المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16661 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
العمرة واقسامها
2024-06-30
العمرة واحكامها
2024-06-30
الطواف واحكامه
2024-06-30
السهو في السعي
2024-06-30
السعي واحكامه
2024-06-30
الحلق واحكامه
2024-06-30

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الاية (148-152) من سورة البقرة  
  
3580   05:35 مساءً   التاريخ: 14-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /


قال تعالى : {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُو مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 148 - 152].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير  هذه الآيات (1) :

هذا بيان لأمر القبلة أيضا وقوله {ولكل وجهة} فيه أقوال (أحدها) أن معناه لكل أهل ملة من اليهود والنصارى قبلة عن مجاهد وأكثر المفسرين و(ثانيها) أن لكل نبي وصاحب ملة وجهة أي طريقة وهي الإسلام وإن اختلفت الأحكام كقوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا يعني شرائع الأنبياء عن الحسن و(ثالثها) أن لكل من المسلمين وأهل الكتاب قبلة يعني صلاتهم إلى بيت المقدس وصلاتهم إلى الكعبة عن قتادة و(رابعها)أن لكل قوم من المسلمين وجهة من كان منهم وراء الكعبة أو قدامها أوعن يمينها أوعن شمالها وهو اختيار الجبائي .

{هو موليها} أي الله موليها إياهم ومعنى توليته لهم إياها أنه أمرهم بالتوجه نحوها في صلاتهم إليها ويدل على ذلك قوله فلنولينك قبلة ترضاها وقيل معناه لكل مولي الوجهة وجهة أو نفسه إلا أنه استغنى عن ذكر النفس والوجه وكل وإن كان مجموع المعنى فهو موحد اللفظ فجاء البناء على لفظه فلذلك قال هو في الكناية عنه وإن كان المراد به الجمع والمعنى كل جماعة منهم يولونها وجوههم ويستقبلونها .

وقوله {فاستبقوا الخيرات} معناه سارعوا إلى الخيرات عن الربيع والخيرات هي الطاعات لله تعالى وقيل معناه بادروا إلى القبول من الله عز وجل فيما يأمركم به مبادرة من يطلب السبق إليه عن الزجاج وقيل معناه تنافسوا فيما رغبتم فيه من الخير فلكل عندي ثوابه عن ابن عباس وقوله {أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا} أي حيثما متم من بلاد الله سبحانه يأت بكم الله إلى المحشر يوم القيامة وروي في أخبار أهل البيت (عليهم السلام) أن المراد به أصحاب المهدي في آخر الزمان قال الرضا (عليه السلام) وذلك والله لو قام قائمنا يجمع الله إليه جميع شيعتنا من جميع البلدان {إن الله على كل شيء قدير} أي هو قادر على جمعكم وحشركم وعلى كل شيء .

وقوله تعالى : {ومِنْ حَيْث خَرَجْت فَوَلِّ وَجْهَك شطرَ الْمَسجِدِ الْحَرَامِ وإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّك ومَا اللَّهُ بِغَفِل عَمَّا تَعْمَلُونَ}

{ومن حيث خرجت} من البلاد {فول وجهك شطر المسجد الحرام} أي فاستقبل بوجهك تلقاء المسجد الحرام وقيل في تكراره وجوه (أحدها)أنه لما كان فرضا نسخ ما قبله كان من مواضع التأكيد والتبيين لينصرف الخلق إلى الحال الثانية من الحال الأولى على يقين و(ثانيها)أنه مقدم لما يأتي بعده ويتصل به فأشبه الاسم الذي تكرر ليخبر عنه بأخبار كثيرة كما يقال زيد كريم زيد عالم زيد فاضل وما أشبه ذلك مما يذكر لتعلق الفائدة به و(ثالثها)أنه في الأول بيان لحال الحضر وفي الثاني بيان لحال السفر وقوله {وأنه للحق من ربك} معناه وإن التوجه إلى الكعبة الحق المأمور به من ربك ويحتمل أن يراد بالحق الثابت الذي لا يزول بنسخ كما يوصف القديم سبحانه بأنه الحق الثابت الذي لا يزول {وما الله بغافل عما تعملون} معناه هنا التهديد كما يقول الملك لعبيدة ليس يخفى علي ما أنتم عليه فيه ومثله قوله إن ربك لبالمرصاد .

وقوله تعالى : وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [البقرة: 150]

وقد مضى الكلام في معنى أول الآية وقيل في تكراره وجوه (أحدها) أنه لاختلاف المعنى وإن اتفق اللفظ لأن المراد بالأول {ومن حيث خرجت} منصرفا عن التوجه إلى بيت المقدس {فول وجهك شطر المسجد الحرام} والمراد بالثاني أين ما كنت من البلاد فتوجه نحوه من كل جهات الكعبة وسائر الأقطار (وثانيها)أنه من مواضع التأكيد لما جرى من النسخ ليثبت في القلوب (وثالثها)أنه لاختلاف المواطن والأوقات التي تحتاج إلى هذا المعنى فيها وقوله {لئلا يكون للناس عليكم حجة} قيل فيه وجوه (أولها) أن معناه لأن لا يكون لأهل الكتاب عليكم حجة إذا لم تصلوا نحو المسجد الحرام بأن يقولوا ليس هذا هو النبي المبشر به إذ ذاك نبي يصلي بالقبلتين (وثانيها) أن معناه لا تعدلوا عما أمركم الله به من التوجه إلى الكعبة فتكون لهم عليكم حجة بأن يقولوا لوكنتم تعلمون أنه من عند الله لما عدلتم عنه عن الجبائي (وثالثها)ما قاله أبو روق إن حجة اليهود أنهم كانوا قد عرفوا أن النبي المبعوث في آخر الزمان قبلته الكعبة فلما رأوا محمدا يصلي إلى الصخرة احتجوا بذلك فصرفت قبلته إلى الكعبة لئلا يكون لهم عليه حجة .

{إلا الذين ظلموا منهم} يريد إلا الظالمين الذين يكتمون ما عرفوا من أنه يحول إلى الكعبة وعلى هذا يكون الاستثناء متصلا وقد مضى ذكر ما قيل فيه من الأقوال في الإعراب وإنما اختلف العلماء في وجه الاستثناء لأن الظالم لا يكون له حجة لكنه يورد ما هو في اعتقاده حجة وإن كانت باطلة كما قال سبحانه حجتهم داحضة وقيل المراد بالذين ظلموا قريش واليهود فأما قريش فقالوا قد علم أننا على مدى فرجع إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا وأما اليهود فقالوا لم ينصرف عن قبلتنا عن علم وإنما فعله برأيه وزعم أنه قد أمر به وقيل المراد بالذين ظلموا العموم يعني ظلموكم بالمقاتلة وقلة الاستماع .

وقوله {فلا تخشوهم واخشوني} لما ذكرهم بالظلم والخصومة والمحاجة طيب نفوس المؤمنين فقال لا تخافوهم ولا تلتفتوا إلى ما يكون منهم فإن عاقبة السوء عليهم ولا حجة لأحد منهم عليكم ولا يد وقيل لا تخشوهم في استقبال الكعبة واخشوا عقابي في ترك استقبالها فإني أحفظكم من كيدهم .

وقوله {ولأتم نعمتي عليكم} عطف على قوله {لئلا} وتقديره لئلا يكون لأحد عليكم حجة ولأتم نعمتي عليكم بهدايتي إياكم إلى قبلة إبراهيم (عليه السلام) بين سبحانه أنه حول القبلة لهذين الغرضين زوال القالة وتمام النعمة وروي عن ابن عباس أنه قال ولأتم نعمتي عليكم في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فأنصركم على أعدائكم وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأما في الآخرة فجنتي ورحمتي وروي عن علي (عليه السلام) قال النعم ستة الإسلام والقرآن ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) والستر والعافية والغنى عما في أيدي الناس {ولعلكم تهتدون} أي لكي تهتدوا ولعل من الله واجب عن الحسن وجماعة وقيل لتهتدوا إلى ثوابها وقيل إلى التمسك بها .

وقوله {كما أرسلنا} التشبيه فيه على القول الأول معناه أن النعمة في أمر القبلة كالنعمة بالرسالة لأن الله تعالى لطف لعباده بها على ما يعلم من المصلحة ومحمود العاقبة وأما على القول الثاني فمعناه أن في بعثة الرسول منكم إليكم نعمة عليكم لأنه يحصل لكم به عز الرسالة فكما أنعمت عليكم بهذه النعمة العظيمة فاذكروني واشكروا لي واعبدوني أنعم عليكم بالجزاء والثواب والخطاب للعرب على قول جميع المفسرين وقوله {رسولا} يعني محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) {منكم} بالنسب لأنه من العرب ووجه النعمة عليهم بكونه من العرب ما حصل لهم به من الشرف والذكر وأن العرب لم تكن لتتبع رسولا يبعث إليهم من غيرهم مع نخوتهم وعزتهم في نفوسهم فكون الرسول منهم يكون أدعى لهم إلى الإيمان به واتباعه وقوله {يتلو عليكم آياتنا} أراد بها القرآن {ويزكيكم} ويعرضكم لما تكونون به أزكياء من الأمر بطاعة الله واتباع مرضاته ويحتمل أن يكون معناه ينسبكم إلى أنكم أزكياء بشهادته لكم بذلك ليعرفكم الناس به {ويعلمكم الكتاب والحكمة} الكتاب القرآن والحكمة هي القرآن أيضا جمع بين الصفتين لاختلاف فائدتهما كما يقال الله العالم بالأمور كلها القادر عليها وقيل أراد بالكتاب القرآن وبالحكمة الوحي من السنة وما لا يعلم إلا من جهته من الأحكام وقوله {ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون} أي ما لا سبيل لكم إلى عمله إلا من جهة السمع فذكرهم الله بالنعمة فيه ويكون التعليم لما عليه دليل من جهة العقل تابعا للنعمة فيه ولا سيما إذا وقع موقع اللطف .

{فاذكروني أذكركم} قيل معناه اذكروني بطاعتي أذكركم برحمتي عن سعيد بن جبير بيانه قوله سبحانه وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون وقيل اذكروني بطاعتي أذكركم بمعونتي عن ابن عباس وبيانه قوله والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وقيل اذكروني بالشكر أذكركم بالزيادة عن ابن كيسان بيانه لئن شكرتم لأزيدنكم وقيل اذكروني على ظهر الأرض أذكركم في بطنها وقد جاء في الدعاء اذكروني عند البلاء إذا نسيني الناسون من الورى وقيل اذكروني في الدنيا أذكركم في العقبي وقيل اذكروني في النعمة والرخاء أذكركم في الشدة والبلاء وبيانه قوله سبحانه فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون وفي الخبر تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة وقيل اذكروني بالدعاء أذكركم بالإجابة بيانه قوله {ادعوني أستجب لكم }.

وروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن الملك ينزل الصحيفة من أول النهار وأول الليل يكتب فيها عمل ابن آدم فأملوا (2) في أولها خيرا وفي آخرها خيرا فإن الله يغفر لكم ما بين ذلك إن شاء الله فإن الله يقول {اذكروني أذكركم} وقال الربيع في هذه الآية إن الله عز وجل ذاكر من ذكره وزائد من شكره ومعذب من كفره وقوله {واشكروا لي} أي اشكروا نعمتي وأظهروها واعترفوا بها {ولا تكفرون} ولا تستروا نعمتي بالجحود يعني بالنعمة قوله {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم} الآية .

______________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ؟، ص428-435.

2- وفي نسختين من نسخنا : (فاعلوا) بدل (فأملوا).

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير  هذه الآيات (1) :

{لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُو مُوَلِّيها}. لما ذكر اللَّه القبلة التي أمر المسلمين بالتوجه إليها ، وهي الكعبة ، وذكر تصميم كل من اليهود والنصارى على اتباع قبلتهم ،

وتمسكهم بها بيّن ان السر لهذا التصميم والإصرار هوان كل فريق قد اختار لنفسه جهة يتجه إليها ، لا يفارقها أبدا ، وان كان فسادها بينا كالشمس ، فقوله : {لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُو مُوَلِّيها} أشبه بقوله : {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [المؤمنون: 53].

هذا ما فهمته من ظاهر اللفظ ، وقد تعددت في تفسيره الأقوال أنهاها صاحب مجمع البيان إلى أربعة .

{اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهً عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. أي دعوا أهل الكتاب والمشركين المعاندين ، واتجاهاتهم ، وإصرارهم على ضلالهم ، وانصرفوا إلى عمل الخير ، والمبادرة إليه ، فان مرجعكم غدا إليه سبحانه ، فيثيب المحق المحسن ، ويعاقب المبطل المسئ . . وعلى حد تعبير المفسرين ان قوله تعالى : {يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ} ، هو وعد بالثواب لأهل الطاعة ، ووعيد بالعقاب لأهل المعصية . أما قوله : {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 148]  بعد هذا الوعد والوعيد فهو دليل وتعليل لإمكان الإتيان بالخلق وبعثهم بعد الموت .

{ومِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ}.

وتسأل : كرر اللَّه الأمر هنا باستقبال المسجد الحرام ثلاث مرات ، وفي الآية 145 مرتين ، فالمجموع خمس مرات دون فاصل طويل . . فما هو الوجه ؟ .

الجواب : ذكر صاحب المجمع في ذلك ثلاثة أقوال ، والرازي خمسة ، ومنها الجواب التقليدي الموروث ، وهوان التكرار للتأكيد والاهتمام . . ولم تركن النفس إلى شيء من تلك الأقوال . . وليس لدي شيء سوى ان التكرار هنا قد يكون لمناسبة خاصة استدعاها المقام آنذاك ، وقد خفيت علينا ، وما أكثر المناسبات والملابسات التي لا تدخل تحت ضابط وحساب . . ومعلوم ان موارد الآيات وبواعثها منها خاص ومنها عام . . وليس لأحد أن يستنبط ويتأول من غير أصل ويعتمد على الحدس والظن .

{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}. قال كثير من المفسرين : ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) حين كان يصلي إلى بيت المقدس قال المشركون العرب : كيف يدعي محمد انه على دين إبراهيم ، ولا يصلي إلى الكعبة التي كان يصلي إليها إبراهيم وإسماعيل ؟ . وان أهل الكتاب قالوا : ان الموجود في كتبنا ان النبي الذي يبعث من ولد إسماعيل يصلي إلى الكعبة ، لا إلى بيت المقدس ،

فكيف نعترف بنبوته ؟ . فكان لكل من المشركين وأهل الكتاب حجة يتذرع بها في زعمه . . فحول اللَّه نبيه إلى الكعبة ، وجعلها قبلة دائمة للنبي ولجميع المسلمين إلى يوم الدين ، كي لا يبقى لهؤلاء ، ولا لأولئك ما يحتجون به .

وظاهر الجملة يدل على ان الصلاة إلى الكعبة تدفع حجة المعترضين من الناس ، أما من هم المعترضون من الناس فلم تتعرض الآية لبيانهم . . ومن الجائز أن يكون الوجه في قطع حجة المعترضين ان الكعبة بناها وصلى إليها إبراهيم (عليه السلام)، وهو محل وفاق بين الجميع ، ومحمد (صلى الله عليه واله)على سنته .

{إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}. أي لا حجة عليك لواحد من الناس إذا صليت الا للمبطل المعاند الذي لا يستند في اعتراضه وطعنه إلى برهان عقلي ، ولا هدى سماوي ، بل لمجرد التعصب والتعنت .

{فَلا تَخْشَوْهُمْ واخْشَوْنِي}. أي لا تخافوا في الحق لومة لائم ، فأنا وحدي أملك لكم النفع والضر . وقال ابن عربي في تفسيره : {معنى اخشوني اعرفوا عظمتي لئلا يعظم الكافر عندكم ، قال علي أمير المؤمنين (عليه السلام): عظم الخالق في أنفسهم ، فصغر ما دونه في أعينهم} .

{ولأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ولَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}. أي أنعمت عليكم بالإسلام ، وأتممت النعمة بإعطائي إياكم قبلة مستقلة توحد كلمتكم ، وتجمع شملكم ، وتتجه إليها شعوب العالم من أقطار الأرض على اختلاف ألوانها وألسنتها . .

أواصر الأمة الاسلامية :

قال عالم مدقق : تربط الأمة الاسلامية ثلاث أواصر : إله واحد ، وكتاب واحد ، وقبلة واحدة ، يفد إليها المسلمون من أقطار الأرض كل عام ، ليعبدوا هذا الإله الواحد بتلك الشريعة الواحدة على أرض واحدة ، هي أرض الوطن الروحي . . وهكذا تجسدت وحدة العقيدة ، ووحدة الشريعة ، ووحدة الوطن الأعلى ، ليذكر المسلمون انهم وان تفرقت أقطارهم ، واختلفت أنسابهم وألسنتهم وألوانهم تجمعهم جامعة الدين واللَّه والوطن . . وانه إذا جد الجد وجب ان يضحي كل فريق منهم بمصالحه الخاصة في سبيل هذه المصلحة المشتركة .

{كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا ويُزَكِّيكُمْ ويُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ}. للعلماء كلام كثير وطويل في معنى الحكمة . . والذي نفهمه نحن ان كل ما وضع في مكانه اللائق به من قول أو فعل فهومن الحكمة . . وعلى أية حال ، فان المعنى العام لهذه الآية ان اللَّه سبحانه قد أنعم بالقبلة على العرب ، كما أنعم عليهم من قبل بمحمد (صلى الله عليه واله)، فهو منهم وفيهم ، وقد أنشأهم خلقا جديدا ، فطهرهم من أرجاس الشرك ، ومساوئ الأخلاق ، وأصبحوا بفضله أصحاب دين سماوي ، وشريعة إلهية ، أساسها العدل والمساواة ، كما أصبحت لهم دولة بسطت جناحيها على نصف المعمورة ، حتى لغتهم عظمت وارتفع شأنها بالقرآن وبلاغته .

وليس من شك انه لولا محمد وآل محمد لم يكن للعرب تاريخ ، ولا تراث ، ولا شيء سوى الوثنية وقذارتها ، والجاهلية وحميتها ، ووأد البنات تخلصا من نفقتها ، بل ان محمدا العربي (صلى الله عليه واله) هو النعمة الكبرى على البشرية كلها ، فلقد تقدمت بفضله تقدما هائلا وسريعا في ميدان العلم والحضارة ، واعترف بهذه الحقيقة ، وسجلها المنصفون من علماء الغرب ، ونقلنا طرفا منها في كتاب (الإسلام والعقل) .

ومن أجل النعم الجلى التي أنعم اللَّه بها على العرب دعاهم إلى ذكره وشكره ، وحذرهم من كفران النعم والإحسان بقوله : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ واشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُونِ}. أي اذكروني بالطاعة أذكركم بالأجر والثواب ، واشكروني على نعمة الإسلام ، وبعثة محمد (صلى الله عليه واله) الذي هو منكم وفيكم ، ولا تكفروا بمخالفة اللَّه ورسوله . . وفي الآية 7 من سورة إبراهيم : {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ولَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ} . وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما كان اللَّه ليفتح باب الشكر ، ويغلق عنكم باب الإجابة . وقال : أفيضوا في ذكر اللَّه فإنه أحسن الذكر ، وارغبوا فيما وعد المتقين فان وعده أصدق الوعد .

شكر المنعم :

من بديهيات العقل الأولية ان الشكر للَّه واجب على كل بالغ عاقل ، حتى

ولولم تنزل آية أو ترد رواية بوجوب شكره ، لأنه جل وعز هو الخالق الرازق ، ومعنى شكره تعالى بعد الاعتقاد بأنه المبدئ والمعيد ، وانه على كل شيء قدير ان نطيع أمره ونهيه ، ونفوض الأمور إليه وحده .

هذا ، بالنسبة إليه سبحانه ، أما إذا أحسن انسان لإنسان مثله بشيء مادي أو أدبي فهل على من أحسن إليه ان يشكر صاحب الإحسان ، بحيث إذا لم يشكره بنحو من الأنحاء يكون عاصيا مستحقا للعقاب ؟ .

ليس من شك ان شكر الإنسان المحسن على إحسانه راجح في نفسه ، بل هومن شعار الطيبين الصالحين ، أما الوجوب وعدم جواز الترك فلا دليل عليه ، وكل ما ورد في شكر المنعم - غير اللَّه والنبي وأهل بيته - فمحمول على الاستحباب تماما كقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه) . فان العفو عمن أساء إليك غير واجب قطعا ، ولكنه مستحب اجماعا . . أما الكلمة التي تتردد كثيرا على الألسن ، وهي : (من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق) فإنها حكم أخلاقي لا الزامي . . والا فأية ملازمة بين شكر الخالق ، وشكر المخلوق ؟ .

أجل ، ان انكار النعمة ، وقولك لمن أحسن إليك : لم تحسن ، محرم - لأنه كذب ، وبالأولى تحريم الإساءة إليه ، لأنها حرام بذاتها ، حتى لغير المحسن . .

ولكن وجوب الشكر شيء ، وحرمة الكذب والإساءة شيء آخر .

__________________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص235-239.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير  هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى: {ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات} ، الوجهة ما يتوجه إليه كالقبلة، وهذا رجوع إلى تلخيص البيان السابق، وتبديل له من بيان آخر يهدي الناس إلى ترك تعقيب أمر القبلة، والإكثار من الكلام فيه، والمعنى أن كل قوم فلهم قبلة مشرعة على حسب ما يقتضيه مصالحهم وليس حكما تكوينيا ذاتيا لا يقبل التغيير والتحويل، فلا يهم لكم البحث والمشاجرة، فيه فاتركوا ذلك واستبقوا الخيرات وسارعوا إليها بالاستباق، فإن الله سيجمعكم إلى يوم لا ريب فيه، وأينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير.

واعلم أن الآية كما أنها قابلة الانطباق على أمر القبلة لوقوعها بين آياتها كذلك تقبل الانطباق على أمر التكوين، وفيها إشارة إلى القدر والقضاء، وجعل الأحكام والآداب لتحقيقها وسيجيء تمام بيانه فيما يخص به من المقام إن شاء الله.

قوله تعالى: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام} ، ذكر بعض المفسرين أن المعنى ومن أي مكان خرجت، وفي أي بقعة حللت فول وجهك وذكر بعضهم أن المعنى ومن حيث خرجت من البلاد، ويمكن أن يكون المراد بقوله {ومن حيث خرجت مكة} ، التي خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منها كما قال تعالى {مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} [محمد: 13]  ويكون المعنى أن استقبال البيت حكم ثابت لك في مكة وغيرها من البلاد والبقاع، وفي قوله وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون تأكيد وتشديد.

قوله تعالى: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} ، تكرار الجملة الأولى بلفظها لعله للدلالة على ثبوت حكمها على أي حال، فهو كقول القائل، اتق الله إذا قمت واتق الله إذا قعدت، واتق الله إذا نطقت، واتق الله إذا سكت، يريد: التزم التقوى عند كل واحدة من هذه الأحوال ولتكن معك، ولوقيل اتق الله إذا قمت وإذا قعدت وإذا نطقت وإذا سكت فاتت هذه النكتة، والمعنى استقبل شطر المسجد الحرام من التي خرجت منها وحيث ما كنتم من الأرض فولوا وجوهكم شطره.

قوله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني} ، بيان لفوائد ثلاث في هذا الحكم الذي فيه أشد التأكيد على ملازمة الامتثال والتحذر عن الخلاف: إحداها: أن اليهود كانوا يعلمون من كتبهم أن النبي الموعود تكون قبلته الكعبة دون بيت المقدس، كما قال تعالى: وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم الآية، وفي ترك هذا الحكم الحجة لليهود على المسلمين بأن النبي ليس هو النبي الموعود لكن التزام هذا الحكم والعمل به يقطع حجتهم إلا الذين ظلموا منهم، وهو استثناء منقطع، أي لكن الذين ظلموا منهم باتباع الأهواء لا ينقطعون بذلك فلا تخشوهم لأنهم ظالمون باتباع الأهواء، والله لا يهدي القوم الظالمين واخشوني.

وثانيتها: أن ملازمة هذا الحكم يسوق المسلمين إلى تمام النعمة عليهم بكمال دينهم، وسنبين معنى تمام النعمة في الكلام على قوله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة: 3] .

وثالثتها: رجاء الاهتداء إلى الصراط المستقيم، وقد مر معنى الاهتداء في الكلام على معنى قوله تعالى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6].

وذكر بعض المفسرين أن اشتمال هذه الآية وهي آية - تحويل القبلة - على قوله {وليتم نعمته عليكم ولعلكم تهتدون}، مع اشتمال قوله تعالى في سورة الفتح في ذكر فتح مكة على هاتين الجملتين، إذ قال تعالى {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح: 1، 2] يدل على كونها مشتملة على البشارة بفتح مكة.

بيان ذلك أن الكعبة كانت مشغولة في صدر الإسلام بأصنام المشركين وأوثانهم وكان السلطان معهم، والإسلام لم يقو بعد بحيث يظهر قهره وقدرته، فهدى الله رسوله إلى استقبال بيت المقدس، لكونه قبلة لليهود، الذين هم أقرب في دينهم من المشركين إلى الإسلام، ثم لما ظهر أمر الإسلام بهجرة رسول الله إلى المدينة، وقرب زمان الفتح وتوقع تطهير البيت من أرجاس الأصنام جاء الأمر بتحويل القبلة وهي النعمة العظيمة التي اختص به المسلمون، ووعد في آية التحويل إتمام النعمة والهداية وهو خلوص الكعبة من أدناس الأوثان، وتعينها لأن تكون قبلة يعبد الله إليها، ويكون المسلمون هم المختصون بها، وهي المختصة بهم، فهي بشارة بفتح مكة، ثم لما ذكر فتح مكة حين فتحت أشار إلى ما وعدهم به من إتمام النعمة والبشارة بقوله ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما الآية.

وهذا الكلام وإن كان بظاهره وجيها لكنه خال عن التدبر، فإن ظاهر الآيات لا يساعد عليه، إذ الدال على وعد إتمام النعمة في هذه الآية: {ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون}، الآية إنما هو لام الغاية، وآية سورة الفتح التي أخذها إنجازا لهذا الوعد ومصداقا لهذه البشارة أعني قوله تعالى: { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } [الفتح: 2] ، مشتملة على هذه اللام بعينها، فالآيتان جميعا مشتملتان على الوعد الجميل بإتمام النعمة، على أن آية الحج مشتملة على وعد إتمام النعمة لجميع المسلمين، وآية الفتح على ذلك لرسول الله خاصة فالسياق في الآيتين مختلف.

ولوكان هناك آية تحكي عن إنجاز الوعد الذي تشتمل عليه الآيتان لكان هو قوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] ، وسيجيء الكلام في معنى النعمة وتشخيص هذه النعمة التي يمتن بها الله سبحانه في الآية.

ونظير هاتين الآيتين في الاشتمال على عدة إتمام النعمة قوله تعالى {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [المائدة: 6] ، وقوله تعالى { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } [النحل: 81] ، وسيجيء إن شاء الله شيء من الكلام المناسب لهذا المقام في ذيل هذه الآيات.

قوله تعالى: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم} ، ظاهر الآية أن الكاف للتشبيه وما مصدرية، فالمعنى: أنعمنا عليكم بأن جعلنا لكم البيت الذي بناه إبراهيم، ودعا له بما دعا من الخيرات والبركات قبلة كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويعلمكم الكتاب والحكمة ويزكيكم مستجيبين لدعوة إبراهيم، إذ قال هو وابنه إسماعيل ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، وفيهم امتنان عليهم بالإرسال كالامتنان بجعل الكعبة قبلة، ومن هنا يظهر أن المخاطب بقوله فيكم رسولا منكم، هو الأمة المسلمة، وهو أولياء الدين من الأمة خاصة بحسب الحقيقة، والمسلمون جميعا من آل إسماعيل - وهم عرب مضر - بحسب الظاهر، وجميع العرب بل جميع المسلمين بحسب الحكم.

قوله تعالى: {يتلوا عليكم آياتنا}، ظاهره آيات القرآن لمكان قوله يتلوا، فإن العناية في التلاوة إلى اللفظ دون المعنى، والتزكية هي التطهير، وهو إزالة الأدناس والقذارات، فيشمل إزالة الاعتقادات الفاسدة كالشرك والكفر، وإزالة الملكات الرذيلة من الأخلاق كالكبر والشح، وإزالة الأعمال والأفعال الشنيعة كالقتل والزنا وشرب الخمر وتعليم الكتاب والحكمة، وتعليم ما لم يكونوا يعلمونه يشمل جميع المعارف الأصلية والفرعية.

واعلم: أن الآيات الشريفة تشتمل على موارد من الالتفات، فيه تعالى بالغيبة والتكلم وحده ومع الغير، وفي غيره تعالى أيضا بالغيبة والخطاب والتكلم، والنكتة فيها غير خفية على المتدبر البصير.

{فَاذْكُرُوني أَذْكُرْكُمْ واشكرُوا لي ولا تَكْفُرُونِ } (152)

لما امتن الله تعالى على النبي والمسلمين، بإرسال النبي الكريم منهم إليهم نعمة لا تقدر بقدر ومنحة على منحة – وهو ذكر منه لهم - إذ لم ينسهم في هدايتهم إلى مستقيم الصراط، وسوقهم إلى أقصى الكمال، وزيادة على ذلك، وهو جعل القبلة، الذي فيه كمال دينهم، وتوحيد عبادتهم، وتقويم فضيلتهم الدينية والاجتماعية فرع على ذلك دعوتهم إلى ذكره وشكره، ليذكرهم بنعمته على ذكرهم إياه بعبوديته وطاعته، ويزيدهم على شكرهم لنعمته وعدم كفرانهم، وقد قال تعالى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا } [الكهف: 24].

وقال تعالى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم: 7] ، والآيتان جميعا نازلتان قبل آيات القبلة من سورة البقرة.

ثم إن الذكر ربما قابل الغفلة كقوله تعالى {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا } [الكهف: 28].

وهي انتفاء العلم بالعلم، مع وجود أصل العلم، فالذكر خلافه، وهو العلم بالعلم، وربما قابل النسيان وهو زوال صورة العلم عن خزانة الذهن، فالذكر خلافه، ومنه قوله تعالى "واذكر ربك إذا نسيت" الآية.

 

وهو حينئذ كالنسيان معنى ذو آثار وخواص تتفرع عليه، ولذلك ربما أطلق الذكر كالنسيان في موارد تتحقق فيها آثارهما وإن لم تتحقق أنفسهما، فإنك إذا لم تنصر صديقك - وأنت تعلم حاجته إلى نصرك فقد نسيته، والحال أنك تذكره، وكذلك الذكر.

والظاهر أن إطلاق الذكر على الذكر اللفظي من هذا القبيل، فإن التكلم عن الشيء من آثار ذكره قلبا، قال تعالى {قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا } [الكهف: 83].

ونظائره كثيرة، ولوكان الذكر اللفظي أيضا ذكرا حقيقة فهومن مراتب الذكر، لأنه مقصور عليه ومنحصر فيه، وبالجملة: الذكر له مراتب كما قال تعالى {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] ، وقال {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ } [الأعراف: 205] ، وقال تعالى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200] ، فالشدة إنما يتصف به المعنى دون اللفظ، وقال تعالى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: 24].

وذيل هذه الآية تدل على الأمر برجاء ما هو أعلى منزلة مما هو فيه، فيئول المعنى إلى أنك إذا تنزلت من مرتبة من ذكره إلى مرتبة هي دونها، وهو النسيان، فاذكر ربك وارج بذلك ما هو أقرب طريقا وأعلى منزلة، فينتج أن الذكر القلبي ذو مراتب في نفسه، وبذلك يتبين صحة قول القائل: إن الذكر حضور المعنى عند النفس، فإن الحضور ذو مراتب.

ولوكان لقوله تعالى: {فاذكروني} – وهو فعل متعلق بياء المتكلم حقيقة من دون تجوز أفاد ذلك، أن للإنسان سنخا آخر من العلم غير هذا العلم المعهود عندنا الذي هو حصول صورة المعلوم ومفهومه عند العالم، إذ كلما فرض من هذا القبيل فهو تحديد وتوصيف للمعلوم من العالم، وقد تقدست ساحته سبحانه عن توصيف الواصفين، قال {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 159، 160] ، وقال: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] ، وسيجيء بعض ما يتعلق بالمقام في الكلام على الآيتين إن شاء الله.

______________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص272-283.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير  هذه الآيات (1) :

لكلّ أُمّة قبلة

الآية الكريمة الاولى  ترد على الضجة التي أثارها اليهود حول تغيير القبلة وتقول: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُو مُوَلِّيهَا}.

كان للأنبياء على مرّ التاريخ وجهات عديدة يولونها، وليست القبلة كأصول الدين لا تقبل التغيير، ولا أمراً تكوينياً لا يمكن مخالفته، فلا تطيلوا الحديث في أمر القبلة، وبدل ذلك {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}، لأن معيار القيمة الوجودية للإِنسان هي أعمال البرّ والخير.

مثل هذا المعنى تضمنته الآية 177 من هذه السّورة: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيّينَ}.

إن كنتم تريدون اختبار الإسلام أو المسلمين، فاختبروهم بهذه الاُمور لا بمسألة تغيير القبلة.

ثم تتغير لهجة الآية إلى نوع من التحذير والتهديد لأُولئك المفترين، والتشجيع للمحسنين فتقول: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً} في تلك المحكمة الكبرى حيث يتلقى كلٌ جزاء عمله.

لا يتساوى المفترون والمشاغبون المخربون مع المحسنين المؤمنين، ولابدّ من يوم ينال كل فريق جزاءه.

وقد يخال بعض أن جمع النّاس لمثل هذا اليوم عجيب، فكيف تجتمع ذرات التراب المتناثرة لترتدي ثانية حلّة الحياة؟! لذلك تجيب الآية بالقول: {إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ}.

هذه العبارة الأخيرة في الآية بمثابة الدليل على العبارة السابقة: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَميِعاً}.

وقوله تعالى : {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللهُ بِغَفِل عَمَّا تَعْمَلُونَ(149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَام وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ولأتم نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}

الخوف من الله فقط

هذه الآيات تتابع الحديث عن مسألة تغيير القبلة ونتائجها.

الآية الاُولى تأمر النّبي(عليه السلام) وتقول: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ}... من أية مدينة، وأية ديار {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ}.

ولمزيد من التأكيد تقول الآية: {وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}.

وتنتهي الآية بتهديد المتآمرين: {وَمَا اللهُ بِغَافِل عَمَّا تَعْمَلُونَ}.

هذه التأكيدات المتوالية في الآية وفي الآية التالية تبيّن أن مسألة تغيير القبلة كانت صعبة وثقيلة على مجموعة من المسلمين حديثي العهد بالإسلام، كما كانت ذريعة بيد أعداء الإسلام اللجوجين لبثّ سمومهم.

مثل هذه الحالة تتطلب دائماً موقفاً قاطعاً حاسماً ينهي كل شك وريبة، من هنا توالت التأكيدات القرآنية القارعة لتبعث العزم واليقين في نفوس الأتباع، وتعمق اليأس والخيبة بين الأعداء. وهذا أُسلوب اتبعه القرآن في مواقف عديدة.

إضافة إلى ما سبق، فالتكرار في هذه الآيات يتضمن أيضاً أحكاماً جديدة. على سبيل المثال، الآيات السابقة وضحت حكم القبلة في المدينة التي يسكنها المسلمون. وهذه الآية والآية التالية أوضحت الحكم لدى السفر والخروج من المدن والديار.

الآية التالية كررت الحكم العام بشأن التوجه إلى المسجد الحرام في أي مكان: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ}.

صحيح أن هذه العبارة القرآنية تخاطب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، لكنها تقصد دون شك مخاطبة عامّة المسلمين، ولمزيد من التأكيد تخاطب الجملة التالية المسلمين وتقول: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}.

ثم تشير الآية إلى ثلاث مسائل هامّة:

1 ـ إلجام المعارضين ـ تقول الآية: {لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ}.

قبل تغيير القبلة كانت ألسنة المعارضين من اليهود والمشركين تقذف المسلمين بالتهم والحجج، اليهود يعترضون قائلين: إن النّبي الموعود يصلي إلى قبلتين، وهذه العلامة غير متوفرة في محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، والمشركون يعترضون على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قائلين: كيف ترك محمّد الكعبة وهو يدعي أنّه بعث لإحياء ملّة إبراهيم. هذا التغيير أنهى كل هذه الإعتراضات.

لكن هذا لا يمنع الأفراد اللجوجين المعاندين أن يصروا على مواقفهم، وأن يرفضوا كل منطق، لذلك تقول الآية: {إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}.

فهؤلاء لا يستقيمون على طريق، حتّى اتجهتم صوب بيت المقدس للصلاة اتهموكم بالذيلية وعدم الأصالة، وحين عدلتم إلى الكعبة وصفوكم بعدم الثبات!

هؤلاء المفترون ظالمون حقاً ... ظالمون لأنفسهم، وظالمون لمن يقطعون عليه طريق الهداية.

2 ـ حين وصف الآية هؤلاء المعاندين أنهم ظالمون، فقد يثير هذا الوصف خوفاً في نفوس البعض لذلك قالت الآية: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي}.

وهذه الفقرة من الآية تطرح أصلا عاماً أساسياً من أُصول التربية التوحيدية الإِسلامية، هو عدم الخوف من أي شيء سوى الله (أو بعبارة أصح الخوف فقط من معصية الله)، وإذا ترسخ هذا المبدأ التربوي في نفوس الجماعة المسلمة فلن تفشل ولن تنهزم قط.

أما المتظاهرون بالإسلام فهم يخافون من «الشرق» تارة، ومن «الغرب» تارة اُخرى، ومن «المنافقين الداخليين» ومن «الأعداء الخارجيين» ومن كل شيء سوى الله. وهؤلاء دائماً أذلاء ضعفاء مهزومون.

3 ـ وآخر هدف ذكر لتغيير القبلة هو إتمام النعمة: (وَلاِ تِمَّ نِعْمَتي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).

تغيير القبلة كان في الواقع نوعاً من التربية والتكامل والنعمة للمسلمين كي يتعرفوا على الإنضباط الإِسلامي ويتخلصوا من التقليد والتعصب، فالله سبحانه أمر المسلمين في البداية أن يصلوا تجاه بيت المقدس كي تنعزل صفوف المسلمين ـ كما قلنا ـ عن صفوف المشركين الذين كانوا يقدسون الكعبة. وبعد الهجرة وإقامة الدولة الإسلامية صدر الأمر بالصلاة نحو الكعبة ... نحو أقدم بيت توحيدي، وبذلك تحقق اجتياز مرحلة من مراحل تكامل المجتمع الإسلامي.

وقوله تعالى : {كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِّنكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ ءَايَتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ(151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}

مهمّة رسول الله:

ذكرت الفقرة الأخيرة من الآية السابقة أن أحد أسباب تغيير القبلة هو إتمام النعمة على النّاس وهدايتهم، والآية أعلاه ابتدأت بكلمة «كما» إشارة إلى أن تغيير القبلة ليس هو النعمة الوحيدة التي أنعمها الله عليكم، بل منَّ عليكم بنعم كثيرة {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ}.

وكلمة «منكم» قد تعني أن الرّسول بشرٌ مثلكم، والإنسان وحده هو القادر على أن يكون مربّي البشر وقدوتهم وأن يتحسس آمالهم وآلامهم، وتلك نعمة كبرى أن يكون الرّسول بشراً «مِنْكُمْ».

وقد يكون المعنى أنه من بني قومكم ووطنكم، فالعرب الجاهليون قوم متعصبون عنصريون، وما كان بالإمكان أن يخضعوا لنبي من غير قومهم، كما قال سبحانه في الآيتين: (198 و199) من سورة الشعراء: {وَلَو نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنينَ}.

كان هذا طبعاً للمرحلة الاُولى من الدعوة، وفي المراحل التالية أُلغيت مسائل القومية والوطن (الجغرافي)، وربّى الإسلام أبناءه على أساس مبادىء «العالميّة» كوطن، و «الإِنسانية» كقومية.

بعد ذكر هذه النعمة يشير القرآن إلى أربع نِعَم عادت على المسلمين ببركة هذه النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم):

1 ـ {يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا}، ويتلومن التلاوة، أي من إتيان الشيء متوالياً، والإتيان بالعبارات المتوالية (وبنظام صحيح) هي التلاوة.

النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إذن يقرأ عليكم آيات الله متتالية، لتنفذ إلى قلوبكم، ولإعداد أنفسكم إلى التعليم والتربية.

2 ـ (وَيُزَكِّيكُمْ).

و «التّزكية» هو الزيادة والإنماء، أي إنّ النّبي بفضل آيات الله يزيدكم كمالا مادياً ومعنوياً، وينمّي أرواحكم، ويربّي في أنفسكم الطهر والفضيلة، ويزيل ألوان الرذائل التي كانت تغمر مجتمعكم في الجاهلية.

3 ـ {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ والْحِكْمَةَ}.

التعليم طبعاً مقدم بشكل طبيعي على التربية، ولكن القرآن ـ كما ذكرنا ـ يقدم التربية في مواضع تأكيداً على أنها هي الهدف النهائي.

الفرق بين «الكتاب» و«الحكمة» قد يكون بلحاظ أن الكتاب إشارة إلى آيات القرآن والوحي الإِلهي النازل على النّبي بشكل إعجازي، والحكمة حديث النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وتعاليمه المسمّاة بالسنة.

وقد يكون الكتاب إشارة إلى أصل التعاليم الإِسلامية، والحكمة إشارة إلى أسرارها وعللها ونتائجها.

ومن المفسرين من احتمل أن «الحكمة» إشارة إلى الحالة والملكة الحاصلة من تعاليم الكتاب. وبامتلاكها يستطيع الفرد أن يضع الأُمور في نصابها(2).

صاحب «المنار» يرفض أن يكون معنى الحكمة «السنة»، ويستدل على رفضه بالآية الكريمة {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} [الإسراء: 39] .

لكننا نعتقد أن الحكمة لها معنى واسع يشمل الكتاب والسنة معاً، أمّا استعمالها القرآني مقابل «الكتاب» (كما في هذه الآية) فيشير إلى أنها «السنة» لا غير.

4 ـ {وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} وهذا الموضوع طرحته الفقرات السابقة من الآية، حيث دار الحديث عن تعليم الكتاب والحكمة. لكن القرآن عاد فأكد ذلك في فقرة مستقلة تنبيهاً على أن الأنبياء هم الذين بيّنوا لكم المعارف والعلوم، ولولاهم لخفي كثير من ذلك عليكم. فهم لم يكونوا قادة أخلاقيين واجتماعيين فحسب، بل كانوا هداة طريق العلم والمعرفة، وبدون هدايتهم لم يكتب النضج للعلوم الإِنسانية.

بعد استعراض جانب من النعم الإِلهية في الآية، تذكر الآية التالية أن هذه النعم تستدعي الشكر، وبالإستفادة الصحيحة من هذه النعم يؤدي الإنسان حقّ شكر الباري تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُون}.

واضح أن عبارة {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} لا تشير إلى معنى عاطفي بين الله وعباده كما يقول النّاس لبعضهم ذلك. بل تشير إلى أصل تربوي وتكويني، أي اذكروني ... اذكروا الذات المقدسة التي هي معدن الخيرات والحسنات والمبرات ولتطهر أرواحكم وأنفسكم، وتكون قابلة لشمول الرحمة الإلهية. ذكركم لهذه الذات المقدسة يجعل تحرككم أكثر إخلاصاً ومضاء وقوّة واتحاداً.

كذلك المقصود من «الشكر وعدم الكفران» ليس تحريك اللسان بعبارات الشكر، بل المقصود استثمار كل نعمة في محلها وعلى طريق نفس الهدف الذي خلقت له، كي يؤدي ذلك الى زيادة الرحمة الإلهية.

__________________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص349-356.

2 ـ في ظلال القرآن، ج 1، ص 1.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .