أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-11-2020
2574
التاريخ: 2024-05-09
698
التاريخ: 19-09-2014
3971
التاريخ: 5-11-2014
1770
|
- تناسب أجراس حروفه مع صدى معانيه : من عجيب نظمه وبديع أُسلوبه ، ذاك تناسب أجراس حروف كلماته المختارة ، مع وقع معانيه في النفوس ، وكأنّما اللفظ والمعنى يتواكبان ويتسابقان في السطو على الأسماع ومشاعر القلوب معاً ، ذاك على السمع وهذا على الفؤاد في التئام ووئام . فإن كان تكريماً فلفظٌ أنيق ، أو تشريفاً فتعبيرٌ رحيق ، وإن تهديداً فكلمةٌ غليظة ، أو تهويلاً فلفظةٌ شديدة ... وهكذا تتجسّد معاني القرآن في قوالب ألفاظه وتتبلور في أجراس حروفه .
- ألفاظٌ وتعابير أم قوامع من حديد ؟
هو عندما يُهدّد أو يُندّد أو يُخبر عن وقع عذاب أليم ـ فيما سلف بأقوام ظالمين ـ تراه يصكّ الآذان بألفاظ ذوات أصوات نحاسية مزعجة ، قد تحوّلت الكلم إلى جلاميد صخر أو قوامع من حديد ، وكأنّها رُجُم وصواعق ورعود .
* عندما تقرأ {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر : 36، 37] يُخيّل إليك جرس اللفظة غلظ الصراخ المختلط المتجاوب من كلّ جانب ، المنبعث من حناجر مكتظّة بالأصوات الخشنة ، كما يُلقى إليك ظلّ الإهمال لهذا الاصطراخ الذي لا يجد مَن يهتمّ بشأنه أو يلبّيه . وتَلمح من وراء ذلك كلّه صورة ذلك العذاب الغليظ الذي هم فيه يصطرخون .
وحين يستقلّ لفظ واحد بهذه الصور كلّها ، ويدلّك اللفظ عليه قبل دلالة المعنى ، يكون ذلك فنّاً من التناسق البديع (1) .
* وعندما تستمع إلى قوله تعالى : {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ} [آل عمران : 117] ، وكأنّك تحس بسمعك صوت هذه الريح العاتية ، ولها صرير وصراخ وقعقعة وهياج ، تَنسف وتُدمّر كلّ شيء ، فتُصوّر وقع عذاب شديد ألمّ بقوم ظالمين .
* وهكذا عندما تتلى عليك {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر : 19، 20] أو {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } [الحاقة : 6] تجد وقع العذاب وشدّته من مضض هذه اللفظة عند اصطكاكها مع صِماخ أُذنك ، واللفظة مضاعفة بجرسها دلالة على مضاعفة العذاب .
* وعندما تقرأ {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ } [عبس : 33 - 42] تجد وقع هذا الصراخ المدهش الذي يُذيب القلوب وتذهل النفوس .
قال ابن عباس : ( الصاخّة ) صيحة القيامة ، سمّيت بذلك ؛ لأنّ صرختها تصخّ الآذان ، أي تدكّها دكّاً عنيفاً تصمّها ، وهكذا اللفظة دلّت عليه برنَتِها المُرعِدة ذات وقع صوتيّ عنيف ، وكأنّك تشهد الموقف ، وقد فاجأتك صرخته .
* ونظيرتها {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} [النازعات : 34] ، والطامّة : اسم للداهية الكبرى لا يُستطاع دفعها ، وهكذا كانت وقعة القيامة تُفاجِئ بأهوالها ومكابدها ، ممّا تُذهب وتُذيب القلوب ، واللفظة دلّت عليه برنتها .
قال سيد قطب : ومن الأوصاف التي اشتقّها القرآن ليوم القيامة ( الصاخّة ) و( الطامّة ) والصاخّة لفظة تكاد تخرق صِماخ الأُذن في ثقلها وعنف جرسها ، وشقّه للهواء شقاً ، حتى يصل إلى الأُذن صاخّاً مُلحّاً ، والطامّة لفظة ذات دويّ وطنين ، تُخيّل إليك أنّها تطمّ وتعمّ ، كالطوفان يغمر كلّ شيء ويطويه (2) .
* {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا } [الفجر : 21] ويتلو الآية : {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر : 22، 23] ... وكأنّه عرض عسكري ـ الذي تشترك فيه جهنّم ـ بموسيقاه العسكرية المنتظمة الدقّات ، المنبعثة من البناء اللفظي الشديد الأسر (3) وكأنّها قرعات وقمعات .
* {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } [الإنسان : 7] ، ما أهول هذه الكلمة في هذا الموضع ، وما أوقع جرسها المدوّي المخوف ، المتناسب مع أهوال يوم القيامة ، المتطاير شرّها كالبركان الثائر المتقاذف شرارته ، لا يَسلم منها قريب ولا بعيد .
* وزاده رعباً وهولاً تكراره بوجه آخر كان أخوف : {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الإنسان : 10] ، كأنّه الضيغم الضاري عبس في وجه فريسته عبوساً شديداً ،
ولعلّه من طول جوعه وضمور بطنه ، فكان أشدّ رعباً ـ وهو سبع جائع يقصدك لا عن هوادة ـ من بركان ، لا قصد له ولا عزم ، والتخلص منه ممكن ؛ لأنّه لا يتبعك .
* وتقرأ : {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} [النساء : 72] فترتسم صورة التبطئة في جرس العبارة كلّها ، وفي جرس ( ليبطِّئنَّ ) خاصّة . وإنّ اللسان ليكاد يتعثّر ، وهو يتخبّط فيها حتى يصل ببطء إلى نهايتها .
* وتتلو حكاية قول هود : {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود : 28] ، فتحسّ أنّ كلمة ( أَنُلْزِمُكُمُوهَا ) تُصوّر جوّ الإكراه ، بإدماج كلّ هذه الضمائر في النطق ، وشدّ بعضها إلى بعض ، كما يُدمج الكارهون مع ما يكرهون ، ويشدّون إليه وهم منه نافرون .
قال سيد قطب : وهكذا يبدو لونٌ من التناسق ـ تناسق جرس اللفظ مع نوعية المعنى ـ أعلى من البلاغة الظاهرية ، وأرفع من الفصاحة اللفظية ، اللتين يحسبهما بعض الباحثين في القرآن أعظم مزايا القرآن (4) .
* انظر إلى هذا التشبيه البديع : {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [الحج : 31] اللفظ يُصوّر السقوط المرير ( خَرّ مِنَ السّماءِ ) صوت تقطع الأنفاس وحسبها في البلعوم من هول هذا السقوط المفاجئ ، ثمّ ماذا بعد ؟ ( تَخْطَفُهُ الطّيْرُ ) لفوره فيقع فريستها ( أَوْ تَهْوِي بِهِ الرّيحُ فِي مَكَانٍ سَحيقٍ ) متقطّع الأشلاء ، فلا يهتدي إليه أحد ، هكذا وبهذه السرعة الخاطفة يطوى مسرح حياة المشرك بالله ، وبهذه الخاتمة الأليمة (5) .
* {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم : 13] هذه الكلمة ( عتلّ ) في مادّتها وهيأتها ( ع :
مجهورة مستعلية ، تاء : مهموسة شديدة ، ل : مجهورة منذلقة ) بضمّتين متعاقبتينِ وتشديد اللام الأخيرة ، تُمثّل الغلظة الجافية والانهماك في الشهوات وملاذ الحياة السفلى ، قبل أن تدلّ عليه الكلمة من المعنى الوضعيّ اللغوي : الأكول ، الجافي ، الغليظ .
تلك لفظة دلّت أجراسها على معناها قبل أن تدلّ أوضاعها ؛ ومِن ثَمّ فقد تعقبها ما يناسبها ( زنيم ) : اللئيم ، الدعيّ ، الذي لا يبالي بما قال ولا بما قيل فيه .
* {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ} [البقرة : 96] دلّت لفظة الزحزحة على تلك الحركة التدرّجية قبل المعنى.
* {فَكُبْكِبُوا فِيهَا } [الشعراء : 94] كأنّ جرس اللفظة أدلّ على تعاقب الكبو في النار ، هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون .
قال سيّد قطب : وحقيقةً أنّ وضع هاتين اللفظتينِ اللغوي هو الذي يمنحهما هذه الصور وليس هو استعمال القرآن الخاصّ لهما ، كما هو الشأن في الكلمات الماضية ، التي اشتقّها خاصّة أو استعملها أَوّل مرّة ، ولكن اختيارهما في مكانيهما يُحسب بلا شكّ في بلاغة التعبير .
* { إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا } [النبأ : 25] انظر إلى هذا التعبير الذي ملؤه الامتهان والاحتقار بشأن الطاغين وتصغير جانبهم والإزراء بحالتهم الفظيعة ، إنّ جهنم كانت ترصدهم فتتلقّاهم في شرّ مآب ، ويلبثون فيه أحقاباً ، لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً ، نعم ( إِلاَّ حَمِيماً ) ماءً ساخناً يشوى الحلق ويزيد في التهاب البطن ، ( وَغَسَّاقاً ) ما يغسق ، أي ينصبّ من بدن الحريق ، من قيح وصديد ، تلك الانصبابة التي تكاد تتقطّع من أعضائه المشويّة تقطّعاً ، تلك كؤوس الشراب تُقدّم إلى أُولئك الطواغيت ، في مثل ذلك الحرّ القاطع .
شارب نتن قذر ، مُدّت إليه أعناقهم ليشربوه ، رغم استفظاعه واستقذاره ، فيا له من فظاعة ومسكنة وتعاسة .
انظر إلى جرس اللفظة ( غسّاقاً ) إنّها تُصوّر حالة التهوّع التي تعتري الشاربين التُعساء يكاد يخنقهم أَلَم شوكه . {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية : 6] وما أدراك ما الضريع ؟ إنّه طعام ( لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ) لا يسدّ جوعة ولا يمنع نهماً ، سوى مضغة مضنية يلوكها الآكل في تَلوٍّ وإرهاق ، وتعب ونصب وضمور بطن ، يَلحقها ضراعة وتعاسة ومسكنة مزرية ، قال الراغب : هو نبات أحمر منتن الريح ، يلفظه البحر ، فإذا اقتاته الإبل أصنته تخمتُه وأثقلته وخامتُه .
قلت : واللفظة بجرسها المرهق الثقيل (6) دلّت على ضراعة حالة آكِله قبل دلالة المعنى الوضعي .
{وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة : 36] وما أدراك ما الغِسلِين ؟ هي غسالة أقذار الأبدان ، ومِن ثَمّ فهي حثالة قيح وصديد تسيل من قروح أبدان أهل النار وجروحها ، وفي تركيب اللفظة ما يُنبئ عن هذا الاستقذار ، يمجّها السمع ويتنفّر منها الطبع .
__________________
(1) التصوير الفني : ص72 .
(2) التصوير الفني : ص73 .
(3) الأسر : القبض على شيء ( التصوير : ص76 ) .
(4) التصوير الفني : ص72 .
(5) التصوير الفني : ص103 .
(6) ضاد حرف إجهار رخو مطبق ، ومستعل مصمت ، وراء حرف إجهار رخو منخفض ، ومنذلق متكرر ، ياء حرف لين منخفض ، عين منفتح مستعل .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|