أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-2-2018
2465
التاريخ: 26-1-2016
10397
التاريخ: 2-1-2017
7255
التاريخ: 26-7-2016
21785
|
إن مهمة المثقف في المجتمع تبرز بشكل جلي من خلال تعامله مع أفراد يعرفون مصلحة مجتمعهم ويحترمون معاييره وقيمه ويعرفون القراءة والكتابة لأنها تجعل رسالته سريعة الوصول إلى أكبر عدد ممكن من شرائح المجتمع. بتعبير آخر، إن وجود المدارس والصحف والمجلات ودور العبادة في المجتمع تكون بمثابة قنوات اتصالية له مع المتلقي ولولاها لا يستطيع أن يحقق مهمته أو وظيفته التنويرية.
ولما كانت السلطة السياسية مسئولة عن تطبيق العدالة الاجتماعية ، فإن أول مهمة يتطرق إليها المثقف هي مدى تطبيقها للعدالة الاجتماعية وما هو موقف الأفراد منها (في القبول أو الاستحسان أو النقد أو الرفض) أي أنه يكون بمثابة مراقب واعٍ وأمني على المصلحة العامة وعدم الإضرار فيها من قبل المسئولين.
ومن خلال تطبيق السلطة السياسية للعدالة الاجتماعية عبر قنواتها الرسمية واستحسان الناس لها، فإن المثقف إزاء ذلك يستطيع إبرازها للعامة وهذه هي أبرز مهمة تحملها وظيفة المثقف التي تستوجب منه أن يكون حاملاً معايير وقيم مجتمعه، ومن ثم تأتي نظرته الواسعة والنيرة لإضاءة الطريق أمام العامة دون الخروج بعيداً عن معايير وقيم مجتمعه. أقول عليه مزاوجة الأصالة مع الإبداع لكي ينجب إبداعاً مقبولاً مع تطوير الارث الحضاري لمجتمعه بشكل عقلاني منظم وتبني ما هو مناسب ومقبول من معايير مجتمعه.
في مثل هذه العملية التوليفية لا يكون المثقف واقعاً في خلاف أو صرع قيمي مع مجتمعه. أي لا يكون منزلقاً في مواقف متطرفة أو مبلوراً فجوة جيلية (بين جيلين هي الناشئة والمعمرة).
لا جرم من الإشارة إلى أن هذه الوظائف المذكورة أعلاه تمثل وظائف عامة لكل مثقفي المجتمعات الإنسانية، لا تقتصر على مجتمع معين سواء أكانت في المجتمع العربي أو الهندي أو الألماني أو الأمريكي. وما قدمناه من وظائف أساسية تنطبق على مثقفي المجتمعات على اختلاف مراحل تطورها لأنها تخدم الحقيقة وعامة الناس وليس المثقفين أنفسهم. لكن عندما يكون هناك ظلم أو عدم عدالة في المجتمع فإن المثقف عندها يتخذ موقف المعارض والرافض يطالب بالمساواة والعدالة واحقاق الحق وهي التي تمثل دوره ومكانته ومهمته في المجتمع. فهي إذن ليست وظيفة حكومية أو مؤسسة أهلية بل هي مهمة ومسئولية مجتمعية عامة. مثلما كانت مكانة ودور ومهمة جواهر لال نهرو والكواكبي والأفغاني وطه حسين وعلال الفاسي وحسنين هيكل التي مثلت مهمة ثقافية تنويرية لا صلة لها بحكومة معينة أو مؤسسة شخصية أو سياسية .
إنما الواجب الوظيفي للمثقف يخضع لوضعهم ودورهم داخل المجتمع وما هو متاح لهم من أداء رسالتهم النزيهة والمنورة والشفافة وما هي سعة مدار المتلقين لهم ونوح تعليمهم وهدف طموحهم. فإذا كانوا (المتلقين) من النوع المتعلم والمتفتح على الثقافات الأجنبية فإن مهمة المثقف في أداء رسالته تكون رفيعة المستوى ومبتكرة ومتبنية لأنماط ونظريات ومناهج عصرية متجددة. واذا كان (المتلقي) من النوع المحافظ والتقليدي فإن مهمة المثقف تكون مركزة على الطرح التراثي والانكفائي في مواضيعها ومرئياتها ومتجنبة الحداثة والمعاصرة بل متنكرة لها غير حرة في تناولها وتبنيها لمستجدات الأمور، وهنا تكون درجة الإبداع والابتكار عند المثقف مفقودة والتراكم المعرفي في المجتمع يكون بسيطاً وسطحياً. أقول يكون العطاء الثقافي متدنياً وغير حيوي يفيد المبتدئ في صيرورة الثقافة (أي أقرب إلى السذاجة الثقافية) لأنها لا تمثل عصرها بل تكرر ماضيها السحيق الذي ليس له وجود في الثقافة الحاضرة وهذا بدوره يغذي العقلية المغلقة ويجعلها لا تقبل التجديد والتحليل والطموح، وبالتالي لا تضيف إبداعاً جوهرياً لثقافتها التراثية.
ليس هذا فحسب بل إن إمكانية أفراد المجتمع المالية لها دور مهم في نشر نتاج المثقف. فإذا كانت مداخيل الأفراد المتعلمين عالية فإن إقبالهم على إثراء هذا النتاج يكون عالياً تباعاً، وهو بدوره يشجع المثقف على المزيد من إنتاجه والعكس صحيح.
إلا أن الملاحظ على البلدان الغنية التي يتمتع أفرادها بدخل مالي عال أن هؤلاء الأفراد لا يميلون لقراءة الثقافة الفلسفية أو الفكرية والعقائدية بل الشعرية والقصصية والجمالية والصحية، بينما يميل أفراد البلدان الفقيرة لقراءة النتاج الثقافي الفلسفي أو الفكري أو العقائدي أي التعمق المعرفي والتحليل المنطقي وهذا بالطبع يؤثر على نوع نتاج مثقفيها والا لا يجدون متلقين لرسالتهم الثقافية أو نتاجهم الأدبي أو العلم . بمعنى أن حجم طلب المتلقين يحدد حجم إنتاج المثقفين ونوع طلب المثقفين هو الذي يقرر نوع نتاج المثقفين.
لذا فإن عدد الجامعات في البلد هو الذي يحدد عدد المتلقين لنتاج المثقفين. بتعبير آخر، كلما زاد عدد المثقفين زاد معه نشاطهم والعكس صحيح. لكن هذه الحالة لا نجدها سائدة في مجتمعنا العربي بالوقت الراهن بسبب بطالة خريجي الجامعات وتدني دخل الأفراد وغلاء مستوى المعيشة وهيمنة النزعة المادية على الثقافية، جميعها أدت إلى عدم تناغم إنتاج المثقفين العرب مع تزايد أعداد خريجي الجامعات العربية.
فضلاً عن ندرة المحاضرات الثقافية والحلقات الدراسية العلمية والمختبرات العلمية، كل ذلك أثر سلباً على حيوية نشاط المثقف والباحث والعالم العربي في الوقت الراهن وقطع استمراره في نشاطه الثقافي.
لكن مع تنوع وتعدد الاختصاصات العلمية بعد منتصف القرن العشرين بسبب المؤثرات التقنية والمنافسة الإبداعية زادت حركة نشاط وانتاج المثقفين في العالم الصناعي وما بعد التصنيع والمعلوماتي الذي بالتالي يزيد من عدد المثقفين تباعاً. أي زاد عددهم كماً ونوعاً الأمر الذي بلور عندهم جمعيات واتحادات علمية متفاعلة ومتواصلة في اتصالاتها ونتاجاتها عبر مؤتمرات وندوات ودوريات جذبتهم قواسم عملية مشتركة واهتمامات ومصالح متفاعلة وحدت مواقفهم نحو الظواهر السلبية التي تبرز على سطح المجتمع المحلي أو الإقليمي أو الكوني، يعملون وكأنهم يمثلون قانوناً عاماً أو نسقاً واحداً يتحرك مرة واحدة بالإضافة إلى نشاطهم العلمي المختص. علاوة على ذلك هناك جمعيات واتحادات مثل أمة واحدة مثل اتحاد الصحفيين العرب أو إقليم جغرافي واحد مثل اتحاد علماء اجتماع جنوب شرق أسيا وأخرى دينية مثل اتحاد الاقتصاديين المسلمين في العالم.
أما علاقة المثقفين بالسلطة فقد حددها ادورد شيلز بخمسة أنواع
وهي:
1ـ العلاقة العلمية
2ـ العلاقة الرومانسية
3ـ العلاقة الثورية
4ـ العلاقة الشعبية
5ـ معارضة المثقفين للنظام
جميعها لها صدامات مع السلطة سواء أكانت بشكل مباشر أو غير مباشر أو لها ثقافات معاصرة أو تقاليدية:
1ـ العلاقة العلمية: تنطوي هذه العلاقة على اختبار كل شيء يخضع للبحث العلمي وتبني كل ما تفرزه التجارب المختبرية. وإزاء ذلك فإنها تنتقد كل شيء لا يخضع لسلطان العقل أو كل شيء يعمل بعبثية - عشوائية غير منظم، مؤكدة بذلك على الخبرة المباشرة. وخلاف ذلك تقف موقف المعارض العلني والصريح لها.
2ـ العلاقة الرومانسية : تؤكد على استحسان السلوك العفوي والتلقائي المعبر عن مكنونات ذاتية - باطنية وكل ما يهتم به الفرد تعده أصيلاً ولا تستسيغ السلوك التقليدي أو المحافظ. أي مضادة لكل قيود تقيد تصرف الفرد وتحبذ التعبير الذاتي الصريح والمباشر ولا تقيم وزناً للأعراف والقواعد الاجتماعية. بتعبير آخر، أنها تقدر وتحترم السلوك البويهيمي، لذا فهي (أي هذه العلاقة تقترب من العلاقة الثورية وتبتعد عن العلمية) وتؤيد معارضة السلطة ومقاومة كل القوى التي تضايق أو تعيق حركة المثقف الثقافية سواء أكانت هذه القوى رسمية أو عرفية. فهي إذن بهذه الصورة تمثل المثقف الحر الطليق في أفكاره وطروحاته وخيالاته ومرئياته باحثاً عن التجديد الذاتي والريادة الفردية والانعتاق من كل قيود المجتمع.
3ـ العلاقة الثورية: التي يطالب فيها المثقف (من السلطة) أن تقضي على الفساد والظلم والفقر والبطالة وترسي مبادئ العدالة والمساواة والأمن والضمان وتتكفل بسعادة المواطن وتأمين عيشه. وهنا يمسي المثقف في تعارض ومقاض لرموز السلطة على كل سلبيات المجتمع ويحملها وزر المشكلات والمعضلات التي تعيش في جسد مجتمعه.
4ـ العلاقة الشعبية: التي توضح إعجاب مثقفي هذه العلاقة بثقافة عامة الناس (في طريقة عيشهم وتفكيرهم وتعاملهم وأدبهم) ونجدها أفضل بكثير من ثقافة الطبقة العليا والبرجوازية ورجال السلطة، بل حتى أفضل من الثقافة الجامعية الرسمية المستوردة من ثقافات أجنبية وذلك بسبب تناسبها مع عقلية ومشاعر وعيش عامة الناس، فضلاً عن كونها صادقة غير مجاملة وغير منافقة بل صريحة حاملة في طياتها الأمثال والحكم المجربة محلياً. لذا فإن مثقفي هذه العلاقة يتبنون هذه العلاقة ويطالبون السلطة بالأخذ بها والاهتمام بجوهرها.
5ـ معارضة مثقفي السلطة: إذ هناك من المثقفين مَن جندوا أنفسهم لخدمة أغراض السلطة أو هي التي جندتهم لتلميع صورتها أمام العامة أو لتضليلها بمرثيات خادعة أو شعارات رنانة وهمية ومأمولة. أي تسخير أقلامهم وأصواتهم لسلطان الحاكم. إلا أن باقي المثقفين لا يقبلون بذلك فيوجهون سهام نقدهم لهم لأنهم وقفوا بجانب السلطة والمطلوب منهم أن يكونوا مع صوت الشعب وارادته (shills,1972,p.p.5-21) .
على الرغم من معرفة ادورد شيلز بأن المثقف لا تقاس ثقافته من خلال معارضته أو تأييده للسلطة إلا أنه خصص باباً لها لأنها تمثل أحد أهدافه في الرؤية والتحليل، إذ ليس جميع المثقفين يتعارضون مع السلطة وبالذات المبتدئون والافاقون والانتهازيون والمراهنون والمرتزقة. جميعهم يفضلون عسلها على قلمهم وفكرهم وشرف مهنتهم على الرغم من علمهم بأن ذلك يتعارض مع مبادئ وظيفة ثقافتهم.
لكن سواء أكان المثقف مؤيداً للسلطة ومدافعاً عنها أو ضدها فإن رصيده الثقافي والشعبي يكمن
في عدة متغيرات لا دخل للسلطة بها وهي:
1ـ حجم مجتمعه .
2ـ نسبة الأميين في مجتمعه إذ كلما زادت ارتفع رصيده والعكس صحيح .
3ـ استقلالية المؤسسات الإعلامية .
4ـ أكاديمية المؤسسات الجامعية .
5ـ تحرر دور النشر من هيمنة الحكومة.
6ـ دخل الفرد الشهري .
7ـ الأنشطة الثقافية الحرة وغير الموجهة من جهات رسمية.
8ـ عدم انغلاق مجتمعه على نفسه.
9ـ تفتح مجتمعه على الثقافات الأجنبية.
10ـ اللغات الأجنبية المتداولة في مجتمعه.
جميع هذه المتغيرات تكثف وتوسع من مدار وظيفة المثقف الفكرية والعلمية والسياسية وخلافه تتقيد وظيفته الثقافية ويهبط رصيده الثقافي والشعبي.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|