أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-10-2014
1719
التاريخ: 2023-05-18
1545
التاريخ: 18-11-2014
3160
التاريخ: 4-1-2016
2443
|
قد قسّم المختصون بعلوم القرآن النسخ إلى أقسام ثلاثة :
1 ـ نسخ الحكم دون التلاوة .
2 ـ نسخ التلاوة دون الحكم .
3 ـ نسخ الحكم والتلاوة .
وإليك دراسة جميع الأقسام :
1 ـ نسخ الحكم دون التلاوة
إنّ القدر المتيقّن من النسخ هو ذاك القسم ، وقد أصفق على جوازه علماء الإسلام ، والمراد منه بقاء الآية ثابتة في لكتاب مقروءة عبْر العصور سوى أنّ مضمونها قد نُسخ ، فلا يجوز العمل به بعد مجيء الناسخ .
وقد اهتمّ المفسّرون بهذا النوع من النسخ وألّفوا حوله كتباً كثيرة يقف عليها من سبر المعاجم ، و ألّف غير واحد من أصحابنا في هذا المضمار بما يبلغ عشرين كتاباً ، وقد ذكرنا فهرس تآليفهم في ذلك المضمار في كتابنا (مفاهيم القرآن) (1) .
وأمّا عدد الآيات التي ورد عليها النسخ فهناك قولان بين الإفراط والتفريط .
فأنهاها أبو جعفر النحاس ( المتوفّى عام 338هـ ) إلى 180 آية في كتابه ( الناسخ والمنسوخ ) المطبوع ، كما قام بعضهم بإنكار أصل النسخ في القرآن الكريم فبحث عن 36 آية ، وخرج بحصيلة هي إنكار النسخ في القرآن الكريم .
والحقّ هو القول الوسط ، وهو وجود النسخ في القرآن الكريم بمقدار ضئيل للغاية ، منها آية النجوى ، وآية التربّص إلى الحول .
والنوع المعروف من هذا القسم هو نسخ آية بآية أُخرى ، وأمّا نسخ آية بخبر متواتر أو مستفيض أو خبر الواحد ، فقد اختلفت فيه كلمة المفسرين ، والحقّ جواز نسخ القرآن بدليل قطعي لا يتطرّق إليه الشك ، وهو الخبر المتواتر في كلّ قرن وعصر ، وأمّا المستفيض وخبر الواحد فلا يُنسخ بها القرآن ؛ لأنّ رفع اليد عن القطعي بدليل غير قطعي أمر غير معقول .
هذا كلّه حول القسم الأوّل ، وإليك دراسة سائر الأقسام .
2 ـ نسخ التلاوة دون الحكم
والمراد منه هو سقوط آية من القرآن الكريم كانت تُقرأ وكانت ذات حكم تشريعي ثمّ نُسيت ومُحيت عن صفحة الوجود وبقي حكمها مستمراً غير منسوخ .
وقد ذهب إلى جواز هذا القسم فريق من أهل السنّة .
قال الزرقاني : أمّا نسخ التلاوة دون الحكم ، فيدلّ على وقوعه ما صحت روايةً عن عمر بن الخطاب وأُبي بن كعب ، أنّهما قالا : وكان فيما أُنزل من القرآن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة (2) .
ثمّ يقول : وأنت تعلم أنّ هذه الآية لم يعد لها وجود بين دفّتي المصحف ولا على ألسنة القرّاء مع أنّ حكمها باقٍ على إحكامه لم يُنسخ .
ويدلّ على وقوعه أيضاً ما صحّ عن أبي موسى الأشعري أنّهم كانوا يقرأون سورةً على عهد رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في طول سورة البراءة ، وأنّها نُسيت إلاّ آية منها ،
وهي : ( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب اللّه على مَن تاب ) (3) .
يُلاحظ عليه أوّلاً : أنّ ما ذكره من الروايات أخبار آحاد لا يثبت به كون الآية قرآنيةً باقية حكمها منسوخة تلاوتها .
مضافاً إلى أنّ ما ذكره من وجود سورة على عهد رسول اللّه بطول سورة براءة من قبيل القسم الثالث ، أي نسخ الحكم والتلاوة ، لا الثاني ، ولا أقل من احتمال كونه منه ؛ إذ ليس بأيدينا شيء حتّى يحكم عليه بشيء من القسمين وأنّها هل بقيت أحكامها أو لا ؟ ولعلّها من قبيل ما نُسخت أحكامها وتلاوتها معاً .
قال الإمام الخوئي : أجمع المسلمون على أنّ النسخ لا يثبت بخبر الواحد ، كما أنّ القرآن لا يثبت به ، وذلك ؛ لأنّ الأُمور المهمة التي جرت العادة بشيوعها بين الناس وانتشار الخبر عنها ، لا تثبت بخبر الواحد ، فإنّ اختصاص نقلها ببعض دون بعض بنفسه دليل على كذب الراوي أو خطائه .
وعلى هذا فكيف يثبت بخبر الواحد أنّ آية الرجم من القرآن و أنّها نُسخت ؟! نعم جاء عمر بآية الرجم وادّعى أنّها من القرآن ، لكنّ المسلمين لم يقبلوا منه ؛ لأنّ نقلها كان منحصراً به ، فلم يثبتوها في المصاحف ، لكن المتأخّرين التزموا بأنّها كانت آيةً منسوخة التلاوة باقية الحكم (4) .
والعجب أنّ الشيخ الزرقاني يستدلّ على جوازه بالوقوع ويقول : ( لأنّ الوقوع أعظم دليل على الجواز ) وما أتفه هذا الدليل ، فإنّ مجرد ذكره في كتب الحديث هل يعد دليلاً على الوقوع ؟! .
وثانياً : أنّ القرآن معجز بلفظه ومعناه ، متّحد بفصاحته وبلاغته ، وقد أدهشت فصاحة ألفاظه وجمال عباراته ، وبلاغة معانيه وسموها ، وروعة نظمه وتأليفه وبداعة أُسلوبه عقولَ البلغاء .
وما زعم من الآيات التي بقي حكمها ليست إلاّ عبارات لا تداني آيات القرآن في الفصاحة والبلاغة ، والروعة والجمال ، وقد نسج قوله الشيخ والشيخة على منوال قوله سبحانه : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] .
وأمّا الآية المزعومة الثانية فأين أُسلوبها من أُسلوب القرآن الخلاّب للعقول ؟! وإنّما هي عبارة متداولة على ألسنة الناس .
وثالثاً : أنّ هذا القول هو نفس القول بالتحريف ، ومَن اخترع هذا المصطلح فقد حاول أن يبرّر هذا النوع من التحريف .
ومن العجب أنّ القوم يجوّزون هذا النوع من النسخ الذي هو عبارة عن نوع من التحريف ثمّ يتهمون الشيعة بالتحريف مع أنّ ما يُنسب إلى الشيعة من الآيات المزوّرة فالجميع من هذا القبيل .
ما هكذا تُورد يا سعد الإبل .
3 ـ نسخ الحكم والتلاوة
قد جوّزه جماعة من أهل السنّة ، ومثّلوا له بالرواية التالية :
روى عمرة ، عن عائشة أنّها قالت :
كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحرّمن ، ثمّ نُسخنَ بخمسٍ معلومات ، فتوفّي رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وهنّ فيما يُقرأ من القرآن (5) .
قال الزرقاني : أمّا نسخ الحكم والتلاوة جميعاً ، فقد أجمع عليه القائلون بالنسخ من المسلمين ، ويدلّ على وقوعه سمعاً ما ورد عن عائشة أنّها قالت :
( كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحرّمن، ثمّ نُسخنَ بخمسٍ معلومات ، وتوفّي رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وهنّ فيما يُقرأ من القرآن ) .
وهو حديث صحيح وإذا كان موقوفاً على عائشة فإنّ له حكم المرفوع ؛ لأنّ مثله لا يقال بالرأي ، بل لابدّ فيه من توقيف .
وأنت خبير بأنّ جملة ( عشر رضعات معلومات يُحرّمنَ ) ليس لها وجود في المصحف حتى تُتلى ، وليس العمل بما تفيده من الحكم باقياً ، وإذن يثبت وقوع نسخ التلاوة والحكم جميعاً ، وإذا ثبت وقوعه ثبت جوازه ؛ لأنّ الوقوع أدلّ دليل على الجواز ، وبطل مذهب المانعين لجوازه شرعاً ، كأبي مسلم وأضرابه (6) .
أقول : وقد أفتى بمضمونها الشافعي حسب ما رواه السرخسي في أُصوله ، فنقل عنه أنّه استدلّ بما هو قريب من هذا في عدد الرضاعات ، وكذلك أفتى بمضمونها ابن حزم في محلاّه (7) .
وكفانا في الردّ على ذلك ما ذكره السرخسي في أُصوله وقال : والدليل على بطلان هذا القول ، قوله تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9] ، ومعلوم أنّه ليس المراد الحفظ لديه تعالى ، فإنّه يتعالى من أن يوصف بالغفلة أو النسيان فعرفنا أنّ المراد الحفظ لدينا ، وقد ثبت أنّه لا ناسخ لهذه الشريعة بوحي ينزل بعد وفاة رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ولو جوّزنا هذا في بعض ما أوحي إليه ، لوجب القول بتجويز ذلك في جميعه ، فيؤدّي ذلك إلى القول بأن لا يبقى شيء ممّا ثبت بالوحي بين الناس في حال بقاء التكليف ، وأيّ قول أقبح من هذا ؟! ومَن فتح هذا الباب لم يأمن أن يكون بعض ما بأيدينا اليوم أو كلّه مخالفاً لشريعة رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بأن نسخ اللّه ذلك بعده ، وألّف بين قلوب الناس على أن ألهمهم ما هو خلاف شريعته ، فلصيانة الدين إلى آخر الدهر أخبر اللّه تعالى أنّه هو الحافظ لِما أنزله على رسوله ، وبه يتبيّن أنّه لا يجوز نسخ شيء منه بعد وفاته ، وما يُنقل من أخبار الآحاد شاذ لا يكاد يصحّ شيء منها .
قال : وحديث عائشة لا يكاد يصحّ ؛ لأنّه ( أي الراوي ) قال في ذلك الحديث : وكانت الصحيفة تحت السرير فاشتغلنا بدفن رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فدخل داجن البيت فأكله ، ومعلوم أنّ بهذا لا ينعدم حفظه من القلوب ، ولا يتعذر عليهم إثباته في صحيفة أُخرى ، فعرفنا أنّه لا أصل لهذا الحديث (8) .
وممّا يندى له الجبين ما تضافر نقله عن عائشة أنّها قالت : كانت سورة الأحزاب تعدل على عهد رسول اللّه مِئتي آية ، فلمّا كُتب المصحف لم يُقدر منها إلاّ على ما هي الآن .
قال أبو بكر : فمعنى هذا من قول أُمّ المؤمنين عائشة أنّ اللّه تعالى رفع إليه من سورة الأحزاب ما يزيد على ما عندنا (9) .
ونقل القرطبي أيضاً أنّ هذه السورة ( الأحزاب ) كانت تعدل سورة البقرة .
ولَعمر الحقّ أنّ هذا نفس القول بالتحريف الذي أجمعت الأُمّة على بطلانه وأخذ اللّه على نفسه أن يحفظه وقال : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9] ، و تفسير هذا النوع من التحريف بنسخ التلاوة والحكم تلاعب بالألفاظ وتعبير آخر للتحريف ، وقد عرفت أنّ القرآن معجز بلفظه ومعناه ، فما معنى رفع هذا الحجم الهائل من الآيات القرآنية ؟ أكان هناك نقص في لفظه ومنطوقه أو نقص في حكمه ومعناه ؟! نعوذ باللّه من التفوّه بذلك .
ثمّ إنّ هذا النوع من النسخ باطل عند علماء الشيعة الإمامية وما ربّما يُرمى به الشيخ الطوسي من أنّه قال بنسخ التلاوة والحكم فهو افتراء عليه ، وإنّما ذكره عن جانب القائلين به حيث قال : والثالث ما نُسخ لفظه وحكمه ، وذلك نحو ما رواه المخالفون عن عائشة أنّه كان فيما أنزل اللّه عشر رضعات (10) ، فمّن قال بهذا النوع من النسخ فقد غفل عمّا يترتب عليه من المضاعفات .
ولنِعم ما قال الشيخ المظفّر : إنّ نسخ التلاوة في الحقيقة يرجع إلى القول بالتحريف (11) .
____________________________
1ـ لاحظ مفاهيم القرآن : 10 / 365 ـ 368 .
2 ـ رواه أبو داود في الحدود : 16 ، وابن ماجة في الحدود : 9 ومالك في الحدود : 10 وأحمد بن حنبل في مسنده : 5 / 183 .
3 ـ مناهل العرفان في علوم القرآن : 2 / 233 .
4 ـ البيان : 285 .
5 ـ صحيح مسلم : 4 / 167 .
6 ـ مناهل العرفان : 2 / 231 ـ 232 .
7 ـ المحلى : 10 / 15 .
8 ـ أُصول السرخسي : 2 / 78 ـ 80 .
9 ـ الجامع لأحكام القرآن : 14 / 113 ، تفسير سورة الأحزاب .
10 ـ التبيان : 1 / 13 .
11 ـ أُصول الفقه : 2 / 49 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
جمعية العميد تناقش التحضيرات النهائية لمؤتمر العميد الدولي السابع
|
|
|