أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-9-2016
1431
التاريخ: 2024-05-26
703
التاريخ: 1-5-2021
2470
التاريخ: 27-4-2020
2625
|
هم مغرورون بأسرهم ، و هم ما بين من غرته الحياة الدنيا ، و بين من غره الشيطان باللّه واما الذين غرتهم الحياة الدنيا ، فباعث غرورهم قياسان نظمهما الشيطان في قلوبهم : (اولهما) ان الدنيا نقد و الآخرة نسيئة ، و النقد خير من النسيئة.
(و ثانيهما) ان لذات الدنيا يقينية و لذات الآخرة مشكوكة فيها ، و اليقيني خير من المشكوك فلا يترك به.
وهذه اقيسة فاسدة تشبه قياس ابليس حيث قال : {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف : 12] .
وعلاج هذا الغرور- بعد تحصيل اليقين بوجود الواجب تعالى و بحقيقة النبي (صلى الله عليه واله) ، وهو في غاية السهولة لوضوح الطرق و الادلة - اما ان يتبع مقتضى ايمانه و يصدق اللّه تعالى في قوله : {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96] , وفي قوله تعالى : {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى : 17] , و قوله : {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص : 60] . وقوله : {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران : 185] , و قوله تعالى : {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } [لقمان : 33] .
واما ان يعرف بالبرهان فساد القياسين ، حتى يزول عن نفسه ما تأديا اليه من الغرور, و طريق معرفة الفساد في (القياس الأول): ان يتأمل في ان كون الدنيا نقدا و الآخرة نسيئة صحيح ، الا ان كون كل نقد خيرا من النسيئة غير صحيح ، بل هو محل التلبيس ، اذ المسلّم خيرية النقد على النسيئة ان كان مثلها في المقدار و المنفعة و المقصود و البقاء ، و اما ان كان أقل منها في ذلك و ادون ، فالنسيئة خير، الا ترى ان هذا المغرور إذا حذره الطبيب من لذائذ الأطعمة يتركها في الحال خوفا من الم المرض في الاستقبال و يبذل درهما في الحال ليأخذ درهمين نسيئة ، و يتعب في الاسفار و يركب البحار في الحال لأجل الراحة و الربح نسيئة , و قس عليه جميع اعمال الناس و صنائعهم في الدنيا : من الزراعة و التجارة و المعاملات ، فانهم يبذلون فيها المال نقدا ليصلوا إلى أكثر منه نسيئة ، فان كان عشرة في ثاني الحال خيرا من واحد في الحال ، فأنسب لذة الدنيا من حيث الشدة و المدة و العدة إلى لذة الآخرة من هذه الحيثيات ، فان من عرف حقيقة الدنيا و الآخرة ، يعلم انه ليس للدنيا قدر محسوس بالنسبة إلى الآخرة ، على ان لذة الدنيا مكدرة مشوبة بأنواع المنغصات ، و لذات الآخرة صافية غير ممتزجة بشيء من المكدرات.
واما طريق معرفة فساد (القياس الثاني) بأصليه : هو ان يعرف ان كون لذات الآخرة مشكوكا فيها خطأ ، و ان كل يقيني خير من المشكوك غلط : (اما الأول) فلأنّ الآخرة يقينية قطعية عند أهل البصيرة , و ليقينهم مدركان : أحدهما ما يدركه عموم الخلق، و هو اتفاق عظماء الناس من الأنبياء و الأولياء و الحكماء و العلماء ، فان ذلك يورث اليقين و الطمأنينة بعد التأمل ، كما ان المريض الذي لا يعرف دواء علته إذا اتفق جميع أرباب الصناعة على ان دواءه كذا ، فانه تطمئن نفسه إلى تصديقهم و لا يطالبهم بتصحيح ذلك بالبراهين ، بل يثق بقولهم و يعمل به ، و ان كذبهم صبي او معتوه او سوادي , و لا ريب في ان المنكرين للآخرة المغترين بالحياة الدنيا من الكفار و البطالين بالنظر إلى المخبرين عن أحوال الآخرة و المشاهدين لها من الأنبياء و الأولياء ادون حالا و أقل رتبة من صبي او معتوه او سوادي بالنظر إلى اطباء بلد او مملكة.
وثانيهما ما لا يدركه الا الأنبياء و الأولياء ، و هو الوحي و الإلهام ، فالوحي للأنبياء و الإلهام والكشف للأولياء فانه قد كشفت لهم حقائق الأشياء كما هي عليها ، و شاهدوها بالبصيرة الباطنة كما تشاهد أنت المحسوسات بالبصر الظاهر، فيخبرون عن مشاهدة لا عن سماع و تقليد ، و لا تظنن ان معرفة النبي (صلى الله عليه واله) لأمر الآخرة و لأمور الدين مجرد تقليد لجبرئيل بالسماع منه ، كما ان معرفتك لها تقليد للنبي ، هيهات! فان الأنبياء يشاهدون حقائق الملك و الملكوت ، و ينظرون إليها بعين البصيرة و اليقين ، و ان اكد ذلك بالقاء الملك و السماع منه.
واما المغرورون باللّه ، و هم الذين يقدرون في أنفسهم و يقولون بألسنتهم ، ان كان للّه معاد فنحن فيه اوفر حظا و أسعد حالا من غيرنا ، كما أخبر اللّه - سبحانه- عن قول الرجلين المتحاورين ، اذ قال : {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} [الكهف : 36].
وباعث ذلك : ما القى الشيطان في روعهم من نظرهم مرة إلى نعم اللّه عليهم في الدنيا فيقيسون عليها نعمة الآخرة ، و ينظرون إلى تأخير اللّه العذاب عنهم فيقيسون عليه عذاب الآخرة ، كما قال اللّه - تعالى- :
{وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة: 8].
و مرة ينظرون إلى المؤمنين و هم فقراء محتاجون ، فيقولون : لو احبهم اللّه لاحسن إليهم في الدنيا و لو لم يحبنا لما أحسن إلينا فيها ، فلما لم يحسن اليهم في الدنيا و أحسن إلينا فيها فيكون محبا لنا و لا يكون محبا لهم ، فيكون الامر في الآخرة كذلك ، كما قال الشاعر :
كما أحسن اللّه فيما مضى كذلك يحسن فيما بقي
ولا ريب في أن كل ذلك خيالات فاسدة و قياسات باطلة ، فان من ظن ان النعم الدنيوية دليل الحب و الإكرام فقد اغتر باللّه ، إذ ظن انه كريم عند اللّه ، بدليل لا يدل على الكرامة بل يدل عند أولى البصائر على الهوان و الخذلان ، لان نعيم الدنيا و لذاتها مهلكات و مبعدات من اللّه وان اللّه يحمى احباءه الدنيا كما يحمي الوالد الشفيق ولده المريض لذائذ الأطعمة.
ومثل معاملة اللّه - سبحانه- مع المؤمن الخالص و الكافر و الفاسق ، حيث يزوي الدنيا عن الأول و يصب نعمها و لذاتها على الثاني ، مثل من كان له عبدان صغيران يحب أحدهما و يبغض الآخر، فيمنع الأول من اللعب و يلزمه المكتب و يحبسه فيه ، ليعلمه الادب و يمنعه من لذائذ الأطعمة و الفواكه التي تضره و يسقيه الادوية البشعة التي تنفعه ، و يهمل الثاني ليعيش كيف يريد و يلعب و يأكل كل ما يشتهي ، فلو ظن هذا العبد المهمل انه محبوب كريم عند سيده لتمكنه من شهواته و لذاته ، و ان الآخر مبغوض عنده لمنعه عن مشتهياته ، كان مغرورا احمق و قد كان الخائفون من ذوي البصائر إذا أقبلت عليهم الدنيا حزنوا و قالوا : ذنب عجلت عقوبته وإذا أقبل عليهم الفقر قالوا : مرحبا بشعار الصالحين! واما المغرورون فعلى خلاف ذلك لظنهم ان إقبال الدنيا عليهم كرامة من اللّه و ان ادبارها عنهم هو ان لهم ، كما أخبر اللّه - تعالى- عنه بقوله : {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر : 15، 16] .
وعلاج هذا الغرور : أن يعرف أن إقبال الدنيا دليل الهوان و الخذلان دون الكرامة و الإحسان والتجرد منها سبب الكرامة و القرب إلى اللّه - سبحانه- و الطريق إلى هذه المعرفة : اما ملاحظة أحوال الأنبياء و الأولياء و غيرهما من طوائف العرفاء و فرق الاتقياء ، او التدبر في الآيات و الاخبار.
قال اللّه سبحانه : {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ } [المؤمنون : 55، 56] , وقال سبحانه : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف : 182] , وقال - تعالى- : {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } [الأنعام : 44] , و قال تعالى : {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عمران : 178] .
الى غير ذلك من الآيات و الاخبار.
ومنشأ هذا الغرور: الجهل باللّه و بصفاته ، فان من عرفه لا يأمن مكره و لا يغتر به بأمثال هذه الخيالات الفاسدة ، و ينظر إلى قارون و فرعون و غيرهما من الملوك و الجبابرة ، كيف أحسن اللّه إليهم ابتداء ثم دمرهم تدميرا ، و قد حذر اللّه عباده عن مكره و استدراجه فقال : {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف : 99] , و قال : {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران : 54].
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|