أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-10-2016
2235
التاريخ: 5-10-2016
2621
التاريخ: 5-10-2016
2377
التاريخ: 2024-05-24
740
|
للدنيا صفات خسيسة قد مثلت في كل صفة بما تماثله فيها فمثالها في سرعة الفناء و الزوال و عدم الثبات : مثل النبات الذي اختلط به ماء السماء فاخضر، ثم أصبح هشيما تذروه الرياح ، أو كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه ، أو كقنطرة تعبر عنها و لا تمكث عليها , و في كونها مجرد الوهم و الخيال ، و كونها مما لا أصل لها و لا حقيقة ، كفيء الظلال ، أو خيالات المنام و أضغاث الأحلام ، فإنك قد تجد في منامك ما تهواه ، فإذا استيقظته ليس معك منه شيء.
وفي عداوتها لأهلها و إهلاكها إياهم : بامرأة تزينت للخطاب ، حتى إذا نكحتهم ذبحتهم.
فقد روى : «أن عيسى (عليه السّلام) كوشف بالدنيا فرآها في صورة عجوز شمطاء هتماء عليها من كل زينة ، فقال لها : كم تزوجت؟ , قالت : لا أحصيهم ، قال : فكلهم مات عنك أو كلهم طلقك؟ , قالت : بل كلهم قتلت ، فقال عيسى (عليه السّلام) : بؤسا لأزواجك الباقين ، كيف لا يعتبرون بالماضين؟ , كيف تهلكينهم واحدا واحدا و لا يكونون منك على حذر؟!».
وفي مخالفة باطنها لظاهرها : كعجوز متزينة تخدع الناس بظاهرها , فإذا وقفوا على باطنها و كشفوا القناع عن وجهها ، ظهرت لهم قبائحها .
وروي : «أنه يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء ، أنيابها بادية ، مشوه خلقها ، فتشرف على الخلائق ، و يقال لهم : تعرفون هذه فيقولون : نعوذ باللّه من معرفة هذه! فيقال : هذه الدنيا التي تفاخرتم عليها ، و بها تقاطعتم الأرحام ، و بها تحاسدتم و تباغضتم و أغررتم ، ثم يقذف بها في جهنم ، فتنادي : أي رب! أين أتباعي و أشياعي؟ , فيقول اللّه - عز و جل : ألحقوا بها أتباعها و أشياعها».
وفي قصر عمرها لكل شخص بالنسبة إلى ما تقدمه من الأزل و ما يتأخر عنه من الأبد : كمثل خطوة واحدة ، بل أقل من ذلك ، بالنسبة إلى سفر طويل ، بل بالنسبة إلى كل مسافة الأرض أضعافا غير متناهية.
ومن رأى الدنيا بهذه العين لم يركن إليها ، ولم يبال كيف انقضت أيامه في ضيق وضر أو في سعة و رفاهية ، بل لا يبني لبنة على لبنة , توفي سيد الرسل (صلّى اللّه عليه و آله) وما وضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة.
ورأى بعض أصحابه يبني بيتا من جص ، فقال : «أرى الأمر أعجل من هذا».
وإلى هذا أشار عيسى (عليه السّلام) حيث قال : «الدنيا قنطرة ، فاعبروها ولا تعمروها».
وفي نعومة ظاهرها و خشونة باطنها : مثل الحية التي يلين مسها و يقتل سمها , وفي قلة ما بقى منها بالإضافة إلى ما سبق : مثل ثوب شق من أوله إلى آخره ، فبقى متعلقا في آخره فيوشك ذلك الخيط أن ينقطع.
وفي قلة نسبتها إلى الآخرة : كمثل ما يجعل أحد إصبعه في اليم ، فلينظر بم يرجع إليه من الأصل.
وفي تأدية علائقها بعض إلى بعض حتى ينجر إلى الهلاك : كماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله.
وفي تأدية الحرص عليها إلى الهلاك غما : كمثل دودة القز كلما ازدادت على نفسها لفا كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غما.
وفي تعذر الخلاص من تبعاتها و استحالة عدم التلوث بقاذوراتها بعد الخوض فيها : كالماشي في الماء ، فإنه يمتنع ألا تبتل قدماه.
في نضارة أولها و خباثة عاقبتها : كالأطعمة التي تؤكل ، فكما أن الطعام كلما كان ألذ طعما و أكثر دسومة كان رجيعة أقذر و أشد نتنا ، فكذلك كل شهوة من شهوات الدنيا التي كانت للقلب أشهى و أقوى ، فنتنها و كراهيتها و التأذي بها عند الموت أشد ، و هذا مشاهد في الدنيا.
فإن المصيبة والألم والتفجع في كل ما فقد بقدر الالتذاذ بوجوده و حرصه عليه و حبه له ، و لذا ترى أن من نهبت داره و أخذت أهله و أولاده ، يكون تفجعه و ألمه أشد مما إذا أخذ عبد من عبيده ، فكل ما كان عند الوجود أشهى عنده و الذ ، فهو عند الفقد أدهى و أمر، و ما للموت معنى إلا فقد ما في الدنيا.
وفي تنعم الناس بها ثم تفجعهم على فراقها : مثل طبق ذهب عليه بخور و رياحين ، في دار رجل هيأه فيها ، و دعا الناس على الترتيب واحدا بعد واحد ليدخلوا داره ، و يشمه كل واحد و ينظر إليه ، ثم يتركه لمن يلحقه ، لا ليتملكه و يأخذه ، فدخل واحد و جهل رسمه ، فظن أنه قد وهب ذلك له ، فتعلق به قلبه ، لما ظن أنه له ، فلما استرجع منه ضجر و تألم ، و من كان عالما برسمه انتفع به و شكره و رده بطيب قلب و انشراح صدر , فكذلك من عرف سنة اللّه في الدنيا ، علم أنها دار ضيافة سبلت على المجتازين لينتفعوا بما فيها ، كما ينتفع المسافر بالعواري ثم يتركوها و يتوجهوا إلى مقصدهم من دون صرف قلوبهم إليها ، حتى تعظم مصيبتهم عند فراقها ، و من جهل سنه اللّه فيها ، ظن أنها مملوكة له ، فيتعلق بها قلبه ، فلما أخذت منه عظمت بليته و اشتدت مصيبته.
وفي اغترار الخلق بها و ضعف إيمانهم بقوله تعالى في تحذيره إياهم غوائلها : كمفازة غبراء لا نهاية لها ، سلكوها قوم و تاهوا فيها بلا زاد و ماء و راحلة ، فأيقنوا بالهلاك ، فبيناهم كذلك إذ خرج عليهم رجل و قال : أرأيتم إن هديتكم إلى رياض خضر و ماء رواء ما تعملون؟ , قالوا: لا نعصيك في شيء.
فأخذ منهم عهودا و مواثيق على ذلك ، فأوردهم ماء رواء و رياضا خضراء ، فمكث فيهم ما شاء اللّه ، ثم قال : الرحيل! قالوا : إلى أين؟ , قال : إلى ماء ليس كمائكم ، و إلى رياض ليست كرياضكم , فقال أكثرهم : لا نريد عيشا خيرا من هذا ، فلم يطيعوه , و قالت طائفة - و هم الأقلون - : ألم تعطوا هذا الرجل عهودكم و مواثيقكم باللّه ألا تعصوه و قد صدقكم في أول حديثه؟ , فو اللّه إنه صادق في هذا الكلام أيضا! فأتبعه هذا الأقل ، فذهب فيهم إلى أن أوردهم في ماء و رياض أحسن بمراتب شتى مما كانوا فيه أولا ، و تخلف عنه الأكثرون ، فبدرهم عدو، فأصبحوا من بين قتيل و أسير.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|