أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-12
525
التاريخ: 11-10-2014
1642
التاريخ: 2024-07-16
450
التاريخ: 11-10-2014
1268
|
قال تعالى : {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } [يوسف : 23]
تساءل مصطفى صادق الرافعي : لما ذا قال : وغلقت الأبواب ، ولم يقل : وأغلقت الأبواب ؟ . وأجاب : « بأن هذا يشعر انها لما يئست ورأت منه محاولة الانصراف أسرعت في ثورة نفسها مهتاجة تتخيل القفل الواحد أقفالا عدة ، وتجري من باب إلى باب ، وتضطرب يدها في الاغلاق كأنما تحاول سد الأبواب لا إغلاقها فقط » . أما نحن فلا نرى أي فرق بين غلقت وأغلقت ، وان دل تصوير الرافعي على شيء فإنما يدل على مكانته في الأدب ، ومقدرته على إخراج شيء من لا شيء . ومهما يكن فقد عاش يوسف مع امرأة العزيز تحت سقف واحد أمدا غير قصير ، وكان في ريعان شبابه ، وضيء الطلعة ، فتانا في هيئته ومنظره . . فلا عجب أن تفتتن به ، وتتهالك « امرأة » . وأيضا لا عجب أن يصمد يوسف (علسه السلام) لوسائلها ، وينجو من حبائلها على رغم ان الجنس صرع كثيرا من العقول . . فليس الإنسان عبدا لغريزة الجنس فقط ، كما قال فرويد : ولا للرغبة في المال والاقتصاد ، كما قال ماركس : وانما هو مسير بكثير من الدوافع والمحرضات ، منها الجنس والمال ، ومنها الشهرة والسيطرة ، ومنها الدين والعادات ، وحب الخير والوطن ، ونحو ذلك .
وقد يتنازع الإنسان عاملان متضادان : خيّر يهديه إلى سبيل النجاة ، وشرير يسوقه إلى طريق الهلاك ، ويتذبذب هو بينهما أمدا يطول أو يقصر إلى ان يتغلب أحد العاملين على الآخر ، وقد يستمر التوازن بينهما إلى النهاية ، فيبقى الإنسان حائرا مذبذبا تبعا لهذا التوازن مدى حياته .
وقد تنازع امرأة العزيز عاملان : شهوتها الحيوانية تدعوها إلى مراودة يوسف عن نفسه ، وينهاها العز والكبرياء عن التذلل لمن ابتاعه زوجها بثمن بخس ، وبقيت تتذبذب حائرة بين هذين العاملين أمدا غير قصير ، ثم انهارت أعصابها ، ووقعت فريسة النزوة وشهوة الجنس التي تجسمت في قولها الثائر الفاجر : « هيت لك » . . ولا تقولها أنثى إلا إذا اشتد اهتياجها وغليانها حتى بلغ الجنون .
أما يوسف (علسه السلام) فلم يكن له الا دافع واحد ، ورغبة واحدة هي التي تقوده وتسيره ، ولا ذرة لغيرها في قلبه وعقله . . وهي تقوى اللَّه ومرضاته ، فهي هي لذته ومتعته ، ومطلبه وأمنيته : {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } [يوسف : 23]. .
أعوذ باللَّه أن أعصي له أمرا ، كيف ؟ وقد أفاض علي الكثير من فضله وإحسانه ، إذ أخرجني من البئر ، وسخر لي قلب العزيز الذي أنزلني منه منزلة الأبناء الأبرار . . كيف أظلم نفسي بمعصية اللَّه ، واللَّه لا يهدي القوم الظالمين ؟ . وهكذا يصنع الايمان الصادق بأهله ، يعصمهم من المحرمات ، ويبتعد بهم عن الهفوات إذا خاضوا المعارك مع الشيطان وحزبه .
وقال أكثر المفسرين : ضمير ( إِنَّهُ رَبِّي ) يعود إلى العزيز زوج المرأة ، وان المعنى قد أكرمني زوجك وأحسن إليّ فكيف أخونه فيك ؟ . . أما السياق فيرجح رجوع الضمير إلى لفظ الجلالة لقربه منه في قوله : ( مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي ) .
وليس للعزيز ذكر في الآية على الإطلاق . . بالإضافة إلى أن الدافع لامتناع يوسف عنها هو الخوف من اللَّه ، وليس مجرد الوفاء للعزيز . . وعلى افتراض رجوع الضمير إلى العزيز فإن المقصود توبيخها والتعريض بها ، وان الأولى بها أن تكون تقية وفية لزوجها الذي سمت به إلى علو الدرجات .
{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } [يوسف : 24]. في المجلد الأول من هذا التفسير ص 86 و 196 والمجلد الثاني ص 359 تكلمنا عن العصمة ، وان الأنبياء كلهم معصومون . وعلى هذا تفرع السؤال الآتي : ان يوسف معصوم لأنه نبي ، وقوله تعالى : ( وهَمَّ بِها ) يومئ إلى عزمه على القبيح ، والاستجابة لمراودة التي هو في بيتها ؟ .
وأجاب المفسرون عن ذلك بأجوبة بعضها فيه وقاحة ، وبعضها بعيد عن ظاهر الكلام . . وأقرب الأجوبة إلى الظاهر ومقام الأنبياء ان في الآية تقديما وتأخيرا ، والأصل هكذا ( ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ) . ومعنى هذا انه ما همّ بها إطلاقا ، تماما كقول القائل : لولا فلان لهلكت .
وببيان ثان : ان جميع المقتضيات كانت متوافرة للفعل ، فالمرأة باذلة بل متهالكة ، وهو قوي وقادر من حيث الرجولة ، والخلوة تامة بأكمل معانيها ، فلا سامع ولا ناظر . . ولكن هناك مانع ليوسف أقوى من كل زاجر ، وأعظم من كل سامع وناظر ، وهو علمه بحلال اللَّه وحرامه ، وحياؤه منه ، ويقينه بأن اللَّه أقرب إليه من حبل الوريد ، وانه يعلم ما توسوس به نفسه ، بل وما هو أخفى من ذلك . . هذا هو البرهان الذي منع يوسف عن التفكير بالحرام ، ويمنع كل من آمن حقا وصدقا باللَّه واليوم الآخر ، نبيا كان أو غير نبي ، وقال قائل :
ان يوسف ما تجلى له برهان ربه هذا الا حين همّت به ، وهمّ بها . . حاشا للأنبياء والصديقين . . ان برهان اللَّه لازم لا ينفك بحال عن المؤمنين الصادقين منفردين ومجتمعين بالحسان وبغير الحسان .
{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف : 24] . السوء كيد امرأة العزيز ، والفحشاء الزنا ، والمعنى ان اللَّه مع المتقين الذين يلتجئون إليه مخلصين ، فيحرسهم ويصونهم ممن أراد بهم سوءا ، أو حاول ان يوقعهم في الضلالة والغواية ، تماما كما فعل بيوسف ، التجأ إلى ربه ، وخاطبه مخلصا بقوله : « والا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ، فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع العليم » .
{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ} [يوسف : 25] . حاول يوسف التخلص منها بالفرار من بيتها ، فعدت خلفه كالجمل الهائج ، وأدركته قبل أن يهرب من الباب ، وجذبت قميصه من الخلف فشقته طولا . . وهنا وقعت المفاجأة بمجيء الزوج صدفة ( وأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ ) . قال صاحب تفسير المنار : « كان النساء في مصر يلقبن الزوج بالسيد ، واستمر هذا إلى زماننا » . دخل سيدها البيت فرأى يوسف واقفا ، وقميصه ممزقا ، وقبل أن يسأل عن الخبر ( قالَتْ » - له - « ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) . قالت هذا بكل هدوء ، ودون أن يظهر عليها أي أثر للمفاجأة ، قالت لزوجها : ما جزاء من أراد بي السوء - وهي نفسها السوء - ومع هذا تتهم الطهر والقداسة بالسوء ، وتطلب معاقبته عليه .
ويذكرنا هذا بالذين يثيرون الآن الحروب في فيتنام والشرق الأوسط والكونغو وغيرها ، ويسلحون الجلادين للفتك بالمستضعفين في أنغولا وجنوب إفريقيا وروديسيا ، وأمريكا اللاتينية وغيرها ، ويقيمون ضد من يخرج عن طاعتهم أكثر من ألف قاعدة عسكرية في شرق الأرض وغربها مجهزة بأنواع المبيدات البشرية ، ومع هذا يدعون انهم قتلوا الفيتناميين ، وسلحوا إسرائيل ، ودفعوها إلى العدوان والتقتيل والتخريب والتشريد للمحافظة على السلم ، وأمن الشعوب ، وصيانة حقوق الضعفاء .
- إذن - أية غرابة بعد هذا إذا انقادت « امرأة » لنزوتها ، وكذبت على زوجها لتستر خطيئتها ؟ .
{قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} [يوسف : 26]. وأنا امتنعت عليها ، وفررت منها ، فلحقت بي ، وفعلت بثوبي ما ترى ( وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها ) . تكلم المفسرون ، وأطالوا هذا الكلام حول هذا الشاهد ، فمن قائل : انه ابن عمها ، وقائل : انه من أصحاب زوجها ، وذهب آخرون إلى انه كان صبيا في المهد . . أما نحن فنقف عند ظاهر الوحي الذي دل على ان الشاهد كان من أسرتها ، وانه كان بالغا راشدا لقوله : ( إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف : 27] . هذا ما نطق به الوحي ، أما أين كان هذا الشاهد ؟ . ومتى أدلى بشهادته ؟ . وهل جاء صدفة ، أو بدعوة منها أو من زوجها ، اما هذا أو غير هذا فقد سكت اللَّه عنه ، وفي الحديث : ان اللَّه سكت عن أشياء فلا تتكلفوها .
{ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف : 28] .
اقتنع الزوج وأيقن بصدق يوسف (علسه السلام) وكذبها ، ولكنه رأى الستر والكتمان أولى من التشهير والفضيحة ، فاكتفى بقوله لها : ( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) . . وهذا الوصف يعجب النساء لأنه شهادة بذكائهن وان الرجال لا يفطنون لمكرهن وحيلهن .
وتسأل : جاء في هذه الآية : ( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) . وجاء في الآية 75 من سورة النساء : ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً ) . فهل معنى هذا ان كيد النساء أقوى وأعظم من كيد الشيطان ؟ .
الجواب : ان كيد النساء من كيد الشيطان ، فكيده أصل ، وكيدهن فرع .
والمراد بضعف الشيطان في كيده انه لا سلطان له على عباد اللَّه الا من اتبعه من الغاوين ، والمراد بعظمة النساء في كيدهن انهن أقوى جنود الشيطان وأتباعه ، فقد روي عن إبليس انه قال : النساء فخوخي ومصائدي ، فإذا اجتمعت عليّ لعنات الصالحين ذهبت إلى النساء فطابت نفسي بهن . .
ثم قال العزيز ( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ) . اكتمه يا يوسف ، ولا تخبر أحدا بما حدث ، وقال لزوجته : {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف : 29] .
وهذا دليل قاطع على ان الزوج أيقن ببراءة يوسف ، وخطيئة زوجته . وقال أبو حيان الأندلسي في تفسيره « البحر المحيط » : « كان العزيز قليل الغيرة ، وهذا مقتضى طبيعة تربة مصر وبيئتها » . ورد عليه صاحب « تفسير المنار » بقوله : « هذا كلام غير مبني على علم صحيح » ونضيف إليه ان مبعثه الهوى والغرض .
وانما قال من الخاطئين ولم يقل من الخاطئات ، لأن الخطيئة تصدر من الرجال والنساء ، ولفظ خاطئين يصح إطلاقه على الجميع من باب التغليب ، أما لفظ خاطئات فيختص بالإناث فقط .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|