أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-11-2016
568
التاريخ: 11-11-2016
899
التاريخ: 11-11-2016
921
التاريخ: 11-11-2016
874
|
ليس لدينا عن اصلهم وتاريخهم الأول معلومات يوثق بها؛ فالمؤرخون العرب غير مجمعين على تاريخهم وعدد ملوكهم وسني حكمهم، اذ ان بعض هؤلاء المؤرخين يذكرون قائمة طويلة من أسماء ملوكهم لا تذكرها المصادر البيزنطية. ولعل المصادر العربية كانت تدخل في هذه القائمة الطويلة أسماء الامراء القدماء ومشايخهم. اما البيزنطيون، فاكتفوا بذكر ما كان له علاقة بهم، ومن اعترفوا بسلطاته.
اجتمعت الأخبار التاريخية على ان جد هذه الأسرة هو جفنة. لكن لا ريب في ان جبلة هو أول ملوكهم البارزين الذين اعترف بهم البيزنطيون؛ وتروي المصادر البيزنطية ان جبلة هذا غزا فلسطين في سنة 479م.
وقد تلاه ابنه الحارث بن جبلة، ويطلق عله المرعب أحياناً. وقد حارب الحارث هذا المنذر بن ماء السماء، ملك الحيرة، وانتصر عليه في سنة 528م. كما انه ابلى بلاء حسنا في قمع ثورة السامريين سنة 529م. وعلى اثر هذه الخدمات، منحه جستنيان لقب فيلارك وبطريق، واقر له سلطته على القبائل العربية في اطراف بلاد الشام. وكان غرضه من ذلك ان يقيم خصما بوجه المنذر بن ماء السماء الذي سرعان ما هاجم بلاد الشام وعاث فيها. وكان لقب بطريق من اسمى الالقاب البيزنطية، اذ ان طبقة البطارقة كانت تعد عند البيزنطيين اعلى الطبقات الاجتماعية بعد الامبراطور، وعلاقتهم بالقيصر تشبه علاقة الكرادلة بالبابا.
وفي سنة 538، نشبت، بين الحارث والمنذر أمير الحيرة، حرب على الارض الواقعة قرب الطريق الممتدة من دمشق الى تدمر حتى مدينة سروج. فقد أدعى أمير الحيرة ان القبائل العربية النازلة في تلك الأراضي خاضعة لسلطته، وهي تؤدي له الجزية، فنازعه الامير الغساني في هذه السلطة، ونشب القتال بينهما. وكانت هذه الحرب من الأسباب التي عادت، فأججت نار النزاعات بين الدولتين، بعد ان كادت تنطفئ.
وفي سنة 541، حارب الحارث في العراق بجانب الروم، وعبر نهر دجلة على راس جيشه؛ ثم قفل راجعا الى مركزه السابق عن طريق أخرى، غير الطريق التي اتبعها معظم الجيش البيزنطي. ولم يحصل في حملته هذا على نتائج تذكر، الأمر الذي اثار شكوك البيزنطيين في اخلاصه. ثم تجددت الحرب في سنة 544م بينه وبين المنذر ملك الحيرة؛ ووقع في هذه الحرب احد ابناء الحارث اسيرا بيد المنذر، فقدمه ضحية للعزى. وقد استمر القتال في حقب متقطعة بين الغساسنة والمناذرة، الى ان احرز الحارث بن جبلة انتصارا حاسما سنة 554م في معركة قرب قنسرين، قتل فيها المنذر، وهي الموقعة التي يدعوها العرب يوم حليمة. سافرالحارث في سنة 563م الى القسطنطينية لمفاوضة البيزنطيين فيمن يخلفه من اولاده في عمالته في بلاد الشام، وفي ما يجب اتخاذه من التدابير لمقاومة عمرو بن هند، ملك الحيرة. وقد اثرت مظاهر البذخ والترف في القسطنطينية تاثيرا كبيرا في الحارث. كما انه احدث بدوره تاثيرا قويا في سكان العاصمة، وبالأخص جوستين ابن اخي القيصر الذي كان مضطرب العقل. ولما تسلم جوستين هذا منصب الإمبراطورية كان أهل البلاد يخوفونه بالحارث بن جبلة، كلما اساء التصرف.
كان الحارث بن جبلة من المؤيدين للمذهب اليعقوبي، واستطاع ان يقنع البيزنطيين بتعيين يعقوب البردعي وثيودورس (وهما منشئا هذا المذهب) اسقفين في المقاطعات السورية العربية؛ فتوطدت بذلك دعائم المذهب اليعقوبي. وربما كان مدفوعا في تأييده لهذا المذهب بعوامل سياسية، لان اكثرية رعيته كانوا من اتباع هذا المذهب. توفي الحارث بن جبلة سنة 569م، بعد ان حكم اربعين سنة. واعقبه في الحكم ابنه المنذر الذي بدأ حكمه بالهجوم على المناذرة، وانتصر عليهم في موقعة عين اباغ التي تبعد ثلاث مراحل عن الحيرة. غير ان البيزنطيين لم يستحسنوا سياسته ولا سيما تطرفه في تأييد المذهب اليعقوبي، ودبروا مؤامرة لاغتياله، فثار عليهم. واغتنم المناذرة الفرصة، فهاجموا بلاد الشام، وعاثوا بها، فاضطر الروم الى مفاوضة المنذر ومصالحته سنة 578م.
ثم زار المنذر القسطنطينية سنة 580م؛ فاستقبل فيها بكل احترام وتبجيل؛ وانعم عليه القيصر طيباريوس بالتاج، مع ان الروم لم يكونوا ينعمون قبلا على عمالهم من العرب الا بالإكليل، واغتنم فرصة وجوده في عاصمة الروم، فسعى للحصول على العفو عن أصحاب مذهبه، وعمل على توطيد السلام بينهما.
غير ان رجال في الدولة البيزنطية، وهم من المذهب الأرثودوكسي، كانوا يمقتون المذهب اليعقوبي. لذلك اخذوا يحرضون الامبراطور على المنذر، وكان يساعدهم في ذلك بعض كبار رجال الدولة من المتمسكين بالمذهب الأرثودوكسي. وقد حدث ان قام موريسيوس، حاكم بلاد الشام، بهجوم على الفرس يعاونه المنذر؛ ولكنه لم ينجح فيه؛ فغزى فشله الى خيانة المنذر، مما زاد هذا من ايغار صدور البيزنطيين عليه؛ فدبروا مؤامرة ضده؛ فأوعز الامبراطور الى حاكم الروم في بلاد الشام بالقبض على المنذر؛ فارسل الحاكم البيزنطي يدعو المنذر لحضور حفلة تدشين بعض الكنائس في حوران، فلما جاء المنذر ألقى عليه وارسله منفيا الى القسطنطينية، ثم نقل منها الى صقلية، حيث قضى نحبه فيها، بعد ان قضى الحكم ثلاث عشرة سنة.
لم يكتف الروم بنفي المنذر فحسب، بل عمدوا أيضاً الى قطع الاعانة السنوية التي كانوا يقدمونها لأسرته؛ فكان ذلك دافعا آخر لأثارة الغساسنة. فقام ابناء المنذر الأربعة بشق عصا الطاعة على دولة الروم، ثم اوغلوا بقيادة اخيهم الأكبر – النعمان- في الصحراء، واخذوا يشنون منها الغارات على اراضي الدولة، ويسطون على أموالها، وينهبونها ويعيثون في داخل البلاد فسادا.
ووجهوا هجمات عنيفة موفقة ضد بصرى التي كانت اكبر قاعدة عسكرية بيزنطية في جنوب بلاد الشام. اضطر القيصر طيباريوس، ازاء هذا، الى تجهيز حملة بقيادة ماجنوس للقضاء على ثورة النعمان؛ ولكن ماجنوس استعمل الحيلة والدهاء، فأرسل يطلب من النعمان مفاوضته ثم القى القبض عليه، واقتاده اسيرا سنة 584م.
وعلى أثر هذه الاحداث، تصدعت أحوال العرب في بلاد الشام، وتفككت عرى وحدتهم. واختارت كل قبيلة منهم اميرا لها. ولا ريب في ان هؤلاء الامراء كانوا من المشايخ الذين تقلص قسم كبير من سلطتهم ونفوذهم في أيام الحارث والمنذر؛ فانسحبوا الى الصحراء، او انتقلوا الى بلاد الإمبراطورية الفارسية.
ولد زوال دولة الغساسنة بعض الاخطار في بلاد الشام، اذ ان القبائل العربية البدوية أخذت تتطاحن وتتنازع فيما بينها، كما أخذ بعضهم يهاجم السكان المتحضرين فينهبون مواشيهم ويدمرون مزارعهم. وقد حملت هذه الاحوال الروم على التفكير في إعادة تعيين عامل جديد، مكان المنذر. وفضلوا ان يكون هذا العامل من آل جفنة، نظرا لما كان لهؤلاء الامراء في الماضي من الهيبة لدى القبائل البدوية جميعا. غير ان المؤرخين السوريين والبيزنطيين انقطعوا عن رواية اخبار آل جفنة بعد المنذر. لذلك، فان المصدر الوحيد لأخبارهم هو ما جاء في دواوين الشعراء المعاصرين لهم رغم ما في هذه الدواوين من الابهام وعدم تحديد زمان كل أمير يذكرونه.
من المصادر التي تحتفظ لنا شيئا من نسب آل جفنة بضعة ابيات تنسب الى النابغة الذبياني يقول فيها :
هذا غلام حسن وجهه مستقبل الخير سريع التام
للحارث الأكبر والحارث الأصغر والاعرج خير الانام
ثم لهند ولهند وقد اسرع في الخيرات منها امام
خمسة آباء هم ما هم هم خير من يشرب صوب الغمام
فمن هذا نرى ان الشاعر يذكر في هذه الابيات ثلاثة رجال من آل جفنة وامرأتين. وتختلف الروايات في البيت الثاني ويبدو ان الاعرج هذا كان اسمه الحارث. فاما اسما المرأتين، فلعلهما ام الممدوح وزوجته. والراجح ان الحارث الأكبر المقصود به ابن الحارث بن جبلة، وان الحارث الأصغر ابنه. اما الاعرج، فهو ابن الأصغر، وابو الغلام الممدوح.
والحارث الأصغر هذا هو الحارث الوهاب الذي مدحه علقمة في قصيدته الشهيرة التي مطلعها :
طحا بك قلب في الحسان طروب بعيد الشباب عصر حان مشيب
ويبدو من هذه القصيدة ان الحارث كا قد انتصر عل بعض القبائل العربية، واسر كثيرا من رجالها، منهم احد اخوة الشاعر نفسه. وقد مدح النابغة عمرو بن الحارث الأصغر في قصائد منها التي مطلعها :
اهاجك من أسماء رسم المنازل بروضة نعمان فذات الأجاول
وفي قصيدة :
كليني لهم يا اميمة ناصب وليل اقاسيه بطيء الكواكب
اشار النابغة في القصيدة الأولى الى ان الحارث تهدد بني مرة بن عوف التي كانت تنزل في شمال الحجاز. كما اشار في قصيدة أخرى الى احد ملوكهم الذ2ي أراد الاستيلاء على وادي القرى :
اطمع في وادي القرى وجنابه وقد منعوا فيه جميع المعاشر
وهذا يدل على امتداد نفوذ الغساسنة الى شمال الحجاز وأطراف نجد.
ومن امراء غسان كذلك، النعمان بن الحارث الذي مدحه النابغة بقصائد عديدة، منها التي يقول فيها :
وان يرجع النعمان نفرح ونبتهج ويأت معدا ملكها وربيعها
كما رثاه بقصيدته التي يقول فيها :
دعاك الهوى واستجهلتك المنازل ويكف تصابى المرء والشيب شامل
بكى حارث الجولان من فقد ربه وحوران منه موحش متفائل
ويشر النابغة في بعض هذه القصائد الى ان النعمان فتك بقبيلة اسد، واراد غزو فزازة، وكلتا القبيلتين كانت تسكن شمال الحجاز، وفي اطراف خيبر.
وقد تلا النعمان ولداه عمرو وحجر اللذان مدحهما النابغة، واشا راليهما حسان بقوله :
ملكا من جبل الثلج الى جانبي ايلة من عبد وحر
اتيا فارس في دارهم فتناهوا بعد اعصام بقر
ثم صاحا بين غسان اصبروا انه يوم مصاليت صبر
ويبين البيت الأول مدى امتداد سلطانهم، وهو دليل على مدى قوتهم.
ولما احتل الساسانيون بلاد الشام سنة 613م قضوا على ملك بني جفنة، ففر بعض امرائهم الى بلاد الروم، والتجأ البعض الاخر الى داخل الصحراء.
ويبدو ان هرقل لما استعاد بلاد الشام من الفرس سنة 629م، لم يرجع للغساسنة حكمهم؛ وظلت حدود بلاد الشام الجنوبية مفتوحة، فاعتدت بعض القبائل على التجارة البيزنطية، دون ان تلقى مقاومة تذكر.
تروي المصادر العربية ان الغساسنة حاربوا المسلمين بجانب الروم في بعض معارك الفتوح الأولى، وان خالد بن الوليد اوقع بهم، سنة 634م، في مرج الصفر جنوبي دمشق؛ وان جبلة بن الايهم قاتل خالد بن الوليد في دومة الجندل، واشترك في موقعة اليرموك؛ لكن الراجح ان جبلة كان اميرا من بقايا امراء الغساسنة، ولم يكن له ملك كبير. وقد انضم فيما بعد الى العرب؛ ثم عاد وانضم الى الروم، بعد ان حكم عليه عمر بان يلطم قصاصا للطمه اعرابيا عند الطواف حول الكعبة في الحج.
كانت سلطة امراء غسان تمتد على كل القبائل البدوية التي كانت تنزل في فلسطين ومنطقة الاردن واطراف بلاد الشام. وقد اعتمدوا على هذه القبائل في حروبهم، وافادوا مما تميزوا به من اساليب القتال. الا اننا لا نرى آية اشارة الى ان الغساسنة كانوا يمتلكون ايا من الأماكن المحصنة او من المدن التي كانت مراكز للجيش، كدمشق وبصرى أو تدمر التي حصنها جستنيان.
كانت الجابية بالجولان قاعدة ملكهم، وفيها معسكرهم ومقرهم. ومع ان المؤرخين البيزنطيين والسريان كانوا يذكرون حرثا الغساسنة او معسكر الغساسنة، الا انه ليس هناك دليل على ان معسكرهم هذا اصبح مدينة كالحيرة، اذ كانوا ينتقلون أحياناً؛ وقد اتخذوا جلق عاصمة لهم، امداً من الوقت.
يذكر حمزة الاصفهاني عددا من الابنية والقصور وقنوات المياه التي اقامها الغساسنة؛ غير ان المصادر الأخرى لا تؤيد اقامتها. ويذكر حسان بن ثابت في شعره فخامة الحياة في قصور الغساسنة؛ ولكن لم تكشف الحفريات القليلة حتى الان عن هذه الاثار. ومن الجدير بالملاحظة انه لم يظهر فيهم أي شاعر؛ كما ان الشعراء الذي قصدوهم قليلون. ومع انهم دانوا بالمسيحية ورعوا المذهب اليعقوبي، الا ان فهمهم لهذا الدين مشكوك فيه.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|