافق أيضا لظاهر الآية.

قوله تعالى: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور} إلى آخر الآية، الفصال الفطام، والتشاور: الاجتماع على المشورة، والكلام تفريع على الحق المجعول للزوجة ونفي الحرج عن البين، فالحضانة والرضاع ليس واجبا عليها غير قابل التغيير، بل هو حق يمكنها أن تتركه.

فمن الجائز أن يتراضيا بالتشاور على فصال الولد من غير جناح عليهما ولا بأس، وكذا من الجائز أن يسترضع الزوج لولده من غير الزوجة الوالدة إذا ردت الولد إليه بالامتناع عن إرضاعه، أو لعلة أخرى من انقطاع لبن أو مرض ونحوه إذا سلم لها ما تستحقها تسليما بالمعروف بحيث لا يزاحم في جميع ذلك حقها، وهو قوله تعالى: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف}.

قوله تعالى: {واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير}، أمر بالتقوى وأن يكون هذا التقوى بإصلاح صورة هذه الأعمال، فإنها أمور مرتبطة بالظاهر من الصورة ولذلك قال تعالى: {واعلموا أن الله بما تعملون بصير}، وهذا بخلاف ما في ذيل قوله تعالى السابق: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن} الآية من قوله تعالى: {واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم}، فإن تلك الآية مشتملة على قوله تعالى: {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا}، والمضارة ربما عادت إلى النية من غير ظهور في صورة العمل إلا بحسب الأثر بعد.

______________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج2 ، ص204-206.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآية (1) :

أحكام الرّضاع السّبعة :

هذه الآية في الواقع إستمرار للأبحاث المتعلّقة بمسائل الزّواج والحياة الزّوجيّة، وتبحث مسألة مهمّة هي مسألة (الرّضاع)، وتذكر بعبارات مقتضبة وفي نفس الوقت ذات معنىً عميق الجزئيات المتعلّقة بالرّضاع المختلفة، فهناك على العموم سبعة أحكام في هذا الباب :

 1 ـ تقول الآية في أوّلها (والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين). (والدات) جمع (والدة) وهي في اللّغة بمعنى الاُم، ولكنّ كلمة الاُم لها معنىً أوسع وهي قد تُطلق على الوالدة وعلى الجدّة أي والدة الوالدة، وقد تعني أصل الشيء وأساسه.

وفي هذا المقطع من الآية نلاحظ أنّ حقّ الإرضاع خلال سنتي الرضاعة يعود للاُم، فهي التي لها أن ترضع مولودها خلال هذه المدّة وأن تعتني به، وعلى الرغم من أنّ (الولاية) على الأطفال الصغار قد أُعطيت للأب، ولكن لمّا كانت تغذية الوليد الجسمية والروحية خلال هذه المدّة ترتبط إرتباطاً لا ينفصم بلبن الأُم وعواطفها، فقد أُعطيت حقّ الإحتفاظ به، كما تجب مراعاة عواطف الأُمومة، لأنّ الأُم لا تستطيع في هذه اللحظات الحسّاسة أن ترى حضنها خالياً من وليدها وأن لا تبالي به، وعليه فإنّ تخصيصها بحقّ الحضانة والرعاية والرضاعة يعتبر حقاً ذا جانبين، فهو يرعى حال الطفل كما يرعى حال الأُم، والتعبير بـ «أولادهن» إشارة لطيفة إلى هذا المعنى. وبالرغم من أن الجملة مطلقة ظاهراً وتشمل النساء المطلقات وغير المطلقات، ولكن الجملة اللاحقة توضح أن الآية تقصد النساء المطلقات مع وجود هذا الحقّ لسائر الاُمهات، ولكن في صورة عدم وجود الطلاق فلا أثر عملي لهذا الحكم.

2 ـ ليس من الضروري أن تكون مدّة رضاعة الطفل سنتين حتماً، إنّما السنتان لمن يريد أن يقضي دورة رضاعة كاملة (لمن أراد أن يتمّ الرضاعة) ولكن للأُم أن تقلل من هذه الفترة حسب مقتضيات صحّة الطفل وسلامته.

في الروايات التي وصلتنا من أهل البيت (عليهم السلام) أنّ دورة رضاعة الطفل الكاملة سنتان كاملتان، ودورتها غير الكاملة 21 شهراً(2)، ولعلّ هذا يأخذ أيضاً بنظر الاعتبار مفاد هذه الآية مع الآية (15) من سورة الأحقاف التي تقول {وحملُهُ وفصالُهُ ثلاثون شهراً}. ولمّا كانت فترة الحمل 9 أشهر، فتكون فترة الرضاعة الاعتيادية 21 شهراً.

ولمّا لم يكن في آية سورة الأحقاف ما يفيد الإلزام والوجوب، فإنّ للوالدات الحقّ في تخفيض فترة الـ 21 شهراً بما يتّفق وصحّة الوليد وسلامته.

3 ـ نفقة الأُم في الطعام واللباس، حتّى عند الطلاق أثناء فترة الرضاعة تكون على والد الطفل، لكي تتمكن الأُم من الانصراف إلى العناية بطفلها وإرضاعه مرتاحة البال وبدون قلق.

{وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف}.

هنا تعبير «المولود له» بدلاً من «الأب» يستلفت الانتباه، ولعلّه جاء لاستثارة عواطف الأُبوة فيه في سبيل حثّه على أداء واجبه. أي أنّه إذا كان قد وضع على عاتقه الإنفاق على الوليد وأُمه خلال هذه الفترة، فذلك لأنّ الطفل ابنه وثمرة فؤاده، وليس غريباً عنه.

إنّ الإتيان بقيد «المعروف» يشير إلى أنّ طعام الأُم ولباسها ينبغي أن يكونا من اللائق بها والمتعارف عليه، فلا يجوز التقتير ولا الإسراف.

ولرفع كلّ غموض محتمل تشير الآية إلى أنّ على كلّ أب أن يؤدّي واجبه على قدر طاقته {لا تكلّف نفس إلاّ وسعها}. ويرى البعض أن هذه الجملة بمثابة العلّة لأصل الحكم. والبعض الآخر بعنوان تفسير الحكم السابق (والنتيجة واحدة).

4 ـ لا يحقّ لأيّ من الوالدين أن يجعلا من مستقبل وليدهما ومصيره أمراً مرتبطاً بما قد يكون بينهما من اختلافات، فيكون من أثر ذلك أن تصاب نفسية الوليد بضربة لا يمكن تفادي آثارها.

{لا تضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده}.

على الأب أن يحذر انتزاع الوليد من أحضان أُمه خلال فترة الرضاعة فيعتدي بذلك على حقّ الأُم في حضانة وليدها. كما أنّ على الأُم التي أُعطيت هذا الحقّ أن لا تستغله وأن لا تتذرّع بمختلف الأعذار الموهومة للتنصّل من إرضاع وليدها، أو أن تحرم الأب من رؤية طفله.

وذكر إحتمال آخر في تفسير الآية وهو أنّ المراد أنّ الأب ليس له أن يسلب الزّوجة حقّها في المقاربة الجنسيّة بسبب الخوف من الحمل وفي النتيجة الإضرار بالمُرضع، ولا الاُم بإمكانها منع زوجها من هذا الحقّ لهذا السبب، ولكنّ التفسير الأوّل أكثر انسجاماً مع ظاهر الآية (3).

التعبير بـ (ولدِها) و(ولدُه) من أجل تشويق الآباء والاُمهّات برعاية حال الأطفال الرُّضع، مضافاً إلى أنّه إشارة إلى أنّ الرّضيع متعلّق لكليهما خلافاً لما هو المرسوم من تقاليد الجاهليّة من أنّ الولد متعلّق بالأب خاصّة وليس للاُم سهم من الحقّ فيه.

5 ـ ثمّ تبيّن الآية حكماً آخر يتعلّق بما بعد وفاة الأب فتقول : (وعلى الوارث مثل ذلك).

يعني أنّ الورثة يجب عليهم تأمين احتياجات الاُم في مرحلة الرّضاعة للطفل، وهناك احتمالات اُخرى في تفسير الآية الشريفة ولكنّها ضعيفة.

6 ـ وتتحدّث الآية أيضاً عن مسألة فطام الطّفل عن الرّضاعة وتجعله بعهدة كلّ من الأبوين على الرّغم ممّا جاء في الآيات السابقة من تحديد فترة الرّضاعة، إلاّ أنّ للأبوين أن يفطما الطّفل وقت ما يشاءان حسب ما تقتضيه صحّة الطّفل وسلامته الجسميّة، وتقول الآية : {فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما}.

وفي الواقع أنّ الأب والاُم يجب أن يراعيا مصالح الطّفل ويتشاوران في ذلك للوصول إلى التّوافق والتّراضي، فيضعان برنامج مدروس لفطام الطّفل من الرّضاع دون أن يحدث لهما مشاجرة في هذه المسألة والتي قد تؤدّي إلى ضياع حقوق الطّفل.

7 ـ أحياناً تمتنع الاُم من حضانة الطّفل وحقّها في إرضاعه ورعايته أو أنّه يوجد هناك مانع حقيقي لذلك، ففي هذه الصّورة يجب التفكير في حلّ هذه المسألة ولهذا تقول الآية {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف}.

وهناك عدّة تفاسير لجملة {إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} فذهب بعض المفسّرين.

وأنّه لا مانع من اختيار مرضعة بدل الاُم بعد توافق الطرفين بشرط أنّ هذا الأمر لا يسبّب إهدار حقوق الاُم بالنسبة إلى المدّة الفائتة من الرّضاعة، بل يجب إعطاءها حقّها في المدّة الفائتة التي أرضعت فيها الطّفل حسب ما تقتضيه الأعراف والعادات.

وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ العبارة ناظرة إلى حقّ المرضعة، فيجب أداء حقّها وفقاً لمقتضيات العرف والعادة، وذهب آخرون إلى أنّ المراد من هذه الجملة هو اتّفاق الأب والاُم في مسألة انتخاب المرضعة، فعلى هذا تكون تأكيداً للجملة السابقة، ولكنّ هذا التفسير ضعيف ظاهراً، والصحيح هو التفسير الأوّل والثاني، وقد اختار المرحوم (الطبرسي) التفسير الأولّ(4).

وفي الختام تحذّر الآية الجميع وتقول {واتّقوا الله واعلموا أنّ الله بما تعملون بصير}.

فلا ينبغي للإختلافات التي تحصل بين الزّوجين أن تؤدّي إلى إيقاد روح الإنتقام فيهما حيث يعرّض مستقبلهما ومستقبل الطّفل إلى الخطر، فلابدّ أن يعلم الجميع بأنّ الله تعالى يراقب أعمالهم بدقّة.

هذه الأحكام المدروسة بدقّة والمشفوعة بالتّحذيرات تبيّن بوضوح درجة اهتمام الإسلام بحقوق الأطفال وكذلك الاُمّهات حيث يدعو إلى رعاية الحدّ الأكثر من العدالة في هذا المجال.

أجل، فإنّ الإسلام ـ وعلى خلاف ما هو السائد في العالم المادي المعاصر حيث تسحق فيه حقوق الطبقة الضعيفة ـ يهتم غاية الإهتمام بحفظ حقوقهم.

________________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص28-32.

2 ـ وسائل الشيعة : ج 15 ص 177 (باب أقلّ مدّة الرضاع وأكثره) ج 2 و5، وورد في بعض

هذه الروايات إذا نقص عن (21) شهراً كان ظلماً للرضيع.

3 ـ على التفسير الأوّل فعل «لا تضار» فعل معلوم، وعلى التفسير الثاني فعل مجهول وإن كان

تلفظ الاثنين واحداً، تأمل جيداً.

4 ـ تفسير مجمع البيان : ج 1 و2 ص 336.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



موكب أهالي كربلاء يستذكر شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
العتبة العباسية تستذكر شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) بإقامة مجلس عزاء
أهالي كربلاء يحيون ذكرى شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) في مدينة الكاظمية
شعبة مدارس الكفيل النسوية تعقد اجتماعًا تحضيريًّا لوضع الأسئلة الامتحانية